قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل السابع

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل السابع

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل السابع

دخلت للمنزل الذي بدا كمنزل دافئ بأثاثه البسيط والجميل، وألوان الجدران الدافئة، بأرضيته الخشبية المغطاة بسجادات ناعمة تداعب اصابعي العارية التي تلامسها، بالستائر الحمراء اللون والثقيلة التي تحجب ضوء الشمس تماماً، وشعرت وكأنها تحجب الصوت ايضاً، هدوء تام في المنزل، ولكن هدوء جميل وغير مخيف كذلك الذي استولى على غرفتي في المصح.

نظرت حولي ولوهلة شعرت بالامل، ربما حقاً عفوا عني؟ ربما هذه فرصة لأعيش مجدداً.
لامست بأصابعي قميصي الصوفي الفضفاض، وابتسمتُ، رغم ان من قاموا بتعذيبي هم من قدموا لي المنزل وهذا القميص وهذه السجادات، الا انني لم استطع منع نفسي من الشعور بالراحة والسعادة، اي شيء افضل من ذلك السجن، من تلك الصعقات الكهربائية.

فتحت الثلاجة لأجد كل ما قد اشتهيه امامي، لاحظت التفاحات الحمراء المدورة، وأخذت واحدة وكأنني بهذه الفعلة، ابقي على وعدي لآدم وعلى ذكراه في مخيلتي.
رن الجرس، نعم مع هذا المنزل، أتت المتطلبات، على الاجابة على عدة اسئلة توضع في ظرف ويتم تسليم الظرف يومياً. وهذا الجرس يعني وصول الظرف.

فتحت الباب لأتفاجأ بقيس واقف امامي وبيده الظرف، وتفاجأت مرة اخرى بشكله، لا تستطيع عيناي الاعتياد على هيئته هذه ببدلته العسكرية، بوقفته العسكرية الخالية من الروح التي كان يمتلكها قيس في كل ابتسامة، في كل نظرة، وحتى في اطراف اصابع يديه وقدميه عندما يقف، تلك الهالة التي كانت حوله قد اختفت، وقف بهيئته الجافة هذه وبلحيته وبعينيه العسليتين اللتين لم تستطيعا اخفاء بريق شديد البساطة عندما رأتاني.

لاحظت هذا البريق، وابتسمت له، ولكنه أومأ برأسه برسمية وقدم لي الظرف.
اليس هذا عمل ساعي البريد؟
دخل قيس ليباغتني بفعلته هذه، وأغلقت الباب، لم يستطع قلبي التظاهر بالهدوء وحاولت ان اتحكم بيدي اللتين ترتعشين، كيف للحب ان يفعل بي هذا؟ وان يتمسك بي بهذا الشكل رغم كل هذه الظروف ولكن استطاع ان يفارق قيس؟
نظرت الى يدي قيس آملة بأن أرى نفس ذلك الارتباك ونفس هذه الرعشة ولم أرى سوى يدي عسكري جامد وبارد.

المنزل جميل آلمتني هذه النبرة المجاملة.
علي البقاء هنا وانتي تجاوبين على تلك الاسئلة، هذا ما طُلب مني جلس قيس على الاريكة وتبعته لاجلس بجانبه، فتحت الظرف واخرج قيس قلماً من جيبه وقدمه لي.

هل تريد شرب شيء؟ سألت وكدت اشعر بالاحراج من ارتباك المراهقات البادي في صوتي، شعرت بكرامتي التي جُرحت، اردت ان ابادله البرود، ان ابادله الرسمية والمجاملة. شعرتُ بأنني ضعيفة امامه ووجدتُ بأن نبضات قلبي المشتاقة تحولت الى نبضات غاضبة، وصرخة الوله المدفونة في فؤادي تحولت الى صرخة غضب.

جاوبي. انا معتاد على ان اخدم نفسي وقف قيس واتجه نحو المطبخ بينما اكملتُ الاجابة، ترددت في الاجابة على بعض الاسئلة ولكن قررت ان اجيب بصدق.
-كيف تشعر اليوم؟ /بخير/
- هل شاهدت شروق الشمس؟ /لا/
- هل قمت باي طقوس فور استيقاظك؟ /لا/
- هل شعرت بالحزن؟ /نعم/
- هل تشعر بالحزن الآن؟ /نعم/
- هل تريد مساعدة من انسان؟ /لا اعرف/
- هل تريد مساعدة من الاله؟ /ان امكن. نعم/
-هل تشعر بالغضب؟ /نعم/
-هل تناولت الطعام؟ /نعم/.

-هل تريد ان تفقد الوعي لتتخطى الحزن؟ /لا/.
أنهيت الاجابة لأرى قيس عائداً بكوبين من الشاي وقدم كوباً لي، مبتسماً ابتسامته المجاملة.
اجبت على اسئلتك ودورك تجيب على اسئلتي وضعت الكوب جانباً ونظرت اليه بنظرة ثاقبة.
ابتسم قيس وأومأ.
ماذا فعلوا بك؟ هل انت قيس؟ هل هربنا معاً من قبل؟
شعرت بالخوف وانا اسأل، خائفة بأن ينكر ما حدث وان ينكر وجودي.

انا لا املك ذاكرة واضحة لكل ما حدث في حياتي، ولكني مدرك انني ارتكبت بعض الاخطاء الساذجة وتم ابلاغي عنها، ومن هذه الاخطاء هي انتي وقصتنا معاً، وانا هنا بسبب ماضينا ويريد العلماء ان يعلموا السر وراء عدم فاعلية العلاج معكِ، حاولوا ان يفقدوكِ الذاكرة ولكن فشلت العملية، وحاولوا اصحاح جزء الدماغ المتحكم بالمشاعر وايضاً سرعان ما عدتي لحالتك السابقة
اقترب قيس مني، وأمسك بيدي ليضع يدي على جبهته.

انتي تملكين خللاً هنا في الجزء الخاص بالقرارات، وهنا
حرك قيس يدي عبر رأسه قليلاً.
الجزء الخاص بالمشاعر.
المشاعر في القلب همست وانا ادرك بان ما اقوله قد لا يكون دقيقاً في نظر العلم لدينا وابتسم قيس.
قلبي لا ينبض سوى ليضخ الدم، لذلك فالاوامر العصبية الخاصة بي هي سليمة، وقلبي سليم. انتي تعانين من خلل، ولا بأس في ذلك، هنالك الكثيرون مثلك.

شعرت بقلبي ينكسر وانا ارى اكثر شخص كان يؤمن بالحب، واكثر انسان كانت تملؤه المشاعر قد توفي امامي. هربت من عيني دمعة فاجأت قيس وسرعان ما أشحت وجهي.
يجب ان تتقبلي بأنك تعانين من خلل، وبذلك نستطيع علاجكِ،
تنهد قيس وشرب من كوبه ثم وقف.
الليلة هنالك احتفالية، بمناسبة صدور كتاب جديد لرئيس اقطاعيتنا، تستطيعين الحضور نظرت نحو قيس وانا احاول التحكم في دموعي ولم يبالي قيس بدموعي بل اخذ الظرف وخرج.

ان لم تثره الذكريات، سأثير مشاعره انا قلت لنفسي امام المرآة وانا ارتدي الفستان الاحمر الضيق الذي يلمع، وشعري مصفف، وبدأت اضع مساحيق التجميل.
أردت ان ابدو كملكة جمال، كزوجة رئيس الاقطاعية، لا مريضة. وضعت العطر وارتديت الكعب ونظرت للأعلى ووجدت نفسي ادعي.

يا الله، اجعل قيس يتذكرني ولو قليلاً قلتها وانا لا اعرف هل هذا دعاء ام طلب ام صلاة، وجزء مني كان متأكد بأن قيس سيتذكرني الليلة، ولن اقبل بأن يبقى مجرد اسطورة في ذكرياتي، ومجرد ماضي من حياتي، قيس هو الحاضر، وانا سأكون مستقبله وتباً لتلك البدلة العسكرية التي سأحرقها بنفسي.
سيتذكرني قيس وسنهرب معاً وسنخرج آدم من المصح وسنرحل بعيداً من هنا.
دخلت القاعة برفقة الممرضة تاليا التي رافقتني.

كانت القاعة مزدحمة بالعساكر وبالضيوف ذو الوجوه المخيفة، نعم مخيفة بسبب الابتسامات المزيفة المجاملة، العيون الخالية من النظرات والمشاعر، الضحكات المزيفة. غرفة خالية من المشاعر الصادقة واستطعت ان اشعر بذلك، وجدت قيس بين الحضور يقف وبجانبه شابة شقراء جميلة، ونيران الغيرة استولت على قلبي، ورغم ان قيس هو سبب حضوري ولكن لم استطع ان اتجاهل الطبيب الذي وقف بعيداً مع رئيس الاقطاعية وانضمت اليه تاليا، وجدت نفسي اذهب فوراً نحوه، رفع الطبيب حاجبيه متعجباً مني.

اهلاً يا دكتور. انا جوهرة ان كنت تذكرني!
بالطبع انا لا انسى احداً من مرضاي
يا له من مريض نفسي. فكرت وانا احاول ان احافظ على ابتسامتي المزيفة.
ارى انكِ بخير الان
نعم شكراً دكتور
نظر إلى رئيس الاقطاعية ذو الرأس الاصلع والبطن المدوّر الذي يبدو مشابهاً لبطن المرأة الحامل في شهرها الثامن.
هذه احدى مرضاك؟ قل لي اين المصح لكي ازورك كل يوم ضحك بصوت عال منفر مقزز وضحك الدكتور ضحكته الغريبة الألية المتقطعة.

كيف حال البقية؟ البقية في طابقي هل خرجوا ايضاً؟
لا استطيع ان اشاركك بمعلومات المرضى يا جوهرة
قطبت حاجبي دون اشعر وسرعان ما لاحظت تاليا تبتعد وتخرج ورقة وتسجل.
حسناً، هل استطيع زيارة احدهم ان اردت؟
تعجب كل من الرئيس والطبيب من طلبي، ولكن أومأ الطبيب.
كيف حالك يا دكتور؟ سمعت صوت قيس الذي قاطع الحديث وحيى الطبيب.
هذا افضل انتاجي، انظر اليه، قد يصبح رئيساً من بعدك يا ريك.

قالها الطبيب وضحك الرئيس وقيس، نظرت نحو قيس باستياء.
قيس هل استطيع ان احدثك على انفراد؟ بخصوص ما قلته لي اليوم؟
وقفنا خارج القاعة في الساحة الخلفية التي كانت مظلمة بعض الشيء، اخرج قيس سيجارة وفاجأني بذلك.
تدخن؟
لا يجيب قيس وينفخ الدخان ثم ينظر نحوي منتظراً سؤالي.
هل انت فاقد الوعي؟

تعجب قيس من سؤالي، ولكنني حقاً شعرت بذلك، ربما قاموا بتنويمه كما فعلوا بي، ربما قيس هو في مرحلة متقدمة من حالة الزومبي، ربما استطيع ان استرجع وعيه كما فعل آدم بي، ربما، ان.

وجدت نفسي اتقدم فوراً نحو قيس، لأضع شفتاي على شفتيه واقبله، لأفعل فعلة لم اتوقع يوماً بأنني قد املك الجرأة بالمبادرة بفعلها، شعرت بنبضات قلبي المتسارعة، وبحرارة راحة يداي، بالرعشة التي اجتاحت جسدي، وشعرت بدفئه هو، واغمضت عيناي لأرى قيس الذي اعرفه، لأرى ابتسامة قيس التي اعرفها، وغمازتيه الظاهرتين اللتين لا تخفيهما اللحية، استطعت ان اراه أمامي، شعرتُ بيديه الدافئتين تلامس وجهي وعنقي. هل تذكرني؟ هل يشعر بالرعشة التي اشعر بها؟ هل خفقات قلبه تتسارع لتلامس قلبي؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة