قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل السادس والعشرون والأخير

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل السادس والعشرون والأخير

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل السادس والعشرون والأخير

كانت تضمه بهدوء وهي تربت على شعره بينما هو يدفن رأسه داخل أحضانها، يغمض عينه وهو يشعر بالراحة تنساب لروحه المعذبة أخيرا...
- انا آسف...
قالها بإختناق ثم اكمل: - مكانش قصدي ابدا اني اقارنك بيها، أنت غالية عليا، انت جزء من عيلتي وانا مستحيل اقدر اتخلي عن أي حد فيكم سواء انت او اخواتي او امي...
- وانا مكانش لازم اني اضغط عليك يا ادم، أنا مقدرة اللي مريت بيه، عارفة انه جدك اذاك، بس كان نفسي...

ابتعد عنها وهو ينظر إليها بحرقة بينما الدموع تحتشد بعينيه
- مين قالك اني مش عايز اسامح يا مهرا، مين قالك اني محاولتش اكتر من مرة انسي واسامح عشان خاطر نفسي وعيلتي، امحي جابر عزام من راسي عشان ارتاح، مين قال اني محاولتش!

كان آدم يتكلم بقهر وهو يسيطر على دموعه بصعوبة، كانت مهرا تربت على شعره بهدوء ودموعها تنساب وقلبها يؤلمها عليه، اكمل ادم بإختناق: - بس كل أما احاول اسامح افتكر موت ابويا، ذل امي وحلمي اللي ضاع. افتكر اني اتكسرت في سن صغير لما خسرت ابويا، ابويا اللي غيابه دمرنا كلنا...

ابتعد ادم عن مهرا وقال بإبتسامة مريرة: - انا كان نفسي اتعلم، كان نفسي ادخل طب زي امي بس بعد موت ابويا كان قدامي اختيارين أما اكون اناني واسيب وامي تتبهدل لوحدها او أعمل واجبي واكون أنا راجل البيت، واختارت اني اكون راجل البيت ونسيت حلمي، نسيت اني من حقي احلم...

مسح بسرعة الدموع التي انسابت على وجنته وقال: - مهرا أنا بحبك اووي، اكتر مما تتخيلي وانت لو بتحبيني بلاش تجبريني اسامح لانه والله مقدرش، أنا عمري ما همنعك من جدك، شوفيه وقت ما تحبي، لكن متجيش في يوم تطلبي منه اسامحه لان مش في مقدرتي ابدا اني اسامح، صدقيني مش قادر...

حاوطت وجنتيه وهي تردد بثقة: - انا عارفة ان هيجي يوم وهتسامح. هيجي. يوم وتشيل الكره اللي في قلبك لأنك انسان اقوي وكريم، انسان طيب وقلبه ابيض، هتعرف تسامح لما تقرر أنك تعيش حياتك من غير ما تلوث قلبك الابيض بالكره، وانا عمري ما هضغط عليك عشان تسامحه يا ادم وهفضل معاك دايما وادعمك...
ابتسم وهو يضمها مرة اخري يشكر ربه على وجودها معه...

بعد قليل...
دخلا ادم ومهرا إلى المنزل...
- انا رايح اكلم ماما
قالها ادم بهدوء لتهز مهرا رأسها وتدخل لغرفتهما...

في الغرفة
كانت حسناء تجلس على فراشها. تغمض عينيها وهي تتذكر انهيار ابنها، كانت تتألم عليه. تخاف عليه من الكره الذي يحتشد بقلبه، تريد له الراحة، تتمني ان ينسي ما حدث بالماضي ويعيش مع مهرا سعيد، ولكن ادم لن ينسي بتلك السهولة، ما حدث له بالذات كان صعب جدا...
تنهدت وهي تمسح الدموع التي انسابت على وجهها، انتفضت فجأة عندما دق احدهما الباب...
- اتفضل...
قالت بصوت مبحوح...

دخل ادم بهدوء وهو ناكس رأسه، نظرت حسناء إلى يديه. المضمدة وقلبها يؤلمها، ارادت ان تتكلم ولكن الكلمات توقفت في حلقها عندما اقترب ادم منها ونام على ساقيها...
لم تتكلم حسناء واكتفت وهي تربت على شعره...
- اسف يا امي. آسف...

كان يعتذر على طريقته معها وهي تقبلت، فهي ام مهما حدث لن تغضب على ابناؤها وخاصة ادم الذي كان دوما معها، رفيق الكفاح، لقد قررت الا تضغط عليه ليسامح جده، قررت ان تعطيه الوقت فربما حب مهرا ينتصر على الكره بداخله، ربما مهرا هي من ستنسيه خيبة الامل التي عاشها!

في اليوم التالي...
كان يقف تحت الدش الماء يندفع عليه، لا يعرف هل ستكون تلك الخطوة سليمة ام لا، هل حل سليم ان يعري نفسه امام شخص غريب، حسنا سيعترف انه خائف، خائف من الماضي، خائف من النظارات التي سوف تلاحقه من الطبيب ولكنه يعرف ان الطبيب النفسي بالعادة لا يحكم على تصرفات المرضي، ولكنه لا يمكنه منع نفسه من ان يخاف، ماذا يفعل؟!

اغمض عينيه ورفع وجهه للماء ليتدفق بقوة إلى وجهه، ابتسم بحنين وهو يتذكر والدته الحبيبة، يتذكرها عندما كانت تقف تحت المطر رافعة وجهها بينما تدور وهي تضحك، ضحكاتها كانت مسكن قوي لروحه، والدته كانت الجزء الالطف في حياته السوداء القاسية، والدته هي من كانت تهون عليه قسوة والده، لقد اعطته الحب الذي فشل والده في اعطاؤه اياه، تنهد بألم وهو يضغط على عسنيه بقوة، لقد قرر الا يفكر بوالده بعد الآن، قرر الا يستجدي حبه، هو سيحاول اصلاح حياته بعيدا عنه، ويجب أن يفعل هذا، يجب أن يكون شخصا جديدا تفتخر به والدته، سيصلح من حياته، لن يكون شخصا مؤذي مرة اخري، لن يتحجج بقسوة والده عليه بل سيصلح حياته، سيبحث عن سعادته بنفسه، هذا هو الوعد الذي قطعه على نفسه. لقد اقسم أن يفعل هذا، اقسم أن يسحب نفسه هو و حياة من الظلام القابعان فيه، سوف يسيران في طريق جديد، صحيح تأخرا كثيرا في اخذ هذا القرار ولكن ان تأتي متأخرا خيرا من الا تأتي ابدا...

فكر مروان والابتسامة على وجهه، فتح عينه وهو يشعر بسعادة غريبة، طاقة غريبة تدفعه افعل الكثير...
بعد قليل...

خرج مروان من الحمام وهو يجفف شعره جيدا. كان يرتدي مئزر الحمام الابيض بينما رائحة الصابون المعطر تفوح منه، كانت ذقنه حليقة وعلى وجهه ابتسامة رائقة، لم يكن سعيدا هكذا منذ وقت طويل، لقد تصالح مع نفسه أخيرا، قرر طمس غروره والاعتراف بأخطاؤه، قرر ان يتوقف عن ان يكون مؤذي من اجله ومن اجل والدته، لقد عرف انه يؤذي نفسه أولا وهذا ليس صحيحا اطلاقا، وقف امام خزانته واخر القميص الأسود الذي جهزه بالأمس مع بنطال جينز ازرق داكن، دقائق وكان قد ارتدي ملابسه التقط السترة السوداء وارتداها ووقف أخيرا امام المرآة وهو يصفر بينما يزرر سترته، ثم بدأ في تصفيف شعره، توقف أخيرا وهو ينظر إلى شكله المرتب المضاد تماما للخراب الذي بداخله، فجأة ابتسم وهو يراها خلفه تنظر إليه وعلى وجهها ابتسامة رضا، احتشدت الدموع في عينيه ووضع كفه على انعكاسها وقال بصوت مختنق: - اوعدك يا ماما اني هكون زي ما انت عايزة بالضبط، هخليكي تفتخري بيا مش هزعلك تاني ولا عمري هأذي أي بنت تاني، عمري ما هسمح أنك تزعلي بسببي ابدا...

ابتسامتها اشرقت فابتسم هو معها ودموعه تنساب ثم وضع كفه على شفتيه وهو يقبله بقوة ثم يضعه على المرآة...

نزل مروان الدرج وهو يمسك مفاتيح سيارته، كان ينظر إلى الساعة، يجب أن يذهب الآن لكي يحضر حياة من منزلها الجديد الذي اشترته، صحيح ليس برقي شقتها القديمة ولكن لا بأس بها، قرر الذهاب واحضارها ثم يذهبان إلى الطبيب كي يلحقان الموعد...
- رايح تعمل مصيبة جديدة...

قالها والده وهو ينظر إليه ببرود، انبسطت ملامح مروان وقال: - متقوليش أنك خايف عليا دلوقتي، أه سوري نسيت خايف على صورتك. بس متقلقش يا وائل باشا مش هعمل أي مشاكل تهز صورتك كرجل اعمال محترم، عن اذنك...
- اومال رايح. فين.؟!

كان يسأله بجدية، باهتمام غريب، نظر مروان وكاد ان يسخر منه مجددا ولكنه قرر ان يسيطر على نفسه وقال بنبرة جافة: - قولتلك متقلقش يا وائل بيه مش رايح أعمل مشاكل، واظن كمان ان حضرتك وراك شغل، مش معقول تسبب شغلك العظيم وتهتم بصعلوك زيي، سلام...
ثم تركه وغادر، تنهد وائل بحزن ثم جلس على الأريكة وهو يفكر انه قد حصل على كراهية مروان أخيرا!

مر مروان على منزل حياة وانتظرها حتى خرجت، خرجت هي من بنايتها وهي ترتدي ملابس سوداء وتضع على وجهها نظارة تخفي معظم تفاصيل ملامحها، استقلت سيارة مروان ليقول هو بدهشة: - ايه يا بنتي الحزن ده؟!
نظرت إليه وقالت بصوت متوتر: - بصراحة يا مروان أنا متوترة اووي!
- ومين سمعك يا حياة.

ثم قاد سيارته وانطلق، ولم يلاحظ أحدهم سيارة احمد الصغيرة التي كانت قابعة تحت منزل حياة بينما النيران تشتعل في عينيه وقادرة على احراق كل شئ!

في عيادة الطبيب النفسي...

كانت حياة تهز ساقيها بعنف، قلبها يكاد ينخلع من التوتر والخوف، فكرت كثيرا ان تهرب من هنا بسرعة، تعرف ان ما ستخوضه ليس سهلا، هي ستعري اسرارها بالداخل، ستتذكر اشياء لك تكن تريد أن تذكرها، لمعت عينيها بالدموع وشدت على كفها بعنف وهي تحبس دموعها بالقوة، لم تكن تريد أن تنهار هنا والان، نظرت بتوتر إلى مروان، مروان أيضا لم يكن حالته افضل من حالتها بل كان متوتر للغاية، كفيه تتعرقان، تنهدت وهي ترغب ان يطمنها ولكن يبدو انه متوتر أيضا، نعم فتلك الخطوة جريئة للغاية من ناحيتهم. ان يقررا فجأة ان يعالجا اضطرابهم، هذا يتطلب شجاعة منهما، ابتسمت حياة بخفوت وهي تشكر الله ان مروان في حياتها، لم تتخيل في احلامها انها سوف تشكر بالإمتنان لمروان الذي انتشلها فجأة من الضياع الذي تعيش به، وقف امام احمد ودافع عنها، ونوعا ما شعرت حياة بالأمان وهي بجواره، اغمضت عينيها ودموعها تهزمها وتنزل، من كان يصدق انها سوف تشعر بالتهديد من احمد، احمد الذي احبته وظنته امانها، ظنت انها ستكون محمية وهي بجانبه ولكن اكتشفت انه التهديد الوحيد الذي يحوم حولها، مسحت دموعها بسرعة واخرجت نظارتها الشمسية وهي ترتديها، تحتمي بها، كي لا يدرك احد انها تبكي...

نظر مروان إلى حياة التي ترجف بجواره، اراد ان يهدئها ولكن هو أيضا متوتر، هو أيضا خائف، هو يخوض ما تخوضه حياة، الاثنان لديهم ماضي يرفضان البوح عنه، الاثنان لديهم الآلام كبيرة، الضرر النفسي بكلا منهما كبير للغاية...
تنهد مروان وهو يمسك كفها ويشد عليه، نظرت إليه حياة وهي ترتجف من الداخل فابتسم مروان ليطمئنها قائلا: - كل حاجة هتكون كويسة متقلقيش يا حياة...

ابتلعت ريقها بينما كلماته لم تطمئنها، كلماته اصلا لم تطمئنه هو، تنهدت حياة وقالت: - اتمني، اتمني ان كل حاجة تبقي تمام يا مروان، اتمني اني اقدر اتكلم واطلع اللي جوايا عشان ارتاح، حاسه بحاجة كاتمة على نفسي، حاسة اني فيه جبل على صدري مخليني مش قادر اتنفس...
كان ذلك هو احساس مروان تماما، هو يشتركان في كل شئ، يشتركان في نفس الذنب، نفس الألم، والمعاناة.

شد مروان اكثر على كفها وقال: - صدقيني وانا كمان حاسس بكده، واحنا جينا هنا عشان الدكتور يساعدنا ومتقلقيش باذن الله هتمر الجلسة على خير، شوفي يا حياة أنا خايف زيك صدقيني بس ده مش هيمنعني اني احاول اعالج نفسي ولا ده هيمنعك كمان. اتفقنا!
هزت رأسها بالإيجاب.

في مكتب المحاماه الخاص به...
كان أحمد جالس يطالع الملف الخاص بالقضية القادمة، قضية معقدة ويجب أن يدرسها جيدا.

. هو يتقدم في شغله الان، يكسب الكثير من الأموال ويجب أن يركز في قضيته، ولكن للأسف عقله لم يكن حاضر معه، جل ما يتذكره هو حياة ومروان ووجودهما الغريب معا، شعور حارق داخل قلبه يجعله يرغب في تحطيم كل شئ. هو يشعر ان الأرض مزلزلة اسفله الغضب الذي يشعر به كبير، هو غاضب منها ومن مروان، غاضب من نفسه لانه ينساق لمشاعر مجهولة لا يعرف ما هيتها ولكنه يعرف بالتأكيد انها سوف تدمره، زفر بضيق وهو ينهض من مكتبه ويتجه إلى النافذة، يفتح أول زرين من قميصه كي يتنفس جيدا وعينيه السوداء، تشتعلان بالنيران.

- منك لله يا حياة. منك لله...

قالها بغيظ يدعو عليها رغم انها المظلومة في تلك القصة، ولكن تلك المشاعر التي كانت تبثها داخله غير مرغوب بها على الاطلاق، شد على خصلات شعره حتى كاد ان يمزقه، اراد فورا ان يتوقف عن التفكير بها ولكن حتى عقله. حتى عقله رفض اوامره، هي تحتله يوما بعد يوما وان لم يتصرف سوف يقع هو فريسة لها وحينها سوف تنتقم منه جيدا على ما فعله بها، اتجه إلى كرسيه وجلس مجددا واغمص عينيه وهو يتذكرها، يتذكر الشمس التي تشرق في عينيها كلما رأته وابتسمت له، يتذكر الحب الذي يتدفق من عينيها، كل تلك الذكريات تجلده.

كانت ذكرياتهم السعيدة تتدفق لعقله...
فلاش باك...
- كل سنة وانت في حياتي يا احمد، كل سنة وانت سعيد وتحقق كل احلامك...
قالتها حياة والسعادة تشرق على وجهها...
كانت قد جهزت له حفل صغير بمناسبة عيد ميلاده في منزله مع والدته...
ابتسمت والدة احمد وقالت: - حياة هنا من الصبح بتجهز لحفلة عيد ميلادك...
ابتسم احمد لها لتخرج هديته من حقيبتها وتقول: - ودي هدية بسيطة ليك...

امسك احمد العبوة وفتحها ليجد بها ساعة راقية، ابتسم بسعادة وقال: - شكلها حلو اووي شكرا اووي يا حياة...
ابتسمت حياة بحماس وهي تنظر إليها، كان الحب يشع من عينيها له...

بعد قليل، كانت حياة تقطع الكيك. بحماس بينما احمد يجلس بجوار والدته...
- البنت دي شكلها بتحبك اووي يا احمد، عينيها بتقول كده، الحمدلله اطمنت عليك يا ابني...
ابتسم أحمد وداخله مرتبك، لم يصدق أن تحب والدته حياة، ولكن حياة استطاعت أن تجذب والدته لها. وهذا ليس جيدا لانه لا ينوي أن يتزوج بها ابدا...
- انا عايزاك تتجوزها!

فجأة قالتها والدته ليبهت هو فتكمل والدته: - هي دي اللي هتسعدك يا احمد. دي المناسبة ليك!
.
باك.

عاد من شروده وهو يدعك عينيه بتعب ويفكر أن حياته تبعثرت تماما، ظن أنه عندما يتخلص منها سيعود سعيدا ولكن السعادة غادرته عندما هجرها وفي يوم زفافها. وهي الآن تشق طريقها مع شخص آخر غيره وتلك الفكرة دمرته تماما، لأنه أدرك للاسف أنه يغار. يغار عليها والسبب احتفظ به، هو عاجز عن نطقه لنفسه، عن الاعتراف به فلو اعترف سوف تتعقد حياته أكثر.

أمام الدكتور صفوت عدلي، الطبيب النفسي المشهور كانت حياة تجلس وهي ترتعش بقوة، كانت الدموع محتجزة في عينيها ولا تسمح لها بالإنهمار، شعرت أنها متوترة جدا، توتر كان كلمة باهتة تصف بما تشعر به، هي كانت مرتعبة للغاية من التحدث إليه، لقد دخلت هي قبل مروان وكم شعرت بالرعب، الرعب ان تتكلم أو تنهار...

- مش مهم تتكلمي النهاردة، ولا المرة اللي جاية كمان، خدي وقتك، أنا عارف ان الموضوع صعب عليكي اوووي وانا مقدر كده، ببساطة يا حياة محدش هنا هيجبرك تعملي حاجة أنت مش عايزاها
كان صوت الطبيب الدافئ ينساب لعقلها انسابت دموعها وهي تنظر إليه بإمتنان وقالت: - شكرا لحضرتك بس انا لازم اتكلم، لازم اعمل المستحيل عشان اخف، أتخلص مع العقد اللي عملتها بايدي في حياتي، لازم أشيل التقل ده من قلبي، لازم!

وبهذا بدأت حياة أولي خطواتها في العلاج، خطوة تأخرت كثيرا ولكن اخيرا اتخذتها!

خرجت من الصيدلية حيث تعمل وهي تسير ببطء، تشعر بالانهاك التام، الشهور الاولي من الحمل متعبة للغاية، كان يجب عليها ان ترتاح على الأقل أول شهور ولكن من سوف ينفق عليها، فهي ترفض أي مال يبعثه سامر لها بإصرار وتعيد له نقوده، هي لا تريد أي شئ منه، تريد أن تمحيه من عقلها، ولكن كيف تنساه وجزء منه يقبع داخل رحمها؟! فكرت بيأس وقد تعلقت الدموع بأهدابها ووضعت كفها على بطنها، ذلك الطفل الذي هو من صلبه، الطفل الذي من اجله مستعدة ان تحارب الجميع حتى سامر، وقد حاربته بالفعل، قاتلته بشراسة ووقفت امامه وهي تقول لا، وقالتها بقوة، ابنها من اعطاها القوة هي تبتعد عن سامر، تبتعد عن ذلك الشخص السام الذي انهكها...

من بعيد كان هو يراقبها، لقد عرف مقر عملها وكان يطمئن عليها من بعيد، عقد حاجبيه بضيق وهو يلاحظ التعب البادي على محياها، كان غاضب لأنها لا تسمح له ان يعتني بها، لا تسمح له ان يقوم بواجباته نحوها، حسنا هو لا يلومها، فما فعله كان حقير جدا، وهو نادم للغاية ولكن هي ترفض الغفران، وكان تلك كانت فرصتها لتبتعد عنه، اراد الاقتراب منها واخذها معه بالقوة للمنزل كي يهتم بها ولكنه خاف ان ترفض وتسوء حالتها فهي لا تطيق رؤيته وهو لا يلومها على هذا، هو جرحها كثيرا، ولكنه سوف يفعل المستحيل كي ينال السماح، بشجاعة خرج من مخبأه واقترب منها...

كانت كارما تغمص عينيها بتعب، وشعرت فجأة أنها سوف تفقد الوعي ولكن فجأة كف قوية امسكتها، نظرت لتجد سامر أمامها، كادت أن تبتعد عنه بضعف إلا أنه امسكها بحزم وهو يقول: - شكلك تعبانة هوصلك البيت.
- مش عايزة!
قالت بعناد، ليشد سامر على ذراعها ويقول: - كارما بطلي عنادك ده ويالا معايا عشان منلمش الناس علينا، مش هوديكي بيتنا هوديكي شقتك متقلقيش...

تنهدت بتعب وقد استسلمت بسبب التعب الذي تشعر به، جذبها هو إليه ولم تمانع وهي تشعر بذراعيه تطوقانها ويسير بها إلى سيارته، ركبت هي السيارة وسندت رأسها على نافذة السيارة واغمضت عينيها.
انطلق هو بسيارته متجها إلى منزلها...

بعد نص ساعة تقريبا...
كانت قد دخلت منزلها وقالت وهي تضع كفها على بطنها: - شكرا ليك...
كانت تطرده بالأدب ولكنه لم يذهب بل ولج إلى المنزل وهو يقول: - بما انك رافضة ترجعي البيت خلاص اعيش معاك هنا...
- نعم ؛! انت بتقول ايه يا بني آدم انت...
ابتسم سامر وقال وهو يقترب منها، يمسك خصلة من شعرها الذي استطال قليلا ويقبله قائلا بنبرة اجشة: - وحشتيني...

ابتعدت قليلا عنه، لم تسمح لنفسها أن تضعف بل نظرت إليه ببرود وقالت: - عايز ايه يا سامر...
ابتلع ريقه وقال: - عايزك. أنت وابننا...
ضحكة ساخرة افلتت من شفتيها وقالت: - ابننا! ابننا اللي كنت عايز تموته صح؟!
ابتلع ريقه لتكمل هي: - مبقاش ينفع يا سامر خلاص، أنا مبقتش عندي حاجة تانية اقدمهالك ومبقتش عايزة منك حاجة، لا عايزاك انت شخصيا!
- يعني ايه؟!
قالها بصعوبة لترد بكبرياء: - يعني تطلقني!

في اليوم التالي...
في المساء.

كان يصفر وهو يهندم نفسه. ابتعد أخيرا وهو ينظر لنفسه بسعادة، كان الحلة السوداء تليق به تماما، صفف شعره جيدا، ثم التقط عطره غالي الثمن ثم رشه عليه، اليوم هو اليوم المنشود، سوف يطلبها من أخاها، صحيح أنه قرر أن ينتظر قليلا ولكنه تراجع، يريد أن يأخذها، سيحل مشكلته بينما مرام في منزله، صحيح أن تلك أنانية منه ولكن حقا لا يستطيع أن ينتظر أكثر من هذا ولتذهب ليل ووالدتها إلى الجحيم!
- بابي أنا جهزت!

قالتها ملك وهي تدخل لغرفته كأميرة صعثؤرة خرجت من أحدي القصص الخيالية، ابتسم انس وهو يتأمل فستانها الازرق التي ارتدته وذلك التاج الفضي الذي على رأسها.
دارت ملك بالفستان وقالت: - بص يا بابي. أنا سندريلا...
اقترب أنس وحملها ثم قبلها وقال: - واحلي سندريلا يا روحي...

في منزل ادم...
- انا بجد مش قادرة اصدق من امبارح يا أبيه، مرام يكون متقدملها واحد واحنا نعرف امبارح بس...
قالتها ليلي وهي تتخصر بينما وجهها احمر من الغضب...
ضرب ادم كف على كف وقال: - يا بنتي الراجل توي امبارح مكلمني عشان يتقدم لمرام وانا اديتله ميعاد النهاردة وقولتلكم بترغي ليه كتير...
- لا يا حبيبي انا مش هبلة اكيد هو كلمك قبل كده وانت خبيت علينا...

تنهد آدم بتعب وقال: - عشان كان مجرد كلام وقال إنه محتاج وقت يضبط نفسه ويتقدم...
- مش مهم أنا زعلانة برضه.
- اتفلقي...
قالها ادم وهو يدفعها كي يدخل للحمام ويتحمم قبل قدوم انس...

بعد ساعة تقريبا...
كان آدم يفتح الباب وهو يبتسم ويقول: - نورتونا...
ابتسم انس وهو يمسك عبوة شوكولاتة من افخر الأنواع وبضعة هدايا اخري، ولج ووضع الأشياء على الأرض ثم صافح ادم وعانقه وعلى وجهه ابتسامة مشرقة...
- دي لوكا بنتي.
قالها أنس بعد أن ابتعد عن ادم. ابتسم ادم وهو يصافحها برفق ويقول: - اهلا يا آنسة لوكا، طالعة زي الأميرة النهاردة...
- ميرسي...
قالتها بإبتسامة لطيفة...

ادخل ادم ضيوفه على الأريكة المريحة، وبدأ في التحدث...

ابعدت ليلي الستارة الكبيرة التي تفصل بين المطبخ والصالة ونظرت إلى ذلك الشاب الوسيم وقالت: - بت يا مرام هو أنس ده معندوش اخ يتجوزني كمان ويرحمني من دراسة الطب اللي جابت اجلي...
ضحكت مهرا لتضربها مرام بخفة وتقول: - بطلي هزارك البارد ده، كله الا التعليم...
مطت ليلي شفتيها وقالت: - محسساني اني هاخد جائزة نوبل يا ستي، اخري بيت جوزي...

ضحكت مرام وضربتها على رأسها وقالت: - انا معرفش انت دخلتي طب ازاي بدماغك دي، يالا يا اختي بلاش غلبة وتعالي نطلع الجاتوه والحاجة الساقعة للراجل...
- حاضر يا باشا اطلع الحاجة، والله يظهر ان انس ده اللي هينفع معاكي، عينيكي بتلمع اووي يا مرام كأنك يعني...
ضربتها مرام مرة اخري على كتفها وقالت بتوتر: - يالا يا ليلي عشان نجهز...

ابتسمت حسناء وهي تري مشاكسة ليلي لشقيقتها وقالت: - عقبالك يا ليلي بإذن الله لما نلاقي اللي هيتحمل طولة لسانك...
ضحكت كل من مهرا ومرام وبدؤا في تجهيز واجب الضيافة!

تعلقت عيني أنس بمرام، لم يقصد أن يحدث بها بتلك الطريقة ولكنها بدت كحلم تحقق له اخيرا، كانت بسيطة كالعادة ترتدي فستان كريمي عليه خمار كبير من نفس اللون، وجهها خالي تماما من الزينة وابتسامة لطيفة تزين ثغرها بينما تمسك صينية المشروبات الغازية...
وضعت الصينية على الطاولة بعد أن أعطت انس واخاها وملك...

ثم جلست على الأريكة بجوار ادم بينما تنظر إلى الأرض وتفرك كفيها بتوتر، اقتربت ملك منها وهي تقول بمرح: - شوفتي يا آنسة مرام أنا زي سندريلا...
ابتسمت لها مرام وشدتها بجوارها ثم قبلتها وقالت: - واجمل سندريلا يا روحي...
كان أنس ينظر إليهما وهو يشعر بالسعادة، لقد عرف منذ البداية أن ملك ومرام سوف ينسجمان مع بعضهما...
خرج أنس من شروده وقال: - طبعا يا آدم انت عارف انا جاي هنا ليه...

ابتسم ادم وقال: - عارف يا سيدي ومرام عارفة والبيت كله كمان.
نظر ادم إلى مرام وقال: - وهي كمان أدت موافقتها...
فركت مرام كفها بتوتر أكثر فقال أنس: - وهي لو حابة تسألني اي سؤال أنا جاهز...
- تحبوا نسيبكم مع بعض شوية عشان تتكلموا.
قالها ادم موجها حديثه لمرام التي هزت رأسها بالنفي وقالت؛
- انا معنديش اي أسئلة بس حابة تكون فترة الخطوبة كبيرة شوية!

- خطافة الرجالة دي أنا هوريها!
صرخت ليل وهي تبقي بالمزهرية الكبيرة التي تزين غرفتها بينما تصرخ بقهر والدموع تتساقط من عينيها الخضراء لقد عرفت بطريقتها أن أنس سيذهب ليتقدم لتلك الحقيرة مرام؟، ولجت والدتها الغرفة بفزع وهي تري ابنتها في تلك الحالة، اقتربت منها ثم امسكتها بعنف وهي تصرخ بها: - اهدي، اهدي يا ليل اهدي...

ولكن ليل كانت تهز راسها، عينيها تتحرك بجنون، أنس ينسل من يديها. تلك الخبيثة استطاعت جذبه إليها بقناع البراءة الذي ترتديه، ارادت ليل ان تقتلها، ارادت ان تقتله وتقتل نفسها، لقد انتظرته وتحملته كثيرا وهو يفكر في الزواج من اخري! كانت النيران تضطرم في قلبها، تشعر انها حقا سوف تموت...
- هيتجوز، هيتجوز، هيتجوزها يا ماما! هيتجوزها، أنس خلاص ضاع مني، ضاع...

كانت تهذي بجنون بطريقة اخافت والدتها عليها، امسكت والدتها كفها وقالت: - متخافيش مش هسمح. بكده، أنس هيكون ليكي، مستحيل نسيب الثروة دي كلها تفلت من بين ايدينا...
- انا مش عايزة فلوس...
صرخت ليل وهي تدفع والدتها وتبكي بعنف وتكمل: - مش عايزة فلوس، طز في الفلوس وطز في الثروة والشركات، أنا عايزة انس، أنا بحبه، بحبه يا ماما...

لوت والدتها شفتيها وهي تنظر إلى ابنتها الحمقاء، هل قدر لها أن يكون كل بناتها بنفس الغباء، العاطفة تتحكم بهم! ابنتها الاولي أيضا كانت تتكلم عن ترهات العشق والحب، لم. تستفيد ابدا من الزواج من الوريث الاكبر لشركات الصاوي، بل عندما عاني زوجها من مشاكل كثيرة في العمل وقفت بجواره، لم تطلب أي شئ منه، حتى انه لم يكتب لها أي من املاكه. وابنتها المعمية بعاطفة الحب قبلت بهذا، قبلت ان تكون زوجة ملياردير دون ان تحصل على أي شئ، والان ليل ترتكب نفس الخطأ الاحمق، تقع في حب أنس الصاوي، تجعل قلبها يقودها ولا تحكم عقلها، لقد ضاعت جهودها في تربية تلك الفتاتين سدي، فكرت بقهر وهي تحك جبينها وادركت ان حتى ليل ليس منها فائدة، امسكت هي ذراع ليل وقالت وعينيها الخضراء تبرق بعنف: - اسمعيني يا بنت انت، متبقيش غبية كده! حب ايه يا ام حب انت، متبقيش حمارة زي اختك الله يرحمها، الحب هيخليكي ضعيفة اسمعي مني، انت هتتجوزي انس متقلقيش بس مش قبل ما توعديني أنك هتقدري تخليه يكتبلك شركة من شركاته وكمان يشتريلك بيت كبير يكون بإسمك، لازم تستفادي منه يا ليل متقلقيش غبية زي اختك، انس يقدر يغير حياتنا كلها فخليكي ذكية كده وبطلي هبل، حبيه مقولتش لا بس اعرفي أن مصلحتنا الاول...

مسحت ليل دموعها وقالت: - هو ضاع من أيدي يا ماما!
ابتسمت نيرمين بخبث وقالت وعينيها الخضراء تبرق بشدة: - مين قال إنه ضاع، هو انا هخلي حتة سكرتيرة زي دي تأخده مننا، لا مستحيل يا حبيبتي، أنس هيبقي ليكي...
تهادت نحو فراش ابنتها وهي تقول بإستمتاع: - جه وقت نضرب أنس الضربة القاضية. اتصلي بالمحامي خليه يعدي علينا بكرة.!

ايوو شمندورة منجنا بهر جاسكو مينجنا
سجرى مالا واينا مورتنا نا واينا.

علي الشط أستني رايحة فين دانا ليكي بغني غنوتين
غنوة عن الآهة والحنين وغنوة لعنيكى ياحنين.

آه يا شمندورة لابسة توب
يا اجمل من الصورة دوب يا دوب
يا اسمر يا سمارة دوبت دوب
يا عيون قدارة ع القلوب.

آه يا شمندورة صبري طال ردي و جاوبيني ع السؤال.

شغلت ليلي تلك الأغنية بعد ذهاب أنس وبدأت في اطلاق الزغاريد...
- بس بس يا بت ايه المهرجان ده...
قالتها مرام وهي تضحك، لترد ليلي: - اختي هتتجوز يا ناس ومش عايزني افرح...
ضربها ادم على رأسها وقال: - دي مجرد اتفاق ده. حتى لسه الخطوبة...
- يا عم تفائل. أنا بصراحة عجبني العريس ده شكله جنتل وابن ناس لو مرام مش عايزاه أنا اخده عادي...

ضحك ادم وهو يجذب ليلي إليه ويقول: - طيب ايه رايك مفيش جواز ليكي بالذات الا لما تخلصي طب يا بنت أنت...
- يخربيت الزولم.
قالتها ليلي ثم أكملت: - مش مهم هفرح برضه بمرام، ارقصوا يا ناس ومتبقوش نكديين...
ثم بدأت ليلي تردد أغنية محمد منير وهي تجذب مرام وترقص معها بينما حسناء تجلس بجوار مهرا وهو يضحكان بشدة...
ايوو شمندورة منجنا بهر جاسكو مينجنا
سجرى مالا واينا مورتنا نا واينا.

ع الشط أستني رايحة فين دانا ليكي بغني غنوتين
غنوة عن الآهة والحنين وغنوة لعنيكى ياحنين.

آه يا شمندورة لابسة توب
يا اجمل من الصورة دوب يا دوب
يا اسمر يا سمارة دوبت دوب
يا عيون قدارة ع القلوب.

آه يا شمندورة صبري طال ردي و جاوبيني ع السؤال
كانت ليلي تتمايل وهي تردد تلك الكلمات وترقص مع مرام التي تحاول أن ترقص مثلها ولكنها تفشل تماما، كان آدم مبتسما وهو ينظر إليهما، فجأة نظر إلى مهرا واقترب منها ثم شدها لكي ترقص معه...
- لا لا أنا مبعرفش ارقص يا آدم...

ابتسم ادم وهو يجعلها تقف بقدميها على قدميه ويرقص (سلو)رقصة لا تليق تماما بكلمات الأغنية الحماسية، كان يرقص وهو ينظر إلى عينيها وكأنها هي جنته على الأرض، بينما توقفت مرام وليلي وهما ينظرون إلى شقيقهما بسعادة، وقد عرفوا أن حبه لمهرا مختلف تماما عن أي حب عاشه من قبل، مهرا الحب الحقيقي لآدم. وستظل دوما هي الحب الحقيقي له. وسبب خفقان قلبه.

تمت
الجزء التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة