قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

كان يجلس على الكرسي يتكئ بكوعيه على قدميه مطرق الراس يضعه بين يديه. منتظرا رحمة الله فى هيئة طبيب يعيد إليه الروح بخبر نجاتها، ينتشله من غياهب الضياع وينير عتمة الليل الغاشم الذى يحيط به الآن، لا يستطيع ان يتخيل كونه دونها، لا يستطيع ان يتخيل ان يعود للمنزل باحثا عنها فلا يجدها، أن ينادى عليها فلا تجيبه، أن تترك يده فجأة ويصير وحيدا بعد أن وجد فيها نفسه وملاذه.

أفاق من أفكاره على صوت شهقات، رفع رأسه فوجد طفليه يبكيان حوله أحدهما على اليمين والأخرى على اليسار، تأملهما بعجز لا يدرى كيف يواسى صغيريه وهو يبحث عمن يواسيه، سحب كف صغيرته وضمه بيده فإندفعت إلى صدره تبكى ليربت على ظهرها بحنان امتزج بالعبرات التى سقطت من عينيه رغما عنه وهو يدرك خوفها الذى يسكن رابضا بعمق قلبه بدوره. الخوف من الفقدان.

بينما طالع صغيره الذى ينظر إليه بنظرة لن ينساها قط، نظرة لم يراها فى عين (فارس)حين ماتت زوجته الأولى فقد كان غائبا وقتها، ولكنه رآها الآن متجسدة فى عينيه اللتان صرختا بقوة.
كفى. لا أريد أن أشهد رحيلاً آخر
لا أريد أن أتذوق مرارة الفقدان مجدداً.
بالله أخبرنى أنها ستكون بخير.

لم يستطع(صادق)ان يفعل وهو ذاته لا يدرى إن كانت حبيبته ستنجو أم لا، ولكن جلّ ماامكنه فعله ان يربت على كتفه، لتعتدل (سارة)موجهة حديثها إلى (فارس )قائلة بغضب:
-انت السبب فى اللى حصل لماما. أنا بكرهك، بكرهك.
نهرها والدها قائلا:
-سارة!كفاية.
قالت (سارة):
-لو مكنش اتخانق مع عصام مكنش جرى لماما حاجة.
قال(صادق)بحزم:
-قلتلك كفاية، روحى اغسلى وشك وبطلى الكلام الفارغ ده عشان مزعلش منك وماما كمان هتزعل منك.

قالت وقد عاودت البكاء:
-وهى فين ماما؟انا خايفة مشوفهاش تانى.
امسك(صادق)يدها بقوة قائلا:
-هتشوفيها وهتبقى بخير، ماما قوية وعارفة بنحبها قد إيه ومش ممكن هتسيبنا وتمشى.
طالعته برجاء أن يقسم على ذلك فقال مردفا:
-صدقينى ياقلبى ماما هتبقى زي الفل انتِ بس روحى اغسلى وشك وادعيلها.
طالعته بنظرة أخيرة قبل ان تنهض وتتجه إلى الحمام القريب بينما طالع(صادق)طفله الذى ظهر الألم على وجهه، ربت على يده قائلا:.

-متزعلش منها هى بس..
أسرع الصغير يرتمى على صدره وهو يبكى مقاطعا إياه، قائلا من بين عبراته:
-هى صح يابابا، أنا السبب. لو مكنتش نزلت مكنش حصل كل ده. بس ورحمة ماما أنا معملتش حاجة، أنا كنت نازل اشترى شيكولاتة هو اللى وقف قصادى واتخانق معايا.
ربت (صادق)على ظهره قائلا بحنان امتزج بحزن:.

-متلومش نفسك ياابنى، كل اللى حصل قدر. حكمة ربنا ويمكن عقابه لية لانى مسمعتش كلامها. فضلت تقولى مينفعش نسكت عن اللى بيحصل ده ياصادق لازم ناخد موقف، مش هيتحرك حد فيكم غير لما يموت طفل من أطفالنا وهى كانت صح، لا اتحركنا ولا عملنا حاجة غير لما إتأذينا، البشر بقوا كدة كل واحد فيهم بيقول وانا مالى لغاية ما يقرب الاذى منه وساعتها بس بيعرف انه كان لازم يعمل حاجة، لو مش عشانه يبقى عشان ربنا اللى ميرضاش بكل الظلم ده.

قال(فارس):
-هى طنط أمنية هتبقى كويسة بجد زى ماقلت لسارة ولا انت...
قاطعه (صادق)قائلا بحزم:
-أمنية هتكون بخير يافارس، لازم تكون بخير. عشانا كلنا.
ليبعده عن صدره وهو يطالع عينيه قائلا:
-مش انت عايزها تبقى كويسة يافارس؟
هز الطفل رأسه على الفور ليضمه والده بسرعة وعيونه تتغشى بالدموع مجددا وهو يقول بثقة:
-يبقى أكيد هتبقى كويسة، احنا بس ندعيلها وربك كريم. نلجأله ونقول يارب.
ليردد الصغير قائلا:
-يااارب.

أنتِ هذا الألم المصاحب لجرح غائر فى قلبي ولكنك رغم ذلك تُبقينه حياً، لا يشعر بوجوده حتى يشعر بأنينك فتصبحين نعمته. ، وهلاكه.

كانت تغسل الأواني بعيون دامعة، فلقد منحت (سعاد) إجازة الليلة حتى يتسنى لها أن تفرغ حزنها فى عملها، تخشى مواجهة (اكرم)بعد أن وبخها بقوة حين انصرف الجميع لمنحها (عبد الله)فرصة الحديث إليها على طاولة الطعام بعد ان تركت المقعد جوار (أكرم)ل(هند)وجلست هى إلى جوار(عبد الله)رغم إشارته الصارمة لها ألا تفعل ولكنها مصرة على عدم طاعته، تعانده بقوة وهذا بالتأكيد يثير جنونه. أم غيرته؟

هزت رأسها تنفض أفكارها السخيفة تلك، لماذا يغار عليها وهو لايحمل تجاهها سوى مشاعر نافرة يبغى بها انتقاما بائسا منها؟لماذا يهتم ان أجرت حديثا مع (عبد الله)او اي رجل غيره؟ربما هى صورته فقط كخطيب لها هى مايخشى عليها.
انتفضت على صوته وهو يقول:
-اعمليلى قهوة ياسعا...
قطع كلماته وهى تستدير مطالعة إياه بتوتر، ليعقد حاجبيه قائلا:
-هى سعاد فين؟
قالت بإضطراب:
-اديتها أجازة..
قاطعها قائلا بغضب:.

-وتديها اجازة على أساس إيه؟ولا نسيتي نفسك و فكرتي انك بجد خطيبتي وصاحبة البيت؟
غشيت عيونها الدموع وهى تقول:
-لأ انا عارفة مكانتي كويس وعارفة كمان ان مسألة خطوبتنا دى تمثيلية، كل الحكاية ان كامل جوز سعاد تعبان شوية وحسيت انها قلقانة عليه فشلت الشغل عنها النهاردة عشان تقدر تروحله وتكون جنبه.

طالعها بصمت، لو لم يعرفها جيدا لأرجع ذلك إلى طيبة قلبها ولكن من هى مثلها لا يملك قلباً من الأساس، لا يدرى بحق السماء كيف يعرف عنها كل هذا وتظل محتفظة بقلبه الذى أدرك أنه مازال عاشقا يغار ومازال موشوم بحروفها.
قال فى برود:
-اعمليلى قهوة وهاتيهالى المكتب، حالا.

هزت رأسها وأسرعت تُعد له القهوة بعد أن غادر، ثم ذهبت إلى حجرة المكتب لتمنحه فنجاله، طرقت الباب و دلفت لتراه واقفا شاحب الوجه وهو يتحدث فى الهاتف قائلا:
-وهى عاملة إيه دلوقتى؟خرجت من أوضة العمليات ولا لسة؟

شحوب وجهه ولهفته على تلك الفتاة المريضة على مايبدو، جعلاها تدرك أنها تهمه بشدة. ربما هي الفتاة التى حدثها عنها سابقا. مما أثار مشاعر الغيرة فى قلبها فانفجرت براكين من نار فى سائر جسدها ودمها يفور غيظا، وضعت فنجال القهوة واستدارت مغادرة حين وصل إلى مسامعها صوته وهو يقول:
-طب انا جاي حالا ياصادق، سلام.
(صادق)!
هل الفتاة التى كان يتحدث عنها (أكرم) للتو هى (أمنية)؟!

أصابها شلل تام فى التفكير تزامناً مع جزع فى القلب أعجز خفقاتها عن استيعاب تلك الصدمة، ليعيدها إلى وعيها(أكرم)وهو يغلق هاتفه و يسحب مفاتيحه استعدادا للمغادرة، أمسكت يده تمنعه من الذهاب فنظر إلى يدها عاقدا حاجبيه ثم نظر إليها فقالت بوجل وقد تعثرت حروفها نتيجة لجفاف ريقها هلعا:
-هى أمنية. جرالها. حاجة؟
رغما عنه شعر بالتعاطف معها وهو يدرك كم تحب صديقتها تلك، ليقول بهدوء:.

-حادثة بسيطة والحمد لله خرجت منها بخير، هى لسة حالا خارجة من اوضة العمليات وصادق بيقول...
أسرع يسندها وقد كادت ان تقع قائلا:
-قمر!
تمالكت نفسها وهى تعتدل قائلة بضعف:
-أنا كويسة بس عايزة أشوفها، من فضلك خدنى معاك.
قال بتردد:
-طب والولاد..
قاطعته قائلة:
-نايمين. من فضلك خدنى أشوفها.

اضطر للموافقة رُغما عنه تجبره حالتها وعيونها الزائغة أن يرضخ لطلبها، فأومأ برأسه وهو يشير إليها كى تتقدمه لتتقدمه بخطوات ضعيفة وقد أوهنها خوفها على الفتاة الوحيدة التى اتخذتها يوما صديقة، وخشيتها على الأخت التى لم تعرف يوما، غيرها.
توجه العم(فاضل)إلى حيث كان (صادق)يقف مع (أكرم)فإستقبله(أكرم) بدهشة قائلا:
-عم فاضل!
قال(فاضل):
-أول لمن عرفت جيت طوالى، كيفها الست أمنية ياولدي؟
قال(صادق):.

-الحمد لله ياحاج، الدكاترة أنقذوها بس لسة مفاقتش.
قال(فاضل):
-هتفوج وهتبجى زي الفل، مرتك بستين راجل واللى عملته عيتحاكى عنه الخلج وتارها هناخده..
قاطعه (صادق)قائلا:
-لأ تار إيه بس اللى بتتكلم عنه ياحاج صادق؟حقها هناخده فعلا بس بالقانون.
قال(فاضل)بإستنكار:
-جانون إيه ده بس ياولدي اللى عياخد بتارنا، الجانون حباله طويلة وممكن يفلتوا منيها ولاد الأبالسة دول بطرجهم السو.
قال(صادق):.

-ربك مهيسيبش ظالم يعيش متهنى ياحاج ولو مخدش جزائه فى الدنيا هياخده فى الآخرة.
قال(فاضل):
-وه..
ثم وجه حديثه ل(اكرم)قائلا:
-وانت معاه فى الكلام ده إياك؟
قال (أكرم):
-مضطر اوافقه، دى مراته وحياته ياراجل ياطيب.

كاد(فاضل)أن يقول شيئا حين ظهرت (قمر)هى والطفلين وقد عادوا من الكافيتريا حيث أصرت (قمر)ان تأخذهما ليأكلا شيئا، هزت رأسها تحية للحاج (فاضل) فابتسم لها مرحبا، بينما أسرع الطفلين تجاه والدهما، تقول (سارة)بلهفة:
-ماما فاقت؟
قال (صادق):
-لسة بس باذن الله على بكرة الصبح بالكتير هتفوق.
قالت(قمر):.

-الولاد مش هينفع يقعدوا فى المستشفى للصبح لو تسمحلى يعنى آخدهم معايا وبكرة الصبح هجيبهملك وأجى معاهم عشان أطمن على أمنية.
ظهر التردد على وجه(صادق)قبل ان يهز رأسه بهدوء، فقالت (قمر):
-اتفضل ياأستاذ صادق الساندوتش ده، جبتهولك من الكافيتريا اكيد مكلتش حاجة من الصبح.
قال (صادق):
-ملوش لزوم انا..
قاطعه لكزة من (أكرم)فتناول منها الشطيرة مرغما بينما قالت هي موجهة حديثها ل(أكرم):.

-هستناك انا والولاد فى العربية ياأستاذ اكرم.
عقد (اكرم)حاجبيه بينما قال(فاضل)بإستنكار:
-حد يابتى يجول لخطيبه ياأستاذ؟!
قالت(قمر)بتوتر:
-تعود ياعمى مش أكتر، عن إذنكم.
لتسرع بالمغادرة مع الطفلين، بينما قال(فاضل):
-الحمد لله انك فجت ونسيت الكلام الفارغ اللى كان مالى راسك ده ربنا يباركلك فيها ياولدي، انى كمان همشى واجيكم الصبح طوالى أطمن عليها، ربنا يجومهالك بالسلامة يا صادج ياولدي. معايزش حاجة أجيبهالك؟

قال(صادق):
-تسلم ياحاج من كل شر.
وما إن غادر(فاضل)حتى قال(صادق)على الفور:
-فقت إيه؟وخطيبتك إزاي يعنى؟هو إيه الموضوع بالظبط.
تنهد (أكرم)قائلا:
-هحكيلك ياصادق، يمكن ألاقى عندك جواب لحيرتي.
كان(أكرم)يجلس فى الحديقة شاردا فى كلمات (صادق)، لم يجد عنده جوابا قط لحيرته بل زاده حيرة حين قال..

-بص ياأكرم انت لسة بتحبها وبتغير عليها كمان والدليل على كدة قلبك اللى قاد نار لما حسيت ان حد غيرك ممكن ياخدها منك لو كان عرف انها مش مرتبطة، خطوبتك ليها قدامهم عشان هند تحل عنك مش أكتر من عذر عشان تقربها ليك وتنسبها لنفسك زي ماطول عمرك بتحلم، انا واثق ان غدرها بيك زمان كنت هتلاقيله ألف عذر عشان ترجعلها بس اللى بجد لسة واقف بينكم هو قتلها لطنط فاطمة الله يرحمها، فأنا شايف انها كانت حادثة ولازم تنسى وتكمل معاها بجد على الأقل عشان ترضى قلبك.

ينسى؟!
كيف ينسى ان الأم الذى عرفها ومنحته كل الحنان قد قتلتها (قمر)وهربت دون ضمير؟
كيف ينسى أنها هى من حرمته منها وقد كانت روحه معلقة بها يرجوها ان تكون حده فكانت ترفض ان تترك صغيرتها فقتلتها صغيرتها بدم بارد؟
كيف ينسى ويسامح؟ألا يُعد النسيان فى تلك الحالة خيانة؟!
وهو أبدا لن يخون.
أفاق من أفكاره على صوتها المتردد ياتى من خلفه وهى تقول:
-الفجر قرب والجو برد، وده غلط على صحتك وممكن...
نهض قائلا بقسوة:.

-ملكيش دعوة بية وبصحتي، خليكى فى نفسك وابعدي عنى مفهوم؟ولا مصممة تنسى إنك مجرد خدامة عندى؟
طالعته بعيون غشيتها الدموع قبل أن تطرق برأسها قائلة:
-انا آسفة، غلطة مش هكررها تانى. عن إذنك.

ثم غادرت بسرعة لينظر فى إثرها بقلب تمزق ألما، يلعنه فى كل لحظة لتأثره بدموعها بينما من المفترض ان يسعد بهم. ترى هل وجب عليه الإستسلام حقا لتلك المشاعر يعيش بعذاب الذنب لعدم حصول روح والدته على انتقامها؟أم يترك نفسه لعذاب من نوع آخر وهو يؤذى روحه بإيذائها؟حقا بات لا يدرى أي عذاب قد يرتضى سبيلاً؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة