قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

تضيق القلوب بالحب كما تتسع وتأخذ من الألم نصيبا في كلتا الحالتيّن، الأمر المرهق بحد ذاته أن لايكون للحب جزاء سوى العقاب الذي تتقاسمه القلوب كأنه ميراث شرعي فدائما حظ الرجل منه مثل حظ أنثَييّن.

في بلدة صغيرة، كهذه الجميع يؤمن بالتخاريف والأساطير، فكان هذا رأي الحاج (عسران) حين أخبرته( ثريا )بأن بنتاه يمكن أن تكونا مسحورتيّن قائلا:
عتخرفي وتجولى ايه إنتي، وخري، وخري اكده عشان اتخمد وسكري وراكي الباب.
ابتعدت من طريقه لكنها لم تغادر بل جلست على طرف السرير وقالت:
كيف مابجولك إكده، البنات بتشوف نفس المنام من سنة، جال قطه سودا بتبحلجلهم، معناته إيه ده يتكرر عنديهم هما التانين، هاه!

استقام (عسران) في جلسته وقال بنفاذ صبر:
ويسحرولهم ليه بجى ياام العريف انتي؟
فقالت:
وووه، غيرة وحسد ياحاج، عيكون ايه غير اكده، إنت مافكرشي لمن تعبوا هما التانين مع بعضهم وخسوا لنص وزنهم ياكبدي، شعرهم بيجع وبيحسوا بوجع كيف العجايز، هاه جولي اكده دا معناتو إيه؟
بدا عليه التفكير ثم تمدد وشد عليه الغطاء وهو يقول:.

باين حد مسلطك عليا روحي شوفي ولدك اللي اتوحشتيه، وهنتحدت لما أفوج، وسكري ع السيرة العفشة دية عتخرعي بناتك.
غادرت( ثريا )الغرفة وهي تتمتم:
ناام، ناام بس هتشوف ان كلامي صوح، أنا حاسة بكده بس مانتبهتش جبل سابج وإتوكدت من منامهم، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي رايد لينا الأذية.
كانت تسير ببن الغرف لتلمح (نوار) متمددة على فراش( زهرة) تبكي فدخلت عليها واحتضنتها وهي تقول:.

مالك يابتي بعيد الشر عن جلبك، حاجة بتوجعك ياحبة عيني؟
لم تجبها (نوار) بشيء كانت تبكي فحسب، توسدت ركبتيها وراحت (ثريا )تربت على شعرها محاولة تهدئتها وهي تقول:
مين زعل بتي المليحة؟!
فقالت (نوار ):.

جدري ياخالة، هيكون مين غيره، جدري اللي خلاني كيف اللجمة اللي واجفة فى زور أي حدا لا عارف يبلعها ولا يتفها، أنا اكده محدش عارف يحبني ولا يكرهني، أنا ماليش صالح باللي عملوا أبويا ولا اللي بتعملوا أماي اياك، انا نوار بت زي بنات البلد غشيمة جاهلة وعفشة، أنا راضية بس مهياش وحشة وجليلة برديك، حتى انتي ياخالة ساعات بحسك أحن عليا من أمي وساعات بكون كيف الغرب بدارك.

التفتت تطالعها وقد كانت دموع (ثريا )تتسابق على خدها وأردفت:
اكمني بنت زبيدة وعباس صوح؟ ولا عملت حاجة بتضايجك؟
شددت( ثريا )من عناقها وقالت:
إنتي بت من بناتي يانوار ومعتكونيش غير اكده لو بت مين كنتي عتفضلي بت جلبي، والام كيفك اكده ساعة بتحاني وساعة بتهش وتنش اوعاكي تفكري إنك غريبة عن جلبي وداري بحبك يابتي وربنا عالم.
قبلت (نوار) يد زوجة خالها وهي تقول:
ربنا مايحرمني منك ياخالة.

أزاحتها( ثريا )عن صدرها وقالت:
-جومي طسي وشك بشوية مي عشان عنيكي نفخت وتعالي انزلي للبنات تحت، انا هاسبجك وأسود ليلهم لو لجيتهم ماخلصوشي اللي طلبته منيهم، جومي ياجلبي، جومي!
دخلت (نوار) لتغسل وجهها فخرجت (ثريا) من الغرفة وهي تتمتم:
-إنتي بتي يانوار دامك بعيدة عن ابني.

عادت الطمأنينة تغزو قلب( مهران) وسط أهل بلدته الطيبين، تجواله في الحقول كان بمثابة هدنة نفسية له، كأن طيف (شذا ) يرافقه، عاد إلى منزله من الباب الخلفي كما خرج منه ودخل من المطبخ فوجد أختيه والعمة (نفيسة )التي يحبها كثيرا والعمة (حوريّة) يتحدثن بعفوية بسيطة تجعل مراقبتهن شهية كالحلم، أسند كتفه على الباب وهو يراقبهن وقد انتابه حنين إلى الأيام التي قضاها بعيدا عنهن.

لمحته العمة( نفيسة) ففتحت ذراعيها وأومأت له بابتسامة لطيفة فذهب إليها واخذ يقبل يديها ورأسها وهي تتمنى له رضى الله والبركة..
جلس بينهن فأحضرت له العمة( حورية) كأس شاي ساخن فلف يديه حوله وقال:
تسلم يدك ياعمة، جيه فى وجته أنا سجعت من اللف برا، بس عندنا دفى برديك، مش كيف اهناك السجعة تنخر العظم نخر.
فقالت (حورية):
كيف أهلها ساجعين مافيش دفا بينهم.
فقال وهو يضع الكأس بعد أن أخذ رشفة منها:.

لاه ياعمة، في ناس كيفنا كيف ناتالي مثلا، هي اللي هونت عليا الغربة، فيها من ريحتكم، ست زينة وعاملتني كيف ولدها.
وقتذاك دخل( عواد) وقد أصدر نحنحة، كان يبدو عليه التعب، اقتربت منه العمة( نفيسة )بلهفة قائلة:
وه وه مالك ياخوي، ماكنشي فيك حاجة من شوية.
جلس (عواد )وهو يتصبب عرقا وقد احمرت وجنتاه السمراوتين التي خط عليهما الزمن تفاصيله، اقترب منه (مهران) وقال:.

اسند عليا ياعم عواد هاخدك دارك ترتاح وأشوف لك دكتور باينك تعبان، تعالي معايا ياعمة.
بينما راح البقية يدعون له بالسلامة.
أخذه( مهران) إلى داره الذي هو عبارة عن ملحق داخل القصر الكبير بالحديقة الكبيرة، وضعه بسريره وقد اشتدت حمته فقال للعمة (نفيسه):
خففي لبسه ياعمة واعمليله كمادات على ماأعاود.
ارتبكت العمة وخافت على حاله فقال (عواد) بعدما خرج (مهران ):.

ماتخفيش يانفيسة أنى زين، هو هوا الشتا، هبجى كويس بعد شوي.
أما( مهران) فخرج ينادي على (كامل) الذي لباه مسرعا فأخبره على حالة العم (عواد) وضرورة إحضار طبيب له، لكن (مهران) لاحظ شحوبا على وجه (كامل )هو الآخر وتصببه عرقا فسأله:
إنت بخير ياعم كامل، باينك تعبان انت التانى؟
فنفى (كامل )ذلك قائلا:
لاه أنا زين ياولدي، هروح أجيب الداكتور من المستوصف واعاود بسرعة.

لكنه مالبث أن سار خطوتين حتى جثى على ركبتيه أمام احد الأشجار يتقيء بألم وصوت مرتفع..
استدار باتجاهه (مهران) وهو يتمتم:
- اكلوا حاجة مش زينة ولا مالهم دول؟
ليعلو صوته مردفا:
-شكلك محتاج داكتور انت كمان ياعم كامل خليك موطرحك هجيب الداكتور يفحصكم انتو التانين!
قبل أن يغادر عرج على المطبخ وقال مخاطبا العمة (حورية ):
اغلي شاي أعشاب للعم كامل ياعمة كنه تعبان هو التانى.
فقالت بخوف:.

ياحوستي ماكنشي فيه حاجة من شوي، هروح أشوفه لول.
خرج( مهران )يحوقل ويبسمل مما أصاب العميّن على حين غرة.
وصل إلى مستوصف البلدة فوجده يعج بالناس كأن أهل البلد اتفقوا جميعا أن يمرضوا في يوم واحد، فالقى السلام وسأل عن الطبيب فكان منشغلا جدا بالحالات التي بين يديه، فقال:
ألف سلامة ياجماعة!
وما أن قال كلمته حتى انفجرت شكاويهم في وجهه:
مرتي وبتي من ساعة مارجعوا من عنديكم وهما فى حالة مايعلم بيها الا ربنا..

وقال الآخر:
أمي ماكنش فيها حاجة و وجت مارجعت وهي بتستفرغ وسخنه..
وقال الآخر:
كل النسوان عيانين كيف بعض بعد ماعاودو من عنديكم.
فقال( مهران )بحيرة:
لا حول ولا قوة الا بالله، كيف اكده؟
فقال أحدهم:
يمكن من الوكل، وكلتوهم ايه اياك؟
فقال (مهران )بحزم:.

الوكل اللي كل منه أهالي البلد كولاتها، وانت كمان اشمعنى ماصبتكش حاجة إنت وأنى وكل الرجالة والبجيّة؟ على العموم هتأكد بنفسي لو كان الوكل يبجى ليكم علينا حج ليوم الدين، بس لازمن تعرفوا ان أهل بيتي تعبانين كومان..
فقال أحدهم:
يبجى خلاص هو الوكل.
فقال( مهران) بنفاذ صبر:
ماجلنا هنشوف!
اتجه نحو الطبيب وسأله:
أعراض ايه اللي عنديهم ديه ياداكتور؟
فاجابة الطبيب بعملية:.

كنهم وخدين برد مش تسمم ولا حاجة، يعني مش من الوكل.
فقال (مهران):
اكتبلي على علاج يادكتور الله يباركلك الجماعة عندي تعبانين كيفهم كمان.
فقال الطبيب وهو يخط على ورقة:
حقن يامهران بيه، لازم ياخدوا الحقن دي، الف سلامة معافيين باذن الله.
فصافحه (مهران) بامتنان وقال:
توشكر يادكتور الله يقويك.
واردف بصوت مرتفع:
- ألف سلامة ياجماعة.

توجه إلى البيت وهو يفكر في هذه الحالة التي أصابت الجميع، حقن العم (عواد )وكذلك( كامل) وسقتهما زوجاتهما بعض الأعشاب ومن ثم غطا في نوم عميق..
اتجه نحو اامطبخ مجددا فوجد والدته هناك فأخبرها بما جرى فاستغربت أمرهم وأخذت تتذوق الأكل والحلويات وتشمها ثم قالت:
الوكل زي الفل مافيهوش حاجة، وكلاتنا أكلنا منيه وماجراش حاجة، احنا جدامك أهه.
فقال لها:
خلاص ياأماي، اكيد مش من الوكل، هو فين ابوي؟

فقالت وقد تذكرت أنه طلب منها أن توقضه:
راجد فوج، كويس انك فكرتني، هروح أصحيه يلحج العصر.
فقال:
هطلع انا كمان اتوضى واغير هدمتي عشان نروح الجامع مع بعض.
دخلت (ثريا )لتوقظه فوجدته محموما يهلوس بكلمات غير مفهومة وجبينه يتفصد عرقا فنادت بصوت عال فزع على (مهران) الذي لباها مسرعا:
إلحج ابوك يامهران باينه عيان!
تفحصه( مهران) وقد رأى بأن حاله مثل حال البقية
فقال مطمئنا:.

ماتخافيش ياأماي هديلو حجنة ويبجى كويس، انتي غيري هدمته على ما اجيب الحجن جبل ماتخلص من الاكزخانة باينها البلد كلاتها مرضت بذات المرض.
فخرج مرة أخرى متجها نحو الصيدلية واحضر حقنا إحتياطية وقد أوصى الصيدلاني أن يزود مخزونه من هذه الحقن فيبدو أهل البلد قد أصابهم فيروس واحد جعلهم طريحي الفراش في غمضة عين.

مضت ليلة ثقيلة على الجميع بعد ان حضر عمد البلدات المجاورة واعتذر منهم( مهران )على عدم تواجد والده بسبب مرضه فتفهموا الامر وغادروا بعد أن أكرم ضيافتهم.
جلس بجانب والد وأخذ يرتل أيات الله على مسمع منه حتى انخفضت حرارته وجف عرقه وهدأت هلوسته.

القلوب السوداء التي يتملكها الحقد لا يرضيها سوى أن ترى الألم بغيرها هكذا جلست (عوالي )على سطح بيتها الطوبي والرياح تعصف عصفا تتلذذ بما أصاب الناس جميعا وهي تدرك أن ذاك سيجعلهم يلقون اللوم على عائلة العمدة وينفرون منهم، انضم إليها (راجي) وقال:
الدنيا سجعة ياماي واجفة عنديكى ليه بالوجت دا شكلها عتمطر؟
فقالت دون أن تطالعه:
السجعة ديه مانزلتشي على جلبي من زمان، أني مرتاحة اكده.
حك راجي لحيته وقال:.

انتي بتكرهيهم اكده ليه ياماي؟
فقالت بغضب:
مالكش صالح ياواد.
فقال بغضب:
كيف ماليش صالح! واللي بنعملوا في الناس كومان ماليش صالح، احنا بنغلط ياأماي وبنإذي، وجعتنا سودا مع ربنا، في شر جواتنا كبير، احنا مش كيف البشر...
أمسكته من تلابيبه وقالت:
احنا مش كيف البشر عشان ماليناش ضهر نتسند عليه، احنا بنجيب حجنا من عنين اللي يعادينا ماحدش احسن منينا فى حاجة.
فقال وهو ينظر إلى عينيها بحزن:
واخرتها إيه ياأماي؟

تركته والتفتت تنظر إلى الاضواء المنارة من الدواوير وقالت:
ماخبراشي، المهم يرجع الحج لصحابه برضاهم أو غصبن عنيهم.
كان راجي يريد أن يخبرها أن قلبه بدأ ينبض من أجل شخص آخر لكنه كان يعلم أنها لن تدعه وشأنه تريده كما هو، خادمها فقط.

صورتها هي كله ماتبقى له منها، وضعها (مهران) أمامه ولسان حاله يعاتبها، تمنى لو نطقت وأخبرته لما رحلت هكذا وأخذت قلبه معها دون تفسير، كان عليها أن تخبره بمكانها أو إسمها على الأقل حتى يستطيع ايجادها، كان يخاف أن تقدم مرة أخرى على الانتحار فلا يلقاها مجددا فكان يعزيه وعدها أنها لن تفعل إكراما لحبها له..

وقت ذاك سمع أصوات تأتي من غرفة أختيّه فاستقام يرى مايحدث، توجه نحو غرفتهما وطرق عليها فعم الصمت والهدوء بداخلها ففتحها دون أن يؤذن له، وزع نظره عليهن بدهشة ثم قال وهو يجمع يديه على صدره:
هااا عتفهموني ايه اللي بيوحصل اهنه ولا أنادي الحاجة ثريا؟
اقتربت منه( راوية) بلهفة وأمسكته من يده ثم أغلقت الباب:
لاه لاه ياخوي أحب على يدك، لو عرفت أمي عتعلج مشنجتنا!
فقالت (نوار):.

ديه بدارة صاحبتي أبوها عيجوزها لحدا من بلد يمينا وهي ما موافجاشي فهربت..
فقال بصدمة:
وه! جنيتوا إياك وبتعمل اهنه ايه، ليلتك طين منك ليها؟
فقالت (بدارة )محاولة استفزازه:
وانخلعت اكده ليه، واني اللي جلت مستخبية فى بيت رجالة، مالت عليكي يابت.
فقال( مهران) وهو يشير إليها بيده:.

اكتمي ماسمعش حسك يابومة انتي، وانتي ياست نوار جايباها اهنه ليه ياحزينة عايزة تجومي جيامة البلد، فاكرين اهلها عيسكتوا اياك؟ من ميتا هي اهنا، انطجوا!
فقالت (زهرة )بخوف:
من وجت لمن رحت تجيب حجنة لابوي.
قالت (بدارة ):
خلاص أنى مروحة، فوتكم بعافية.
أمسكها من طرف خمارها فسحبها لترجع مكانها وقال:
نامي حدانا الليلة المطينة ديه وبكرا من النجمة ما لمحش طيفك اهنه، فاهمة ولا لاه؟

أومات برأسها فاستدار مغادرا ثم توقف قائلا:
من عيلة مين انتي؟
فقالت متلعثمة:
الج، بالي!، الجبالي!
فضرب يدا بيد وهمس وهو يغادر:
- اهي كملت من عرض البلد دي مش عنعلج غير مع الجبايّلة رجعتك نحس على الدوار كلاته ياحزين.

مرّ أسبوع رتيب على الجميع وقد تحسنت فيه صحة الجميع كما تحسنت صحة الحاج (عسران) غير أن الكوابيس لم تنفك تراوده هو وكل من بالمنزل حتى أن (نفيسة) أصبحت تحرق الأبخرة كل صباح وتشغل سورة البقرة ظنا منها أن عينا أصابت البيت وأهله.

أصبح( مهران )يزاول العمل برفقة والده في فندقهم العريق الذي توارثه أبا عن جد، الذي اخذ وزنا وشهرة كبيرة في هذه المنطقة خاصة وأنه على ضفاف نهر النيل وعلى قرب من ضريح أغاخان، فكان ينظم عدة نشاطات سياحية، كالتجول بالقوارب الشراعيّة وتنظيم حفلات ومناسبات في قلاع تنفيذية وسط الأثار التي تستحوذ على اهتمام السياح العرب والأجانب معا..

لم يقطع علاقته مع (ناتالي) مطلقا، كان يهاتفها يوميا صباحا ومساء يطمئن على صحتها وأكلها ونشاطها فكان يملأ يومها عاطفة كأنه لم يتركها بل وكانت تطبخ من أجله وتضع صحنا له على الطاولة كأنه سيشاركها، حقا غريبة هذه الروابط الروحية التي تجمع بين أشخاص لم يتقاسموا سوى عواطفهم فيشعرون بالانتماء لبعضهم البعض رغم بعد المسافات.

مع أن( مهران) كان بصحة جيدة غير أنه مؤخرا بدأ ينتابه شعور بالثقل كأن روحه طافية وأحيانا ينزف أنفه بعد أن ينتابه صداع شديد يثير عصبيته أحيانا..
عاد مع والده إلى البلدة يتأبط ذراعه كما كان يفعل وهو صغير، وقد تذكر الخاتم الذي أهدته إياه (ناتالي) فطلب من والدته أن تبحث عنه بعد عن عجز عن إيجاده، جلسوا على طاولة العشاء يتناولون طعامهم فسألها:
لجيتي خاتمي ياأماي؟
فأجابت وهي تسكب له قليلا من الأرز:.

لاه ياولدي جلبت الغرفة أنا وخيّاتك و مالجيناش حاجة، يمكن تركتو هناك ونسيت.
فقال وقد اعتراه الحزن:
كيف نسيته، لاه، ناتالي عاطتني إياه لما كنا بالمطار عشان تبجى منها ذكرى تفكرني بيها.
فقالت( رواية ):
والله ياخوي مالجيناش حاجة، دورنا بكل موكان مافيش.
فقال بخيبة وهو يضع الملعقة من يده:.

الخاتم ده غالي عليا، ده خاتم زوج ناتالي، الذكرى الوحيدة منه وهي أمنتني عليه وجالتلى ان ماحدش من ولادها يستاهل ياخده غيري، معجولة أضيعه من أول يوم، دوروا تاني والنبي.
فقالت والدته:
ماتزعلشي ياولدي هنلاجيه باذن الله، هندور بكرة كومان.
فقال والده:
فيك حاجة يامهران؟ حاسك متغير ياولدي؟
ربت( مهران )على يد والده وقال:
مافياش الا العافية ياأبوي ماتجلجش، يمكن اتغير الجو عليّا شكلي اتعودت على بلاد الغرب..

ختم كلامه بابتسامة وصعد إلى غرفته وقد اشتد عليه الصداع وألم في مفاصله جعله لايستطيع الحراك فاستلقى على سريره مستسلما لهذا الألم حتى أخذه النوم.

في ظلمات الليل كانت( زبيدة) تمشي، تخبيء وجهها بخمارها الأسود كقلبها وهي تشق طريقها إلى المقبرة لتدفن ما امرتها بدفنه، كانت مستعدة لفعل أي شيء من أجل تحقيق رغباتها.

أما (نوار )فقد شعرت بالاهتمام لأول مرة وهي تلاحظ تتبع (راجي) لها ونظراته الولهة نحوها حتى أنها وقفت تحادثه أحد الايام لتجعله يتوقف عن ملاحقتها لكنه فاجأها بقوله أنه يحبها بل يعشقها ولا يريد غيرها، علقت كلماته في قلبها وروحها فبدأت تشعر لأول مرة أنها شخص يمكن للناس ان تحبه بغض النظر عمن يكون أصله.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة