قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل السادس عشر

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل السادس عشر

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل السادس عشر

شحب وجه جابر بقوة وهو ينظر إلى عيني مهرا المصرة، كان مصدوم، كيف لن تعود إليه، اما مروة فهي وضعت كفها على فمها وهي مصدومة من كل ما يحدث، ابتلت عينيها بالدموع وهي تشعر بقلبها يؤلمها، لقد اكتشفت مهرا الحقيقة البشعة ويبدو انها لن تسامح جدها ابدا...
نظرت مروة إلى جابر لتجده في حالة رثة للغاية، كان محطم بطريقة لم تراها من قبل الا في موت علي...
- مهرا اسمعي بس...

قالتها مروة وهي تقترب من مهرا الا أن مهرا تراجعت وقالت بصوت مختنق: - لو سمحتي يا ماما، لو سمحتي مش عايزة اسمع حاجة، ايه المبرر اللي عند جدي عشان يعمل كده، ايه يعني اتجوز واحدة بيحبها، ايه يعني قرر يمشي ورا قلبه، ده طنط حسناء مفيش منها...
احمر وجه جابر من الغضب وقال: - طنك حسناء اللي مفيش منها دي هي اللي سرقت عمك على من امك!

شحبت مهرا وهي تنظر إلى والدتها التي تبكي ثم أكمل جابر: - علي كان مفروض يتجوز مروة بس هو رفض وقرر يتجوز بنت الخدامة.

- انت متأكد انك عملت كده عشان امي ولا عشان طنط حسناء تبقي بنت الخدامة، اكيد زعلت عشان عمي اتجوز من واحدة أقل من مستواك. صح. رميته برا البيت عشان عصاك، طيب بنت الخدامة دي يا جدي ربت عيالها احسن تربية، طلعت ادم، ادم اللي من غير اي مقابل وافق أنه يتجوزني، ادم اللي رغم غلطاتي الكتير مكانش بيمد أيده عليا، وصلت وقاحتي اني اهين مامته ورغم كده ممدش ايديه عليا، اهو بنت الخدامة ريت حفيدك اللي انت هتموت ويكلمك، بنت الخدامة طلعت واحد سوي وافق يساعدني من غير ما يستغل الموقف وينتقم مني بسببك رغم أن كان ممكن يعمل كده وهيبقي عنده مبرر!، ليه الاحتقار ده لحسناء رغم أنها معملتش حاجة، أنا...

انسابت دموع مهرا وقالت بإختناق: - انا اهانت الست دي ورغم كده سامحتني، كانت بتعاملني كأني واحدة من بناتها، بتفهمني اكتر من اي حد، قولي بقا اي الغلطة في طنط حسناء عشان ترفضها، عشان بنت خدامة يعني، عشان الفرق الطبقي بقت خلاص متنفعش...

مسحت مهرا دموعها وقالت: - انا بجد اتصدمت فيك يا جدي، اتصدمت اوووي مش قادر اصدق انك جدي اللي كنت بحترمه، يا خسارة، حقيقي يا خسارة. بس خلاص انا مش هرجع هنا تاني، أنا همشي ومش هرجع تاني ابدا.
ثم نظرت إلى والدتها وقالت: - واتصدمت فيكي انت كمان...
ثم اندفعت للخارج دون الاهتمام بصراخ والدتها!

كانت تسير في الطرقات وهي شاردة، دموعها تنساب بغزارة، لا تصدق فعلة جدها، بعدما اخبرتها مرام بما حدث شعرت ان عالمها يتهاوي من حولها، لقد ظنت ان جدها ملاك، لم تري ابدا هذا الوجه القاسي الذي عرفته اليوم، جلست مهرا على احد الارصفة وهي تتخيل حالة ادم وعائلته، مجرد طفل صغير نضج بطريقة قاسية، واجه العديد من اجل ان ينهض بعائلته، حرم من حق التمتع بطفولته، الحق من تعليم جيد! لقد قتل جدها طفولة ادم وهي مستحيل ان تسامحه على هذا، لن تسامحه على ما فعله، وضعت كفها على قلبها المنهك وهي تفكر بآدم، لماذا قبل بها ادم، لماذا وافق على الزواج بها رغم ما فعله جده، كان ينبغي أن يكرهها أن يحقد عليها، ولكن لا ادم تزوجها، حماها من مروان، عاملها جيدا، لم يضربها حتى عندما اهانت والدته، رغم اخطائها الكثيرة كان مثالي للغاية وهو يتجاوز عن أخطائها كالوالد الصبور، فلماذا يفعل هذا!

كان مروان متسطح على فراشه، دموع تنساب بالتتابع، الغضب والحزن والحقد يسيطران عليه يشعر ان العالم يضيق به، هو ليس سعيدا، هو تعيس للغاية، يشعر انه طائر محجوز في قفص وكلما اراد الهروب من هذا القفص يفشل تماما! وحتى عندما هرب منه عاد مجددا، ثروة والده تكبله كأنها قيود من ذهب، هو لا يريدها ولكنه عرف ان العالم بشع للغاية من دون مال، عرف انك عندما يكون لديك مال سيلتف الجميع حولك ولكن في الوقت الذي لا تملك شيئا لن تجد احد حولك، ستعود وحيدا مجددا، لقد ادرك مروان أخيرا تلك الحقيقة البشعة، ادرك ان ثروة والده تحميه من هذا المجتمع، نهض جالسا وقد اتخذ قراره، هو سوف يحتمي بثروة والده، ولن يطالب بحبه مجددا، سيفعل ما يريده. سيحصل على ما يريد واولهم ليلي، سيفعل المستحيل كي تبقي تحت طوعه وكي تحبه، للاسف كلما حاول معها يقف ادم في طريقه، هو يجب أن يتخلص من ادم هذا كي يستطيع أن يحصل على ليلي، نام مجددا وهو يغمض عينيه وعلى ثغره ابتسامة، يتخيل ماذا سيحدث عندما يمتلك تلك الفتاة ويكسر ادم بها، لكي لا يجرؤ مجددا على العبث مع مروان السويسي، كان مئات الأفكار المنحرفة تطارد عقل مروان، افكار شاذة أعجبته للغاية، هو سوف يحاصر تلك الفتاة ولن يستسلم، بالإضافة إلى أنه يريد الانتقام من شقيقها الا انه حقا يريدها، اغمض عينيها وهو يغرق في النوم بينما على شفتيه ابتسامة منتصرة ومقولته المفضلة تدور في رأسه في الحب والحرب كل شئ مباح...

وهو سيفعل المستحيل كي يربح تلك الحرب!

كان نائم على حجرها، ينظر إليها فيجدها تنظر إليه بحب صافي، عينيها السوداء تبرق لها وعلى ثغرها ابتسامة رائعة، كانت رائعة كالعادة، دفنت يديها في شعره الغزير وأصبحت تداعب شعره حتى شعر بالسلام يحيط بقلبه، السلام الذي فقده منذ وفاتها...
ابتلت عيني مروان بالدموع وهو ينظر إليها بينما هي مستمرة في مداعبة شعره، تعاملها كطفلها الصغير المدلل، دقات قلبه تزايدت أكثر بينما تميل وتطبع قبلة لطيفة على جبينه.

- ماما...
قالها مروان باختناق ودموعه تتساقط بينما ما زال نظره مثبت عليها
- نعم يا حبيب ماما...
قالتها بصوتها الموسيقي، كان مروان لا يصدق أنه معها الان، لا يصدق أنه مع والدته مصدر امانه...
- انت وحشتيني اوووي، مش قادر اعيش من غيرك يا ماما، انا بموت، بعدك مفيش حد مهتم بيا وانا حاسس اني وحيد، حاسس اني مش محبوب...
- انا بحبك يا حبيبي.
قالتها وعلى وجهها سلام أراد هو الحصول عليه...

اختنق صوته وقال: - انت الوحيدة اللي بتحبيني، لكن الباقي لا، بابا مبيحبنيش يا ماما، دايما بينبذني وبيبعدني عنه، انا بموت من الالم وانا شايف ابويا بيكرهني...
ابتسمت هي بحزن وقالت: - ابوك بيحبك بطريقته يا مروان، بس طريقته مختلفة عننا شوية...
هز مروان رأسه ودموعه تنساب من عينيه وقال: - لا يا ماما هو مبيحبنيش، هو بيحب فلوسه وبس...
- متتضايقش يا حبيبي المهم اني بحبك...
- وانا كمان بحبك...

قالها بحب وهو يغمض عينيه بإستمتاع قالت والدته فجأة: - بس أنا زعلانة منك، زعلانة على اللي بتعمله في البنات، زعلانة عشان طريقك مش كويس، طريق وحش يا مروان، طريق أنا خايفة عليك منه...
ابتلع مروان ريقه وقال: - انا مبعملش حاجة غلط...
- بس انت غلطت في حقي...
الصوت جمده تماما، لم يكن صوت والدته الحنون، فتح مروان عينيه ليجدها مهرا، تنظر إليه بكره وهي تحمل سكين. فجأة ضربت السكين في قلبه...

نهض مروان من النوم وهو يصرخ، نظر حوله لينام مجددا على الفراش ويقول وهو ينهت بقوة: - الحمدلله طلع حلم، طلع حلم!

- ربنا يستر من دكتور عمر ده شكله حاطط الدفعة في دماغه يا ميار.
قالتها ليلي وقلبها يرتعش من الخوف، تخاف بقوة من أن تفشل وتخذل شقيقها الذي ينفذ كل طلباتها، هي تخاف أن تخيب امل ادم وتفعل المستحيل كي يفتخر بها...
نظرت إليها ميار بتوتر وقالت: - متفكرنيش يا لولا أنا مرعوبة اكتر منك، ده دكتور معندوش رحمة كل الدفعات اللي قبلنا حذرتنا منه وانا بجد هموت من الرعب...

هزت ليلي رأسها بخوف وقالت: - لا والاسوأ أنه هيعملنا امتحان الاسبوع اللي جاي، أنا من دلوقتي هموت نفسي من المذاكرة...
اصطنعت ميار البكاء وقالت: - يا ميلة بختك يا ميار، يا حظك يا ميار، هتقضي عمرك كله في امتحانات، أنا بمتحن اكتر ما بأكل، أنا كده مش هتجوز يا ليلي الكلية واخدة كل وقتي...
ضحكت ليلي وقالت: - يا اختي يعني ده كل اللي هامك، ده أنت فاضية...

هزت ميار كتفيها وقالت: - انا بقول كفاية تعليم كده ونعم لتستيت المرأة انا هروح اخد وصفة المكرونة بالبشاميل من امي عشان لما اتجوز جوزي ميطلقنيش...

ضحكت ليلي وقالت: - انا قولت لادم كده ونفخني، ادم قالي إن سلاحي الحقيقي هي دراستي ولازم يكون معايا شهادة حتى لو مش هشتغل بيها، بيقولي دايما أن العلم نور والإنسان لما يتعلم يبقي كده كمان بيرضي ربنا، هو رغم أنه متعلمش إلا أنه حريص جدا جدا يعلمني، بيحقق أحلامه من خلالي أنا، وانا مش هرتاح الا لما احقق حلم ادم...
ابتسمت ميار وهي تضمها اليها وتقول: - ربنا يخليكم لبعض...

ابتسمت ليلي وقالت: - امين يارب، ربنا يخليه ويكرمه يارب حبيبي يستاهل...
ثم كادا أن يذهبا إلا أن مروان وقف أمامهما فجأة، نظرت ليلي إلى مروان الذي ينظر إليها ويبتسم ابتسامة ساحرة، شعره كان مصفف جيدا، يرتدي جينز شاحب وتيشرت رمادي...
تراجعت ميار وهي تنظر إلى مروان بخوف، ذلك الشاب الذي ضربه ادم...
- انت بجد. مبتحرمش!

قالتها ليلي وهي تنظر إليه ببرود بينما تربع ذراعيها، ابتسم مروان وقال: - انا عاشق اعمل ايه؟! مش قادر انساكي، اديني طريقة عشان انساكي وانا هبعد وعد مني...
ابتسمت بسخرية وقالت: - ايه الطرق بتاعة اخويا منفعتش معاك عشان عايز مني طريقة، ممكن اقوله تاني على فكرة عشان يستخدم طريقة كسر العضام، دي بتنفع اوووي!
- مهما عمل فيا هفضل وراكي، أنا بحبك وبايع عمري عشانك.

وضعت ميار كفها على قلبها وقالت: - ده بيقول كلام حلو اووي يا بت يا لولا...
نظرت إليه ليلي بغضب وقالت: - اسكتي يا ميار!
صمتت ميار كليا لتنظر إليه ليلي وتقول: - الكلام الحلو ده تقدر تأكل بيه دماغ حد غيري، أنا لا، كل لما تقرب لي انت اللي هتتأذي عشان كده لم باقي كرامتك اللي اتبعترت ومتجيش هنا تاني.

ثم كادت أن تذهب إلا أنه وقف أمامها وقال: - كده برضه تكسري قلبي اللي حبك، يا ستي بقول. بحبك أنت ايه معندكيش قلب...
- وانا مش بحبك روح العب مع غيري يا شاطر والا وديني اقول لادم اخليه يكسر عضمك عضماية عضماية لدرجة أن مفيش دكتور هيقدر يجبسك، ايه رايك؟!
- فداكي. عضمي كله، وقلبي لو حابة...
- لا احنا هنكون عايزين عضمك بس، قلبك ده ترميه لانه اسود مش هيفيدنا بحاجة، يالا يا ميار...

ثم سحبت ليلي ميار خلفها وهي تسير بعصبية، هذا الرجل عكر مزاجها بالكامل...
نظر مروان إلى أثرها وقد راقته تلك اللعبة، هو سيحصل عليها بكل تأكيد!، ارتدي نظارته ثم ذهب لسيارته كي يذهب!

- آنسة مرام، آنسة مرام...
قالها علاء، ذلك الموظف الذي يعمل معها في الشؤكة وبالأخص في قسم الحسابات، توقفت مرام وهي تنظر إليه وتقول: - اتفضل حضرتك فيه حاجة...
ابتسم علاء بإحراج وقال: - كنت عايز اطلب من حضرتك طلب، بتمني انك توافقي عليه!
- اتفضل يا استاذ علاء...

ابتلع علاء ريقه وهو يخفض عينيه كي لا ينظر إليها وقال: - ممكن لو سمحتي رقم اخو حضرتك. عرفت أن والدك الله يرحمه وان ليكي اخ كبير فممكن رقمه...
لم. تفهم ماذا يريد أو ما قصده لذلك قالت بحيرة: - ليه عايز رقم اخويا فيه حاجة...
فرك علاء كفيه وقال: - كنت حابب اتقدم لحضرتك و، يعني...
تلعثم في الكلام بشدة بينما تراجعت ووجهها يشحب، اكمل علاء بنفس التلعثم وقال: - لو يعني مش هزعجك وموافقة و...

سيطرت على نفسها وقالت بنبرة جعلتها لطيفة: - استاذ علاء أنا اسفة ليك جدا، بس انا حاليا مش بفكر في الموضوع ده لسه خارجة من تجربة صعبة وصدقني مش في بالي، الرفض مش خاص بحضرتك بس انا فعليا الموضوع ده مش في بالي اصلا مش عايزاك تتضايق لو سمحت...
رغم ضيقه وحزنه إلا أنه ابتسم لها بلطف وقال: - مش مشكلة يا آنسة. انا هستناكي لحد ما تكوني مستعدة...

لم تجادل معه مرام أكثر من هذا بل ذهبت بسرعة إلى عملها وذهب هو أيضا، ولم يلاحظوا انس الذي كان واقفا على مسافة منهم وقد سمع كل شىء! وجهه احمر من الغضب والغيرة كادت ان تفتك به، اغمض عينه وهو يحاول أن يهدأ اعصابه ولكن دون جدوي، فجأة احتل الحزن ملامحه، ماذا يتوقع اصلا، بالطبع سوف يحبها احد ويطلب الارتباط بها، يوما ما أكيد سوف تتزوج وهو ماذا سيفعل وقتها، هل سيغار، ام سيموت، ذهب أنس إلى مكتبه بسرعة واخذ يدور حول نفسه، هو لا يستطيع التنفس وهو يتذكر ذلك الهائم بها، يشعر ان أحدهم يقترب من شئ يخصه، لقد احب مرام لدرجة انها اصبحت تخصه بالمرتبة الاولي، يغار عليها ويراقبها، عينيه لا تحيدان عنها...

تنهد بعمق واتصل بسكرتيرته الجديدة كي تستدعي له مرام...

بعد قليل...
كانت مرام تسير جهة مكتب انس، تحاول ادعاء الجمود ولكن داخلها كان يرتجف بقوة، ماذا يريد منها الآن، ولماذا طلب يقابلها، هل قرر طردها نهائيا بسبب اكتشافه مشاعره غير المرغوب بها وبالطبع هي من ستلام بسبب تلك المشاعر...
حكت مرام جبينها بتعب وهي تلج إلى مكتبة وتقول بنبرة خالية من المشاعر: - حضرتك طلبتني؟!

نظر إليها أنس لبرهة ثم أسبل جفنيه ليخفي تأثره بها، يكفي قلبه الذي يخفق بقوة كلما رأها...
هز أنس رأسه وقال: - ايوة يا انسة مرام، كنت حابب اعرف لو حضرتك مرتاحة في قسم الحسابات ولا لا، يعني الشغل هناك مريح؟!
رفعت مرام حاجبيها وهي تنظر إليه وكأنه فقد عقله تماما ولكنها اجابت ببساطة: - الشغل كويس الحمدلله. مفيش أي مشكلة بتواجهني...
ابتسم ابتسامة لطيفة وهو يقول: - الحمدلله...

- طيب هو حضرتك جيبتني عشان تقول كده بس...
ابتلع ريقه وفجأة نظر إليها والغيرة تلمعان بعينيه وقال: - هو علاء كان عايز منك ايه؟!
ارتعشت من الداخل ولكنها قالت بنبرة جليدية: - مجرد شغل...
نهض واقترب منها بسخرية وهو يقول: - مجرد شغل؟! يعني مكانش عايز مثلا رقم اخوكي عشان يتقدملك...
احمر وجهها بقوة وقالت بإنفعال: - دي حاجة تخصني يا...
ولكنه قاطعها وقال بغيرة: - وتخصني كمان لاني...

ابتلع ريقه وقال: - لاني مش قادر استحمل. أنا بغير!
تراجعت للخلف وقالت بنبرة صارمة رغم برودتها: - استاذ انس ياريت تحافظ على الرسمية اللي بيننا، متتكلمش بالطريقة دي تاني والا هسيب الشركة!

- حفيدتي كرهتني، حفيدتي سابتني ومشيت...
قالها جابر بإنهيار وهو يجلس على كرسيه، عينيه لامعه بالدموع بينما مروة تجلس على الأريكة وهي تبكي، ما زالت كلمات مهرا تتردد في عقلها، تشعر أن أحدهما يسحق قلبها.

. لقد نالت مروة بعض من اللوم وهي لن تتملص من مسئووليتها، هي أيضا تركت حسناء وعلى يواجهان مصيرهما ولم تتدخل بالأمر، كان يمكنها المساعدة ولكنها تقلدت دور الجبانة، والان ابنتها تلومها، لقد فقدت مهرا عقلها عندما عرفت الحقيقة، شعرت أن يجدها ووالدتها وجه آخر لا تعرفه، نظرات الخذلان بعيني مهرا كانت تقتلها، تعتصر قلبها من الالم، مسحت مروة دموعها وهي تنظر إلى جابر وتقول: - هنعمل ايه دلوقتي يا عمي، مهرا خلاص بتضيع مننا، البنت رافضة اي مبرر تسمعه وقررت انها مش هترجع هنا تاني...

- هي السبب، هي السبب...
قالها جابر وعينيه تشتعلان من الغضب، عقدت مروة حاجبيها ليكمل جابر...
- حسناء هي السبب، هي اللي سرقت حفيدتي مني، وانا عمري ما هسامحها على كده...
هزت مروة رأسها وهي تقول: - لا يا عمي، حسناء مسرقتش حد، حرام عليك كفاية تظلمها يا عمي، كفاية اللي حصلها وكفاية انها خسرت جوزها...

وضعت مروة كلها على قلبها وقالت بإنهيار: - انا كنت بموت وبنتي بتتهمني اني كمان شريكة في الذنب وهي عندها حق. أنا كمان محاولتش اساعد، فضلت ساكتة وانا شايفة حسناء بتتبهدل، أنا عمري ما هسامح نفسي ابدا على اللي عملته، عمري...

نهض جابر وهو يقول بغضب: - انت ليه حطاها في خانة الضحية، حسناء مش ضحية يا مروة، حسناء ظالمة، خبيثة، واحدة ناكرة للجميل، بعد كل اللي عملته معاها لكن هي خانتني، طعنتني في ضهري، أنا اللي نضفتها هي وامها، اتكفلت بتعليمها، وبدل ما تشكرني تروح تلف حوالين ابني عشان تلهف الثروة كلها، دي مش واحدة طيبة، دي واحدة وضيعة. حقيرة، كلبة فلوس...

- كفاية ظلم يا عمي، انا وانت عارفين إنها مش كده، حسناء عمرها ما كانت كده. هي عاشت مع على في أسوأ الاحوال، اتحملت ولما على تعب جاتلك تترجاك، يعني حبت ابنك، عمرها ما طمعت في فلوسك فليه بتتكلم عنها بالطريقة دي؟!
- ظلم ايه، ظلم ايه؟!
صرخ جابر ثم اكمل: - دي فرقت عيلتنا يا مروة، اخدت على مني، ابني مكانش بيزورني بسببها.

- لا لا. محصلش، انت اللي كنت رافض انه يزورك، انت كنت رافض تدخله البيت اصلا، انت اتخليت عنه...
- اسكتي، اسكتي يا مروة.

قالها جابر وهو يشعر انه ينهار، يشعر انه محاصر بقوة، طرفت الدموع من عينيه وهو يرفض للاعتراف بخطأه. كان قلبه يعتصر من الألم، يحاول بكل ما امكنه ان يجعل حسناء تتحمل المسئوولية، نعم هي السبب، هي من اخذت ابنه منه، هي من تسببت بموت علي، نعم هي فقط، لو كان على يعيش معهم لم يكن ليمرض، ولكنه اخذته بعيدا وجعلته يعيش في مكان وضيع مثلها حتى اصابه المرض وهو لن يسامحها ابدا على هذا، سوف يظل يكرهها دوما...

كانت مروة تنظر بخوف إلى عمها الذي يدور حول نفسه ويتنفس بصعوبة، ركضت إلى المكتب واخرجت الادوية الخاصة به وهي تعطيه الادوية...
- انا اسفة اني ضغطت عليك يا عمي.
قالتها مروة بخجل ليهز جابر رأسه ويقول بعينين جاحظة...
- هي السبب يا مروة. هي اللي فرقت عيلتنا، الأول على وبعدين مهرا، فضلت ورا مهرا لحد ما خلتها تكرهني، خلت حفيدتي تكرهني تخيلي، مهرا بقت بتكرهني، وانا مش هسامحها. أنا هوقفها عند حدها...

ثم غادر فجأة غير مهتم لصراخ مروة!

- اه يا بابا سيبني...
قالتها ميار ودموعها تنسكب على وجهها، منذ طلقها على منذ اسبوع ووالدها يحتجزها في البيت ويعذبها، يجبرها أن تذهب لمنزل عائلة على وتعتذر منه هناك، وهي لا تريد، لا تريد أن تعود إليه مجددا، لقد ذاقت طعم الحرية ولن تعود إليه مجددا...

- دي آخرة دلعك فيها، اهي جابتلنا العار، لسه بتحب ابن على عزام وفضحتنا قدام جوزها، وحتى ادم مش هيقبل بيها دلوقتي، ده اتجوز بنت عمه الغنية، ومش معقول يتجوز عليها، وطبعا أنت لسه مشوفتيش اللي اسمها مهرا دي، جمال مقولكيش...
تدخلت علياء بخبث كي تقهر ميار، نظرت إليها ميار وعينيها حمراء بسبب الدموع والغضب وقالت: - اسكتي خالص، اسكتي أنت ملكيش دعوة يا حرباية أنت...
- لما تتكلمي مع مراتي، تتكلمي باحترام!

صرخ بها عثمان وهو يصفع ميار بقوة، بكت ميار وهي تضع كفها على وجنتها، لا تصدق أن والدها يمكنه أن يتحول بتلك الطريقة البشعة...
شدها والدها من شعرها مرة أخري لتصرخ بألم وهي تبكي ويقول: - اسمعي يا بنت، معنديش بنات تتطلق، احسنلك تروحي لجوزك وتعتذري منه عشان يرجعك والا اقسم بالله اقتلك وادفنك مكانك، جرا ايه محدش قادر عليكي!

صرخ لي جملته الاخيرة، لترتعش وهي تقول: - انا مبحبهوش، قولتلك مبحبهوش. ايه هي عافية!
- شوف قليلة الرباية بترد عليك ازاي، خلاص البت عيارها فلت ومش هنقدر عليها بعد كده، خلاص يا عثمان دي هتحيبلنا العار، انت مبقتش تخوفها ولا حد هاممها لا اب ولا زوج وعايز تلف على حل شعرها...

غلت الدماء في عروق عثمان ثم شد ميار بعنف أكثر على شعرها حتى صرخت وهي تشعر بالالم الشديد يغزو رأسها، بدأ عثمان بضربها على وجهها وهو يقول بينما ينهت: - هترجعيله، هترجعيله يا ميار ولو معملتيش كده اقسم بالله هقتلك، هقتلك، أنت فاهمة...

اخذت ميار تصرخ وتبكي بينما تري على وجه علياء ابتسامة شامتة وهي تربع يديها كأن يعجبها العرض، كانت حقا تتألم، أرادت وقتها أن تموت، فجأة قالت وهي تصرخ: - خلاص، خلاص هرجعله بس ابوس ايديك كفاية، كفاية!
ابتعد عثمان اخيرا وهو يري استسلامها وقال: - ايوة كده، يالا روحي جهزي نفسك واغسلي وشك ده عشان نروح للراجل عشان تعتذري منه...

ثم نهض وأخذ زوجته وخرج من الغرفة، انهارت ميار على الأرض وهي تبكي بعنف، وجهها كان محمر من الضرب، قلبها يؤلمها، وشفتيها تنزف، كيف يكون والدها بتلك القسوة، كيف، كيف تحول والدها إلى وحش. هكذا، هل استطاعت زوجته أن تغيره بتلك السهولة...
نهضت وهي تتأوه بألم ثم اتجهت إلى المرحاض لكي تغسل وجهها...

وقفت أمام المرآة شاحبة وهي تتطلع إلى الكدمات البسيطة التي تقبع أسفل عينيه، كدمة بنفسجية يمكن إخفائها بمساحيق التجميل. ولكن تؤلمها بقوة، غسلت هي وجهها، ومسحت الدماء التي تسيل من فمها وانفها، ثم خرجت بهدوء إلى غرفتها ارتدت ملابسها بصعوبة، ثم أمسكت عبوة مساحيق التجميل وهي تزين وجهها وتخفي الكدمة التي على وجهها، كم تمنت أن يأتي حبيبها آدم وينقذها من والدها. كما كان دوما يفعل، لقد أنقذها مرارا وتكرارا ولم يمل من هذا، ابتسمت بحنين وقلبها يخفق بقوة وقالت: - خسارتك كبيرة يا آدم، كبيرة اوووي، اوووي...

بعد دقائق...
كانت تستقل مع والدها أحدي سيارات الأجرة، تنظر إلى الشباك وهي تشعر بالحسرة من والد يخضع لأوامر زوجته التي تكرهها...

اخيرا وصلا إلى منزل علي، كان والدها يقبض إلى كفها بقوة ويقول محذرا: - ميار اياكي تعملي غلطة جوا...
ثم ولجا إلى الداخل...

- ايه الناس اللي في البيت دي كلها؟!
قالها عثمان بصدمة...
- دي خطوبتي يا عمي...
آتاهم صوت على من الخلف، نظرت ميار إليه لتجده ينظر إليها بتحدي وانتصار!

فتحت الباب لتبهت فجأة وهي تراه أمامها، جابر عزام بشحمه ولحمه، كان ينظر إليها بكراهية، لو أن النظرات تقتل لكانت ماتت على الفور، كان حقا ينظر إليها بكراهية غريبة...
حاولت حسناء تصنع الابتسام وقالت: - اهلا يا عمي...
- انا مش عمك!
صرخ بها جابر عزام. ثم قال: - انت هتبقي بنت الخدامة بالنسبالي وعمرك ما هتكوني غير كده فاحسنلك متنسيش نفسك. أنت فاهمة ولا لا!

احمر وجه حسناء وهي تشعر بالمرض يغزو جسدها مجددا، شعرت أن رأسها سوف ينفجر، اخذت تتنفس بصعوبة وقالت بصوت باكي: - حاضر يا جابر بيه...
كان ما يزال حاقدا عليها، لو بيده لكأن ازهق روحها الان وارتاح، تلك الخبيثة. هي من سلبت ابنه وحفيدته أيضا!
فركت. حسناء كفيها وقالت: - ادم مش هنا ولا مهرا كمان و...
- عارف.

قالها باختصار. ثم أكمل: - وده افضل عشان اسمعك الكلمتين اللي جاية اقولهوملك بعيد عنهم، مش عايز حفيدتي تتصدم قد ايه أنت واحدة وضيعة!
شهقت حسناء وهي تتراجع للخلف وقالت بنبرة منفعلة: - جابر بيه انا مش هسمحلك...
- اخرسي، فاهمة، اخرسي خالص بدل ما اقتلك، أنت أحقر واحدة أنا شوفتها في حياتي، واحدة خبيثة مش هترتاحي الا لما تدمري الكل...

انسابت دموعها بسبب ظلمه وكادت أن تتكلم إلا أنه وضع أصابعه على شفتيه في إشارة لها كي تصمت، صمتت وهي تتنفس بصعوبة...

نظر إليها بإشمئزاز وقال: - تعرفي اني قرفان منك، أنت واحدة ناكرة للجميل يا حسناء، أنا دخلتك بيتي أنت وامك وخليت امك تشتغل عندي، كنت بعاملها كأنها فرد من العيلة ومبصتش ابدا أنها خدامة، حتى أنت. مصاريف تعليمك كلها كانت عليا، كنت بخليكي تأخدي دروس مع علي، كنت بعطف عليكي. كان مفروض تردي الجميل، مش تروحي تلفي على ابني عشان تتجوزيه، وبعدين اخدتيه مني وبعدتيه عني، ابني مات بسببك، بسببك أنت...
- بسببي أنا!

قالتها حسناء بصدمة ثم أكملت: - هو أنا اللي رفضت اعالجه يا جابر بيه. ده انا جيت اترجيتك وقولتلك ابنك بيموت وانت حتى مفكرتش تساعده، اختارت انك تتجاهل ابنك وتعاقبه لحد ما مات، انت حتى مسألتش في احفادك الوقت ده كله، انا السبب في موت علي؟!..

قالتها بصدمة ودموعها تنساب أكثر على وجهها واكملت وهي تختنق: - انا اكتر واحدة حبيت علي، انا حبيته اكتر من حياتي، عملت المستحيل عشان يعيش ويبقي معايا، كنت مستعدة اسيبه، كنت مستعدة ابوس رجلك عشان تقبل وتعالجه، واطلع بعد ده كله أنا اللي تعبته، انا السبب في أنه يموت!، انت ايه اتقي الله يا اخي، ده انا حتى رفضت اقول لمهرا على اللي عملته، مكنتش حابة صورتك تتشوه في عينيها و...
- انت كذابة...

صرخ بها ثم أكمل: - اومال ازاي مهرا عرفت، بسببك وبسبب كلامك مهرا حفيدتي كرهتني، بسببك كرهتني، كرهتي حفيدتي فيا زي ما كرهتي ابني فيا، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي. انت لعنة على كل اللي حواليكي وهتفضلي لعنة دايما...
ثم تركها وغادر...
نزل جابر السلالم وهو يشعر أنه سوف يفقد عقله، توقف فجأة وهو يري ليلي أمامه، ابتسم لها ابتسامة بسيطة وهو يحييها بإماءة من رأسه، ثم غادر...

علي منضدة الطعام، كانت حسناء تلهث بعنف، وجهها احمر للغاية ودموعها لا تتوقف عن النزول، فجأة شعرت بأحد يفتح الباب، مسحت دموعها سريعا وسيطرت على نفسها رغم أنها تشعر بثقل في لسانها ولكنها لم تضع الأمر في عقلها: - انا جعانة اوووي يا ماما...
قالتها ليلي وهي تدخل بمرحها المعتاد لتقول حسناء وهي تنهض بصعوبة: - الاكل عندك في المطبخ، أنا داخلة الحمام.

- ايه رايك نروح نشوف الفساتين النهاردة...
قالتها حياة وهي تلتهم الايس كريم بينما تمسك كف احمد، نظر إليها احمد وقال: - واحنا هنختاره من دلوقتي ليه؟! لسه فيه فترة خطوبة كبيرة، الجواز مش دلوقتي.
. عبست وهي تنظر إليه وقالت: - وليه ميكونش دلوقتي، أنا عايز ابقي معاك يا احمد...
قبل احمد كفها وقال: - وانا كمان يا حبيبتي والله بس الظروف، أنا توي بادئ شغل ولسه عايز اكون فلوس الشقة و...
- ششش.

قالتها حياة وهي تضغط على شفتيه بإصباعها وتكمل: - شقة ايه اللي تشيل همها وانا موجودة، ما نتجوز في شقتي...
ضحك احمد وقال: - لا يا حبيبتي مينفعش، مقدرش اعيش في شقة تكون بإسم مراتي، أنا لازم اجهزلك شقة تليق بيكي...
- انا هكتب شقتي بإسمك...
قالتها ببساطة.
- نعم يختي...
هزت كتفيها وهي تركض امامه بشقاوة وتقول: - اهي اتحلت المشكلة، الشقة هتبقي بإسمك انت مش اسم مراتك...

كانت حياة تدور حول نفسها بسعادة وشقاوة ولم تلاحظ ابتسامة الخبث والانتصار التي كانت تزين شفتي احمد!

في المساء...
ولج إلى الغرفة لتنتبه له غاص قلبها داخل صدرها وهي تراه، لا تعرف لماذا ولكن ادم قادر على بعثرة دقات قلبها، وليس دقات قلبها فقط بل حياتها بأكملها، عينيه تأسرها، فلا تعرف أين تذهب من تأثيرهما، هل وقعت في حبه؟! لا هذا مستحيل، الحب لا يمكن أن يأتي بتلك السهولة، هي ليست مراهقة لتلك الدرجة لتقع في الحب بتلك السهولة...

اتجه ادم إلى خزانته بهدوء وأخرج منامته الرمادية ثم خرج بكل. هدوء، تنفست مهرا بعمق، هو لم يسامحها بعد، ما زال غاضبا منها بسبب ما فعلته. صحيح انها أخطأت ولكن عقاب ادم قد طال، هي تفهم الان أنها جرحته كثيرا بكلامها عن مساعدة جده لها، عرفت الان سبب الغضب الكبير، الكره الهائل والحقد الذي كان يرعبها، ولكي تكون صريحة هي لا تلومه ابدا، حقه أن يغضب، حقه أن يكره جدها لما فعله، فما فعله جدها لا يغتفر ابدا، لقد حطم بفعلته عائلة كاملة، وادم هو من دفع الثمن غاليا، والثمن كان طفولته التي لم يعيشها، حقوقه التي سلبت منه!، قلبها يؤلمها كلما تتذكر أن ادم حرم من الكثير بسبب جدها، تشعر بالاختناق وبتأنيب الضمير! تأنيب الضمير أنها تنعمت بأموال جدها وادم لا، تشعر أن تلك الأموال ليست من حقها، بل هي من حق ادم وأسرته، لذلك قررت ألا تعود، قررت أن تعيش مع ادم طيلة حياتها، طبعا أن وافق هو...

.
انتبهت مجددا عندما ولج غرفتها منتشلا إياها من أفكارها، راقبته خلسه، كان يمسك منشفة زرقاء ينشف بها شعره، بينما يرتدي منامته الرمادية، وضع المنشفة على جنب وابتدي يسرح شعره الرطب، ابتلعت مهرا ريقها وهي تشيح بوجهها بينما تسمع قلبها يخفق بقوة، قررت أن تستجمع شجاعتها وتنهض لتتكلم معه، اقتربت منه وهي تشعر بقلبها يهوي بقوة، وقفت خلفه وهي تنظر إلى انعكاسه في المرآة وقالت: - انا عرفت كل حاجة...

ترك الفرشاه من يده فورا وعينيه الزرقاء تبرق بحذر لتكمل هي بصوت مختنق: - عرفت اللي عمله جدي معاكم، عرفت كل حاجة يا آدم، وروحت واجهته...
ابتلع ريقه وهو ينظر إليها بعصبية وقال: - مين اللي قالك على اللي حصل، امي مستحيل!
- مرام.
أجابت بهدوء ثم اكملت: - كده كده كنت هعرف يا آدم، وصدقني لما عرفت كرهته اوووي و...
- غلط، غلط انك تكرهيه!

قالها ادم بإنفعال ثم أكمل: - انا أكرهه ماشي لانه اذاني لكن أنت تكرهيه ليه، أنت تعرفي هو عمل ايه عشان يحل مشكلتك، مش ده جدك اللي رباكي، بسهولة كده كرهتيه...
ابتلعت ريقها وقالت: - هو عمره ما آذاني صحيح يا آدم، بس اذاك انت، وقلبي بيوجعني عليك، حاسة اني انا اللي اتأذيت مش انت و...
تنهد آدم وقال: - ملكيش دعوة باللي حصلنا، مينفعش تمحي كل اللي عمله عشانك عشان خاطرنا احنا فاهمة، مش لازم تكوني ناكرة للجميل!

ثم كاد أن يذهب من أمامها إلا أنها أمسكت ذراعه وهي تستجمع شجاعتها وتقول: - انا قولت لجدي في وشه اني مش راجعة بيته تاني...
نظر إليها بصدمة وقال: - يعني ايه مش راجعة بيته تاني. مش فاهم...
تنهدت وهي تهدأ من دقات قلبها المضطربة وقالت: - يعني قولتله هعيش معاك طول حياتي. أنا مش هتطلق منك...
تراجع ادم وقد شحب وجهه بقوة وقال بتلعثم: - يعني ايه مش فاهم...

ابتلعت ريقها وقالت: - يعني هنفضل متجوزين ايه اللي مش مفهوم في ده...
فجأة انفجر ادم بالضحك وقال: - لا مستحيل قصدك هتعيشي معانا هنا؟!
- ايوة!
قالتها ببساطة، ليضحك مجددا ويقول: - ده مستحيل انت مش هتقدري...
- تحب تراهن...
قالتها بتحدي ولكنه لم يرد عليها بل ذهب إلى فراشه ونام!

في اليوم التالي...
- رايحة عند مامتك؟!
قالها سامر وهو يفتح حوارا مع كارما التي تدعي البرود أمامه، وقفت كارما وهي تمسك حقيبتها وقالت: - لا رايحة الشغل...
عقد حاجبيه وقال: - شغل؟! أي شغل ده مش فاهم؟!
هزت كتفيها وقالت: - هيكون شغل ايه يعني؟! رايحة الشركة، أنا اخدت إجازة بما فيه الكفاية...

ثم كادت ان تغادر الا انه امسك ذراعها وقربها منه وهو يقول من بين اسنانه: - ناوية ترجعي شغلك وانا آخر من يعلم يا هانم ولا كأني جوزك!
نظرت إليه ببرود تعلم انه يكرهه، كانت تستمتع وهي تراه يخرج عن طوره بتلك الطريقة، تشعر انها تأخذ حقها منه، تثأر لكرامتها التي اريقت على يديه، كانت حقا سعيدة، منتشية وهي تراه غاضب هكذا، ابتسمت ببرود وقالت: .
- وليه اقولك، أنا مش معتبراك جوزي اصلا...
- كارما احترمي نفسك!

صرخ بها سامر وهو يشدها اكثر إليه، كان يمكنها سمع صرير اسنانه ولكن لم تهتم، كانت حقا فقدت الامل به، حتى لو ضربها لن تهتم!

- ايه ناوي تضربني؟! ناوي تمد ايديك عليا يا سامر، اتفضل اضرب عشان ترتاح، بس أنا هروح شغلي، لان مليش غيره ومش ناوية اسيبه عشان خاطرك، صحيح في لحظة غباء مني قررت اسيبه عشان خاطرك، قولت انت تستاهل اني اضحي عشانك، لكن لا انت متستاهلش حاجة، متستاهلش اني اضحي عشانك، عشان كده قررت اني مضحيش تاني عشان خاطر أي حد، ولا حتى انت، خليك انت في اوهامك مع مرام وانا صدقني مش هيهمني، بس ملكش دعوة بشغلي ومتفكرش تمنعني منه، مفهوم!

ابتعد وهو يكتف يديه ويقول: - وهتشتغلي فين إن شاء الله؟! في شركتي، هو أنا مقولتلكيش أنك مرفودة...
ابتسمت بإستفزاز وقالت: - عادي ولا يهمني يا بيبي هدور على شغل تاني، سلام!
ثم اخذت حقيبتها وغادرت!

- ماما أنت كويسة؟!
قالتها مرام التي تضع الافطار على الطاولة، كان تنظر إلى والدتها بخوف وهي تري وجهها احمر وسيرها غير متزن قليلا، قلب مرام. اعتصر من الخوف وهي تراقب والدتها تعرج من ساقها اليسري...
ابتسمت حسناء بتعب وقالت: - انا زي الفل يا حبيب...
لم تستطع أن تكمل كلامها حتي. كانت لهجتها ثقيلة للغاية، فمها بدأ بالالتواء...
- ادم الحقني...

صرخت مرام بفزع وهي تري والدتها في تلك الحالة، خرج ادم من الغرفة بسرعة وأسند والدته وهو ينظر إليها بصدمة بينما يري الإشارات واضحة على وجهها، كانت ليلي تقف بعيدا وهي تضع كفها على فاها وهي مصدومة وهي غير قادرة على التحرك وكأنها انفصلت عن الواقع كليا...
- هاتي اسبوسيد بسرعة يا ليلي...
ولكن ليلي ظلت ساكنة...
- فين الدوا؟!
قالتها مهرا وهي تجد ليلي لا تتحرك.

ذهبت مرام بسرعة وفتحت درج المكتب وأخرجت دواء السيولة الذي ابتاعه ادم تحسبا لأي شئ وأعطته لأدم، ادم أعطاها لوالدته بسرعة ثم قام بحملها وقال: - لازم اوديها المستشفي دلوقتي، والا الوضع هيسوء...

في المشفي.
خرج الطبيب من غرفة الطوارئ واقترب من ادم ومهرا وليلي ومرام وقال بهدوء: - الموضوع واضح. جلطة في المخ...
شهقت ليلي وهي ترجع للخلف بينما دموعها تنساب بقوة. ضمتها مرام وهي تبكي بدورها، عيني مهرا أيضا ابتلت بالدموع، فقط ادم هو من تماسك وقال بصوت مهزوز: - طيب يا دكتور هي هتبقي كويسة...

هز الطبيب رأسه وقال: - اتمني، انت اتصرفت صح لما اديتلها سيولة، عموما احنا هندخلها اوضة الأشعة دلوقتي عشان نشوف الوضع وعلى أساسه نتبع العلاج، بالشفاء إن شاء الله...
ثم ذهب الدكتور، تراجع ادم حتى استند على الحائط. نظر إلى ليلي التي تبكي بعنف وتقول: - ماما لو حصلها حاجة انا...

اقترب ادم منها وشدها إليه وهو يعانق وجهها ويقول: - ماما مش هيحصلها حاجة يا ليلي متخافيش، ماما هتبقي كويسة، يالا روحي وخليكي معاها أنت ومرام متسبوهاش وانا هكلم الدكتور تاني عشان اطمنكم بزيادة، يالا روحوا...
هزت مرام رأسها وهي تنظر إلى الدموع المحتجزة في عيني ادم، عرفت ان ادم لن يبكي أمامهما، فهو دوما اعتاد ان يكون سند لهما، هو الوحيد الذي يهدئ من روعهما ولا يعطي نفسه حق أن ينهار!

نظر ادم إلى إخوته وهما يدخلون إلى غرفة والدته، تنهد وهو يحاول يسيطر على نفسه كي لا ينفجر بالبكاء، فجأة ارتعش وهو يشعر بكف يلمس كتفه وصوت مهرا الناعم ينساب إلى روحه بلطف ويقول: - متقلقش يا آدم طنط هتكون بخير، هي هتخرج معانا وهتبقي احسن من الاول كمان، أنا واثقة أن الدكاترة هيعملوا اللازم عشان تبقي كويسة و...

انسابت دموع ادم وخرجت منه شهقة متألمة، تألمت هي لألمه لتذهب هي وتقف أمامه وتمسك وجهه بين كفيها الناعمين وتقول: - طنط هتكون كويسة متقلقش، هتك...

ولكنه قاطعها وهو ينفجر بالبكاء كطفل صغير ثم يرفعها إليه قليلا ليعانقها! اتسعت عيني مهرا وهي تجد ادم يعانقها بكل تلك القوة، يعانقها ويتشبث بها كأنها الحياة. تشبثت هي به بدورها وهي تنعم بذلك العناق، كان مجرد عناق إذن لما تشعر مهرا أنها في الجنة! كان مجرد عناق.
. إذا لماذا شعرت انه الحياة، وجعلها زهذاوالعناق. تدرك حقيقة مهمة، هي تعشق ادم عزام، تعشقه بكل كيانها، تعشقه بطريقة لم تعشق بها نفسها حتي!

من بعيد وقفت ميار وهي تنظر إلى ادم وتلك الفتاة التي يعانقها وعرفتها على الفور. زوجته، تلك هي مهرا التي سرقت ادم منها!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة