قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الأول للكاتبة أفنان الفصل الثاني

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الأول للكاتبة أفنان الفصل الثاني

رواية عندما شهدت مقتل أبي الجزء الأول للكاتبة أفنان الفصل الثاني

لا أرى شيئاً ولا أشعر بشيء، السماء زرقاء والأشجار في هذه المنطقة بلا أوراق وبلا أغصان، الحجارة الخشنة تملأ الأرض، لا أرى شيئاً ولا أشعر بشيء ولكن عيني تريان وأصابعي تشعر بالهواء البارد التي تلامسها وكأن الهواء يحاول أن يمسك بيدي ويخرجني من هنا، أريد الخروج، أريد الخروج، صوت غير واضح تدفق من الأعماق ليصل إلى أذني، شعرت بيد تشد قبضتها على ذراعي وفي لحظة استطعت استيعاب ما يجري، يقف أمامي شاب أبيض البشرة بشعر بني أشعث وملامح حادة وفك ظاهر، لم يكن جميل الوجه ولكن ملامحه المميزة جاذبة فجعلت منه وسيماً، ثم استطعت التعرف عليه فهذا هو الحارس الشاب، الحارس الشاب الذي تلا كلمات الكتاب الكوني المعظم قبل أن، قبل أن شهدت أبي يُقتل أمامي. ينظر إلى الشاب وقد لمست في عينيه العسليتين القلق الشديد. تراجعت وأنا أتنفس بسرعة غير راغبة بأن يقترب مني وخائفة من أن يقتلني كوني قرأت هذه الصفحات وكوني ابنة عماد الرجل الخائن.

ينظر الحارس الشاب حوله بقلق، نحن نقف في زاوية خلف المستودع، لازلت أستطيع سماع خطوات أقدام وأوامر الحراس بتحريك الصناديق وصوت شاحنة وهي تقف.
يضع الحارس الشاب إصبعه على فمه مشيراً لي بعدم التحدث، يقترب الشاب فتراجعت ولكن المستودع خلفي لا يسمح لي بالتراجع أكثر، شعرت بأنني محاصرة وأنا أسند ظهري على الجدار الخارجي للمستودع، يقترب الشاب ثم يهمس في أذني.

الحارس الشاب: انتي دخلتي حالة صدمة يعني ما قدرتي تتحكمين بمشاعرج.

توجست وأنا خائفة مما قال، ربما انكشف سري. من قوانين الحرس هي أن نتناول أو أن نأخذ حقنات متعددة على مدى سنين لمنعنا من الوصول إلى حد معين من المشاعر وهو الخط الأحمر، الخط الأحمر يرمز إلى شدة المشاعر سواء في الغضب، الحب، الحزن، الاشتياق، السعادة. تعتبر هذه المشاعر إن زادت عن حدها سموماً قد تودي بحياة صاحبها ومن حوله وللحفاظ على سعادة الجميع لا يجب علينا أن نصل إلى الخط الأحمر، أخبرني والدي بأنني من الحالات النادرة التي لم تتأثر بهذه الأدوية أو الحقنات وبأنني أستطيع الوصول إلى الخط الأحمر ولكن على أن أخفي هذا الأمر، لأول مرة شعرت بتخدر مشاعري ولو بدرجة خفيفة هو اليوم عندما حقنني الضابط ولا أعلم لماذا، حاولت أن أحافظ على رباطة جأشي أمام الحارس الشاب الذي ابتعد قليلاً ليرى ردة فعلي لما قاله.

الحارس الشاب يهمس: انتي ما كنتي تاخذين الحقن صح؟ اتهربتي انتي وعيلتج عن الموضوع.
وضع الشاب يده على جبهتي واصبع يده الأخرى على عنقي ليكشف إن كنت أكذب.
قررت الاعتراف فتفادي الحقن جرم اكبر من عدم التأثر بها بفعل طبيعة جسدي.
أنا: لا كنت آخذ وأخذت كل الحقن بس. بس عمرها ما نفعت وياي وأبوي قال في ناس ينولدون جي ولازم ما نخبركم وإلا بتذبحوني.
بقي الشاب يحدق فيني للحظات، ثم هز رأسه بالإيجاب.

الحارس الشاب: قالولي أراقبج وإذا حسيت بشي غريب أبلغهم بس أنا بساعدج لأنج مالج ذنب ويمكن أبوج أثر فيج، خذي حقنة بعد عشان ما يبين عليج شي بعدين بناخذج المركز وبكلم الدكتور انه ما يكشف تعديج على القوانين، بيكشف عليج وبنعرف بعدين اذا هالكلام صح ولا خطأ.
يخرج الحارس من جيبه حقنة، ترددت وأنا أنظر إليه بعيناي اللتان تتآكلهما الخوف والشك، ربما هذا سم لقتلي.
الحارس الشاب يمسك بذراعي ولكن بلطف ثم يبتسم.

الحارس الشاب: أنا حارس يا جوهرة مستحيل أسوي شي يضرج إلا لو انتي سويتي شي يظرنا إذا ما سويتي شي ما بتخافين.
وكنوع من تحدي وإثبات براءتي استرخيت ووافقت بأن يحقنني.
يبتسم الحارس الشاب: اسمي قيس، جوهرة اذا احتجتي شي خبريني أنا.

نظرت إليه وبعد أن شعرت بأن الجرعة الأخيرة قد تدفقت إلى دمي، صفعته بقوة بكل ما أملك من مشاعر قد تبقت قبل أن تغادرني. اتسعت عينا قيس وبهذه اللحظة ندمت وصابني الذعر من ردة فعلي هذه، ظننت بأن سيستل من جيبه في هذه اللحظة سلاحاً بسبب هذا الجرم المميت الذي ارتكبته، وضع قيس يده على خده ولم أر الغضب على وجهه بل التعجب والانبهار وكأن ما شعر به أمر غريب، نظر قيس حوله ثم نظر إلى بلا أي تعابير.

قيس: باخذج المستشفى الحين بعدين البيت.

شعرت بالحزن وكم أردت لو أن هذا يتحول إلى كابوس فأستيقظ لأجد والدي على قيد الحياة، شعرت بالأسى لأن الحرس لم يسمحوا لي بالبكاء ولم يسمحوا لي بالشعور بحزن الفراق فأصبح بداخلي فراغ لا أستطيع ملأه وأرفض بأن لا ينكسر قلبي بموت أعز ما لدي، أرفض أن لا تتورم عيناي بعد أن فقدت من كان يرعاها، أرفض أن لا أصرخ بأعلى صوتي لأعبر عن ألمي وألم والدتي وألم كل ابنة فقدت والدها، أرفض أن أودع والدي بهذه الطريقة وكأنه حبة رمل لا قيمة لها. لم تكن تلك الصفعة التي وجهتها لقيس كافية بل أردت صفع كل حارس قام بقتل والدي ولكن الآن لا أريد ذلك بل لا أشعر بأي شيء تجاه الحرس وهذا الأمر حيرني.

ركبت في سيارة قيس وقد أذن له الضابط بأخذي إلى المستشفى من أجل فحوصات لازمة ثم إلى مركز الحرس للتحقيق، يقود قيس ولم ينطق بكلمة ولم ينظر إلى للحظة، الضابط الآخر الذي طعن والدي يجلس في المقعد الخلفي ونظراته تجاهي جعلتني حذرة في تصرفاتي،.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة