قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

كان الوداع حزينا تبكى فيه الجدة فراق حفيدها، تعرف ان الدموع لن تخفف وجع الفراق ولكنها تلتمس فيها السلوى، تُبرد بها نارها وحرقة قلبها كما تبرد الماء بعض الشيئ من حريق الجلود.

تحمد الله انها إستطاعت الخروج من المنزل دون أن ترى مالكه الجديد وإلا أمسكت فى خناقه فلم تتركه إلا وقد وارى أحدهما الثرى، فكم تمقت هذا الطُفيلي الذى أخذ منها كل شيء وحرمها حتى الوجود إلى جوار أحبتها، مسحت دموعها وهي تربت على كتف (قمر)وتُقبل الصبي ثم تحتضنه بقوة قبل أن تتركه وتركب السيارة على الفور فتنطلق بها بينما نظرت (قمر)فى إثرها بحزن و(تيام)يلوح لتلك السيارة المبتعدة حتى إختفت عن الانظار، تنهدت(قمر) تمسك قبضة يده بإحدى كفيها بينما باليد الأخرى حملت حقيبتها وسارت بإتجاه الكوخ الصغير فى آخر الحديقة والذى كان لها دوما مكان للراحة والسعادة وأضحى الآن مكانا لطوفان من الذكريات تجتر فيه فقط أحزانها ومرارتها.

كان هناك من يتابع كل شيء من خلال نافذة الحجرة التى إختارها ليمكث فيها ليقول بقسوة:
-هربت وسابتك لوحدك. اممم، كدة أحسن برضه. من النهاردة إبتدى حسابك ياقمر وصدقينى حسابك معايا عسير.
ليترك الستائر تنسدل وهو يتجه إلى حقيبته ويفرغها ببرود.

كانت تحمل الملاءات البيضاء من على المفروشات وتأخذها لخارج الكوخ تنفضها ثم تضعها إلى جانب، تمسك قطعة من القماش وتمزقها نصفين ثم تأخذ جزء منها لتزيل الغبار من على الشباك الصغير فإمتلأ المكان بغمامة من الغبار سعل على إثرها (تيام)بقوة، فأخبرته أن يخرج من الكوخ وينتظرها بالخارج حتى تنتهى من التنظيف فإنصاع لأمرها على الفور.

كانت تلمع بالجزء الآخر الأخشاب البسيطة الموجودة بالكوخ حتى وصلت إلى الطاولة فتجمدت يداها وتسارعت خفقاتها بقوة. مدت أناملها تتلمس الأحرف المحفورة عليها. وكأنهما وشما كل الأماكن بقصتهما. لا يوجد مكان لا يحمل وشمهما حروف إسمهما الأولى داخل قلب كانت تلك فعلته الدائمة والتى يخطف بها قلبها فى كل مرة وكأنها المرة الأولى.

جلست على الكرسي تترك القماشة من يدها وعيونها تشرد فى المكان، ترى طيف الخالة (فاطمة) وهي تجرى وراء (أكرم)بينما تقف هي ضاحكة حتى إختبأ خلفها يطالبها بنجدته، فتبسمت برقة تتقدم من الخالة (فاطمة) وتضع ذراعها على كتفها تضمها لجوارها مقبلة وجنتها ومطالبة إياها ان تدعه لخاطرها، فتبتسم الخالة بحنان قبل أن تعفو عنه وتذهب إلى رُكن بآخر الكوخ لتعد لهما شيئا يأكلانه بينما يقترب منها (أكرم)يرغب فى تقبيلها مكافأة له على تخليصها إياه من عقاب الخالة(فاطمة)فتهرب منه إلى الخارج بخجل يتبعها ضاحكا.

أغمضت عيناها تُنهى طوفان الذكريات الذى سيغرقها فى الألم إن سمحت له بأن يسحبها إليه يعيد فتح جراح ظنت أنها إلتأمت بالكامل، فتحت عيناها متنهدة قبل ان تنهض وتسحب قماشتها تُكمل عملها بآلية حتى تستطيع الإستسلام للنوم فقد بات اليوم مرهقا لكيانها بشكل لا تستطيع تحمله.
كادت (قمر)أن تتعثر و توقع سلطانية المرق من يدها فأسندتها (سعاد)، قائلة:
-خلى عنك ياست قمر، سيبينى أنا اللى أوديها.

كادت (قمر)ان تقول شيئا ولكن صوته الصارم صدح فى المكان قائلا:
-أظن إنى قلت كل واحد يخليه فى شغله ياسعاد، انتِ طبختى الأكل تبقى هي اللى تقدمه مش شغلانة هي ولا حاجة صعبة.

رمقت(قمر)(سعاد) بنظرة لا عليك فهزت رأسها بإحترام قبل أن تتجه إلى طناجرها بينما تقدمت(قمر)تحمل سلطانية المرق بوجه خال من المشاعر تنظر أمامها فقط تريد أن تتجاوزه وحسب، فتعثرت مجددا ولكن تلك المرة قدمه كانت سبب تعثرها متعمدا على مايبدو حيث وضع قدمه فى طريقها فوقعت من يدها سلطانية المرق لتنكسر وتتناثر محتوياتها على الأرض بينما كادت هي ان تقع فوقها وتنجرح او تحترق لولا يده التى إمتدت وأمسكتها فحالت دون وقوعها وإصابتها بكل تأكيد ليطالعها بسخرية فإعتدلت على الفور تطالعه بحنق بينما قال هو ببرود:.

-هتلمى اللى وقعتيه بإهمالك ودلعك وهتشتغلى بالليل عقاباً ليكِ. الدفاية بتاعة أوضة بنتي مش شغالة ومن إمبارح وهي نايمة فى أوضتي، شوفيها، مفهوم؟
لم يمنحها مجالا لقول شيء فقد قال كلماته وذهب على الفور نظرت فى إثره بغضب شمل جميع أطرافها، لتزفر قبل ان تذهب و تمسك جاروفا وتبدأ بالتنظيف.

كانت تلعب بالحديقة تتنقل بين الزهور الجميلة وتشاهد ألوانها المتنوعة تميل على بعضها تستنشق رائحتها العذبة تتلمس اوراقها الناعمة الملمس فجرحت إحداها إصبعها تزامنا مع صرخة لصبي يحذرها قائلا:
-حاسبى.
إلتفتت إلى الصبي وهي تطالعه بعيون حائرة، فتقدم منها وهو يسحب منديله يقف أمامها ويمد يده يسحب يدها المجروحة واضعا المنديل على إصبعها قائلا:.

-الورد فى الناحية دى من الجنينة مليان شوك، لو بتحبى الورد اللى مبيعورش فمكانه الناحية التانية دى.
وأشار بيده إلى الجهة الأخرى فقالت وهي تسحب يدها وتضغط بالمنديل على إصبعها كي توقف النزيف:
-وانت عرفت ده كله منين؟!
إبتسم قائلا:
-أنا عايش طول عمرى هنا.
قالت بإبتسامة مماثلة:
-أنا كمان هعيش علطول هنا، إيه رأيك نكون أصحاب وتعرفنى على المزرعة؟
إتسعت إبتسامته قائلا:
-موافق طبعا وكمان هعرفك على سارة.
قالت بحيرة:.

-سارة تبقى أختك.
قال:
-بنت طنط أمنية صاحبة ماما، متربيين مع بعض وزي أختي بالظبط.
قالت:
-أنا إسمى شمس أكرم الصياد، وانت بقى إسمك إيه؟
إبتسم يمد يده مصافحا وهو يقول:
-تيام حاتم السلاطينى.
مدت يدها لتصافحه فوجدت من يجذب يدها بقسوة يمنعها من مصافحته، قائلا بغضب ل(تيام):
-إنت إيه اللى جابك هنا؟وعايز من بنتى إيه؟
تأمله الصبي بثبات راق له رُغما عنه وهو يقول:.

-جيت مع ماما هي قالتلى ألعب فى الجنينة ولما شفت شمس بتقرب من الورد اللى مليان شوك وهتنجرح قربت أحذرها لكن تحذيرى كان متأخر وإنجرحت برضه.
إستدار(اكرم)تجاه (شمس) قائلا بلهفة:
-إنجرحتى فين؟
قالت ببراءة وهي تشير إلى إصبعها:
-هنا. بس تيام إدالى منديله فالدم وقف.
لتبعد المنديل عن إصبعها تريه الجرح الذى توقف بالفعل عن النزيف، فتفحص جرحها ووجد انه سطحى لا خوف منه ثم سحب منها المنديل وهو يقول بغضب:.

-روحى على أوضتى وأنا هحصلك.
قالت بإعتراض:
-أيوة بس..
قاطعها هادرا:
-قلتلك روحى على اوضتى وإستنينى هناك.
غادرت بسرعة بينما إلتفت (أكرم)إلى (تيام)قائلا بحدة:
-إتفضل منديلك وروح على الكوخ وإفضل هناك، مش عايز أشوفك قريب من المكان هنا خالص.
قال الطفل بغضب:
-الوحيدة اللى تقدر تقولى الكلام ده هي أمى، دى الجنينة بتاعتنا وانا حر افضل فيها او أمشى.
قال(أكرم) بسخرية:.

-الجنينة دى مبقتش خلاص ملك مامتك بقت ملكى أنا، وانا اللى أقول مين يقعد فيها ومين يمشى، مامتك دلوقتى مش أكتر من خدامة عندى مفهوم؟
قال(تيام)بغضب:
-إنت كداب؟
قال(أكرم)بإستنكار:
-إنت ولد وقح وقليل الأدب كمان ولازم تتربى من أول وجديد.
ليهدر صوتها من خلفه وهي تقول:
-تعالى هنا ياتيام.
أسرع الطفل إليها يحتضنها بقوة ودموعه تسقط على وجنتيه يقول من خلالها:.

-الراجل ده وحش ياماما بيقول إن الجنينة بقت بتاعته وإنك بتشتغلى خدامة عنده.

شعر(اكرم)بضآلته وهو يستمع إلى كلمات الصبي ويراه يبكى من قسوته، شعر أيضا بالغضب من نفسه لتنفيسه عن كره (حاتم السلاطينى) الذى أخذ منه حبيبته فى طفل مثل(تيام) الذى كان من المفترض ان يكون طفله هو فأصبح له، نفض لحظة الضعف تلك وهو يحذر نفسه من التعاطف معهما وإلا لن يستطيع ابدا أن ينال إنتقامه، لتعلو وجهه برودة جليدية وهو يطالعهما. كانت تهمس له ببضع كلمات مواسية ثم أمرته أن يذهب إلى الكوخ وينتظرها هناك. قبلت مُقدمة رأسه بحنان أثار غيظ (أكرم )وغضبه أكثر وبينما يغادر الصبي كاد هو ان يغادر بدوره فإستوقفه صوتها الصارم، إلتفت إليها ببرود يطالعها فقالت له بغضب:.

-إنك تعذبنى أو حتى تإذينى عشان تاخد بتارك شيء وإنك تمس ابنى بسوء شيء تانى خالص، لو ده إتكرر مرة تانية صدقنى ساعتها لا ههتم بسجن ولا حتى بإعدام، هوديه عند أهل باباه ومش هيهمنى مصيري على الأقل هكون مطمنة عليه وعارفة إنه مش هيتهان.
طالعها ببرود قائلا:
-خلصتى؟!
تأملته دون ان تنطق بكلمة فكاد ان يغادر، ليستوقفه صوتها وهي تقول:
-مرديتش علية ياأكرم بيه.

لم يستدر تجاهها بل صمت للحظة مواليا إياها ظهره قبل ان يقول بهدوء:
-اللى حصل مع إبنك غلطة مش مقصودة بعتذر عنها، الأطفال برة لعبتنا بس غصب عنى مقدرتش أمسك نفسى وأنا شايف أكرم وقمر تانيين قدامى، وأظن إنك إنتِ كمان مش عايزة حكايتنا تتكرر، ولا إيه؟
لم تجبه وعيونها تتسع رفضا فوصلته إجابتها ليسير بجمود تجاه المنزل تتابعه بعينيها.

بالتأكيد هي لا تود تكرار حكايتهما سويا، خاصة إن كان طرفيها (تيام) و(شمس) لتنوى ان تبعدهما عن بعضهما البعض قدر الإمكان وأن تترك طفلها فى الكوخ طوال النهار رغم قلقها عليه، تتمنى لو كان بإستطاعتها تركه مع جدته حتى تنهى فترة عقابها ولكنها تدرك بكل ذرة فى كيانها أنها لا تقوى على فراقه وإبتعاده عنها، ليس خِيارا.

الجو بارد حقا وقطرات من المطر تنهمر بالخارج، تحب الشتاء بقوة وتنتظره لتختلس اللحظات للرقص تحت المطر حتى وإن تسبب لها فى المرض، لا يهمها. هي فقط لا تستطيع مقاومة جاذبيته وسحره، إرتدت معطفها وأخذت مظلتها وتسللت من الباب الخلفي تجرى بالمظلة حتى وجدت مكانا واسعا، لتترك مظلتها وهي تدور راقصة تحت المطر. تدور وتدور حتى تعثرت فى حجر وسقطت أرضا حاولت النهوض فآلمها كاحلها، نادت على الخادمة فلم تسمعها بكت بقوة وألمها يزداد حتى وجدت صبي يقترب منها قائلا:.

-إنتى كويسة ياشاطرة؟
طالعته متوجسة، تقول بخوف:
-إنت مين؟أنا أول مرة أشوفك هنا.
قال بهدوء:
-أنا أكرم الصياد وعمتي تبقى الست فاطمة.
لانت ملامحها قائلة:
-وإزاي مشوفتكش قبل كدة؟
قال لها:
-أنا لسة جاي المزرعة النهاردة، جيت مع عمتى بعد ما ماما راحت...
طالعته بحيرة لصمته فقالت:
-مامتك راحت فين؟
قال بحزن:
-راحت عند ربنا.
هزت رأسها متعاطفة وهي تقول:
-زي ماما.
طالعها بفضول قائلا:
-انتِ مامتك ماتت هي كمان؟
هزت رأسها قائلة:.

-وهي بتولدنى انا مشوفتهاش خالص.
طالعها مشفقا فإنتابها الألم مجددا وظهر فى شهقة منها فسألها وهو يطالع قدمها المتورمة:
-رجلك مالها؟
قالت بحزن:
-مش عارفة بس بتوجعنى اوى.
قال بهدوء:
-تقدرى تسندى علية؟
هزت رأسها نفيا فظهر عليه التفكير مليا قبل ان يقول:
-طيب إستنينى هنا هروح أنده حد من البيت يشيلك.
هزت رأسها فإنطلق مغادرا ليستوقفه صوتها وهي تقول:
-أكرم!
إستدار مطالعا إياها فأردفت قائلة:.

-متتأخرش علية أنا سقعانة اوى.
عاد إليها وخلع جاكته ثم وضعه حول كتفها رغم إعتراضها وإنطلق مجددا بينما تتابعه هي بعيون أطلت منهما نظرة إعجاب.
كانت تلك هي البداية لشرارة حب ألهبت مشاعرها على مرور السنوات، تدرك الآن لما ثار فى وجه طفلها فالبداية تقريبا متشابهة، وأيا منهما لن يقبل بتكرار القصة لأسباب عديدة.

قصتهما. كم هي بائسة حقا، جنباتها الالم وأركانها مزعزعة جِراء الظلم والخيانة والهجران، قصة حُكم عليها بالفشل يطاردها ثأر قديم وغرامة غدر.
تنهدت وهي تنهض لتمسح الطاولة وتغسل الأوانى قبل ان تتجه إلى الكوخ وتنعم ببعض سويعات من الراحة، ولكن أين لها الراحة وطوفان من الذكريات يطاردها ويحرمها السعادة وراحة البال؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة