قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

الحياة مليئة بالمفاجآت، المتعودون على الرتابة عليهم معرفة أن القدر لن يترك حجرا ثابتا في حياتهم إلا ويقلبه، بعضها لطيف وبعضها مخيف، بعضها نتحمله والآخر نتداعى له، الصامدون هم من وجدوا ثغرات تمكنهم من الحياة بمرونة..
لاتكن تقليديا في مواجهة التحديات، تغيّر وستحيا!

لو أحدهم أخبر ميران قبل موسم فقط أنه سيعيش كل هذه الأحداث المعقدة، لن يصدقه! الآن وقد أصبح يتخبط في مشاكله التي لا ذنب له فيها سوى أنه رضي بها، لم يكن سببا في هروب (بدارة) فلما أرغم على الزواج منها؟ ولم يكن سببا في خطيئة (نوار) فلما أرغم على الزواج منها؟ و (فدوى) القريبة منه بمسافة كلمة والبعيدة عنه بذات مسافة كلمة لما هو مجبور على هجرها؟

أفاق من أفكاره على صوت يناديه فأوقف حصانه يرى هذا المهرول تجاهه توقف أمامه يلتقط أنفاسه المتقطعة قبل أن يقول:
-كيفك ياسي مهران؟
قال (مهران):
-الحمد لله يامحروس، كيفك إنت وكيف بتك، إن شاء الله بخير؟
أجابه (محروس) بامتنان:
-بجت زينة الحمد لله، كله بفضل الحاج عسران لولا الداكتور اللي بعتني ليه وعلاجها على حسابه كان فاتها راحت مني.
قال (مهران):
-متجولش إكده ياراجل ياطيب الفضل لله من جبل ومن بعد.
قال:.

-الحمد لله على كل حال.
ثم طالعه بتردد، فسأله (مهران):
-فيه حاجة يامحروس؟
قال (محروس) بإرتباك:
- ولد عمي جالي إنه شاف الحاج عسران خارج من المركز موخر إمبارحة كنت عاوز أطمن عليه، هو فيه حاجة ياسي مهران؟
المركز!
أثار دهشته هذا الخبر ومازاد حيرته تكتم والده وهذا يعني أن هناك مايحدث لايريد مشاركته معه..
أفاق على صوت (محروس) وهو يقول:
-سي مهران سرحت فى إيه؟ ليكون في مشكلة؟!
قال (مهران):.

-بخير يامحروس متجلجش، حاجة بسيطة إكده تنسيج وإدارة أمن بين بلدنا والبلاد المجاورة ليها لكنهم إتوخروا شوي على ماخلصوا.
ظهر الإرتياح على وجه (محروس) وهو يقول:
-طب الحمد لله إبجى سلملي عليه ياسي مهران.
-يوصل يامحروس، الله معاك!
نهر حصانه فركض به بإتجاه مخفر الشرطة حيث شعر (مهران) برغبة ملحة في معرفة ما أخفاه عنه والده.

عاد (عزام) إلى البيت بعد ليلة طويلة منهك ضيق البال فصاح ينادي:
-يافضيلة!، إنتي ياولية!
لم تجبه وهي التي كانت تهرع إليه فور دخوله البيت مرحبة مهللة فأعاد النداء مرة ثانية مستغربا أمرها:
-يافضيلة! همي ياحرمة هفضل أنادم طول اليوم إياك؟!
ظهرت (جمالات) تهرول تجاهه قائلة:
-خير ياسي عزام؟
-فينها ستك فضيلة؟
قالت (جمالات) متوجسة:
-راحت دوار الحاج همام الله يرحمه إمبارحة، إنت معنديكش خبر ولا إيه؟

إذا نفذت تهديدها وغادرت إلى بيت أبيها! حسنا لا يهم، سيريها أنها قامت بخطأ سيكلفها حياتها برفقته، سيتركها في دار والدها ولن يسأل عنها، أفاق من أفكاره على صوت الخادمة المتوتر وهي تنادي بإسمه قائلة:
-سي عزام، ياسي عزام!
طالعها بحدة قائلا:
-خابر يا جمالات بس نسيت تعالي طلعيلي غيار عشان خارج، وحضريلي لجمة ع السريع، ماكلتش حاجة من امبارح.
تقدمت تجاهه فقال يستحثها:
-شهلي ياولية اليوم هيخلص عاد.

هرولت أمامه بإرتباك فآخر ماترغبه هو خدمة سيدها هذا ضيق الخلق، وحدها السيدة (فضيلة) من كانت تتحمل طبعه النزق ومزاجيته وتعرف كيف ترضيه.

غالبا ما تكون بعض الحقائق مؤلمة، اكتشافها ثقل يحطم القلوب، ما يحمينا منها لجم فضولنا للتنقيب عنها أو إنكارها حتى نستطيع الانتصاب ب-حيل- متماسك..
قال (مهران) بصدمة:
-إنت بتجول إيه ياحضرة الظابط؟!
قال الضابط بهدوء:.

-كيف ماسمعت يامهران بيه والدك كان إهنه هو وحماك يشهدوا على توفيج وولده بتهمة جتل السيدة حسنة الجبالي، والحجيجة طلبوا مني التكتم على الموضوع وإن الإجراءات تتم بسرية وبعيد عن البلد إهنه عشان متجومش حريجة من تاني بين الهوارية والجبالية، وأني بالفعل جمت النهاردة الصبح بترحيل المتهمين لمديرية أمن أسوان واتوصيت فيهم.
قال (مهران):
-وعيشهدوا على أساس إيه بالظبط؟
قال (الضابط):.

-المتهمين إعترفوا على نفسيهم ومعانا تسجيل بكلامهم، ده غير شهادة نجلة الضحية واللي شهدت بإنها سمعتهم يتحدتوا عن جتل والدتها في روما ونيتهم لجتلها وسرجة مالها هي كمان غير توريطها في صفقات مشبوهة وكل موثق في أوراق قدرت تاخد نسخ منها، عشان إكده هربت وجت على إهنه تتحامى في أهلها.
استقام من جلسته وهو يحدق في الظابط بصدمة فواصل حديثه قائلا:.

-الحقيقة الآنسة فدوى إتصرفت صوح برجوعها البلد، فكرت بعقلانية وخلت خالها يسلم المجرمين رغم كانوا يقدرو ياخدوا تارهم بأديهم، ليها كل الاحترام والتقدير.
هز (مهران) رأسه وهو يقول كما لو كانت الكلمات تخرج منه دون وعي:
-وإيه الوضع دلوك ياحضرة الظابط؟
قال الضابط:.

-دلوك هما هيتعرضو على النيابة عشان تاخد أقوالهم وبكرة أكيد هيستدعوا والدك وحماك والآنسة فدوى عشان ياخدوا شهادتهم هما كمان في الجضية لكن ماتملوش إيدكم لأن الجريمة ماحصولتش إهنا بالبلد وهما التانين عندهم جنسية إيطالية عنشوف السفارة، لو مطلوبين اهناك يبجى نسلمهم بس لازم ترجع الانسة فدوى اهناك وتعمل بلاغ وتقدم الأدلة اللي معاها وإلا كنها ماعملتش حاجة، كل اللي أجدر أعمله إن أطول مسار الإجراءات على قد ماقدر عشان مايطلعوش من اهنه غير مترحالين على بلادهم.

أومأ (مهران) برأسه ثم غادر بسرعة بعد أن صافح الظابط وشكره فإرتطم بالمخبر (مصيلحي) الذي أعتذر منه بارتباك وكاد أن يغادر لولا أن لمح ذلك الخاتم بيده ليمسكه من تلابيبه قائلا:
-تعالى إهنه يانطع أنت، جبت الخاتم بتاعي ده منين فى يومك الطين اللي زي وشك؟
أجابه (مصيلحي) بتوتر وهو يلتفت يمنة ويسره قائلا:
-هملني بس ياسي مهران وأني عجولك.

تركه (مهران) فأشار له (مصيلحي) أن يتقدم قليلا ثم خلع عنه الخاتم ومنحه إياه قائلا:
-أني لجيته حدا حرمة إهنه في الكفر، بس أحب على يدك متسألنيش هي مين، أني مناجصش مصايب.
أخذ الخاتم وهو يقول هادرا بغضب:
-هتجول إسمها ولا ادخل للظابط بتاعك وأبلغ عنيك بتهمة سرجته ياحزين.
قال (مصيلحي) بهلع:.

-لع أحب على يدك عجول أهه، لجيته حدا الشيخة عوالي، وجع منيها فخدته من غير ماتحس لو عرفت أني خدته هتجطع خبري زي ماعملت فى مرزوج.
عقد (مهران) حاجبيه وهذا الإسم يتردد صداه بقوة في عقله، أليست (عوالي) تلك من إتهمت عمته (زبيدة) بقتل ولدها؟ماذا تريد منه تلك المرأة ومن عائلته، وكيف وصل خاتمه إليها؟
قطع حبل أفكاره صوت (مصيلحي) يقول:.

-أحب على يدك يامهران بيه متجيبش سيرتي وياها دي شيخة جادرة جوي وآني خايف منيها، هملني أمشي مش عرفتك اللي عايز تعرفه!
قال (مهران) بصرامة:
-غور من وشي الله يحرجك انتي واللي زيك!

غادر بسرعة وكأن شياطين الدنيا خلفه فغادر (مهران) بدوره يحمل بقلبه ثقل الحقيقة التي أخفتها (فدوى) عنه، سار هائما على وجهه لايدري أين يتجه، إمتطى حصانه متجها إلى كفر الجبالية لقد حان وقت المواجهة وكشف الحقائق، بداخله مزيج من المشاعر المتضاربة بين غضب وخيبة و، بعض الراحة.

أرقى شعور يحمله المرء هو التسامح فإنه يشفى الروح ويعيد إليها سجيتها النقيّة، يقولون أكتب الإساءة على الرمال عسى ريح التسامح تمحيها وإنحت المعروف على الصخر حيث لا يمكن لأشد العواصف أن تمحيه
استعادت نفسها بعد أن أيقظتها صفعة القدر جزاء أخطاءها التي دفعت هي وإبنتها ثمنا باهظا لها، اقتربت من الله وتابت إليه توبة نصوح..

كانت تجلس في ردهة منزلها تمسك المصحف وترتل أياته حين طرق الباب فصدقت ثم توجهت نحوه وفتحته لتجد أمامها:
-ثريا!
قالتها بدهشة فإبتسمت (ثريا) وقالت بلطف:
- سلام عليكم يازبيدة، هتهمليني واجفة إهنا عاد؟!
أفسحت لها الطريق وهي ترد السلام ثم أردفت:
- إتفضلي ياخيّتي، بيتك وموطرحك، أول مرة تاجي داري مش مصدجة عيوني.
دلفت (ثريا) ووقفت أمامها قائلة:.

-غلطة مني وآن الأوان أصلحها، لازمن نخلي الماضي ورا ضهرنا وننساه عشان ترجع جلوبنا على بعض.
أطرقت (زبيدة) برأسها قائلة:.

-يعني إنتي نسيتي كل اللي عمالته فيكي ياثريا؟ نسيتي إني كنت السبب في إن عسران يمد يده عليكي لأول مرة لما شافني برا البيت لابسة شالك ففكرك خرجتي من غير إذنه وأني أكدتله إنك إنتي عشان كنت بجابل عباس رغم أنه حذرني ومنعني اجابله، والمرات اللي بعدها واللي ضربك فيهم بسبب خناجتنا وأني بتبلى عليكي، نسيتي أذية عمر بحاله يابت عمي.
قالت (ثريا):.

-جيت إهنه حاملة جلبي صافي يجولك إنى نسيت كل حاجة يازبيدة! أني عاوزة أبدأ معاكي صفحة جديدة، إمبارحة جيتيلي في المنام وكنتي واجعة في بير غويط مضلم ومجدرتش انجدك، وجفت متسمرة حداكي من غير مااعمل حاجة وفضل الصوت يصرخ في وداني مدي يدك ليها ياثريا متهمليهاش واصل، خليكي يمتها صحيت على آدان الفجر وأني جلبي واكلني عليكي، جررت أنسى وأمد يدي ليكي، إنتي بت عمي يازبيدة والدم عمره مايبجى ميه.

أغروقت عينا (زبيدة) بالدموع وهي تمسك يد (ثريا) قائلة:
-سامحيني ياثريا برحمة أهلنا والدم اللي بيناتنا...
عانقتها (ثريا) بحنان وهي تقول:
- مسامحاكي ياخيتي احنا مالناش غير بعض حتى لو اختلفنا مش هنهون على بعض ياهبلة..

يلا همي بينا نروحوا لبتك اللي فرحتها مكسورة يانضري وأمها غايبة عنها يوم صباحيتها، همي نفرحوا نوار اللي نورت داري وصارت كنتي، واعملي حسابك من اليوم ورايح جعدتك هتكون معانا مش ههملك لوحدك بعد أكده..

أدركت (زبيدة) أن (ثريا) لاتعلم شيء مما فعلته في حقها وأذيتها للبنات و (مهران) فزاد بكائها وحدثتها نفسها أن تكون أنانية وتبقي الأمر سرا لاتستطيع أن تجازف باخبارها الآن وقد عادت المياه إلى مجاريها وصفيت القلوب، ربما يوما ما ستطلب صفحا آخر من أجل هذا.

وقف (مهران) على بعد بسيط من بيت الجبالي وقد ربط حصانه إلى جذع نخلة في الساحة الكبيرة للبيت، رفع هاتفه يحدث (ناتالي) وبعد قليل أتت للقائه فارتمى بين ذراعيها وقال:
- أريد أن أراها، ساعديني رجاء ناتالي؟
ربتت على ظهره وهي تقول:
-أتعلم؟ ما يسعدني حقا هو أنك قد عرفت الحقيقة أخيرا، فدوى تعذبت كثيرا وخافت كثيرا..
ابتعد عنها وسألها بتقرير:
-كنت تعلمين إذا؟
فردت:.

-أخبرتني حين رأيتها في منزلكم بأسوان، كانت تحمل عبئا كبيرا بقلبها فأفضت به إلي وجعلتني أقسم ألا أخبرك، كل ما كان باستطاعتي فعله هو تحذيرك من ظلمها ولكنك لم تصغي وواصلت الشك بحبها لك.
قال بحزن:
- خيبتي كبيرة ناتالي، الحقيقة لم ترحني بقدر ما زادت جرح قلبي، كان بإمكانها أن تلجأ إلي لمساعدتها، كنت سأحميها من العالم كله، أ بهذا القدر لاتثق بي؟!
ربتت على وجنته قائلة:.

- أنت عالمها ياصغيري، يكفيها أن تكون بخير حتى لو كنت بعيدا عنها، لو علم عمها بحبكما كان سيقتلك وكانت سترمي بنفسها من ذلك الجسر مجددا.
جحظت عينا (مهران) وقال باستنكار:
الجسر؟ مهلا! أتعلمين لمَ رمت بنفسها من الجسر ليلتها؟ أ كان السبب عمها؟ هل قاما بأذيتها هو وإبنه؟
توجهت ناتالي نحو الحصان تلاطفه تحاول أن تخفي نظرة الأسى بعينيها:.

سمعتهما يتحدثان عن مقتل والدتها وتخطيطهما لقتلها بعد زواجها من رحمان ونقلها جميع ممتلكاتها له، انهارت تماما، شعرت أنه لا أمان لها سوى بقرب والدتها فأرادت أن تذهب إليها..
شعر (مهران) أنه مع كل المعاناة التي كانت تكتمها كان يزيد من تعاستها وألامها..
جلس على الأرض الرطبة بثقل وهو يردد:
مش هتسامحني، عمرها ماهتسامحني.
أمسكت (ناتالي) وجنتيه وقالت وهي تنظر في عينيه:.

ستفعل! إنها عاشقة ياصغيري! تحدثا وأزيحا كل العوائق بينكما، لقد عشتما الكثير تستحقان بعض الهدنة! أرجوك إمنح نفسك مساحة لحبك الحقيقيّ، أعلم أنك رجل لإمرأتين كما أعلم أن ذلك لايشكل عائقا لحبكما الكبير، إن كانت قد استحملت كل شيء لتبقى بخير ستتحمل واجباتك وظروفك وتساعدك على حل مشاكلك..
اطلب منها الوقوف إلى جانبك، أطلب منها حبها ليصبح جزء من حياتك، اطلب صفحها وتسامحها..

هز رأسه وفي قلبه يزداد الأمل في أن يجتمع مع محبوبته و لايكاد يهنأ بهذه الراحة حتى تتبادر في ذهنه صورة (بدارة)، لما يشعر أن حبه لها بدأ يتساوى مع حبه ل (فدوى)؟ أيعقل أن يقف رجل على ذات القدر من الحب لإمرأتيّن؟ كلما شعر بانجذاب تجاه (فدوى) انتابه ضيق كأنه يتنزع ذلك من حق (بدارة) عليه.

عادت (ثريا) إلى البيت برفقة (زبيدة) التي يقتلها الندم من أفعالها السابقة تخجل من النظر في وجه أخيها وعائلته، كانت تدفع ساقيها إلى الداخل دفعا فظنت (ثريا) أن الأشياء التي تحملها بين يديها ثقيلة وجعلتها تبطيء الحركة فمدت يدها تسحب منها بعض الأكياس وهي تقول:
هاتي عندك يازبيدة هنادم على راوية تطلعهم فوج..

وأخذت تنادي على (راوية) التي خرجت من المطبخ رفقة الخالة (حورية) التي ما أن رأت (زبيدة) حتى أطلقت عدة زغاريد ردد البيت صداها واخذت تقول:
يامرحب يامرحب بستنا، جيتي فى وجتك، الفطور جاهز وكنت هطلعه لنوار وبما انك جيتي تعالي افطري وياها..
فقالت (ثريا تحث (زبيدة):
روحي مع راوية وحورية يازبيدة وأنا هجهز أوضتك بنفسي وهخلي كامل وعواد ينقلوا كل اغراضك إهنه..
أومأت (زبيدة) ي (برأسها وسارت بصمت إلى الأعلى..

إستبدلت فستانها الأبيض بفستان الحداد الأسود، ضفائرها الطويلة بالكاد أصبحت خصلات تصل إلى مستوى دقنها ووجهها شاحب وعيناها محتقنتان منتفختان..
كانت مستلقية على الأرض منكمشة على نفسها، فتحت (راوية) الباب ولمحتها فعادت مرتبكة وقالت:
هاتي الوكل عنك ياخالة حورية وانزلي شوفي أمي عتعمل إيه هلحجك طوالي، لازم نسيب العروسة مع امها اكيد وحشتها..

لم يرق ذلك (حورية) كثيرا لكنها ابتسمت بلطف وغادرتهما بينما دخلت (راوية) و (زبيدة) إلى غرفة (نوار) واقتربا منها بفزع لأمرها..
نوار اااا، نوااار!
اخذت (راوية) تنادي باسم (نوار) بقلق بينما أمها تطالعها بشفقه وهي تمرر يدها على رأسها ثم قالت تخاطب (راوية):
هملينا بروحنا ياراوية!
فقالت (راوية) بحيرة:
كيف أهملكم ياعمتي، إنتي مش شايفة حالتها و كيف عملت فى روحها؟
قالت (زبيدة):.

اسمعي كلامي ياراوية من غير مناهدة عاد، انزلي وماتجبيش سيرة لحد.
امتثلت (راوية) لطلب عمتها بقلة حيلة بينما رفعت (زبيدة) رأس (نوار) على ركبتها وأخذت تقول وهي تربت على شعرها:
ماتعمليش فى روحك إكده يابتي! الميت الله يرحمه ويغفر له الحزن معيرجعوش ولا الحداد، لازمن تبجي جوية لأجل ضناكي، جومي يانوارتي، جومي يابت جلبي ماتحسرنيش عليكي..

قالت (زبيدة) الكثير ولازالت تقول لكن (نوار) كانت جامدة ربما كانت تستمع لكنها لم تصغ، فقدت كل مايربطها بالحياة لم تعد تستطيع المقاومة لم تعد تقو على الحركة ولم تعد تقو على لفظ الكلمات، إنها تركن إلى نفسها المحطمة التي ذبحتها الخيانة وأحرقها الفقد.

وهناك أشياء لانقدر قيمتها بالقرب منا إلا عندما نفقدها..
عاد (عزام) عصرا يشعر بإرهاق شديد رمى بنفسه على سريره دون أن يبدل ملابسه، ابتسم ونفسه تحدثه أن لو كانت (فضيلة) هنا لما سمحت له بالإستلقاء هكذا وستسمعه تذمرات كثيرة تجعله يفقد صوابه , أغمض عينيه وراح يتقلب بتعب اثقل اجفانه لكن النوم جفاه، رمى بغطاءه أرضا وهو يزفر بقوة..
الله ااا وبعدين بجى فى النوم الرخم ده؟

ثم عاد ليستلقي من جديد لكن تفكيره في (فضيلة) أقلق مضجعه..
وبعدين في الولية دي، لا هي حدي ولا هي بعيدة؟

ثم عاد ليستلقي مجددا وأغمض عينيه وشد الغطاء على رأسه فتذكرها وهي تنهره عن فعل ذلك أنت بتشخر ياعزام ماتغطيش راسك عتختنج واترمل على صغري فابتسم مجددا رغما عنه وأزاح الغطاء عن رأسه وواصل التحديق في السقف وهو يتذكر كلامها خد اشرب ينسون بعسل صوتك مبحوح شكلك واخد برد دوا وجع راس إيه اللي أجبهولك كل شوية ده، وخر راسك لورا هدلكه وتبجى زين، مارضاش جوزي يبجى مدمن دوا الناس تاكل وشي اجلع الجزمة برا ياعزام ماتخليش الضو والع ياعزام اجفل باب الدولاب ياعزام.

نهض كالملسوع من سريره يطالع مكانها وهو يشعر بالضيق قائلا:
يامحروجة يافضيلة مش عتهنى بالنومة بسببك.
شعر كما لو أن صوتها يتردد في كل مكان، فراغ مفزع يبتلعه..
يفتقد إهتمامها به وبكل مايفعل..
نظراتها تجاهه، ولمساتها الحانية وهي تمسد جيده حين يعود مرهقا من أعمال الأرض، كاليوم مثلا..
عجز عن التلذذ بطعامه..

هناك نوع من الغربة يشعر به داخل هذه الغرفة، جلس يسند رأسه بيده وكلمات فدوى تتقافز بباله فكر كويس عشان متخسرش ياعزام، مراتك ست طيبة وجميلة وبتحبك زي مابتقول، عصبية شويتين ومش واثقة من نفسها بس ده لإنها مش حاسة معاك بالأمان، جرب تديها الإحساس ده وهتلاقي واحدة تانية خالص، هتلاقي فيها اللي شدك لية جنب اللي أكيد حبيته فيها...

كانت ترى دواخله التي لم يراها هو، كانت تعرف أنه يحب زوجته دون أن يدري وأنه إن خسرها سيخسر ذلك الدفء والحنان اللذان غمرته بهما دوما، كان يحسد أخاه على علاقته بزوجته التي يظهر جمالها للجميع، أدرك أن من يزرع الحب والدفء يحصد جمال تلك الرابطة الأبدية، لم يزرع سوى قسوة ذهبت بكل المشاعر الجميلة أدراج الرياح، فأتى وقت الحصاد وإذا ثمار الحب غير ناضجة، افسدتها البرودة وأتلفها الصقيع، ولكن لم يفت الأوان بعد ربما ببعض الرعاية قد يصلح ماقد أفسده بسبب أنانيته و إهماله، لن ينام الليلة كما يبدو عليه ان يراجع حساباته ويدرك أخطاءه كي يصلحها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة