قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الثامن

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الثامن

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الثامن

أمسك قيس وجهي بيديه ثم ابعد وجهي عنه، ونظر إلى بعينين قاتمتين وكأن الظلام قد استولى على عينيه العسليتين.
عودي للمنزل قالها وقد ابتعد ماشياً ولكنني امسكت بذراعه وبدأت اذرف الدموع.
كيف يا قيس؟ كيف يمكنك ان تنسى؟ صرخت وانا لا استطيع ايجاد الكلمات المناسبة. لا املك في هذا العالم غيرك، لا عائلة. ولا اصدقاء، لا املك سواك ولن اخسرك تركت ذراعه وانا اتراجع باكية واحاول تمالك نفسي.

لحظة صمت ثقيلة مرت، تلك اللحظة التي حملت الكثير من الكلمات، التفت قيس ونظر نحوي بنظرة تحمل الاسئلة والخوف، ثم اكمل مشيه مبتعداً.
تلك اللحظة رغم قساوتها الا انها اشعلت بصيص الامل، بقي صامتاً والصمت احياناً يحمل كلاماً اكثر من الحديث، لحظة صمت اظهرت لي تردد قيس، تساؤله ولم احتج سوا الى هذا التساؤل.

عدت للحفل بخطة جديدة، وقد مسحت أثار الدموع ووضعت مساحيق التجميل مجدداً، لا اعرف ان كانت خطتي خطة مجنونة وسيئة او خطة عبقرية، وان كان جنوني ما دفعني الى هذه الخطة او يأسي، ولكنني قررت اتباع حدسي، ذلك الحدس الذي يخيفهم ويرغبون في اخماده بأية سبل ولذلك لعل المشاعر والاحاسيس، الشغف والغضب، الحدس والشك هم اسلحتي السرية ضدهم.

وجدت رئيس الاقطاعية، السيد ريك، وابتسمت نحوه ابتسامة شدت انتباهه، ابتسم رئيس الاقطاعية واقتربتُ منه.
سيد ريك، ليتني استطعت قراءة كتابك، سمعت الكثيرين يمدحون الكتاب
يبتسم الرئيس سأرسل لكِ نسخة خاصة، ضحكت ضحكة مزيفة، وتعجب ريك الذي بدا معجباً بالضحكة.
وعندما انهي الكتاب، عدني ان تزورني انت احمر وجه الرئيس وأومأ سعيداً.
توجهت من بعد ذلك نحو الطبيب وانا اشعر بنظرات الرئيس ريك تتبعني.

دكتور، انا اشعر بتوعك غريب، قلق لا اعرف مصدره. اريد التحدث مع احد
ترك الطبيب الضيوف الذي كان يقف معهم على الفور والفضول يجتاحه واقترب مني.
اي نوع من القلق؟ قالها الطبيب الذي يبدو مهتماً حقاً، وبدأت بتأليف حالة اعلم بانها ستثير قلقه هو.

قلق بأنني سأموت دون سبب وقلق بأن الاله قد يكون مستاءاً من افعالي، واشعر بقلق بأنني لن احب مجدداً واشعر بأن قلبي يتكسر من الالم بدأت الفق كذبة واضع كل المشاعر في جملتي، هذه الكلمات البعيدة عن المعتقد الكوني هي اكثر ما قد يخيف الطبيب، الغرام، الحزن، الخوف من الاله، الخوف من الغيب، وهكذا، وبدأت أثرثر في كل ما هو ممنوع.

استمع الطبيب ملياً وأومأ وهو ينظر الى عيني اللتين لا يستطيع فهمهما. للحظة شعرت بغبطة لم اشعر بها منذ أزل، جمالي شد رئيس الاقطاعية وروحي شدت الطبيب، هنا أدركت بأنني اقوى مما ظننت، أدركت بأنني لست بضحية كما كنت اعتقد، روحي التي يخشونها ويحاولون سحقها هي سلاحي الوحيد ضدهم.

رغم ادعاء الكونيين بأنهم يكرهون هؤلاء الذين يتبعون قلوبهم، هؤلاء الذين يسمعون صوت الروح مع صوت العقل، الا أنهم في الوقت ذاتهم يشعرون بالانجذاب الى الكائن المؤمن، الكائن الذي يرى شيئاً لا يستطيعون رؤيته، الذي يرى بعداً آخر في هذا الكون، بعد اقل ظلاماً واكثر ابتهاجاً.
حضر الطبيب لزيارتي في الصباح الباكر، وبدأ يتفحص منزلي بعينيه فحصاً دقيقاً لا ارى انك غيرت شيئاً من الاثاث.

نظرت حولي واجبت لم اشعر ان هنالك داع لذلك. ابتسم الطبيب بارتباك وكأنه يشعر بعدم الارتياح.
ما بك يا دكتور؟ سألت وانا اشرب الشاي بكل ثقة، شعرتُ بقوة غريبة تتملكني وثقة كبيرة، يظن الطبيب بأنه يختبرني ولكني للوهلة الاولى شعرت بأنني انا من استطيع تحليله، فأنا أفهمه كلياً وهو لا يفهمني، هو صفحة بيضاء امامي وانا كصندوق باندورا المغلق امامه.

لا شيء، اذاً هل لا زلتي تشعرين بالقلق؟ سأل وهو يخرج دفتر وقلم. ابتسمت واقتربت منه واخذت الدفتر من يده.
نظرت للاعلى دفعت رأس الطبيب للاسفل بيدي حتى استلقى على الكنبة ثم وضعت يداي على جفنتيه كي اغمضهما واغمضت عيناي، جلست على الارض لأهمس في اذنه.

وقلت يا رب اخرجني من حالة القلق هذه، وأرسل الطمأنينة الى قلبي، تخيل يا دكتوو انك تستطيع ان تحقق درجة من الطمأنينة وانت لا حل بيدك؟، هذا ما استطيع فعله يا دكتور وانت لا تستطيع، انت حر وطبيب وتملك المال وانا هنا سجينة ولا زالت ابتسامتي ظاهرة اكثر،.

فتح الطبيب عينيه وهو ينظر الى السقف كالآلة، ثم نظر إلي. هل هذه محاولة لغسل دماغي واقناعي بأن اصبح مثلك؟ سأل وهو ينظر إلى بعيني عالم وضحكت وابتعدت لأجلس في مكاني.
هذه محاولة لجعلك تستوعب طريقة تفكيري. شربت من كوب الشاي وجلس الطبيب ليدون في الدفتر.
رئيس الاقطاعية يريد مقابلتك لذا حضري نفسك وسآخذك قالها وهو لا يزال يكتب في الدفتر.

وصلنا الى مبنى رمادي وزجاجي ذا اربعة ادوار، يخرج العساكر ويدخلون من هذا المبنى. ويبدو وكأنه قاعدة عسكرية اكثر من مبنى سكني، شعرت بالخوف وانا ارى ثيابهم واتذكر عدنان ولينا وقيس عندما قبضوا على والدي، وفجأة خرجت لينا وهي مرتدية ثيابها العسكرية السوداء وشعرها يبدو اقصر وهي برفقة مجموعة من العساكر.

لم ترني لينا واخفيت وجهي عندها، لم ارد ان تراني ولم ارد ان تثير الشك حولي او ان تحذر الرئيس ريك مني. وربما هي لم تكن لتعرفني ان رأتني، فقد ارتديت ثياب فاقعة اللون، ووضعت مساحيق تغطي وجهي بالكامل وتغير ملامحي، وكأنني كنت احاول تقمص شخصية مختلفة او الاختباء وراء قناع ما، بدوت كوردة حمراء مزدهرة في تربة سوداء سامة في هذا المكان الخالي من الالوان.

دخلت للمبنى وبعض العساكر نظروا إلى وقد شقت ابتسامة ساخرة وجوههم، أرشدني الدكتور الى شقة في الطابق الثاني ثم أومأ وتركني، رقم الشقة ستة الف.
ودون ان اطرق الباب، فتح الرئيس اريك الباب مبتسماً وهو ينظر إلى بعينين تحملان الحماس.

تفضلي قالها وهو يفتح الباب اكثر ليكشف عن غرفة جلوس ضخمة وشقة ذات طابقين، رغم كبر وفخامة الشقة، الا ان الوانها الرمادية وكثرة الادوات التكنولوجية فيها جعلتني اشعر بأنني ادخل مصنع ما وليس منزل او شقة.
دخلت وانا اشعر بنبضات قلبي المتسارعة التي تؤنبني وتخبرني على الفور بترك المكان الكئيب هذا، ولكن ابتسامة الرئيس التي لا تبدو مزيفة الان جعلتني اشعر بأن كل هذا قد يكون مجرد صورة فقط.

جلست على الاريكة البيضاء والتي بقيت أسيرة بين الجدران الرمادية اللون.
اذاً اخبريني عن تجربتك في المصح قالها وهو يحضر الشاي، وانتهزت الفرصة لاخبره عن تجربتي بصدق وذكر آدم.
آدم اكثر انسان اثار فضولي، أتصدق بأنه يتظاهر بانه يتأثر بتقنياتهم وادويتهم وفي الحقيقة هو لا يتأثر ابداً اخذت المخاطرة بالكشف عن هذا الامر، ولكنني رغبت بأن يطالب رئيس الاقطاعية بمقابلة آدم ولعل هذا سيساند خطتي في اخراجه من المصح.

هل أعجبتي به؟ سألني وهو ينظر إلى بامعان.
لا. ليس من السهل ان يفوز احدهم بقلبي قلتها وانا ارفع حاجبي، وضحك الرئيس.
هل انا استطيع الفوز به؟ سألني سؤالاً مباغتاً، وبقيت صامتة للحظات.
هل يُسمح لك بأن تحوز على قلب مريض؟ يُقال بأنني اعاني من خلل. وان قلبي يعاني من خلل فماذا تريد مني ومن قلبي؟

تنحنح الرئيس وشرب من الشاي انا أتبع الكتاب الكوني وحقاً اظن انكِ مريضة، ولكنني منذ ان سمعت عن قصتكِ ومنذ ان رأيتكِ وانا اشعر بالانجذاب اليكِ، عالمنا سوداوي وانا ادرك ذلك. ورغم انني لا أؤمن بالاديان ولا أؤمن بالغيبيات، الا انني أؤمن بالبشر، انتي كانسانة، جذبتني، ارغب بأن اكون حولك.

حدقت به لثوان طويلة، لم اتوقع ان يكون منفتح الفكر هكذا، ولعله هو ايضاً يريد فقط الاستمتاع بخداعي واثبات وجهة النظر بأننا لا نستطيع ان نتبع منطق العقل، واننا من السهل ان نُخدع ونشكل حلقة ضعف في المجتمع.
ماذا تريد؟ سألت وانا احدق في عينيه لأستشف الحقيقة.

حزب المضيئين، هم حزب يؤمنون بحرية الايمان، وان هنالك اله ومن حقهم ان يؤمنوا به، ولا يريدون عالماً هندسياً. ويشكون في امر الكون اليوم وبماضينا، لأكون صريحاً معكِ يا جوهرة استطعت ان أقرأ كتبهم، هم يظنون بأن عالم اليوم الخالي من الدول المنفصلة والذي تحكمه حكومة واحدة قد أسسه تحالف النور والذي هو مكون من عدة دول عملاقة قبل مئات السنين ومن هذه الدول هي ما كانت تسمى بالولايات المتحدة والصين وروسيا واسرائيل وبريطانيا والمانيا وغيرها من الدول وهذا التحالف قام بابادة الشرق الاوسط وبابادة اهالي افريقيا ايضاً ليصبح التعداد السكاني من سبع بلايين الى سبعمئة مليون نسمة فقط على مر السنوات وقد استخدموا الحروب والاوبئة الاصطناعية لتحقيق ذلك ومن ثم تعاونوا لتكوين حكومة واحدة وهذه الحكومة هي حكومتنا اليوم، وقد تم ابادة الدين كلياً لاجل تحقيق المساواة ولاجل ان تكون الحكومة والجيش هو الاولوية الاولى في حياة الناس، هذه المعتقدات الكاذبة قد ترست كتب المضيئين وبدأت تجذب الانظار بسبب الجيل الحالي الجديد، حاولت حكومتنا محاربة هذه المعتقدات باساليب الاعدام الفورية ولكن وجدنا اننا كلما اعدمنا شخصاً اصبح اسطورة وكلما شددنا العقاب، انجذب الناس الى المضيئين اكثر لذا اخترنا ان نفهم المضيئين وان نفهم سبب التغير في المعتقدات، انتي لا تملكين اجندة وهذا ما لاحظته، لا تملكين خطة للمستقبل ولا خطة شخصية، ورغم كل ما حدث لكِ اخترتِ الهروب ولم تختارِ الانتقام، لذا ارى عيناكِ العينين الوحيدتين الللتين ستكونان مدخلاً لي لعالم المضيئين.

قالها الرئيس ريك وهو يمسك بيدي وانا شعرت بالارتباك، قيس كان السبب الوحيد لخروجي من حالة الانتقام، لخروجي من حالة اليأس، ولاختياري الامل بعيش حياة جديدة، وايماني بشيء ازلي افضل من هذه الدنيا هو السبب الوحيد الذي جعلني استمر في الحياة، وأن أستمر في التنفس.
انا لا انتمي لاي حزب قلتها وقطب حاجبيه، لم ارد ان اخسر اهتمامه. ولكن سأشاركك بأمور رفضت ان اشاركها مع الطبيب، والحرس لمع عينه بالفضول واقترب مني.

انت كاتب، واهتمامك بي ليس بصدفة، ارى انك تبحث عن مادة لكتاب جديد وما هو افضل من معتقدات الضوئيين؟ رفعت حاجبي وانا ابتسم بثقة عندما شعرت بأنني لمست وتراً في قلبه وعقله.
أومأ الرئيس موافقاً لما اقوله.
اتعلم قصتي وقصة قيس قد تكون قصة جميلة لكي تكتبها
لست مهتماً بقصتك مع العسكري قيس، ما يهمني هو والدك وانتي،
وقف الرئيس وذهب نحو الخزنة ليخرج كتاباً مع واحضره لي ويبدو بأن الكتاب مقفل بقفل ارقام.

هذا الكتاب كان لوالدك
اندهشت عندما قال ذلك ونظرت الى الكتاب الذي يبدو مهترئاً.
هل يمكن تخمين كلمة السر؟ لا اريد قطع الكتاب او كسر القفل ولا اريد ان اخسر اي شيء من الكتاب، حتى القفل قد يرمز لأمر ما.
وما المقابل؟ اذا فعلت ذلك سألت وانا آخذ الكتاب محاولة السيطرة على اعصابي.
مع كل فعلة تفعلينها، سأدين لكِ شخصياً بخدمة، خدمة مقابل خدمة،
حسناً، ان فتحت هذا الكتاب، أريد ان يخرج آدم.

ضحك الرئيس من طلبي وجلس مجدداً.
سأسمح بزيارة واحدة فقط لآدم، خدمة يا جوهرة، لا أوامر،
اذاً اجعل الزيارة في بيتي، بحضور قيس.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة