قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الخامس والعشرون

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الخامس والعشرون

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الخامس والعشرون

مثل قطع الأحجية التي تتراص جنبا إلى جنب لتكمل الصورة، إكتملت بك، وبعد كل هذا الوقت أدركت أن ماينقصنا هو ما نمتلكه ونهمله، من الخطأ أن نعتقد أن ما لا نملكه هو ما ينقصنا في حين أنه ما نحتاجه فحسب لنظهر بصورة أجمل لا أوضح..
فنظرت إلى ما أملكه و اعتنيّت به، وقتها فقط شعرت بالاكتمال.

بعد منتصف هذا الليل الطويل وفي خضم مطره وبرودته كان (عزام) يسير جنبا إلى جنب مع (فدوى) بعد أن أمره والده بإيصالها إلى المنزل بينما ذهب كل من (عويس) و (عسران) إلى مخفر الشرطة لإستكمال التحقيق وقد حصلا على إعتراف مسجل من المجرمان بإرتكابهما جريمة قتل (حسنة الجبالي) مع سبق الإصرار والترصد.
لاح المنزل أمامهما فقال (عزام) بهدوء:
-إنتى زينة يابنت عمتي؟

هزت رأسها بصمت فأدرك أنها ماتزال تحمل في قلبها غضبا لتصرفه السابق معها ليردف بخجل:
-أني كنت عاوز أتأسفلك على اللي حوصل مني جبل سابج معرفش إتصرفت إكده كيف، لكن وعهد الله مكنتش هأذيكي..
قالت (فدوى) بهدوء:
-خلاص ياعزام اللي فات مات أنا نسيت..
توقف قائلا بلهفة:
-يعني سامحتيني؟!
هزت رأسها بإبتسامة هادئة ليقول مردفا:
-وعتفكري ف عرض الجواز؟
إختفت إبتسامتها وهي تزفر بقوة واستأنفت السير مجددا قائلة:
-تاني ياعزام؟!

جذبها من ذراعها وقال:
- اصبري عليا أكده وفهميني! مش رايداني ليه، أتعاب يعني؟ في للول جلت إنك رايدة ابن عمك وعشان إكده زمآنة و معتجبليش، لكن دلوك مايمنعشي...
قاطعته قائلة:
-أنا رايدة حد زي ماقلت، وبحبه ومش هجوز غيره لو استنيته عمري كله.
ظهر الإحباط على ملامح (عزام) وأطرق برأسه أرضا، شعرت (فدوى) بالشفقة عليه ومع ذلك حاولت تغيير مجرى الحديث فقالت:.

- ممكن أعرف ياعزام فضيلة عيبها إيه يخليك تحب عليها واحدة تانية؟
واصل (عزام) سيره وهو يعقد يديه وراء ظهره كما لو كان يفكر بإجابة يقنع بها نفسها قبل أن يقنعها ثم قال بملل:
-مفيهاش عيب واصل، فضيلة بت عمي مرة زينة وعتحبني بس أنا محبتهاش ولجيت نفسي ميّال ليكي يافدوى.
سألته باستنكار وقد رسمت على وجهها ابتسامة شك:
- متأكد ياعزام؟
توقف ونظر إليها بحيرة وهو يقول:
-متأكد من إيه؟
قالت:
-من إنك مبتحبهاش.

كاد أن يتحدث فأشارت إليه وأردفت:
- فكر قبل ما تجاوب، فكر كويس عشان متخسرش ياعزام مراتك ست طيبة وجميلة وبتحبك زي مابتقول، أينعم عصبية شويتين ومش واثقة من نفسها بس ده لإنها مش حاسة معاك بالأمان، جرب تديها الإحساس ده وهتلاقي واحدة تانية خالص، هتلاقي فيها اللي شدك لية جنب اللي أكيد حبيته فيها، فكر في كلامي كويس ياعزام وصدقني مش هتندم.

لم ينطق بحرف وبدا شاردا فتقدمته ودلفت إلى المنزل بينما تبعها هو بعد لحظات غافلا عن عيون إشتعلت بنيران الغضب وهي ترى من شرفتها زوجها يعود متأخرا مع غريمتها.

وفي مكان آخر تفوح منه الأحقاد كجيفة مغدور مهملة..
طرقات قوية على الباب جعلتها تسرع لتفتحه وما أن رأت زائرها حتى توهجت ملامحها:
-جبت جطره يامصيلحي؟!
أجابها وهو يتلفت يمنة ويسره كأنه يتأكد أن لا أحد يراه أو يتبعه وقال:
-جبته ياستنا، اسمحيلي أدخل الدار للول لحدا ينضرنا.

تنحت جانبا فدلف بسرعة وأغلقت الباب و توجهت نحوه فأخرج حزمة صغيرة من معطفه ووضعها بين يديها، فتحتها بلهفة وهي تحدق ما بداخلها بمقت وهي تقول بحقد:
-دي خلجاته يامصيلحي؟متأكد ياواد؟
فأجابها (مصيلحي):
- هي بذات نفسيها، بعرجه كيف ماجلتي عاطيت الواد سويلم فلوس كاتير عشان ميغسلهاش ويجيبهالي طوالي.

وضعت يدها بين صدرها وعباءتها وأخرجت بعض مئات الجنيهات وقذفتها نحوه وعيناها تلمع شرا كما لمعت عيناه جشعا و هو يلتقط ماكسبه من خدمتها فلمح خاتم قد وقع منها سهوا وهي تخرج له النقود فخطفه خطفة سريعة ودسه بين أوراقه النقدية وهو يقول:
- بركاتك ياستنا!
رفعت يدها تشير له بالذهاب قائلة:
- روح يامصيلحي دلوك، دامك خدوم وعتفرحني، بركاتي معاك وين ماتروح..

غادر بسرعة بينما أغلقت الباب و تقدمت تجاه الأريكة تسحب شالها وعلبة من الكرتون أعدت فيها مايلزمها من أجل إنتقامها ثم خرجت تسير بخطوات مسرعة تجاه المقبرة تتمنى أن يتوقف المطر حتى تنهي عملها بسرعة و تنال من قاتل ولدها، ثم تتفرغ ل (عسران) وابنة أخته لتدبر مكيدة تمكنها الحصول على حفيدها الذي سيعوضها فقدان ولدها وقد عزمت أن لن تتركه ل (عسران) مهما كلفها الأمر وتحرق قلبه عليه كما يحترق قلبها بلهيب لا ينطفئ.

وكما هناك لهيب يحرق القلوب التي تعاني الفقد هناك لهيبه مثله يحرق القلوب التي تعاني غيرة الحب...
دخل غرفته فوجدها تقف وسطها مترقبة تضع يدا على خصرها والأخرى تضعها على بطنها وباغتته قائلة:
-كنت فين ياعزام؟
أجابها بضيق وهو يتجه إلى خزانته يبحث عن شيء ما:
-ملكيش صالح يافضيلة!
اقتربت بغضب و رمت سؤالها في وجهه بتحقيق:
-كنت وياها لحد دلوك فين ياعزام؟
طالعها ببرود ثم عاد لنبش أغراضه وهو يجيبها:.

-جلتلك ملكيش صالح يافضيلة!
إتسعت عيناها بإستنكار قائلة:
-يعني جوزي يرجع موخر مع مرة غريبة عنيه وتجولي ملكيش صالح يافضيلة، أومال ليا صالح فى إيه عاد؟
توقف عن البحث وهو يطالعها بصرامة قائلا:
- إنتي مخلولة ياولية!كنك بتحاسبينى..
قالت بإندفاع:
-ومحاسبكش ليه؟ أني مرتك...
قاطعها وهو يمسك ذراعها بقسوة هادرا:.

-الله ف سماه لولا إنك حبلى ولدي في بطنك لكنتي عتشوفي مني اللي عمرك ماتتخيليه، مبجاش غير الولايا يحاسبوا الرجالة ويعلو صوتهم كمان، مشي من كدامي بدل ماأعمل حاجة تزعلك يابت سعدة.
قالت بألم:
-وإن ممشيتش عتعمل إيه؟
إشتعلت عيونه بالغضب قائلا:
-لا عيهمني جرابة ولا عشرة ولا ولد وعضربك لمن أشفي غليلي وأرتاح يافضيلة، ومحدش هيلومني كمان.
طالعته بصدمة قائلة:
-كل ده لأجل الخواجاية ياعزام؟

نفض ذراعها وهو يعود لبحثه في خزانته، متجاهلا إياها فتقدمت بإتجاه سريرها وجلست عليه مطرقة الرأس تبكي بحرقة وهي تقول:
-أني مبجاليش موطرح في جلبك ودارك وهعاود دار أبوي.
وجد الأوراق التي يبحث عنها فزفر بإرتياح وهو يضعها في جلبابه قائلا:
-تبجى جت منيكي يافضيلة!
ثم خرج من الغرفة مسرعا بينما هي تنظر في إثره بصدمة قبل أن تعاود البكاء بمرارة إنتفضت على صوتها وهي تقول:
-البكى غلط عليكي وعلى البيبي على فكرة.

طالعتها بحقد قائلة:
-ملكيش صالح بية غوري من وشي ياوش المصايب.
إقتربت منها (فدوى) وجلست جوارها قائلة:
-مش هعاتبك ولا هزعل منك أنا جاية أقولك كلمتين وماشية علطول.
طالعتها (فضيلة) بغضب فأردفت فدوى:
- غصب عني سمعت خناقتكم ما أنا في الأوضة اللي جنبكم وسمعتك بتعيطي فقلت...
قاطعتها (فضيلة) وقد نفذ صبرها:
-جلتلك ملكيش صالح، غوري من إهنه وهمليني لحالي!
حاولت فدوى أن تكون هادئة حتى تستطيع امتصاص غضب (فضيلة) فقالت:.

-يافضيلة إفهمي أنا مكنتش مع جوزك لوحدنا كان معانا خالي والعم عسران، كنا في القسم، عمي توفيق وابنه رحمان رجعوا البلد كانوا فاكرين يقدروا يخدوني معاهم بس اللي مايعرفوهش إني اكتشفت كل جرايمهم ومنها قتلهم أمي، الحمد لله اتقبض عليهم والشرطة بتحقق معاهم..
إتسعت عينا (فضيلة) بصدمة فأردفت (فدوى) بحزن:.

- عزام راجع ياخد لباباه ورق مهم أنا كنت اديته لخالي وهو أمن عزام عليه يدين المجرمين دول ويكشف عمايلهم السودا جوة وبرا مصر وأكيد راحله القسم دلوقتي، يعني الطبيعي يكون متعصب ومش فايق لغيرتك اللي ملهاش أي داعي لإن اللي بيني وبينه مش أكتر من رابطة دم حتى لو كان مشدود ليا فده لإنه شايفني مختلفة وبعد شوية وقت هيشوف إني مش مختلفة ولا حاجة وهيرجع لعقله ولمراته، هيرجع ليكي يافضيلة.

طالعتها (فضيلة) بعدم إقتناع لتواصل حديثها:
-وبعدين البكى والعصبية و الغيرة مش هم الحل مش هم اللي هيرجعوا عزام لبيته وحضن مراته، فين شخصيتك وفين ثقتك بنفسك؟
طالعتها (فضيلة) بحنق قائلة:
-جلتلك جبل سابج بلاش كلام المتعلمين ده، معفهمش منه حاجة واصل.
استقامت (فدوى) تقترب منها أمسكت يدها وقالت:.

-غيرتك الزايدة عليه وخناقكم كل شوية بسببها هتخنقه مش هتسعده وتبينله أد إيه بتحبيه، خليه بطريقتك هو اللي يغير عليكي ويحاول يسعدك بكل وسيلة، اديله مساحة يشتاقلك و يفتقدك، وكمان بلاش كلامك الدبش فى وشه كل مرة، خليكي ناعمة ورقيقة.
قالت (فضيلة) بمرارة:
- يغير عليا مين؟، عزام! اللي عيغير على حدا عيكون بيحبه وأني عزام ميحبنيش.
قالت (فدوى):.

-مين قالك بس الكلام العبيط ده؟أنا متأكدة انه بيحبك، انتي ست جميلة و طيبة وبتحبيه وبتتمنيله الرضا يرضى زي مابيقولوا، وأكيد بيحبك، فاضل بس إنك تهتمى بنفسك شوية زيادة، وتحاولي تشاركيه اهتماماته وتفاصيل حياته، أنا ممكن أنزلك تطبيق على تليفونك حلو أوى يخليكي تفهمي إزاي تسعدي جوزك وتقربيه منك.
طالعتها ببلاهة فإبتسمت (فدوى) مردفة:.

-هفهمك بطريقة عملية بس خلينا الاول نتفق إنك لازم تمشي من البيت وترجعي بيت أهلك زي ماقلتيله.
إتسعت عيون (فضيلة) قائلة:
-عاوزاني أسيب البيت ويخلالك الجو معاه، شايفاني هابلة إياك؟
إتسعت إبتسامة (فدوى) لتصبح ضحكة مجلجلة وقالت:.

-لأ طبعا مش هابلة، بس عزام لازم يحس بإن فيه حاجة ناقصاه بعدم وجودك، لازم يعرف كمان إنك مش وحدة ضعيفة بتهدد وتقول أي كلام وخلاص، لازم يعرف إنك جبتي آخرك ويقف مع نفسه يحاسبها ويشوف قصر في إيه؟ولازم يجيلك ويعتذر ويطلب السماح كمان.
شع الأمل في قلب (فضيلة) ولكنه مالبث أن خبا وهي تطرق براسها قائلة بحزن:
-وإفرضي مجاش وهملني في دار أبويا الله يرحمه.
قالت (فدوى):.

-معتقدش تحصل، أكيد هيروحلك ويعتذر كمان، ومتقلقيش لو عاند هخلي خالي يؤمره يروح يجيبك ويحب على راسك كمان، مش بتقولوها كدة برده؟
طالعتها (فضيلة) للحظة قبل أن ينفرج ثغرها عن إبتسامة رقيقة، لتقول (فدوى):
-قومي بقى إغسلي وشك وتعالي عشان أوريكى تفتحي التطبيق إزاي.

وهناك من هذه الليلة جزء جميل، لحظات دافئة تجعل من برودة المطر أكثر شاعرية،
شعر (محمد) أنه أهمل (زهرة) في اليومين الماضيين فعزم بينه وبين نفسه أن يعوضها بشيء يدخل السرور إلى قلبها..
بعد انتهاء حفل الزفاف الثقيل على قلوب الجميع أخذ (محمد) زوجته إلى المدينة، أخبرها أنه يريد قضاء بعض الوقت معها بعيدا عن العائلة فتوجها نحو الفندق...

كانت الغرفة رائعة وعطرة تفوح منها رائحة ورود البنفسج والشموع المعطرة بالفانيليا
خطفت قلب (زهرة) وهي توزع نظرها حولها كأنها تكتشف العالم لأول مرة، ابتسامتها واسعة وعيناها تلمعان سعادة بينما (محمد) يستند على الجدار يطالعها بوجد..
استدارت نحوه وقالت:
شكلها هي دي السعادة اللي كل الناس بتدور عليها..
اقترب منها وهو يناولها وردة حمراء بيد ويده الأخرى تزيح خمارها ليتناثر شعرها المخملي على كتفها وقال:.

وأنا لجيتها معاكي يازهرتي، شفتي قد إيه أنى محظوظ! أنى بحس وياكي إن ربنا عطاني وفضل عليا بنعم كاتير، أنعم عليا بالحب، أنعم عليا بالعيلة، وبالولد، وبالسعادة، الحمد لله أحمده ليل نهار.
نزلت عبراتها على وجنتيها المتوردتين وقد أسندت رأسها إليه وقالت:
كنت خايفة جلبك يشيل مني بسبب جوازة مهران على بدارة، لكنك كل مادى بتثبتلي إنك راجل زين، سندي وعزوتي..

أنا بحبك جوي يامحمد، بحبك وروحي متعلجة بيك، أنت عوض ربنا ليا، ربنا ما يحرمني منك ولا يختبرني فيك..
لفها بين ذراعيه وهو يشعر بالاكتمال لايريد من الدنيا شيء غير أن تبقى زهرته بين يديه يرويها بحنانه وتعبق بودها على حياته.

وكما يأتي الصباح على عجالة أتت معه أحداثه على ذات العجالة..
دلف (مهران) إلى غرفة والده بعد أن إستدعته والدته في تلك الساعة المبكرة، ليقول بقلق ما إن رآها:
-خير يا أما، لسه ضو النهار ماطلعش؟!
أجابته (ثريا) بلهفة:
-جلجانة ياولدي، أبوك خرج بالليل ومعاودش لحد دلوك فرشته باردة يعني منامش إهنه.
عقد (مهران) حاجبيه بحيرة قائلا:
-عيكون راح فين يعني؟ أكيد راح الجامع يصلي وقعد هناك يستنى يصلي الضحى ويعاود..

فردت عليه أمه بمرارة:
-مخابراش وجلبي جايد نار، هو لو كان عاود بالليل كنت حسيت عليه وبعدين هو كل مايجوم الصبح يصلي يجومني أصلي، اليوم ماجومنيش يبجى مارجعش من امبارحة لمن طلع مع عمك عويس.
قال (مهران):
-عكلم كامل وأشوفه جايز يكون خده على أي موطرح.
قالت بحسرة:
-كلمته وجالي إنه مشافوش، خايفه يكون طلع يتمشى وتعب هو لساه تعبان وعلى العلاج..
إزداد (مهران) قلقا ولكنه حاول تهدئتها قائلا:.

-متجلجيش ياأما، اني عخرج ويا كامل وعندوروا عليه ومش هنعاودوا غير وياه...
قاطعهما صوته الغاضب وهو يقول:
-عتدوروا علي، ليه؟عيل إصغير إياك؟
إلتفتا نحوه سويا فأسرعت (ثريا) تقول براحة:
-حمد الله على السلامة ياحاج، جلجتنا عليك.
قال (عسران):
-وتجلجي ليه ياثريا؟ أني مش طفل مهعرفش طريجي، خرجت أشم شوية هوا، محوصلش حاجة يعني.
طالعه (مهران) بشك، فملامح والده المرهقة تدل على أنه قضى ليلة عصيبة بالخارج، ليقول بهدوء:.

-كان فيه عاصفة بالليل ياأبوي وإنت عتخرج تشم هوا؟غريبة دي.
قال (عسران):
-المطر وجف والجو كان زين ياولدي، جلت أخرج أمشي رجلى هبابة، وأفكر في أموري، مفيهاش حاجة دي، هملوني بجى دلوك عشان أريح جتتي هبابة، مجادرش اصلب طولي وكبس النوم عليا.
قالت (ثريا) بلهفة:
-هجيبلك لجمة تاكلها جبل ما تنام ياحاج.
قال (عسران) وهو يخلع عبائته ثم يتسطح على السرير:
-ماليش نفس ياثريا، سيبوني أنام ومحدش يصحيني هصحى لوحدي.

دثرته (ثريا) قائلة:
-وماله ياحاج نام وإرتاح يا خوي.
ثم جذبت يد (مهران) ليخرجا من الغرفة وبداخل تتناطح الشكوك لينوى التأكد منها جميعا ضاربا بعزمه - المضي قدما - وما قرره بالبارحة عرض الحائط.

كان يجلس مع زملائه المساجين يتناول إفطاره لم يستطع أن يتناول سوى بضع لقيمات يسد بها جوعه يدرك أنه قد يخرج من السجن بعقاب يسير لجريمته إن أثبت المحامي أنها جريمة شرف ولكنه يدرك أيضا أنه ميت دون شك وقد علمت (عوالي) الآن أنه من قتل ولدها، إنتفض على صوت زميله الذي يجاوره قائلا:
-مبتاكلش ليه يامرزوج؟
قال (مرزوق):
-مليش نفس، كلت اللي كلته الحمد لله.
ربت زميله على يده قائلا:.

-كل ياصاحبي وإنسى همك وبإذن الله ربك يفرجها.

هز (مرزوق) رأسه وفجأة تجمدت أوصاله وغامت عيناه ونهض متجها إلى حائط الزنزانة بخطوات بطيئة خالية من الحياة قبل أن يبدأ بضرب رأسه بالحائط بقوة وسط هلع رفقائه، إقترب أحدهم منه يحاول منعه فدفعه بقوة شديدة ليقع أرضا بينما ارتفع نداء البقية على الحارس ليأتي بسرعة لنجدته، اقترب الحراس من الزنزانة يتفقدون أمرها ويشاهدون ماحدث باستنكار لدقيقة قبل أن يقع السجين أرضا بلا حراك وقد تفصد جبينن دما، فحصه العسكري بوجل ليعلن بدهشة أنه فارق الحياة.

كانت تجلس متكئة على عصاتها تطرق أرضا، صامتة لا يستطيع المحيطين بها أن يشوشوا هدوءها إلى حين دخول المكان رجل فارع الطول أسمر البشرة ذو شارب عريض يبتلع وجهه قائلا:
-لجيتها ياجدتي!
رفعت تلك العجوز وجهها الذي اعتلت ملامحه تجاعيد خط الزمن سطوره عليها وجحظت عيناها فبدتا بعمق المحيط تلتمعان بقوة، وهي تطالعه ثم قالت:
-إسمها و موطرحها؟
فأجابها الرجل:
- شيخة سماحات، ساكنة في البلد يمتنا.

تثبتت الأنظار نحو العجوز التي قالت بصرامة:
-متأكد ياولد إنها شيخة جادرة وليها كرامات؟
قال الرجل:
-طبعا متأكد، لكن خدي بالك يا جدتي تبجى صديجة المحروجة عوالي وممكن مترضاش تبيعها.
غامت عينا العجوز و زادت حدة نظراتها وهي تقول بصوت حازم:
-مفيش حدا مش للبيع والكل ليه تمن.
لتنهض وتخطو للخارج وهي تردف:
-هم بينا ياسرحان نروحلها.
فتبعها يسألها كما لو كان معترضا:
-عتروحيلها بنفسك يا جدتي.

طالعته بغضب وشفتاها ترتجف غيظا:
-ده تار ولدي مرزوج ياسرحان ولازمن آخده بنفسي، هاخده بنفس طريجة الجاتل، العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة