قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية عش العراب للكاتبة سعاد محمد سلامة الفصل التاسع

رواية عش العراب للكاتبة سعاد محمد سلامة الفصل التاسع

رواية عش العراب للكاتبة سعاد محمد سلامة الفصل التاسع

قبل قليل
بأحد الموالد الشعبيه، كانت همس تجلس جوار كارم بين الجموع، تستمتع لحكاية ذالك الراوى الذي يسرد إحدى حكايات الخيال، على صوت ربابته وشجن عازف الناى إندمجت مع الحكايه، رغم أنها تعرف أنها خياليه، تبسمت حين قص الراوى نهاية الحكايه أن أبطال الخيال في النهايه إتحدوا وأصبحوا قصص للعشاق تتناقل بين الالسنه.

بعد أن إنتهى الراوى، نهض كارم واقفا، يمد يده ل همس، نظرت همس ليده للحظه فكرت مد يدها له لكن تملك منها شعور الرهبه، نهضت واقفه جواره.

شعر كارم بغصه في قلبه من عدم مد يد همس له، همس مازالت تلك الفوبيا متملكه منها يتمنى أن تنتهى تلك الرهبه التي لديها، وتعود همس كسابق عهدها حين كانت ودوده مع من حولها، جذب يده، وسار جوار همس بوسط الزحام، كانت همس تتجنب الماره جوارها، الى أن خرجوا خارج ذالك المكان وساروا بزحام المولد نفسه، توقفوا أمام أحد الباعه الجائلين بالمولد.
تبسم كارم يقول: خلينا نشترى حمص.
تبسمت همس وامائت برأسها بموافقه.

رغم أن كارم لم يرى من وجه همس سوا عينيها لكن شعر بسعاده من بسمة عينيها، وقال للبائع: عاوزين همس يكون متحمص كويس ومش مغشوش.
تبسم البائع له ومد يده له بحفان من الحمص قائلا: خد يا بيه دوج العروسه وخليها تحكم بنفسيها، أنا عندى عرايس كده زيها ومبحبش الغش عشان ربنا يباركلى فيهم.

تبسم كارم وأخذ من البائع الحفان من ثم مد يده بتلقائيه لهمس به، ترددت همس كثيرا أن تمد يدها، لكن نظرت للتاجر ورأت وجهه البشوش، مدت يدها وأخذت الحمص من يد كارم، تبسم كارم لها، نظر للبائع: أوزنى خمسه كيلو لوحدهم وإتنين لوحدهم، بس من نفس الكوم اللى أديتنى منه.
تبسم له البائع وقام بوزن ما طلبه منه، وأعطاه له.

سأله كارم عن الحساب، أعطى له البائع الثمن، أخرج كارم حافظة ماله وأعطى للبائع ثمن ماقال، لكن بزياده عن المبلغ المطلوب، وحمل اكياس الحمص وسار
لكن، قال له البائع: لسه الباجى بتاعك يا بيه؟
تبسمت همس وقالت له: الباجى عشان بناتك، ربنا يباركلك فيهم.
تبسم البائع وقال: ربنا يباركلك في جوزك يا ست ويرزجكم من وسع.
تبسم كارم وقال: يارب.

بينما همس شعرت بنغزة وجع في قلبها وسارت صامته، تأكل من حبات الحمص التي أعطاها لها كارم من البدايه، كانت همس تتجنب الزحام الى أن خرحوا من المولد، وساروا بالطريق يتسايرون بمرح، تحدثت همس قائله: من زمان مخرجتش ولا روحت موالد، كنا بنروح مع بابا اوقات وأحنا صغيرين، بس لما كبرنا ماما بقت ترفض بسبب زحام الموالد، بس عجبنى قصة الراوى، رغم أنى عارفه خياليه ومش معقول تحصل في الواقع.

تبسم كارم يقول: وليه مستحيل تحصل في الواقع.
تبسمت همس تقول: لآن مستحيل حورية البحر تعشق صيادها، وهو أسرها في البدايه بين شبكته، وكان ممكن يتسبب في موتها.

تبسم كارم يقول: فعلا الصياد في البدايه أسر الحوريه بين شبكة صيده، بس لما سمع صوت غناها الحزين، وقع في عشقها، وحررها من الشبكه وجابلها الميه قبل جلدها ما يتشقق وتموت، وهي كمان لما شافت إهتمامه بها نسيت أنه أسرها في شبكته تعرفى القصه دى بتفكرنى بمين.
ردت همس بسؤال: بمين؟
قماح وسلسبيل
تعجبت همس قائله: مين! قماح وسلسبيل؟

رد كارم: أيوا قماح وسلسبيل، متأكد قماح عنده مشاعر قويه ناحية سلسبيل بس بيخفى ده خلف بروده بس نظراته ل سلسبيل واضحه جدا ومن زمان كمان بس معرفش ليه متجوزهاش هي من الأول، يمكن عشان سلسبيل نفسها مش واخده بالها من النظرات دى.

تبسمت همس تقول: تعرف لما عمى قالى إن سلسبيل هتتحوز من قماح في البدايه مصدقتش، مستحيل سلسبيل طول الوقت بتتجنب قماح، وبتقول عليه عنجهى وهوائى، بس شوف نصيبها تتجوز منه، فعلا سلسبيل زى الحوريه اللى كانت في حكاية الراوى بتمنى تحب قماح زى الحوريه ما عشقت صيادها كده.

تبسم كارم يقول: الوقت بيغير كل شئ وصلنا للجراچ اللى كنت راكن فيه العربيه قبل ما ندخل المولد، خلينى أوصلك مع انى مش عاوز أفارقك بس الوقت بدأ يتآخر.
تبسمت همس له وصعدت الى السياره
بعد قليل توقف كارم بالسياره أسفل تلك البنايه التي تعيش فيها همس.
نزلت همس من السياره لكن قبلها قالت لكارم: شكرا ليك يا كارم كانت فسحه حلوه.

نزل كارم من السياره خلفها وحمل أحد الأكياس وقال لها: نصيبك من الحمص اللى إشتريناه، خلينى اوصلك لحد باب الشقه.
مالو...
قاطعها كارم يقول: مش هطمن عليكي غير لما تدخلي الشقه قدامى.
تبسمت همس له وصعد الإثنان بالمصعد الكهربائى، لوهله شعرت همس بالخوف من بقائها بمكان ضيق مع كارم، لكن مثلت الهدوء الى ان وصل المصعد أمام الشقه الخاصه بها، مد كارم يده لها بالكيس قائلا: تصبحى على خير يا هاميس.

تبسمت همس، وفتحت باب الشقه ودخلت وهي ترد عليه، وإنت من أهله يا كارم متنساش تدى لهدى حمص واتوصى دى بتحبه قوى.
تبسم كارم يقول: عارف هدى وسلسبيل الإتنين بيحبوه، وأنا جايبه لهم أصلا، بكفر عن سيئاتى اللى كنت بعملها في سلسبيل وأحنا صغيرين لما كنت بكسر لها تماثيلها.
تبسمت همس تقول: فعلا سلسبيل كانت بتزعل منك بس عمرها ما كرهتك عكس البارد حماد إبن عمتى عطيات، كنا بنكرهه إحنا التلاته كان غاوى غلاسه وبرود.

تبسم كارم يقول: بس أنا مكنتش ببقى قاصد أكسرهم لها أنا كنت بحب أفضل معاكى أطول وقت، وأنتم التلاته كنتم بتتجمعوا طول الوقت في الأتلييه بتاع سلسبيل، فكان اللى بيحصل غصب، او تقدرى تقولى لفت نظر.
تبسمت همس بحياء وقالت: تصبح على خير يا كارم، الوقت اتأخر وممكن الجيران يفهموا وقوفك كده غلط.

تبسم كارم وتوجه نحو المصعد، بداخله كم يود أن يرى وجه همس التي تخفيه خلف ذالك النقاب، وكم يود البقاء معها، أخذ قرار، لابد أن يتزوج همس بأقرب وقت، وتكمل علاجها وهي معه.

دخلت همس الى الشقه وأغلقت الباب، وقفت خلف الباب تتنهد بقوه، كارم يستحق أفضل منها، هي الحيه الميته بنظر الجميع، حقا هي إختارت ذالك، لكن هل هناك مفر آخر لما مرت به، بقائها ميته بنظر الجميع أفضل من أن تبوح بسرها وتقول لهم أن من إغتصبها أخذ لها مجموعة صور وربما سجل شريط فيديو لها، تخفى وجهها خوفا من عيون البشر، لكن ليس للقلب لجام فلت اللجام منها كارم التي سابقا كانت تعرف أنه يحبها وهي كان لديها مشاعر، أعجاب لقماح، ظنتها انها كانت حب، لكن كانت مخطئه مشاعرها مختلفه ناحية كارم، لكن هو يستحق الأفضل منها.

بشقة سلسبيل
بغرفة النوم
مازالت نائمه بظهرها على الفراش
وجع جسدها التي تشعر به لا شئ جوار وجع روحها التي أحرقها قماح كانت تلك آخر نقطه تجعلها تتأكد أنها تبغضه، لا داعى للإهانه أكثر من ذالك، حسمت قرارها
إستدارت برأسها تنظر ل قماح وكادت تقول: طل.

صمتت لم تنطق باقى كلمة الخلاص بالنسبه لها، حين وقع بصرها على وجه قماح الذي يتصبب عرقا، وإصطبغ ببعض الإحمرار، يقاوم كى يفتح عينيه، ليس هذا فقط بل يهلوس ببعض الكلمات.
حتى إن كنت غاضب ممن أمامك في لحظه تتحكم بك إنسانيتك التي لم تفقدها بعد رغم قساوة أفعاله معك.
برغم آلم جسدها الأ أنها تحاملت على نفسها ونهضت تضع يدها فوق جبين قماح، جبينه مرتفع الحراره للغايه، هو محموم.

أزاحت سلسبيل عنها غطاء الفراش ونهضت سريعا ترتدى ذالك الأيسدال مره أخرى، خرجت من الغرفه بل من الشقه لا تعرف كيف نزلت درجات ذالك السلم، دخلت مباشرة الى غرفة هدايه، وأشعلت الضوء وتوجهت الى فراشها، حاولت توقظها بهدوء حتى لا تفزعها، مدت يدها على كتف هديه، تناديها بهدوء...
إستجابت لها هدايه سريعا وصحوت تقول: سلسبيل الساعه كام، أنا إزاي جت عليا نومه عمرها ما حصلت هو الفجر أذن ولا أيه؟

ردت سلسبيل: لأ لسه بدرى عالفجر يا جدتي، بس قماح رجع من شويه، وفجأه تعب.
أزاحت هدايه غطاء الفراش سريعا ونهضت من على الفراش حسب قدرتها وقالت بلهفه: خير أيه اللى حصله، ساعدينى يا بتى هاتيلى الجلابيه بتاعتى اللى متعلقه هناك دى...
آتت سلسبيل بتلك الجلابيه ل هدايه، وساعدتها على إرتدائها وخرجن الإثنتين من الغرفه تصدعان الى شقة سلسبيل، كانت سلسبيل تساعد هدايه في الصعود تمسك يدها...

بعد دقائق معدوده، دخلن الى الشقه منها الى غرفة النوم، نظرت هدايه نحو الفراش، كان أكثر من نصف جسد قماح عارى الغطاء يستر خصره فقط، أخفضت بصرها وقالت: إسترى قماح يا بتى.
دخلت سلسبيل وآتت بسروال وتيشيرت منزلى وألبستهم لقماح ثم شدت الغطاء على جسده، حين وقفت دخلت من خلفها هدايه، نظرت له برجفه في قلبها، من خبراتها السابقه علمت سبب إرتفاع حرارة جسده وتعرقه وهلوسته بهذا الشكل.

أخرجت من جيب جلبابها مفتاح وقالت ل سلسبيل: خدى إنزلى افتحى آخر ضلفه في دولابى وهتلاجى مفتاح كبير
فى الصندوج بتاعى هاتيه وكمان هتلاجى شال أبيض في نفس الضلفه بس فوج شويه هاتيهم وتعالى بسرعه.
أخذت سلسبيل المفتاح من يد هدايه، بظرف دقيقه كانت عادت الى هدايه بمفتاح معدنى كبير الحجم يشبه مفاتيح البيوت الأثريه القديمه ومعها ذالك الشال الأبيض
أعطتهما لهدايه، تقول: المفتاح والشال أهم يا جدتى.

أخذت هدايه الشال أولا ولفته حول رأس قماح وثم أخذت المفتاح ووضعته بمنتصف جبهة قماح، وعقدته بالشال وقامت ببرمه بلفات دائريه بإحدى يديها واليد الأخرى كانت تقوم بتدليك عنق قماح من أسفل وصولا لبداية ذقنه، ظلت تفعل هذا لدقائق، حتى شعرت ببداية زوال الحراره عن قماح، تنهدت براحه، قائله: الحمد لله الحراره زالت عنه شوى.
وضعت سلسبيل يدها فوق جبهة قماح وقالت: لأ دى زالت كتير.

تنهدت هدايه قائله: طب ساعدينى بجى ناخد قماح نحط راسه تحت الميه شويه.
ردت سلسبيل: قماح شكله بدأ يرجع لوعيه شويه خليكى مرتاحه يا جدتي وأنا هساعده يدخل الحمام.
قالت سلسبيل هذا وتحدثت لقماح: قماح لو قادر حاول تسند عليا وقوم معايا.

رغم أن قماح مازال يشعر بالتوعك لكن وضع يده على كتف سلسبيل ونهض معها بضعف، سندته أيضا هدايه مع سلسبيل الى أن دخلت سلسبيل به الى الحمام، تحدثت هدايه، نزلى مايه ساجعه على چسمه، يا سلسبيل.
بالفعل فتحت سلسبيل المياه البارده، لتنسدل على جسد قماح، الذي شعر برعشه قويه حين نزلت المياه البارده على جسده، لكن بعدها شعر ببعض من الراحه،.

نظرت لهما هدايه وقالت: كفايه إكده تحت المايه، نشفى چسمه وأنا هچيب ليكى له خلجات من الدولاب.
بالفعل نشفت سلسبيل جسد قماح، وأخذت تلك الملابس من يد هدايه، وساعدته في إرتدائها، من ثم ساعدته في والخروج من الحمام، الى أن عاود التمدد على الفراش يغمض عينيه مره أخرى، مستسلما لتلك الغفوه.
إنخضت سلسبيل، لكن تحدثت هدايه: متخافيش قماح چسمه جوى، وهيجاوم.

تعجبت سلسبيل قائله: هيقاوم أيه أنا هنزل اقول لبابا يطلب دكتور لقماح ده غمض عنيه، وشكله لسه عيان والحراره شكلها هترجع تانى.
تبسمت هدايه رغم قلقها على قماح من لهفة سلسبيل وقالت لها: دى (ضربة سمس) يا بتى مش صداع عادى، بس أنا خلاص أخدت السمس من راسه، دى حراره عاديه، بالكمددات هتروح، روحى هاتى صحن بلاستيك صغير فيه شوية مايه وحطى فيه حتيتين تلچ، ومعاهم شوية خل ومتخافيش، قماح هيبجى زين بإذن الله الشافى.

إمتثلت سلسبيل لقول جدتها وآتت بطبق بلاستيكى صغير وبه ماء وقطع ثلج الممزوج بالخل، وأعطته لها.
أخذته هدايه وقامت بوضع ذالك الشال بالماء المثلج وقامت بعصره ووضعه على جبين قماح، وقالت ل سلسبيل: روحى يا بتى غيرى خلجاتك المبلوله دى لا تمرضى إنت كمان، وأنا إهنه جاعده چار قماح على ما تعاودى.
أمائت سلسبيل لها وذهبت الى الدولاب أخذت بعض ملابس لها ودخلت الى الحمام، خرجت بعد قليل تنظر لقماح.

تبسمت لها هدايه قائله: هيبجى كويس متجلجيش، تعالى إجعدى چاره عالسرير لما الشال ينشف تبليه من الميه تانى، أنا هجوم أتوضى وأصلى قيام الليل، وأدعى له بالشفا، وليكى براحة البال.
امائت سلسبيل رأسها لها تقول: حرم يا چدتى.

نهضت هدايه وتركت سلسبيل تجلس جوار قماح على الفراش نظرت لوجهه الذي بدأ يعود لطبيعته قليلا، لأول مره بحياتها تتآمل ملامح قماح، لاحظت ذالك النمش الخفيف حول أنفه ووجنتيه، يعطيه وسامه، ملامحه تبدوا هادئه، لكن قارن عقلها بين ملامحه الهادئه وقسوته الذي يمارسها عليها طول الوقت. بالتأكيد ليس عليها فقط، هي رأته يصفع زوجته السابقه ويتعامل بحده، بتلقائيه منها، أخذت الشال وبللته بالمياه ووضعته على جبهته مره أخرة، ودون شعور منها سارت يديها تمسد خصلات شعره الرطبه.

أما هو، كان يسبح في خياله، يشعر أن
النور إنطفئ أمامه فجأه يسير بطريق معتم، لم يختار يتمنى أن يعود الزمن لوقت أن كان هذا الطفل بالعاشره من عمره، رافقت خياله صورة والداته تذكر كثير من المواقف له معها، والذكرى التي ترسخت بعقله هي تلك الأمنيه التي لم تحقق وليتها ما تحققت وضلت والداته على قيد الحياه يتمتع بحنانها الذي حرم منه باكرا.

أثناء دخول قماح ورباح الى المنزل عائدين من المدرسه إندفع رباح وهو يدخل خلف قماح وكاد يقع بأرضية الحديقه، لكن سند بيده على قماح الذي لم يتنبه وتزحلق بأرضية الحديقه المبلوله بسبب هطول أمطار غزيزه، رغم سخر منه رباح وقتها وضحك عليه، وتركه ولم يمد يده له يساعده على النهوض، بل قال له: أحسن يا ريت رقبتك كانت إنكسرت.

لم يبكى لكن الكلمه ترسخت بعقله الصغير، أخيه يكرهه دون سبب، نهض من على الأرض أصبحت ملابسه ملوثه بالطين، دخل الى المنزل ينادى على والداته، التي آتت تحمل طفله صغيره بين يديها، نظرت له بفزع تتحدث العربيه لكن بكلمات صعيديه مكسره إكتسبتها من عشرتها في دار العراب السنوات الماضيه قائله: قماح أيه اللى چرالك.
بتلقائية طفل قال: رباح زقني وهو داخل للدار.
ردت كارولين: طب معليش تعالى معاى للأوضه أغيرلك هدومك.

تبسم لها وسار خلفها، وضعت تلك الصغيره التي كانت تحملها على فراش غرفة قماح، وأتت بملابس نظيفه لقماح ووضعتها جوارها على الفراش وقالت: يلا أدخل إستحمى ونضف نفسك من الطين ده وتعالى هنا إلبس هدومك علشان مش تتبل مايه من الحمام.
تبسم لها ودخل للحمام، إغتسل وخرج بعد قليل يرتدى مئزر قطنى صغير مناسب له، نظر لها وهي تداعب تلك الصغيره قائلا: ماما أنا نفسى يبقى ليا أخوات زى رباح كده.

تبسمت له قائله: رباح يبقى أخوك الكبير واخواته يبقوا أخواتك وكمان البيبى الصغير اللى في بطنى هيبقى أخوك او أختك زيهم بالظبط.
رد قماح: لأ يا ماما رباح وأخواته مش بيحبونى، ورباح مش بيرضى يلعبنى معاهم حتى في المدرسه أوقات بيخلى أصحابى مش يلعبوا معايا، ويقولهم ده إبن الأغريقيه مش أخويا.
مسدت كارولين على شعر رأسه بحنان قائله: متزعلش نفسك، بكره سلسبيل تكبر وتلعب معاها، شوف أهى بتضحك لك.

نظر قماح لسلسبيل وقال: مش يمكن سلسبيل تبقى زى رباح ومترضاش تلعب معايا، أنا هستنى لما تجيبى أخويا او اختى والعب معاهم.
تبسمت كارولين له: طب يلا البس هدومك لا تبرد.
تبسم قماح ونظر ل سلسبيل التي تحملها كارولين قائلا: غمضى عينك يا سلسبيل، عيب أما تشوفى راجل عريان.

تبسمت كارولين على بسمة تلك الصغيره، وتمنت أن يرزقها مثلها، لكن كان للقدر رأى آخر، أنجبت فعلا فتاه، لكن فارقت الحياه بسبب ولادتها المبكره قبل ميعادها وليس فقط هي من فارقت بعدها فارقت والداته هي الآخرى متآثره بحمى نفاس، ليسير بعدها في درب من الحرمان.
فاق من هلوسته حين شعر بيد تمسد على خصلات شعره للحظه ظن أنها يد والداته، فتح عينيه للحظات، لكن رأى وجه آخر غير أمه، وجه سلسبيل!

سلسبيل هي من تمسد على خصلات شعره، أغمض عينيه سريعا لا يريد أن تعلم سلسبيل أنه يشعر بها.
إنتبهت سلسبيل، لعودة جدتها فشالت يدها من على رأس قماح.
لاحظت هدايه ذالك وتبسمت دون حديث.
نهضت سلسبيل من جوار قماح وقالت: حراره قماح تقريبا زالت ياجدتى.
تبسمت هدايه قائله: عالصبح إن شاء الله هتزول خالص.
تبسمت سلسبيل وقالت: تعبتك يا جدتى، وصحيتك من النوم، وانا عارفه إنك مش بتحبى تسهرى.

ردت هدايه: ده قماح يا سلسبيل متعرفيش غلاوته عندى جد أيه، ربنا يتم شفاه.
ردت سلسبيل: وأيه سر غلاوة قماح بقى عندك نفسى أعرف.
تثائبت هدايه قائله: هجولك بس بعدين مش دلوق، دلوق، أنا عضمه كبيره ومش جد إنى أسهر أعتنى بقماح، هسيبلك المهمه دى، هو چوزك وأنتى أستر وأولى برعايته، هنزل لمجعدى، اتمدد عليه، بس مش هنعس خلاص جربنا عالفچر الأول، هسبح ربنا.

ردت سلسبيل: نزول السلم هيتعبك ياجدتى، في هنا أوضة نوم تانيه، مددى جسمك على السرير فيها، وكمان ممكن الحراره ترجع تانى.
تبسمت هدايه بموافقه.
قالت سلسبيل: خلينى أخد يدك للأوضه ترتاحى، ياجدتى.
تبسمت هدايه قائله: تسلمي يا بتى، ربنا ياخد بيدك ويرزجك بالخير عالدوام، هما ساعتين لحد نور ربنا ما يسطع، وقماح هتزول الحراره من عليه، ربنا ما يرجد له چته.

صمتت سلسبيل وذهبت مع جدتها لغرفتها، وعادت مره أخرى لغرفة قماح، نظرت له تبسمت على حالها، كيف قبل ساعات كانت تود الطلاق ومازالت تود ذالك، لكن كيف تطلب هذا وهو مريض، والأدهى من ذالك هي من تجلس جواره، في مرضه، هي فقط تشفق عليه لا أكثر هذا ما فسره عقلها، تمنت أن يأتى الصباح، ربما مثلما قالت هدايه، أن قماح سيستعيد جزء صحته صباحا، ربما شفاؤه السريع يعطيها فرصه للتخلص من هذا الزواج سريعا، لا داعى للمماطله أكثر.

بالفعل آتى صباح جديد.
دخل النبوى الى غرفة والداته تعجب حين لم يجدها، سأل إحدى الخادمات عنها أحابته: أنها إستيقظت ولم تجدها بغرفتها، تعجب النبوى لذالك، في ذالك الوقت دخل ناصر يسأل عنها أيضا، تعجب من رد الخادمه.
تحدث النبوى يقول: وأمى صحيت بدرى كده وراحت فين.
كاد ناصر أن يقول له لا يعلم ولكن تذكر وجه قماح ليلة أمس، فقال: قماح إمبارح بالليل رجع وشكل وشه كان تعبان ولما سألته جالى انه كويس، تفتكر...

إنخض النبوى قائلا: جصدك أيه بشكل وشه، أنا هطلع أطمن عليه.
رد ناصر: خدنى معاك.
بالفعل صعد الإثنان خلف بعضهم، وتركوا تلك الحقوده قدريه التي سمعت حديثهم، فزاد الغلول في قلبها تتمنى الأسوء لقماح، قائله بتهكم: جلبك حنين جوى يا نبوى لو واحد من ولادى مكنتش هشوف عليه الخضه دى، بس طبعا ده إبن الأغريقيه اللى خطفت جلبك، ياريت قماح كان سبجها للموت.
فتحت سلسبيل باب الشقه ليتحدث النبوى قائلا: قماح فين، هو بخير.

تبسمت سلسبيل: قماح بخير يا عمي، جدتى داوته.
دخل النبوى سريعا، الى الشقه الى داخل غرفة النوم، تبسم براحه، وهو يرى هدايه تجلس جوار قماح، تمسك كوب تسقى منه قماح الذي تماثل للشفاء.
تبسم النبوى وقال: صباح الخير يا أمى، سلامتك يا قماح.
تبسم ناصر هو الآخر قائلا بعتب: ليه يا ولدى، لما كنت تعبان إمبارح جولت إنك زين، شكلك كان باين، بس خال عليا، ربنا يتم شفاك.

تبسم قماح لعمه بود، بينما قالت هدايه: دى كانت ضربة سمس وربنا لطف، شكله كان بيوجف في السمس كتير اليومين اللى فاتوا، وشه إسود شويه، بس لساه حلو زى ما هو، حتى السمار زاده حلاوه.
تبسم النبوى يقول: مالهم السمر يا أمى وبعدين هو بنته عشان نجول أبيض ولا اسمر ده راچل ومن عيلة العراب، حفيد الحاچه هدايه.
تبسمت هدايه وقالت: وجوز بت ناصر العراب، زينة البنته.

تبسمت سلسبيل داخلها تتهكم، كم تود إنهاء هذا الزواج في أقرب وقت، لكن بحديث هدايه مع ولديها، يبدوا أن الامر أصبح مؤجل الى وقت آخر.
بعد مرور عدة أيام.
صباح
تحدثت همس على الهاتف مع طبيبتها وقالت: أنا تعبت من السر اللى شيلاه جوايا، أخدت قرار وخلاص هحكى اللى حصل معايا.

ظهرا نظرت زهرت الى تلك الدماء التي تسيل منها تبسمت بمكر ثعالب، هذا اليوم ستنهى كذبة حملها، وتكسب تعاطف الجميع معها، إدعت الآلم وإتصلت على رباح، الذي رد عليها قالت له: أنا تعبانه قوى يا رباح، وأتصلت عالدكتوره وقولت لها على وجعى قالتلى تعاليلى العياده، واتصلت على امى وقولت لها هفوت أخدك نروح للدكتوره.
رد رباح بخوف وخضه: قوليلى عنوان الدكتوره وانا اقابلكم على هناك.

ردت زهرت: لأ خليك إنشاء الله خير، يمكن مغص ويعدى، ماما معايا ولو حصل حاجه هتتصل عليك.
رد رباح: طيب خدى عمتك معاكم للدكتوره.
ردت زهرت: لأ بلاش عمتى، ماما كفايه، أنا مكنتش هتصل عليك اقلقك، بس قولت أقولك علشان هخرج محبش أخرج من دون علمك.
رد رباح: طيب إبقى ردى على إتصالى.
تبسمت زهرت وقالت: حاضر يا حبيبي خير إنت إدعيلى، يلا بالسلامه.

أغلقت زهرت الهاتف، ورمته على الفراش تبتسم بظفر، وراحه ستنهى هذه الكذبه قبل أن تفضحها هدايه التي تشعر أنها لديها شك بحملها، وكثيرا ما تلمح لذالك.
.
بعد العصر بقليل
بمنزل العراب
دخلت سلسبيل الى غرفة جدتها وجدتها تختم الصلاه
تحدثت: حرام يا جدتى تقبل الله.
تبسمت هدايه قائله: جمعا يارب، تعالى إجعدى چانبى يا سلسبيل بت حلال كنت هخلص صلاه وهبعت أنده لك، عاوزاكى.
جلست سلسبيل أرضا جوار هدايه، وقالت: خير يا چدتى.

ردت هدايه وهي تضع يدها على رأس سلسبيل تمسدها بحنان: خير يا بتي، كنت عاوزه أسألك على حالك مع قماح.
إرتبكت سلسبيل قائله: حالى معاه كيف يعنى؟
تبسمت هدايه وقالت: قماح بيعاملك زين ولا...
إزدرت سلسبيل حلقها وقالت بخفوت: زين بيعاملنى زين.
نظرت هدايه لعين سلسبيل وإستشفت عكس ما تقوله سلسبيل وقالت: طب مالك بتجوليها بصوت واطى إكده، ليه حاسه زى ما يكون مفيش بينك وبين قماح وفاج(وفاق).

إرتبكت سلسبيل وكادت تكذب على هدايه...
لكن هدايه قالت لها
هجولك يا بتي كلمتين أمى جالتهم لى زمان لما إتچوزت چدك الله يرحمه
جالتلى يا بتي إحنا الحريم مصاطب الذل
نظرت لها سلسبيل بعدم فهم وقالت: مش فاهمه تقصدى أيه يا چدتى، عاوزانى أذل نفسي لقماح!
ردت هدايه بنفى: طبعا لاه ما عاش ولا كان اللى يذل فرد من أحفادى لا البنين ولا البنات.
هجولك يا بتي أمى كان جصدها أيه؟

كان جصدها إننا الحريم اللى بنحتوى راچلنا ونجدم له الراحه حتى وإحنا مش جادرين نقول لاه، بس ده مش معناه إننا ضعاف لأه ده جوه لينا.

الست لازم تكون زى السفنچه لچوزها وجت غضبه وعصبيته وتبلعها تتشربها كيف ما تتشرب السفنچه الميي، الراچل مهما كانت جوته الست تجدر تحول جوته دى لضعف جدامها، يمكن متوعيش على چدك رباح الله يرحمه، كان فيه خصال كتير من قماح، بس أنا سويت كيف ما أمى وصاتنى وإتحملت طبعه الجاسى في الأول لحد ما لان وبجى كيف الميي البيضه لونت معاه العيشه محدش كان يعرف بينتنا أيه حتى ولادنا اللى معانا في الدار.

أنى خابره قماح طبعه جاسى جوى يمكن بزياده عن چدك، يمكن بسبب إنه إتربى بعيد عنينا مع الوليه چدته الأغريقيه لأكتر من ست سنين لما رچع لأهنه كان عمره عدى سبعتاشر سنه يعنى كان بجى راچل، وفعلا كان راچل، قماح طول عمره راچل من وهو صبي صغير، مشاءالله عقله سابج سنه.
ردت سلسبيل بتهكم: آه عقله سابق سنه حتى عدد جوازاته، في خمس سنين إتجوز تلاته والله أعلم لسه أيه اللى هيحصل، يمكن يجيب الرابعه كمان.

ردت هدايه: دى في يدك و بشاطرتك أنتى تخليه ميفكرش غير فيكى وبس ويزهد صنف الحريم من بعدك.
تهكمت سلسبيل: وده هيحصل إزاى هسحرله إياك.
تبسمت هدايه قائله: في يدك اللى أجوى من السحر، العشج
العشج يا بتي أجوى من السحر، خلي قماح يعشجك ووجتها هتلاجى جسوته بجت حنيه.

سخرت سلسبيل قائله: يعشجنى، هو قماح يعرف العشق، على يدك جوازته الاولى كانت من زميلته في الجامعه قال بيحبها وإتجوزها وقبل ما تمر سنه كان مطلقها، حتى التانيه كانت بنت تاجر من اللى بيتعامل معاهم وشافها ودخلت مزاجه وإتجوزها ونفس الشئ حصل قبل سنه طلقها، قماح أسهل شئ عنده الطلاق هو بيتسلى شويه باللعبه اللى في إيدك وبعد ما يزهق منها بيكسرها وقبل السنه هفكرك يا چدتى هيعمل معاي نفس الشئ ويطلقنى، أنا مكنتش موافقه عالجوازه من الأول بس أنتم اللى غصبتوا عليا بسبب...

صمتت سلسبيل تكبت تلك الدمعه التي تحرق عينيها.
لكن تنهدت هدايه بآلم وقالت: اللى حصل كان مكتوب وچوازك من قماح كمان كان مكتوم، وأنا مستحيل أسمح إن قماح يطلجك أبدا طول ما أنا عايشه.
ردت سلسبيل بتهكم: تفتكرى صعب عليه يا چدتى لما يزهق منى حتى لو مطلقنيش سهل يتجوز عليا وأعيش ضايعه زى مرات عمى.

ردت هدايه: إنتى مش زي مرات عمك بلاش تقارنى نفسك بيها إنتى عنديكى عقل وجلب عنها، وقماح مش زي النبوى طب تعرفى إن الإتنين اللى طلجهم نفسهم لحد دلوق يرجعوا تانى لعصمته حتى لو بجوا ضراير.
سخرت سلسبيل قائله: على أيه عاوزين يرجعوا لعصمته تانى والله دول يحمدوا ربنا إنهم بعدوا عنه.
ردت هدايه: هما مبعدوش عنه بخطرهم، لو بخطرهم عمرهم ما كانوا بعدوا عنه لساتهم عاشجينه.
تهكمت سلسبيل تقول: عاشجينه، جايز برضوا.

فجائت هدايه سلسبيل وقالت: وأنتي كمان بكره تعشجيه يا سلسبيل وفي يدك تخليه عينيه متشوفش ولا عقله يفكر في حريم غيرك إفتحى جلبك له.

تهكمت سلسبيل تفكر في داخلها تقول لنفسها ودت لو تصرخ وتقول لهدايه: أى قلب عاوزانى أفتحوا له وهو مفيش مناسبه غير وبيجيب سيرة أختى وبيحسسنى أنه إتفضل ومن عليا لما قبل يتجوزنى، ده غير كرهى لعنفه معايا أنا بكرهه وبكره إنه يقرب منى أو يلمسنى ولو بأيدي كنت أفضل الموت عن إنى إسيبه يعاملنى زى الخدامه لرغبته المتوحشه بس وقتها مش بعيد يستغل موتى ويأذى هدى أختى بذنبي زي ما بيعمل معايا...

ده شخص مريض محتاج لعلاج نفسى.
لكن صمتت سلسبيل.
تبسمت هدايه تقول: إسمعى كلامى وهتكسبى قماح.
ردت سلسبيل بمهادنه: حاضر يا چدتى، بس ليا عندك طلب وعاوزاكى تقنعى قماح بيه.
ردت هدايه: وأيه هو الطلب ده؟
ردت سلسبيل: عاوزه أشتغل، وهو ممانع.
قبل أن ترد هدايه، رد قماح الذي دخل بتعسف: ومازلت ممانع، مفيش شغل وآخر مره أسمعك بتتكلمى في الموضوع ده...
نهضت سلسبيل واقفه وقالت بشجاعه: ليه مش موافق إنى أشتغل؟

رد قماح بتصميم: قولت مفيش شغل، أنا مبحبش أتعامل في الشغل مع ستات.
ردت سلسبيل: مش عذر وتمام بسيطه أنا هشتغل في الحسابات يعنى بعيد عنك ومش هتضطر تتعامل معايا.
نظر لها بتهكم قائلا: قولت مفيش شغل إنتى مش محتاجه لشغل.

إرتسمت القوه والتصميم على وجهها وقالت: ومين قالك كده، أنا أكتر واحده محتاجه أشتغل، وقبل ما تقول مش محتاجه ماديا، هقولك مش كل اللى بيشتغلوا محتاجين الشغل عشان الفلوس، وأنت أولهم، مش محتاج ماديا يبقى ليه بتشتغل.
إرتسمت الحده على وجه قماح ورد بتعسف: بشتغل علشان أنا الراجل ولما أبقى محتاج وقتها إبقى إشتغلى وده آخر قرار عندى، وممنوع الكلام في سيرة إنك تشتغلى دى تانى.

إستدارت سلسبيل تنظر لجدتها أن تساندها، لكن وقع بصرها على باب الغرفه، أغمضت عينيها ثم فتحتهما، وقالت بذهول: همس!
ليذهل عقلها وتقع مغشيا عليها، يتلقفها قماح بين يديه قبل ان تسقط أرضا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة