قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر

قال(محمد)بعيون إتسعت إستنكارا:
-عتجولى إيه يازهرة؟مرت أخوي وخيتي عيتفجوا على مرة بريئة ملهاش ذنب وعيسحرولها كمانى؟
قالت (زهرة):
-يمين الله هو ده اللى سمعتوا يامحمد، أنى لغاية دلوكيت مش مصدجة وداني، كنت داخلالهم ووجفنى حديتهم، ومبجتش عارفة كيف أتصرف، أدخل واجولهم ان إكده عيب وحرام، معيسمعوش حديتي لو مهمن أجولهم وعيسمعونى حديت ماسخ معيلدش علية.
ضرب(محمد)كفا على كف قائلا:.

-لا حول ولا جوة الا بالله، أنى كمان مش مصدج نفسي، إزاي فكروا بالشكل ده ومخافوش ربنا، معرفانيش إنهم عيمشوا فى طريج واعر ضلمة كيف الجبر، طريج الشيطان اللى آخرته ندم وويل.
قالت (زهرة ) بخوف:
-وهنعملوا إيه دلوكيت؟هنهملهم يإذوا مرة بريئة جت تجعد وسط أهلها من غير شر.
ظهر على (محمد)ملامح التفكير قبل ان يرفع رأسه قائلا بتصميم:
-جوليلى إسم المرة اللى عايزين يروحولها دى وساكنة فين؟
قالت (زهرة)متوجسة:.

-عوالى، وساكنة حدانا فى الكفر، هتعمل إيه يامحمد؟طمنى ياأخوي.
هز رأسه ولمعت عيناه بشدة وهو يقول:
-إطمنى يازهرة، ربك يجدم اللى فيه الخير بإذن الله.

أحبني كما تحب تراب وطنك وتسكنه القلب..
أحب بساطتي وعفويتي كما تحبهم فى أهلك..
أحب عبقي كما تحب رائحة الزهور فى الحقول..
أحب أصالتي كما تحب أصالة ورقى وعطاء النيل..
أحب عندي ورأسي الصلبة كصلابة رءوس الرجال فى بلدتك..
وأحب رقتي كما تحب نسيم الصباح العليل.
أحب تناقضي الذى يشابه تناقض جنبات وطنك..
بل أحبني كما تحب وطنك لعلني أسكن قلبك، فلا أغادره أبدا.

كانت تسترق النظرات إليه وهو يطالع الجناح بإنبهار، تتحاشى أن يمسكها بجرم التطلع إليه، قد حاولت منذ أن ادرك مشاعرها وماتخفيه بداخلها أن تتجنب الإحتكاك به، فلن تقوى مجددا على النكران، ولن يصدقها، وقد عجز القلب أخيرا عن مقاومة العشق فادرك ان فى طياته حياته وهلاكه.
أفاقت من أفكارها على صوته وهو يقول:.

-وعدتى ووفيتى ياباشمهندسة، الجناح أجل كلمة تتقال عنيه إنه إبداع وكأنى جوة وطن صغير حاسس فيه بتراثي وشامم ريحة التاريخ وضامم اصالته بين إيدية، وكأنى جوة الوطن مفارقنيش ولا ناوى يفارقنى.
تطلعت إليه تود لو هتفت من كل قلبها..
احبني كالوطن..
ولكنها إكتفت بهزة من رأسها وهي تقول:.

-مش باقى غير بعض الحاجات البسيطة واللى هتكمل إحساسك ده، أنتيكات وفرش هاند ميد من جاليرى قريب من الفندق إخترته النهاردة الصبح ووصل من شوية، هيعجبك بإذن الله لما يفرشوه البنات.
طالعها بإعجاب قائلا:
-طلعتى مهندسة شاطرة أوى ياشذا.
قالت بهدوء:
-فدوى، إسمي فدوى.
ثم تنحنحت قائلة:
-أنا كدة مهمتي خلصت وياريت تكلملى حد يوصلنى البيت، محتاجة أرتاح شوية من فضلك.
قال بهدوء:
-هوصلك بنفسي.
أسرعت تقول:
-مينفعش..

ثم أردفت تلعن تسرعها قائلة:
-علشان يعنى تشرف على الفينيشينج بتاع الجناح بنفسك، ده غير إن الوفد هيوصل النهاردة ولازم تكون فى إستقباله.
هز رأسه متفهما، ثم تأملها قائلا:
-بصراحة مش عارف أشكرك إزاي على كل اللى عملتيه معانا ومساعدتك لينا بالسرعة والجمال ده كله.
قالت بهدوء:
-متشكرنيش، ده شغلي وهاخد حقه، عن إذنك.

تابع إنصرافها بعيون آسفة، يدرك انها تلقى بكلماته التى قالها لها سابقا فى وجهه، تشعره بمزيد من الأسف يمتزج بتلك الحيرة التى مابارحته بعد أن أدرك عشقها، وتعجب من نكرانها.

كانت تمشط شعرها الندي بعد ان اخذت حماما أعاد لكاهلها المتعب نشاطه، نهضت تسحب حقيبتها، وتضع بها أشيائها، لتغادر الفندق وتعود إلى منزله، حيث تقبع زوجته، تطاردها نيران الغيرة من جديد فتكويها بنيرانه، طرقات على الباب أخرجتها من أفكارها تنهدت وهي تتقدم تجاهه وتفتحه، تجد (عزام)أمامها يطالعها بعيونه التى تمقت نظراتهم الولهة، قالت بهدوء:
-خير ياعزام؟فيه حاجة؟!

تقدم (عزام)إلى الداخل ثم اغلق الباب وسط دهشتها، وهو يقول بحزم:
-رايد أتكلم معاكى يابت عمتي.
طالعته قائلة:
-خير ياعزام بس ياريت تختصر لإنى تعبانة ومحتاجة أرتاح.
قال(عزام)بصوت قطر لوعة:
-وأنى كمان يابت عمتي محتاج أرتاح، وراحتي حداكى، أبوس يدك ريحي جلبي اللى عيفط من بين صدري ويجول رايدك يافدوى، ورايد الجرب منيكى.
طالعته بصدمة قائلة:
-إنت قصدك إيه؟!
أمسك يدها فجأة قائلا:.

-جصدي إنى رايدك فى الحلال، عايز أتجوزك يابنت العمة.
لتتسع عيناها، فى صدمة.

يشعر بكيانه تائها، يبحث عن شيئ ما..
تجعله الحيرة يذوى ببطئ وكأن به داء عضال يفتك به..
يسلبه راحته ويشعل به نيران لا تحتمل..
يبقيه الألم متلويا على جمر الوحشة القاتلة..
وتتسلل إليه برودة، كجسد يبحث عن لحد.
دلف إلى حيث تجلس والدته تطالعه بثبات، ويطالعها هو بملامح خالية يقول بصوت بارد كقلبه:
-خير ياأما، بعتى فروج ينادم علية.
قالت بهدوء:.

-عايزاك فى مهمة جديدة ياولدي، مرة عايزة تخالف وجوزها عجيم، هتستناك فى الكوخ إياه بعد العصر، متعوجش عليها.
طالعها ببرودة صقيعية وملامح فقدت حياتها، ثم غادر بخطوات بطيئة، لتقول (عوالي)بحسرة:
-منك لله يابت هوارة، منكم لله ياهوارية كلياتكم، الواد مبجاش ابني اللى ربيته طول عمرى، بجى كيف خيال المآتة، لا عيهش ولا ينش، ولا ليه عازة.
لتردف فى حقد:.

-جسما عظما لعيكون إنتجامى منيكم عسير، وهخلص منيكم تاري ولو كان ده آخر شي أعمله فى حياتي.
لتطل من عينيها نظرة شر خالصة، جمعت شياطين الدنيا فى مقلتيها.

أسرع فى خطواته ليلحقها فى غرفتها، ويمنحها هاتفها الذى نسيته فى الجناح، وما ان اقترب من حجرتها حتى سمع صوتها وهي تصرخ قائلة:
-انت مجنون، الجواز مش بالعافية، إبعد عنى.
ليسمع صوت (عزام) وهو يقول:
-أبعد كيف إياك؟أنى ماصدجت أجرب منيكى وتكونى بين يدي..

لم ينتظر ليكمل هذا المأفون كلماته وهو يقتحم الحجرة، ليرى (شذاه )بين يد هذا الرجل فثارت الدماء فى شرايينه وإنتفخت أوداجه غضبا، تقدم بإتجاهه يسحبه من الخلف ويكيل له اللكمات بينما كتمت (فدوى)أنفاسها الشاهقة، يهدر (مهران)قائلا:
-عتخون الأمانة ياعزام، عتتعدى على حرمة ياواكل ناسك.
حاول (عزام)التصدى للكمات (مهران)التى إنهالت عليه يقول من بين أنفاسه اللاهثة:
-عحبها ورايدها فى الحلال...

قاطعه بلكمة على فمه قائلا:
-إجطع النفس لأجتلك بيدي، رايدها كيف وحداك حرمة فى رجابتك عتحبك وتتمنالك الرضا ترضى...
لم يستطع أن يكمل حديثه وكلماته تصدمه فى وجهه، تذكره بحاله، ترك (عزام)يسقط فى إعياء وهو يطالع تلك التى بادلته نظراته، تتحدث العيون بما عجز عن البوح به اللسان..
أحبك كما لم أحب مخلوق قط..
ولو كنت أملك أن أهديك قلبي لنزعته من صدري وقدمته لك عن طيب خاطر..
لصرخت قائلا، انت لى رغم كل شيى..

لو كنت أملك أن اكون لك وحدك ما ترددت..
ولكنى أقف عاجزا، تقيدني الحواجز ويجبرنى قدري على الفراق مجددا ولكن تلك المرة قد أكون مجبرا على البعاد ولكنى ادرك حتميته.
أشاح بنظره عن دموع مقلتيها التى تمزق روحه، قائلا بألم:
-هاتى شنطتك وإسبجيني ع العربية هوصلك بنفسي.

أخذت حقيبتها باصابع مرتجفة وتقدمت بإتجاهه ثم تجاوزته بخطى متعثرة، نظر فى إثرها بألم، ثم نفض ألمه وهو يميل يمسك بياقة (عزام)يجذبه منها قائلا بوعيد:.

-اللى حوصل النهاردة ده ميتكررش، وجسما عظما إن هوبت يمتها تانى، لأخلى أبوك عويس بذات نفسيه اللى يطوخك عيارين براسك ونخلصوا منيك، الجواز مش بالعافية يإبن الجبالي، وهي مش رايداك زي ماإنت شايف، يبجى تتلم وتحاوط على بيتك وإبنك اللى جاي فى الطريج ده، وتسيبك من كلام ملوش عازة عندينا ونهايته هتبجى دم.

طالعه (عزام)صامتا خائر القوى، فنفضه (مهران)بعيدا ثم غادر بدوره وهو يردد لنفسه ذات الكلام، يطالبها بالإنصياع لعقله وترك رغبات قلبه، جانبا.

كانت تمسك بوردة جميلة رفعتها إلى أنفها تشم عبيرها الفواح بعمق، ثم لثمتها برقة، لتنتفض على صوت هامس جاء من خلفها يقول بحنان:
-لأول مرة حدا يحسد زهرة.
طالعته للحظة ثم اطرقت براسها فى خجل فوصلها صوته يقول بمشاكسة:
-طب مش عتسألينى، عحسدها على إيه عاد؟
وجدت صوتها لتقول بخجل:
-إتحشم ياسى ناجى.
تنهد قائلا:
-اول مرة عسمع إسمي منيكى ياراوية.
كما أسمعه الآن تماما منك..
لأول مرة ينطقها ثغرك..

وكأننى لم أسمعه قبلا..
وكأن حروفه قد تجملت..
وصار لها صوتا رائعا، كمعزوفة قصيرة تطرب الآذان.
وجدته يرفع ذقنها بإصبعه فواجهتها عيناه، تأمل خاصتها قائلا:
-أي شعر يفوق عيون المرأة سحرا..
وأي جمال يضاهيه نظراتها..
تخترق القلب بسهامها..
فيصير مسلوب الإرادة لايرغب أبدا ان يصير حرا.

لم تستطع الإنتظار أكثر والإستماع لكلماته التى تذيب القلب وتسارع من خفقاته، لتهرب من أمامه بخجل، تتركه واقفا فى إثرها يتابعها بعينيه، يتنهد مرددا:
-قد صار الهوى حروف إسمها..
الراء رواء هي لقلبي الظمآن عطشا دونها..
والألف أنا و هي أمام الدنيا نتحدى همومها..
والواو ونيس للقلب أجده دوما فى روحها..
والياء يغمرني العشق فى غيابها وحضورها..
لتضم القلب بتاء تصر أن تكون النهاية لوحدة بعد ان ظللتها أبدية وجودها.

لغة العيون هي أعظم اللغات فهي نوافذ الارواح والقلوب..
ربما نظهر صامتون ولكن أعيننا تفيض بالحديث..
نعم سنصمت ونترك العيون تخبر الجميع عن مكنون شعورنا..
ثرثارة فى الحب تنقل انين المشاعر وحرقة الآهات وأعمق الأحاسيس..
تتمرد على نكراننا وتحمل إلى احبتنا أسانا ولوعتنا فى الفراق...
عيوننا تخبر أحبتنا أننا ماأردنا الفراق قط ولكننا فقط مجبرون على الرحيل.

ظلا صامتين طوال الطريق حتى وصولهما إلى المنزل، تتوق قلوبهم للحديث وتصمت شفاههم، حيث لا جدوى الآن منه، فكلاهما عاشق وكلاهما مجبر على الفراق.

كانت (فدوى)اول من هبط من السيارة حين توقفت، تسرع إلى الداخل، يتابعها(مهران)بعينيه فى ألم حزين، دلفت (فدوى)من باب المنزل، تنوى التسلل صعودا لغرفتها على الفور وتجنب الجميع، فلا طاقة لها الآن بأي احد ولن تستطيع تصنع البسمة وقلبها ينزف ألما، وماكادت تخطوا خطوتين حتى إنطلقت من بين شفاه أحدهم صرخة بصوت تعرفه جيدا تقول فى دهشة:
-شذا، هل أنتى هنا حقا؟

إستدارت تطالع من ذكرتها بماض هو احب إليها من حاضر بغيض، لتجد نفسها تفعل شيئا واحدا وهو الركوض إلى احضان تلك المرأة والغرق بين ذراعيها، تحتضن ذكرياتها بدورها وهي تقول بشوق وصوت متهدج باكيا:
-لقد إفتقدتك ناتالى، إفتقدتك بشدة.

ربتت (ناتالى )على ظهرها بحنان اموي، بينما طالعهم الجميع بدهشة، تنتابهم تساؤلات عديدة ظلت فى قلوبهم صامتة، ينتظرون إنتهاء هذا المشهد العاطفي، ثم يطلقون مافى جعبتهم من أسئلة دون هوادة، بينما توقف رجل على مسافة بعيدة، يطالعهم بحنان إمتزج بحنين، يود لو كان هناك بينهم، يضمهم إلى صدره ليريح هذا القلب المنهك، غافلا عن عيون رصدت نظراته لتدرك أمنية قبعت فى مقلتيه جعلتها تدرك بكل قوة، أنها قد فقدت زوجها، للأبد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة