قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

المجبرون على المُضيّ قدما، أولئك المثقلون بالهموم الذين ملأتهم الصدوع وتجرعوا من الحياة مايكفيهم من المرارة، حين يأتيهم الجبر ترى أعينهم تفيض نورا كأنهم غمسوا في نعيم الجنة، أولئك هم المتميزون والمخصصون بقلوب نقية متسامحة مؤمنة بقضاء الله وقدره.

ولم تكن مهمة (مهران) لتخطي ضعفه وحزنه وتلك المرارة التي يغص بها لا هي تخنقه ولا هي تجعله يتنفس فيحيا بالمهمة السهلة، ولأنه ولد قائدا و سند للعائلة وحاميها يتوجب عليه تجاهل إنفعالاته حتى يجد حلولا ينهض بها من مشاكله.
عاد إلى منزله مكسور الخاطر مزعزع النفس تختنق الكلمات بحنجرته والأنظار الموجهة نحوه تستحثه على الكلام، قذفت والدته سؤالها ليخترق وجدانه:
-مفاهماش حاجة واصل، حبسوا عمتك ليه يامهران؟

قال(مهران):
- حاجة بسيطة ياأماي، هما خدوها عشان يستجوبوها في قضية إكده لواحد حدانا بالكفر لجوه مجتول.
قالت (ثريا):
-وهي صالحها إيه بالمغدور ده ياولدي؟ مش مطامنة حاسة في حاجة كبيرة.
قال(مهران) بنفاذ صبر:
-كان طلب يد نوار وبيحبها، فجالوا يمكن تعرف عنيه حاجة.
قالت (راوية):
-إهدى بس ياخوي، الموضوع غريب حبة اكمننا ماسمعناش جبل إكده أنه حدا طلب نوار.

أراد (ناجي)أن يقول شيء لكن (مهران) نهره بعينيه قبل أن يزفر قائلا:
-عمتي مكنتش موافجة، راجى ابن مرة شينة بتشتغل في السحر والشعوذة.
قالت(بدارة):
-وه وه، سحر وشعوذة!
قال(مهران):
-إيوة، أمه عوالي كانت عارفة إن عمتي مرايداش الجوازة دى فإتهمتها بجتل ولدها وجتل الحرمة اللي كانت معاه كمان.
تبادل كل من(محمد)و (زهرة)النظرات حين ذكر إسم (عوالي)، بينما مالت (بدارة) على(فضيلة) تقول بسخرية:.

-شفتي، كنتي عاوزة تروحي لعوالي، اهو جاك خبرها ياحزينة.
قالت(فضيلة)هامسة بوجل:
- الله هدانا الحمد لله وبعد عنينا السو ده.
قالت(ثريا)بمرارة:
-لا حول ولا جوة إلا بالله، طب هنعملوا إيه دلوك؟ عمتك مالهاش صالح في المصيبة دي، ومين الحرمة دي كومان؟
أمسك( مهران) ذلك الجسر مابين حاجبيه قائلا بمرارة:
- خير ان شاء الله يا ماي ماتجلجيش.
كانت (فدوى) تترجم ل(ناتالي) حديثهم، لتقول(ناتالي)شيئا، لتقول بصوت متحمس:.

- والله ممكن!
طالعها الجميع فظهر التوتر ممتزج بالخجل على ملامحها وهي تردف قائلة:
-أنا آسفة، كنت بقول لناتالي على اللي حصل.
طالع(مهران) (ناتالي ) فقالت:
- عائلة القتيلة أو زوجها ماذا سيكون موقفهم من هذا الأمر، ربما يتهموننا بالقتل ويسعون للثأر كما يشاع عن أعرافكم؟
لمعت عيون(مهران) وظهر عليه التفكير بينما قالت (ثريا)بحنق:
-ماتفهمونا عاد، جالت إيه الحاجة متوالي؟
قال(مهران)موجها حديثه ل(ناجي):.

- هنعاود المركز يا ناجي يلا بينا ياخوي!
خرجا من المنزل واستقلاّ السيارة فأردف( مهران):
أهل الضحية موقفهم ايه من الجضية ياناجي.
التفت نحوه (ناجي) وقال:
أهلها مش من اهنا ياخوي، من الفلاحين بس جوزها ماظهرش وأهل البلد كلاتهم عرفوا بلي حصل، غريبة ولا اكمنها ماتت خاطية، ما يمكن يكون...
قاطعه (مهران) قائلا:
عنشوف لمن نوصل المركز لو مشتبه فيه هو كمان ولا عمتي ادبست بروحها.

وقتذاك كانت (نوار) جالسة في غرفتها دون روح، فهمست( ناتالي )ل(فدوى) أن تنظر في أمرها لتواسيها حتى لا تختنق بوحدتها ومصابها، بينما نهضت (زهرة) بعد أن نظرت لزوجها بضيق وهو منشغل بتفقد هاتفه وعلى وجهه إبتسامه عريضة قائلة:
-هجوم أعملكوا شاي وأحضر لجمة ناكلها جبل ما نروح المستشفى ونجيب أبويا على البيت.
فأردفت (بدارة)وهي تنهض بدورها:
-إستنيني ياخيتي جاية معاكي هساعدك.

تبعتها خطوتين ثم مالبثت أن ناداها (محمد ) ثم إقترب منها والسعادة تشع من وجهه وسحبها لتجلس مجددا ليقول والده:
سحبها إكده ليه ياولدي؟
فأجابه( محمد) والإبتسامة البلهاء تطفو على وجهه:
عتبجى جد يابوي، زهرة حبلى والله العظيم!

تعالت أصوات الضحك الممزوجة بالمباركات كما تعالت الكلمات الساخرة عن(محمد) على تعبيره عن سعادته بتلك الطريقة الطفولية ومع ذلك لم يهتم كان يحدق فيها بإمتنان و وله كأنها هناءه وسبب سعده على الأرض.

الخطيئة تلتف حول صاحبها كما تلتف عقارب الساعة لتنتهي إلى الصفر وغالبا مايكون الصفر نقطة البداية.

كانوا يتناوبون على الحراسة، يتفرسون في المدى البعيد بعيون الصقر، حين يراقبهم أحدا، يرى على ملامحهم قلوبهم المتحجرة السوداء كأنها مقبرة قُبِرَت فيها جميع عواطفهم فأضحوا جمادات لا تهاب شيء، ولكن بنظرة قريبة في أعينهم تلاحظ على أبصارهم فزعا من القادم المجهول إنهم مطاريد الجبل البعض منهم متهم في قضايا قتل وسرقة وسلاح، هربوا إلى الجبل خوفا من العقاب، تبرأ منهم الأهل فجعلوا من أنفسهم عائلة تخاف على أفرادها وتحميهم بكل قوة.

كان (مرزوق) يجلس على صخرة قريبة، مطرقا رأسه في الأرض، يضع كلتا يديه على رأسه، إقترب منه رجلا ملثما يحمل سلاحا على كتفه، ما إن وقف أمامه حتى نهض (مرزوق) قائلا بلهفة:
-إيه الأخبار ياعلوان؟ طمني ياخوي.
أزاح عنه لثامه وهو يجلس قائلا:
-إستنى بس يامرزوج، آخد نفسي وأشرب كباية شاي وآكل لجمة، أني على لحم بطني من صباحية ربنا.
جلس (مرزوق)بجواره قائلا:.

-هجهزلك تاكل وأعملك أحلى كباية شاي، بس الله يرضى عنيك طمني للول، أعصابي شاطت.
قال(علوان) بإبتسامة:.

-إطمن يامرزوج، الجضية لبست الولية اللي إسمها زبيدة دي، يعني تجدر تعاود لأرضك وأهلك، ماهو أنت بردك مينفعش تفضل غايب إكده، الشكوك عتحوم حواليك، إهنه ناس إتاخدت غدر وناس إتحكم عليها ظلم وناس إتورطت لإنها مش لاجية توكل ولادها، والكل مش عارف يعاود بلده، بس انت جاتلك الفرصة تعاود لأهلك وأرضك، وبعدين أني عاوز أعرف إنت ليه هربت بعد ماجتلتهم؟ده لو حتى مكنوش جبضوا على الولية دي، وجبضوا عليك إنت، كنت عتخرج بأجل حكم، دي جضية شرف ياولد.

قال(مرزوق)بخوف:
-أني مخفتش من الحكومة ياعلوان، أني خفت من أم المحروج اللي جتلته، عيجولوا عليها ساحرة واعرة جوي ومكنتش عتسيني في حالي.
قال(علوان)بحنق:
-عتخاف من مرة يامرزوج؟!
قال (مرزوق)بوجل:.

-انت معتسمعش عن اللي بتعمله ياعلوان، صدجني أني شفته بنفسي مع ولد عمي نوح، خلت مرته تصير خدامة تحت رجليه و تكتبله أرضها كمان اللي عمرها ماكانت راضية تفرط فيها وجومت الجيامة على عمها عشان تاخدها منيه، قال ريحة أبوها.
قال(علوان) بسخرية:
-ولما أنت مآمن بكراماتها، مروحتلهاش ليه أنت كمان تخلي مرتك إكده برديك؟
قال(مرزوق)بحسرة وقد غشيت عيونه الدموع:.

-كنت بحبها ياعلوان، وثجت فيها بس طلعت ناجصة وماطمرش فيها المعروف.
ربت (علوان)على كتفه قائلا:
-متحزنش يامرزوج على جليل الأصل والخاين، أهي غارت في ستين داهية، جوم غسل وشك وعاود لأهلك وهم يجوزوك ست ستها.
نهض (مرزوق)قائلا:
-توبة ياخوي، مبجتش آآمن لصنف الحريم واصل.
ثم سار بإتجاه المغارة بينما يتابع (علوان) خطواته المنكسرة، ليتنهد في حسرة قائلا:.

-لا حول ولا جوة إلا بالله، أصعب حاجة إنك تتخان من حدا بتحبه، وجتها بيكون الموت أهون من ضربة غدر عتخليك كيف الميت وإنت حي.

بعض الجبر يأتي كالنور يزيح ثقل الهموم والجبر الذي أنار بيت الهوارة والجبايلة معا كان خبر حمل الكنائن، (بدارة)أولا وهاهي (زهرة )أيضا تنتظر مولودا بدورها، أجلت (فدوى) الاطمئنان على (زهرة) ودخلت المطبخ تساعد( بدارة ) في تحضير الطعام بينما انشغلت الخالة (حورية ونفيسة )في التحضير لإعداد وليمة كبيرة، أخذت( فدوى) تقشر الخضروات بينما قالت:.

هنقدر في يوم نتعامل على أننا بنات عم وننسى إن بينا راجل يابدارة؟
ابتسمت (بدارة) بمرارة وقالت:
هتجدري يافدوى؟
والتفتت نحوها فأهتزت( فدوى )وقد جرحت أصبعها فأردفت( بدارة )وقد ناولتها منديلا لتلفه على اصبعها المخدوش:.

شفتي الخدش اللي بينزف ده يابت عمتي، ده هو هو اللي بيعمله فيا حبك لجوزي، العشج اللي بينكم بيدبحني بس متحملة وجاية على كرامتي ونفسي وراضية بكل حاجة مش ضعف مني، لاه جوة ياخيتي! مش هتفهموني كلاتكم أما أنا فهماكم زين عشان أكده صابرة يمكن ياجي يوم يحبني.
فقالت (فدوى) والدموع تنساب من عينيها:
هو بيحبك يابدارة!
تنهدت قائلة:
بيحبني عارفة بس مش زييكي!
بادلتها (فدوى )الابتسامة واردفت:.

واحدة غيرك كانت سابته، متحملة ازاي بس؟
عادت (بدارة) لتقلب الطبخة التي بين يديها وزفرت بعمق وقالت:
آه، آه، متحملة كيف ما انتي متحملة تشوفيه معاي، متحمله كيف ماانتي عارفة اني حامله ولده، متحملة كيف ماانتي عارفه إنه بيجاسمني حبك..! الحب إكده يافدوى!هو اللي بيخلينا نستحمل..

اقتربت منها (فدوى )وعانقتها وهي تطلب الصفح منها، كل منهما تحمل حبا كبيرة وغيرة كبيرة وتسامحا أكبر، يبدو أمرهما غريبا لكن حبهما نقي خال من التملك والأنانية، صادق لحد التضحية، قوي لحد التجلد على الظلم..
أزاحتها (بدارة) برفق وقالت ملاطفة:
عجلي، لو الخلج اللي برا جاعت معينفعناش لا مهران ولا حبه هيكلونا من غير ملح، خواتي لوحدهم كائنات مفترسة اه والله كيف مابجولك إكده..

ابتسمت الفتاتين وعادت كل منهما لتنهي ماتفعله وبعد قليل خرجت (بدارة) لتقول:
-الوكل جاهز ياأما، يلا ناكلوا لجمة ونروحوا على المستشفى، أبوي الحاج عسران عيفرح جوى لما يعرف بالخبر ده.
نهضت (ثريا)قائلة:
-يلا ياجماعة شهلوا خلينا نفرحوا الحاج.
نهض الجميع، ماعدا (زهرة) التي قالت لزوجها:
-مليش نفس يامحمد خليني آني إهنه، لمن تخلصوا وكل.
قال(محمد):.

-يمين الله ماتدخل لجمة جوفي جبل ماتاكلي وتوكلي إبننا جومي يازهرتي إفتحي نفسي، ربنا يباركلي فيكي ويديمك نعمة فوج راسي طول العمر.
إبتسمت (زهرة)بحب قبل أن تنهض وتسير بجواره لتميل (فضيلة)على(عزام)وتقول له هامسة:
-مجلتليش إكده ليه ياعزام لما عرفت إني حبلى؟
قال(عزام)بإستنكار:
-وه وه، طب إفرضي أبواب السما كانت مفتوحة، كنت عتدبس إياك.

لتطالعه بدورها بإستنكار فسبقها لطاولة الطعام، فعادت هي بنظراتها إلى (محمد)و(زهرة)، تتطلع إلى أيديهما المتشابكة بحسرة، قبل أن تمشي بدورها بخطوات بطيئة، تطرق رأسها بحزن.

يعلو عويل الشر في النفوس الحاقدة كما يرتفع عويل الذئاب ليلة البدر، لن يكون هناك وصف لحالة( عوالي )بعد أن فقدت وحيدها إلا كذئبة مجروحة تزمجر شررا مستعدة لتفتك بأي طيف تلمحه..
وسط عقاقيرها كانت تجلس ويالا حظها والقمر بدرا ينتصف السماء في ليلة جليدية
توعدها ل(مهران) أصبح هوسا تحيا من أجله
طقوسها التي أعدتها بتفان وشياطينها الحائمة حولها ينتظرانها لتشرع في انتقامها..

تنهمر دموعها كسيل عرم تنعي طفلا أنجبته وربته ليصير رجلا وسندا لها فقتلته سكين الغدر تاركا إياها تشعر بالوحدة والإنكسار لأول مرة بحياتها.
أمسكت خاتم (مهران) وتطلعت إليه بعينين زائغتين وهي تقول بصوت مهتز:.

-جتلتوا ولدي، خدتوه مني وحرجتوا جلبي عليه، منكوا لله ياهوارية، منكوا لله، أني لازمن أحرج جلبك ياعسران على ولدك وبعديها عحرج جلب زبيدة على بتها وأبرد ناري الجايدة في جلبي ومارايداش تنطفي واصل، خلاص مبجتش رايدة ألعب وياكم وأنتجم منكوا بالبطيء، أني رايدة الخلاص لروحي اللي عتفط من صدري ورايدة تخرج من جتتي وتحصل ضنايا ومعسيبهاش تفط جبل ما آخد روحكم ياولاد هوارة.

تصاعدت رائحة كريهة للغاية لم تأبه بها وكأنها إعتادتها، ثم قربت الخاتم من القدر وكادت أن تلقي به، لولا دخول (مصيلحي) إلى المكان وسعاله الذي صدح فجأة من تلك الرائحة العفنة، لتقول (عوالي)هادرة:
-إيه اللي جابك دلوكيت يامصيلحي؟أني مش جلتلك متفارجش المركز جبل ماتجيب لي حاجة من جطر المحروجة زبيدة.
قال (مصيلحي)من بين أنفاسه المختنقة:.

-مطلعتش هي اللي جتلته ياستنا، جبضوا على الجاتل الحقيقي، مش هتصدجي يبجى مين.
تقدمت منه (عوالى)قائلة بعيون إلتمعت شرا:
- هي زبيدة، مين عيتجرأ يجتل كبدي غيرها؟ مين ماكان اكيد هي اللي وزته يجتل، تاري هاخده منيها مش من حدا تاني.
قال(مصيلحي)بخوف:
-مرزوج جوز الحرمة اللي انجتلت مع راجي الله يرحمه ويغفرله، في شهود شافته يمة الكوخ، الشرطة بعد ماحججت وصلت ليه، هو الجاتل زبيدة مالهاش صالح بولدك.

لتتسع عينا (عوالي)، بصدمة.

في روما...
دلف (رحمان) إلى حجرة مكتب أبيه لينهض الأخير قائلا بلهفة:
-ها، وصلت لحاجة؟عرفت راحت فين؟
قال (رحمان) بحنق:
-دوختني معاها وكأنها المرأة الحديدية اللي مش هعرف أطلع منها إجابات أسئلتي مهما عذبتها، منطقتش غير لما هددتها بإني هموت حبيبها جون، وقالتلي إن الهانم راحت على أسوان راحت لأهل مامتها هناك.
إمتقع وجه (توفيق)وجلس قائلا:
-راحت عند همام وعويس، يبقى روحنا بلاش يارحمان.

عقد (رحمان)حاجبيه قائلا:
-قصدك إيه يابابا؟
قال(توفيق):
-انت متعرفش عيلة الجبالي دى عاملة إزاي دول مفيش عندهم رحمة وكلامهم بالسلاح والدم هنجيبها من هناك إزاي بس؟
قال(رحمان):
-بسيطة، هننزل البلد وهنروحلهم هناك، هقولهم إني عايز خطيبتي وإنهم لازم يرجعوهالي.
قال(توفيق):
-إنت مخلول إياك؟
طالعه (رحمان)بدهشة، يدرك أن أباه الآن في قمة غضبه حيث تتحول لهجته تلقائيا ويعود إلى أصله، ليقول بصوت وجل:
-ليه بس يابابا؟

قال(توفيق):
-انت عارف لو همام أو عويس عرفوا إننا قتلنا أختهم هيعملوا فينا إيه؟هيموتونا بطريقة عمرك ماسمعت ولا هتسمع عنها.
قال(رحمان)بخوف:
-وهو إيه بس اللي هيعرفهم؟
قال(توفيق):
-المحروسة خطيبتك.
قال(رحمان):
-وهي هتعرف منين بس؟
قال(توفيق) بحنق:
-ماهي أكيد عارفة، أمال بتهرب مننا ليه يافالح؟
قال(رحمان):.

-لأ إطمن متعرفش، فيفيان قالتلي إنها بتهرب عشان مش عايزة تتجوزني مش طايقاني يعني ومعتقدش إن فيفيان ممكن تكدب وهي عارفة اني ممكن أقتل حبيبها، يبقى نطب على البلد وأطالب بيها، وحتى لو رافضة فأعتقد إن قانون بلدنا إن البنت لإبن عمها واللي بتتحامى فيهم دول هم بنفسهم اللي هيغصبوا عليها تتجوزني ولا إيه رأيك يابابا؟
ظهر التفكير على (توفيق)للحظات قبل أن يرفع عيناه إلى ولده قائلا بإبتسامة:.

-عفارم عليك يارحمان، معاك حق طبعا، أنا هبعت حد البلد يشوف الأخبار، ولو كله تمام يبقى هنسافر ونعمل كدة، أما لو الحال معجبناش فبناقصها الجوازة دى وربك يعوض علينا بقى.
قال(رحمان) بثقة:
-بكرة تشوف إن إبنك كان معاه حق وإن مرواحتنا البلد هتبقى في صالحنا مية في المية.
هز (توفيق)رأسه وهو يقول:
-هنشوف يارحمان، هنشوف.

في المستشفى...
قال (مهران) لأبيه:
-خلاص ياأبوي، غمة وإنزاحت، ناجي مع عمتي بيخلصوا إجراءات الإفراج عنيها وعيطلعها بإذن الله.
قال(عسران):
-الحمد لله.
ثم أردف بحزم:
-خدني على البلد يامهران، دلوك!
قال (مهران)بإستنكار:
-آخدك إزاي بس يا بوي؟إنت لساتك تعبان.
قال(عسران):
-إسمع الحديت ياولدي ومتتعبنيش معاك، أني عايز أرجع البلد طوالي.
قال(مهران) بتفكير:.

-هو الشيخ وهدان كلم الحاج عويس وجاله إن البيت صار جاهز، بس انت صحتك لساتها...
قاطعه (عسران)بنفاذ صبر قائلا:
-جلتلك رجعني البلد يبجي ترجعني من غير حديت ماسخ.
وضع يده على قلبه وشحب وجهه قليلا فقال (مهران)على الفور بوجل:
-خلاص يابوي هنعاودوا البلد، هدي حالك بس، ثواني عتصل بيهم وأجولهم يحصلونا على هناك.

أشار له سامحا ليرفع هاتفه ويتصل بوالدته بينما وضع (عسران)يده على قلبه يمسد عليه عله يخفف هذا الوجع الذي يشعر به وكأن سكاكين صغيرة تخترقه وتجعله ينزف دون رحمة، نزيف الندم.

نتألم كثيرا عند الفراق وتصرخ روحنا وجعا، فقد خسرناهم ورحلوا، فأظلمت الدنيا فجأة وضاقت بنا، فلن يعودوا مهما توسلنا ولن يرجعوا مهما ندمنا وبكينا، لقد شيعنا راحة قلوبنا مع تشييع جثمانهم، ولم يبقى لنا سوى ذكرى تؤرق مضجعنا وتحرمنا النوم.

كان (مهران)يجلس في سيارته ينقر على مقوده بعصبية بينما يجلس والده أمام قبر هذا الرجل الذي قتل غدرا، بعد أن أجبره والده على السؤال عن مكان دفنه وإصطحابه إليه ثم تركه وحيدا رافضا رغبة (مهران) بالبقاء معه، لا يستطيع تفسير رغبة والده الغريبة تلك وجلوسه أمام القبر مطرق الرأس، شاحب الوجه كالموتى، يهتز جسده كما لو كان يبكي، يكتفي بمراقبة والده بصمت، يعجز عن فعل أي شيء آخر.

رفع (عسران)كفه ومسح دموعه، مد يده يلمس هذا اللحد الذي ضم جسد ولده، الذنب يقتله، يجبره على الاعتراف بأنه كان بالإمكان تغيير المصير لولا جبنه وأخطائه الكثيرة، ذكريات ذاك الماضي تقتله، وتطفيء أنوار الأمل بقلبه الذي يغرق في ظلمات اليأس، تجعله يدرك كم كان ضعيفا ولم يزل.
ربت على لحد ولده قائلا بنبرات متهدجة:.

-سامحني، سامحني ياولدي، اني غلطت كتير، بس أكبر غلطة غلطتها هي اللي غلطتها في حجك، كنت لساتني صغير وطايش، بس يمين الله لو كانت جالتلي عليك وجتها لكنت كاتب عليها لأجلك ياولدي، بس هي إستسهلت الحجد والكره، وجابتك للدنيا عشان تنتجم مني فيك وبس، ربت فيك الكره والجسوة وجلة الشهامة والمروة، بس أنت ملكش ذنب في إن اللي ربتك كانت حية، سامحني ياولدي أني اللي غلطت من لول لما مشيت ورا الشيطان ولما فوجت كان فات الأوان، يمكن مهجدرش أعوضك دلوك عن اللي عملته بس عوعدك أخلي بالي من ضناك وأربيه أحسن رباية، يكون مفخرة الهوارية كلاتهم، إرتاح في جبرك ياولدي، إنت سبت الدنيا الغدارة وروحت للي خلقك، عيكون أكرم عليك منينا وأني عطلبلك الرحمة والعفو منه في كل وجت وأدان.

ثم جعل يردد:
-اللهم أجرني في مصيبتي وإخلف لى خيرا منها.
قرأ له الفاتحة ثم صدق، ونهض ببطئ، يمشى بخطوات متعثرة، ليهبط (مهران) من السيارة ويسرع إليه يمسك بيده وسنده حتى أجلسه بداخلها، وماإن إستقر بدوره داخلها، حتى وجد والده يقول بحزم:
-إعمل حسابك ياولدي، عتكتب على نوار الليلة.
ليحدق به (مهران) بعيون إتسعت، بصدمة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة