قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

(ناتالي) كانت من الأشخاص الذين يجعلون من يعرفهم يشعر كأنهم وطنه، رقيقة وناعمة، مِعطاءة بدون حدود تمام كالأم.
كانت (فدوى) تسكن بين ذراعيها، تذرف دموع الشوق والإرهاق، تتشبث بها بقوة كأنها تجد فيها هدنة لروحها، رائحة طيبة تفوح منها، رائحة الحنان والأمان الذي يهديء روعة النفس، شعرت (فدوى) أن الله يقف بجانبها ويربت على قلبها أن لا تحزني وقد أعاد إليها لقاء( ناتالي).

كانت (ناتالي) تربت على رأسها حتى تهدأ قائلة:
آه ياجميلتي، لقد اشتقت إليك كثيرا!
كانت تعلم أن دموع( فدوى) لم تكن شوقا فقط فحدقت في (مهران) الذي يطالعهما من بعيد بنظرات معاتبة جعلته يتنهد بعمق..
اخرجتها( ناتالي )من أحضانها وأمسكت بوجهها بين يديها وكانت لتقول شيء لكن (فدوى) أمسكتها من يدها وقالت:
تعالي معي!

وسارتا معا باتجاه غرفتها بينما تعلقت الأنظار المتسائلة ب(مهران) الذي ارتبك وجميعهم ينتظرون تفسيرا منه فقالت والدته:
واجف عندك ليه اكده ومبلم؟ تعال اجعد ويانا!
فقال يحاول أن يتهرب مما هو آت:
معلش ياأماي هروح أريح شوي فى الجوضة أنا فايج من النجمة!
وقبل أن يخطو بعيدا عنها قالت بفضول:
هي فدوى تعرف منين الحاجة متوالي؟!
فقال مستنكرا:
إيش عرفني في أمرهم، التانين كانو بروما يمكن اتجابلوا هناك!
قالت بشك:.

كنت بجول اكده جبل ما أشوفك مسهم فيهم، كنك رجعت عيلة لحضن أمها...
تركها تتكلم وصعد إلى الأعلى لايقوى على مواجهتها فشعرت بالغيظ:
شوفوا الواد هملني ومشي وأنى بتحدت، بس أكيد يعرفوا بعض أنا حاسة بكده..
فقالت( زهرة) تحاول تغيير مجرى الحديث:
نحط الغدا ياأماي الكل إهناه!
قالت:
جومي جدامي، وانتوا كمان يابنات!
فقالت (بدارة )وهي تنهض:
هشوف سي مهران ياأمه وهرجع بسرعة!
قالت بحنان:.

روحي يابتي، الله يجويكي على أبو دماغ ناشفة!
كانت (فدوى) تجلس أرضا وتضع رأسها على حجر (ناتالي )وتحتضن ركبتيها فقالت (ناتالي):
لم أنت تائهة هكذا صغيرتي، لقد انطفأ البريق الذي كان بعينك الجميلتين؟ لم رحلت هكذا يا شذا؟ تركتى ميران مكسورا يتساءل بماذا أخطأ في حقك؟

لن تتخيلي ما عاناه هذا الوسيم المسكين، ضاقت به روما والعالم بأسره، عاد إلى موطنه قبل موعد تخرجه، حطمتى قلبه والواضح أن قلبك محطم أيضا! لم كل هذه المعاناة؟ لقد تزوج فلم عدت الآن؟
ماذا حدث صغيرتي؟ أخبريني أرجوكِ!
كانت (فدوى )تحترق بعتاب( ناتالي) لها وتبكي بحرقة لكنها رفعت رأسها ومسحت دموعها بكلتا يديها وقالت بصوتها المختنق من القهر:.

أنا لم أرحل لأنني كنت أريد ذلك! لقد كنت مجبرة على الرحيل، حين عادت ذاكرتي لم أستطع أن أتواجد قرب ميران، فضلت تحطيم قلبه على تحطيم حياته!
كان صعبا جدا أن أبتعد لقد تحطمت أيضا لم أستطع أن أفسر لميران لما رميت نفسي من ذلك الجسر، إن حياتي السابقة كانت مليئة بأناس مؤذيّين لم أكن أريد أن يصلوا إليه، من المستحيل أن أتحمل أن يؤذوه هو أيضا...
قالت(ناتالى)بحيرة:
هل كنتى مرتبطة بأحد؟

أطرقت (فدوى) برأسها بحسرة وقالت:
إبن عمي!
زفرت (ناتالي )وقالت:
حين بدأ ميران يتعلق بك أخبرته أن لايتسرع ربما تكونين مرتبطة، لكنه جازف بمشاعره وكان يقول أن سيتبع قلبه ورأيته أيضا وقلبه يكسر، رحيلك كان سيئا للغاية!
قالت(فدوى)بمرارة:.

بسبب الصورة التي وضعها ميران من أجل أن تتعرف إليّ عائلتي، أتى عمي وإبنه إلى المشفى، باديء الأمر لم أتعرف عليهما لكنني ما إن رأيتهما حتى راودتني نوبة عصبية وبعدما استفقت كنت قد تذكرت كل شيء، حاولت الإنتحار مجددا ثم هربت منهم ولكنه وجدونى مرة أخرى، فهربت إلى هنا حيث عائلة والدتي أبغى ملجئا.
قالت (ناتالي )وهي تحتضن وجه (فدوى) لتستحثها على التفسير:
أشعر أنك تخافين من هذا العم وولده؟
زفرت قائلة:.

كثيرا، كثيرا! لقد اكتشفت أن عمي وابنه تآمرا على قتل والدتي حتى يستوليان على أموال والدتي، لكنها اكتشفا بعد أن قتلاها أن جميع الممتلكات بإسمي وأنها من بعدي ستنتقل إلى الجمعيات الخيرية، بعد وفاة والدتي كنت شبه إنسانة، كنت ضائعة وحيدة منكسرة فقدت الشيء الوحيد الذي كان يمثل لي العائلة، أمي!

وقتذاك كان ( رحمان) أقرب شخص إليّ كان يحاول دائما مواساتي وإخراجي من ظلمتي، لقد تعلقت به لكنني لم أحبه هناك شعوري بداخلي بعدم الطمأنينة نحوه ظل يلازمني دائما، بعد أشهر من وفاة أمي أتى عمي وقد عرض علي الانتقال إلى منزله حتى لا أبقى وحيدة لكنني رفضت فطلب أن أكون كنة له وهكذا لن أكون متحفظة من التواجد معهم.
لا أدري كيف وافقت لقد كنت محاصرة منهما لم يجعلا لي مساحة كي أكون وحيدة وأفكر بما عليّ فعله..

قالت (ناتالى)بتقرير:
وافقتي!؟
قالت(فدوى):
وافقت! وتمت خطبتنا على الأقل أنا ممتنة لشجاعتي وقتها حين رفضت القران وطلبت مهلة حتى أستعيد نفسي..
بعدها اكتشفت أنهما من قتلا أمي وخططا لكل شيء وسيلقيان بي إلى الشارع بعد أن أنقل ممتلكاتي لزوجي، لم أستطع تحمل الحقيقة، كنت هائمة، خائفة، منكسرة، تخدرت مشاعري وقفت أمام الجسر وبدون تفكير ألقيت بنفسي...

ميران منحني أملا وحياة جديدة، حبه ملأ قلبي وجعلني أكثر قوة لمواجهة أعدائي وبذات الوقت أصبح نقطة ضعفي التي خشيت أن يستخدمها عمي ضدي، فرحلت!
احتضنتها (ناتالي )بشفقة وهي تبكي لحالها، وقتذاك كانت (بدارة )تسترق السمع عند بابهما لكنها لم تفهم شيء مما تقولانه فلعنتهما معا واتجهت بحنق نحو غرفتها...
دخلت لتجد (مهران )يقف بالشرفة يدخن سيجارة فقالت بغضب:
هي مش إكده؟
استدار نحوها بنصف جسده وقال:
هاا؟

قذف عقب سجارته والتفت يسند ظهره على السور مردفا:
-هي إيه دى؟
جلست على حافة سريرها وقالت بغصة:
البت اللي مالي جلبك عشجها وماجدرشي تنساها، فدوى مش إكده؟
لمن كنت بشوف بحلجتكم ببعض كنت بجول ماتتوهميش يابت هو بصلك انتي عشان يبص لغيرك، بس اليوم اتأكدت لما شفتها لاجت ناتالي كيف، وكيف بتبكي بحرجة معاها دلوك، محدش يبكي أكده غير من لوعة جلبه اسألني أنى!
هي مش إكده؟ البت بتاعت روما هي فدوى؟

جمع يديه على صدره وقد غيّم الحزن على وجهه:
البت بتاعت روما إسمها شذا مش فدوى، فدوى غير شذا اللي عرفتها هما نفس الشخص بس غير..
طالعته برجاء والدموع تنهمر من عينها:
بالله عليك بلاش كلام المتعلامين ده وجول هي، يعني إيه مش هي فاهمني، هي ولامش هي؟
اقترب منها وجلس بجانبها وقد حكى لها قصته مع شذا بكل تفاصيلها وعن معاناته حين تركته ورحلت وهي صامتة تستمع وقلبها ينزف ألما، حين أنهى كلامه قالت:.

أنا حبيتك يامهران وربنا ف سماه عارف جد إيه حبيتك وجلتلك هصبر عليك العمر كله عشان يحن جلبك عني لكن ماجدرش أعيش مع ست تانية تشاركني فيك وأنا أعرف إن جلبك كلاته ليها وأنا واجب عليك وخلاص، أهي البنتة رجعتلك ولا جدرها رماها حداك مش مهم اللي عايزة أجوله اختار ياواد عمي بين جلبك وواجبك عشان ماننظلمش احنا التلاتة، باينها بتحبك هي كومان!

ماعزعلش منيك حتى لو اخترتها أنا عاشجة وعارفة حرجة الجلب وكسرته، و مجدرة اللي انت بتحس بيه واللي بتحبها بعيدة عنك، أنا عايشة المر دا معاك، لا انت ليك ذنب ولا أنى!
لم يستطع (مهران )مقاومة دموعه وقد شعر في كلامها بقهرة لا تحتمل، وقفت لترحل فأمسكها من يدها وعانقها بقوة يطلب منها السماح:
سامحيني يابدارة، أنا ماستهلش جلبك الطيب، إنتي أحسن من فدوى ومن كل البنتة اللي خلجها ربنا، سامحيني على ظلمك والنبي!

قالت بحرقة:
مسامحاك دنيا وآخرة، انت مالكش ذنب بجلبي، أنى اللي حرجت نفسي بنفسي!
دفعته بعيدا عنها وخرجت من الغرفة تاركة إياه يحترق بنار تأنيب ضميره..

كان قلب (بدارة )كقلوب الكثيرين المنكسرة بسبب عشقها لقلب لا ملك لها فيه، لكن روحها المتسامحة جعلتها تشعر ببعض المواساة، ألمها العظيم الذي يحطم كل مافيها، لا تريد ل(مهران) أن يختبره من شدة حبها له لا تريد أن يتألم بقدرها، إنها تنتظر قراره وهي تعلم أن في كلتا الحالتين لا تستطيع أن تحتل جزءا من قلبه الذي فاض بعشق أخرى...

خرج (مهران) من غرفته غاضبا ودخل غرفة( فدوى) وسحبها من حجر( ناتالي) التي انتصبت بقلق، أمسكها من يدها يطالعها بعينين حمراوين محتقنين وهو يقول:
حالا عتريحيني، ياعتجولي روحتي وتركتيني ليه، ياترجعي موطرح ماجيتي، أنا مش حمل أظلم حدا حتى من غير جصد، بدارة مالهاش ذنب بجلبي اللي متعلج بيكي، ومهملها حاسة روحها بزمة راجل مش مالكاه..
دفعته بقوة وقد أشاحت بوجهها عنه فعاد يشدها إليه:
انطجي ماتخرجينيش عن طوري!

اقتربت (ناتالي) لتفصل بينهما قائلة:
إهدأ ياميران، إهدأ وستخبرك بكل شيء!
هيا صغيرتي أخبريه الحقيقة! لم يعد هناك داع لإخفائها!
همت لتقول شيء لتدخل (راوية) وهي تنادي:
مهران، إلحج بدارة وجعت من طولها لاحس ولا خبر، عجل عجل!
بقلب منقبض ركض إلى الأسفل تتبعه (فدوى) و(ناتالي ) ليجدها بين يدي( محمد) يتجه بها إلى الخارج هو يقول:
ضغطها نزل بس، حرارتها كمان عالية، مش حاجة خطيرة ماتخافوش!

توجها بها إلى المشفى بينما عادت (فدوى) إلى الداخل وقلبها يتمزق على حالها كانت تشعر أنها خربت حياتها وجلست تنتظر على أحر من الجمر عودتها لتطمئن عليها وتعتذر منها ثم ترحل بعيدا عنهم حيث لن يجدها أحد أبدا...

في المشفى كانت (بدارة) قد استعادت وعيها بعد أن علق بذراعها محلول مغذي، سحبت الممرضة قليلا من دمها من أجل تحليله، جلس (مهران) يمسك بيدها وعلى وجهه ابتسامة حزينة نظرت نحوه وبادلته ذات الابتسامة وقالت:
أنى كويسة ياسي مهران ماتجلجش، مرات أنسى أكل عشان اكده نزل ضغطي شوية!
قال:
آه منك آه، في حد ينسى ياكل!
غلبها النعاس فأغمضت عينيها بينما بقي هو إلى جانبها ينتظر استفاقتها من جديد، يهمس بحزن:.

-ياريتني جابلتك من جبل..
ياريتني ماشفتش غيرك..
لا ف زينك ولا ف طيبة جلبك..
ياريتني حبيتك زي ماحباني..
ياريتني ماحبيتش اللي وجعاني..
كنت هعيش مبسوط، حداكي..
كنت هعاود للبيت متلهف وعند الباب ألجاكي..
أبوس خدك وأحط وردة ف يدك..
تبتسميلي وابتسملك حب مش واجب..
ونتحدث من غير مانمل!
من غير ماتشوفيني بالدنيا وانا ليكي مْهَمِل..
ياريتني جابلتك من جبل..
ماكنش جلبي هيبجى غير ليكي..
وعنيا ماكنتش حزنت عنيكي..

سامحيني، عشان جلبي مش ليكي!
دخل (محمد )فمسح (مهران) دموعه وقطع حديثه، ربت على كتفه وقال:
ماتجلجش ياخوي هي زينة وكمان في خبر يفرح، بدارة حامل يامهران، أيوه هتبجى أب ياولد عسران!
نظر إليه (مهران) وقد صعقه الخبر وشل كيانه وما إن استوعب ما قاله (محمد) حتى انتصب واقفا وخرج من الغرفة دون أن يقول شيء..

القدر إذن! والآن سيدفن قلبه بين أضلعه ويقوم بواجبه اتجاه عائلته، لقد كانت (بدارة )تنتظر قراره واختياره لكن القدر عافاه من هذا وقال كلمته وسيصغي إليه!

أما (راجي) فكان له قدر مختلف، كان له إبن حقيقي عن حب ينمو بعيدا عنه إنه الإبن الذي يأبه له ويتمناه دون الأطفال الآخرين الذي يحملون دمه واسم رجال آخرين...
فكرت (نوار )كثيرا وقد استعادت حيوتها بعد أن قررت أن تسامحه وتمنحه فرصة جديدة
استحمت وارتدت ثيابا جيدة ووقفت أمام والدتها وقالت:
أنا رايحالو ياأماي، مش هيكون زي أبوي، مش هسمحله يكون، هخلي ولدي يفخر بأبوه وهو عيتغير عشانه لو مش عشاني!

ماجدرش أعيش من غيره لا أنا ولا إبني، لازم نرجعو حدانا!
ربتت( زبيدة )على يدها وقالت:
روحيلو يابتي، روحي! ربنا يصلح حالك!
وقتذاك كان( راجي )يتجه إلى الكوخ قدماه تتقدمان لكنه قلبه يمنعه، كان يصارع شيء غريبا في نفسه ومع ذلك واصل سيره دون أن يشعر أن هناك من يترصد له..
وصل إلى الكوخ فوجد المرأة تلك تنتظره، فقال متهكما:
جاية كومان على بكرة الصبح مش جادرة تصبري ياحزينة!
فأجابته بحنق:.

عشان الحج أرجع جبل راجلي مايعاود البيت!
قال متهكما:
لاه، حساسة جوي ياأختي! اخلصي عشان مالياش خلج!
لم يكن بالشيء الجديد عليه مايفعله لكنه استصعبه كثيرا هذه المرة..

اقتربت( نوار) من الكوخ وحين لاح أمامها شعرت بسعادة غامرة، سعادة اللقاء، لقد تخيلته لعدة مرات فسارت نحوه مهرولة متحمسة وكانت تدري أن (راجي) يقضي معظم وقته هناك، وصلت إلى الباب وقبل أن تدخل سمعت أصواتا غريبة تنبعث من الداخل فاستدارت إلى النافذة وهي تسترق النظر ثم عادت إلى الوراء كقط مذعور مصدومة بما رأته..

ركضت بعيدا كأنها تهرب من كهف غولة ودموعها تسابقها، وقفت عند الساقية تلتقط أنفاسها ثم خرت على الأرض على ركبتيها تصرخ ألما شديدا ناتج عن تحطم قلبها الذي أحب شخصا غير مناسب...
حالتها كانت مزرية تكاد تفقد عقلها من الحزن والغضب، جلست قليلا حتى هدأ روعها وقد استعادت كل اللحظات التي جمعتها ب(راجي) وراحت تلومه، لما علقها به وكسر قلبها؟استقامت وسارت بغضب إليه مجددا عازمة على أن تحاسبه على أفعاله..

دفعت باب الكوخ بقوة وهي تصيح بإسمه
فتسمرت مكانها وقد تشنجت ملامحها وهي تراه يغرق في دمائه هو والمرأة تلك شبه عارييّن مذبوحيّن، هو صريع على الأرض بعيد عنها وهي متدلية على السرير تقطر دماءها على الأرض..

خارت على ركبتيها أمام جثته منهارة لم تستطع أن تبدي أي رد فعل، لقد رحل وما كانت تظن أن رحيله سيمزق قلبها وروحها بهذا الشكل، نزعت خمارها وغطت جسده ثم جرت قدماها خارجا مكلومة كان قلبها يغلي وروحها تصرخ أما ملامحها باردة برودة الموتى..

إنها قلوب متحابة لا تجتمع، جعلها القدر تُضنى بالعيش متنافرة..
عاد (مهران )برفقة (بدارة )و(محمد) إلى البيت حيث استقبلهم الجميع بلهفة، هرعت (ثريا )و(زهرة) نحو (بدارة) يسندانها وقد أجلساها بينهما..
اقترب منها الحاج (عسران) ووالدها بقلق يسألانها عن حالها فقالت بهون وابتسامة مصطنعة:
أنا زينة الحمد لله، خرعتكم على مافيش ماتواخذونيش!
فصاحت (ثريا) بقلق:
هاه يامحمد ياولدي خيّتك عندها إيه؟

ضحك (محمد )وهو يربت على كتف( مهران) الواقف بجانبه بصمت وعيناه متعلقة ب( فدوى) كأنه مذنب يطلب الصفح:
كل خير يامه! بدارة عتجيبلكم عسران زغير بإذن الله..
تعالت الأصوات بفرحة وأخذو يعانقون (بدارة) و(مهران )فانسحبت( فدوى) كالملدوغة إلى غرفتها بينما (ناتالي) اقتربت من( بدارة) وقبلت جبينها بحنان تبارك لها ثم اقتربت من (مهران) تعانقه وقد دس وجهه في كتفها فهمست في أذنه:.

تمالك نفسك أرجوك، سيكون كل شيء على مايرام عزيزي!
غمغم بشيء ما وحاول عدم السماح لدموعه أن تنزل فأردفت:
عليك أن تنسى أصبحت لديك أولويات جديدة الآن!
تشبث بها وهمس:
لاتتركيني أنت أيضا أرجوك ناتالي، أنا بحاجة إليك!
ربتت على كتفه بابتسامة طيبة، فقالت( ثريا) وقد شعرت بالغيرة من( ناتالي):
شوف الواد كيف متبت فيها وعيخنجها، هو أنى مش أمك بردك ولا لجيتك على باب ولي صالح!

زفر بعمق ثم استدار نحو والدته واقترب منها يعانقها ويقبل رأسها ويشاكسها قائلا:
ماانتي نسياني وجاعدة متبته فى بدارة كني مش ولدك جلت أخليكي تغاري زي مأنا غيران..
وه، وه!
جعلها تضحك متناسية غضبها منها ليقول (عويس):
الفرح بجى اتنين ياخوي، الخميس الجاي كتب كتاب العيال وعناخد عروستنا ونرجع دارنا بجى...
فقال (عسران ):.

لو على العرس فأنى موافج بس الرجعة ليه ياخوي اجعدوا حدانا احنا متوناسين بيكم ولما يتصلح الحال ويرجع البيت كيف ما كان هنرجعوا الدوار كلياتنا..!
قال(عويس):
ربنا يفرجها علينا، حسبي الله في اللي كان السبب!
فقال( مهران) وهو يمد يده إلى( بدارة ):
تعالي اطلعي فوج ريحي شوية انت لساكي تعبانة..
أمسكت يده وسارا معا بينما تطالعه والدته بحب وهي تردد:.

- الله يبعد عنيكم شر العين والحسد ويرزجكم من فضله وتملولنا البيت عيال يارب، بدارة ومهران وكل ولادي اللي حدي يارب.
تقاطعت طريق( مهران) و(بدارة) مع( فدوى) التي تسحب حقيبتها وراءها في الممر فطالعتها( بدارة) بحزن وقد انخلع قلب (مهران )فارتعشت يداه التي تمسك ب(بدارة) فشعرت بذعره قالت (فدوى) بابتسامة حزينة:
مبروك يابدارة، الله يقومك بالسلامة!
مبروك يا أستاذ مهران!

وأومأت برأسها وواصلت طريقها فقالت( بدارة ):
فدوى، استني يابت عمتي! رايحة على فين اكده!
كانت (فدوى) تختنق حرفيا حتى الكلام يرهقها حاولت تنظيم أنفاسها المتلاحقة وقالت بصوت خفيض:
هاا، أنا، عندي بيت بالقاهرة هقعد فيه الأسبوع ده قبل ماأسافر..
وبدون وعي منه سألها( مهران):
هتسافري؟ هترجعي إيطاليا؟
تشبثت بيد حقيبتها كأنها تستند عليها وهي تقول:
لأ، ماليش مكان فيها!
فقالت (بدارة) بنفاذ صبر:
تعالي ورايا، وأنت كمان؟

تبعاها إلى الغرفة فجعلتهما يدخلان وأغلقت الباب وراءهما اردفت:.

احنا مش ولاد زغار ولا مراهجين، أنى عارفة كل حاجة عنيكم، ماتستحيش مني يابت عمتي، جدري أجابله بعدك بجلبه المكسور اللي يادوب يخليه عايش وسطينا، لو بسببي عايزة تروحي فماتروحيش بجولك! هو عاشجك انتي دنيته، أرضه وسماه أنى مش حاجة بحياته غير واجب يمكن، اسمعوني زين انتو التانين هتجولو كل حاجة لبعض، حياتنا احنا التلاتة مش عتمشي وكل حدا نفسه فى التاني ومش طايله..

كانت( فدوى) تطالعها بذهول تستغرب هذه القوة والثبات التي تتحدث بهما وتوزع نظرها بينها وبين (مهران) الواقف يواليهما ظهره ويعقد يديه خلفه إنها أسوء لحظات حياته لم يتخيل يوما أن يقف وقفة الضعيف هذه، بينما قالت(فدوى):
انتي بتهزري صح؟ عايزة مني إيه، عايزة أقولك إني بحب جوزك وماقدرش أعيش من غيره معلش خدي ابنك وروحي من هنا! أنا اللي سبته ماليش حق فيه دلوقتي!
صاح( مهران )بغضب:.

اسكتي انتي وهي! هو أنا غرض عايزين تتجاسموه ولا حاجة بتتآثرو على بعض بيها أنى بني آدم جدامكم، اللي بحبها ماطلعتش نصيبي مش أنى أول ولا آخر واحد حب وماخدش وعاش مع كسرة القلب , مش انتوا اللي عتجرروا عني..
ماعتش مهم أعرف ليه مشيت دلوك، اللي يهمني أنها تمشي، دلوك!
روحي من اهنه يافدوى!
وقفت المرأتان تطالعانه بألم وصمت بينما هو يغلي ويشتاط غضبا..
طرقات على الباب ثم فتحته (نفيسة) وقالت:.

الحاج عايزك ياولدي، الحكومة خدت عمتك، إلحج المصيبة ديه!
ضحك( مهران) من قهره وقال وهو يضرب كف على كف:
بوليس كمان، كني ناجص وجع جلب!
نزل الثلاثة معا إلى الأسفل حيث يبدوا القلق والتوتر على الجميع و (ثريا) تردد:
استر يارب، جيب العواجب سليمة يارب! كان مستخبي لنا فين ده بس، هو احنا مش بنلحج نفرح حتى توجع علينا مصيبة! استر يارب!
فقال( عسران) يحاول جعلها تصمت عله يفكر بحل ما:.

بطلي ولولة ياحرمة خلينا نفهم حوصل ايه؟
هااه، مهران ياولدي، نوار بتجول الحكومة خدت عمتك المركز، تعالى نروح اهناك!
أمسك( مهران) بهاتفه قائلا:
-خليك إهنه ياأبوي وأنى عشوف الدنيا فيها إيه اللول وأجولك، عاخد معايا ناجى، هيبجى سوء تفاهم بإذن الله، متجلجش.
ثم خرجوا تاركين فوضى من الخوف الذي يظهر على الوجوه الناحبة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة