قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الرابع عشر

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الرابع عشر

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الرابع عشر

يقف آدم تحت أشعة الشمس المشرقة، مرتدياً بنطال ابيض اللون وقميص ابيض اللون يكشف عن تعاليم نحره، تلمع خصل شعره التي تتمايل مع نسيم الهواء البارد وينظر نحوي بعينه الخضراء اللامعة وعينه الزرقاء المتلألئة، ويبتسم ليكشف عن اسنانه الناصعة البياض، اصابع قدميه الحافيتين تتغلل في العشب الاخضر وكأن العشب قطن يقف عليه.

صوت طرق باب، صوت طرق باب نزعني فوراً من ذلك المكان، استيقظت فجأة لأجد نفسي مستلقية على الاريكة.
وقفت فوراً وخفت من انعكاسي على مرآة غرفة الجلوس، شعري الاشعث يشبه عش العصفور، ثياب البيجاما التي لم اغيرها لثلاثة ايام تلطخها بقايا الايس كريم من الليلة الماضيةً وتضايقت من رائحتي ايضاً.
هل هذا شكل فتاة قد طلب احدهم يدها قبل ثلاثة ايام؟ سألت نفسي وانا انظر الى المرآة بقرف.

زحفت قدماي حتى وصلتا امام الباب وفتحت الاباب وانا اتثاوب لأجد قيس امامي، بوجهه الوسيم، بشرته البيضاء الصافية، عينيه العسليتين، وابتسامته التي تظهر غمازتيه، وخصل شعره الداكنة تلامس رموش عينيه الطويلة، حيث انه اليوم عكس كل يوم، لم يسرح شعره للوراء، ولم يمتلك تلك النظرة العسكرية، بل ارتدى قميصاً صوفياً قرمزي اللون وذا قلنسوة، وبنطال عادي، ووضع عطراً ايقظني من حالة النعس التي كنت فيها، بدا جميلاً ووسيماً وبسيطاً ليذكرني بالماضي. سرعان ما اختفت ابتسامة قيس وقطب حاجبيه.

هل غيرت رأيك؟ قلتها وانا اسخر من منظري.
لم تجيبي على مكالماتي ولم تفتح الباب لثلاثة ايام، لماذا؟ سأل قيس وهو لا يزال واقفاً في الخارج.
لأنني ارفض طلبك ذلك قلتها وانا اسد الطريق غير تاركة له المجال كي يدخل البيت.
غريب امرك شخر قيص سخرية، ورفعت حاجبي الايمن متحدية.
ماذا تريد؟
اريد ان نخرج
الى اين؟
ابتسم قيس ابتسامة تخفي حماسه.
الى المسجد الذي بناه والدك.

بعد صراع داخلي طويل ومشهد عراكي كبير بين صوت المنطق في عقلي وصوتي انا، انتصرت انا كالعادة لأرتكب ما قد تكون حماقة اخرى بين قائمة الحماقات.
خرجت من سيارة قيس وانا ارى ارض خالية امامي.
اين المسجد؟
سألت وانا انظر الى قيس الذي ابتسم ووضع الخارطة على الارض المليئة بالارقام والدوائر التي لم افهمها.
علينا ان نجد البقعة الصحيحة
اتقصد ان المسجد تحت الارض؟
نعم، قالها قيس وهو يبدأ بالمشي ويضغط على الارض بخطواته.

نظر إلى قيس باستنكار لم انتي واقفة. هيا بدأت امشي مقابل قيس وانا اضرب الارض بخطواتي بحثاً عن باب ما، او حفرة ما مخفية.
الا تظن بأنهم سيخفون المسجد بحيث لا يمكن لاحد ان يشعر بوجود حفرة ما او بوابة ما وهو يمشي على هذه الارض؟
سألت وانا اشعر بغباء ما نفعله.
اذاً ماذا تقترحين ان نفعل؟! قالها قيس بتهكم.
نظرت حول الارض.
الا يصلي المسلمين باتجاه معين؟

فهم قيس ما قلته واخرج مذكرات والدي من جيبه وفتح الصفحات فوراً.
هل ذكر والدي ذلك؟
نعم، قد تكون الفقرة التي كتبها عن اتجاه القبلة هي دليل. فهي مليئة بالاحداثيات والاشارات اقترب قيس مني وفتح صفحة بعنوان القبلة.

يصلي المسلمون في اتجاه واحد، فرغم اختلاف مذاهبهم والوانهم ومبادئهم الا انهم جميعاً للحظات مقدسة يتجهون لاتجاه واحد، فيصبحون على سجادة الصلاة سواسية، هدفهم موحد، كلماتهم موحدة. مشاعرهم موحدة، ويكون اتجاهم نحو الكعبة المقدسة، الكعبة التي قال عنها حكومتنا بأنها خرافة، وقد تم تدميرها. ما لا يعرفه شعبنا بأن هذه كذبة اخرى، والكعبة متواجدة يحميها ما تبقى من المضيئين.

علي الصفحة الاخرى احداثيات واتجاهات تشير نحو كيفية تحديد القبلة، جمع قيس الاحداثيات هذه ثم وضعها على خريطة المسجد.
اتبعنا هذه الاحداثيات لنجد بقعة واحدة في المساحة الارضية، ضرب قيس الارض بقدمه ولم يشعر بشيء.
علينا ان نحفر قلتها ووافقني قيس بايماءة وركض نحو سيارته ليحضر ادوات الحفر.

نظرت حولي وانا خائفة وكأنني اشعر بان احدهم قد يراقبنا. بدأنا بحفر الارض حتى شعرنا بوجود لوح خشبي، بدأ قيس بنفض ما تبقى من التراب ثم فتح الباب.
وجدنا درج يتوجه للداخل، ونظرنا لبعضنا البعض بنظرات تدمج الحماسة بالخوف.
نزلنا الدرج المعتم، لنجد باباً آخر. فتح قيس الباب لندخل الى ما يشبه البهو المغطى بسجاد والشعلات، بعد لحظات لم أستطع رؤية شيء.

استيقظت لأجد نفسي مستلقية على الأرض الباردة وأمامي مجموعة من النساء اللواتي يرتدين ثياب سوداء وملثمات، شعرتَ بالألم خلف رأسي ونظرت حولي ولم أجد قيس.
- كيف لكِ أن تحضري ذلك الجاسوس؟
سألت إحدى النساء وهي تنظر إلى بغضب. نظرتُ نحوها غير فاهمة.
- أتقصدين قيس؟
سألتها وانا أعتدل في جلستي مستعدة لأي قتال قد يحدث في أية لحظة.
- قيس؟

سألت المرأة بصوت عالِ لأسمع فتاة أخرى ذات سمرة شديدة السمار، وشعر أشقر، وتجيب هي من بين المجموعة.
- قيس، الجندي الذي هرب معها سابقاَ، والذي تم مسح ذكرياته.

نظرت إلى تلك الشابة بنظرة ثاقبة ثم اقتربت مني وكشفت اللثام عن وجهها، لأرى شابة قد حلقت شعرها بالكامل، ولكن أنوثتها ظاهرة من ملامحها الأنثوية الجميلة، وعيناها الكبيرتين الزرقاوتين تحملان الكثير والكثير من الغضب، وقد جذب نظري حواجبها الشديدة السواد والكثيفة، لم يبهرني جمال فتاة من قبل قدر جمال هذه الشابة أمامي.
- اسمي أسماء، والدي من أصول حجازية، ووالدتي من أصول هولندية.

لم أفهم ما تقصد، حجاز؟ هولندية؟ ومنذ متى نعرّف بعضنا البعض بهذا الشكل.
- رغم أنني أوافق على مبدأ الغاء الحدود، لنبذ العنصرية، ولكنني أخبرتكِ بذلك حتى تدركين بأنني أعرف عن ماذا أتحدث.
أكملت أسماء ولم أفهم ما تعنيه.

- سنذهب للبحث عن مكة، وأنا أمتلك مخططات قد تم توارثها عبر أجيال وأجيال من الحجازيين، لقد أرسلنا كتيّب والدكِ مع إحدى مجنداتنا التي ضحت بنفسها حتى يتم ايجاد هذا الكتيّب، وكنا نعلم بأن ريك الغبي سيتواصل معكِ وسيحاول أن يجعل منكِ طعماَ للوصول إلينا.
ريك؟ طعم؟
نظرت إلى أسماء كالغبية وأنا لا أفهم ما تقصد، تراجعت أسماء شاعرة بالصدمة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة