قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

السحرة أبناء الشياطين وندمائهم، يتحالفون معهم لممارسة ألاعيبهم وسحرهم، لايهمهم سوى تسخير هذا السحر لخدمة مآربهم، لا يهتمون بمن يصيبونه بأعمالهم أو ذلك الضرر البالغ الذى يحدثه سحرهم...
لا يدركون أن مايفعلونه يغضب الله ويلعن فاعله...
ولا يدركون أن من يتحالفوا مع الشيطان تكون نهايتهم سوداء مرعبة كأفعالهم...
فمنهم من يلقى نفسه من مكان مرتفع أو فى نهر عميق..
ومنهم من يجدونه مشنوقا او محروقا..

ومنهم من يختفى بلا أثر...
النهاية فى كل الاحوال واحدة...
موت، وجحيم.

جلس كل من (عويس) و (عسران) على مقعد عريض يتكأ كل منهما على عصاه بملامح حزينة، بينما فى الجهة الأخرى وقف كل من (مهران) و(محمد) فى ذلك الرواق الذى يوجد به حجرتين تحتويان جسدا زوجتيهما الراقدتين، إحداهما فاقدة للوعى والأخرى فى غيبوبة، ومابدأ كليلة زفاف باهرة إنتهى إلى مأساة فوق رأس الجميع، قد يقول أهل البلدة إن علموا بما حدث أن هناك عين أصابت كل عروسين ولكن هؤلاء الجمع الذين يجلسون فى هذا الرواق يدركون جيدا أن ماحدث كان بفعل بعض البشر.

لا ليسوا بشرا، بل إنهم أفاعي، وربما قد نظلم الأفاعي أيضا إن شبهناهم بهم، فالأفعى تلدغ دون تخطيط بينما يلدغ هؤلاء البشر بعد تدبير.
زفر (محمد)قائلا:
-أنى هدخل أتطمن على مرتى وخيتي، مش جادر أجعد إكده من غير ماأسوي حاجة ترجعهم لينا بالسلامة.
قال (عويس)بحزم:
-خيتك منيحة، شوية وهتجوم بالسلامة ادخل لمرتك وإتطمن عليها، ومهران يدخل لمرته هو كمانى.

تبادل(محمد)و(مهران)النظرات قبل أن يهز (محمد)رأسه ويدلف إلى حجرة زوجته بينما إتجه (مهران)إلى الحجرة الأخرى بصمت.
ماإن دلفا إلى الحجرتين حتى إستدار(عسران)بجسده تجاه (عويس)قائلا:
-عتوزعهم ليه ياعويس؟!
طالعه (عويس)بصمت للحظة قبل أن يقول بحزم:
-لازمن اللى عمل العملة دى نكشفه وياخد جزاته ياعسران.
قال(عسران)بعينين تشعان بالغضب:
-واه لازمن طبعا، بس نلاجيه وعتشوف، ورحمة أبويا فى تربته لأجطعه بسناني جطيع.

قال(عويس)بإستنكار:
-وأنى روحت فين ياعسران؟ده إتجرأ علي وعلى ولادى كمانى وإذانى فيهم واللى يفكر بس يإذى حدا من ولاد الجبالى يبقى يجرا الفاتحة على روحه قبل ماأمد يدى وأخلع جلبه وهو حي وآكل كبده كدام عنيه، بس...
صمت وظهر عليه القلق فقال (عسران)بتوتر:
-بس إيه ياعويس؟!ماتنطج.
قال (عويس):
-اللى عمل العملة دى حدا جريب منينا ياعسران، ماهو ماحدش جرب من مكان العرسان غير أجرب الأجربين لينا ياولد عمى.

إتسعت عينا(عسران)قائلا:
-جصدك إيه ياعويس؟محدش جريب منينا هيريدلنا الأذى، الكلام اللى بتجوله ده واعر جوى، إنت هتمخولنى ليه عاد؟
قال(عويس)بحيرة مريرة:
-مخابرش، مبجاش فيه أمان للبشر، أنى بجولك اللى فى جلبى وعجلى ياأخوي عشان تاخد بالك منيح، واهو المثل بيجول حرص ولا تخون.
هز (عسران)رأسه وهو يقول:
-معاك حج يااخوي، معاك حج.
ظهر التردد على وجه (عويس)فقال(عسران)بقلق:
-فيه حاجة عتخبيها عنى كمانى ياعويس، صوح؟

قال(عويس)بحزن:
-الحجيجة فيه.
قال(عسران):
-إيه هي عاد؟ماتنطج وتريحنى.
قال(عويس):
-الشيخ وهدان حدتنى وجالى إنه لمن كان بيفك السحر لجاه طايلكم انتوا كمانى.
اتسعت عينا(عسران)بدهشة قائلا:
-طايلنا؟جصدك مين ياعويس؟
قال(عويس):
-انت ومهران ياأخوي.
ظهرت الصدمة على وجه(عسران)بينما ربت(عويس)على كتفه قائلا:.

-متنخرعش ياعسران إكده، الشيخ وهدان كدها وكدود وزي مافك سحر بناتنا هيفك سحركم، هو جالى إنه هياجيلنا بس نطمنوا اللول على البنتة.
هز (عسران) رأسه بينما شرد بعينيه للأمام وكلمات (ثريا) تتردد فى ذهنه، تراوده الشكوك وتصيبه الظنون بالجنون، فلو صح كلام(عويس)وربطه بكلمات زوجته (ثريا) لكان هذا معناه بلا شك أن هذا الخائن...
ذلك الذى يستأهل القتل...
قريبا منه هو...
هواري القلب واللقب...

قريب منه كقرب زوجته و أولاده، تماما.

إقترب (مهران) من سرير زوجته النائمة بعمق، من يراها الآن و تحكى له عن ماعانته فى بداية تلك الليلة سيقسم أنك كاذب، فهي تبدو مسالمة للغاية، عادت بشرتها إلى طبيعتها ولكن ظل لون شعرها يؤكد كل ماحدث، شعرها الذى صار أبيضا كجليد شتاء بارد فى روما...
لماذا يتذكر روما الآن؟!
يتذكرها فيتذكر شذاه على الفور...
وكأنها جزء لا يتجزأ من ذكرياته فى تلك البلد الذى عاش بها سنوات...

رغم تلك المدة الصغيرة التى عرفها فيها لكنها تركت فى قلبه عشقا لاينسى...
عشق يجعل قلبه يإن للذكرى..
يصرخ بكل قوته...
إشتقت إليك...
أتعبنى غيابك..
ومزقنى الحنين إلى رؤياك..
ونفسى التى شاطرتها تتوق إلى سماع صوتك..
بالله عليك أطلقى سراحى...
فهناك إمرأة أخرى هي أحق منك بقلبى...
هناك إمرأة أخرى هي أحق منك بمشاعرى...
هناك إمرأة أخرى لم تملك منى، سوى إسمي.

جلس جوارها بحزن، يتطلع إليها، بات يشك ان عودته من روما تلك المرة حملت شؤما على بلده وأحبابه..
مد يده يمسح حبات العرق عن جبينها، مازالت شاحبة بعض الشيئ كشحوب مشاعره تجاهها، تحبه كثيرا، يدرك ذلك ولكنه مع الأسف لا يستطيع أن يبادلها ذلك الحب الكبير ولكنه سيمنحها إهتماما وإحتراما، مودة ورحمة ويرجوا أن يكفيها ذلك.

كان يمسك بيدها وهو يتطلع إلى ملامحها بحنان، نظر إلى تلك الأجهزة المحيطة بها وتوقف بنظراته عند هذا الجهاز الذى يقيس نبضات قلبها بحزن قبل أن يعود بناظريه إليها، رفع يدها إلى ثغره يقبل كفها بحنان ثم قال هامسا:.

-يمكن مهعرفكيش من زمان بس حاسك كيف ماتكونى خيتى، صاحبتي، رفيجتي، بتي مش مرتى وبس، جلبى كان هينخرع عليكى يازهرة لمن شوفتك بتتنفضى كيف الزهرة فى وج العاصفة، بالله عليكى جومى بالسلامة ورديلى روحى، وأوعدك إنى عحميكى وعخاف عليكى ومهخليش حدا يإذيكى واصل.

صوت دقات قلبها التى تسارعت ونقلها إليه الجهاز جعله ينهض بسرعة ينقل بصره بين الجهاز وبينها فى أمل، يفحصها بإهتمام ولكن عيونها المغلقة بثبات وقياساتها الحيوية التى وجدها ثابتة لم تتغير بدورها، خبتت ذلك الأمل لتغيم عينيه بسحابة من الدموع سقطت على إثرها دمعة على وجنته فأسرع يمسحها وهو يتمالك نفسه بقوة، يجلس مجددا بجوارها، يمسك يدها ويحدثها عن تلك المرة التى رآها فيها لأول مرة وكيف خطفت أنفاسه برقتها وطيب محياها وكلامها الخجول، يخبرها عن أحلامه التى رسمها معها ويطالبها بعدم الضحك عليه، يخبرها عن طموحه ومشاريعه التى ستشاركه إياها حين تستيقظ، شرد فى تلك الأحلام وغفل عن إرتعاشة فى أهدابها، تخبره أنه نجح فى الوصول إليها، تخبره بكل تأكيد أنها فى سبيلها للوصول إليه بدورها قريبا، قريبا جدا.

تململت فى مكانها وتمطت قليلا قبل أن تعود إليها أحداث الليلة الماضية لتفتح عيناها على الفور برعب، تنظر إلى محيطها، إزداد رعبها وهي تجد نفسها وحيدة فى هذا المكان المقفر، تأملت جسدها الذى لايستره سوى ملاءة مهترئة لتضرب رأسها ثم صدرها بيدها ضربات متتالية بينما قالت بنشيج باك:.

-مشيتى ورا جلبك ولغيتى عجلك وآدى النتيجة ياحزينة، عاجبك إكده؟سلمتيله جلبك وجسمك ياشينة، بجيتى خاطية وجبتى لأهلك العار، صرتى كيف أبوكى تستاهلى الجتل يابت عباس، عتروحى فين وتاجى منين دلوك؟عتهربى؟عتروحى على فين؟هيجيبوكى لو إتخبيتى تحت سابع أرض؟كنك كنتى عارفة إن العشج عيجتلك، عجلك ياما حذرك بس انتى مردتيش عليه، حتى ليلة إمبارحة وإنتى جاية لمصيرك، وشفتى البومة بتزعج، سديتى ودانك عنيها وغميتي عنيكى وآدى النتيجة يابت عباس، جيتى تجابلى جدرك وفكرتيه عيجيبلك السعد معاه، مجاش منيه غير الويل وآخرته الدم.

لتنسال دموعها وتتدفق ومع تدفقها عادت إليها أحداث ليلة البارحة بكل تفاصيلها...

كانت تمشى فى تلك الطرقات بخوف، الظلام يحيط بها، ويرسل الرعب فى اوصالها، لعنت غبائها الذى جعلها تخضع لرؤيته اليوم كما أصر عليها، رغم ماحدث مع أبناء خالها وحالة الطوارئ التى أقامها (عسران الهوارى) فى البلدة كلها، ورغم حالة الإضطراب التى إعترت والدتها اليوم حتى أنها إضطرت للجوء إلى منوم كي تستطيع النوم ولولا هذا ماإستطاعت (نوار)ان تغادر منزلها قط، لذا حين حضر إلى البيت ليرى سبب تأخرها تسللت معه بدون تردد، وهاهي تتبعه بخطوات متعثرة، فالمكان موحش حقا وسكونه يبعثر الطمأنينة، خشخشة أوراق الشجر تحت قدميها يقشعر له بدنها، ولولا وجود (راجى)امامها لعادت أدراجها على الفور، لاح لها من بعيد كوخ صغير قديم تكسوه النباتات، إحدى نوافذه مشرعة، دلف (راجى)إلى الكوخ يلقى نظرة سريعة عليه يتأكد من عدم وجود والدته فهي تبيت ليلتين كل شهر فى مكان لا يعلمه هو شخصيا تتواصل فيه مع شياطينها كما أخبرته يوما، تأملت(نوار) تلك الردهة التى لم تحتوى على شيئ سوى بعض الكراسي المتهالكة، لتقترب منه وتمسك كمه قائلة برهبة:.

-إنت جايبنى فين ياراجى؟بتاع مين الكوخ ده؟
إستدار يمسك بيديها بين يديه يرفعها إلى ثغره لاثما إياها بعشق قائلا:
-الكوخ ده بتاعى يامهجة الجلب، ملكى أنى وراح يصير ملكنا احنا التنين عن جريب.
تأملت الكوخ بعينين مستنكرتين قائلة:
-انت جصدك ان الكوخ ده هيبجى دارنا؟!
إبتسم قائلا:
-دارنا كيف إياك، بجى البرنسيسة نوار عتجوز فى حتة كوخ صغير معتسكنش فيه خدامتها؟
عادت إليه بعينيها تقول بعتاب:
-انت عتتمسخر علية ياراجى؟

قال على الفور:
-لاعشت ولا كنت لو عتمسخر ع حبة عينى من جوة، أنى فعلا معينفش أعيشك فى الكوخ ده، لا أهلك ولا أمك عيرضوا.
طالعته بحب قائلة:
-لو علية ياراجى أنا ععيش معاك لو حتى فى جمجم، هكون راضية، يكفينى إنى ععيش وياك إنت.
خلع عمامته وألقاها بعيدا قائلا:
-واه ياأبوي، كلامك زين جوى يانوار، كيف الشهد، وكيف البلسم بيتحط ع جرحى يطيب.
إبتسمت بخجل قائلة:
-سلامتك من الجرح ياحبيبي.
تطلع إلى عينيها قائلا بحب:.

-حبيبك صوح يانوار، عتحبينى من جلبك؟
طالعته بعشق قائلة:
-من جواة جلبى عحبك ياراجى.
وضع يديه على خصرها يضمها إليه وهو يقترب من ثغرها فشعرت بكيانها يذوب بين يديه هاتين، لتضع يدها على ثغره قائلة:
-واه ياراجى، عتعمل إيه عاد؟
مد يده يرفع يدها عن ثغره متأملا ثغرها قائلا بهمس عاشق:
-عدوج الشهد اللى بتنجطه شفايفك يانن عين راجى.

أضعفتها كلماتها فتركته يعبث بثغرها ومشاعرها كيف يشاء، تجول يداه الخبيرة على جسدها فيثير كيانها بالكامل ويذيب مقاومتها رويدا رويدا، يخرس صوت عقلها الذى أرسل إليها كل الإنذارات الحمراء ليوقفها ولكنها لم تسمع أي من نداءاته ولم تشعر ب(راجى)وهو يسحبها إلى تلك الحجرة ليكمل مهمته ويقضى نهائيا على، برائتها.
عادت من ذكرياتها لتضرب رأسها مجددا ضربات متتالية، تنوح وتبكى وقت لن يفيدها أي بكاء أو نواح.

بعد مرور أسبوع...
عادت الأمور إلى طبيعتها بعض الشيئ مع عودة العرائس لوعيهما وعودة كل منهما إلى دارها مع عريسها، تعجب الجميع من لون شعر (بدارة)الذى تحول إلى الأبيض ولكنهم لم يعلقوا.

عامل كل من (مهران)عروسه (بدارة)بلطف تاركا لها غرفته لتستريح وتتعافى تماما من مرضها وفعل (محمد)مثله مع عروسه (زهرة)مع إختلاف بسيط، فبينما سادت علاقة (مهران)بزوجته المودة وشابها بعض الفتور، ساد الحنان والحب علاقة (محمد)بزوجته.

بدأ الزوار فى الوفود إلى بيت (عسران)و(عويس)لتقديم التهاني للعروسين، حاولت (زبيدة)إقناع إبنتها فى إصطحابها لبيت خالها ولكنها رفضت رفضا قاطعا فلم تصر عليها وقد أضحت شاحبة، قليلة الحديث، منزوية منذ ليلة زفاف أبناء خالها، ظنت(زبيدة) أن إبنتها حزينة على ضياع ابن خالها منها لتعدها فى نفسها بعودته إليها راكعا، قبلت رأسها ثم تركتها وذهبت فإنقلبت (نوار)على جانبها تدع دموعها الحبيسة تتساقط، تنعى حبا وارته بقلبها بعد فعلة حبيبها وتركها هكذا دون سؤال طوال تلك الأيام المنصرمة، والتى مرت عليها كمرور نيران مستعرة بكيانها قطعة قطعة، تذوب بألم وانين ومع ذوبانها تفنى ببطئ وتذوى، ربما إلى الأبد.

تأملت (ثريا)إبنتها بفخر، كانت عروسا جميلة تتوسط الجميع والذين يقدمون لها الهدايا الذهبية و(النقطة)كما إعتادت النسوة أن تفعل فى تلك البلدة بينما تقرأ فى سرها المعوذتين، تحصن بها إبنتها من العين، فقد أعادت ماحدث لإبنتها وزوجة إبنها بعد حفل الزفاف إلى الحسد وحيث ان (عسران)وولده لم يخبرانها الحقيقة خشية ان يتسرب الكلام إلى هؤلاء المسئولين عن ذلك السحر الاسود فيتخذون حذرهم، لذا فقد حاولت قدر الإمكان أن تحيط إبنتها بكل ماتعرف من آيات الحفظ.

حانت لحظة الوداع فكانت الأقسى على (رواية)وهي تودع شقيقتها بالدموع، تحمد الله على زواجها و نجاتها من الموت وسعادتها البادية على ملامحها، ولكنها ستفتقدها بالتأكيد، كان (ناجى)يمر بالقرب منهم متجها إلى والدته حين رآها مجددا، رق قلبه لحالها وتعلقت نبضاته بها وقد ازدادت خفقاته مع نظرة ألقتها سريعا عليه قبل أن تنتبه مجددا لحديث والدتها، ليغير إتجاهه إلى حيث والده، يطلب منه أن يتقدم لخطبة (راوية)الأخت الصغرى ل(زهرة)، وقد وعده والده بالتحدث مع والدها فى زيارتهما القادمة ل(بدارة)والمباركة إليها.

رحل آخر المهنئين، ليسرع (محمد)إلى غرفته، وماإن دلف إليها حتى وقف يتأمل تلك الجميلة زوجته والتى وقفت ترتدى قميصا أبيضا رائعا، ومما زادها فتنة هو خجلها الواضح فى كفيها اللذان يضمان دثارها إليها وكأنه سيحجبها عن ناظريه وعيناها التى ترنوا إليه بخجل.
عيون المرأة تسكب سحرا على هذا الناظر إليها...
تجعله مفتون بها، متعبد فى محرابها...

وقد اصبح هو راهبا فى محراب عينيها، لقد صارت حتما بخير كما يبدو عليها وكما تاكد بنفسه حين فحصها، كم كانت خجولة تمنعه فى كل لحظة عن إتمام مهمته، ترسل إليه بنظراتها رسائل تلهب كيانه وتجعله يرغبها فى التو واللحظة ولكن وفود المهنئين منعه، ليؤجل رغبته العميقة بها حتى حلول الليل ومع حلول الليل يحلو كلام العيون ويطلق سراح المشاعر..
إقترب منها يمسك يديها بين يديه، قائلا بحنان:
-كيفك دلوك يازهرتي؟

ذاب كيانها مع ياء الملكية التى أضافها لإسمها وإزدادت خفقاتها وهي تقول بخجل:
-انى بخير طول ماإنت بخير.
قال(محمد)بحب:
-أوعدك تكونى دايما بخير طول ماأنى جنبك، مش عسمح لحدا يإذيكى واصل، بس إنتى لازمن توعدينى إنك معتخبيش حاجة عنى أبدا، إتفجنا؟
قالت (زهرة):
-عوعدك مخبيش عنك حاجة واصل.
إبتسم ثم قال بجدية:.

-إوعاكى تكونى فاكرة إن ده تحكم منى فيكى يازهرتى لا سمح الله، ده خوف عليكى، أنى معجدرش احميكى وانى مش عارف إيه بيحوصل معاكى.
قالت (زهرة)على الفور:
-فاهمة ياأخوي، وبعدين حتى لو عاوز تتحكم فية، انت جوزى بردك وده حجك.
إبتسم قائلا:
-الراجل الصوح ميتحكمش فى مرته يازهرة، لع، عيديها حريتها وهو واثق إنها عتلتزم بحدودها ومش عتزعله واصل.
تأملته بإعجاب قائلة:
-كلامك زين جوى يامحمد، عيدخل ع الجلب طوالى.
قال فى لهفة:.

-جلتى إيه دلوك؟
قالت فى حيرة:
-جلت كلامك زين وعيدخل...
قاطعها قائلا:
-لع انتى جلتى إسمى، جوليه تانى.
اطرقت رأسها بخجل قائلة:
-بكفاياك عاد، أنى عتكثف.
رفع(محمد)ذقنها بيده قائلا:
-أحب على يدك ياشيخة لتجوليه تانى.
احمر وجهها خجلا وهي تقول:
-محمد.
خلع (محمد)عمامته وهو يلقيها بعيدا قائلا:
-واه ياأبوي، دى أحلى مرة عسمع فيها إسمى.
نفضت يدها من يده قائلة بخجل:
-جلتلك بكفاياك عاد، أنى، أنى رايحة أنام، بالإذن.

أمسك يدها يمنعها من الرحيل قائلا بلهفة:
-أصبرى هبابة، أنى رايد أتحدت وياكى ولا نعسانة،
إضطربت خفقاتها وهي تقول متلعثمة:
-لع مش نعسانة واصل.
إبتسم قائلا بلهجة موحية:
-زين، أصل الليل طويل ومع طوله عيحلو الكلام، رايدة تتحدتى وياي يازهرتي؟

كان يطالعها بعينيه العاشقتين، يطالبها بأن تكون ملكه وان تصير زوجته فاجابت عيناها بقبول خجول ليبتسم بحنان، يتقدم بإتجاه شرفة حجرته، يسدل ستائرها ليختفى ضوء البدر الذى كان ينير حجرته وفى هذا الضوء الخافت المتسلل من فتحات صغيرة بتلك الستائر، عاد إليها وامسك بيديها متجها بها إلى سريره، ليصمت حديث العيون وتختفى الكلمات ويشتعل حديث من نوع آخر قد يختلف فى طريقة التعبير ولكنه بالتأكيد يحمل بدوره بصمات، العشق.

كانت تقف فى شرفة هذا الفندق الرائع كروعة مدينتها الساحرة، تتأمل هذا النيل الأصيل كأصالة أبناءه، تفكر فى حياتها التى قضت سنواتها العشرون فى مدينة غير مدينتها ومع أناس ظنتهم يكنون لها الحب فإذا بهم فى النهاية يظهرون على حقيقتهم، أفاعى يلدغون دون إنذار ويحملون للقريبين منهم الموت، بلا رحمة.

تنهدت بصمت، يومان منذ وصولها لمدينتها الجميلة أسوان، ولم تبحث بعد عن عائلتها أو تتصل بهم، ما الذى يمنعها؟أو على الاحرى، مم تخشى؟
هل تخشاهم بقدر ماتتمنى أن يكونوا لها عونا وسندا؟
هل تخشى ان يضحوا هم من يجب أن تحذر؟
أم تخشى جفاؤهم وإدراكها أنهم لم يبالوا قط بإبنتهم وبالتالى لن يبالوا بحفيدتهم؟
لا تدرى حقا ولكن ينتابها خوف غريب من المجهول يكبلها بقيوده..

دلفت إلى حجرتها وتمددت على سريرها بهدوء، تبغى ان تنام ففى الغد ستذهب إلى قرية والدتها وهناك ستجد الإجابات على كل أسئلتها..
حاولت أن تتشبث بآخر خيوط النعاس كي لا تواجه قدرها بالصباح ولكنها فى النهاية إستسلمت وهي تدرك أن قدرها نافذ و حتما سيصيبها ولو كانت فى جوف ذلك الرحم لتلك الأرض الحنونة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة