قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل السادس

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل السادس

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل السادس

صدمة كهربائية أشعرتني بألم في كل جزء من جسدي، القيود كادت ان تحرق رسغاي، استيقظت لثواني طويلة ونظرت الى الطبيب يقف فوق رأسي وهو ينظر إلى بعينين خاليتين من المشاعر.

صدمة اخرى، استطعت رؤية صور خاطفة لوالدي، والدي الذي يمد يديه لي ليحثني ان اسبح نحوه في المسبح العميق الطويل، سبحتُ بكل قوتي وانا احاول استنشاق ما استطيعه من الهواء، سبحت ورشقات الماء كانت تزعج ناظري فأغمضت عيناي وانا اسبح حتى شعرت بيديه تمسك بيداي الصغيرتين، فحضنني وضحك ضحكة انتصار. نظرت نحوه وكم شعرت بالسعادة عندما رأيت هذه السعادة الفائقة في عينيه الفخورتين. فدفعته وعدت لأسبح في الماء، وسمعت صفقاته وضحكاته.

صدمة أخرى، ورأيتُ والدي وهو ينظر إلى عدنان لحظة اعدامه.
قيس بشعره الداكن الكثيف وبوجهه الناعم الطفولي، وعيناه العسليتين البرئتين، يضع يده على فمي وهو يخبرني بأن أهدأ.
صدمة أخرى، ولم أر سوى الفراغ، فراغ في الهواء، لا اشعر بقدمي ولا اشعر بجاذبية الارض، وكأنني غيمة تطفو في اللامكان، لا وجدان لها، ولا روح لها، ولا كتلة لها ولا ثقل.

شعرت بشفاه طرية تلامس شفتي، نبضات قلبي المتسارعة كادت أن تخرق صدري، شعرت بشرارة كهربائية تمر عبر اصابعي، فتحتُ عيناي لأجد آدم وقد ابتعد عني وشعرت بالهواء يلامس شفتي مجدداً، وبعد لحظات من الصمت أدركت ما حدث وصفعتُ آدم صفعة قوية آلمت يدي وأدمت شفته السفلى، تسارعت انفاسي من الغضب، الغضب الذي تملك كل جزء مني.

ماذا فعلت؟ صرخت وانا ابصق قرفاً، وخزياً. هذه الشفاه ليست ملك أحد سواي ولن أسمح لاحد بالاقتراب منهما سوا قيس، قيس الذي رغبت ان يكون أول من يقبلهما، لا هذا المجنون الذي تعدى حدوده.
مسح آدم الدم عن شفته السفلى، وابتسم ودفعته مجدداً، أردت ضربه، أردت قتله.
شعرت بألم في حلقي وكأن حلقي جاف ولم اتحدث منذ فترة.
كنتي تمشين كالزومبي لأيام، كان على فعل شي لإثارة مشاعرك مجدداً قالها وهو ينظر إلى بعينين سعيدتين.

تستطيع ان تصفعني! قلتها وانا ادفعه مجدداً.
ثم لاحظتُ بأنني أقف خارجاً، خارج المبنى، قدماي الحافيتين تلامسان العشب الناعم، وأستطيع الشعور بمرور النمل الصغير عبر قدمي وكأن قدمي تلة وعرة.
كيف؟ اخرجتني؟ قلتها بنبرة تحمل بصيص الامل، هل هربنا؟
ولكن نظرت للأعلى لأجد بأنني امام مبنى ابيض اللون وضخم ذو نوافذ عديدة، ونظرت امامي لاجد الخضار ذاته الذي اره من على علو نافذتي.

اخرجتك من المبنى فقط، سيلحقون بنا الآن، عليكِ ان تتصرفي وكأنك لا زلتي لا تستوعبين اي شيء، ونامي وغداً صباحاً استيقظي وتصرفي بطبيعية، سيظنون ان جسدك لوحده قاوم التقنية التي استخدموها
اي تقنية؟
لقد نوموكِ تماماً، كنتِ تمشين وتأكلين وتنامين كالآلة
وتقول بأن قبلتك السحرية انقذتني؟ كالأميرة النائمة؟
قلتها بسخرية وضحك آدم.

عندما تعودين للغرفة انظري الى انعكاسك، صباحاً. والآن سأخنقك ولا تقاومي، تصرفي كالزومبي. تذكري وعدنا.
لم افهم ما قاله.
وسرعان ما وضع آدم يديه حول عنقي، حدس بداخلي قال لي بأن اثق به وان افعل ما يقول وفعلت.
واقترب الحراس ليأخذوني ويأخذوه.
تصرفت كالزومبي حقا، وربما بالغت في الامر حيث كنت اصدر صوتاً شبيهاً بالزومبي وتعجب الحراس الذين لم يتوقفوا عن النظر إلى مقطبي الحاجبين.

كما نبهني آدم، استيقظت صباحاً ورأيت وجهي عبر المرآة، وتفاجأت عندما رأيت الكدمات على وجهي، واستطعت تذكر ما حدث قليلاً، آدم صفعني عدة مرات ولكمني.
كان يريد ايقاظي من حالة الزومبي كما يسميها.
دخلت الممرضة تاليا الغرفة فوراً ونظرت إلى مبتسمة.
صباح الخير
قالتها وهي تنظر إلى بارتباك.
ماذا فعلتم بي؟
سألتها، وكالعادة لم تجب تاليا بل وضعت عبوة الماء على الطاولة وغادرت محافظة على ابتسامتها الغريبة.

ستخرجين اليوم، سنضعكِ في منزل يناسبك.
اخرجت تاليا من جيبها ورقة وقلم.
اكتبي ما تحتاجين إليه
خرجت تاليا من الغرفة وتركتني مع هذه المفاجأة الغريبة.
امسكتُ بالقلم وكتبت قيس في الورقة.

جلست في قاعة الطعام وانا انظر الى المرضى حولي، لاحظت انتشار حالة غياب الوعي، كان الكثير منهم يمشون بمساعدة الممرضين، لا يتحدثون، لا يرون سوا الارض، عيونهم وكأن عيون جثث هامدة، شفاههم متدلية للأسفل، وكأنني حقاً اتناول الطعام في قاعة مليئة بالزومبيز، بحثتُ بعيني عن آدم ولم اجده في زاويته المعتادة. شعرتُ بالقلق، وبحثت مجدداً لأراه اخيراً يدخل برفقة ممرض وهو نفس حالة الزومبي، ينظر أمامه نحو الفراغ، يمشي ببطء شديد، شفته متدلية واللعاب يسيل منه وسرعان ما يمسح الممرض شفة آدم.

شعرتُ بالحزن والصدمة، كادت عيناي ان تدمعا وانا اراه في هذه الحالة. ماذا فعلوا به؟ حاولت ان اتمالك اعصابي وان اتمالك نفسي فأخرجت مكعب الروبيك فوراً وقررت عدم النظر إليه.
تذكري وعدنا كانت جملته تتعالى اصداؤها في رأسي،
وعدنا، ان نبقي بعضنا البعض اصحاء، وان ننقذ بعضنا البعض.
لم ارد ان اخاطر خروجي من هنا، هل اصبح بهذه الانانية؟ هل اتركه كما هو؟ فهو لن يدرك ما يحدث له؟ هل اكون بهذه القسوة؟

لم استطع ان امنع نفسي ونظرت اليه مجدداً، وهو يأكل من طبقه حساء العدس وينظر نحو الحساء، لم أر آدم يوماً يأكل هذا الحساء! والتفاحة الحمراء التي يستسيغها موضوعة في الطبق ولم يمسها. تباً، هل حقاً اشعر بالشفقة بسبب تلك التفاحة التي اعتدت أن ارى آدم يستمتع في قضمها؟

خرجتُ من غرفتي ليلاً، ومشيتُ على اطراف اصابعي لأبحث عن غرفة آدم، كنت اعلم ان يبقى في غرفة في نهاية الممر، نظرت عبر النوافذ الصغيرة للابواب لابحث عنه، واخيراً وجدته مستلقياً على السرير، فتحت الباب ببطء وانا انظر حولي. لماذا اخاف؟ لعلهم الان يراقبونني ويدرسون هذه الخطوة، وانا اتصرف وكأنني اتسلل في مبنى مليء بالكاميرات، يا لغباء الانسان.

فتحت الباب ودخلت واقتربت من سرير آدم، نظرت نحوه واغمضت عيني مستاءة، لم افكر في خطة، هل اضربه؟ هل اقبله؟ هل اخنقه حتى يكاد ان يموت فيستعيد وعيه ويقاومني؟
فتحت الملاءة مستعدة لضربه اولاً وتفاجأت بمكعب الروبيك في يده اليسرى التي لم تتوقف عن الحركة، فتح آدم عينيه ونظر نحوي مبتسماً.

هل اتيتي لتقبلينني؟ ضربتُ كتفه وانا اشعر بالغضب، كيف له ان يخدعني وان يجعلني اخاطر بخروجي، ضحك آدم واتجهتُ لأخرج من غرفتي فوراً.
لا تصدقي اي شيء وانتبهي، لا تثقي بهم
سأخرج
حسناً، لا تنسيني، قومي بزيارتي
التفتُ نحوه ورغم غضبي الا انني شعرتُ بالحزن.
قد تكون اعقل انسان واذكى شخص رأيته يا آدم، او اكثرهم جنوناً. اثرت حيرتي
ضحك ادم مما قلته وقال هذا سبب بقائي هنا، اثرت حيرتهم هم ايضاً.

نظرت نحوه ولا اعرف ما يجب ان اقوله.
اذهبي. وتذكري وعدنا
لا اظن بأنك بحاجة الى وعدنا هذا
قلتها وانا ابتسم سخرية فمهما حاول هؤلاء الاطباء لا يبدو بأن آدم سيفقد عقله او وعيه.
بلا، انا بحاجة الى الايمان، الى الوعود. الى الامل. الاله هو ايماني، وانتي هو وعدي، والخروج هو أملي، ولذلك انا قوي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة