قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الخامس عشر

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الخامس عشر

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الخامس عشر

- سنذهب للبحث عن مكة، وأنا أمتلك مخططات قد تم توارثها عبر أجيال وأجيال من الحجازيين، لقد أرسلنا كتيّب والدكِ مع إحدى مجنداتنا التي ضحت بنفسها حتى يتم ايجاد هذا الكتيّب، وكنا نعلم بأن ريك الغبي سيتواصل معكِ وسيحاول أن يجعل منكِ طعماَ للوصول إلينا.
ريك؟ طعم؟ نظرت إلى أسماء كالغبية وأنا لا أفهم ما تقصد، تراجعت أسماء شاعرة بالصدمة.

- تباَ. أحقاَ ظننتي بأن قيس وجنوده الأغبياء وجدوا هذا الكتيّب وقيس الملاك أتى ليساعدكِ؟ انه جاسوس!
أغمضت عيناي غير مصدقة بأنني تجاهلت حدسي مرة أخرى لأتبع قلبي الأبله.
- أين وضعتموه؟
تيشر أسماء نحو إحدى الفتيات، وينفتح الباب ليتم إلقاء قيس الفاقد عن الوعي أمامي، يحاول قيس استعادة وعيه ولكنه يبدو متعباَ.

- نحن الفتيات لا نحب استخدام العنف، حقناه بفيروس سيجعله متعباَ ليومين، ما يقدم لنا الوقت الكافي للذهاب. هيا.
قالت أسماء، ولاحظت بأن جميع الفتيات بدأن بالحركة، نظرت نحوها ثم نحو قيس وانا شاعرة بالتردد.
- أنا: لا أستطيع الذهاب معكن، ربما هذا فخ آخر!

- أسماء: فخ؟ نحن من أرسلنا لكِ ذلك الكتيّب ولا نملك الوقت للجدال، هل حقاَ تثقين بجندي ولا تثقين بنا نحن؟ ألستِ سجينة؟ أليس من المفترض منكِ انتهاز أي فرصة للهروب.
- أنا: لا أعرفكِ حتى!
- أسماء: وتعرفين هذا الشاب؟
بقيتَ صامتة للحظات، وانفعلت أسماء لتصرخ بأعلى صوت.
- أسماء: تحبييينه يا بلهاء؟ تملكين وقتاَ وطاقة للحب؟ ألا ترين في أي عالم نعيش نحن؟
- أنا: ماذا تريدين مني؟
- أسماء: علينا الذهاب إلى مكة.

- أنا: ولماذا تحتاجين إلى أنا بالذات؟ لستَ بوالدي! ولن أكون مثله ابداَ.
- أسماء: لا أصدق بأنني خسرتً آدم، وخسرتُ ماريا بسببك.
فاجأتني جملتها، كيف لها أن تعرف آدم.
- أسماء: انا من وجهت آدم ليهتم بكِ في ذلك المكان حتى لا تفقدين عقلكِ، وانا لست بحاجة إليكِ ولكن هذا الدين الذي عليه دفعه لوالدكِ الذي وقف بجانبنا، لا أستطيع ترككِ بين هؤلاء المجرمين.
- أنا: لن أذهب بدون قيس.

- أسماء: قيس سيقتلكِ يا مجنونة، لقد خسرته في اللحظة التي ولجوا إلى عقله! لن يستطيع التحكّم في أفكاره ومشاعره من اليوم، إن أرادوا أن يجن قيس في أية لحظة يستطيعون فعل ذلك.
لم أفهم ما تقصده أسماء ولكنني انفعلت بشكل كبير، وتمسكّت بيد قيس.
- أنا: لن أذهب بدونه.

نظرت أسماء نحو النساء اللواتي خرجن فوراَ من الغرفة، لأبقى أنا وأسماء وقيس الذي يفتح عينيه بصعوبة، اقتربت أسماء وظننت لوهلة بأنها ستلكمني، ولكنها جلست القرفصاء ونظرت في عيني بحزم.

- أسماء: هؤلاء يمتلكون تقنيات عالية جداَ يا جوهرة، استطاعوا أن يحقوننا بمواد تتحكم في مشاعرنا، استطاعوا أن يبيدو ستة بلايين من البشر حول العالم، استطاعوا أن يلغوا الحدود الدولية، استطاعوا الغاء ثقافات بأكملها وشعوب، استطاعوا تغيير التاريخ، واستطاعوا أن يمسحوا الأديان، ولكن من واجبنا أن نحارب يا جوهرة، لن أعيش كآلة من بعد اليوم، ولن أحرم أبنائي من حياة بشرية، كيف لكِ أن تختبري السعادة الحقيقية إن لم تستطيعي اختبار الحزن والألم؟ ذلك الشعور بالسعادة وكأن العالم بأكمله تحت قدميكِ ولو للحظات، هو شعور تم حرمانه منا، للألم لذة يا جوهرة، وللحزن لذة، وللسعادة لذة، للصلاة لذة، وللطقوس لذة أيضاَ، لا أستطيع أن أعيش حياة تحكمها المال والانتاج والعمل فقط، إن بقيتِ الآن مع قيس، فإنكِ لن تكوني ضمن الحركة التي أعادت للأجيال القادمة معنى البشرية.

نظرتُ نحو أسماء بتردد، شعرتُ بأن على اتباعها، ولكنني في الوقت ذاته أتفهم تماماَ ما تقصده بتلك اللحظة، وهذه اللحظة من السعادة، اللحظة من الحزن، اللحظة من الألم، اللحظة من الاستمتاع، لا أعيشها سوى عندما أرى قيس أمامي، ولم أستطع التخلي عنه، وكأن قيس مخدّر وأنا مدمنة.
- أسماء: يستطيعون التحكّم به يا جوهرة، وأنا واثقة في ذلك، كيف يمكن لريك ومن معه أن يثق بقيس؟ في عالم لا توجد فيه مبدأ الثقة العمياء!

تأوّه قيس ألماَ وشد قبضته على يدي ثم نظر نحوي، وهربت دمعة من عينه، نظر نحوي بنظرة فهمت بأنها نظرة الوداع، وهززت رأسي رافضة الفكرة.
- قيس: اذهبي، هي محقة. اذهبي وسألحق بكِ عندما أسترد حريتي الكاملة.
قالها قيس بصوته الواهن، ولاحظت نظرة في أسماء لم أرها من قبل، وكأنها تشهد على معجزة، تراجعت أسماء وهي تنظر نحوي ونحو قيس لتتنفس بعمق عدة مرات.
- أسماء: لا
قالتها أسماء وهي مرتبكة.
- أسماء: علينا قتله.

قالتها ووقفت فوراَ معترضة.
- انا: مستحيييل! عليكِ قتلي إن أردتي قتله، لن أسمح بموته بعد كل ما مررنا به، لن أسمح بذلك.
ينفتح الباب لتدخل المرأة السمراء وهي تنظر إلى أسماء التي تشير إليها بالبقاء مبتعدة. تتنفس أسماء وهي تدلّك رأسها شاعرة بالانزعاج.
- أسماء: ان ذهبتِ معنا، سنتركه يعيش.
- أنا: وعلى أن أصدق هذا بعدما قلتيه لي؟
- أسماء: ان كنتِ واثقة منه، سأثق بقرارك وسنتركه يعيش.

نظرتُ نحو قيس ثم نحو أسماء، وأنا أشعر بأن على البقاء وحماية قيس.
- قيس: اذهبي، قلت لكِ ذلك.
- أنا: سأذهب بعد أن يستعيد قيس صحته!
تضرب أسماء الجدار بقدمها شاعرة بالغضب العارم.
- أسماء: تااافهة تااافهة! (تهدأ للحظات)، حسناَ، كارمن، أحضري حقنة الدواء.
تومئ المرأة السمراء. ويتبين بأن اسمها كارمن، وتغادر الغرفة.

بعد لحظات، يستيقظ قيس الذي يبدو بأنه أفضل حالاَ، وتجلس كارمن أمامه وبيدها سلاح مستعدة للدفاع، أما أسماء فهي تجلس في زاوية الغرفة وتشرب الماء وتنظر إلى بنظرات الحقد والغضب.
- أسماء: كيف تملكون المزاج للوقوع في الحب في هذا الزمن.
- أنا: أليس هذا هو المغزى من قتالكم هذا؟ حتى تتمكنوا من اختبار الحب القوي؟ والمشاعر القوية؟
قلتها لتضحك كارمن، وتزفر أسماء.
- قيس: اتركونا لوحدنا.

قالها قيس الذي يعود اللون إلى وجهه، وتعود القوة إلى جسده، تنظر كارمن نحو أسماء التي تومئ وتمشي إلى خارج الغرفة، لتتبعها كارمن وتغلق الباب، يقترب قيس مني ليقبّل جبهتي، وللحظة استعدت ذكريات الماضي عندما كان قيس ينظر إلى وكأنني عالمه بأكمله، ولم أتحكّم بنفسي لأحضنه متمسّكة به.
- قيس: عليكِ الذهاب.

قالها وأنا أستمع إلى نبضات قلبه التي تتسارع معارضة ما يقوله لسانه، ولم أتركه بل بقيت صامتة أشد ذراعي حوله.
- قيس: هي محقة، وأدركت الآن ما يحدث لي، لطالما شعرتً بأن هنالك شخص آخر في جسدي، شخص يتلاعب بمشاعري وبأفكاري وبعقلي، وكأنني في حرب مستمرة مع ذلك الشخص لأحافظ على نفسي.
- أنا: عليك ان ترافقنا لن يستطيعوا ايجادنا ولن يستطيعوا التحكم بك وأنت على بعد.

- قيس: انهم يملكونني يا جوهرة، بشكل كامل، وهذا ما يرغبون به، أن أرافقكِ إلى مكة. وأن أكشف عن مخططات المضيئين، أن نجد أرض الجنة. المكان الذي نستطيع فيه أن نكون أحراراَ ثم يلاحقونني ويدمرون ذلك المكان أو الأسوأ يتحكّمون بي.
- أنا: ألا تؤمن بالله يا قيس؟
سألتُ وأنا أبتعد الآن لأنظر إلى عينيه وعيناي تدمعان.

- قيس: ألا تؤمنين أنتي؟ لقد عشنا لسبب يا جوهرة، تلك الرصاصة في تلك السفينة كان عليها قتلنا، ولكننا عشنا لسبب، لربما هذا السبب هو اليوم، لربما اليوم هو يوم مقدس، اليوم الذي تتحررين فيه أخيراَ. ورغم أن كل جزء من جسدي يصرخ بأن على أن أرافقكِ، هذا الصراخ هو ما يخيفني، لماذا أملك هذه الرغبة الكبيرة بأن أذهب، شعور ليس بنقي كشعور حبي نحوكِ الذي يكاد أن يكون أصفى من الماء.

دمعت عينا قيس الذي يشيح نظره عني، ولأول مرة شعرتُ بأن قيس هو صادق كلياَ معي، ماذا فعلوا به؟ ماذا فعلوا هؤلاء الوحوش به؟
- أنا: قيس، علينا الهرب معاَ وسنجد حلاَ.
- قيس: اذهببيي!
يصرخ قيس بأعلى صوت، اقتربتُ منه وانا ارفض فكرة الابتعاد عنه، فلا أملك في هذه الدنيا غيره.
- قيس: أعدكِ بأنني سألحق بكِ، أعدك ولكن على أن أكتشف ما فعلوه بي، ومدى قدرتهم على التحكم بي.

قالها قيس وهو يتمسّك بيدي، تدخل كارمن الغرفة وقد نفذ صبرها.
- كارمن: المركبة جاهزة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة