قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

جلس فى سيارته متجهاً إلى منزله وكعادة عيناه تهفو بنظراتها إلى الكوخ الذى تسكنه هي رُغما عنه فإتسعت عيناه برعب جعل خافقه يإنّ وهو يصرخ بسائقه ان يتوقف، توقف (مرزوق)على الفور متعجباً من نبرات صوت سيده المرتعبة، وجده يهرول خارج السيارة فهبط منها وتبعه على الفور. يرى مارآه (أكرم)منذ لحظات دخان يتصاعد من الكوخ وصل (أكرم)الى الباب أولا فدفعه على الفور، ثم وضع ذراعه على فاهه وهو يسعل بقوة مناديا بإسمها بنبرات ثائرة، لم يجبه أحد فحاول أن يدقق النظر من خلال الدخان الكثيف، رأى على الفور جسد الصبي المسجى أرضا فهرع إليه دون تردد وهو يسحب غطاء المائدة الثقيل يتفادى به النيران التى كادت أن تلامس الصغير، فى حين وصل (مرزوق )فى تلك اللحظة ورآه يحمل الصبي للخارج فأفسح له الطريق وهو يسرع بدوره إلى السيارة بينما يقول (أكرم)بتوتر وهو يرى ملامح (تيام)الزرقاء الشاحبة:.

-أنا هاخده على المستشفى ياعم مرزوق الولد نبضه ضعيف جدا، قمر مش فى البيت. اتصل بسعاد واتأكد إنها معاها ونادى على خلف وحراس الأمن يطفوا الكوخ بسرعة.
أخرج (مرزوق) هاتفه وهو يقول من بين أنفاسه اللاهثة:
-حاضر يابيه بس خد بالك، تيام عنده ربو. جهاز الاستنشاق بتاعه أكيد فى جيبه مبيفارقوش ربنا يسترها معاه وينجيه.

عقد (أكرم) حاجبيه بشدة وهو يهز رأسه يسرع فى خطواته أكثر وقد أدرك أن حالة الصبي أخطر مما ظن، وما إن وضعه فى السيارة حتى تحسس جيوبه بسرعة فوجد الجهاز بالفعل ليضعه على أنفه على الفور ويطلقه، لم يجد منه إستجابة فإستشاط غضباً و قلقاً، يسرع بالقيادة وهو يطوى الأرض بالسيارة متجها إلى المشفى، يلعن(قمر)التى تركت طفلها وحده بالكوخ وهي تدرك أنه مريض بداء يعرفه حق المعرفة.

كان يقود سيارته بإتجاه المكان الذى ذُكر فى الرسالة التى بُعِثت إليه اليوم من مجهول لم يذكر إسمه أو لم تذكر إسمها. لا يهم، مايهم هو محتوى الرسالة والذى زلزل كيانه بالكامل وشاع البرد فى أوصاله، يرفض هذا المحتوى بكل كيانه. يثق بتلك الفتاة التى احبها بشدة ولكن يظل هناك رسالة بُعثت وأثارت بداخله الهواجس والظنون لابد من دحضها على الفور وإلا سيجن بلا شك. فلأول مرة يتصل بخطيبته ولا تجيبه ولأول مرة تخرج من دون أن تترك له خبراً كعادتها. لأول مرة تبدو تصرفاتها غريبة على نفسه ليصر على أن يقتل ظنونه فى المهد ليصل إلى يقين يُريح قلبه.

أغمض عيونه للحظة ثم فتحهما ونيران مستعرة تطوف بقلبه. لقد أحبها كما لم يحب مخلوق قط. منذ عرفها وعِشقها يسير بشرايينه يلامس وجدانه ويجعله ينبض بالحياة.
ضرب المقود بقوة وهو يتوسل إليها بكل ذرة فى الكيان.
بالله عليكِ حبيبتي.
لا تحطمى شراع حبي وتتركينى أغرق فى بحر الغدر مُجبراً.
لا تتركينى أخبر قلبى أن أحلامه التى رسمها معك كانت أوهاماً زائلة.
كيف سأداوى طعنة الغدر وقد جاءت منك أنتِ.
أقرب البشر إلى قلبي.

نفسى التى ماظننتها يوما ستخون.
سيكون الغدر وقتها حبلاً يطوق عنقي ويضيق الخناق حولي حتى ألفظ أنفاسي الأخيرة قهرا.
بالله عليكِ لا تقتلينى.
وكونى فقط. بريئة من كل إثم.
وصل إلى هذا المكان الذى يطلق عليه(كافيه أوليه)فترجل على الفور مسرعا إلى الداخل ليجدها هناك، تجلس وتبتسم بعفوية جعلته يقف متسمراً وهو يطالع الرجل الجالس أمامها يمنحه ظهره.
لا. لا يمكن أن تخونى.
سأُكذب عيناي وأطمس ظنوني.
سأفقأ حتى عيوني.

وسأنكر مارأيته أو أدعى جنوني.
خائنة؟!
لا. لا يمكن أن تكونى.
تمهل أيها القلب الثائر وياخفقاته أمهلونى.
سأُغلق جفناي وأسير مبتعداً فلا ترونى.
تبا..
بل سأخطو تجاهك وأطالبك تفسيراً يُعيد سكوني.
فحبيبتي بريئة كما يؤمن قلبى...
حتى يثبت العكس وتنهار حصوني.

اقترب منها بخطوات بطيئة حتى صار فى مرمى بصرها فلم تهرب إبتسامتها ولم تختفى بصدمة، بل إتسعت إبتسامتها وعيناها تتقابل مع عيناه بنظرة حب أرسلتها تجاهه فهدات دقاته الثائرة بعض الشيء، قالت بضع كلمات لهذا الرجل أمامها ليستدير برأسه تجاه (عادل)بإبتسامة طيبة على محياه. تقدم منهما والأمل فى قلبه يزداد حتى صار أمامهما تماما، فنهضت (نهال)ونهض الرجل لتقول الأولى بإبتسامة:
-أحمد، أقدملك خطيبى عادل.

بينما قالت(لعادل):
-وده احمد زميلى اللى حكيتلك عنه قبل كدة، اول مرة تشوفوا بعض مش كدة؟
إستطاع (عادل)ان يرسم إبتسامة مهزوزة على ثغره، بينما مد (احمد)يده إليه قائلا بإبتسامة واسعة:
-إتشرفت بمعرفتك، آنسة نهال حكيتلى كتير عنك وكان نفسى اشوفك وأهى الفرصة جت عشان اشكرك على اللى عملته معايا و مع اخويا عزت.
قال (عادل):
-دى حاجة بسيطة مش مستاهلة.
قال(احمد)بامتنان:.

-إنك تشغلنى انا واخويا فى شركة باباك دى حاجة كبيرة قوى بالنسبة لنا. غيرت حياتنا بشكل متتخيلوش، حقيقى لو فضلت اشكرك على المعروف اللى عملته معانا طول عمرى مش هوفيك حقك.
قال (عادل):
-خلاص بقى يااحمد ماتكبرش الموضوع.
قالت(نهال)بإبتسامة:
-طب واقفين ليه؟ ماتقعدوا.
قال(أحمد)وهو يطالع ساعته باسف:
-معلش مضطر امشى عشان أدى لوالدتى الحقنة فى ميعادها، كان نفسى اقعد معاك يااستاذ عادل بس بجد مش هقدر.
قال(عادل):.

-فرصة تانية باذن الله.
قال(أحمد):
-بإذن الله.
ثم وجه حديثه ل(نهال)قائلا وهو يشير إلى ذلك الكشكول بيده:
-شكرا مرة تانية على المحاضرات ياآنسة نهال، وعلى شرحك ليهم كمان. ربنا يجازيكوا كل خير.
قالت (نهال):
-دى حاجة بسيطة.
ابتسم (احمد)ثم غادر ليشير (عادل)إلى (نهال)بالجلوس. جلست قائلة:
-تعرف انها مفاجأة حلوة قوى انك جيت، أكيد لما بعتلك الرسالة محبيتش تسيبنى أروح لوحدى فى تاكسى مش كدة؟!
عقد(عادل )حاجبيه قائلا:.

-رسالة إيه؟انا موصلنيش حاجة منك.
عقدت (نهال)حاجبيها فى حيرة قائلة وهي تخرج هاتفها من حقيبتها وتنظر إليه:
-إزاي ده؟! انا بعتلك رسالة اقولك فيها انى فى كافيه أوليه مع احمد عشان..
لتضرب رأسها بخفة مردفة:
-إزاي مخدتش بالى، الرسالة موصلتش. أكيد عشان معييش رصيد، والفون كمان كان صامت وانت مكلمنى كتير قوى...
لتصمت ثم ترمقه بحيرة قائلة:
-لما الرسالة موصلتلكش، أومال ازاي عرفت انى فى الكافيه هنا؟

طالعها(عادل)للحظات بصمت قبل أن يقول:
-هقولك على كل حاجة يانهال.
نهض بسرعة حين رأى الطبيب يغادر الحجرة، واتجه إليه قائلا بقلق:
-أخباره إيه يادكتور؟
قال الطبيب:
-الأزمة عدت بخير وقدرنا نسعفه ونوسع الممرات التنفسية عشان يمر الهوا للشعب الهوائية بسهولة، الحمد لله انك جبته بسرعة الطوارئ هنا، والا اكيد كنا خسرناه.
زفر (اكرم)قائلا:
-الحمد لله.
قال الطبيب بفضول:
-هي فين مدام قمر والدة تيام؟!

طالعه (اكرم)بنظرات متفحصة وهو يقول:
-هو انت تعرفها؟
إبتسم الطبيب قائلا:
-أكيد. ما انا الدكتور اللى بعالج تيام من الربو، الحقيقة هي الحالة عنده خفيفة و اعراضها متقطعة، يعنى يوم فى الأسبوع وليلتين فى الشهر بالكتير لو ماحصلش عامل اضافى زي الدخان بتاع النهاردة او انفعال زايد او اتعرض للتدخين السلبى، إلى آخره، وتيام مريض شاطر وعارف ازاي يحافظ على نفسه ووالدته كمان واخدة بالها منه كويس.

قال(أكرم)فى نفسه بسخرية:
-لأ واضح الصراحة.
ولكنه اكتفى بقول:
-مدام قمر لسة متعرفش باللى حصل.
قال الطبيب:
-هو حضرتك تقربلها؟
وما شأنك انت أيها المتطفل؟!
صرخ قلبه بتلك العبارة ولكنه لم ينطق بها وهو يقول ببرود:
-انا أبقى..
قاطعه رنين هاتفه ليستأذن من الطبيب فى إجابته وهو يبتعد عن المكان قليلا بينما غادر الطبيب ليمنحه الخصوصية، فقال (اكرم)بسرعة:
-ها. طمنى يامرزوق.
قال(مرزوق)وهو يلتقط انفاسه المتسارعة:.

-الحمد لله يابيه. طفينا النار، بس الكوخ اتحرق بالكامل..
قال(اكرم)بلهفة:
-مش مهم الكوخ المهم البنى آدمين، قمر بخير؟!
قال (مرزوق)بتوتر:
-بخير يابيه، بس..
صمت فقال(اكرم)بقلق:
-بس ايه؟ماتنطق يامرزوق.
قال(مرزوق):
-أبدا يابيه هي بس عرفت باللى حصل لتيام بيه ومن ساعتها بتبكى ومصممة اوديها المستشفى عشان تتطمن عليه.
صمت (أكرم)للحظات ثم عقد حاجبيه قائلا:
-هاتها المستشفى يامرزوق.

ثم أغلق الهاتف وقد ازداد انعقاد حاجبيه وحلت القسوة فى ملامحه.

قد يبتسم لك بعض المحيطين بك وفى قلوبهم قبعت ثعابين تنتظر اللحظة المناسبة لتلدغك، هؤلاء يحملون لك فى قلوبهم حقدا وغيرة أشعلت قلوبهم. يُرجعون تميُزك لأسباب عديدة عدا طيبة قلبك فيؤثرون ان يحملوا الكره لك فى قلوبهم ويضمرون لذاتك الشر على ان يتخذوك قدوة ويغيروا قلوبهم الشائنة، فاحذر منهم واجعل أحقادهم كالحجارة. لا تتعثر بها واجمعها لتبنى منها سُلّما يوصلك لما تريد.
قالت(نهال)بعصبية:.

-وهو مين اللى ممكن يبعت رسالة بالشكل ده؟مين يعرف أساسا بإنى جاية عشان ادى المحاضرات لأحمد غير ماما والمفروض انت كمان لما بعتلك الرسالة وموصلتش؟
هز (عادل)كتفيه فى حيرة قائلا:.

-مش عارف بس واضح طبعا ان اللى بعت الرسالة معندوش فكرة انى عارف انك بتقابلى احمد كل أسبوع تديله المحاضرات وتشرحيهاله عشان ظروفه وعدم قدرته على حضور المحاضرات بسبب شغله فى الشركة فترة الصبح. وواضح كمان ان المقصود بالرسالة دى هي التفريق بينا.
قالت(نهال)بغضب:
-مين الشخص ده؟أنا هتجنن.
قال(عادل):.

-الاحساس اللى حسيته وانا فى طريقى للمكان هنا كان هيقتلنى ولولا ايمانى بانك مستحيل تخونى، انا كنت اتعميت بسبب غيرتي واتصرفت بطريقة مكنتش هتشبهنى أبدا.
طالعته (نهال)بنظرة متفحصة وهي تقول:
-يعنى انت بجد كنت واثق فية ولا كنت جاي تظبطنى مُتلبسة ياعادل؟
مال (عادل) الى الامام قائلا وهو يضغط على كل حرف ليصلها مراده:.

-مش هنكر انى كان عندى بذرة شك ولّدها خروجك من غير ما تقوليلى وعدم ردك على التليفون، لكن ثقتى فيكِ كانت بتقتل البذرة دى وتطمنى بإن نهال اللى عرفتها وحبيتها مستحيل هتخون وان اللى شايفه قدامى أكيد ليه تفسير منطقى واستنيت اسمعه منك قبل أي رد فعل وانتِ الحقيقة مخيبتيش ظنى فيكِ.
تأملته(نهال)بحب قائلة:
-انت مفيش زيك ياعادل.

كاد أن يمسك يدها ويقول لها انه يعشقها ولكن اضاءة شاشة هاتفها التى أعلنت عن اتصال من أبيها قاطعه لتجيبه (نهال)على الفور، عقدت حاجبيها تجيب أسئلته بكلمات مقتضبة قبل ان تغلق الهاتف وهي تطالع (عادل)الذى قال بحيرة:
-مالك يانهال وشك اصفر كدة ليه؟
قالت(نهال)بغضب:
-الظاهر ان اللى بعتلك الرسالة قام بالواجب مع بابا وأهو طالبنى وعايزنى ارجع البيت حالا، عمر بابا ماكلمنى بالنبرة دى.

نهض (عادل)يسحبها من يدها قائلا بحزم:
-يبقى يلا بينا، أنا جاي معاكى.
انطلقت معه وهي تسرع فى خطواتها بينما عقلها شاردا فى هوية هذا المجهول الذى يبغى بكل تأكيد القضاء عليها أو تخريب حياتها على الأقل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة