قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الأول

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الأول

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الأول

كنت أظن أن الذين لا يؤمنون بالحب تبقى قلوبهم سليمة، قطعة واحد يحافظون عليها كما تحافظ الخمسينية على ملامحها الجميلة باستماتة، لكن القلوب الخالية من الحب مظلمة لا ينفذ إليها نور فتتآكلها رطوبة الوحدة ورتابة المشاعر فلا تسلم من الألم والمعاناة والقطعة الكاملة تتفت مرة واحدة وتتناثر مرة واحدة دون أن تجد من يرممها، والآن بعد كل شيء وصلت إلى قناعة تامة أن القلوب المؤمنة بالحب تتجزأ ويعاد ترميمها أما القلوب بدون حب فتتفتت وتتلاشى، لذا فلا ضير من الحب.

أفكار( مهران) أو ( ميران ) كما يلقبه أصدقاؤه مرتفعة الأفق دائما وأحلامه بعيدة المدى، شاب مثله من عائلة عريقة كان يكفيه أن يتمرغ في خيرات والده دون أن يبخل عليه هذا الأخير، لكن طموحه الجامح في تطوير ذاته جعله يتحدى والده من أجل أن يسافر خارج البلاد لأجل تعليم أفضل وبما أنه وحيده فقد لقي صعوبات جمة في إقناعه حتى تمكن من ذلك أخيرا وغادر بحقيبة محملة بأحلام كبيرة وبدعوات جميلة ودموع ملتاعة لفراقه فحملها على عاتقه كوعدا بشخص آخر ناجح بإمكانهم الإفتخار به..

مرت السنوات الخمس وهو غائب عن كنف العائلة لا يزورهم سوى شهرين كل سنة نهاية كل موسم دراسيّ، تمر السنون ثقيلة لكنها تمر على كل حال وكل مرة يفاجئهم بشخص متطور جعل من أعمال والده تزدهر وتصبح أكثر شهرة بمجرد متابعتها من بعيد وإسداء نصائحه التي تولدت من خلال دراسات عميقة وتجارب عملية في مجال الأعمال وإدارتها..

روما أرض الأحلام...

استطاع( مهران) وضع بصمته سمعة وعملا في مختلف المنشآت الإقتصادية والتجارية وحتى المحلات البسيطة التي عمل فيها من أجل توفير مصروف جيبه مع أنه لم يكن بحاجة إلى ذلك لكنه عزم على الإعتماد على نفسه وعدم مطالبة والده بتغطية مادية لحياته هناك، حتى مصاريف دراسته لم يتحمل والده سوى سنة واحدة منها.

(مهران عسران مجاهد الهواري) الذي لفحته شمس أسوان فأكسبته سمرة فاتحة كخبز عربي خرج لتوه من تنور سيدة احترفت خبزه، تغطيه لحية خفيفة تكسبه وسامة لطيفة تتناسب وطوله المتوسط وجسده العريض الرشيق الذي جعله فارس أحلام الرومانيات، من يعرف (مهران) جيدا يمكنه اخبارك أنه شخص خفيف الظل يجبر أي أحد على الإبتسام من كلماته العفوية المضحكة، و أنه لا يتوانى عن مساعدة أحد ذو حاجة، بداخله قلب من ذهب يصل لمعانه إلى عينيه العسليتيّن، أما من لا يعرفه فيبدو له شخص حازم، نشيط، مجتهد، لامع الذكاء، سريع البديهة، كتوم لدرجة الإنغلاق على نفسه، وتلخيصا لما يكونه فهو شخص يعتمد عليه بحق.

الشتاء في (روما) قاسيا جدا من أول كانون الاول يبدأ بفرش الطرقات بلحاف أبيض زلق ليزداد وثارة مع تقدم شهوره إلى منتصف الربيع، شخص ك(مهران )تعود على حرارة الصحراء لايمكنه أن يتعود على برد كهذا ولكنه بعكس كل التوقعات يحب الأجواء هذه جدا كأنه يغيظ الحر ببلدته..

سنته الأخيرة هنا كما وعد والده، سنة تخرجه، فانهمك في تحضير رسالة الماجيستير بكل إجتهاد بجانب ذلك كان يعمل كمستشار إداري بشركة للتصدير والإستيراد متعاقدة مع بلدان عربية يكسب منها مايستطيع به تأجير شقته وسيارته وجميع مصاريفه.

تعوّد قبل يعود إلى شقته مساء أن يعرج على مطعم كان أول مكان عمل فيه، فيدخل مطبخه ويحضر أكلا مصريا ويتناوله وزملاؤه السابقين فيثنون على مذاقه الرائع، ثم يقود إلى بيته وهو يتلذذ بقهوته الساخنة..

توقف فجأة مما جعل سيارته تصرخ مذعورة كحاله بينما ترتفع رائحة احتراق العجلات بالاسفلت وصوت الإرتطام يذهله، فتناثرت قهوته تلطخ الزجاج من الداخل بينما الدماء تغطيه من الخارج، قفز خارج السيارة دون أن يمنح نفسه فرصة لالتقاط انفاسه بينما السيارات الأخرى تتجمع وراءه واصحابها حوله وصفير سيارة الشرطة يقترب..

على ضوء السيارة ظهر جسدا مكوما يبدو لإمراة لم يستطع استبيان ملامحها من الدماء التي تغرق وجهها وشعرها الذي يلصق به، كاد أن يلمسها فإقترب منها أحدهم أراد حملها ليقول له بحزم:
إياك أن تحركها لقد تعرضت لبعض الكسور حتما!

ابتعد الرجل متذمر بينما يطالعه باستعلاء وهو يقول:
كان عليك القيادة بحذر، هي هكذا بسببك الآن أيها المتهور، أم تراك تقود تحت تأثير الكحول؟

ليقول له( مهران )وهو يميز من الغيظ:
من الأحسن أن تبتعد من هنا يا هذا!

حاوطت الشرطة مكان الحادث بشريط أصفر حتى يتراجع الجمهور عنه ثم بدأوا في تنظيم حركة المرور بينما سيارة الإسعاف حملت المصابيّن، في الواقع لم ينتبه مهران أنه لوى كاحله وتعرض لجروح على مستوى جبينه ورأسه بسبب الزجاج المتطاير والإصطدام فقط حينما أراد الوقوف مجددا ولم يستطع أدرك ذلك بالإضافة إلى خط الدماء الذي ينز من جانب رأسه وإصابته بالدوار فحمد الله أن هذا ما أصابه فقط بينما يطالع الفتاة التي قد نظفت الممرضة دماءها قبل أن تضع لها قناع الأوكسجين ودعامة رقبتها، ومن ثم أقحمت بوريدها محقن ينفذ منه محلولا معلق أعلى النقالة التي ترقد عليها بينما راحت تجس نبضها ومؤشراتها الحيوية وهي تدون تقريرها ثم قالت له:.

إسمها؟

فرد عليها كأنه لم يفهم ما قالته فأعادت سؤالها:
المصابة ما إسمها سيدي؟

قال بحيرة:
هااا!

وضعت الملف جانبا ثم اقتربت منه وهي تفحصه وقد عرضت بؤبؤيه للضوء الذي يصدر من قلم بيدها:
أظنك تعرضت لصدمة سيدي، ستحتاج إلى القليل من الراحة ليعود وعيك بصورته الطبيعية.

ثم سألته مجددا:
ما إسمك سيدي؟

قال بحيرة مجددا:
هااا؟

فقالت بعملية:
لاباس سيدي ستكون بخير.

لكنها ما لبثت أن انهت جملتها حتى فقد وعيه وتراخى جسده عليها فمددته على الناقلة الاحتياطيّة وعلقت بذراعه محلولا هو الآخر.

مرت سويعات بسيطة فبدأ (مهران) يستعيد وعيه وحينما فتح عينيه وجدد نفسه بقسم الإستقبال قد عادت إليه ذاكرته، فسأل على الممرضة التي كانت تطالعه بابتسامة عن حال الفتاة التي أحضروها معه فطمأنته قائلة:
إنها بالعناية المركزة، لقد جرت عمليتيّها على مايرام وحين تستفيق سننقلها إلى غرفة عادية.

قال بصدمة:
عمليتان؟!

أجابت بلطف:
أجل سيدي، قد تعرضت لنزيف داخلي فكان لابد لتدخل جراحي أما ساقها فجبر الكسر ببعض المشابك الفولاذية.

تأسف (مهران) لحالها وهم ليقول شيء قبل أن يقاطعه دخول شرطيان لأخذ أقواله:
الفتاة لم تكن تسير لأصطدم بها بل وقعت من أعلى الجسر، لقد رأيتها في اللحظة الأخيرة قبل أن تسقط وترتطم بمقدمة سيارتي لذا سحبت الفرامل اليدوية مما جعل السيارة تلتف بزاوية مئة وخمسة وثلاثون درجة.

ليساله أحدهما بينما الآخر يدون إجابته في اللوح الإلكتروني الذي بين يديه:
لك سابق معرفة بها؟ أو وجدت شيء يدل على هويتها؟

قال نافيا:
لا سيدي.

قال الشرطي:
حسنا أيها الوسيم، سنأخذ رقمك في حالة إن جد جديد.

أعطاهما (مهران )رقم وغادراه فشعر بوعيه ينسحب مرة أخرى ليغط في نوم عميق لم يسحبه منه سوى صوت الممرضة وهي تقول:
استفق أيها الأمير النائم إنها الثانية بعد الظهر!

تململ في مكانه واعتدل بجسده بينما تقيس ضغط دمه مبتسمة فسألها مجددا عن حال الفتاة فأخبرته أن وضعها مستقر وقد تم نقلها إلى غرفتها لكنها لم تستعد وعيها بالكامل فطلب مساعدتها من أجل أن يراها فناولته عكازا وقادته إلى غرفتها وتركته امامها وذهبت لاستئناف عملها بينما طرق على الباب عدة طرقات ثم دخل وهو يصدر نحنحة منخفضة..

سحب كرسيا وجلس بقربها وقد أحزنه مظهرها الشاحب والغرز على الجرح العميق جانب جبينها وجفونها منتفخة والهالات تحت عينيها محمرة وهذا ما جعله يدرك أنها بكت كثيرا قبل أن تقدم على ما أقدمت عليه، لم يكن ليتجرأ أن يمسك يديها لكنه تشبث بيده حين همس:
أنا آسف!

فتحت عينيها وبدأت تحدق به لوهلة فابتسم لها وقال بالعربية:
حمد لله على سلامتك إنتِ كويسة؟

ثم فطن أنها لربما تكون أجنبية بغض النظر عن ملامحها العربية فعدل جملته واعاد صياغتها بالإنجليزية، هزت رأسها فسألها عن إسمها فقالت:
أنا مش فاكرة.

ابتسم وحال لسانه يقول طلعت مصرية كمان، المتعوس متعوس حتى لو جيه روما.

قال بهدوء:
مش مهم اسمك هتفتكريه شوية شوية أنا كمان ماكنتش فاكر حاجة ولما قمت من النوم افتكرت، أنا مهران اللي خبطتك بالعربية للأسف.

فقالت وقد احتقن وجهها:
للأسف هتنفعني بايه حضرتك؟ إنت شايف حالتي افرض كنت مت، لما انت مش قد السواقة بتسوق ليه؟

طالعها بشفقة وهو يكلم نفسه شكلها مش فاكرة انها حاولت تنتحر فاردفت:
انت بتسرح فى إيه يا أستاذ انت؟ طب اعمل ايه دلوقتي أما انا مش فاكرة اسمي ولا حاجة هطمن اهلي عني ازاي ولا ماعنديش أهل؟ اووف إيه الحيرة دي؟ عجبك كدا؟

تذكر أنه سمعها قد رددت إسم فيفيان فسألها من تكون لكنها لم تستطع تذكر هذا أيضا فقال لها:
طيب نامي شوية يمكن لما تصحي تفتكري زيي، على العموم أنا سبت رقمي بالاستقبال لو عوزتي حاجة اتصلي بيا.

أمسكته من يده بشدة وقالت وقد بدا عليها الألم:
رايح فين أنا مش فاكرة حد، خليك يمكن انساك انت كمان وساعتها أعمل ايه؟

فعاد ليجلس مكانه بقلة حيلة فلانت ملامحها وابتسمت له، وقتذاك دخلت الممرضة تحمل بعض الطعام إليهما فكانت له وجبة كاملة ولها هي حساء ساخن فقط مما جعلها تتذمر لكن الممرضة أخبرتها أنها لا تستطيع الأكل فورا وقد أجرت لتوها عملية جراحية..
ساعدها (مهران) على تناول حساءها الذي لم تستسغه كثير بينما عينيها معلقتين على صحنه وهو يبتسم على رغبتها البادية على وجهها إلى أن أنهته دون أن تشعر.

تناول (مهران) بضع لقيمات من طعامه ووضعه جانبا فبدأت بفتح حديث محاولة التعرف على هذا الغريب الذي يجلس أمامها لكنها كانت تشعر بضيق وتشرد قليلا ولا تدري لما ثم أبدت رغبتها في النوم فاستأذنها الرحيل قليلا ليعود إليها في وقت لاحق فأذنت له.

حتى النسيان لايكفي ليجعل المرء لايشعر بهمومه، هذه الفتاة لا تتذكر شيء وبالرغم من ذاك تشعر كأن الكون كله يجثم على صدرها ويطبق على أنفاسها.

كان لابد ل(مهران )أن يقدم ملف ملخصات مشروعه فقصد الجامعة وسلمه إلى الدكتور المسؤول عن متابعة رسالته كما قدم له إجازة مرضيّة يعتذر فيها عن مزاولة الجامعة لليومين القادمين حتى يتعافى كاحله والجرح برأسه الذي يسبب له الدوار ثم عاد إلى شقته من أجل أخذ حماما دافيء وتغيير ملابسه كل هذا وهو يفكر في الفتاة التي ترقد في المشفى مجهولة الهوية، قطع حبل أفكاره طرقات على بابه فابتسم وهو يتوقع من وراءها:.

مرحبا بالجميلة ناتالي.

أزاحته من فم الباب ودخلت تحمل بيدها صحن معكرونة بكرات اللحم المفروم المغطاة بالجبن فذكرته الرائحة كم هو جائع..
قصد المطبخ وأحضر صحنين وشوكتين وكأسين وعلبة عصير ثم جلس قبالتها وهي لاتزال تطالعه دون أن تقول شيء، ألقمها قليلا من الطعام فراحت تلوكه وهو يقول:
أعتذر جميلتي، لابد أنك شعرت بالقلق عليّ...

قالت بحنق:
قلق؟! لقد طويت الليل بأكمله وأنا أنتظر مكالمة منك ثم النهار بأكمله، ظننتك مت يا أحمق!

أمسك وجنتيها بلطف يداعبها بحنان إبن لأمه وقال:
لقد غرقت في النوم بسبب المسكنات لم أستفق سوى عصرا وانشغلت بأمر الفتاة التي أصبتها، وضعها مستقر لكن لاتتذكر شيء عن هويتها.

فقالت وهي تربت على جرح جبينه:
هل تألمت كثيرا صغيري؟

قبل يدها المنتفخة وقال:
القليل فقط، لكن هذا الدوار يزعجني.

قالت متفهمة:
هل ستزور الفتاة مجددا، أريد أن أرافقك أيضا؟

ألقمها مرة أخرى وقال:
لنذهب إذن! لكن بعد الانتهاء من صحن المعكرونة.

أخذا يتناولان طعامهما بنهم كعائلة، لطالما كان( مهران) يعتبر السيدة( ناتالي) أما له، تلك السيدة الودودة الممتلئة كثير والقصيرة كثيرا ثقيلة الخطى ذات شعر رمادي تعيش قبالته وحيدة تستأنس بوجوده وطبخها له وتناول الطعام معا فتشعر أنها غير منسية كما يشعر هو بالإنتماء وتتراخى حوله قيضة الغربة الخانقة.

الغرق في نوم ترف يمارسه مرتاح البال أما أولئك المعذبون لاترحمهم حتى أحلامهم كأن أقدارهم تقسم أغلظ الأيمان أن لا تهنئهم بلحظة راحة كأنها تنتقم.

الأحلام المزعجة التي كانت تراود هذه الفتاة التي لا تتذكر شيء كانت قاسية سوداء جعلتها تغرق في العرق ونوبة نشيج قد أتت الممرضة على إثرها لتوقظها انتفضت فزعة وهي تردد:
- كابوس، سيء!

فناولتها الممرضة بعض الماء حتى تهدأ نفسها وقتذاك دخل عليهما (مهران) وسيدته الودودة( ناتالي) التي اقتربت من الفتاة وقد تناولت منديلا وراحت تمسح دموعها والعرق من وجهها بينما تردد الفتاة:.

- الله يسامحك على اللي عملته فيا أنا حتى مش فاكرة إسمي إيه؟اووف هو أنا نمت كتير ولا إنت اللي إتأخرت، ماهو إنت سليم تدور زي ماتحب وسايبني هنا لوحدي، طب قول كدا بصراحة ماطلعش انا مراتك ودي حماتي وانتوا عملتو فيا كدا عشان يخلالكم الجو بعيد عني؟ هاااا قول قول!

قال بإبتسامة:
لأ بس لو عايزة ممكن جدا خير البر عاجله أجيب محامي، ها إيه رأيك؟ قولي، قولي!

(ناتالي) لم تكن تفهم كلامهما لكنها رأت التناغم بينهما فقالت ل(مهران):
مِيران! أحببتها، يمكنك المضي قدما أيها الوسيم.

قال:
اهدأي ناتالي، الفتاة منفعلة لأنها لاتذكر شيء عنها، حتى إسمها.

جلست( ناتالي )على الكرسي بقرب الفتاة ووضعت زهرة على شعرها وقالت:
الإسم ليس مشكلة لنصنع لها واحد.

فنظرتا إليه تنتظران ماسيقوله بحماس بينا بدا عليه التفكير الجدّي:
أممم، ما رأيكما ب(شذا )؟

اشهرت الفتاة بأصبعها وقالت بانفعال:
هو شذا، أنا حساه قريب مني، شذا!
مرحبا ميران أنا شذا
مرحبا ناتالي أنا شذا
أرايتما هكذا أصبحت أشعر أنني شخص ما.

كان (شذا )تتحدث بسرعة مما يجعل تعبيرات وجهها مضحكة وكان (مهران) لأول مرة يلاحظ الجمال في فتاة ما، لقد راقت له شذا الورد كما لقبها بخفة روحها ولطافتها وعفويتها رغم الالم الذي يغرق عينيها السوداوتيٌن حتى أغلقتهما لتنام أخيرا فانسحبت (ناتالي) و(مهران) لتركها ترتاح قليلا..

مرّ أسبوع كامل ولازالت( شذا) في المشفى لم يسأل عنها أحد وهي لم تتذكر أحد و(مهران) لم يخبرها حقيقة ماحدث لها بعدما استشارة طبيبتها النفسية التي أخبرته أنها تعرضت لصدمة مما جعل ذاكرتها تختفي مؤقتا و معرفتها بما حدث ربما تؤثر على صحتها فكان يقسم يومه بين دراسته الصباحية فيتركهما مع (ناتالي) ليزاول عمله بعد الظهيرة ويعود لزيارتها مساء حتى يحين موعد نومها فيرحلان عنها.

لقد تكونت بينهما صداقة قوية ورابط يمكن أن يتعدى الصداقة بمراحل فكانا يشعران بالإنتماء إلى بعضهم.

كانت تلح (شذا )على ضرورة معرفة عائلتها فوضع( مهران) صورة لها على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يجدها من يعرفها فوجدت الفكرة جيدة فكانت تنتظر بحماس معرفة هويتها المجهولة.

بدأت تستعيد عافيتها واقترب موعد خروجها فاقترحت عليها (ناتالي )أن تعيش برفقتها فرحبت كثير بالإقتراح لأنها حقا كانت تحبها، فعادت( ناتالي )ونظفت غرفة من أجلها بينما قام (مهران) بتأثيثها وشراء كل مايلزمها من ثياب وغيرها امسكته (ناتالي) من معصمه وأجلسته أمامها وقالت:
أرى أن شعلة الحب بدأت تتقد بقلبك ميران، أليس كذلك؟

ابتسم (مهران) وقد ظهر عليه الحرج فأردفت:
شذا فتاة جميلة ورائعة تناسبك تماما، لكنك تناسيت أمرا صغيري، أنت لا تعرفها، ربما تكون مرتبطة أو تعاني من شيء ما، لقد حاولت الإنتحار يومها، لمَ ياترى؟ ما أحاول قوله ميران لاتتعلق بها جدا سيأتي يوم وتتذكر وربما تكون مرتبطة أنت لن ترضى لها ان تكون خائنة ضميرك لن يسمح لك أنا أعرفك جيّدا.

ماقالته (ناتالي) وقع على قلب( مهران) كصاعقة لكنه تماسك فقد كان يعلم أنها على حق فقال:
معك حق حلوتي، سأعمل على جعل مسافة بيننا حتى لا يتأذى كلانا.

قبلته بين عينيّه وهي تتمنى له أن يقابل توأم روحه في أقرب وقت.

استقام واستعجلها من أجل الذهاب إلى المشفى فلابد أن( شذا) تنتظرهما متذمرة من تاخر زيارتهما بسبب التجهيز لاستقبالها.
قصدا المشفى وتوجها إلى غرفتها فلم يجداها هناك فتوجها نحو قاعة الممرضات من أجل السؤال عنها فوجدا ممرضتها فسألها (مهران )قائلا:
لقد بحثت عن شذا في غرفتها ولم أجدها، أتعلمين أين هي؟

فقالت الممرضة بأسف وهي تخرج ورقة مطوية من جيبها:
لقد إنتابها كابوس البارحة، في الواقع تلك الكوابيس لم تكن سوى ومضة من ذاكرتها فانتابتها نوبة عصبية شديدة بعد أن تذكرت كل شيء، لقد اضطررنا لحقنها من أجل أن تهدأ بعد أن حاولت الإنتحار..

حاولت الإنتحار؟!

قالها (مهران) مذعورا وقد تجمد الدم بعروقه فاردفت:
نعم حاولت القفز من الشرفة، لقد أتى لزيارتها أحد أقربائها لكنها خرجت عن طورها وبدأت في الصراخ عليه وركضت نحو الشرفة لو لم يمسكها بآخر لحظة لكان هوت على الارض لتصبح قطعا متناثرة معاذ الله.

جلس( مهران )بحسرة على الكرسي وفتح تلك الورقة ليجدها رسالة منها بينما كانت الممرضة تشرح للسيدة (ناتالي) كيف اختفت( شذا) بعدما تنكرت بلباس الممرضات.

(مهران، أنا آسفة!افتكرت كل حاجة وافتكرت كمان إن مالكش ذنب في اللى حصلي بل بالعكس إنت أنقذتني واديتني فرصة تانية أعيش من تاني، انا عايزة أقولك حاجة يمكن ماينفعش أقولهالك وأنا بمشي لكن أنا لازم أقولها أنا حبيتك جدا لإنك شخص تتحب بجد، ياريتني قابلتك من زمان يمكن ماكنتش هبقى البنت المشوهة اللي أنا عليها دلوقتي.

بشكرك على كل حاجة عملتها علشاني ووصل شكري لناتالي كمان، حبيتها كأني أعرفها من مليون سنة.

لو خيروني بين إني أفتكر أو أفضل فاقدة الذاكرة كنت اخترت إني أبقى معاكم مش عارفة عني حاجة وأكوّن ذاكرة جديدة مافيهاش غير حب وخير وطيبة و إنتوا، بس قدري كدا وبما إنك منحتني فرصة جديدة للحياة هحاول أصلح حياتي وأعيش لنفسي مع إنه صعب بس هحاول إكراما ليكم انت وناتالي، أنا هسافر بلد تانية بعيد عن كل الناس اللي أذوني ماتخفش عليا..
كون بخير لإنك تستاهل الخير كله.

شذا ومش هكون غير شذا - بحبك -
سامحني. ).

كانت( ناتالي) تضع يدها على كتف (مهران )الذي بدا عليه الألم وهو يقرأ تلك الرسالة وما إن طواها حتى رفعته من ذراعه وجعلته يقف على قدميه وتوجها إلى الخارج وهي تسند رأسها على جانبه بينما تلف يدها حوله تعانقه أما هو فكانت بداخله نيران ملتهبة تلظي قلبه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة