قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

الشتاء فصل الحب، فصل الدفء الذي تتدفق فيه العواطف كأمطاره التي تحملها العواصف فتتشابك الأيادي كما تتشابك القلوب وتتآلف الأرواح، غير أن هذا الشتاء غاضب ويحمل قسوة كبرودته تفتت بسببها القلوب الحالمة.

كان هذا مايراود (مهران )وهو يجلس بجانب بقية عمد القرى المجاورة لتناول الطعام، جميعهم يتناولون الطعام بنهم وسط ضحكات وأحاديث مختلفة أما هو فكان يقلب في صحنه بإسهاب وقلبه ينزف وهو يشعر أنه خان حبه ل(شذا )ولا يستطيع التفكير فيها خجلا من طيفها إن راوده.

بعد العشاء وقفت (زهرة) و (بدارة )بثوبيّهما الأبيضيّن متلألئتيّن كنجمتيّن فاقتربت النسوة يقدمن لهما الهديا حتى ثقلت يداهما من الأسوار والخواتم كما أعناقهما من القلائد الذهبيّة بالإضافة إلى (النقطة)، المبالغ المالية التي حصلتا عليها، ثم اقتربت (ثريا)، و نزعت عنهما ذهبهم، ووضعت خاصة كل واحد في صندوق لها أمنت عليه (راوية )و (فضيلة )زوجة( عزام)..

بدأت حفلة الرقص، القرع على الطبول والنفخ على المزمار والرقص بالخيل والعصي أشعل الحماسة في قلب الشباب والفتيات اللواتي يسترقن النظر، جر (مهران) إلى الرقص هو و(محمد) بالعصي فكان منظرهما مهيبا محببا، أما (بدارة) فكانت في منتهى السعادة كأنها تحلق في السماء السابعة أمسكت بيد (زهرة )وهمست في أذنها:
يابت ده حلم و بصوح، اجرصيني والنبي أنى طايرة كيف الحمامة، العشج دا حلو جوي جوي.

أنا مش مصدجة إن هيتجفل علينا باب، هيييه لو مت بعديها أبجى راضية.
قرصتها (زهرة )من ذراعها فتأوهت وقالت لها:
اتحشمي يابت، الخلج بتبحلج فينا، اتجلي على رزجك ياختي اهو بجى حلالك، هبابة وعتروحي يدك فى يده وابجي طيري انتي وهو ياحزينة..
وضعت يدها على وجهها تكتم ضحكاتها فأردفت (زهرة):
خيّك زين جوي يابدارة أما أني خايفة وهيغمى عليا من الخوف حاسة بركبي بتنمل خايفة ماجدرش أصلب طولي..
ابتسمت (بدارة) وقالت:.

-لازمن تخافي، أخوي حنين بس سبع وعياكلك.
وقامت بدغدغتها فانتفضت( زهرة )من مكانها وانفجرت (بدارة )ضاحكة فاقتربت منهما (ثريا) ورمقتهما بغضب وقالت:
اتحشمي يابت منك ليها، أباي عليهم بنته لاحيا ولا تجدير كنهم مش داخلين على ليلة مطينة.
وعادت إلى مكانها بينما غمزت (بدارة )(زهرة) التي قرصتها على يدها مرة اخرى.
وقتذاك كانت( زبيدة) تطالعهم بغل قبل أن تسحبها يد إلى الوراء وهمست:.

أمانتك أهيه أمي بتسلم عليكي خدي التلافون اتحدتي وياها.
دفعته إلى مكان مظلم قليلا وقالت:
-ينيلك، كنت اتصلت، جاي اهنه رايد تفضحنا اياك،
هات المخروب ده..
معاكي ياستنا، أيوه خدتها من راجي، لازمن دلوك؟ حاضر حاضر، على خير، لو خربت معروفك داه مش عنساه برجبتي لحدن ماموت.
اقفلت الخط وحشرت الهاتف في يد( راجي) وقالت:
غور من اهناه ياغبي ماريداشي ألمح طيفك بالموكان.
غادر (راجي) وهو يتمتم بينه وبين نفسه:.

-عتحبي على رجلي عشان استر على بتك وساعتها برجلي دي عارفسك بنص خلجتك ياعجربة ياأم اربعة واربعين.

اخذت (زبيدة )تقلب في الكيس الذي اتاها به( راجي) فوجدت فيه صندق خشبي صغير بداخله علبه معدنية بها جمرات صغيرة لاتزال مشتعلة فاقتربت من كرسي العروستين ووضعتهما تحته ثم وضعت فوقهم من الماء الذي وجدته معهم حتى تخبت حمرتهم فتصاعد البخار ليلامس قاع الكرسي ثم وقفت خلفهما ووضعت قليلا من مسحوق يبدو كأنه رماد ونفخت فيه فتناثر عليهما دون أن يشعر بها أحد ثم ابتعدت عنهما وعادت تراقبهما بعيون تلمع شرا وحقدا..

طلقات نارية تنبؤ بانتهاء الإحتفال ليدخل كل عريس ليأخذ عروسته فأمسك (مهران )يد( بدارة) التي تغطي راسها طرحة طويلة تخفي ملامحها وكذلك (زهرة) ويد (محمد) تشد على يدها، واستقلّ كل واحد منهما سيارته متوجها إلى بيته وخلفه موكبا من السيارات التي تطلق البارود وهي تلحق به.

وصل (مهران) إلى القصر وصعد مع زوجته إلى غرفتهما الجديدة وجد والدته قد حضرت من أجلهما بعض المأكولات الخفيفة باعتبارهما تناولا عشائهما بالحفل فلا حاجة لهما به، كانت (بدارة )متوترة حتى أنها شعرت كما لو أنها ستختنق فقالت:
شيل الطرحة جوام جوام هختنج!

اقترب منها (مهران )مجبرا ورفع عنها الطرحة كان وجهها مشتعل بحمرة شديدة غلبت زينتها التي أنزلها العرق فدفعته ودخلت الحمام ووقفت تحت الدش والمياه الباردة تنزل على جسدها الذي بدأت الأبخرة تتصاعد منه، استغرب (مهران) حالتها فناداها:
انتي زينة! كنك عيانة...
فقالت بصوت عال وهي تحارب لنزع فستانها:
الحجني عموت..
دخل مهرولا إلى الحمام فوجدها تتخبط تحاول تمزيق فستانها عنها فقالت بصوت متقطع:.

شيلوا عني احب على يدك، انجدني!
فقال محاولا تهدئتها:
اهدي وطلعي من عنديك وانا هساعدك، عتمرضي واجفة تحت المي الساجعة اكده..
وضعت كلتا يديها على الحائط تستند عليه وقد خرت جالسة تواليه ظهرها انفاسها مضطربة وصدرها يصدر نشيجا غريبا..
اقترب منها وفتح أزرار الفستان ووالاها ظهره فنزعته عنها وقالت:
ن، نا، نا وا لني ال فوط...
شعر أن هناك خطب بها حتما، ناولها المنشفة قبل أن تكمل جملتها وقال:.

أنده أمي تاجي تشوفك ولا أعمل إيه دلوك؟
فقالت بصوت منطفيء:
ساعدني أجوم مش جادرة أصلب طولي..
استدار نحوها فوجد جسمها محمر كأن مياه ساخنة قد لسعتها، مقشعر من تيارات الهواء الباردة حين تتصادم مع سطحه الملتهب، فقال:
إنتي بعافية يابدارة، جتتك مولعة.
حملها بين يديه فبدأت بالتحرك بعنف كأنها تحترق ودموعها تغطي وجهها فبدأ( مهران) بالمناداة بصوت عال على والدته فأتت راكضة تلحق بها (راوية) وقالت قبل أن تصل إليه:.

خير ياولدي! خير..
فقال وهو يشير إليها أن تستعجل:
بدارة، ماخبرش مالها عجلي!
استدارت نحو( بدارة) فوجد المنشفة التي كانت تستر بها جسدها قد انفكت عنها فأسرع يسحب عليها الغطاء فدخلت والدته واقتربت منها بينما وقف هو جانبا ثم بدأت تتحسس جبينها والتفتت نحوه:
دي جايدة نار ياكبدي، حوصل ايه؟
فقال( مهران )وهو يفرك وجهه:
-عيحصول إيه؟ احنا يادوب واصلين واهه أنا لسه ماجلعتش الجزمة حتى.
فقالت:.

لازمن نشيل الغطا عنيها دي غرجانة بالعرج.
وقبل أن يعترض كانت قد رفعته ثم أعادته بسرعة وحدقت فيه بتهكم:
الجزمة جولتلي!
ضرب يدا على يد وقال:.

-ياحول الله يارب، البت دخلت من اهنا لجيتها بتجول الحجني عختنج شيلت الطرحة من على وشها، لجيتها هووب جريت على الحمام ولجيتها بتصرخ تاني الحجني عموت دخلت اجري لجيتها واجفة تحت المية الساجعة وبتجطع في الفستان وجعت على الأرض وبتجولي ساعدني اشيله وجلعته بالحمام روحي شوفي، جومتها على اهنا حتى الكلام ماكنتشي جادرة تنطج، هاا حاجة تاني في الليلة المطينة ديه ياأماي.
فقالت (ثريا) تخاطب( راوية):.

ملي الحوض مية ساجعة جوام البت عتروح منينا وانت اجري على الداكتور يوصفلك دوا، جوله لأمي بلاش فضايح.
خرج (مهران) وهو يلعن عودته من روما بينما قامت (راوية )ووالدتها وضع( بدارة) في الحوض وسط المياة الباردة فكانت ترتجف وتشهق بعيون شاهقة في السقف لاتدري بشيء.

وقتذاك كان الجبايلة قد وصلوا إلى قصرهم هم الآخرون، جمع( عويس) عائلته بما فيهم( زهرة )التي تقف بفستانها الأبيض بعد فأخذ يقول:
ربنا مارزجنيش ببنته بس أخدت عهد من ربنا أعامل كنايني كيف بناتي وانتي بجيتي بتي، من إهنا وجاي كيفك كيف خيتك فضيلة اي حاجة تريديها أنا اهنا كيف عسران بالضبط..
اقتربت منه وقبلت يده فنزعها منها بسرعة وقال:
استني اكده..

تحسس يدها فوجدها ساخنة جدا ثم تحسس وجهها من فوق طرحتها المبتلة من العرق فوجده ملتهب كذلك فأردف:
إنتي سخنة كيف النار، شوفها يامحمد..
وقبل أن ينهي كلمته وقعت مغشيا عليها..
حملها( محمد) لأقرب اريكة وكشف عن وجهها الذي تلوث بالكحل المحمر كأنه شعلة من نار، فحملها مجددا إلى غرفته وهو يقول:
تعالي يافضيلة لازمن نخفض حرارتها..
وضعها في الحوض واردف:.

إجلعي عنها كل حاجة لازم يوصل المي الساجع لجسمها وأنا هجيب حقنة من الصيدلية وأرجع.
ما أن لامسها الماء البارد حتى بدأت تنتفض وترتعش فارتبكت (فضيلة )ولم تدري ما العمل فخرجت إليهم وبدأت تنادي على الخالة( أم هاني) التي تعمل في منزلهم فلبتها على عجلة فأردفت:
الحجيني ياخالة البت ماخبراشي جرالها ايه عتموت ولا إيه؟

دخلت الخالة (ام هاني) فوجدت (زهرة )قد انزلقت داخل الحوض لو تأخرت قليلا كانت لربما تجدها قد اختنقت فسحبتها بسرعة وضربتها على ظهرها بقوة لتخرج المياه من أنفها وفمها وهي تشهق بقوة فالتفت نحو( فضيلة )وقالت:
اجري على المطبخ وهاتي جزازة الخل على ماغير المي عليها بجت دافية..
لم يلبث (محمد )طويلا حتى عاد وبيده محلول وبعض الحقن فنادى على فضيلة:
طلعوها يامرات اخوي لازم اعلجلها المحلول داه..

تساعدتا( أم هاني) و(فضيلة )وألبسوها عباءة واسعة فدخل (محمد )وحملها إلى السرير وعلق بذراعها المحلول الذي افرغ فيه محتوى حقنتين، استمرت في الارتجاف والأنين لبعض الوقت حتى استكانت ونامت.
لازمتها( أم هاني) طوال الليل برفقة( محمد) يغيرون لها كمادات محلول الماء المثلج بالخل فتنتفض كلما استعوذت (أم هاني) من شر ماحسد أو شر ماخلق فكانت تقول ل(محمد ):
اكيد اتحسدتوا ياولدي، ربنا يجومها بالسلامة يارب!

استقام( محمد) وتوضأ وفرش سجادته فصلى ركعتين قيام وجلس بجانبها يتلو القرآن بصوته العذب ااذي يجبر مستمعه على الخشوع والتدبر في آيات الله فزادت إرتعاشة (زهرة )وزاد أنينها كلما رفع صوته بالتلاوة حتى أصبح نشيجها زمجرة مخيفة، ابتعدت عنها (أم هاني) مذعورة وهي تبسمل وتتعوذ فزاد صراخها مما جعل الجميع يركضون نحو غرفتهم وبرغم ذلك لم يقطع (محمد)تلاوته بل واصلها بكل خشوع والدموع تغرق وجهه فقالت( أم هاني) للحاج (عويس):.

البت ملبوسة ياحاج قل أعوذ برب الفلق..
فقال الحاج (عويس) ل(ناجي):
جوام ياناجي على بيت الشيخ وهدان تجيبو فى يدك بسرعة البت هتروح منينا ياخلج، حسبي الله ونعم الوكيل.
وماهي إلا لحظات حتى دخل الشيخ (وهدان) بوقاره فاستقبله (عويس) عند الباب وقد أمر سابقا ( أم هاني) أن تستر( زهرة )لكنها خافت الإقتراب منها فزجرها بعنف فوضعت خمارا على رأسها..

دخل الشيخ (وهدان) فقطع (محمد) تلاوته فألقى السلام عليه فهدأ جسد ( زهرة) فاقترب منها( محمد) وغطاها جيدا فاقترب منها الشيخ ووضع يده على رأسها بينما أخذ يقرأ الفاتحة وتلاها بآخر آيتين من سورة البقرة ثم الكرسي ووصلها بآيات من سورة البقرة، فانتفضت( زهرة) ودفعت( محمد) الذي كان يمسك يدها بقوة فاوقعته أرضا فقال الشيخ:
شدها بسرعة ياولدي، ماتهملهاشي.

وواصل القراءة بينما أمسكها (محمد) بقوة فتغلبت عليه فأخذ ينادي على( ناجي) الذي لباه سريعا فأمسكاها والشيخ برفقتهما وماهي لحظات من الدعاء والتلاوة حتى بدأ النمل يخرج من شعرها الذي انزاح عنه الخمار بسبب مقاومتها وتحركها وبدأ يسير على كتفيها وهي تنتفض عاليا أرهقهم الإمساك بها فانضم إليهم (عزام) حتى يحدوا من قوتها التي لم يستطع ثلاثة رجال مجابهتها..

بدأ الشيخ يرشقها بالماء المرقي وهو يواصل التلاوة فكان يتصاعد البخار منها كما يتصاعد من الحطب المشتعل ويصدر وشوشة (ششش).
بدأ الجميع في التعوذ من الشيطان الرجيم
كان النمل يخرج من شعرها ليملأ جسدها ثم يختفي قبل أن يصل للأرض..
ازرقت شفتاها وبدأت رغوة تخرج من فمها لكن حمرة جسدها خبت وبدأت بالشحوب فقطع الشيخ تلاوته فاستمرت في زمجرتها قليلا ثم فقدت وعيها فابتعد عنها (محمد )وأخوته..
فقال الشيخ بحسرة:.

سحر إسود والعياذ بالله.
ضرب( محمد )جبينه بينما راح إخوته ووالده يحوقلون ويحسبنون ثم قال (عويس):
والعمل ياحضرة الشيخ؟
فقال الشيخ:
المسكينة فيها سحر جديم بس زال بأمر الله من أول التلاوة أما اللي هي فيه دلوك فلازمن نلاجي العمل عشان نبطله ماجدرتش أكمل تلاوة ممكن يوجف جلبها وتموت.
ضرب (محمد) بيده على الحائط وهو يقول:
حسبي الله ونعم الوكيل، البت صغيرة عايزين منها إيه!
ربت والده على ظهره وقال:.

-وحد الله ياولدي، هطيب إن شاء الله.
فأردف الشيخ:
ياولدي ربنا قال لايفلح الساحر حيث أتى وقال لايصيبنا إلا ماكتب الله لنا خلي عندك حسن ظن بربنا هو بيختبر صبركم بالابتلاء العظيم ده، وربنا عند حسن ظن عبده هتفرج مهما ضاجت..

السحر معمولها في حاجة من نار لو فضلت السخونية عليها ممكن تتشل لاسمح الله لازمن تراجبوها لحدن مايفرجها ربك، ماتشغلوش القرآن أو تجروه عليها عتأذوها مش عتنفعوها لأنه النوع ده من السحر بيكون عليه خادم لمن يحضرها بس عتعيا ولمن يروح عترجع كيف لول ماعتصدجوشي إنها فيها حاجة، وهو والعياذ بالله مش عيبجى ملازمها طول الوجت أكيد عنده مشاغل ماهما أجوام زيينا لازمن يدورو أكل عيشهم..

دور ياولدي بجهازها كلاته ورشوا عليه المية المرجية دية ودوروا كومان بالموكان اللي عملتوا فيه الفرح زين جوي.
حسبي الله في الناس اللي ماعتخافشي ربنا.
أهم حاجة لما تفوج ماتحسيسوهاش بحاجة وماتغضبوهاش هتبجى واعرة من غير ماتحس ممكن تاذي، بس عموما هتبجى طبيعية تشتغل وتضحك وطيبة غير لما يحضرها عتتعب.
ربنا يسهل ونلاجي المصيبة ديه فين عشان نبطلها وترجع البنية للدنيا.

خرج الشيخ( وهدان )رفقة( عويس) بينما جلس (محمد) يحدق في( زهرة) التي انطفأ جمالها وبراءتها
وهي لاتزال في الثانية وعشرين من عمرها ثم تذكر ماقاله الشيخ وخرج ينادي:
-ياخالة أم هاني، يامرات اخوي وينكم عاد..
أتت كل منهما مهرولة فاردف:
-الاوضة دي عنجلبها شبر على شبر نفضوها، ودورو زين على اي حاجة غريبة ممكن تلاجوها ورشوا اي حاجة تلمسوها بالمي اللي اهناك أهيه.
نظرت كل منهما الأخرى فاردف:.

ماهياش غول ماتخفوش هي نايمة ومش عتصحى بس لازمن ماتجروش قرآن أو تشغلوه في البيت لحدن مانرجع.
فقالت (فضيلة) وهي تضرب على صدرها:
ياليلة طين عتهملونا لوحدنا معاها.
فقال:
لاه أبوي إهنا، هيجعد معاكم.
ثم اقترب من أخويه وقال:
لازمن نروح لموكان الفرح وندور احنا التلاته بس ماجدرشي أوثج في حدا بعد اللي شفته ده ويارب يسهلنا ونلاجي حاجة.
فقال( عزام):
هنعاود كفر الهوارة بالوجت ده، الصباح رباح ياخوي.
فقال محمد بغضب:.

-لاه دلوك، لوماريدينش، عروح لحالي.

وخرج فلحقا به واستقلا سيارته التي كان يقودها بسرعة جنونية إلا أن وصل إلى المكان حيث كانت الخيمة الكبيرة المجزئة إلى قسمين لاتزال منتصبة والعمال ينقلون الكراسي والطاولات وينزعون الزينة والأضواء فتفرقوا وشرعوا في سؤال العمال إذا ماكانوا قد رأوا شيئا غريبا، ثم بدأوا في البحث بكل مكان حتى وصل مسامعهم صوت شجار بين كبير العمال وعاملين آخرين فاقتربوا منه وقد كان يقلب الكرسي المزدوج الذي كانت تجلس عليه العروستيّن وقد احترق قاعه فقال يلوم عماله:.

-مش جلتلكم نظفوا المكان زين وخدوا بالكم من الحاجات دى، كيف حجر الشيشة يوصل اهنا افرضوا ولع فيهم.
فقال (فزاع):
حجر شيشة ايه حضرتك؟ ماجبناش شيش على الفرح واحنا إصحابه، هيجي الحجر منين لاه وبمكان العروس ان...
أمسكه( محمد )من ذراعه وقال:
-حجر، نار، وحرج كرسي العروس.
فقال( ناجي )بصوت عال:
يعني ده إلي احنا بندور عليه ياخوي..
أعطاه (محمد )مفتاح السيارة وقال:
اجري على الشيخ وهدان الله يكرمك.

ثم أردف وهو يوجه كلامه للمجتمعين:
ابعدوا ماتلمسوشي حاجة دا مش حجر شيش دا سحر اسود والعياذ بالله، احنا عشنا ليلة مايعلم بيها إلا ربنا..
ترك كبير العمال الكرسي من يده وابتعد عنه بخوف كما فعل العاملان وهما يتعوذان من الشيطان الرجيم.
بينما تذكر أخته فضرب على جبينه قائلا:
بدارة ياعزام!، لازمن اتصل على مهران.

كانت (بدارة) نائمة والعرق يتصبب منها بغزارة ووجهها تعتصره حمرة غريبة مع أن (مهران) حقنها مرتين بخافض حرارة ومضاد حيوي وبالرغم الكمادات الماء البارد والمريمية التي سهرت (نفيسة) و(ثريا) و(راوية) على وضعها لها غير أنها لم تفدها كثيرا حتى قرر( مهران )أخذها إلى المشفى الكبير خوفا عليها من أي مضاعفات فطلب من والدته أن تغير لها ملابسها ووقف في الشرفة يدخن سيجارة وحال لسانه يقول دا ذنب شذا اللي فى رقبتك يامهران، دوق تمن الخيانة، بالشفا.

فقطع أفكاره رنين هاتفه فوجده (محمد) فاستغرب لاتصاله فرد عليه:
السلام عليكم، خير يامحمد في حاجة، لا ماجدرشي آجي دلوك بدارة بعافية شوية، عارف كيف؟، في إيه خرعتني؟، أهملها كيف دلوك بجولك عيانة، عرفت كيف؟، زهرة كومان، في إيه؟، خلاص جاي اجفل جاي بجولك!
رمى عقب سجارته ثم خرج مستعجلا وقال ل(راوية) التي اعترضت طريقه وهي تحمل بعض قوالب الجليد:
هعاود بسرعة انتوا لبسوها لحدن مااعاود.
قالت بحيرة:.

-رايح فين ياخوي بالوجت داه؟
قال بسرعة:
جلت هعاود جوام!
استقل سيارته إلى مكان العرس فتزامن وصوله مع وصول الشيخ (وهدان) فألقى السلام عليهما وتوجهوا جميعا نحو( محمد )فاقترب الشيخ من الجمرات ورش عليها بعض من الماء المرقي فاشتعلت فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وقال:
عفارم عليكم ياولاد أهو هو ده.
ثم أردف موجها حديثه إلى كبير العمال:.

-خد ياولدي العمال من إهنه والصبح بإذن الله عاودو لموا حاجاتكم أكون رجيتها، روحو من إهنا دلوك.
أومأ الرجل متفهما واتجه إلى عماله ليخبرهم، بينما وقف (مهران) مشدوها لا يفهم شيء ثم قال:
حد يفهمني في إيه عاد!
فقال الشيخ:
مش عارف اجولك إيه ياولدي لكن لازمن تعرف، في حد عمل سحر اسود للعرايس، والعمل في الجمرات ديه شوف هي طفيانة ولمن ارش عليها مية مرجية تولع كيف.

فأشتعلت مرة أخرى فتعوذ (مهران) من الشيطان الرجيم وهو يقول:
حسبي الله ونعم الوكيل، سحر اسود ليه هو احنا عملنالهم ايه عشان يعملو فينا اكده، المرة عندي هتولع من السخونية بالدار، كنت هاخدها مستشفى دلوك جبل مايتصل محمد.
فقال (محمد ):
زهرة حالتها بالويل ياأخوي.
فقال الشيخ:.

-الحاجات دي مانجدرشي نلمسها أو ننجلها من إهنا إنتوا عتروحوا وتجيبوا نسوانكم إهنا، لاكن ماخبرش إذا كنا هنجدر عليهم ولا لاء اكمنهم أجوى منينا.
فقال( محمد):
إنت جلت ممكن جلبها يوجف ياشيخنا.
فقال الشيخ مطمئنا:
-لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا ياولدي خلي إيمانك بربنا كبير..
قال (مهران)بهلع:
جلب مين اللي يوجف أنا مخي عيتحرج دلوك!
فاردف الشيخ:
مش هيحصل إلا كل خير ماتغلبونيش ياولاد اعملوا اللي جلتلكم عليه.

غادر (مهران )وكذلك( محمد) أما الشيخ فجلس مكانه يسبح ويستغفر ويحوقل ويوحد ويصلي على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
دخل (مهران) بيته ونادى على والده الذي كان يصلي قياما، فانتظره حتى سلم وقال:
البس يابوي وتعالى وياي وعفهمك ع الطريج.
ثم توجه نحو غرفته فوجد( بدارة )جاهزة فحملها بين يديه فقالت والدته:
هاجي وياكم.
فقال:.

لاه ياأماي مالهاش عازة، هنرجع الصبح روحي نامي الفجر هيدن وانتي مانمتيش طول اليوم، ابوي هياجي وياي.

وتركها قبل أن تصمم وتجادل على الذهاب فاستقل سيارته وقد وضع (بدارة) في المقعد الخلفي ليجلس والده بجانبه وانطلقوا إلى وجهتهم وقد حكى (مهران) لوالده كل ماحدث فظهر الأسى على وجه (عسران )وقد تذكر كلام زوجته عن أن بناتها مسحورات بينما كان يجادلها ويتهمها بالتخريف فتمنى لو صدقها وقتها لما وضع الآن في هذا الموقف.
كان (عزام وناجي) قد وضعا أريكتين أمام مجلس الشيخ من أجل( بدارة وزهرة ).

وصل (مهران) قبل (محمد )ببعض دقائق كان قد بدأ الشيخ يتلوا ويدعي فأصاب( بدارة) ما أصاب( زهرة) سابقا غير أن شعرها لم يخرج منه نمل بل تحول لونه إلى اللون الأبيض وقد أرهقت إخوتها وزوجها من فرط مقاومتها ثم استكانت وهدأت وقد بدأت تخبت حمرتها.
وماهي لحظات حتى وقع (مهران) مغشيا عليه وأنفه ينزف.
فقال الشيخ:
لا حول ولا قوة الا بالله.

فبدأ الشيخ يقذفه بالماء المرقي ويقرأ عليه حتى استفاق فاسنده (ناجي) ليجلس على أحد الكراسي، وبينما هم كذلك وصل (محمد) برفقة والده و(زهرة).

فاقترب بها من الشيخ وكان قد جلب بعض الحبال معه كما اوصاه الشيخ حين اتصل عليه، مددها على تلك الأريكة وربط يديها ورجليهما كما فعل ب(بدارة) أيضا وعاد الشيخ يقرأ ويرش الماء على الجمرات وهي تلتهب وتعلو ألسنتها ودخان أسود كريه الرائحة ينتشر في المكان فيرفع الشيخ صوته ويسترسل في القراءة فاشتعلت النيران بالكرسي أما (محمد) فكان يرش أخته وزوجته بالماء كما يفعل الشيخ فتتصاعد الابخرة منهما وهما في صراخ يصم الآذان.

أذن الفجر فانفجرت الجمرات محدثة دوي وتناثر رمادها على الأرض وهدأت الفتاتان فقال الشيخ:
-التراب ياعزام!
وضع (عزام )التراب فوق ذلك الرماد المتناثر من الكرسي والجمرات فسقاه الشيخ بالماء حتى ابتل واستدار على صوت (محمد) وهو يقول:
الحجني ياشيخ زهرة دخلت فى غيبوبة!
ركض( مهران )نحوها وبدأ في فك حبالها فقال الشيخ:
ع المستشفى ياولدي عجل عجل! وأنت كمان يامهران!

فتوجه( محمد) مع والده وزوجته و(مهران) مع والده وزوجته لعل القدر ينقذ ما افسدته النفوس الحاقدة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة