قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل السابع عشر

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل السابع عشر

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل السابع عشر

كانت دموعها تنساب بقوة وهي تراه يضمها إليه بتلك القوة، كان يضمها بطريقة غريبة كأنه في أمس الحاجة إليها. اعتصر قلبها من الألم، كانت الغيرة تشتعل داخل قلبها، ادم لها هي فقط، لا يحق لأحد أن يلمسه بتلك الطريقة، شهقت وهي تضع كفها على فمها لا تتحمل، هي تموت...

مسحت دموعها وهي تتراجع. لقد رأتهم وهم يتجهوا إلى المشفي وأتت لكي تري ادم. عرفت من حمله لوالدته أن السيدة حسناء بها شئ لهذا اتت كي تكون معه، اتت كي تذكره بها وتذكره أن قلبه من حقها هي فقط، ولكن عندما رأت هذا المنظر شعرت بنيران تضطرم في قلبها، هذا ليس عدلا لها، لقد تركت على من أجله، لقد عادت من أجله وهو يضم اخري إليه، ولكن لا هي لن تستسلم، ادم يحبها هي فقط، لن يستطيع أن ينساها بتلك السرعة، وهي لن تتخلي عنه. هي ستعيده إليها مجددا، ستستغل ذكرياتهما سويا كي تذكره بالحب الكبير الذي كان بينهما، هي لن تخسر في تلك المعركة. فهي تمتلك السلاح الاقوي على الاطلاق، قلب آدم!

فكرت وعلى شفتيها كانت ابتسامة منتصرة، ثم استدارت وهي تغادر، لن تواجه هنا. ستواجهه في المكان الذي شهد على عشقهما الكبير!

ما زال ادم يضم مهرا إليها ودموعه تنساب بغزارة، قال بصوت مختنق: - انا خايف يا مهرا، خايف اخسرها، هموت لو خسرت امي كمان، أنا مت مرة لما ابويا مات، وهتدمر اكتر لو هي راحت مني...
ربتت هي على ظهره وهي تقول: - متقلقش هي هتكون كويسة، خلي عندك امل، بإذن الله هتبقي بخير وهتشوف، بس المهم انت تتمالك نفسك، اخواتك وانا محتاجين انك تكون قوي، ومتنساش ليلي منهارة قد ايه، لازم تتماسك عشانها...

ابتعد عن مهرا وهو يمسح دموعه بقوة عينيه احمرت من أثر البكاء، وداخله مصدوم أنه بكي أمامها، انهار بين ذراعيه، هو من كان لا يبكي حتى أمام إخوته، يبكي أمامها وسمح لنفسه بالإنهيار بين ذراعيها، ولكن ليكن صادق هو ارتاح كثيرا. شعر انه فرغ جزء من حزنه، شعر انه عاد قويا من جديد...
- شكرا.
قالها بصوت متعب لترد مهرا بحيرة: - علي ايه؟!
- علي كلامك ده، متوقعتش انه يخرج من واحدة بعقليتك.

احمر وجهها من الغضب: - عارف لولا الحالة اللي احنا فيها كنت دبحتك على الكلمة دي، يا اخي انت بتحدف طوب من بوقك.
ابتسم وقال: - اتعلمتي الكلمة دي من فين، واحدة في مستواكي متعرفش تتكلم بالطريقة دي.
هزت كتفها وقالت: - سمعت ليلي مرة بتقولها...
- بتتعلمي بسرعة.
قالها بشرود لترد وقد برقت عينيها العسليتين: - ايوة وبعدين أنا قولتلك انا هقدر اتأقلم على حياتك، انت اتريقت عليا.

هز آدم رأسه وقال: - انا دلوقتي هروح للدكتور اسأله عن حاجة، ادخلي انت وخليكي معاهم...
هزت مهرا رأسها بطاعة ثم ولجت للغرفة كما اخبرها...

- يا حبيبتي يا ماما، ابوس ايديكي رد عليا واتكلمي أنا هموت من القلق عليكي...
كانت حسناء تنظر إلى ليلي وتحاول الكلام...
- ان. أنا...
- ارتاحي يا ماما انت.
قالتها مرام وهي تمسح دموعها ثم نظرت إلى ليلي وقالت: - ما تهدي شوية يا ليلي، انت بتتعبيها كده!
اقتربت مهرا من ليلي وقالت: - تعالي معايا يا ليلي، سيبي طنط ترتاح...

جرت مهرا ليلي التي تبكي وخرجت بها، وبعد ما خرجوا من الغرفة، نظرت مهرا إلى ليلي وقالت: - تماسكي شوية يا ليلي، والدتك هتزعل كده وهتتعب اكتر...
انفجرت ليلي في البكاء ثم ضمت مهرا إليها لتهمس مهرا: - هو النهاردة يوم الحضن العالمي ولا ايه!

كانت جالسة مع والدها وزوجته وهي شاردة، تتذكر ادم وهو يعانق زوجته بذلك الشغف، تلك الصورة لا تغيب عن عقلها، تشعر أنها سوف حقا تموت من الغيظ، ادم من المفترض أن يكون لها، لقد عادت من أجله، دموعها تساقطت لتلوي زوجة والدها فمها وتقول: - ايه ندمانة دلوقتي، اهو على يا حبيبتي خطب وهيتجوز. وادم اتجوز وأنت هتبقي زي البيت الواقف وتقعدي في وشنا طول حياتك، مقدرتيش يعني تحافظي على بيتك، كان لازم توري على انك متربتيش...

احمر وجه ميار من الغضب ونهضت وهي تصرخ بها: - اخرسي، اخرسي، أنت ملكيش دعوة، بتتكلمي ليه دلوقتي؟! ما تسيبيني في حالي يا ست انت! سيبيني في حالي هو انا ناقصاكي، اه...

صرخت ميار ووالدها يشد شعرها بقوة ويقول: - وكمان بتقلي ادبك يا قليلة الحيا، مش كفاية المصيبة اللي ورطتينا فيها، مش كفاية أن جوزك اتجوز وراح خطب، انت مش مقدرة حجم المصيبة اللي احنا فيها، نعمل ايه دلوقتي، نرجعك لعلي ازاي، قوليلي هتعملي ايه دلوقتي، مبسوطة بقعدتك زي البومة كده، مبسوطة!
- حرام عليك سيبني بقا أنا عملت ايه؟!

- عملتي ايه. عملتي ايه؟! أنت مش عارفة هببتي ايه كمان، انت فضحتينا، جوزك طلقك وراح خطب، أنت مش حاسة بحجم الكارثة اللي عملتيها...
أبعدت ميار والدها عنها وهي تصرخ: - ده لاني عمري ما حبيته، أنا عمري ما حبيت علي، أنا بحب ادم، ادم وبس وهفضل احبه، اه...
صرخت ميار ووالدها يصفعها بقوة وهو يصرخ: - اخرسي، اخرسي...
- لا مش هخرس أنا بحب ادم، بحبه، بحبه...

- شوف قلة ادب البت حتى ابوها مش عاملاله اعتبار، بتبجح في وشه وتقول انها بتحب واحد متجوز، من غير كسوف، صحيح الاب لو حاكم ميحصلش كده...
قالتها علياء بخبث ليصرخ بها عثمان: - اخرسي أنت والا وديني هطلقك...
صمتت علياء بخوف عندما رأت أن وجه عثمان احمر من الغضب...
نظر عثمان إلى ميار وقال: - عيدي كلامك تاني بتقولي ايه؟!..

ابتلعت ريقها وقالت: - انا طول عمري بحب ادم، انت اللي خلتني اتجوز غيره، منعتنا من أننا نتجوز، كسرت فرحتي وفرحته...
- اجوزك واحد شحات مش قادر حتى يوفر شقة تتجوزوا فيها يا ميار! ثم انك مش اجبرتك على على أنت اللي وافقتي بإرادتك، فاتحملي قرارك.
- انت اللي ضغطت عليا اتجوزه، انت، انت فضلت ورايا لحد ما سبت ادم وكله بأوامر من الحرباية اللي متجوزها واللي ممشياك بمزاجها...

جذبها والدها من شعرها لتصرخ بقوة وقال هو: - انا هوريكي تتكلمي مع ابوكي بالشكل ده ازاي يا قليلة الحيا.
ثم جذبها خلفه وفتح باب غرفتها ودفعها للداخل وقال: - هحبسك هنا لحد ما تتأدبي!
ثم اغلق الباب بالمفتاح!

في المساء.
عادت من الخارج وهي تشعر بألم كبير في ساقيها، ولكن تشكر الله لأنها وجدت عمل اخيرا وسوف تبدأ فيه من الغد، صحيح أنها ستعمل في صيدلية وليست شركة والراتب ليس مناسب لها ولكن غير مهم، هي تريد أن تعمل لتنسي خيبة الأمل التي تعرضت لها بعد زواجها من سامر، تريد أن تنسي قلبها الذي ينزف بسبب من اعتبرته حبيبها...
- يا اهلا يا هانم، اخيرا شرفتي.

قالها سامر وهو ينظر إليها وقد تقلصت عضلات وجهه من الغضب، اكمل وهو يرميها بنظراته النارية. : - اقدر اعرف الهانم راحت من الصبح وراجعالي دلوقتي الساعة تمانية بالليل كل ده كنت فين.
نظرت إليه كارما وقالت وهي تخفي ارهاقها وتتمسك ببرودها وتقول: - كنت بدور على شغل بما أن حضرتك مشتني من الشركة...

اندفع إليها وهو يمسك ذراعها وقال: - كل ده برا بتدوري على شغل، أنت فاكراني غبي يا هانم، فاكراني الا الكلام ده هيخيل عليا...
دفعته وهي تقول بعصبية: - قصدك ايه يا سامر، ايه بتشك فيا كمان، بعد كل بلاويك اللي بتعملها في حقي، بتشك فيا كمان، والله دي حاجة حلوة...

شعر بالندم بعد كلماته، هو لم يقصد أن يؤلمها لتلك الدرجة ولكنه يائس، يائس، يائس ويريد أن يفرغ غضبه في اي شخص. وهي الوحيدة التي أمامه الان! كما أن برودها الذي تظهره يجعله يفقد عقله، لا يحب البرود. يكرهه، يذكره بمعاملة مرام له، وهو لن يسمح لأحد أن يعامله بتلك الطريقة...
ربع ذراعيه وقال: - ويا تري لقيتي شغل يا مدام؟!

هزت راسها وهي تقول: - الحمدلله، لقيت شغل اخيرا في صيدلية ودوامي هيكون الصبح وهرجع بعد العصر الساعة أربعة ونص. يعني قبل بحوالي نص ساعة، اقدر وقتها احضرلك الاكل يعني متقلقش مش هخليك جعان.
تنهد سامر وقال: - مش قصدي طبعا يا كارما، بس شايف أن مفيش داعي للشغل أنا مش هقصر معاكي.
رفعت وجهها وقالت: - انا حابة اشتغل عشان أنا عايزة كده. مش قصة تقصير ولا غيره. أنا مش هقعد طول النهار اندب عشان اتجوزتك...

- تندبي؟!

قالها بصدمة وهو ينظر إليها لتتصاعد الدموع لعينيها وتقول: - ايوة اندب وألوم نفسي اني اتجوزت واحد مبيحبنيش، واحد واخدني وسيلة عشان ينسي حبه الاول، أنا مش عايزة كده، لو فضلت افكر من غير ما اشغل نفسي ممكن اموت فيها، أنا عايزة أخرج وابطل تفكير فيك و تفكير في وضع حياتنا، أنا تعبانة يا سامر، تعبانة ومستحقش ده كله منك، أنا عملت ايه يعني، انا حبيتك، حبيتك اكتر من اي حاجة في حياتي، وكان حلمي اتجوزك واسعدك وحاولت، مديت أيدي مرة واتنين وتلاتة وانت كنت بترفض، كنت بتتفنن انك تكسرني وجاي دلوقتي عايزني اقعد من الشغل، اسيب الحاجة الوحيدة اللي هتصبرني على اذاك...

اوجعه قلبه عليها، هو يعلم أنه عاملها بسوء ولكنه لم يظن أنه اذاها لتلك الدرجة...
اقترب سامر من كارما وحاول ضمها إلا أنها ابتعدت عنه ودموعها تنساب على وجهها وتقول: - لو سمحت أنا مش عايزة حاجة، سيبني بس. سي...
لم تتحمل وانفجرت بالبكاء. شدها سامر إليه وهو يضمها بقوة بينما يربت على ظهرها ويقول: - انا اسف. اسف...

ولكنها لم تتوقف عن البكاء. كانت تبكي بسببه وبين ذراعيه، عقلها يخبرها أن تبتعد ولكن قلبها، قلبها يذوب من ذلك التقارب...
ابتعد سامر عنها ثم عانق وجهها وهو ينحني ويقبلها برفق، ارتعشت هي بين ذراعيه، كانت لا تصدق. كأنه بفعلته تلك ادخلها للنعيم فجأة!

- نورتي بيتك يا ست الكل...
قالها ادم وهو يحمل والدته، كانت حسناء تبتسم وهي لا تستطيع ان تتكلم، ما زالت اعراض الجلطة شديدة عليها كما أن ساقها اليسري لا تشعر بها وبالتالي لا تستطيع السير، كان ما يزال جانب فمها ملتوي قليلا...
اتجه ادم لغرفة والدته ووضعها على الفراش ثم قال: - لولا شوفي الادوية وحطي لكل دوا معاده وانت يا مرام روحي جهزي الاكل ليها.
- م. مش ق.

كانت حسناء تحاول التكلم ولكن ادم امسك يدها وقال: - مينفعش يا أمي لازم تأكلي عشان ادويتك ولا ايه؟! معلش حاولي.
صمتت حسناء بإستسلام فهي تدري عناد ادم، بينما قال ادم: - يالا يا مرام روحي حضري الغدا ومتنسيش أن الأكل يكون مسلوق ماشي...
نظر مرة اخري إلى والدته وقال: - اعملك بيض ولا اسلقلك فرخة.
فتحت فمها وقالت بصعوبة: - ب، بي
- بيض...
هزت رأسها بالإيجاب لينظر ادم إلى مرام ويقول: - اعمليلها بيض يا مرام...

هزت مرام رأسها ثم ذهبت بسرعة...
في نفس الوقت دخلت ليلي وقالت: - كتبتلك كل مواعيد الادوية في ورقة يا أبيه.
هز آدم رأسه وقال: - خلاص روحي بقا ذاكري يا ليلي كفاية مروحتيش الكلية النهاردة...
- بس يا أبيه أنا عايزة اقعد مع ماما عشان تعبانة.
- مالها ماما يا لولا ما هي زي القمر اهي. روحي ذاكري وبلاش حجج فاضية...
هزت ليلي رأسها وهي تخرج من الغرفة وتتجه لغرفتها...

كانت مهرا تنظر إلى ادم الذي يدلل والدته بحب، كان متماسك جدا وكأنه ليس ذلك الشاب الذي انهار بين ذراعيها منذ ساعات، ابتسمت مهرا وهي تشعر بالفراشات تتحرك في معدتها، كان شعورها لأدم غريبا، شعور لم تختبره من قبل، حتى مروان لم تحبه لتلك الدرجة! تشعر أنها لم تحبه من الأساس.

لان حب ادم مختلف تماما. تشعر انها تحبه حد الألم، في اللحظة التي عانقها بها شعرت أنها تعود للحياة مجددا وكأنها كانت ميتة منذ سنوات، ابتسامة جميلة زينت شفتيها وهي تنظر إليه. تري كيف يهتم بوالدته، كيف يدللها، محظوظة الانثي طالما في حياة ادم، هو شخص فريد من نوعه، لا تصدق حقا انها احبته ولكن هي لن تنكر هذا بعد الآن نعم هي تعشقه.
تعشقه حد الجنون...

اقتربت مهرا من الفراش وجلست من الناحية الاخري من الفراش وامسكت كف حسناء وقبلته، نظر ادم بصدمة إلى حركتها تلك، كان لا يصدق انها تتعامل بذلك اللطف مع والدته، ليكن صريحا مهرا الايام الفائتة استطاعت نيل اعجابه، كانت تتصرف حقا بمسئوولية غريبة عنها، ولكنه احب تصرفاتها جدا...
- الاكل جهز!

قالتها مرام وهي تدخل بالبيض المسلوق والخبز، نهضت مهرا بسرعة لتجلس مرام مكانها ثم بدأت مرام بإطعام والدتها، خرج ادم من الغرفة لتتبعه مهرا، اتجه وجلس على المنضدة وهو يغرق وجهه في كفيه، اقتربت مهرا منه ثم جلست، كان يبدو تعيسا للغاية، القلق ينهش قلبه، هي تشعر بهذا، يدعي امام والدته السعادة ولكنها تعرف الخوف الذي في داخله، ابتلعت مهرا ريقها ثم مدت كفها وامسكت بكفه وابعدته عن وجهه وهي تقول: - هتكون كويسة يا آدم انت ليه خايف؟!

تنهد وقال: - يارب يا مهرا، يارب تبقي بخير. أنا هموت من القلق عليها، حاسس برعب محسيتش زيه قبل كده، امي تبقي روحي وانا من غيرها مقدرش اعيش، الدكتور قالي ان ضغطها كان بيعلي دايما وهي مكانتش بتهتم، أنا ازاي مأخدتش بالي ازاي...
شدت على كفه وقالت: - متلومش نفسك يا ادم، وبعدين انت لحقتها والحمدلله، فأشكر ربنا وادعي انه يتم شفاها على خير...
نظر إليها وقالت: - انت اتغيرتي امتي؟!
- لما حبيتك.

ارادت ان تقول هذا ولكنها كانت أجبن من ان تعترف بمشاعرها الان، فعوضا عن ذلك قالت: - لما عشت معاكم وعرفت اني مكنتش عايشة قبل كده.

في اليوم التالي...
في مكتب أنس...
كان مدير قسم الحسابات يقف أمامه وهو يقول بتوتر: - هي مجتش لا امبارح ولا النهاردة حتى يا فندم، ومعرفش...
قاطعه أنس وهو يضرب على مكتبه بقوة ومئات الأفكار تدور في عقله قائلا: - يعني مجتش امبارح وجاي تقولي النهاردة، انت ايه يا اخي، ازاي متقوليش، ازاي...

ارتعش محسن المدير وهو يري مديره غاضب لتلك الدرجة، لم يراه من قبل بذلك الغضب، إذن الاشاعات التي تدور حول أنس ومرام صحيح، لابد أنهم حبيبان، هكذا فكر ولكن لم يخرج أفكاره خارج عقله لأن انس قد يقتله إن فعل هذا! فهو لن ينسي ابدا كيف طرد منال من غير رجعة لأنها تكلمت بحق مرام...

كان أنس يتنفس بسرعة، قلبه يخفق ومشاعره ظاهرة بوضوح على وجهه، هو مرتعب من أن تكون غادرت الشركة، هل حقا سوف تفعلها دون أن تخبره وهكذا بكل بساطة! لا، مرام ليست هكذا، هي ليست غير مسؤولة، بل هي محترفة في عملها، إن كانت ستغادر فهي سوف تقدم استقالتها، لا يمكنها أن تذهب بتلك الطريقة، لا...

تنهد محسن وهو يتكلم ويقول: - انا لما سألت سحر زميلتها قالت أن والدتها جاتلها جلطة امبارح الصبح عشان كده مقدرتش تيجي و...
- وجاي تبلغني دلوقتي...
صرخ أنس وهو يتخيل برعب حالة مرام الان، ارتعش محسن وقال بخوف: - والله يا فندم توي عارف وجيت بلغتك...
هز أنس رأسه وقال: - لازم اشوفها و...
قاطعه محسن وقال: - هي سحر رايحالها بعد ما نخلص شغل.
- كويس كويس. ناديلي سحر بسرعة، وكمان دي زميلتكم لازم تزورها ولا ايه؟!

بهت محسن ولكنه قال بسرعة: - اكيد. كلنا هنروح نزور والدتها، آنسة مرام صاحبة واجب وإنسانة محترمة لازم نقف جمبها في ظرف زي كده.
- صح كده.
قالها اني وهو يتنفس بعمق وداخله يتساءل كيف سيكون حال مرام الآن؟!

بعد ساعتين تقريبا...
كان أنس يقف بجوار سحر ومحسن واثنين من زميلات مرام، كانوا امام بيت ادم...
- انت متأكدة أنك قولتي لمرام أننا جايين.
- يا فندم دي تالت مرة تسألني وقولتلك ايوة، قولتلها اني جاية مع شوية زميلات لينا وقالت تنوروا، وده قبل ما اعرف ان حضرتك ومحسن جاي معانا.
هز انس راسه ثم رن جرس الباب ليفتح بعد لحظات شاب حسن الهيئة بعينين زرقاء كالمحيط، نظر ادم إليها بحيرة وقال: - افندم...

ابتسم أنس وقال: - انا ابقي مدير مرام ودوول بعض زميلاتها وعرفنا باللي حصل للوالدة الف سلامة عليها وحبينا نزورها...
- ايوة ايوة اتفضلوا. يا اهلا وسهلا...
قالها ادم بترحاب وهو يفسح الطريق...
خرجت ميار وهي تعدل من خمارها البيتي وقالت: - هي سحر جات يا اد...

ولكن توقفت الكلمات في حلقها وهي تراه. يقف امامها بإبتسامة هادئة، شعرت وقتها أن الجميع اختفي وبقي هو فقط، لقد توقعت ان تأتي سحر وربما بعض الزميلات ولكن لم تتوقع ابدا ان يأتي هو...
سيطرت على نفسها بسرعة وابتسمت وهي تقول: - اهلا بيكم...
اقتربت من سحر وهي تعانقها ثم عانقت سهيلة ونورا...
وهزت راسها تحي ادم ومحسن...

بعد قليل...
كانت مرام تجلس مع زميلاتها بينما أنس ومحسن يجلسان مع ادم.
كان أنس ينظر إلى مرام الجالسة بعيد عنه مع الفتيات، كان قلبه يخفق بقوة، لقد افتقدها حقا، هي تحتل تفكيره يوما بعد يوم، يشعر أنه لا يستطيع أن يعيش دونها، كيف ظن أنه يمكنه أن ينساها، لقد عرف أنه ملعون بحبها لاخر العمر!

بعد أن انتهت الزيارة اقترب انس من ادم وقال: - استاذ ادم ممكن اخد رقمك؟!

في المساء.
- ماما؟!
قالتها مهرا بصدمة وهي تجد والدتها أمام منزل ادم، كانت والدتها تحمل عبوة شوكولاتة فاخرة وباقة ازهار حمراء وعلى شفتيها ابتسامة هادئة...
ابتسم ادم وقال: - اتفضلي يا حماتي.
ولجت مروة وهي تسلم على ادم ثم اقتربت من مهرا وقالت: - هتسلمي عليا ولا لا.
ضمتها مهرا إليها وقالت: - اهلا بيكي يا ماما نورتيني...

ابتعدت مروة وقالت: - مهرا قالتلي على التليفون أنكم نقلتوا والدتكم المستشفي امبارح وجيتوا بالليل، إن شاء الله هتبقي بخير متقلقش، هي صاحية اسلم عليها...
هز آدم رأسه وهو يقول: - ايوة اتفضلي يا حماتي...
ثم أشار كي تتقدمه...

ولجت مروة إلى غرفة حسناء وهي تنظر إليها، على الرغم من مرور الأعوام، على الرغم ما عانته، وعلى الرغم من مرضها، الا ما زالت حسناء جميلة للغاية، كانت حسناء مثل اسمها تماما، جميلة للغاية، بشوشة ولطيفة وذكية أيضا، لا عجب أن على عزام احبها بقوة، رغم أنها جرحت عندما رفضها على وتزوج منها، صحيح غضبت منها لفترة ولكن عندما تزوجت كريم اختفي كل الحقد على حسناء ولكن رغم ذلك لم تتحرك مروة لمساعدة حسناء عندما احتاجت، وهي لن تسامح نفسها على هذا ابدا وخاصة بعد ما فعله ادم من أجلها، فهي تعلم ان ادم وافق على الزواج من مهرا من أجلها، ادم هو من انقذ ابنتها من فضيحة كبري!

اقتربت مروة من حسناء وهي تبتسم لها بلطف لتبادلها حسناء بإبتسامة رائعة رغم التعب الذي يظهر على وجهها...
- الف سلامة عليكي يا حسناء.
قالتها مروة وهي تقبل وجنة حسناء وتجلس بجوارها. ثم أمسكت كفها وقالت: - حاسة نفسك احسن دلوقتي؟!
هزت حسناء رأسها وقالت ببطء. : - الحمد، لله.

لمعت عيني مروة بالدموع وقلبها يؤلمها على حسناء. أرادت أن تعتذر منها على كل ما عانته السنوات الماضية، لقد كانت مروة أنانية، اهتمت بزوجها وابنتها ونسيت حسناء وأطفالها تماما، هي لن تسامح نفسها ابدا من أجل هذا، لقد أدركت منذ زمن انها ايضا أخطأت بحق حسناء وتأمل أن يدرك عمها هذا، فعمها ما زال مصرا على كرهه لحسناء، وهي لا تفهم كيف يكره امرأة بطيبتها فرغم أن مروة لم تساعدهم في الماضي إلا أن حسناء استقبلتها استقبال جيد، حتى في مرضها تبتسم لها بلطف، لقد شعرت مروة بالخجل من نفسها، شعرت أنها أقل من حسناء بكثير، هي لا تتعجب الآن من ادم وأخلاقه، فالتي ربته هي حسناء. وتربية حسناء بلا شك سوف تكون رائعة...

بدأت مروة تكلم حسناء بمرح وحسناء تضحك ببطء اثر المرض، كان وجهها يشرق وكأنها أحبت صحية مروة كثيرا، كان آدم ينظر إلى والدتها التي يشرق وجهها بقوة، كان سعيد وهو يري مزاجها يتعدل بتلك السرعة وشعر حقا بالامتنان لمروة لأنها اتت لزيارة والدته...
ولج إلى المطبخ لكي يحضر شيئا لتشربه مروة و قف مبهوتا وهو ينظر إلى مهرا التي تحاول تحضير القهوة...

حكت مهرا رأسها وهي تقول: - ياربي احنا مفروض نعمل القهوة ازاي؟! اجيب الفون وافتح النت وأشوف ولا أعمل ايه
لم يتحمل ادم وضحك بمرح عليها، نظرت مهرا لتجده، نظرت إليه بغضب طفولي وقالت: - بتضحك ليه يا اخ انت قولي بتضحك ليه؟!
ربع ذراعيه وقال: - معقول مش عارفة بنعمل القهوة ازاي؟!
هزت راسها وقالت: - لا لاني عمري ما عملت قهوة، بس اعرف ان مامي بتشربها مضبوط لكن أنا بصراحة عمري ما حبيتها...

ضحك مجددا واقترب منها وقال: - انا يا ستي هعمل القهوة وأمري لله بصي واتعلمي.
ثم بدأ بإعداد القهوة أمامها، كانت مهرا سعيدة للغاية بسبب اللحظات الرائعة التي تتشاركها مع ادم.

بعد. منتصف الليل.
- روح ارتاح يا آدم. انت تعبان.

قالتها مهرا وهي تنظر إلى ادم الذي يسهر بجوار والدته ويمسك كفها، لقد حاولت مرام أن تسهر هي بجوار والدته ولكن ادم رفض تماما وأجبرها كي تذهب إلى النوم، وعلى الرغم من النعاس الذي يسيطر على مهرا الا أنها لم تستطع النوم وهو مستيقظ، نظرت مهرا بشفقة إلى وجه ادم المتعب واعتصر قلبها من الالم، كان وجهه متعب للغاية وشاحب أيضا، عينيه حمراء من قلة النوم، منذ مرضت والدته وهو لم يذهب إلى عمله حتي، لا ينام ولا يأكل إلا نادرا، يسهر بجوارها ويتأكد أن الجميع بخير، سواء والدته أو إخوته أو هي، لقد فهمت الان عبارة حسناء ان ادم يظلم نفسه، هو يعتبر نفسه الاب لتلك العائلة ويفعل المستحيل من أجلهم...

نظر ادم بتعب إلى مهرا وقال: - لا انا هفضل هنا لاحسن تحتاج حاجة كده ولا كده و...
قاطعته مهرا وقالت: - انا هقعد معاها، بس انت روح نام، انت مش شايف وشك باهت ازاي...
هز آدم رأسه بعناد وقال: - خلاص يا مهرا قولتلك روحي نامي أنت، أنا كويس والله وحابب افضل هنا...
نظرت مهرا بضيق إليه، كم هو عنيد، لا يمكن إقناعه بسهولة، رفعت حاجبيها وهي تفكر، إذا كان هو عنيد فهي اعند منه ولتري من سيرضخ للآخر...

سحبت مهرا مقعد بلاستيكي وجلست بجواره وقالت: - نسهر احنا الاتنين سوا بما اننا مش جايلنا نوم...
نظر إليها ادم وقال: - بطلي كدب يا مهرا. أنت عينيكي بتقفل لوحدها...
هزت راسها وقالت: - صدقني مش جايلي نوم، أنا عايز افضل معاك...
ابتسم ادم لها وهو ينظر إلى والدته النائمة...
- انا حاسة أنها بقت احسن النهاردة مش كدة ولا ايه؟!

تنهد وقال: - ايوة الحمدلله حاسس التقل اللي في لسانها خف. وكمان زيارة والدتك فرحتها اووي...
ابتسمت مهرا وقالت: - هي اللي فرحت لما شافت طنط...
نظر ادم إلى مهرا ومد كفه ليحتوي كفها بين يديه، تبعثرت دقات مهرا وهي تشعر بالدفئ يسري إلى قلبها الذي بدأ يخفق بقوة، أي حركة من ادم كفيلة لتجعل قلبها يخفق بتلك القوة، هو لديه تأثير غريب عليها، أنه الحب، هي أحبته فأصبح هذا القلب ملكه هو...

صدمها ادم وهو يسحب كفها ويقبله ثم يقول: - شكرا يا مهرا...
عجزت هي عن الكلام بسبب حركته المفاجئة تلك، كانت تشعر أن قلبها يذوب وأثر قبلته ما زالت تداعب كفها، أرادت أن تضمه إليها وتبكي، تبكي وتخبره أنها تحبه بيأس، وتريد أن يبادلها هذا الحب...
اخيرا استجمعت نفسها وهي تقول بوجه محمر: - شكرا على ايه؟!

شد على كفيها وقال: - انت اليومين اللي فاتوا ساعدتي امي كتير وحتى اخواتي، حاولتي تواسي الكل. أنا وليلي ومرام، فشكرا ليكي. أنا عمري ما هنسالك المعروف ده ابدا...
تصاعدت الدموع لعينيها تأثرا بكلامه وقالت: - وانا عمري ما هنسي معروفك معايا رغم اني حفيدة الراجل اللي اذاكم...
تجهم وجه ادم لتكمل هي: - قولي يا آدم، ازاي قبلت انك تتجوزني وانت بتكره جدي بالشكل ده، ازاي عملت التضحية دي وعشان مين...

ابتلع أدم ريقه وقال: - عشان والدتك يا مهرا، والدتك جات وطلبت مني وكانت مستعدة تترجاني. عشان كده انا وافقت، موقفي مع الست مروة مشابه لموقف امي مع جابر عزام، امي اترجته برضه بس هو رفض يساعدها وكسر بخاطرها وانا محبتش اعمل زيه واكسر بخاطر الست مروة، محدش يستاهل كده، وانا عملت كده عشانها...
نامت مهرا على كتفه والدموع تنساب من عينيها وقال بخفوت: - انت أعظم راجل قابلته في حياتي.

كانت ليلي تضع اشياءها في الحقيبة لكي تذهب إلى كليتها ولكنها توقفت فجأة وهي تتذكر شيئا ما، اتسعت عينيها السوداء وهي تتذكر أن منذ ايام رأت جابر عزام يخرج من عمارتها السكنية وبعدها ولجت لمنزلها وشعرت أن والدتها ليست طبيعية، هذا كان يسبق اليوم الذي أصيبت به بجلطة، لقد أخبرها الطبيب أن الجلطة اثر الحزن وارتفاع ضغط الدم، اللعنة كيف غاب هذا عن بالها، لا بد أن هذا الرجل قال شيئا لوالدتها وجعلها بتلك الحالة، اجل. أجل هو من اوصلها لتلك الحالة، والدتها المسكينة أصبحت طريحة الفراش بسببه، انسابت دموع ليلي، هي لم تهتم بوالدتها في تلك اللحظة. كان يجب أن تعرف أن هناك شيئا ما خاطئ، شعرت ليلي أن الدماء تغلي في عروقها من الغضب، الا يكفي ما فعله ذلك الرجل ليعود ويتسبب في تلك الكارثة، لا لا. هي لن تصمت ستشعل النيران عليه، سوف تخبر أخاها بما رأته وهو من سيتصرف معه، سيوريه ما هو عقاب من يؤذي أحد من عائلة ادم...

خرجت ليلي من غرفتها كالإعصار، كان الغضب يسيطر عليها وشياطين العالم تتراقص حولها، كانت غاضبة بشكل كبير، لقد تجاوز جابر عزام حدوده كثيرا. هي عرفت أن قدوم مهرا هنا سوف يتسبب بتلك الكارثة، تلك الطفلة المدللة التي تحسب الجميع خادما لديها وجدها المتغطرس، هي لن تسامحه ابدا، ولجت لغرفة والدتها لتجد مهرا تنام على كتف ادم بينما هو مستيقظ يمسك كف والدته وينظر إليها بشرود: - ادم لازم اتكلم معاك.

قالتها ليلي فجأة، نظر ادم إلى ليلي وقال: - خير يا ليلي...
- ادم مش هنا لو سمحت الموضوع ضروري...
بدت ليلي جدية زيادة عن اللزوم وهذا ليس طبيعي، يوجد شيئا ما بالتأكيد وهو ليس شيئا جيد، خفق قلب آدم برعب وهو يدعو ألا يكون هناك أي مشكلة اخري فيكفيه ما يعانيه الآن من الرعب والخوف...
حول راس مهرا بلطف ولكنها استيقظت وهي تقول: - فيه ايه...
- مفيش حاجة، النهار طلع روحي نامي في اوضتك يالا.

ثم نهض وسحبها خلفه، كانت ليلي تنظر إلى مهرا ببرود...
ما أن خرجا كادت مهرا أن تذهب لغرفتها فقالت ليلي: - استني أنت.
وقفت مهرا ونظرت إلى ليلي بحيرة، اقتربت ليلي منها وقالت: - من اول ما جيتي هنا وحياتنا اتقلبت، بسببك وبسبب عيلتك. ماما في الحالة دي...
- ليلي ايه اللي بتقوليه ده...
قالها ادم بصدمة وغضب...

نظرت إليه ليلي وقالت: - بقول الحقيقة يا أبيه. الحقيقة اللي محدش شايفها، انت غلطت غلطة كبيرة لما اتجوزتها ودخلتها حياتنا، ما البنات مالية البلد ملقيتش الا حفيدة جابر عزام الراجل اللي بنكرهه وبنحاول نبعد عنه...
شحب وجه مهرا ليقول ادم بحذر وقد بلغ غضبه أقصاه: - كفاية يا ليلي تجاوزتي حدودك، فيه ايه مالك...
- فيه أن امي في الحالة دي بسبب جابر عزام جدها!

قالتها ليلي وهي منهارة وقد تدفقت الدموع من عينيها، اتسعت عيني ادم بصدمة وقال: - انت بتقولي ايه؟!
- بقول الحقيقة، الحقيقة يا آدم، قبل الجلطة بيوم رجعت البيت ولقيت جابر عزام طالع من بيتنا ولما طلعت لقيت امك في حالة غريبة، محطتش في بالي للاسف ولكن تاني يوم جاتلها جلطة وانا توي ربطت الأحداث ببعض...
شهقت مهرا وهي تضع كفها على شفتيها، لقد واجهت جدها في هذا اليوم، لابد أنه غضب واتي واهان حسناء...

نظرت مهرا إلى ادم وارتعبت وهي تري براكين الغضب تنفجر بعينيه، فجأة امسك حذاؤه وارتداه وهي يخرج!

- بعد ساعة إلا ربع تقريبا...
- جابر عزام، أخرج...
قالها ادم وهو يدخل منزله ويصرخ بقوة، انتفضت مروة وهي تري ادم يدخل بتلك الطريقة وكادت أن تسأله إلا أنها صرخت عندما رأت ادم يتجه إلى جابر دون أن يفهم اي شئ وفي لحظة امسك ادم جابر من رقبته وشد عليها وهو يدفعه حتى اصطدم بالحائط، اتسعت عيني جابر بصدمة وهو يشعر بالاختناق ليقول ادم: - هقتلك يا جابر، هقتلك، هاخد حق كل عيلتي منك واقتلك!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة