قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

الألم يستحيل أن يقاس بكلمة حين تفقد الأم ولدها، اللون الأسود لايكون في لباسها فحسب وإنما سيتشح به قلبها وأيامها وذكرياتها وكل تفاصيلها..

الأم أم مهما كانت سيئة وهكذا كانت (عوالي) بالرغم من أنها فقدت انسانيتها بسبب الحقد إلا أن موت وحيدها جعل أيامها جحيما لا ينتهي، يحترق كبدها على غيابه، أصبحت أكثر هوسا من ذي قبل حتى بعدما قتلت (مرزوق) لم يهنأ لها عيش فأرادت أن تلوع عائلة الهوارة نفس لوعتها، عزمت أنت تحاول أذية (نوار) كي تبتز (عسران) بسلامتها مقابل الطفل الذي تحمله، طفل (راجي) الذي سيسكن ألامها، و الذي سيرد على قلبها ويكون خلف والده ومؤنسها..

نامت على هذه الفكرة لتراه في منامها..
كان يقف وسط لهيب مستعر يتصبب عرقا وجلده يتشقق كأنه حطب تآكل من النار، صرخت بأعلى صوتها وقد لفحتها الحرارة:
-بعد ياراجي بعد ياولدي، النار عتحرجك!
سمعت صوته الواهن يردد:
- مجادرش يا أما حاولت كتير بس مجادرش.
تطلعت حولها كأنها تبحث عن مساعدة فوجدت المكان مظلم مخيف فقالت:
-عنجدك ياضنايا متجلجش عنخرج من اهناه!
قال بألم:.

-مش عتجدري يا أما ده موطرحنا اللي بنيناه طول عمرنا مالناش موطرح غيره..
قالت بهلع:
- ولدي ارجعلي ياراجي ونروح موكان تاني ماحدش يعرفنا فيه، ارجعلي ياراجي!

كان يذوب أمامها تبتلعه النيران بينما يتردد صراخها بإسمه لتفتح عينيها وقد جف حلقها وثقل لسانها وجسدها ينتفض وهو يتصبب عرقا غزيرا وكأن حلمها حقيقة، نهضت من سريرها متعثرة ترتعد وترغب في شربة ماء، فتسللت إلى أنفها رائحة الدخان، فتحت باب غرفتها لترى ألسنة النار تتصاعد في كل مكان، تشتعل لحالها، هوت على الأرض فزعة وشياطينها تحوم حولها لا تستطع الحراك كأنها تسمرت بمكانها، تنظر إلى ما حولها زائغة وقد أدركت أنها النهاية، تذوق من جنس عملها.

أطلقت صرخات مدوية وجسدها يتحرر من سكانه ثم تراخت على الأرض جثة هامدة تبتلعها نيران الدنيا قبل الآخرة...
جمع غفير تكوّن أمام بيتها الطوبي يشاهدون نهايتها المخزيّة لايستطيعون حتى الترحم عليها.

لقد استحقت (عوالي) لوعة الفقد قبل أن تذوق وبال أمرها، أما (ثريا) لم تتقبل فراق ولدها مرة أخرى بعدما اطمأنت مؤخرا أنه عاد واستقر بين أهله وناسه، لم يخبرها (عسران) حقيقة سفره كل ما أخبرها به أنه اضطر على الرحيل من أجل دراسته وسيعود قريبا فزوجته متعبة وتحتاجه بجانبها..
هاتفته عدة مرات متواصلة فتجد هاتفه مغلقا لتستشيط غضبا مرددة:
كنت حتى جول انك مسافر بجيت بارد كيف بتوع برا، الغربة جلبتك يامهران...

ولم يسلم (عسران) أيضا من لومها، لتردف:
ماجلتلك من لول متوافجش يتغرب انت اللي فتحت عينه وخليتو يمشي على هواه، اهه بجى بيمشي من غير ما يطلب الرضى!
فقال لها بنفاذ صبر وقد أصابه الصداع من تذمرها طوال المساء:
جومي من وشي جلبتي نافوخي!
انزلي تحت لنفيسة وحورية وولولي لحدن ماتريحي جلبك، المهم همليني مع روحي الله يرضى عنيكي!

استقامت متجهمة وقد همت لتقول شيء بينما رن هاتفها لتجده مهران فحملته إلى أذنها بلهفة وقالت:
مهران! كيف تسافر اكده من غير ماتجول لأمك؟
فأجابها:
حجك عليا يا اما! أنى كنت مستعجل يادوب خدت كام غرض وطلعت بسرعة، ماتجلجيش هعاود طوالي، هحل أموري اهناه وأعاود، المهم تاخدي بالك من نفسك و من بدارة لحد ماأعاودلكم!
شعرت ببعض الراحة من سماع صوته المحبب إلى قلبها، فقالت:.

ماشي ياولدي دامك راجع طوالي يبجى اجضي شغلك ربنا معاك، ماتخافش على بدارة دي بتي وفى حباب عيني مش مرات الغالي وأم الغالي ربنا يجومها بالسلامة!
فأتاها صوته من جديد يقول:
ربنا يمد بعمرك ياست الحبايب ويديمك نعمة علينا، ادعيلي يا أمي محتاج دوعاكي يونس غربتي ويفرج همي، أنا هجفل دلوك أنام هبابة عشان طيارتي كمان ساعتين..
أشوف وشك بخير يا أمي!

شعرت (ثريا) برغبة في البكاء فلم تستطع توديعه وأنهت المكالمة مباشرة وجلست تنوح في مكانها فقال (عسران) وهو ينهض من مكانه:
من شوية كنتي بتنوحي عشان ماكلمكيش ودلوك بتنوحي لما كلمك حيرتيني معاكي، خليكي موطرحك وخدي راحتك أنا هروح أشوف عويس.
أشارت له بيدها أن يخرج بينما تواصل بكاءها الذي لا طائل منه.
تقاطعت طريقه مع زبيدة فقالت له بهمس:.

دلوك هعمل ايه انا وبتي ياخوي بعد مهران ما طلجها، ده يادوب بجالهم سبوع من كتب الكتاب!
ربت على كتفها وقال:
ربك هيفرجها من عنده، بس ماتجوليش لحد أنه طلجها! نصبر هبابة ونعرف الناس أنها حامل وبعد اكده نشوف عنعمل ايه!
قال كلماته تلك ثم غادرها بينما قصدت غرفة (بدارة) التي تجلس على الكرسي المتأرجح بشرفتها منكمشة على نفسها، اقتربت منها بوجل حتى وقفت أمامها وقالت بصوت باكي:.

وجتها كنت غضبانة من عسران، سنين طويلة عباس كان بيسم فيها جلبي ناحية أخوي، حملت عسران موت عباس اكمنه ماعطانيش فلوس عشان يجضي دينه فاتجتل، لعب شيطاني بعجلي جلت ماهخدشي حجي منه وباس لاه هاخد كل حاجة يملكها حتى هناه وفرحته وراحة باله كيف ما اني خسرت كل حاجة..

مالجيتش حاجة تأذيه أكتر من أنه يشوف وجع أولاده ومايجدرشي يعملهم حاجة، وجفت حال بناته، وعملت عمل لمهران يخليه يمرض وواحد يخليه يجواز بتي نوار وواحد يبعده عنك وعملت لزبيده كمان عشان تخرف وعجلها يخف..

صرفت كل دهبي على الشر اللي فى جلبي ناحية خوي وعيلته، حتى انتي ماسلمتيش مني وكنتي عتموتي انتي وزهرة، وجتها بس فجت وبديت احاسب نفسي لما تردي اللي عمالته فى بتي، حمدت ربنا أن اللي عملته اتجلب عليا وماكنش سبب في موت حدا فيكم..

طالعتها (بدارة) باشمئزاز وبرود وقالت:
ارتحتي! أهو مهران طفش من الدنيا كلاتها لا عيهمه بتك ولا ولده ولا عيلته كومان، أبوه غضب عليه وضربه بسببك،
وأمه بتبكيه لما راح وماخبرهاش حتى...
وأني..! ماعصعبش على حدا فيكم!
استقامت (بدارة) فبدأت تسير نحو (زبيدة) و (زبيدة) تعود إلى الخلف، مردفة:.

أني كومان من حجي اتهنى زي بناتكم، أفكر فى نفسي وراحتي ومستجبل ولدي، من حجي أعيش فى أمان مع جوزي مش أعيش خايفة من اللي هتاجي تشاركني فيه النوبة الجاية..
لازمن تعرفي مش هسكت من اهنا وجاي لو حدا جرب منيكم علي ولا على مهران مش هيحصل طايب، لحد دلوك ماشفتوش غير بدارة الطيبة اللي جلبها على جوزها وبترضى بكل حاجة لأني كنت فاكرة إن العيلة تستاهل نضحي عشانها بس طلع كدب، كلكم كدابين!

وصلت (زبيدة) طرف الباب فدفعتها (بدارة) خارجا وصفعت الباب في وجهها ثم جلست على طرف سريرها وقد أمسكت هاتفها تتصل بوالدها وقالت:
كيفك يا بوي، ان شاء الله زين؟
فأتاها صوته يقول:
الحمد لله يابدر داري زين لمن سمعت صوتك، انتي كيفك يا جلب أبوكي؟
فقالت بثبات تحاول ألا تبكي:.

الحمد لله نعمة وفضل، اتصلت عشان عاوزة أجي أجعد حداك كام يوم، وحشتوني ووحشني البيت وأوضتي، مهران سافر عشان دراسته جلت أجضي كام يوم معاكم بين مايعاود!
فقال مرحبا:
تنوري يانن عيني، هبعت محمد ياجي ياخدك...
قاطعته قائلة بسرعة:
لاه يابوي! أبا الحاج عسران مش هيسمحلي ياريت تكلمه وتاجي بنفسك تاخدني، ماهو مهران وصاهم علي فخابرة أنهم مش عيسمحولي آروح مع محمد!
ضحك (عويس) ضحكته المعتادة التي تحبها (بدارة) ثم قال:.

هكلمه وهيرضى باذن الله انتي جهزي نفسك وهاجي على الضهر اكده اروح بيكي!
فقالت:
مااتحرمش منك يابوي! تصبح على خير يا حبيبي!
تمنى لها ليلة هنيئة بدوره وأغلقت الخط ثم استقامت تضع بعض ثيابها ولوازمها في حقيبة كبيرة استعدادا لرجوعها لبيت والدها لقد اكتفت مرارة وحان الوقت لتستعيد نفسها بعد أن أدركت أن كل ماتفعله هباء لن يقابل بشكر أو عرفان.

توجه (مهران) إلى المطار وجلس ينتظر موعد إقلاع طائرته وفي هذا الوقت المتأخر والساعة تقارب الواحدة بعد منتصف الليل شعر برغبة في محادثة (ناتالي) إنها أمه الثانية التي تجيد مواساته والتخفيف من آلامه، أجابت على اتصاله قائلة بقلق:
ميران؟ عزيزي، هل هناك خطب؟
فرد عليها:
اشتقت إليك فحسب!
ضحكتها الخافتة التي وصلته جعلته يشعر ببعض السكينة، وقالت:
أيها المشاكس، خرعتني!
فقال بصدمة:.

خرعتني! واو، لقد فاجأتني أنت تتعلمين لهجتنا على اصولها!
قالت بابتسامة:
سمعت السيد أويس يقولها لفتيلة!
صدحت ضحكته وهو يردد:
أويس وفتيلة! يا إلهي، لا تقولي أويس أمامه! كان يجب أن آخذك معي الآن بعد أويس وفتيلة أشعر بالقلق من تركك هناك!
من المؤكد أنها لم تفهم لما يضحك فقالت:
مهلا! تأخذني إلى أين؟ هل أنت مسافر؟
فأجابها بصوت متهدج:
بلى! سأعود إلى روما.

أعلنت المذيعة نداء للمسافرين بضرورة التوجه إلى البوابات الرئيسية للتوجه نحو الطائرة..
فقالت ناتالي بقلق:
لمَ أحدث شيء مع فدوى؟ ماذا هناك، أخبرني الحقيقة ارجوك ميران!
فأجابها بثبات:
هي بخير، لا يتعلق الأمر بفدوى! لقد سافرت لأنني أريد أن أبتعد قليلا، عن كل شيء!
زفرت بارتياح فأردف:
-علي الذهاب جميلتي سأتصل بك حين أصل!

أرسل لها قبلات واقفل الخط دون أن ينتظر وداعها له، هم ليعيد الهاتف إلى جيبه لكنه تذكر (بدارة) فكتب لها رسالة لأنه لايستطيع مكالمتها وسماع صوتها المتألم كي لا يأنبه ضميره ولا يستطيع السفر فاكتفى بالرسالة..
وصلتها رسالته بينما كانت مستلقية على سريرها تحاول النوم وقد ضاقت بها الدنيا في تلك الغرفة اللعينة، تفقدت هاتفها لتجدها منه وقد كتب فيها:.

وحشتيني يابدري! لازم أبعد عشان أجدر أفكر زين في اللي جاي وأحل كل المشاكل اللي غرجتنا..
خدي بالك من روحك ومن ولدنا، هكلمك لمن أوصل، هطلع الطيارة دلوك.
وضعت هاتفها جانبا دون أن تبدي أي رد فعل ثم أغمضت عينيها لتغرق في نوم عميق.

ساعات طويلة قبل أن تحط الطائرة بمطار روما الدولي، بعد أن أجرى (مهران) إجراءات دخوله إلى روما واستلم حقيبته كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا وكما جرت العادة الجو باردا جدا ولا تزال الثلوج تحتل القمم والمرتفعات، أمسك هاتفه مجددا وطلب (ناجي) يريد معرفة بأي فندق هما فيه ليتوجه إليهما لكن (ناجي) فاجأه بقوله أنهما بالمطار يستعدان للعودة إلى مصر، تبعثرت الكلمات في حنجرته لكنه استجمع نفسه وأخبره أنه وصل بدوره إلى روما ويريد مقابلتهما قبل مغادرتهما وكما كان الحال التقيا بكفتيريا داخل المطار..

تفاجأت (فدوى) من تواجده أمامها بينما أخذ هو و (ناجي) يتبادلان أطراف الحديث عن القضية فعرفت أنه اكتشف الحقيقة وبعد لحظات من الحديث استأذن (مهران) من (ناجي) ليتحدث مع (فدوى) بمفردهما فشعرت باحراج كبير بينما ظهر التوتر على (مهران)، طالعها قائلا:
مش عارف أعاتبك ولا أعذرك، لو كنتي استنيتي لحد ما جيت وقلتيلي ان ذاكرتك رجعت وحكيتيلي على كل حاجة ما كناش وصلنا لهنا، عملتي فينا كده ليه يافدوى؟

أجابته بارتباك:
الوضع اللي كنت فيه ماكنش يسمحلي أفكر كويس، كنت مصدومة وخايفة، قلت أبعد فكرة أن عمي ممكن يأذيك كانت بترهبني..
قال بحب:
للدرجة دي بتحبيني؟
قالت على الفور:
جدا!
قال بأمل:
طب أنا هنا، عشانك! عشانا، خلينا نبدا صفحة جديدة ونرمي كل حاجة ورانا يافدوى، نعيش حياتنا زي ماعايزينها وزي مابنختارها من غير خوف ولا غصب ولا مسؤوليات مالناش ذنب فيها..
ظهر التردد على ملامح (فدوى) وقالت:
وبدارة يامهران؟
فقال:.

ما قدرش أسيب بدارة يافدوى!
فقالت بسخرية:
عايزنا احنا الاتنين؟ لا قصدي احنا التلاتة ما أنا نسيت نوار!
فقال:
أنا طلقت نوار!
استقامت متجهمة وقالت:
والله! إنت بتهزر حضرتك؟ إنت مش عارف عايز إيه، اقعد مع نفسك وفكر لما تعرف هنكلم وقتها! عن اذنك الطيارة هتفوتني..
سارت بضعة خطوات ليوقفها صوته:
عيزاني أختار بينك وبين بدارة مش كده؟ تعرفي غلطتي أن حبيتك كإنك معجزة حصلت فى حياتي بس انتي حبتيني.

كإني حاجة عادي بتحصل، إنتي أنانية! دلوقتي بس شفتك على حقيقتك، أربع شهور معيش بدارة فى هم معايا بسبب حبي ليكي، هي مع انها عارفة أن قلبي معاكي ومقصر معاها عمرها ما اشتكت لا وكمان راضية انك تشاركيني معاها، هي اللي حبتني وبتحسني معجزة فى حياتها مش انتي، أنا غبي بجد، بدارة شيفاني بالدنيا كلها وأنا سبت دنيتي كلها عشانك، معقول أنا أعمى للدرجة دي!.
شعرت (فدوى) بإهانة كبيرة، اقتربت منه وقالت بغضب:.

لو الحب إن أشاركك مع غيري يبقى مش بحبك، لو الحب إني اخدك من مراتك وابنك يبقى مش حب، لو الحب إني أرضى أعيش معاك وانت مقسوم على تلاتة يبقى أنا مش بحب وأنانية!
دفعها بغضب وغادر إلى الخارج بعد أن قال لها:
-غوري من اهنا وماتورينيش وشك تاني!
تسمرت (فدوى) مكانها وقد انهمرت دموعها بينما (ناجي) يطالع ماحدث باستغراب، اقترب منها وحاول الاستفسار منها لكنها تماسكت وسبقته إلى بوابة الخروج بعد أن قالت:.

مافيش ياناجي، سوء تفاهم مع مهران بس يمكن يفهم ويستوعب فى يوم!

مرّ أسبوع برتابة ثقيلة، عادت (بدارة) إلى منزل والدها بعدما ألح على (عسران) كثيرا حتى سمح له بأخذها، كانت (ناتالي) تعتني بها كثيرا رغم أنها أصبحت قليلة الكلام وكثيرة النوم إلا أنها تحب رفقة (ناتالي) التي بدأت تتعلم العربية وتتحدث بها فتثير ضحكاتهم عليها، كان (مهران) دائم التواصل معهم خاصة (بدارة) يحادثها كل يوم، كانت من تملأ غربته أنسا رغم أنها لاتقول الكثير هو من يتحدث طوال المكالمة، لقد بهتت مشاعرها و زال شغفها به وأحيانا لا تجيب على مكالماته فيلجأ إلى (ناتالي) لتنبهها أنه يتصل بها، لا تخرج من غرفتها إلا قليلا.

أما (نوار) تدهورت صحتها كثيرا قضت اليومين الماضيين في المستشفى جراء إصابتها بألام في بطنها نتج عنها نزيف حاد فقدت من خلالها جنينها..
صدمة أخرى تقضي على ما تبقى من صمودها، فقدت الآن مايربطها بالحياة، تناوبت (ثريا وزبيدة) على رعايتها بعد أن نصحهما الطبيب بضرورة مراقبتها فهي في حالة نفسية متدهورة ولا يستبشرون خيرا من صمتها وابتلاعها لمشاعرها في وضع كهذا..

قرر (عسران) خروجها من المشفى ظنا منه أنها في بيته ستحصل على رعاية أفضل من بقاءها في المشفى وينتشر خبر جنونها في البلدة كلها،
ذهب (عويس) وعائلته لزيارتها فخلى بيته إلا من (بدارة) التي وجدت في غياب الجميع راحة تمكنها من الجلوس بهدوء تحت أشعة شمس الربيع في الحديقة لكنها لم تدر أن (فدوى) لم تذهب معهم حتى لا تبقى وحيدة وتلبي حاجتها إن أرادت شيئا..

اقتربت (فدوى) من (بدارة) الجالسة على الأريكة المتأرجحة توزع نظرها على الورود بمختلف ألوانها وتستنشق عبيرها، جلست بجانبها وقالت:
إزيك يابدارة؟
نظرت نحوها بدارة وقالت باقتضاب:
الحمد لله
فأردفت (فدوى):
إنت حابسة نفسك في اوضتك عشان أنا عايشة هنا ومش عايزة تشوفيني مش كده!
ابتسمت (بدارة) وقالت:.

أجولك وماتضحكيش أنا من كتر ما بتخيلك وبتاجي على بالي بحس إن بنتي هتطلع شبهك، وغيرتي على بتي منك أكبر مليون مرة من غيرتي منك على مهران.
ابتسمت (فدوى) بدورها وقالت:
يارب يطلع ولد وكده مش هيكون شبهي وهيكون شبه أبوه وأنا هبقى بعيده عنكم حتى فى الشبه.
ربتت (بدارة) على يدها وقالت:
تعرفي يافدوى اللي مخليني مش شايله منك إنك كنتي جبلي، حبتيه جبلي، وجابلتيه جبلي، أني اللي خدته منك مش إنتي.

قالت (فدوى) بصوت باكي:
هو عامل إيه؟
سحبت بدارة يدها وقالت:
زين، أهو بيعافر يكون زين! وحشك مش اكده؟ وأني كمان وحشني بس جلبي شايل منه...
قالت (فدوى) وهي تمسك يد (بدارة):
والله بيحبك!
استقامت (بدارة) من مجلسها وقالت:
اعمل ايه بحب من دون تجدير يابت عمتي، حب الكلام مامنوش فايدة.

توجهت (بدارة) نحو غرفتها مجددا وقد قررت أن تمكث فيها ماتبقي من اليوم بينما أخذت (فدوى) تفكر في جملتها الأخيرة وقد أدركت أنها لم تقدر مشاعر (مهران) أبدا وكانت دائما متملكة وتتصرف بأنانية تماما مثلما قال وهاهي (بدارة) تعلمهما هما الاثنين كيف يكون الحب نبيلا معطاءا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة