قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر

الحقيقة عندما تباغتك فجأة تكون كالعاصفة، تجتاح الوجدان وتقصف برياحها العاتية جذور قلبك فتقتلعه بقوة وتدخله فى دوامة من الأحاسيس...
تثير بركانا من الدهشة التى تمتزج بالغضب والإستنكار...
تثير أسئلة عديدة من الأفضل أن يكون إجابتها الآن الصمت...
فقد طوى الزمان الذكريات ولم تعد عودة المشاعر بالإمكان..
الحب قد أصبح كراهية، وقست القلوب لتصبح أحجارا قاسية.

لا أحد كسرته الحقيقة مثلى ولا أحد أخرسته برودتها وارتجفت لها أضلعه مثلى، قلبى يإن بلا صوت ويصرخ بلا آهة..
فالحقيقة مؤلمة وثناياي تأسى منها لوعة، والجسد يموت حزنا، ورغم كل ذلك أجدنى مضطر للصمود، فعائلتى مازالت تحتاجنى وماأراه امامى شرا، لابد وأن أتصدى له بكل قوتى.
أفاق من صدمته المفجعة على صوتها وهي تقول:
-سكت ليه ياحاج؟الجطة كلت لسانك عاد ولا الحجيجة مرة هتحرج جلبك وتخرس حسك؟

طالعها بعيون قاسية، وقد تمالك نفسه، يقول بغضب:
-حجيجة إيه ياولية؟بكفاياكى عاد، روحى شوفى حدا تانى تلزجيله المحروس إبنك، أنى ميخرجش من صلبى حدا يهتك الأعراض ويكون جلبه سو إكده، أنى ميخرجش من صلبى غير راجل صوح كيف مهران، أما البغل ده، فبجولهالك أهه من تانى، لو شوفته هوب حدا دارى ولا حدا من عيلتى فهجتله وملوش دية عندى كمانى، مفهوم؟
إستدار يغادر المكان دون أن تجيبه، فقالت بغل:.

-بتخونى لتانى مرة ياعسران، وبتخون ولدك، بتسيب يده وهو فى حاجتك، بس معستغربش لإنك طول عمرك جبان، إخلج لنفسك ألف عذر عشان تتخلى عنيه، إجنع نفسك إنك عتعمل الصوح عشان خاطر عيلتك، سيبنا وإرحل من تانى ياحاج بس وعد منى، العيلة اللى عتهمك أكتر منى ومن ابنك هدمرهالك، وابنك اللى عمن بتتفاخر بيه عخليه كيف الورجة اللى جعطناها من كراس ومبقالهاش عازة غير الرمي، عتشوف كيف راح أسوى فيك وفى عيلتك ياعسران..

لتصرخ بمرارة وهي تضم ولدها خائر القوى إلى صدرها:
-عتشووووووف.

كان يجلس شاردا، يفكر فى تلك المفاجأة التى ضربته اليوم فى وجهه، ترى هل فعل الصواب أم أخطأ كما فعل بالماضى؟يشعر بوجود خطب ما، يشعر بأن هذا الذى يدعى (راجى)من صلبه حقا، يشبه كثيرا جده (صالح)كما قالت تلك الحية(عوالى)، ولكن ماذا يفعل تجاه تلك الحقيقة؟هل يعترف به إبنا له ويحطم تلك العائلة التى بناها فى سنوات؟لا يستطيع أن يفعل ذلك مطلقا، سيخسر كل شيئ إن فعل.
زفر بقوة، ثم إنتفض على صوت (عويس)وهو يقول:.

-عتجعد لحالك ليه ياحاج؟كنك زهجت منينا إياك.
أرغم نفسه على إبتسامة باهتة وهو يقول:
-واه متجولش إكده ياعويس، ده انتوا منورين الموكان ومونسينا.
طالعه(عويس)بنظرة متفحصة قبل أن يقول:
-جواتك حاجة كابيرة مخبيها فى جلبك ومتاويها بين جدرانه، عتفط ع خلجتك ومرايداش تفضل جواتك ياولد عمى.
تنهد(عسران)قائلا:.

-الهم ورانا ورانا ياأخوي، معيرضاش يفوتنا، السحر اللى عم يصيب اولادنا ويصيبنا هم ملوش آخر ومعرفش إزاي أجضى عليه وأريح الكل.
ربت (عويس)على فخذه قائلا:.

-متشيلش الهم ياأخوي، احنا جنبك وحدك ومعيرتحلناش بال غير لمن نلاجى ولد المحروج اللى عيعمل الأعمال دى وندفنه وهو حي عشان يتعذب كيفنا ومبجاش يإذى حدا واصل، فوج بس وجوم غسل وشك وتعالى نفرحوا الولاد بخبر خطوبة ناجى والمحروسة بتك، عايزين نفرحوا شوية، بكفايانا حزن عاد.

هز (عسران)رأسه ونهض يتكئ على عصاه ببطئ، يمشى بخطوات حزينة تحمل هما لا ينقضى، يتابعه (عويس)وهو يدرك مع كل خطوة ان هناك شيئ قد حدث فى تلك الساعات القليلة الماضية، شيئ كدره وكسر ظهره هما، لايريد البوح به فى الوقت الحاضر ولكنه سيبوح به قريبا، فالهم مثل شيئ سام ابتلعته فوجب أن تلفظه خارجا وإلا دمر جسدك وأفناك رويدا رويدا.

قال(عويس):
-خير يابتى؟!
نقلت (فدوى)بصرها بين(عسران)و(عويس)قائلة:
-الحقيقة أنا حبيت أتكلم معاكم على إنفراد لإنى مش عايزة حد يعرف خالص باللى هقولهولكم ده، ولا حتى طنط ثريا أو ولاد خالى وولادك ياعمى.
قال(عسران)بقلق:
-جلجتينا يافدوى، جولى يابتى وسرك فى بير غويط ملوش جرار.
قالت بنبرات حزينة:.

-مكنش قصدى اخبى حاجة عنكم بس ملقيتش الوقت المناسب اللى أحكيلكم فيه، أنا صحيح اتخطبت لابن عمى رحمان، بس غصب عنى وأنا جيتلكم هربانة من عمى وابنه وطالبة حمايتكم منهم.
عقد (عويس)حاجبيه وتبادل نظرات سريعة مع (عسران)قبل ان يعود بنظراته إليها قائلا بغضب:
-هم عملوا فيكى حاجة؟هددوكى، إذوكى، غصبوا عليكى كيف يعنى؟
طالعتهما بنظرات محملة بالحزن قائلة:.

-فى البداية، وبعد وفاة والدتى لما عرض علية عم توفيق انى أتجوز ابنه ممانعتش، انا وحيدة وفى بلد غريبة وابن عمى أحسن من الغريب، بس فى يوم سمعتهم بيتكلموا مع بعض، ومن الكلام فهمت إنهم هم اللى...
صمتت تبتلع غصة فى حلقها وعيونها تغشى بالدموع، ليقول (عسران)متوجسا:
-هم اللى ايه يابتى؟كملى الله يرضى عنيكى.
طالعتهم بثبات وهي تقول:
-هم اللى قتلوا أمى.
ظهرت الصدمة واضحة جلية على محياهما، ليقول (عويس)بجزع:.

-عتجولى إيه يابتى؟حسنة ماتت مجتولة؟وعلى يد توفيج وولده.
هزت رأسها ببطئ حزين قائلة:.

-ده اللى حصل ياخالى، لما عرفت الحقيقة هربت منهم ولما لقونى مقدرتش اقولهم انى عرفت والا كانوا هيقتلونى انا كمان، فاستنيت اول فرصة وهربت منهم تانى وجيت على هنا، على بلد أهلى، قلت هلاقى معاكم أمانى اللى ملقتوش فى الغربة، قلت انكم بس اللى هتقدروا تحمونى منهم، لإنهم هيدوروا علية وأكيد هيوصلولى هنا، أنا مكنتش ناوية أقولكم دلوقت، كنت هستنى الوقت المناسب واحكيلكم على كل حاجة، بس لما قلتم من شوية انكم هتبعتوا لعمى عشان يرجع ونعمل فرح جماعى، لقيتنى مضطرة أتكلم.

قال(عسران)بصدمة:
-معجول توفيج جتل حسنة، معجولة الغربة عتغير الجلوب وتخلى الدم يبجى مية؟
قال(عويس)بصوت حاد كالسيف يمتلئ بالغضب فى طياته:
-عشرب من دمه هو وولده واطفى نارى اللى جادت جوايا، هاخد بتار خيتي منيهم لو هوبوا يمتنا، يمين الله ماعسيبهم الا وهم جاطعين النفس وادفنهم بأرضهم وساعتها هاخد عزا خيتي فى دارى، جلبى جايد نار ياخيتي، جلبى جايد نار يازينة بنتة الجبالى.
قالت(فدوى)بألم:.

-من فضلك ياخالي تهدى وتوطى صوتك، انا قلتلك إنى مش عايزة حد غيرنا يعرف.
ربت (عسران)على كتفه قائلا:
-هدى أعصابك يااخوي، هناخد بتارها وهنريحها فى جبرها بس عايزك تهدى عشان نعرفو نفكروا زين.
هز (عويس)رأسه قائلا:
-هنبعتله ونجيبه هو وولده وهنجتلهم وناخد بتارنا جبل فرح ناجى، انى مش عفرح غير لمن آخد بتاري ياعسران.
هز (عسران)رأسه قائلا:
-عيحصل يااخوي، عيحصل.

لتطالعهما (فدوى)بقلب شعر لأول مرة منذ زمن بأنه صار خفيفا غير مثقل بحقيقة أخفتها بطيات قلبها خوفا وأطلقتها حين شعرت، بالأمان.

جلست تطالع تلك الأزهار الجميلة بشرود حزين، طيفه يحوم حولها، تراه دوما ولكنها لاتستطيع الوصول إليه، يحيطه الجميع عاداها، زوجته ووالدته وأخواته، يساعدونه جميعا ولكنها لاتقوى على مد يد العون إليه، مكبلة بقدرها مرغمة على المكوث ثابتة لا تتحرك وهي ترى ضعفه، تبغى ان يكون كتفها هو من يستند عليه ويدها هي من تساعده على الحركة، ولكن عيون زوجته وبعض المحيطين به تقذفها بنظرات الشك فى اهتمامها به، تتساءل عن دوافعها، تجبرانها على إلتزام جانبها وإدعاء التجاهل وعدم الاهتمام، وكم يصعب على المحب الإدعاء بالعكس، ولكن ذكرياتها المحطمة وتلك الغصة بحلقها والتى تخبرها بإستحالة ذلك الحب يساعدانها بقوة، خاصة و(مهران)يعاملها ببرود شديد وتجاهل متعمد منذ عودته من المشفى.

أفاقت من شرودها على صوت (عزام )وهو يقول:
-علطول إكده شاردة منينا يابت عمتي.

طالعته بهدوء يخفى حنقها من ملاحقته الدائمة لها منذ عودتها لبلدتها، يظهر اهتمامه ورغبته فيها دوما بكلماته المبطنة ونظراته الصريحة الراغبة، رغم انه رجل متزوج من إمرأة جميلة، تصده(فدوى) دوما بهدوء وروية، لا تبغى أن تفقد آخر سبل الأمان بالنسبة إليها، لا تبغى أن تخلق نزاعا لا داعي له، فيبدوا ان نسوة العائلة لايتقبلنها بينهن، يغرن على أزواجهن بالتأكيد، رغم أنه لاذنب لها فى أنها تجذب إليها الرجال كما تجذب النار الفراشة، ولكنها هي من تحترق.

أشاحت بوجهها قائلة بهدوء:
-لما بفكر بحب اكون لوحدى عشان أقدر آخد قرارى صح.
جلس قائلا:
-طب ماتشاركينا أمورك، مش جايز نجدروا نشورك وندوكى النصيحة الزينة.
نظرت إليه قائلة بإبتسامة باردة:
-مع الأسف مبحبش أشارك حد فى قراراتى، قرارى لازم يكون من هنا، من هنا وبس.
كانت تشير لعقلها وهي تتحدث، ثم اردفت وهي تنهض قائلة ببرود:
-عن إذنك، هروح لطنط ثريا لإنها كانت عايزانى.

تركته مغادرة بهدوء، يغلى غيظا لتجاهلها إياه على هذا النحو وصدها الدائم له، بينما هناك من كانت تتطلع إليهما وتنقل بصرها بين تلك المغادرة بملامح حانقة وبين ذلك الذى تجهمت ملامحه، تدرك ان تلك الفتاة أصبحت خطرا على زواجها لابد لها من الخلاص منه قبل فوات الأوان.

أخذ نفسا من سيجارته وأطلقه بقوة، مازال مختنقا ولم تريحه أنفاسها كما إعتقد انها ستفعل، هبط من سريره وإتجه إلى الشرفة يحاول أن يدخل بعض الهواء إلى صدره المختنق، فرك سيجارته فى سور الشرفة، ثم القاها بقوة، يود لو ألقى بهمومه مثلما ألقى بسيجارته بعيدا، لتختفى وتريحه بدورها.

حانت منه نظرة إلى الحديقة فرآها تغادر بخطوات سريعة حانقة بينما يتابعها(عزام)بعينين غاضبتين وملامح متجهمة، عقد حاجبيه بشدة، يتسائل عما دار بينهما من حديث، يشعر بغيرة حارقة تسود كيانه، تبا، ماذا دهاه؟
ألم يقسم على نسيانها؟!
ألم يعد نفسه أنه سيقتل حبها فى قلبه؟!
سيحرقه حتى يصير رمادا تزروه الرياح؟!
ألم يقسم على أن يكون لزوجته قلبا وقالبا؟!
ولم يفى بكل قسم أقسمه حتى الآن..

فحتى زوجته، لم يعد يقربها وقد بات طيف حبيبته يحوم بالاجواء، يجبره على أن يكون راهبا فى محرابها وفى محرابها سيظل متعبدا حتى تنظر فى أمره او يفنى ويزول ويظل عشقه ذكرى لا تزول، يرى الظنون تعصف بقلب زوجته وتطل بعينيها، يتعلل بمرضه فتتظاهر بالتصديق ولكنه بات يدرك سكناتها، هي لا تصدقه ولكنها تتظاهر بتصديقه إرضاءا له وهذا يزيده ألما ويغمره فى أتون الذنب وجحيم الأسف.

زفر بقوة قبل ان يدلف إلى الحجرة ويرتدى ملابسه إستعدادا للخروج فقد بات لايطيق وجوده معها فى مكان واحد، ولكنه توقف وظنونه تجتاحه، إلى أين المفر؟وهو فى كل مكان تطارده بطيفها..
ألم يكن مريضا فى المشفى وحلم بها بجانبه؟!
ألم تمسك بيده وتسأله السماح؟!
ألم تقل له أنها تحبه وأنها خدعته فقط لإنه لم يعد لها، بل صار لأخرى غيرها؟!
ألم تخبره بأنها ماإبتعدت سوى لإنها تخشى عليه من هلاك وثأر يحاوطها من كل جانب؟!

ألم يتخيل كل ذلك واهما ليعلل لها خيانة تمزق قلبه وتحطم كيانه؟!
تصرفاتها تدحض أوهامه..
تجبره على أن يكذب عيناه التى رأت نظرة العشق ممتزجة بخوف ولهفة فى عينيها حين رأته ينزف دما..
يكذب قلبه الذى يقسم ان عشقها كان صادقا فى روما وكان صادقا فى تلك اللحظة التى جثت فيها بجواره تمسح دمه بشالها..

جلس على سريره مجددا وألقى بظهره على سطحه، يغمض عيناه حتى تختفى صورتها التى تمثلت أمامه فوجدها هناك أيضا، بين جفونه، وكأنه حقا لا مهرب منها سوى إليها هي، شذاه.

قالت (بدارة)ل(زهرة):.

-والله ياخيتي كيف مابجولك إكده، كنها ساحراله، من لمن إطلع فيها وهو بجى واحد تانى غير سى مهران اللى عرفته وحبيته، علطول شارد فى أوضتنا ومعيطلعش لية واصل، ولما باجى اتحدت وياه عيبصلى وكأنه مشايفنيش، طب اجولك حاجة، إنتبهى إكده لما يجمعنا موكان وشوفيه كيف عم يسترج النظرات ليها وكنها عتجذبه كيف النداهة لجل يطلع فيها، وشوفيها كمانى كيف عتبحلج فيه كن مفيش حدا غيره فى جمعتنا، أنا جلبى جايد نار يازهرة، الغيرة عتاكلها وكل، وجتتي عتجيد فيها النار.

لم تستطع (زهرة)ان تنكر كل ماتخبره بها زوجة أخيها، فهي تلاحظ كل ذلك بنفسها إلى جانب ذلك الحديث التى تبادلته مع(محمد)وجعلها تدرك قصة العشق بين أخيها و(فدوى)، لا تستطيع ان تلومهما على مشاعرهما التى تبادلاها قبل أن تفرق بينهما القسمة ويبعدهما النصيب، ولا تملك سوى التعاطف معهما ومع (بدارة)التى لاتعلم شيئا عن ماضيهما لتربت (زهرة )على يدها قائلة:.

-خليكى عاجلة يابدارة ومتعمليش مشكل من مفيش، كلاتها يامين وهنعاودوا البلد وكل حدا فينا هيبجى فى ناحية، ده غير إنها موعودة لابن عمها وفرحها عليه عن جريب مع فرح خيتي وناجى خيك.
تنهدت (بدارة)قائلة:
-ماهو ده اللى عيصبرنى يازهرة، جاعدة أجول كلاتها يامين وعتغور من كدامى وعرتاح من الهم التجيل ده بجى وتبرد نارى.
دلفت(فضيلة)فى تلك اللحظة تزبد وترغى وتتمتم بكلمات حانقة فتطلعا إليها بدهشة قبل أن تقول (بدارة):.

-مالك ياخيتي؟داخلة علينا كيف الوابور الوالع ليه اومال.
تطلعت إليهما (فضيلة)قائلة:
-مش عارفة طلعتلى من أي داهية المدعوجة دى؟عتخطف راجلى وأنا واجفة إكده، مش عارفة أسوى أي شي.
عقدت (زهرة )حاجبيها قائلة:
-عتجصدى مين ياخيتي؟
تخصرت(فضيلة)قائلة بحنق:
-هجصد مين غير الخواجاية اللى طبت علينا كيف الجضا المستعجل وجننت جوزى وخليته داير وراها كيف، ولابلاش أهو بردك جوزى ومعيصحش أعيب فيه.
قالت(بدارة)بحنق:.

-تجصدى فدوى، هي معتعتاجش حدا واصل، مهران جوزى وخيي عزام، خلى بالك يازهرة لتلوف على محمد هو التانى وتلهفه منيكى.
نهضت (زهرة)قائلة:.

-لا حول ولا جوة إلا بالله، بعدوا الشيطان عن عجولكم وسيبوا البنية فى حالها، انى مشفتش منيها حاجة عفشة لاسمح الله وكلاتها يامين وهتتجوز وتعاود بلاد برة من تانى، متخربوش على نفسيكم أومال، انى ماشية هروح أشوف امى فى المطبخ جايز عتعوز منى أساعدها فى حاجة، محمد فى الفندج مع ناجى عيطمنوا عليه وياجوا وانتوا كل واحدة تروح تشوف جوزها وبطلوا كلامكم الماسخ ده عاد.

غادرت تتابعها عيون (بدارة)و (فضيلة)التى قالت بسخرية:
-بكرة عنشوفك لمن تلوف على جوزك، وجتها عتجولى ان احنا كنا على حج وياريتنى سمعت حديتهم.

كان يناديها كالمغيب...
نوار انتى فين يانوار؟!
لو لفوا الدنيا كلاتها معيلاجوا حدا بيحبك كدى..
ميتة هتاجى وتبردى نارى ياميتي وزادى..
اتأخرتى علية كتير وجلبي عيحس كيف اليتيم فى العيد..
لافرح عيدخله ولا سعد، بس حزين وشايل الهم...
عاوديلى يانوارة جلبى وردى فية الروح...
عموت بلاكى يامهجة الجلب.

نزلت دموع (عوالى)وهي تستمع إليه بينما ترفع عن جبهته تلك القماشة المبللة، وتغمسها فى بعض الماء، ثم تضعها على جبهته مجددا لتخفف حرارته المرتفعة بشدة بينما ينادى على حبيبته بصوت يقطع نياط قلبها، تبكى قلة حيلتها امام مرض ولدها بسبب فقدانه حبيبته..
مأساتها تتكرر من جديد...

فعندما تعشق وتفقد من تحب، يقتل العشق قلب وجسد العاشقين، فمنهم من يستسلم لسكينه ليذوى ويموت ومنهم من يقاتل كي يعيش كما فعلت هي ولكن يبدو ان ولدها اضعف منها قوة وأقل همة، ولكنه يظل ولدها الذى ستحارب الجميع من اجله وستنتقم له ولها، وستبدأ بحرق قلوبهم عندما تحرق ما يعدونه فخرهم وأغلى مالديهم، لا، ليس ولدهم، فسينتظر قليلا حتى يكتمل عمله الذى تعده بكل ماتملك من سحر لتقضى تماما عليه وستكتفى الآن، بفندقهم.

كان الجميع مجتمعون يتناقشون فى تفاصيل حفل (ناجى) و (راوية)التى ظهر عليها الخجل، فإكتفت بإبتسامة خجول وإيماءة برأسها على مايقولون، بينما يتطلع إليها( ناجى )بنظرات مسترقة، يزداد إعجابا بها مع كل لحظة تمر، حتى جاء الحديث عن المسكن، فأخبرهم (ناجى)انه خلال السنة الدراسية يقطن فى الاسكندرية، بجانب مكان عمله بالجامعة وفى الإجازة يعود لبلدته وبالتالى ستعيش معه (راوية)، تتنقل بين الاسكندرية وكفر الجبالية، كادت (ثريا)ان تعترض، لا تريد ان تبتعد عنها ابنتها مدة طويلة بين جنبات بلد غريب عنها، ولكن نظرة واحدة من (عسران)جعلتها تبتلع إعتراضها بجوفها وتحمد الله على زواج ابنتها الصغرى كما زوجت الكبرى من قبلها وقد كادتا ان يظلا إلى جوارها ويحصلان على لقب (عوانس هوارة)، لولا ان أبطل هذا السحر الذى أصابهما على يد أولاد (الجبالى)، وإلا لكانت الآن مع (زبيدة)تلف بإبنتيها على أضرحة اولياء الله الصالحين تسألهم صلاح حال بناتها كما تفعل زبيدة مع (نوار) منذ يومين، رنين هاتف(مهران)جعله يستأذن بالرد عليه فنهض مبتعدا عنهم قليلا، عادوا إلى حديثهم بينما تعلقت عيون(فدوى)ب(مهران) تتابع ملامحه التى تحولت فى البداية من ملامح مصدومة إلى غاضبة ثم أغلق الهاتف لتشيح بنظراتها عنه على الفور ولكنها تقابلت مع عيون أخرى رمقتها بغيرة امتزجت بحدة جعلتها تطرق برأسها فى خجل، بينما إقترب (مهران)منهم قائلا بسرعة:.

-أنى لازمن أروح الفندج وحالا، بعد إذنيكم.
نظر إليه الجميع ليدركوا من ملامحه الشاحبة أن هناك خطب ما، قال والده متوجسا:
-خير ياإبنى؟! حوصل حاجة؟
قال (مهران):
-جناح فى الفندج النار جادت فيه ولولا العمال اتصرفوا بسرعة وطفوه كان الفندج كله إتحرج بس ربك لطف.
تنفس الجميع الصعداء بينما أردف (مهران) قائلا:.

-المشكلة إنه الجناح الملكي واللى الامير حاجزه آخر السبوع ده عشان يجعد فيه وهو ومرته، ولازمن يكون جاهز جبل ماياجى ومفيش مهندس ديكور هيجدر يخلصه فى يامين تلاتة بالكاتير، فعروح أشوف حدا يجدر حتى لو هندفع الطاج تلاتة، المهم نوفى بإلتزاماتنا.
لم تدرى كيف واتتها الشجاعة لتقول بثبات:
-وليه ندور على مهندسين ديكور وأنا موجودة؟زودونى بعماله كويسة وفى خلال يومين بالكتير هرجع الجناح احسن من الأول بإذن الله.

رمقها الجميع، مابين عيون دهشة وعيون حاقدة وعيون لاتدرى لما يزداد صاحبهما إعجابا بها بينما من المفترض أن يكرهها خاصة فى تلك اللحظة التى ادرك فيها أنه أحبها دون أن يعلم عنها شيئا، سوى أنه عشق روحها فحسب.
قال(عسران)بدهشة:
-انتى مهندسة ديكور يابتى صوح؟
هزت رأسها بثبات بينما تتقافز دقات قلبها توترا من تلك النظرات التى انصبت عليها، ليردف (عسران)قائلا:
-وعتجدرى تجهزى الجناح فى يامين؟

هزت رأسها مجددا قبل ان تقول:
-اقدر بس يكون تحت إيدى عمالة كويسة ونشيطة زي ماقلت.
قال (عزام):
-صديجى إهنه عنده شركة توظيف عمالة منيحة جوى ومشهورة كمان بنشاط عمالها و إلتزامهم كمانى، أجدر أكلمه وأخليه يشيعلي احسن ناس عنديه، يشتغلوا تحت يدك حالا يابت عمتى.
هزت رأسها بينما قال(عويس)بإستحسان:
-عتستنوا إيه عاد؟شهلوا وخلصوا جناح الفندج، ربنا يوفجكم كلياتكم وييسر طريجكم ويسهل مهمتكم ياولادى.

تبادلت كل من (فضيلة)و(بدارة)النظرات بخوف، يخشون اجتماع تلك الفتاة مع ازواجهما بعيدا عن أعينهما، بينما لعن(مهران)كل مايحدث واضطراره لإصطحابها معه من أجل سمعة فندقهم التى على المحك هنا، يود لو كان هناك حل آخر ولكن للأسف، لا يوجد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة