قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل السادس عشر

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل السادس عشر

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل السادس عشر

يرن هاتف قيس باستمرار ويشعر قيس بالارتباك، وينظر نحوي.
- قيس: عدنان.
تجاهل قيس المكالمات وركضنا مع أسماء ومجموعة النساء إلى السيارة التي تتواجد أيضاَ في القبو تحت الأرض، تعجبت فكيف سنخرج من هنا.
- أسماء: هنالك طريق تحت الأرض سنتخذه حتى نصل إلى الجسر الذي سيخرجنا إلى جبل، ومن بعدها سنتجه إلى الميناء حيث السفينة التي ستهرّبنا.
- أنا: سفينة؟ ألن يحدث ما حدث لنا أنا وقيس.

- أسماء: لا تقلقي، لا يوجد جاسوس هنا غير قيس هذا. ولن يذهب معنا إلى السفينة بالطبع.
يومئ قيس الذي يمشي بصمت، وأنا ألاحظ الخوف في عينيه، أمسكتُ بيديه وابتسم نحوي بابتسامة صفراء.
ركبنا السيارة وجلست بجانب قيس في الخلف، بينما تقود أسماء السيارة وكارمن تجلس في المقعد الأمامي مجهزة السلاح أسفل مقعدها، أمسك قيس بيدي وتنفس الصعداء، ثم انطلقت السيارة بأسرع ما يمكن، لأتفاجأ بمجموعة من السيارات وهي تلاحقنا.

شعرتُ بالتوتر، وكأن الجيش سيظهر أمامنا في أية لحظة للقبض علينا، ولكن في الوقت ذاته شعرتُ بالحرية، وبالأمان، وكأنني أنتمي بين هؤلاء النساء اللواتي كنُ يصرخن بأعلى أصواتهن، لتكون أصواتهن بعلو أصوات محركات السيارات، صوت الحرية، صوت النضال، صوت الحب وصوت الايمان.

نظرت أسماء نحوي وهي ضاحكة، لأجد نفسي أيضاَ أضحك وأصرخ، ولكن لم يكن قيس في نفس هذه الحلقة، وكأنه في عالم، ونحن في عالم آخر، ترك قيس يدي وشرد في ذهنه للحظات، ولكنني تمسّكت بيده ووضعت رأسي على كتفه، قبّل قيس وجنتي ثم همس في أذني.
-قيس: أحبكِ، وحبي لكِ يقهر الأبدية، يقهر الحروب، ويتعدى مفهوم البشرية.

نظرتُ نحوه وأنا أشعر بذلك، بهذا الحب الذي يتعدى مفهوم البشرية، ووجدتُ أتردد مجدداَ، ربما على البقاء، هنا في حضن قيس، وأن أرضى بهذا المصير، وربما سيرضيني الموت إن كان بقربه، ولكن لم أستطع، لم أستطع أن أكون بهذه الأنانية وأن أجعل موت والدي، وما حل بآدم، وما حل بحزب المضيئين، وما فعلته والدتي، أن يذهب سدىَ، كان على القتال، وحلمتُ بذلك المستقبل الذي حلمنا به قيس ونحن في تلك السفينة تلك الليلة.

- أنا: إن لم تستطع رصاصة قتلنا، لن يستطيع أحد أن يفرقنا، سنجد ذلك المكان الذي نستطيع أن نكون أحراراَ فيه. وسنكوّن عائلة وننجيب أطفالاَ احراراَ.
يبتسم قيس فوراَ ويتمسّك بي.
- كم هي جميلة هذه اللحظة، لن أمانع أن تكون هذه اللحظة هي آخر لحظة لي في هذه الدنيا، الهواء الطلق، وانتي بين ذراعي
- صوت أسماء: هل يمكن لكما ان تحبا بعضكما البعض بصمت؟

ضحك قيس الذي لم أر تلك الضحكة على وجهه منذ زمن طويل، وسحرتني هذه الضحكة كلياَ لأحدق به.
- أسماء: تباَ كم انتي مغرمة.
قالتها أسماء وهي تنظر إلى انعكاس المرآة الامامية وتغيّر من اتجاه المرآة، ثم تشير نحو سيارتين بأن تسبقنا وتنطلقا إلى الأمام.

وفجأة خرجنا من هذا النفق المظلم نحو ضوء الشمس الساطع، في جسر يصل بنا إلى جبل، شعرتُ بالبرد الشديد، ووضع قيس معطفه حولي ليدفئنا معاَ، كانت تختلس كارمن النظر نحونا بين الحين والآخر، وكأننا مخلوقات غريبة تثير اعجابها واستغرابها.
- أنا: كارمن هل هنالك من خطب؟
- أسماء: لا تستطيع استيعاب فكرة الجندي المغرم، لم تعتد على هذا المنظر
- قيس: ولا أنا
ضحك قيس وهو يستمتع بمنظر الجبل والسماء الصافية فوقنا.

توقفت السيارة فجأة، وتترجل أسماء من السيارة لتفتح الباب الخلفي وتشير لنا بالنزول، وهنالك حافلة في انتظارنا.
- أسماء: سنذهب إلى الميناء بهذه الحافلة هيا. قيس عليكً البقاء هنا، خذ هذه المفاتيح وعد بهذه السيارة.
تلقي أسماء المفاتيح نحوه.
- أسماء: إن لحقت بنا. سنقتلك.

توجهت أسماء نحو الحافلة، وتبعتها كارمن، ونظرت نحو قيس شاعرة بالتردد لم تستطع قدماي التحرك، فأمسك قيس بيدي وتوجه معي نحو الحافلة، وشعرتُ بأن هنالك أمل بأن يصعد.
- أنا: اصعد.
قلتها مترجية، وابتسم قيس ليقبّل شفتي قبلة سريعة، وكأنه كان يخاف من قوة تأثيري عليه، وكأنه كان يحارب نفسه بأن لا يصعد هذه الحافلة معي.
- قيس: لا أستطيع
همس قيس بصوته الراجف.
- قيس: اذهبي ولا تعودي إلى هنا، سمعتي؟

- أنا: لماذا أشعر وكأنك تودعني؟
- قيس: اذهبي ولا تعودي، وأعدكِ بأننا سنلتقي مجدداَ، سنلتقي.
خلع قيس معطفه وألبسه لي، ثم خلع ساعته وقدمها لي.
- قيس: انا سجين مثلكِ يا جوهرة، ولكنكِ تستطيعين الهرب من سجنك. أما أنا فأحمل سجني معي، ان ذهبتُ معكِ الآن سأبقى تعيساَ لأن هنالك من يتلاعب بأفكاري ومشاعري. هنالك من يمنعني من حبك كما يجب أن أحبكِ.

أومأت وأنا أتفهم ما يقوله، من حقه أن يحاول محاربة معركته الخاصة، من حقه أن يسعى لحريته كما أسعى أنا.
- صوت أسماء: تباَ لكما هيا!
حضنت قيس للمرة الأخيرة وركبت الحافلة لأجلس على المقعد بجانب النافذة.

توصل كارمن قيس إلى السيارة ويبدو بأنها تتأكد بأنه لن يلاحقنا، وقف قيس وهو يشعر بالبرد بسبب تركه للمعطف، ضحكت وأنا أراه يفرك ذراعيه ويودُعني، ثم فجأة رأيته يخطف السلاح من كارمن ويلكمها بقوة، تفاجأتُ ووقفت فوراَ لأركض ناحية أسماء التي تقود الحافلة.
- أنا: أوقفي الحافلة.
صوت طلقة نار.
توقفت أسماء التي تأخذ سلاحها.
- أسماء: علمت بأننا يجب ان نقتله.

ركضت نحو النافذة لأتفاجأ بقيس مستلقِ على الأرض، السلاح بيده، والدماء حوله، وكارمن واقفة على بعد بحالة من الصدمة. صرخت بأعلى صوت وركضت لأخرج من الحافلة.
ركضت نحو قيس وانا اصرخ غير مصدقة ما رأيته، لابد بأنه كابوس.
صوت كارمن كان كالصدى في عقلي.
- كارمن: أطلق النار على نفسه. لم افعل شيئاَ.

وقفت أسماء على بعد متفاجئة، وضربتُ قيس عدة مرات، ووضعت يدي على الحفرة التي كونتها الرصاصة في رأسه وكأنني أردت وقف النزيف، وكأنني أردت انقاذه، شعرت بيدين تحملانني، ولكنني قاومت. قاومت بكل ما أستطيع، أردتُ انقاذه، أردت انقاذه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة