قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الحادي عشر

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الحادي عشر

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الثاني للكاتبة أفنان الفصل الحادي عشر

استقر اليأس في بدني ليتآكله شيئاَ فشيئاَ، شعرتُ بأن قلبي أراد ان يتوقف، نعم شعرتُ بالاستسلام، لماذا نعيش؟ ما الهدف؟ لماذا حاولتُ جاهدة ان انقذ نفسي وانقذ آدم وأنقذ قيس؟ هل السعادة هي أن أعيش هاربة بسبب رغبتي باتباع ما يريده قلبي؟

مسحتُ دمعة هربت من عيناي اللتان قد جفّتا من البكاء، قيس الذي استمر في زيارتي بين وهلة وأخرى، قدّم لي كوب من الشوكولا الساخنة، ولم استطع تمالك نفسي وابتسمت وانا انظر إلى الكوب.
تبتسمين؟
تعجب قيس وهو ينظر إلى وابتسم.
تذكرتُ أول مرة صنعت فيها كوب شوكولا ساخنة لي.

تضايق قيس وكانت ملامح وجهه تتغير كل ما تحدثت عن الماضي، وتفهمت ذلك، فأنا أتذكر هذه اللحظات الجميلة بينما هو لا يرى سوى صفحة بيضاء فارغة، ولعله يتمنى لو انه يستطيع الشعور بما اشعر به من سعادة وشوق لتلك الذكريات.
لحظة صمت أخرى مرت وسرعان ما شعرتُ بالحزن مجدداَ، وباليأس.

لم أعرفه سوى لفترة بسيطة، ولكن كنت اشعر بأنني أجلس مع انسان يا قيس، أتعرف كم هو نادر ان اجد شخصاَ أستطيع ان اكون بكامل حريتي وطبيعتي امامه؟ شخص مفعم بالروح والحياة؟ شربت من الكوب وأشحت نظري عن قيس الذي قطّب حاجبيه لا يعرف ما يجب ان يقوله.

كم كنت أكره هذا التصرف، أعيش بين عالم يتحكّم فيه اناسه في كل حركة، كل شخص حولي يقوم بحساباته الرياضية الدقيقة قبل ان ينطق بحرف، ها هو قيس الآن يفكّر بنفس الطريقة.
لا تفكر، اخبرني باول ما يخطر لك من كلام. قلتها وانا انظر في عينيه.

ما الذي تريدينه يا جوهرة؟ انتِ الوحيدة التي لا استطيع فهمها، أعني كل شخص هنا يعرف ما يريده، ما الذي ينقصه من سمات، واين تقع قوته، ما هو العمل الذي يريد ان يحصل عليه. وما هو هدفه، انتِ لا تتحدثين في هذه الامور. وكل خطواتكِ خاطئة وغير محسوبة قالها قيس وهو يحدق فيني، ابتسمتُ وقد سألت نفسي هذه الاسئلة أيضاَ، ما الذي تريدينه يا جوهرة؟

بقيتَ صامتة للحظات وما قاله عقلي وقلبي فاجأني ايضاَ، اريد الكتاب قلتها دون أن أفكر ملياَ ان كان يجب ان انطق بذلك أمام قيس ام لا.
تعجب قيس ولم يفهم ما ارمي إليه، ثم قررتُ بسرعة سحب ما كنت سأقوله اريد الكتاب الكوني كذبتَ ورأيت نظرة الأمل في عيني قيس، ابتسم قيس وأومأ.

سأحضره لكِ أمسك قيس بيدي وهو يحاول كبت سعادته، قطبتُ حاجبي متعجبة منه، هل قيس يقاوم العلاج؟ هل هو مدرك بأنه أصبح في خط الخطر؟ هذه التصرفات لن يقبلها المعسكر وقد يتم وضع قيس تحت خط الشك.
وصلتُ إلى مبنى رئيس الاقطاعية ريك وقد أوصلتني لانا إلى المكان بطلب مني، لم أرد كشف نواياي امام قيس ولكن ما أردته حقاَ هو كتاب والدي الذي وجده الرئيس.
وكالعادة دخلت إلى الشقة وقدم لي الرئيس ريك الشاي وقطع من الكعك.

أرجو انكِ بخير. قالوا لي انكِ انفعلتي
كان آدم صديق لي
صديق؟ ضحك الرئيس ريك. خياركِ للاصدقاء أمر مثير للاهتمام قالها ساخراَ.
ابتسمتُ محاولة اخفاء كرهي وغضبي منه اذاَ ماذا تريدين؟ سأل الرئيس وهو يشرب من الكوب مبتسماَ.
أريد تغيير البيت، لا اشعر بالراحة هناك. رفع الرئيس حاجبيه متعجباَ.
البيت بيت، لا فرق،.

أريد منزلاَ جديداَ لانني اتخذت قراراَ جديداَ، أرغب في اخذ العلاج الذي اخذه قيس واشعر بان منزلاَ آخر لا يحمل اي نوع من الذكريات سيكون امراَ مناسباَ لي وضع الرئيس الكوب جانباَ وبدا متضايقاَ من ما قلته.
ولكن، ظننت بأنكِ لن تتخلي عن معتقداتكِ ابداَ قالها الرئيس ريك بنبرة تحمل الشك والتساؤل ولم اجبه.

وقف الرئيس وتنهد وبدأ يمشي حول المكان. انا اخترتكِ يا جوهرة لهذا السبب، أردت فهم عقليتكم. ما فائدتكِ ان كنتِ واحدة منا؟ قالها الرئيس بنبرة تحمل الآن غضباَ مكبوتاَ.
نظرتٌ حول المكان بعيني ولم اجد الكتاب في غرفة الجلوس ولا في الطاولة ولا في اي مكان، هل اخفاه؟
هل قرأت الكتاب؟ سألتُ بكل جرأة.
نعم
لا تكفيك المعلومات في الكتاب؟
جوهرة، أنا بحاجة إلى عينين أنظر بهما إلى عالمكم، وعيناكِ هو كل ما احتاج اليه.

ربما لم يكن من الصائب ان تقتل آدم، كان هو أكثر تمسكاَ بمعتقدات المضيئين قلتها بنبرة جافة جعلت الرئيس يقترب مني، وعلى حين غرة، أمسك الرئيس ريك بشعري وشدّ شعري حتى شعرتُ بألم وكأنه يحاول سلخ الجلد من على رأسي.
هذا كله مجرد خداع، لا تظني بأنكِ حقاَ حرة وضيفة، نستطيع قتلكِ في اي وقت. استطيع قتلكِ الآن.

رغم ذعري من ما حدث، والألم الذي اشعر به إلا انني لم ارد الخضوع له اقتلني، لا يهمني، هذا ما فعلتموه الآن، جعلتم الموت أمراَ نتمناه لا نخشى منه. فكيف تستطيعون التحكم بنا الآن؟ قلتها عبر اسناني المصطكة ونظرتُ نحو الرئيس بعينين جعلتاهما يتراجع ويتركني.
ضحك الرئيس ريك بصوت عالِ اخرجي من هنا يا معتوهة، عندما تفكرين بعقلكِ لا قلبك فقط. عودي وحدثيني قالها الرئيس ريك.

دخلت لانا فوراَ واتجهت نحوي لكي ترافقني إلى الخارج، وانا اتبعها للخارج لمحتُ الكتاب تحت منضدة في زواية الغرفة.
-/.

لا أتذكرها ولا أتذكر سوى صفحة سوداء لا نهاية لها، ولكنني كل ما استيقظتُ صباحاَ أراها أمامي، أرى خيال ابتسامتها أمامي، أفكر بما تفعله الآن، أفكر بالوقت المناسب لكي أزورها اليوم، وبعدها أصفع نفسي كي استفيق وكي أحذر عقلي وقلبي. لا تقع في نفس الخطأ يا قيس قلتها عدة مرات مغمضاَ العينين وأحاول ان أفكّر في أمور أخرى غيرها.

ارتديتُ بدلتي العسكرية، ومشطت شعري، ثم نظرتُ إلى انعكاسي على المرآة، شعرت بالخفة اكثر دون لحية، كانت جوهرة محقة، قلتها وانا اضحك ووجدتُ نفسي أتساءل عن سبب حبها العظيم لي، هل انا وسيم لهذه الدرجة؟ اتسعت عيناي عندما ادركتُ أنها تسللت إلى عقلي مجدداً وصفعت نفسي حتى احمرت وجنتي اليمنى.
خرجتً لأقابل زملائي كالعادة ولكي أتناول طعام الافطار معهم.

جميعهم في قاعة الطعام ذاتها، الساعة السابعة صباحاً، بنفس البدلات الخضراء المائلة إلى اللون البني، والأحذية البنية الكبيرة، والصواني النحاسية نفسها بين تلك الأيادي التي اعتادت على حمل الأسلحة وتلميع الذخيرة.

جلستُ على طاولة من الطاولات بجانب لانا وعدنان الذي رمقني بنظرة تحمل القلق والاسئلة، ولم يمر صباح دون ان يرمقني عدنان بهذه النظرة ودون ان يسألني اسئلته الثلاث الشهيرة. كيف حالك؟ نمت جيداَ؟ هل لديك مهمة مع الدكتور اليوم؟ وانا ادرك ان السؤال الثالث هو سؤال عن جوهرة حيث ان الطبيب اعتاد ان يرسلني إلى جوهرة مع كل مغلف للأسئلة لكي أكون عاملاَ لجعلها تنفعل وتجيب بمشاعرها ايضاَ لا فقط عقلها. عدنان لم يكن من المشجعين لتلك الزيارات، ولم اكن الشخص الوحيد التي يقوم بها، كل فرد مثل جوهرة يتم ارسال شخص او غرض اليه وعلى ذلم الشخص او الغرض ان يكون نقطة ضعف الفرد.

ولكن في هذا اليوم نظرت إلى لانا بنظرة مشابهة لنظرات عدنان. لانا. هل هنالك خطب؟ سألتها.
جوهرة لا اثق بها قالتها وهي تحدق في وكأنها تحاول ان تجد علامة ما من ملامحي. لا يثق بها احد، هي خائنة، نحن هنا لحراستها لا التسكع معها قلتها بنبرة باردة متجاهلاَ نظراتها.
عندما خرجنا اليوم من شقة الرئيس، رأيتها تنظر نحو الكتاب. كتاب المضيئين. وكأنها تريد ان تحفظ مكانه قالتها لانا وهي تقضم تفاحة وتنظر نحوي.

هي من فتحت الكتاب للرئيس، لا اظن انها مهتمة للكتاب. ولعلها قرأته قبل ان تقدمه للرئيس قلت للانا.
انضم إلينا جمال وهو أحد الشبان الذين أثق بهم في المعسكر، قصير القامة ولكن قوي البدن، ذا شعر مموج أسود اللون، وبشرته السمراء الجميلة كانت دوماَ عاملاَ لجذب انظار الفتيات.
من اليوم، لن نقلق من ان نفقد عضواَ قال جمال وهو يبدو متحمساَ ماذا تقصد؟ سألت.
جمال: أتذكرون الذين قد تم القرار باعدامهم؟

حاولتُ اخفاء ارتباكي فلم ارد تذكر جوهرة أو آدم وأن اظهر اي نوع من ردة الفعل.
جمال: لم يُقتلوا
قالها جمال ولم استطع اخفاء صدمتي التي كانت تخفي نوعاَ من الحماسة والسعادة، هذا الخبر قد يخرج جوهرة من حالتها تلك.
ولكن أكمل جمال ليصفعني صفعة أخرى لم اتوقعها.

جمال: سمعت انهم كسروا الحبل الشوكي الخاص بهم وقد حقنوا ادمغتهم بمادة جعلتهم في حالة شلل مؤبدة نوعاَ ما، فان أصيب احد منا بمكروه، ستصبح اجساد المضيئين مصدر للدماء والاعضاء قال جمال وقد شرب من كوب العصير.
لم تظهر لانا ردة فعل للخبر، وعدنان أومأ رغم اننا لا نعاني من حروب، إلا انها فكرة ممتازة، لماذا ندفن اجساداَ قد تكون ذات فائدة لنا، أليس الخلل اصلاَ في عقولهم؟! ضحك عدنان وضحكت لانا ضحكة مقتضبة.

ابتسمتُ محاولاَ اخفاء امتعاضي، نعم امتعاضي مما سمعت، وتفاجأت من امتعاضي، لماذا شعرتُ بالتقزز من هذه الفكرة؟ لماذا شعرتُ بالغضب، لم استطع حتى اكمال تناول الطعام.
خرجتً من المعسكر لأجد نفسي فوراَ متجهاَ إلى منزل جوهرة، توقفتُ أمام منزلها ولكن لم استطع الخروج من السيارة. لماذا انت هنا؟ سألتُ نفسي عندما ادركتُ ما افعله ولكن لم أستطع التحمل، كان على رؤيتها.

فتحت جوهرة لي الباب، وقد انفطر قلبي عندما رأيتُ عينيها العسليتين متورمتين من البكاء، شعرها المجعّد قد فقد حيويته المعتادة، وبشرتها قد فقدت نضارتها، لم اشعر بالطاقة التي اشعر بها دوماَ عندما اكون متواجداَ معها، لأول مرة شعرتُ بأن جوهرة حقاَ مدمّرة. ولم تبرق عينا جوهرة كالعادة عندما رأتني واقفاَ امامها.
اهلاَ قيس قالتها بصوت منخفض ودخلتُ للمنزل.

هل اخبرها؟ هل سيسعدها خبر ان آدم لا زال على قيد الحياة؟ ولكن هل هو حقاَ على قيد الحياة؟ فقد اصيب بشلل مؤبد وعقله مصاب بالشلل ايضاَ، لعل هذا المصير هو نفسه الموت.
بقيتُ جالساَ بجانبها، وبقيت جوهرة في حالة صمت غريبة، لم تنظر نحوي ولم تتحدث ولم تفعل شيئاَ سوى ان تحدق في اصابع قدمها، شعرتُ بالحزن، شعرتُ بأنني مستعد ان افعل كل ما يجب فعله كي أرى ابتسامتها مجدداَ.

تحدثت مع الطبيب، يستطيع ان يبدأ العلاج غداَ قلتها وانا حقاَ اشعر بالسعادة، ان تم علاج جوهرة فلن تواجه جوهرة مصير الموت أو الأسوأ المصير الذي واجهه آدم، ولكنني لم الق من جوهرة سوى الصمت التام.
خرجتُ من منزل الجوهرة ونبضات قلبي لم تتوقف عن التسارع، وتنفست بسرعة، شعرتُ بالهلع، بالهلع الذي لم اشعر به من قبل، شعرتُ بالخوف، اردتها ان تكون بخير وهي ليست بخير، ما رأيته يضاهي اسوأ كابوس لي.

كان على مقابلة الرئيس ريك، ولم استطع التوقف عن الرجفان وعن الهلع منذ ان غادرت منزل جوهرة، وكأن جسدي انفعل وقد خرج عن سيطرتي، ولا اعرف ما يعنيه ذلك.
حاولتُ التحكم بأعصابي، ولم اتحدث ولم اقترب من الرئيس الذي جمعنا انا ولانا وبعض العساكر في شقته. كان الرئيس يتحدث وبيده الكتاب الذي قدمه للجوهرة كي تفتح القفل بكلمة السر.

سمعتً بأن حزب المضيئين يريدون بناء معبد خاص بهم في مزرعة من مزارع منطقتنا، هذا الامر لا يجب ان يحدث والا سينتشر معتقدهم كانتشار الجراد قالها الرئيس وقد وضع الكتاب على الطاولة واكمل الحديث.
اريد ان يتم تفتيش كل مزرعة هنا، ولا تتركوا اي مزارع. اي فرد هناك دون تهديد واضح وصريح قالها الرئيس وأومأنا جميعاَ.

غادر البقية الغرفة ولكن بقيتُ للحظات سيدي، هل اخبرك الدكتور ان جوهرة ستبدأ بالعلاج غداَ؟ سألت وابتسم الرئيس.
ذهب الرئيس نحو مكتبته ليأخذ كتاباَ، وسرعان ما وجدت نفسي اضع كتاب والد جوهرة داخل جيب معطفي، دون ان افكر، دون ان اعي.
والتفت نحو الرئيس مبتسماَ.
أدركتُ بأن جوهرة سترغب في هذا الكتاب، ولعل هذا الكتاب سيضفي بعض السعادة في قلبها.

قيس. اريد ان اطلب منك طلباً قال الرئيس وقد عاد حاملاً كوبين من الشاي.
كيف اساعدك؟ قلتها وانا احاول اخفاء ارتباكي.
اريدك ان تهرّب جوهرة وان تجعلها تنضم ونختبئ لدى المضيئين،
كان طلبه مفاجئاً، كيف لرئيس ان يطلب مني ان اهرب جوهرة؟ اليس من واجبه حراستها وابقائها تحت انظارنا، وما يطلبه الآن هو العكس تماما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة