قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

قال (عسران)بصدمة:
-عتجولى إيه ياولية؟إنتى إتجنيتى إياك، موافجة تجوزى بتك لإبنهم بسهولة إكده؟
قالت(ثريا)بعيون تلمع:
-وليه لع ياحاج؟!انت مش جلتلى بنفسك إن محمد ولد عويس داكتور كد الدنيا وسيرته زينة بين الخلج، ومن عيلة كبيرة زي عيلة الجبالى، يبجى أرفض ليه عاد؟وأنى فى ديك اليوم اللى أجوز فيه حدا من بناتى وأفك سحرها.
ضرب(عسران)كفا بكف قائلا:.

-شوفوا الولية عتخرف وتجول إيه، سحر إيه ياثريا دلوكيت؟!أنى بيتلوى دراعى وبتى بتتاخد منى غصب، وابنى كمانى، بتحرم من إنى أختارله عروسته وأفرح بيه.
ليردف بمرارة:
-كنى مكتوب علية ادفع تمن غلطة مش غلطتى، سنين عدت من غير ماحدا يدفع حساب غلطته وجه حظى آنى عشان اوجف بحر الدم اللى فضل اتنين وعشرين سنة مستنى يفيض دلوك، وعشان اوجفه لازم أضحى بعيالى، فين العدل ياخلج؟فين العدل؟

إقتربت منه (ثريا)تربت على صدره قائلة:.

-إهدى بس ياحاج وإسمعنى، انت نفسك جلتها، عتوجف بحر من الدم وهتنجد الخلج، بس مين جاب سيرة تضحية دلوك، وأنى لو كنت هختار لإبنى عروسة كنت هلاجى زي بدارة فين عاد؟ جمال وأصل وأخلاج، دى هي اللى نجدت ولدك لمن تعب، ولولاها كان فاته راح منينا بعيد الشر عنيه، أما بتنا فعتجوز داكتور كد الدنيا سمعته زينة مش عفشة لا سمح الله، إيه اللى عيزعلك عاد؟والله الجدر كنه رايد يصالحنا بعد ما جعد سنين عاطينا ضهره، إعجلها ياحاج هتلاجى إن اللى حوصل أكيد خير وربك كابير ماعيضرناش واصل.

طالعها بحيرة للحظات قبل أن يتنهد قائلا:
-لله الأمر من قبل ومن بعد ياثريا، لله الأمر من قبل ومن بعد.

القدر قد يكون غريبا..
لا يمنحنا الزهور إلا ومعه بعض الأشواك..
مالنا بالقدر إختيار ولكننا نحن القدر والمقدور..
قدرنا هو بصماتنا، فعلى قدر المشقة تكون مغانم الرحلة، وعلى قدر حلمك تتسع الأرض..
ولكن فى النهاية يظل القدر هو القدر...
لا يعلم المزاح...
ان كان حتمي أو كان إختيارا...
يصبح بالنهاية على الرقاب نافذ...
ولا يؤمن عبد حتى يؤمن به...
يؤمن بالقدر، خيره وشره.

طرق (عسران)الباب ثم دلف إلى الحجرة ماإن إستمع لولده يسمح له بالدخول، انفرجت أسارير (مهران)ماإن رأى والده قائلا:
-اتفضل ياأبوي.
إقترب (عسران)من سرير ولده متأملا وجهه الذى عادت إليه الدماء بعد أن ظل شاحبا لأيام، ليقول بحنان:
-كيفك دلوكيت ياولدى؟!
قال(مهران):
-أنى زين ياابوي، بجيت منيح جوى وملهاش عازة رجدة السرير دى، أنى عاوز أعاود لشغلنا وأرضنا.
جلس (عسران)على كرسي بجوار سريره قائلا:.

-هتعاود ياولدى، يامين كدة بس نطمنوا عليك فيهم وتعاود، احنا رايدين تكون بخير دايما يامهران ومش عاوزين حاجة عفشة تجرالك ياولدى.
هز (مهران)رأسه متفهما، وهو ينظر لوالده الذى زاغت عيناه قليلا، ليدرك ان هناك شيئا يخفيه عنه، لذا قال على الفور:
-فيه حاجة ياأبوي، ولاد الجبالية عملوا حاجة وأنى راجد فى المستشفى؟طمنى الله يرضى عنيك.
تطلع والده إليه قائلا بسرعة:
-لع ياولدى معاملوش حاجة واصل بس...

وصمت (عسران)ليقول(مهران)بقلق:
-بس إيه؟أنطج علطول ومتخافش علية، انا كدها وكدود.
قال (عسران) بقلة حيلة:
-عويس جابلنى وعرض علية إتفاج عشان نوجفوا بحر الدم.
عقد (مهران)حاجبيه قائلا:
-إتفاج إيه ده ياأبوي؟ومن ميتة بنعجدوا إتفاج مع الجبالية، اللى أعرفوا ان بينا وبينهم عداوة عمرها سنين.
أشاح (عسران)بيده قائلا:.

-اهو ده اللى حوصل ياولدى، عداوة جديمة اتجددت دلوكيت وبجى لازم نضحى فيها بالغالى عشان ميروحش فيها رجاب ناس ملهاش ذنب.
إزداد إنعقاد حاجبى (مهران)وهو يقول:
-مش فاهم أيوتها حاجة، هنضحى بمين عاد؟
قال(عسران):
-بيك وبخيتك ياولدى.
نهض(مهران) من سريره قائلا بحدة:
-عتجول إيه ياأبوي، كيف بس هتضحوا بينا؟!انى مش فاهم حاجة.
قال(عسران)وهو يجذبه من يده يجلسه مجددا على السرير:.

-أجعد بس وأنا أفهمك، متتزرزرش إكده، عويس عاوزك تتجوز بته وعايز واحدة من خواتك لإبنه.
إتسعت عينا(مهران)فى صدمة قائلا:
-انت عتجول إيه بس؟جواز إيه اللى عايزنا نتجاوزه؟جواز بالغصب، لا ممكن نجبلوا بالإتفاج ده، يعمل اللى يعملوا، إن شاالله تنجلب ساحة معركة، بس الله فى سماه ماينول اللى رايده عويس الجبالى طول ماانا عايش.
قال (عسران):.

-لع، هينوله ياولد عسران، تعرف ليه؟لإن ده جدر والجدر مكتوب على الجبين وممنوش هروب يإبن ثريا، من أكتر من عشرين سنة هرب ولد عمى حافظ مع حسنة أخت عويس الجبالى وجامت الدنيا ماجعدت والجبالية بيطالبوا بالتار، ملجوش غير اخوه ومرته وولده، وكانوا رايدين ياخدوا تارهم منيهم ولما هرب أخوه توفيج هو كمانى، كانوا عاوزين ياخدوا بتارهم منى، جدك كان عاوز يهربنى انى كمان بس ملحجش، عزام الجبالى الكبير وجف الجبالية وجتها، وجالهم مبناخدش التار غير من أصحابه، إنكتبلى عمر جديد وانكتبلى كمانى إنى مفارجش عيلتي و ارضي، بس فضلت النار جايدة فى جلوب الجبالية طول السنين اللى فاتت دى، لحد ماجاتلهم الفرصة ياخدوا بتارهم من جديد، والمرة دى واعرة ياولدى، بتهم عندينا من مدة، وسمعتهم بين الخلج متهددة، ولازمن ولابد هيغسلوا عارهم بالدم عشان يجدروا يرفعوا راسهم كدام الكل، الدم ياولدى هيبجى للركب، ذنبها إيه بس الناس الغلابة اللى عتروح فى الرجلين دى؟

قال(مهران)بمرارة:
-وذنبي إيه انى وخيتي ندفع تمن حاجة ملناش صالح بيها؟
قال(عسران):
-القائد الحكيم هو اللى يجدر يضحى بالجليل عشان الكل يعيش ياولدى، وعموما جوازك من بدارة مش حاجة شينة لاسمح الله، بدارة ست البنات، أصل وحسب وجمال، دى هي اللى نجدتك لمن كنت تعبان.
أطرق(مهران)براسه قائلا:
-جالولى ياأبوي، انى مبجولش إنها فيها حاجة عفشة لا سمح الله بس أنا جلبى مش رايدها.
ليرفع رأسه ويطالع أباه قائلا:.

-انى عشجان وحرام أظلمها معايا لإنى عمرى ماعحبها.
عقد (عسران)حاجبيه قائلا:
-عشجان؟!عشجان من ميتة ومين اللى عشجتها ياولدى؟نوار؟!
قال(مهران)بسرعة:
-لع ياابوي، اللى عشجتها عشجتها فى روما...
قاطعه(عسران)على الفور قائلا:
-يبجى تنساها ياولدى، أدامها من بلد غريبة ومش من دمك يبجى تنساها، الجلب ياما عشج بس وجت الجواز بيختار اللى أهله يختاروهاله و يرضوا عنيها كمانى.
قال (مهران)بحزن:.

-مجادرش أنساها ياابوى، وحتى لو جدرت وجبلت أتجاوز بدارة، خيتى ذنبها إيه تتجاوز بالغصب؟
نهض (عسران)قائلا:
-الداكتور محمد عريس زين وخيتك زهرة وافجت تتجوزه، الجدر جال كلمته خلاص والفرح السبوع اللى جاي، ربنا يكتبلكم الخير ويسعدكم ويراضيكم بجدركم ياولاد هوارة.
طالعه (مهران)صامتا لايقوى على الإعتراض، بينما إستدار (عسران )مغادرا وهو يتكئ على عصاه، يردد بهمس:
-لله الأمر من قبل ومن بعد.

دلفت (زبيدة)بغضب إلى حجرة (عوالى)قائلة:
-بجى إكده ياعوالى؟إتضحكتى علية وعلى بتى؟!
نهضت (عوالى)هادرة بغضب:
-كيف تدلى علية إكده من غير إستئذان، وكيف بتتحدتى معايا إكده من غير ادب ولا خشا؟إتجنيتى إياك؟!
أمسكت(زبيدة)طرحتها تهزها يمنة ويسارا وهي تنوح قائلة:
-إيوة جنيت، ومجنش ليه؟يامرك يازبيدة، ياخيبتك بين الخلج ياحزينة، وجال جات الحزينة تفرح ملجتلهاش موطرح.
قالت (عوالى)بغضب:.

-بطلى نواح ياولية لأخلى إسيادنا يجتلوكى ويدفنوكى موطرح ماإنتى واجفة أو يسخطوكى جرد ومتلاجيش حدا يناولك وكل يامجذوبة.
صمتت(زبيدة)على الفور وهي تتطلع إلى (عوالى)بخوف، لتردف (عوالى)قائلة:
-أجعدى وإحكيلى إيه اللى حوصل بالراحة إكده أحسن عفاريت الدنيا الحين بتتناطط أدام خلجتى.
جلست(زبيدة)تقول بمرارة:.

-(مهران) ولد أخوي اللى إتمنيته لبتى عيتجوز واحدة غيرها وبنات ثريا اللى معكرهش حد كدها عيجوزوا واحدة منيهم لداكتور كد الدنيا وكل اللى خططتله راح كيف الليل مع اول ضو للسمس.
قالت(عوالى)بهدوء:
-وميتة حوصل الكلام ده؟
قالت(زبيدة) بحسرة:
-كله من المزغودة بتى اللى جابت البومة بدارة لحد دار أخوي، أبوها جام الدنيا ومجعدهاش غير بجواز ولد اخوي وبته لبت عويس وولده، بعد يامين.
قالت(عوالى):.

-الجدر إتدخل وجال كلمته، بس عوالى مش جليلة وفى يدها تتحدى الجدر ياحزينة.
قالت (زبيدة)بلهفة:
-يعنى هتفضى الجوازة الغبرة دى ياكابيرة؟
قالت(عوالى):.

-مش هينفع ياولية، ملحجش، الجواز هيتم بس مش هيلحجوا يفرحوا، هغفلجها على الكل وهخلى حياتهم مر كيف العلجم، سبوعين بالكاتير وهترجع بت عسران لدوار ابوها متطلجة وحزينة ومهران كمانى هيطلج بتهم ويرجعها دوار أبوها ووجتها عيجرى أخوكى عليكى ويجولك غتينى يازبيدة، جوزى بتك لإبنى اللى ملوش غير لحمه ودمه يحفظه ويآمنه.
لمعت عينا (زبيدة)قائلة:
-إحلفى ياستنا، هتعملى إكده صوح؟
أشارت (عوالى)لها قائلة:.

-جومى من كدامى ياولية جبل ماتطلعيها فى دماغى وأسخطك جرد، جال أحلف جال، جومى ومشى طوالى ومترجعيش إهنه غير بعد جوازهم، ومتنسيش تتجلى جيوبك عشان اللعب هيبجى على تجيل جوى، جووومى يلا وغورى من وشى.

أسرعت (زبيدة)بالهروب من امامها بينما تابعتها (عوالى)بعينيها قبل ان ترمى بعض البخور فى مبخرتها، تفكر فيما اخبرتها به (زبيدة)، وتخطط لتقلب الأمور لصالحها فى النهاية، بينما إبتعدت أذنان عن نافذة الغرفة الخارجية، يفكر صاحبهما بغضب، والدته تتآمر مع حماته من أجل تزويج حبيبته لغريمه، لذا وقبل فوات الاوان، عليه أن يجعل حبيبته ملكا له، وحده.

توقف (مهران)عند تلك الشجرة الكبيرة بكفر الجبالية، يستند عليها بيده ويطالع هذا النهر الجارى أمامه بهدوء، تشبه كثيرا شجرته التى يألفها فى بلدته، يدرك أن الأماكن تتآلف ويصبح لها نفس السحر تقريبا، تبقى بذات السحر أو يزول سحرها..
ليس لها ذنب فى إختلافها فهي لا تتغير وإنما من يتغير، هم البشر.
تناهى إلى مسامعه صوت رجل قوي النبرات يقول بدهشة:
-مهران الهوارى.

إستدار (مهران)إليه يطالعه بعين متفحصة لكل شاردة وواردة منه وهو يقول:
-صوح ياداكتور، انى مهران الهوارى وإنت محمد الجبالي، بينا سنين من النزاع والتار وبينا حديت لازمن يتجال عشان نحط النجط على الحروف.
عدل (محمد)من وضع نظارته وهو يقول بهدوء:
-وانى تحت أمرك، تعالى دارنا وخلينا نتحدت.
هز (مهران)رأسه قائلا:
-لع، مش عاوز حدا يعرف بمجابلتنا دى، أنى بعتلك صبيحة ينادم عليك فى السر عشان أعرف حاجة واحدة بس.

عقد (محمد)حاجبيه قائلا:
-إيه هي؟
إقترب منه (مهران)يتطلع إلى عينيه مباشرة وهو يقول:
-إنت إيه رأيك فى الإتفاج اللى تم بين أبوي وأبوك؟
قال(محمد)بهدوء:.

-بصراحة، انى كنت رافض الموضوع فى اللول، طول عمرى مبحبش جوازة الغصبانية وشايف إن الجواز لازمن يكون برضا التنين، جصدى العريس والعروسة طبعا، وأنى حسيت إن اللى أبويا عمله ده مش صوح حتى لو كان هيوجف الدم بس هيدمر حياة ناس كتير لو حوصل وأولهم حياتى أنا وخيتى، بس بعد ماعاودت خيتي من عنديكم، وإتحدت معاها، لجيتها طايرة طير بالجوازة دى وملهاش سيرة غير مهران الهوارى وخواته التنين، حتى الحاج عسران ومرته طايرة بيهم طير، جلت يبجى خلاص ده جدر ونصيب، ومحدش عيختار جدره وأنى مؤمن طول عمرى إن اللى يرضى ربه مش هيضره، وأنى إستخرت ربى اللى طول عمرى بخاف أغضبه ولجيتنى مرتاح يامهران، فتوكلت على الله وجلت أرضى بجدرى وربنا بإذن الله هيراضينى.

تأمله (مهران)بقلب هدأت دقاته بعد قلق كان يعصف بكيانه، أراحته كلمات(محمد)كثيرا وجعلته يطمأن على أخته، فشخص مثل (محمد)لايمكن ان يؤذى أخته أبدا، لذا فقد هز راسه وهو ويمد يده مصافحا (محمد)قائلا:
-كدة نتوكل على الله ونتمموا الجواز بنفس راضية.
لم يصافحه (محمد)وإنما طالعه قائلا:
-بس إنت مجلتليش يا(مهران)، إيه رأيك فى اللى حوصل؟
إبتسم (مهران)قائلا:.

-أنى كمان توكلت على الله ورضيت بجدرى زييك ياولد عمى وبإذن الله ربنا يراضينا كلياتنا.
ليبتسم (محمد)بدوره وهو يمد يده ويصافح(مهران)، يظهر كليهما سعيدا بإتمام تلك الزيجة بينما أحدهما لا يحمل هذا الشعور بقلبه، حقا.

أهل الصعيد، أناس طيبون، يشبهون النيل فى أصالته كرمه، تملأ نفوسهم الخير وتعتريها دائما البهجة، مشاعرهم واضحة جلية، حين يحزنون وحين يفرحون تمتد أحزانهم وافراحهم بلا نهاية...
وفى دار عمدة هوارة ودار عمدة الجبالية، كانت مراسم الفرح فى كل مكان، السعادة تغمر القلوب ماعدا قلب واحد تحرك بآلية ليحقق قدره.

قدمت الهدايا الذهبية، وخصصت الغرف للعرسان وجهزت كما يجب ان تكون، واشترت الأمهات مايعرف ب(الشيلة) لأولادها ليقدمها كل عريس لعروسه وهي عبارة عن حقيبة كبيرة تضم ملابس للعروس، بينما أعد اهل البلدتين الكعك والبسكويت إحتفالا بتلك المناسبة السعيدة، حتى جاء عقد القران ليتم العقد فى حضور الرجال من العائلتين فى مسجد كفر هوارة الكبير، فيما تبقى النساء فى المنازل يحتفلون ويقومون بغناء أحلى الأغانى التراثية الشعبية فى إحتفال كبير...

جاء صباح يوم الحنة...

فذبحت الذبائح فى كلتا البلدتين، وقامت (الحنانة)بوضع الحنة على انف العرسان كي تبقى رائحتها الطيبة بأنفهما ولا تزول أبدا، ثم تحنت العروستان وقريباتها وصديقاتها وأهل القرية الحاضرات، كانت (زبيدة)تتابع مايحدث بحسرة كتمتها فى نفسها على وعد بتحقيق مرادها لاحقا والتشفى فى تلك الثريا التى تمقتها من كل قلبها، حانت منها نظرة إلى (ثريا)فوجدتها تطالعها بعينين كالصقر، لترسم على شفتيها إبتسامة باهتة مرغمة وهي تصفق وتغنى مع الحضور، تبدو سعيدة مثلها ولكن وحدها(ثريا)تعرف مايكنه قلبها من حسرة ولكم تسعدها حسرة تلك العقربة (زبيدة)وتشفى غليلها.

جاء يوم الفرح فتجمع مئات البشر فى شارع طويل مزين بالأضواء الملونة، شرفات المنازل إمتلأت بالسكان لمشاهدة هذا الحدث الرائع، زواج أبناء هوارة بأبناء الجبالية، بينما تتردد الأغانى الشعبية فى كل مكان...
إلتف الحضور حول منصة كبيرة خصصت لجلوس كل عريس وعروسه...

وصلت السيارة الأولى تحمل العرسان ليهبط منها (مهران)و(محمد)فبديا كأميران فى زيهما الصعيدي الرائع وعمامتهما التى أضفت نورا على وجهيهما، ليقفا فى إنتظار زوجاتهما، وصلت السيارة الثانية وهبطت منها عروستان بديتا كملكتان متوجتان بتاج يتلألأ على رأسيهما وفساتين بيضاء رائعة، امسك كل عريس بيد عروسه وإتجه بها إلى المكان المخصص لهما ثم بدات الإحتفالات وتوالت الفرق فى تقديم عروضها...

كان يقف هناك بجانب والده، يتلقى التهاني من اهل البلدة، شعر بالإختناق من هذا الزيف الذى يدعيه الجميع، عن اي فرح يتحدثون وتلك الزيجة قد تمت بالإجبار، ربما هو يرى أن أخيه اكثر من راض عن زيجته سعيد بها، بينما ملامح (مهران) لا توحى بسعادته مطلقا، يشعر من ينظر إليه بأنه مجبر حق وعلى رقبته قدر قد نفذ، اراد الحصول على بعض الماء ليبتلع تلك الغصة فى حلقه، أسرع إلى الخلف حيث تقام وليمة العشاء، رأى احد النساء تمنحه ظهرها وتقوم بتزويد الطاولة ببعض علب المياه، قال لها بسرعة:.

-جزازة مي من فضلك؟
إستدارت إليه فتوقف الزمن، وجه فى رقة النسيم وصفاء السماء وعيون قاتلة نظراتها، أسدلت أهدابها وحمرة جميلة ظللت وجنتيها تمنحه زجاجة المياه بصمت قبل ان تجذب طرحتها على وجهها وتغادر المكان بسرعة، تتجه إلى حيث تجلس النسوة، توقفت سيدة كبيرة بجواره تضيف للطاولة بعض ادوات المائدة فتحمحم قائلا:
-إلا جوليلى ياخالة، مين البنتة اللى كانت واجفة إهنه من شوي، جريبة العمدة ولا ضيفته؟

قالت(حورية)بإستنكار:
-جصدك زينة البنات (راوية)، دى بت العمدة واميرة الدار ياجدع إنت، بتسأل عنيها ليه عاد؟
قال (ناجى)بإضطراب:
-أنى بس كنت عاوز أتشكرلها عشان ناولاتنى جزازة المي.
تأملته (حورية)قائلة:
-وتبجى مين إنت ياواكل ناسك؟كنك غريب مشفتاكش فى البلد جبل إكده.
قال(ناجى)بتوتر:
-مبجتش غريب ولا حاجة ياخالة، انى ناجى ولد عويس الجبالى، بالإذن.

مشي بخطوات سريعة بينما تابعته (حورية)بعينيها قبل أن تبتسم بهدوء، تدرك ان هناك عرس آخر فى الطريق، أو هكذا تامل حتى تنال تلك الفتاة التى تحبها قدرها من السعادة كما تمنت لها دوما.

وبينما كانت (نوار)تسير عائدة إلى الحفل بعد أن شربت دواء يخفف عنا هذا الألم برأسها، وجدت من يجذبها من يدها ويكمم فمها كي لا تصرخ، تطلعت إلى من فعل ذلك بعينين مرتعبتين مالبثتا ان هدئتا ولانت نظراتهما حين طالعها وجه(راجى)لينزع يده عن فمها وهو يتطلع إلى وجهها قائلا:
-وجك كيف الجمر فى ليلة تمامه وعيونك شرارهم كيف السمس بيدفى جلبى وينور طريجى يانوارة جلبى.

إبتلعت(نوار)ريقها بصعوبة ونظرات (راجى)الولهة تذيب كيانها، ونبراته تزلزل وجدانها، تطلعت حولها للحظة قبل ان تقول:
-مينفعش نجف إكدة لحالنا ياراجى لو حدا شافنا...
قاطعها قائلا:
-اللى عيشوفنا يشوفنا، أنى ميهمنيش حدا واصل، أنا كدها وكدود يامهجة الجلب ولا معندكيش ثجة فيا.
قالت(نوار):
-الكترة تغلب الشجاعة ياراجى وانى خايفة عليك كيف مابخاف على روحى تمام.
قال (راجى):.

-واه ياأبوي، والله اتفتحتلك طاجة الجدر ياراجى ولجيت اللى عتحبك وتخاف عليك كمانى.
قالت(نوار):
-احب على يدك ياراجى، مش وجته الحديت ده عاد، بعد دلوكيت أنى منجصاش.
قال( راجى):
-مش جبل ما توعدينى إنك تجابلينى، وبكرة طوالى كومان.
هزت رأسها قائلة:
-هجابلك بكرة، امى عتكون مشغولة مع الخالة ثريا وهعرف أتسلل واجابلك ياراجى بس إمشى الحين الله يرضى عنيك.
إبتسم قائلا:.

-همشى ياحبة الجلب، وعلى وعدنا مع الجدر، وجدرنا نتلاجى، اللجا بكرة والهنا بييجى مع اللجا، يعنى هنانا بكرة يانوار.
ألقى عليها نظرة محبة تتشرب من ملامحها قبل ان يبتعد، تتابعه بعينيها بحب بدورها قبل أن تتجه إلى مكان النسوة بخطوات تكاد تطير من على الأرض.

إحتضنت (فيفيان)صديقتها(فدوى)بحب قائلة:
-سأفتقدك كثيرا صديقتى.
خرجت (فدوى)من حضن صديقتها تقول:
-وانا كذلك سأفتقدك بشدة، ماإن أستقر فى بلدتى وأثق بحمايتهم لى حتى أبعث لكى بعنوانى، لا تقلقى علي سأكون بخير، صدقينى.
قالت(فيفيان):
-آمل ذلك حبيبتى.
لترفع أصابعها التى عقصتها امامها قائلة:
-وأتمنى ذلك من كل قلبى.
أغروقت عيون (فدوى)بالدموع قائلة:
-أحبك فيفيان، أحبك كثيرا.

مسحت (فيفيان)دمعة سقطت على وجنتها وهي تربت على وجنة (فدوى)قائلة:
-وأنا كذلك حبيبتى، ولكن هيا، كفى دموعا، إذهبى وأحصلى على قدرك من السعادة، حاربى من أجل عودتك لتحظى بما فقدتيه من عشق.
هزت (فدوى)رأسها وهي تمسح دموعها بدورها قائلة:
-سأفعل.
تراجعت بإتجاه البوابة الخاصة بطائرتها بينما تصيح (فيفيان):
-إلى لقاء قريب.

لوحت لها (فدوى)قبل أن تبتعد، تسمح لدموعها بالسقوط مجددا، كم يصعب عليها تحمل لحظات الوداع وكم ودعت من أحباب، وكأن القدر قد كتب عليها أن تودع كل من تحب، فى البداية والدها ثم والدتها، (مهران) وبالأخير صديقتها الوحيدة، ترى من ستودع فى مستقبلها، ربما حياتها، إنها حقا لا تدرى، فقط تنتظر القدر ليقول كلمته، تدرك أن القدر لا مفر منه مهما حاولت، تدرك أن على رقبتها قدر نافذ مهما ادعت، العكس.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة