قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

بين العناد والإعتذار يقف الحب بكبرياء بين القلوب الحائرة المترددة، بين الإقتراب والنفور، هناك حيث يرقد العتاب ويرتعد الشوق بين الوجدان، بيت خال من ساكنه حين صاحت الغيرة أنا أحترق تردد صداها بداخله أين سكنايّ؟

كانت (فدوى) تجلس على يسار (مهران) داخل السيارة ينسحب كيانه كله لها، حاول تشتيت أفكاره فقال:
لضيق الوقت أنا مضطر أقبلك لكن مش هبقى متساهل في الشغل!
قالت بهدوء:
ولا يهمك أنا محترفة!
قال بسخرية:
واضح، أنا مصدقك لو ماكنتيش محترفة ماكنش عَلِم.
قالت:
إيه ده اللى عَلِم؟!
قال بمرارة شابت صوته:
جرحك يابشمهندسة! صعب أثق فيكي تاني، انتي رجعتي ليه؟
قالت ببرود ظاهري بينما تمزق القلب بين ضلوعها:.

أنا كنت مضطرة أمشي زي ما اضطريت ارجع بلدي ودي حاجة ماتخصكش، الأفضل اننا نحافظ على مسافة بينا!
كلماتها أشعلته غضبا فأوقف السيارة عنوة جانب الطريق وقد صرخت مكابحها هلعا كحالها، التفت نحوها بينما هي كانت تردد:
انت مجنون يابني ادم إنت؟
هدر قائلا:
مسافة بينا! انتي بتستهبلي؟ قاعدة فى نص بيتي وبتقولي مسافة، أنا فضلت أعذرك لآخر لحظة كنت مستني تفسير بسيط منك، حياتي وكل مشاعري كانت واقفة عندك..
فقاطعته بتهكم:.

آه عشان كدا اتجوزت بالسرعة دي، عشان تلاقي اللي تنسيك مش كدة؟!
أمسكها بعنف من ذراعها فاندفعت نحوه حتى تقابلا وجهيّهما التعيسيّن وقال:
إنتي السبب! إنتى وبس! إنتي اللي سبتيني من غير كلمة تقنع قلبي ينساكي، بدارة أحسن منك مع إني مقصر في حقها، بس قلبي، قلبي..
ترك يدها واستدار بعنف وهو يضرب على المقود فقالت بصوت متحشرج يختنق بالدموع:
آسفة إني جرحتك.
أدار محرك سيارته بعنف وهو يقول:
اخرسي!

صدح هاتفه باسم (عزام) فرد عليه باقتضاب:
أيوة ياعزام!خير؟
قال( عزام):
مافيش ياخوي بس لجيتك راكن حدا الطريج جلت يمكن العربية عملتها معاك!
قال(مهران)بحنق:
لاه العربية تمام أنا وجفت عشان كنت بتكلم في التلافون، أنا وراك هنتحدت لمن أوصل!
أقفل الخط وهو يتمتم:
-مش ناجصني غيرك تتحشر في أمري!
بعد لحظات قليلة وصلا إلى مقر الفندق فقالت بصوت يرتعش:
هو دا أوتيلك؟
فأجابها بتهكم:.

عارف مش جد مجامك بس معلاش، خليها من روحك المرة دي!
طالعته بخيبة وأردفت:
- أنا سألت عشان كنت نازلة فيه مش عشان ماعجبنيش.
تقدمته إلى الداخل بثقة بينما يتبعها بخطى متثاقلة وقد تذكر كيف لمح طيفها فيما مضى وتحسر على مافاته من لقائها، فزادت غصته حين تذكر أيضا أنها مرتبطة فارتدى قناع البرود مرة آخرى ولحق بها إلى الداخل حيث ينتظره( عزام) في قاعة الإجتماعات برفقة بعض الأشخاص الذين أرسلتهم شركة العمالة..

جلست على رأس الطاولة فحدق فيها بامتعاض لكنها لم تعطه بالا، فترأست الإجتماع قائلة:
أهلا بيكم ياجماعة، أظن الأستاذ عزام عرفكم شوية عن الشغل ومع كدا حابة أضيف حاجة، إنى شخص صارم جدا في الشغل فلازم نتعاون مع بعض لأن الوقت مش فى صالحنا..
قاطع كلامها دخول السكرتيرة وهي تضع بعض الملفات على الطاولة وهي تقول:
الملفات اللي طلبتها مهران بيه!
تشكرها (مهران )ثم أردف:.

دول تصاميم الجناح، التصميم الداخلي والديكورات كمان قبل مايتحرق!
تصفحه العمال كما فعلت (فدوى) ثم قالت بابتسامة:
طيب! احنا هنبتدي شغل من هنا، يلا بينا نتفقد الجناح!
وقفت وهي تشير بيدها ثم تقدمتهم إلا أن( مهران) استوقفها قائلا:
ثواني ياحضرة المهندسة!
ثم التفت نحو (عزام )مخاطبا إياه:
-اسبقنا ياعزام لو سمحت عايز أناقش حاجة مع البشمهندسة وهنلحقكم..

امتثل (عزام) لطلبه بينما وقفت( فدوى) وسط الغرفة تحدق فيه بحيرة ثم قالت:
خير يامهران بيه، فيه حاجة؟
فقال وهو يقترب منها:
إنتي إهناه مش فى بلاد برا عشان إكده خدي بالك من تصرفاتك، مش مسموح تديري ضهرك وتمشي كل ما جيه على بالك، انتي حرمة والحريم ماتسوجش الرجالة، عايزة تفرجيهم على الجناح اطلبي منهم باحترام يتجدموا وتمشي معاهم ياوراهم، مش جدامهم يامحترمة!
طالعته بشرر وزفرت بضيق وهي تمسح على جبينها:.

بص عشان نتفاهم! مالكش دعوة بتصرفاتي مادام ماتمسش شغلك، أمشي ورا ولا قدام دا مش معيار للاحترام يا مهران بيه!
واستدارت مغادرة فأمسكها من ذراعها بغضب حتى مال جسدها نحوه وأردف:
عجباكي نظراتهم لجسمك مش إكده؟ بس حركاتك دي ماتمشيش اهناه، فاهمة ياهانم!
حاولت تحرير ذراعها من قبضته متألمة فاقتربت أكثر منه وهمست بصوت خفيض:
- إنت بتوجعني.

شعر بتدفق كبير لعاطفة كان يكبتها منذ أن رآها وعلى حين غرة ترك يدها وعانقها بقوة وهو يردد:
-إنتى واجعاني كمان، انتي كسرتي جلبي مرتين، مرة بغيابك ومرة برجعتك، أنا كل اللي عملته إن حبيتك ماستاهلش الوجع ده منك!
لو قالت أنها تحبه..
لو قالت أنها آسفة من أجله..
لو قالت أنها ستظل بين ذراعيه إلى الأبد..
لو قالت أنها تموت من تجاهله..

لكان طوى صفحة الغياب والأوجاع وصفح عنها، لكنها أبعدته عنها بقوة دون أن تقول شيء وسارت بعيدا عنه مغادرة وبقي متجمدا مكانه يحاول لملمة كبريائه المبعثر بسبب عنادها مرة آخرى..
استقلت (فدوى) المصعد وضغطت على أي زر لاح أمامها وجلست القرفصاء تحاول عدم البكاء والثبات لكنها انفجرت صارخة تضرب على جدار المصعد بقوة وهي تردد:
- مابقاش ينفع ياميران، مابقاش ينفع!

توقف المصعد فخرجت منه لتجد نفسها تقف على سطح الفندق، تناست ألمها وهي تتطلع في المنظر الساحر للمدينة الذى امتزج بطوابع عمرانية مختلفة، جمال النيل ونقائه والشمس المنعكسة على صفحته، أشجار النخيل المتناثرة على الطرقات، العصرنة والأصالة في قالب واحد هكذا كانت تفكر، عليها توليد تصميم ساحر يعبر عن هذه المدينة، قلب (ميران)!

عادت إلى المصعد وتوجهت إلى الجناح الملكي حيث ينتظرها العمال رفقة (عزام)، تأسفت من أجل تأخرها وهي تطالع بذهول السواد الذي يجثم داخل هذه الغرفة بالرغم من تنظيفها الجيّد فقالت بحماس تخاطب مسؤول العمال:
أستاذ مرتضى هنبتدي الشغل حالا، عايزاكم تشيلو سيراميك الجناح كله..
واقتربت من أحد الجدران الفاصلة وأردفت:
-الحيطة دي عايزة تهدوها كمان..
وأشارت إلى أخرى مردفة:
-ودي كمان..
ابتسم( عزام )قائلا:.

احنا إكده بنهدو البيت لمهران مش عنبنيه!
فردت عليه بحزم:
هو اللي يهمه يستلم الجناح جاهز، نبني نهد دا شغلنا بقى!
وعادت تخاطب العم (مرتضى):
ولما تخلصوا ادهنوه كله بالأبيض طبقة سميكة نداري بيها السواد دا كله، أكون أخترت السيراميك اللي هتركبوه وألوان الحيطان!
أومأ العم (مرتضى) برأسه وقال:
كنت فاكر الشغل هين بس إكده احنا تلاتة بس ومش عنلحج، لازمن أطلب عمال كمان عشان نتساعد ونخلصوا بسرعة..
فقالت:.

لازم ياعم مرتضى.
نظرت إلى ساعتها وأردفت:
-معاكم للمغرب تعملوا اللى طلبتوا و أكون عملت التصميم الأولي، الله يقويكم أنا هنا بالردهة، أي حاجة تعوزوها ابعتلي فورا..
شخصيتها القيادية ألهبت قلب (عزام) فأصبح يلعن (فضيلة )في سره ويتحسر على عمره الذي ضاع مع جاهلة مثلها..

كان بالردهة طاولة مستديرة كبيرة عليها مزهرية مثبتة بها زهور بيضاء من الغاردينيا، أزاحتها جانبا وأمرت الموظف بإحضار كرسي مناسب لارتفاع هذه الطاولة ويكون مريحا للعمل كذلك، فأحضره لها رفقة حاسوب محمول وبعض الأوراق والأقلام والمستلزمات التي تحتاجها فجلست تباشر عملها باحترافية كما فعل عمالها أيضا، وضعت سماعاتها ورفعت صوت الموسيقى فصارت كأنها في عالما آخر تسبح في خيالها الخصب فقط..

وقتذاك كان (مهران) يجتمع بأمن الفندق من أجل مناقشة سبب الحريق وعلى عاتق من يقع، أعادوا فحص كاميرات المراقبة جميعها لكنها كانت خالية تماما من أي دخيل، لا يظهر سوى اندلاع الحريق وتبقى كيفيته مجهولة وبما أن الأمر كذلك لم يستطع معاقبة أحد، اقترح مسؤول الأمن أن توضع كاميرا داخل الجناح لتفادي حادثة كهذه، لكن (مهران) رفض رفضا قاطعا واعتبره انتهاكا لخصوصية النزيل وفضل أن يتكبد كل مرة خسارة تغيير الجناح على أن يقوم بفعل كهذا...

انفض الإجتماع فجلس( مهران )يتابع عمله بقلب مفطور يلعن ضعفه أمامهت، يستطيع أن يكون باردا جلفا غير مبال مع أي شخص ممكن إلا هي، تنهار لها عواطفه ولا يستطيع التحكم بها وهذا الشعور يغيظه تماما..
أنهى عمله بعقل شارد ثم توجه إلى الخارج لكنه لم يستطع المغادرة تسمر واقفا يقاوم رغبته في الصعود إلى الطابق الثالث كي يرى ماتقوم به أو بالأحرى يراها، قاطع شروده أحد الموظفين وهو يقول:.

مهران بيه فدوى هانم طالبة حضرتك فوق!
كأنه انتشله من الغرق فهرول معه دون أن يتفوه بكلمة..

كانت( فدوى) غارقة بين كومة أوراق ومساطر الألوان والأشكال وتجلس بقربها سكرتيرته وعاملة أخرى انتفضتا واقفتين حين لاح لهما مهران وهو يقترب وقف قبالتها متحاشيا النظر إلى وجهها بينما كانت تحدث السكرتيرة وهي تشير إليها بقائمة الطلبات وتشير إلى العاملة الأخرى أن تقدم طلبية سريعة بالقائمة التي أعطتها إياها وما إن غادرتا حتى انتبهت ل(مهران) فقالت بعمليّة:.

مهران بيه بعتذر لحضرتك إني جبتك هنا بس بجد ماأقدرش أتحرك من مكاني..
فقال غير مبال:
المهم يكون ورا طلب حضوري شيء مهم!
فأشارت إليه أن يقترب منها وهي تدير حاسوبها وجهاز الكمبيوتر الآخر نحوه، انحنى إلى مستواها فراحت تشرح له عن فكرتها في التصميم بينما هو مرتبك من هذا القرب منها..
تبا! كيف تنجح النساء دائما في التعامل مع أمور القلب بصلابة كهذه لدرجة أنك تشعر أنهن كائنات بدون قلب..

هذا مافكر به( مهران) و(فدوى) تتحدث في الكثير من الأمور دون أن ينتبه فقالت:
مهران بيه إنت معايا؟!
قال بهدوء:
كملي يايشمهندسة أنا سامعك!
فعادت تقول:
-التصميم القديم للجناح كان تصميم فخم وراقي جدا وعصري جدا بس مافيهوش ريحة مصر، ريحة المدينة وطابعها الجميل كأنه مزيف..
فأنا عايزة اعمل حاجة عصرية بس فى نفس الوقت تكون ليها أصالة يعني لما يدخل النزيل هنا يحس حاله فعلا بمصر..
فقال (مهران) بتهكم:.

-نعمل ايه حضرتك؟ نجيب كام جاموسة ونعمله مراجل وغيطان درة مثلا!
فغرت( فدوى )فاهها وجحظت عيناها مستغربة وهي تقول:
معقول! يعني جمال البلد حصرته فى الجاموس والمراجل والغيطان! شكل بلاد برة غيرتك ياميران!
حدقا ببعضهما لثوان حين قالت (ميران )بعفوية كأن الزمن عاد بهما، كأنهما لم يبتعدا ولم تتشكل بينهما مسافات من الألم والعتاب والشوق والغيرة..
أطرقت برأسها بحسرة ثم استأنفت حديثها:.

الأثار والضريح والنيل والجو الساحر ساعة المغرب وبعدين شروق الشمس، كأنه ولادة جديدة للروح..
فقال (مهران) مستفزا إياها:
لما انتي شيفاها إكده اتغربتي ليه كل السنين ديه؟
قالت ببرود:
خلينا في الشغل لو سمحت!
اللي عايزة أقوله إني هدمج الطابع الفرعوني مع الطابع العصري وأختار ألوان من وحي المكان أنا عملت التصميم ده شوف كدا وقولي رأيك...

تصميم بتقنية ثلاثية الأبعاد يظهر على الشاشة لم يكن تاما لكنه كان رائعا، تأمله (مهران) بدهشة واضحة كما كان يتأمل( فدوى) التي تطالعه بثقة ثم قال:
هتقدري تخلصيه في يومين دا شغل كتير!
فقالت وهي ترسم شيء على ورقة أمامها:
مش هنام، هلحق كده بإذن الله!
رغما عنه قال باهتمام:
ليه ترهقي نفسك إنتي أؤمريهم وهم يعملوا اللي عايزاه!
طالعته بخجل وحزن:
أنا مدينة ليك..
فانتصب واقفا وقال بحدة:.

دا شغل وهتاخدي حقك، هستلم الجناح بعد 48 ساعة وإلا هيبقى في عواقب، كملي شغلك!
طالعته بأسى وهو يغادر مكسور الخاطر ولكنها وعدت نفسها أن تصد ضعفها وضعفه من أجل زوجته التي تعلم يقينا أنها تحبه ولا ذنب لها في غلطتها، عادت لعملها تحاول التحكم بارتعاشة يدها والدموع المترقرقة بين جفنيها...

لم يكن الحب يوما سببا للحياة لكنه أصبح كذلك داخل قلب (راجي) الملتهب كجسده المُصهد بالحمى واسمها على لسانه يهذي به صحوة وغفلة..

لم يكن شيء ليصلحه إلا( نوار) لكن قلب والدته الذي غلفه الحقد والطمع والذنوب لم يكن ليشعر بألمه وحاجته لحبيبته لم يكفيها أنها من تسببت في فراقهما فراحت تقصد أبواب الساحرات في البلدات المجاورة من أجل أن تجد حلا لتعلقه ب(نوار) كما كانت( زبيدة )تفعل مع( نوار) من ضريح إلى ضريح تبتهل إلى الأسياد لينصلح حال إبنتها..

القناعة الجاهلة التي تسيطر عليهما لتصليح الأذى بأذى أشد منه ستكون له عواقب وخيمة، كلتاهما كانتا تعلمان يقينا أن ذلك سيحدث قريبا، جعلا من أولادهما شبحيّن مشوهيّن يفران إلى النوم حتى تتلاقا روحهيّما لينعمان ببعض السلام...
بدأ( راجي )يستعيد عافيته كلما سقته والدته بذاك المشرب اللزج المسكر الذي أتت به من الشيخة (سماحات) من الكفر المجاور...

بدأت تطمس عقله كي لايستمع إلى أفكاره ونبضاته وتستطيع السيطرة عليه من جديد.
أما( زبيدة ونوار) فعادتا إلى منزلهما بعدما سمح لهما (عسران )بذلك، كانت( زبيدة )تتجرع مرارة كل مافعلته بأخيها وعائلته، كانت تطوف متوسلة على الأضرحة تطلب السماح والصلاح فتعود خفيفة الكاهل لبعض الوقت، كانت تريد الصلاح فتفاجأت بحمل (نوار )فانعزلت كل منهما في غرفتها وحالتهما مزرية تكادان تموتان قهرا..

انسحبت (نوار) من سريرها وقصدت المطبخ تبحث عن أي شيء ينهي عذابها، لقد خانها الجميع وتبرأوا منها، لم تشعر مع والدتها أنها مميزة وأنها فتاة تستحق الحب وحين وجدت ذلك بقلب( راجي ) ومالبثت تشعر بالسعادة حتى تحطم قلبها، لقد عانت بؤس كل من ارتبطت بهم، كانت ابنة أبيها التي ينفر منها الجميع، وإبنة أمها التي لاتستحق أن يحبها أحد، وحبيبة (راجي )الذي جعلها منبوذة ومحتقرة، بأي حياة ستحيا الآن!

لم تجد سوى حبل غسيل بين أدوات الغسيل فأخذته بين يديها وسارت هائمة لتتقاطع طريقها مع والدتها فتسمرت كلتاهما تنظران إلى بعضيهما بعتاب، ارتجف قلب( زبيدة )وهي ترى الحبل بين يدي إبنتها، اقتربت منها وأمسكتها من يدها تسحبها إلى الأريكة فجلست هي وجلست( نوار) أرضا ساهمة ويدها تشد على الحبل ويد والدتها تشد عليها وأخرى تربت على رأسها قالت (زبيدة) بمرارة:.

رايدة تهماليني بروحي يانوار؟ طب كيف أعيش وروحي متعلجة فيكي! إنتي زعلانة مني؟ ماتزعليش، ربنا خابر إن رايدالك الصوح و يعز عليا غلطك..
طب أجولك على حاجة، دام رايدة ولد عوالي أنا موافجة ومستعدة أجف فى طريج خالك وأي حدا في البلد يتكلم بضهرك كلمة..
نظرت إليها (نوار) بدهشة فاومأت( زبيدة )برأسها:.

-موافجة يابتي بس رايداكي تفتحي عنيكي كويس عشان تشوفي الحجيجة، راجي كيفه كيف أبوكي عيفضل عاره ملازمك وملازم ولادك طول عمرهم، الناس عتستعر من نسبهم وجربهم، ماتكونيش أنانية كيفي، ركبت راسي على عباس وعماني كلامه الحلو رميت كل حاجة ورايا وتبعته، وبالاخير طلع واطي مايسواش شلن مصدي بسوج الرجال، زييه زي راجي عتتمرطي وياه انتي وعيالك، الفرج اللي بيني وبينك إن أنا عندي خيّي وجف فى ضهري بس انتي مالكيش حدا غير نفسك، وانتي بتوجعي ماعتلجيش حدا يسندك ويحوش عنك وبكره ولادك لمن يكبرو عيكرهوكم انتو التانين ولو اتحمالتي كل حاجة مش عتتحملي كره ولدك..

فكرى زين يانوار لو لسه رايداه روحيله ورجعيه لجارك، دام حياتك متعلجة فيه روحيله!
قبلت رأسها وانتشلت الحبل من يدها ثم تركتها وغادرت إلى غرفتها بحسرة قلبها بينما لم تبارح (نوار) مكانها كأنها تمثال ملح.

حلّ المساء فشعر (مهران) بالجوع يقرص معدته، لم يستطع مغادرة الفندق و(فدوى) به فعاد إلى مكتبه يحاول الإنشغال بأي شيء، اتصل بزوجته وأخبرها بتأخر عودته قليلا فكانت متفهمة كفاية لكي لاتجادله بالأمر، طلب وجبة خفيفة لكنه تذكر أن لربما (فدوى) هي أيضا جائعة تواصل العمل على بطن فارغة، استقام وعاد إلى الطابق الثالث وهو يعزم أن يدعوها لتناول الغداء...

كان العمال قد أنهوا عملهم المبدئي وجلسوا جميعا على الأرض يتناولون طعام الغداء برفقتهم( فدوى) تجمع بينهم أحاديث وضحكات لطيفة، وقف( مهران) يراقبهم من بعيد وقلبه يعتصر غيرة كانت تكفي لإضرام نار أخرى تحرق الفندق بأكمله نزل بغضب وما أن خرج من المصعد حتى ناداه موظف الاستقبال لكنه دون أن ينظر باتجاهه قال:
أجل أي حاجة أنا مضطر أطلع.
لكن صوتها أوقفه بعد بضعة خطوات...

شعر كأنه يحلم فالتفت ببطيء ليتفاجأ وهي تتجه نحوه تفتح ذراعيها بخطوات ثقيلة وهي تبتسم:
ناتالي؟!
أسرع باتجاهها يعانقها ويقبل يدها وجبينها وهي تعانقه بشوق أم لإبنها فقال:
أنا بحاجتك كثيرا، من الجيد أنك أتيّتِ عزيزتي!
قالت بحنان:
اشتقت إليك، لم أستطع التفريط بك أيها الوسيم!
قال يخاطب أحد العمال:
هات ياابني شنط الهانم للعربيّة!
ثم أردف:.

-ستفرح أمي كثير للقائك لقد تحققت أمنيتها أخيرا، يا إلهي كم أنا سعيد لتواجدك عزيزتي أكاد لا أصدق أن هذا حقيقة!
سارت بجانبه وهو يلف ذراعه حولها ببهجة بينما تقول:
لقد حلمت بك أيها الوسيم وقلقت كثيرا من أجلك فرأيت من الأفضل أن تراك عيناي لأطمئن..
فقال بامتنان:
لقد أحببت هذا الحلم الذي أرسل بك إلي، سأخبرك شيء سيفرحك، ستحضرين زفافا مصريا تقليديا، يالك من محظوظة!

ابتسمت ناتالي بطيبتها المعهودة وهي تستقل السيارة برفقته وقالت:
أمنيتي تتحقق إذن!
كان الطريق إلى البيت حافلا بالأحاديث الممتزجة بفرحة غامرة لهذا اللقاء المفاجيء حتى استقرا بالبيت فرحت العائلة ب(ناتالي) كأنها واحدة منهم فغمر البيت جوا بهيجا غير معتاد..
شعرت( ناتالي) بالألفة بينهم مع أنها تزورهم لأول مرة لكنهم ممتنون لها لاعتنائها ب(مهران) كل تلك السنوات التي قضاها بالغربة..

القلوب لاتختار ساكنيها هم من يستوطنونها بنقائهم و أرواحهم الطيبة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة