قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

طالعته بعيون زائغة لا تدرى بمَ تجيبه بينما قال هو بغضب:
-تيام يبقى ابنى أنا. مش كدة؟
أغروقت عيناها بالدموع ولم تنطق بحرف بينما أردف (اكرم)بصوت شابته المرارة:
-مش محتاج اسمعك عشان أتأكد إنه إبنى لإنى شفت الشامة اللى فى ضهره.
أغمضت عيناها ألماً بينما يقول هو بصوت يقطر حزنا:.

-خبيتى علية وجوده وحرمتينى منه وحرمتيه منى عشان خاطر الفلوس. للمرة الكام بس هطلع مغفل عشان حبيتك من كل قلبي. للمرة الكام هتثبتيلى انك متستاهليش حبي؟
فتحت عيناها بقوة فى صدمة مع كلماته وقالت بحرقة وهي تشير إلى نفسها بيدها:
-أنا اللى مستاهلش حبك عشان خبيت عنك تيام وانت الملاك البريئ مش كدة؟
أمسك ذراعها بقوة فأجفلت من الألم وهو يقول:
-لسة بتكابرى يامجرمة.

صرخت فعقد حاجبيه وقد شعر بلزوجة القماش تحت يده ليرفع القماش ويشاهد ذراعها المحترق، نفضت عنها يده قائلة بحرقة:.

-ده حرق من القهوة لما كنت قاعدة فى البيسين مع تيام وشمس وطلعت عشان بس أحط مرهم. لكن إزاي؟لازم تظلمنى وأبقى مجرمة وسايبة الولاد لوحدهم من غير رقيب لإنى ام مهملة عشان ترضى ضميرك وتعذبنى براحتك. ماهو أنا اللى اتخليت عنك بعد اللى حصل بينا وسافرت ومهتمتش بنتيجة ده. وأنا اللى سيبتك تتعذب من الفراق والغدر مع إحساس كبير بالذنب على استسلامك للحظة ضعفك فى الحب مع حبيب إتخلى عنك من غير ما ضميره يوجعه وكأنه ماحبكش لحظة واحدة فى حياته مش عمر بحاله. وأنا اللى اتخليت عنك مع طفل مش هتقدر تجيبه للدنيا وإلا هيعاملوه على انه ابن حرام أنا اللى خليتك تضطر تتجوز بنى آدم بتكرهه من كل قلبك لإنه طول عمره بيإذيك و لإنك مش هتقدر تتخلى عن طفلك اضطريت تتخلى عن حياتك كلها وتكون أسير لإنسان مريض لما اكتشف انه مش أول حد فى حياتك بقى هوايته تعذيبك وإهانتك وانت مش قادر تتكلم. إذا كان البنى آدم اللى حبيته طول عمرك غدر بيك و اتخلى عنك فى ازمتك هتستنى ايه من أي حد تانى؟وانت برضه اللى استحملت ساديته لحد مابقيت تتمنى الموت عشان تخلص من عذابك بس ربك كبير وخده وريحك من العذاب ده. كل ده انت مش انا. مش كدة؟!

لأ. أناااا.
أنا اللى دقت المر وشفت العذاب من ساعة ماحبيتك وحتى لما رجعت. رجعت عشان تكمل اللى بدأته وتنتقم منى وتسقينى الذل على إيديك وفى الآخر بقيت أنا اللى مستاهلش حبك. لأ ياأكرم. انت اللى متستاهلش قلبي. قلبي الخاين اللى رغم كل ده لا قدر يكرهك ولا قدر يبطل يحبك.

كان (اكرم)شاحب الوجه قاطباً لجبينه بقوة مع إستطرادها فى الحديث وما ان انتهت من حديثها حتى إنهارت فى البكاء، بينما غرق هو فى دوامة من الأفكار وكلماتها تدور فى رأسه تتزامن مع شكوكه التى راودته طويلا. ليتطلع إلى كيانها المرتعش فى ألم قبل أن يتجه بخطوات متحسرة إلى الحمام يحضر حقيبة الإسعاف. ويعود إليها يضعها جانبا قبل أن يمد يده ويمسك كفها برقة فانتفضت تطالعه لترى عينان منكسرتان ضعيفتان وهو يقول بصوت يقطر حزنا:.

-هداوى دراعك الأول وبعدها عايزك تحكيلى كل حاجة حصلت من يوم ماسيبتك على وعد إنى اروح لباباكى وأخطبك لغاية النهاردة.
طالعته بضعف تبغى أن تبتعد الآن لتلملم جراحها الحية ولكن جسدها وعقلها المنهك ألماً تزامناً مع ذلك الحنان بعينيه أزالا آخر ذرة مقاومة لديها لتجد نفسها تعود إلى الماضى رُغما عنها لتسرد أحداثه المريرة وتنكأ جراحا قديمة لم تشفى بعد.

طالعته وهو يجول كليث جريح فى الحجرة، بينما تكفكف دموعها التى تساقطت على وجنتيها كسيل من المطر بعد ان إسترجعت ماحدث لها بالماضى عندما رحل عنها وتركها تواجه مصيرها، ترى الآن صراعا غاضبا على وجهه امتزج بمرارة وحسرة وألم. تتساءل عن حالته تلك وماالسر ورائها؟ليتوقف فجأة وهو يطالعها بعيون تإنّ مطالبة بالغفران فقطبت جبينها وقد حملت إليها تلك العيون مشاعر شتى. تراه يقترب منها بسرعة ويجثو أمامها راكعا يمسك يديها قائلا:.

-سامحيني ياقمر. للأسف غلطنا غلطة كبيرة فى حق نفسنا وفى حق الحب لما كل واحد فينا مكنش عنده الثقة الكافية فى شريكه. الثقة اللى تخليه يرفض يصدق إن حبيبه خاين ومصانش العهد.
إزدادت تقطيبة جبينها فى حيرة لتتسع عيناها فجأة فى صدمة وعيونه تغشاها دموع تراها للمرة الأولى وهو يردف:.

-كان لازم متصدقيش إنى ممكن بعد الحب اللى حبيتهواك وبعد اللى حصل بينا أتخلى عنك وأسيبك وأسافر وكأن الحب كان وهم وخداع وكان لازم أنا كمان مصدقش إنك مبتحبنيش وكنتى بتتسلى بية. حتى إمضتك على الجواب اللى بعتهولى. مكنش لازم أصدقها. كان لازم أكدب عيوني وأصدق قلبي اللى قاللى وقتها مستحيل حبيبتك تخون.
قالت بحروف متعثرة:
-انت بتقول إيه. جواب إيه؟

كاد أن يقول شيئا ولكن صوت بالخارج قاطعه فنهض بسرعة وذهب إلى الباب الموارب يفتحه على مصراعيه وهو ينظر خارجه وعندما لم يجد أحد أغلقه ثم عاد إليها وسط حيرتها ليجلس جوارها ويمسك يديها قائلاً:
-إحنا إتعرضنا لخدعة كبيرة قوى ياقمر. أكيد كان باباكِ وراها.
قالت بصدمة:
-بابا؟!
هز رأسه قائلا:.

-لما روحت أطلبك منه رفضنى وأهانى وطردنى برة البيت، بس انا قلتله إنى مش هيأس لحد مايقبل بية زوج لبنته. تانى يوم جه عم سعد السواق بجواب لية منك بتقوليلي فيه إن حكايتنا انتهت وإنك كنتِ بتتسلى بية وبمشاعرى وبتطلبى منى أنساكِ. وإمضتك كانت فى آخر الجواب. صدمتي كانت كبيرة فيكِ. حاولت أقابلك رفضوا وطردونى من تانى ووقتها هددني والدك. يا اسيب المزرعة وأسافر يا يسجنى وقاللى إنك هتتخطبى لإبن خالتك. حسيت وقتها إنى مش قادر يجمعنى مكان بيكِ وانا حاسس بطعنة غدر جوة قلبي فسافرت. سافرت وأنا جوا صدري جرح من الغدر مش قادر أداويه. لو كنت وثقت فى حبك مكنش ده كله حصل. مكنتش همشى قبل مااقابلك واستنى منك تفسير. مكنش قدروا يقنعوكى بخيانتي ولا كانوا قدروا يجوزوكى غصب عنك.

سحبت يدها من يده وهي تنهض قائلة بصدمة:
-يعنى العذاب اللى عشته كله كان بسبب بابا. بابا اللى محبتش فى الدنيا قده عمل فية كدة. لأ مش بابا السبب. غبائي السبب. هو صحيح ضحك علية وخدعنى وخلانى أمضى على تنازل عن الأملاك عشان يسيبنى أتجوزك بس انا كان لازم أقرا التنازل مش أمضى كدة وخلاص. كان لازم مصدقش اللى قالوا عنك وأتأكد بنفسى منك.
سقطت دموعها وهي تردف بإنهيار:.

-وقتها مكنش هيقدروا يجوزنى واحد مبكرهش فى الدنيا قده ولا كان هيعمل فية اللى عمله.
اسرع إليها يأخذها فى حضنه قائلا:
-خلاص إنسى اللى فات ومتفكريش فيه. ده كابوس وعدى.
ضربت صدره بلكمات قوية تقول من بين دموعها:
-أنسى إزاي بس؟أنسى إزاي؟
لتضعف لكماتها وهي تردف بإنهيار:.

-انت مش عارف يعنى إيه تكون مجبور على معاشرة حيوان لذته مبيلاقيهاش غير فى العنف. مش عارف يعنى إيه تكون مجبور تستسلم أو تموت مع انك فى الحالتين ميت. مش عارف انا عشت إيه وشفت إيه على إيديه وكل ده عشان ابننا.

كان يضمها إلى صدره أكثر وهو يغمض عيناه ألما كلما تخيل ماتحملته هي وما عانته وماتعرضت إليه فى غيابه. يصرخ قلبه غضباً. يود لو قتل كل من آذاها حتى قلبه الذى لم يثق فى العشق فكان الجزاء فراقا وعذاباً وألماً. حتى شعر بالجزع وجسدها يتراخى بين يديه ليخرجها من حضنه وهو يطالع وجهها الساكن شاحب القسمات قبل أن ينطق إسمها بلوعة.

نداء بإسمها سحبها من هوة سحيقة تحتويها، حاولت فتح أهدابها فلم تستطع. كان هناك ثقل يُجثم عليهم فيمنعهم من تلبية رغبتها، ربتة خفيفة على وجنتها تزامن مع هذا النداء مجددا بإسمها والذى باتت تدرك صاحبه لترفض الإستسلام وتقاوم بشدة كي تفتح عيونها. نجحت بالفعل وبدأ النور يُبدد عتمة محيطها لتقع مقلتيها على عيونه القلقة اللتان ظهر بهم بعض الراحة حين إلتقتا مع مقلتيها. إبتلعت ريقها بصعوبة بينما قال بلهفة:.

-حمد الله على سلامتك.
قالت بضعف:
-هو إيه اللى حصل؟
قال بحنان حزين:
-عقلك مقدرش يستوعب الصدمات وقرر يدى لجسمك راحة. قلقتينى عليكى ياحبيبتي.
حبيبته...
قالها أخيرا.
إذاً لم يكن ماحدث حلماً.
او حتى كابوساً.
لا تدرى كيف تصفه.
أتفرح لكون أكرم بريئاً لم يخُن عشقها؟
أم تحزن لخيانة والدها لها ومرورها بكل هذا العذاب بينما كانت لترفل فى سماء السعادة مع حبيبها طوال تلك السنوات المنصرمة؟

أم تغضب لما جعلها الجميع تعانيه فكانت هي الضحية على الدوام؟
لا تدرى حقا ما المفترض بها ان تشعر الآن؟
بداخلها مشاعر كثيرة مختلطة ولا شيء منهم ترجح كفته على الآخر.
أفاقت من شرودها على صوته وهو يمسك يديها بين يديه قائلا:
-ليه مش شايف فى عنيكى فرحة رجوعنا لبعض ياقمر؟
طالعته بعيون أطلت منهما نظرة قاتلة وهي تقول:.

-زيك تمام ياأكرم. مش هنقدر نفرح وجوانا ألف صرخة ألم على سنين راحت هدر كان ممكن نبنى فيها بيت وعيلة. وبدل ما نعيش الفرحة عشنا سنين من العذاب ساب جوانا شرخ مش عارفين هيلم ولا هيوسع ويكسرنا.
تنهد قائلا:.

-بس لازم نحاول عشان خاطر أرواحنا اللى حقها علينا نِخفّ وجعها عشان خاطر ابننا اللى لغاية دلوقتى ميعرفش إنى أبوه. تعرفى لما وقعتي على حوض الزهور تيام خاف اتصرف معاكِ زي الحيوان حاتم ولما عكست توقعاته قاللى انه بيتمنى ان الدم اللى بيجرى فى شرايينه يبقى دمي وأنا اتمنيته يكون ابني وطلبت منه يقولى يابابا.
كانت دموعها تتساقط تباعا مع كلماته بينما أردف هو:.

-ربنا عادل قوى خلى الرابط بين الام وطفلها أو الأب وإبنه أقوى من أي شيء. أقوى من البشر وألاعيبهم. ومهما حاولوا يكسروا الرابط ده أو يتحدوا القدر مش هيقدروا. لإن إرادة ربنا فوق كل شيء.
قالت(قمر):
-ونعم بالله. ضاع من عمرنا كتير قوى ياأكرم.
-هنعوضه.
قالت بعتاب:
-ظلمتنى كتير بس مقدرتش أعمل زيك ولا أكون بقسوتك.
-سامحينى.
تنهدت قائلة:
-سامحتك من يوم ما عرفت إنى لسة بحبك.
-أنا كمان بحبك.

طالعته بدورها بحب ليقترب من ثغرها ببطئ ثم توقف حين قالت:
-طب هنعمل إيه دلوقتي؟
طالعها بحيرة قائلا:
-تقصدى إيه؟
-هنعمل إيه بعد ماعرفنا حقيقة اللى حصل زمان معانا؟
هز كتفيه قائلاً:
-هنعمل اللى كنا لازم نعمله من زمان، هنقول لتيام عنى وهنعيش عيلة زي ماإتمنينا.
قالت(قمر)بجزع:
-لأ مش هينفع.
قطب جبينه قائلا:
-إيه ده اللى مش هينفع؟
-إنك تقول لأي حد عن تيام، خالتي لو عرفت..
قاطعها وهو ينهض قائلا فى عصبية:.

-ماتعرف هيحصل إيه يعنى؟انتِ عايزانى أخبى الحقيقة وتحرمينى من فرحتي بإبني عشان خاطر ست مبطيقهاش أساسا ولا تهمنى.
قالت بحزن:
-بس تهمنى ومش ممكن أجرحها الجرح الكبير ده مرة واحدة.
طالعها بعيون عاتبة فأردفت:
-الست دى هي اللى ربيتنى زي بنتها وبقت فى مقام والدتي، هى بتحب تيام قوى وكمان فاكرة إنه اللى باقيلها من ريحة إبنها لو صارحتها بالحقيقة يبقى بقضى عليها، أرجوك قدر موقفي.

ظهر الصراع على وجهه لبعض اللحظات قبل أن يقول:
-والوضع ده هيفضل لحد إمتى؟
ظهرت الراحة على ملامحها وهى تقول بسرعة:
-فترة بسيطة جدا، هحاول بس أمهدلها الموضوع وبعدها هصارحها وربنا يلطف بيها وتقدر تتقبل حقيقة تيام.
هز رأسه ثم قال على مضض:
-بس ده ميمنعش إنى أعامله كإبن لية وآخده معايا فى أي مكان وأجيبله لعب وهدايا وأضمه لحضني اللى اتمناه من قبل ماأشوفه.

هزت رأسها وقد طفرت الدموع من عيناها تأثرا بتلك المشاعر التى حملتها نبراته، لتقول بإمتنان:
-أكيد. تيام يبقى إبنك وأنا مراتك وهنفضل العمر كله مِلك ليك انت وبس ياأكرم.
وجد نفسه يسرع إليها ويضمها فبادلته غمرته، يتمسكان ببعضهما البعض بقوة بينما أُغمضت العيون على مشاعر مختلطة إمتزج فيهم ألم الماضي بعشق الحاضر والأمل فى مستقبل يمحى كل العذاب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة