قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل الخامس والعشرون

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل الخامس والعشرون

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل الخامس والعشرون

دموعها تتدفق بقوة وهي تنظر من نافذة سيارة الاجرة، قلبها يؤلمها على جدها القابع بالمشفي، لهذا اختفت والدتها وهي بغباءها لم تهتم، كانت منشغلة بمشكلة ادم ونست ذلك الذي رباها واحسن إليها، هي لن تسامح نفسها ابدا ان حدث له شئ، فهي تعرف داخلها انه مرض بسببها هي، ما قالته له كان قاسي جدا ولكن ما.

عرفته عن جدها كان اكثر قسوة، دائما كان جدها هو مثلها الاعلي، رغم ما بينهما من خلافات بسبب اختلاف التفكير الا انها تحبه كثير وتعتز به ولكن ما عرفته هز صورته في عقلها، حكت جبهتها بتعب وهي غير قادرة على التوقف عن البكاء، كانت تشعر بشئ ثقيل يجثم على قلبها...

بجانبها، كان جالس ادم ينظر إليها بحزن بالغ وهي تبكي بتلك الطريقة، لا يعرف كيف يخفف عنها، هو يعرف مرارة الخوف من الفقد، الم يفقد والده من قبل وبسبب هذا تدمر كليا!، شعر ان ظهره انكسر وان حياته انتهت! وايضا كاد ان يفقد والدته وهذا سبب له الرعب على الرغم من الكراهية التي يكنها لجابر الا انه لم يتمني ابدا ان يحدث له شيئا، هو ليس بهذا السوء...

امتدت كفه إلى يد مهرا وامسكها بقوة وهو يتمتم: - هيكون كويس يا مهرا متقلقيش...
لم تخفف كلماته من المها بل انفجرت بالبكاء، اعتصر قلب ادم بعنف وهو ينظر إليها، كان عاجز عن التخفيف عنها، كان عاجز للغاية...

وصلا أخيرا إلى المشفي لتركض هي نحو المشفي بينما توقف ادم، قبل أن تلج مهرا نظرت إلى ادم بحيرة وقالت: - ادم...
ابتلع ريقه وقال: - انا هستناكي هنا يا مهرا روحي اطمني على جدك...
- ده جدك انت كمان!
هتفت بإنفعال لتبرق عينيه الزرقاء بخطورة ويرد: - جابر عزام مش جدي يا مهرا، لو سمحتي روحي وانا هستناكي...

لم تجادله أكثر من هذا ودخلت، كانت متعبة كثير من أن تناقش، مصدومة منه للغاية، كيف يمكنه أن يكون قاسي القلب بهذا الشكل، هذا جده أيضا، كيف يحقد على رجل قد يموت! كانت حقا غاضبة منه، اقتربت مهرا من الاستقبال وهي تستعلم عن جدها...

كانت مروة تقف أمام الطبيب وابتسامة راحة تزين وجهها، لا تصدق أن عمها قد استيقظ من الغيبوبة، كانت تشكر ربها كثيرا ودموعها تتدفق من عينيها الذابلتين!
- يعني يا دكتور هو كويس؟!
تنهد الطبيب وقال دون راحة: - بصراحة الوضع صعب، قلب استاذ جابر ضعيف جدا ومحتاج عملية المشكلة أن جراحة القلب في سنه مش مضمونة والأدوية مش هتساعده انا قولتله الكلام ده قبل كده بس هو طنش ومهتمش...

وضعت كفها على فاها فأكمل هو: - القرار يرجعلك يا مدام مروة ليكي ولاستاذ جابر، شوفي حضرتكم هتقرروا ايه وقولولي...
اختنق صوتها وهي تقول: - حضرتك بتقول أن الحلين فيهم خطر، طيب انهي حل خطورته أقل...
- اننا نعمل العملية، عموما هو اتنقل دلوقتي لاوضة عادية حاولي تقنعيه يعمل العملية...

قال بأسف ثم تركها لتتراجع وتستند على الحائط وهي تشعر أن العالم يميد بها بينما دموعها تزداد تدفقا! لقد كان يعرف أن قلبه يحتاج لجراحة ولكنه رفض بعناد كبير، ماذا سيحدث الان...
فكرت بخوف وهي تمسح دموعها...
- ماما!
صوت مهرا أتاها كالمنقذ، نظرت مروة إلى مهرا وما زالت الدموع معلقة بأهدابها...
- مهرا!
قالتها مروة بيأس لتقترب مهرا وتضمها بقوة وهي تبكي وتقول: - هيكون بخير يا ماما متقلقيش. هيقوم منها، جدي قوي...

- كلام الدكتور مش مطمن المرادي!
ابتعدت مهرا وامسكت كفها وهي تقول بقوة: - هو كلامه دايما مش مطمن بس جدي بيقوم كل مرة. وهيقوم المرة دي متقلقيش...
وضعت مروة كفها على قلبها المتفق وقالت: - اتمني يا مهرا، اتمني من كل قلبي أنه يقوم منها أنا بجد مرعوبة عليه...

ولجت مهرا إلى الغرفة التي وضعوا جدها به وهي تمسح دموعها وتكافح لرسم ابتسامة رائعة على شفتيها، كان قلبها يخفق بقوة وهي تراه على الفراش شاحب الوجه، يبدو عليه التعب. غاص قلبها في صدرها وهي تشعر بالألم والذنب، هي من تخلت عنه، هي، لقد وصل إلى تلك الحالة بسببها، كانت مهرا تلوم نفسها وهي لا تستطيع التوقف عن البكاء، كانت تريد أن ترتمي بين ذراعيه وتطلب منه الغفران على ما فعلته ولكن هل تستحق غفرانه بعد أن تخلت عنه!

اقتربت من جدها وامسكت كفه ودموعها تتدفق، فتح جابر عينيه بتعب وقال: - كان لازم ابقي في خطر وتعبان عشان تزوري جدك يا مهرا.
انفجرت مهرا بالبكاء وهي تردد: - اسفة، اسفة يا جدي...
تحشدت الدموع في عيني جدها وقال: - مهرا أنا معنديش اغلي منك، أنا مبحبش قدك يا مهرا، وميهمنيش حد غيرك، أنت عارفة كده صح؟!
هزت راسها وهي تختنق، اختنق صوتها وقالت: - وانا عمري، عمري ما هتخلي عنك تاني يا جدي. عمري...

ثم قبلت كفه وهي تقول: - انا هفضل معاك دايما وهتطلع من هنا وتروح بيتك...
ابتسم جابر ودموعها تتدفق ثم قال بصوت متعب: - ريحتيني يا مهرا، روحي دلوقتي ارتاحي عشان أنا كمان هرتاح...
هزت مهرا رأسها وهي تمسح دموعها وتخرج!

ودعت مهرا والدتها ثم خرجت من المشفي ووجدت ادم في انتظارها...

في الطريق إلى المنزل لم تتكلم مهرا، فقط كانت تجيب بإقتطاب على اسئلة أدم...
.
وصلا إلى المبني التي تقبع بها شقتهم ثم صعد ادم وهي...

ما أن دخلا المنزل حتى قالت مهرا وهي تغلي من الغضب: - انا مش قادرة اصدق انك بتحقد على واحد حالته خطيرة بالشكل ده وممكن يموت...
زحف البرود إلى ملامح ادم رغم البراكين التي انفجرت داخله وقال: - مهرا ياريت متتدخليش في الموضوع ده وزي ما قولتلك جدك هتزوريه دايما ومش همنعك منه ابدا...
- طبعا لا انت ولا غيرك تقدر تمنعني اصلا! ,.

قالتها بتحدي ليحاول هو تهدئة نفسه مراعاه لوضعها ويقول: - ادخلي دلوقتي يا مهرا الاوضة وارتاحي، قصتي مع جابر عزام انت ملكيش دخل بيها...
- لا ليا دخل!
صرخت بعنف واكملت: - لما الاقيك بتكره جدي بالشكل ده يبقي ليا دعوة، انت ازاي كده. ازاي ممكن تكره واحد وهو بيموت، ازاي مش قادر تسامح ازاي، ده جدك، جدك اللي بتعامله بجحود ده، صحيح هو اذاكم وانا بعترف بس حاول يعوضك وانت رفضت...

امسك ادم ذراعها بعنف وقال: - ده أنا، وايوة أنا عمري ما هبطل اكره جابر عزام، عمري، أنت مش عاجبك الوضع ده امشي وسيبيني، غيرك عملتها وانا نسيتها عادي، الحياة مبتوقفش، لكن تجبريني اسامح الشخص اللي كان السبب في موت ابويا ده مستحيل، متحاوليش تستخدمي حبي ليكي كورقة ضغط يا مهرا، لأن صدقيني كر هي لجابر عزام اكبر من حبك، اكبر من حبي لاي حد، لو أنت نسيتي أنه ذل امي أنا عمري ما هنسي، المشهد ده هيفضل عالق في ذاكرتي لحد ما اموت، عمري ما انسي ذل امي ولا موت ابويا عمري...

ثم دفعها وخرج من المنزل بأكمله! ؛!
انسابت دموع مهرا وهي تشعر بألم في قلبها، اقتربت حسناء ووضعت كفها برفق على كتف مهرا، نظرت إليها مهرا فجأة ثم انفجرت بالبكاء وهي تقول: - شوفتي يا طنط، شوفتي بسهولة كده هيتخلي عني
ربتت حسناء على ظهرها ثم ضمتها بقوة وهي تفكر بيأس أن رغم تربيتها الحسنة لأدم الأ أنها فشلت في ازالة الكره القابع داخله نحو جابر عزام، الكره الذي سوف يؤذيه هو اولا!

كان يغني، فعليا يغني ودقات قلبه تعزف الحان رائعة يسمعها وتطرب اذنه، لم يهتم ان صوته بشع، ولا انه عالي بشكل يثير الريبة في انه قد جن! هو سعيد، لن يخفي سعادته ابدا، كان يمسك بطرف سترته وهو يتحرك حركات خرقاء ويدندن اغنية أغلي من روحي...
(يا أغلى من روحي علي. يا أحلى شي وأغلى شي
إن قلت أحبك شفتها. هالكلمة في حقك شوي
قلبي اللي من شوقه يجيك. يغار من حبي عليك
مايحبك إلا يموت فيك. ويحسك أقرب مني لي.

أتنفسك مثل الهوا. وأحتاجك لجرحي دوا
مادمت انا وانتي سوا. من دنيتي ماريد شي
إخذيني من دنيا الأنام. خليني في حضنك أنام
دقات قلبي لك كلام. يحكي لك الشوق اللي بي
ياسارتي ودنيا الهنا. ماعرف بدونك من أنا
صرتي لنظر عيني سنا. صرتي لهجير عمري في
أحبك لحد الجنون. وأشيلك بوسط العيون
وأضلك برمش وجفون. ياأغلى من عيني علي
يا مرام)...

توقف فجأة وهو ينظر للمرآة وابتسامته تتسع، يتخيل اليوم الذي ستكون ملكه به، يتخيل كيف سيكون سعيدا وقتها، ثم بدأ يدندن مجددا ولم ينتبه لتلك التي تنظر إليه بعيون متسعة...
- بابي!
قالتها ملك بصدمة ليتوقف أنس فجأة بتوتر وهو ينظر إليها...
- انت بتعمل ايه يا بابي؟!
تساءلت بصدمة ليتوتر هو ويقول:
- مفيش يا ملك، أنا كويس اهو.
- كويس ايه يا بابي، انت كنت بتغني وبترقص من شوية، أنا مش مصدقة، بابي انت كويس...

ابتلع أنس ريقه وهو يدري انه في ورطة كبيرة، لم يعرف ماذا يفعل كي يبعد عنه الشبهة وكيف يحسن صورته امام صغيرته، ابتسم وهو يقترب منها ويحملها ثم يقبلها ويقول: - ده مجرد تمارين يا لوكا مش برقص ولا حاجة...
رفعت ملك حاجبيها وقالت: - انوس انت شايفني عندي تلت سنين عشان اصدق الكلام ده، لا انت كنت بترقص وبتغني كمان، وده غريب عليك، انت دايما انسان جد، ملكش في الكلام ده...

رفع رأسه بيأس وقال: - ما تعديها بقا يا لوكا، كل إنسان وليه لحظة جنان متحبيكهاش بقا ابوس ايديكي...
ابتسمت له وقالت: - تمام يا أنوس، نعديها عشان خاطر عيونك، هعتبرها لحظة غريبة ومرت وهبقي زي أي بنت مؤدبة ومش هسأل عن أي تفاصيل تخصك...
ضحك أنس وهو يقبلها على وجنتها ويقول: - انا محظوظ ان عندي بنت ذكية زيك...

ضحكت وهي تقبله وتقول: - وانا كمان محظوظة أنك بابي، يالا دادة نعمة عملت الإفطار، عشان متتأخرش على الشغل...
- حاضر يا قردة...

علي مائدة الافطار...
كان أنس يتناول طعامه، ابتسامة جميلة تغطي وجهه، قلبه يخفق بقوة، وحالة من الهيام الغريبة تبدو عليه...

تركت ملك شوكتها وهي تنظر إليه بحيرة، رغم سنوات عمرها العشر الا انها عرفت ان والدها بحالة غير طبيعية، هو يبدو سعيدا للغاية، الغريب انها لم تراه سعيدا لهذا الحد ابدا، بدأ وكأن السعادة تتدفق من قلبه وروحه، هي لم تراه هكذا ابدا، والدها لم يغني ابدا، لم يرقص ابدا! الي، تري ماذا طرأ بحياته ما يجعل ابتسامته من الأذن للأذن؟! ماذا طرأ لكي يرقص؟! او يغني مثلا! كانت تحاول حقا ان تفهم، فتحت فمها لتسأله لكن عينيها اتسعت بدهشة وهي تراه يمسك شوكة الطعام وينظر إليها وعلى وجهه ابتسامة بلهاء، رفعت حاجبيها وهي تكاد ان تجن. لا. لا هذا ليس والدها بالطبع، والدها لا يبتسم بتلك الطريقة المريبة، أكيد انه تبدل مع شخص آخر، هكذا صور لها خيالها الواسع...

- هو انت بابا أنس...
قالتها ملك فجأة ببراءة وهي تخرجه من شروده بقوة...
ترك فجأة أنس شوكته بعد ان ادرك ماذا يفعل، رباه ماذا حل به، هو يتصرف بحماقة امام ابنته، كل هذا لانها وافقت على الخطبة منه، ماذا سيحدث اذن لو تزوجته؟! هل سيصاب بنوبة قلبية! فكر ساخرا ثم اولي اهتمامه لابنته وقال: - نعم يا ملك، بتقولي ايه؟!
- بقول هو انت فعلا بابي ولا واحد غريب متنكر؟!

تساءلت مرة اخري بريبة. رفع حاجبيه وقال: - ايه الكلام الفاضي ده يا ملك، ازاي واحد متنكر يعني، لا أنا باباكي انس. او أنوس أو أي اسم مايع من اللي انت بتناديني بينهم!

ضحكت ملك ونظرت إليه وهي تقول: - اومال يا أنوس ايه الابتسامة الغريبة اللي مالية وشك دي، انت من الصبح ماسك الشوكة وبتبصلها بطريقة غريبة وعلى وشك ابتسامة واسعة، أنا بدأت اقلق عليك، ده غير اني قفشتك بترقص في اوضتك وتغني، لا، لا في حاجة مش طبيعية قولي يا انوس فيه ايه؟!
توتر انس وهو ينظر إليها وقال: - انا كويس يا بنت انت. مفيش داعي للقلق، ايه مينفعش اكون مبسوط شوية، لازم ابوز عشان اعجبك يعني...

- مش مصدقاك مش عارفة ليه، فيه حاجة جديدة طرأت مخلياك في المود الخرافي ده، ما تقول بقا يا أنوس، ده انا زي بنتك حتي...
ارتبك أنس وهو ينظر إليها، لقد حاصرته تلك الشقية، هو الآن يتصرف بطريقة خرقاء أمام فتاة في العاشرة من عمرها، لكن سعادته اكبر من ان يخفيها، فكر وقلبه يخفق بقوة، ماذا يخبرها؟! هل ستفهم فتاة مثلها معني الحب. هل ستفهم أنه غارق في الحب حتى أذنيه، هل ستفهم أنه يشعر كأنه ملك العالم كله...

امالت ملك رأسها وهي تنظر لوالدها مرة أخري، لقد عاد لشروده مرة اخري، لا لا، هذا ليس معقول...
- بابي...
صرخت ملك بقوة لينتفض وهو ينظر إليها فتقول هي: - مش معقول يا بابي، انت لازم تقول ايه اللي حصلك، شكلك غريب اووي النهاردة. بترقص وبتسرح كتير، مينفعش تخبي حاجة على لوكا والا هزعل منك بجد.

تنهد هو ونظر إليها وهو يقول بصراحة، لقد انتهي الأمر، هو يجب أن يكون صريحا معها، : - بصراحة كده يا لوكا أنا ناوي اتجوز
اتسعت عينيها بدهشة وقالت: - انت! وتتجوز!
عقد حاجبيه وقال: - ايوة اتجوز، متجوزش ليه هو انا دكر بط! ما انا إنسان وعايز ونس...
تصنعت الحزن بمهارة وقالت: - ايه ده يعني أنا مطلعتش ونس ليك.
ضحك أنس وأمسك كفها وقال: - اه يا نصابة انت...

قبل كفها واكمل: - انت حياتي يا لوكا، معنديش اغلي منك، انت حتة مني ومكانتك محفوظة دايما...
ضحكت وقالت: - مصدقاك يا أنوس. قولي بقا آنسة مرام وافقت عليك امتي؟!
اتسعت عينيه بصدمة وكاد أن يتكلم إلا أن ملك قرأت السؤال في عينيه وأجابت بذكاء: - يا بابي أنا عندي عشر سنين مش تلاتة وبعدين العيل الصغير يعرف مشاعرك. انت مبتشوفش نفسك بتبصلها ازاي. أنا لاحظت كده لما باجي معاك الشركة.

- بت انت. عرفتي الكلام ده ازاي، مشاعر دي كلما مينفعش تعرفيها الا في سن العشرين...
- العالم اتطور يا أنوس اللي اصغر مني دلوقتي في المدرسة بدأ كمان يحب ويرتبط انت بس اللي دقة قديمة.
احمر وجهه ثم جذبها من أذنها برفق وقال بحزم: - حب ايه يا مفعوصة أنت. أنت بتروحي تتعلمي ولا تحبي ولا.
قاطعته وهي تقول بسرعة: - والله يا بابي مش انا، أنا اصلا في حالي دوول اصحابي بيقولولي كده...

اجاب عليها بحزم اكبر وقال: - اصحابك دوول متكلمهومش تاني يا ملك، فاهمة!
- فاهمة يا بابي فاهمة!
أجابت ملك بسرعة وهي تضحك.

كانت الشرر يتطاير من عينيه وهو ينظر إليها، جزء غبي داخله كان مرتاح لرؤيتها وكأنه اشتاق اليها ولكن باقي الاجزاء تسيطر عليهم الغيرة المريضة، كان غيور جدا، غيور بطريقة غريبة وحقا هو لا يفهم سبب تلك الغيرة، اهو التملك!

كانت حياة تنظر إليه برعب بينما الدموع تحتشد في عينيها. كانت لا تصدق وقاحته، أرادت أن تنهض وتصفعه بقوة، تضربه لعله يشعر بتلك النيران التي تشتعل بقلبها، رباه لماذا عاد لحياتها، ماذا يريد ايضا؟! الا يكفي أن أخذ منزلها ودمر حياتها؟! هل يريد ايضا أخذ روحها، هل هو سادي لتلك الدرجة، دون ان تدرك كانت الدموع تنساب لعينيها، شهقة من اعماق قلبها مزقتها وشعرت أنها مهددة بالانهيار في اي لحظة، شعر مروان بها، وكم أشفق على حالها، هو دوما كان يعرف بعشقها لأحمد ولكنه دوما سخر من مشاعرها، لم يعرف ابدا مرارة العشق، لم يعرف كيف يتعذب المرء عندما يعشق من طرف واحد، حسنا هو الآن يعرف كم أن هذا الشعور مقيت، فقد وقع في الحب، وقع في حب فتاة لن ينالها ابدا. تنهد مروان وعينيه السوداء تبرق بغضب وهو ينظر لاحمد وشد على كف حياة وقال: - يالا يا حياة نمشي من هنا، الجو بقا خنيق لما جه حد كده وانا بقيت قرفان فجأة، تعالي هنتكلم في مكان تاني بعيد شوية عن هنا!

رفع أحمد حاجبيه بغضب وهو ينظر إلى ذلك الحثالة، كان الغضب يتصاعد داخله كبركان على وشك الانفجار وتدمير ما حوله، كان يمقت هذا المدعي مروان يمقته بشدة.
نهض مروان وهو يمسك كف حياة ليذهب ولكن أحمد وقف أمامهما وعينيه السوداء يحيط بها الجليد...
- ابعد.

قالها مروان ببرود وهو على وشك قتل احمد، كانت النظرات الباردة هي أداة الحرب بين الرجلين بينما حياة ترتجف بينهما، شعرت أنها ستنهار في اي وقت وهي تري تلك النيران المشتعلة بينهما، هي لا تريد أن تحدث أي مشاكل لمروان بسببها، ماذا يريد احمد منها؟! ماذا بعد؟!

لم يماطل مروان في التحدي، لم يكن يريد أن يفتعل شجار وحياة معه لذلك بهدوء انحرف وقرر أن يذهب بحياة إلا أن احمد وقف امامه مرة أخري، كان يغلي، لا يصدق أنه يشعر بهذا الشعور الغريب، يشعر أنها تتسرب من بين يديه وهذا يجعله يموت، لا يعرف لماذا يتمسك بها بتلك الطريقة، هو لا يعرف اي شئ، جل ما يعرفه انه لا يمكن افلاتها الان دون أن يعرف السبب...
- عايز اتكلم مع حياة!

بسرعة اعطي مبرر لمروان كي يحفظ ماء الوجه وكي لا يتهمه احد بالغيرة...
- وحياة مش عايزة تتكلم معاك ؛!
اجاب مروان بعناد وهو يشد على كفها، كان احمد يغلي وهو يراه يمسكها بتلك الطريقة أراد أن يكسر كفه ولكن بمهارة سيطر على نفسه وهو ينظر إليه ويقول وهو يجز على أسنانه: - اظن القرار يخص حياة وحدها، انت مش الدادة بتاعتها...
ثم. بعنف مقصود ابعد كف مروان عن حياة وقال: - حياة لازم نتكلم...

ابتسم مروان بتسلية وقال: - صحيح القرار قرار حياة، حياة انا هستناكي بعيد لحد ما تخلصي كلام معاه...
نظرت إليه حياة برعب، لا يمكن أن يتركها معه، لا. هي ستنهار لو بقت معاه، فما أن كاد أن يذهب مروان حتى أمسكت به حياة كطوق النجاه كأنها غريقة وسط بحر هائج، تشجعت لأول مرة وقالت وهي تبتلع ريقها؛
- لا لا يا مروان أنا مش هتكلم معاه خدني معاك لو سمحت...

ابتسم مروان بإنتصار وقال: - اهو للاسف هي مش عايزة تتكلم معاك، اهو قرار حياة سمعته، ممكن تبعد عنها بقا!
تقلص وجه احمد من الغضب وجل ما كان يريده أن يسحبها من شعرها ويأخذها من هنا ثم يحبسها في منزله حتى يتحدثا، ولكن كان يعرف أنه لو حاول أن يفعل هذا سيكون أضحوكة للجميع، لذلك بإستسلام ابتعد ليذهب كلا من مروان وحياة.

لم تنظر حياة خلفها بينما أخرجت تنهيدة قوية من داخلها وهي تردد داخلها أن كل شىء قد انتهي، هي لن تسامح أحمد ابدا عما فعله معاها، لن تغفر له ولن تعود حتى لو طلب هو، هي الآن ستنظر إلى حياتها، ستصحح الأخطاء الفظيعة التي ارتكبتها بحق الجميع وبحق نفسها، ولكن اول خطأ يجب أن تصلحه هو الخطأ الذي ارتكبته بحق مهرا، هي لن تسامح نفسها ابدا حتى تسامحها مهرا...

فكرت بصراحة، ثم نظرت إلى مروان وقالت: - شكرا يا مروان.
ابتسم مروان وقال: - انا قررت اتغير يا حياة، ومبادئي الجديدة متخلنيش اشوف احمد بيقرب منك وهيأذيكي واسكت...
احتل الحزن ملامح حياة مجددا وقالت بنبرة منكسرة: - معرفش هو عايز ايه مني يا مروان، احمد دمرني فعايز ايه مني تاني، ليه مصمم يقتحم حياتي تاني...
ابتسم مروان بتسلية وقال: - علي حسب ما أنا شايف غضبه واحباطه احب اقولك أنه غيران!

توقفت حياة عن التنفس للحظات وازداد معدل دقات قلبها، كانت لا تريد أن تصدق ما يقوله مروان، الا يعلم أنه بكلماته يعطيها أمل وهي لا تريد أن يكون في قلبها اي امل من جهة احمد، تريد أن تقتنع نهائيا أن احمد لم ولن يحبها، تريد أن تقتنع أن احمد كان يريد شقتها فقط وأخذها والآن هو عاد ليتلاعب بها لعله يأخذ شيئا ما، لعله يريد أموالها، يريد أن يسلبها كل شئ! نعم التفكير في هذا اهون بكثير من أن تتعلق بأمل أنه أحبها وتعود للهاوية مرة أخري، تعود لتستجدي حبه مرة أخري لا يجب أن تثق به ابدا...

ضحكت فجأة بتوتر وقالت: - بيغير! لا يا مروان روحت لبعيد المرة دي، هو مش بيحبني اصلا عشان يغير، تلاقيه عايز ياخد حاجة تاني مني غير الشقة وفاكر اني غبية وهرجعله واديله الامان عشان يخدعني تاني...

نظر مروان إلى حياة وقال: - انا راجل يا حياة، واعرف الغيرة كويس، احمد كان غيران عليكي مني، مش لازم الغيرة تكون حب بس، ممكن تكون تملك فخلي بالك، واحد زي أحمد اكيد هيتضايق لما يشوف انك بتتقدمي في حياتك وبتنسيه وممكن يعمل المستحيل عشان يرجعك ليه وساعتها ممكن تعاني فاهماني...

تصاعدت الدموع لعينيها حتى انسابت من عينيها وقالت: - هو مش عايز يسيبني في حالي ليه يا مروان، عايز يعمل ايه فيا اكتر من كده، كفاية أنه دمرني، دمر حياتي وكسر سعادتي واحلامي، محدش خالص هيحس باللي حسيت بيه وانا لابسة فستان الفرح ومستنياه يا مروان، أنا، أنا...
- ششش، اهدي...
قالها مروان وهو يلاحظ انهيارها.
- اسف
قالها فجأة لتنظر إليه وهي تمسح دموعها وترد: - انت بتعتذر على ايه؟!

ابتسم مروان بسخرية وقال: - عشان في يوم استهونت بمشاعرك، شعور الحب من طرف واحد بشع يا حياة، انك تحبي شخص أنت عارفة أن مش هيحبك، ده لوحده عذاب!
كان مروان يبدو وكأنه يتحدث عن نفسه، شعرت حياة بالحيرة، هل احب مروان من طرف واحد معقول، هل اكتوي بنفس النار التي اكتوت بها! عجيب هو يشبهها كثيرا!

في مكتب انس...

كان يعمل في المكتب بنشاط مضاعف، ابتسامته لا تفارق شفتيه، كل العاملين كانوا مندهشين من سعادته الغريبة تلك، هو حتى لم ينفعل على أي عامل أخطأ، بالعكس تماما كان يتعامل بهدوء غريب على أنس الصاوي، رجل الأعمال الصارم الذي لا يقبل بأي خطأ. اما انس فهو كان يعمل بنشاط والسعادة في قلبه تتسع حتى خرجت من جسده وانتشرت في المكان بأكمله، لا يصدق انه سعيد لتلك الدرجة، هو سعيد لدرجة ان حتى المكتب الواسع لا يكفي سعادته، يريد الخروج والصراخ بقوة!

لكن اراد الحفاظ على المتبقي من وقاره، حاول كثيرا ان يسيطر على سعادته ففشل تماما، مرام اعطته السعادة بالموافقة عليه وهو سوف يفعل المستحيل كي يسعدها، سوف يجلب لها النجوم إن ارادت، صحيح جزء منه خائف من اتفاقه مع ليل خاصة أن لو رفعت عليه قضية سوف يكون وضعه اضعف، فهو الذي عقد الاتفاق منذ البداية ولكنه ترك هذا الأمر المحاميين الخاصيين به، هم يفعلون المستحيل لإيجاد حل لهذا الموضوع وسوف يحاول أن تكون ملك تحت وصايته هو فقط، هو لن يتركها لليل او والدتها، سوف ينفذ وصية شقيقه بالحرف، حاول ان يقنع نفسه بهذا، حاول الا يفكر حتى باحتمال انه سيفقد ابنته ملك، لا يمكنها ان يفقدها، هو لا يتخيل الحياة بدونها، هي كل حياتها، وقد شاركتها مرام نفس الاهمية أيضا!

- مرام...
تذوق اسمها بين شفتيه، وهو لا يصدق أن قريبا سوف تكون له، من كان يصدق أن تلك الشابة التي تحتمي بالجليد كي لا تبرز مشاعرها سوف تكون كل حياته! نعم هو يعرف مرام جيدا، مرام ليست تلك الباردة التي تحاول أن تدعيها. فخلف قناع الجليد الذي ترتديه توجد انثي حساسة تخاف من أن تجرح، وحسنا هو سيفعل المستحيل كي لا يؤلمها أو يحزنها، لقد أخذ عهدا على نفسه إلا يؤذيها ابدا ولن يفعل. لن يفعلها ابد...

انخرط هو في عمله بسعادة تامة وانجزه بنشاط اكبر، كان يعمل وهو لا يشعر بأي جهد أو تعب.
ولجت السكرتيرة الخاصة به وهي تعطيه أوراقا ليمضيها...
- اتفضلي يا آنسة نسرين...

قالها بابتسامة مشرقة، ولجت نسرين إليه وهي تشعر بالدهشة منه اليوم، فتلك المرة الأولي التي لا يكون فيها متوترا بسبب العمل، فأنس دوما كان حازم، صارم، لا يبتسم إلا نادرا، تري ماذا حدث اليوم، أعطته الاوراق بهدوء ليمضيها هو ويقول: - معلش يا آنسة نسرين اتواصلي مع مدير قسم الحسابات وقوليله استاذ أنس محتاج آنسة مرام ضروري...
ابتسمت نسرين وهي تفهم الان السبب.

. فلا يخفي على أحد الان حب أنس لمرام، لا يخفي على أحد تلك النظرات الخاصة التي يرمقها بها انس، حاول كثيرا أن يسيطر على عينيه ولكن كانت سيطرة قلبه اكبر...
خرجت نسرين بسرعة من المكتب لتحضر مرام...

بعد قليل...

كانت مرام تتنهد وهي تقف أمام مكتبه بينما قلبها يخفق بعنف، بالطبع هو يعرف أنها وافقت عليه لهذا طلبها، هي الآن تذوب من الخجل، وجهها احمر وانفاسها متلاحقة، لا تعرف كيف ستقف أمامه وتنظر إليه، كيف ستواجهه وتتكلم معه، فجأة هزت راسها وهي ترتدي قناع الصرامة وتوبخ نفسها، هي ليست مراهقة بل هي في الثامنة والعشرون من عمرها، اي انها راشدة، لا يجب عليها أن تذوب من الخجل بتلك الطريقة، يجب أن تسيطر على مشاعرها...

تنفست عدة مرات بسرعة وحاوطت نفسها بالجليد وهي ترفع كفها كي تدق على الباب، أغمضت عينيها وصوت انس الجذاب ينساب لروحها...
تنهدت مرام وهي تدخل للمكتب ثم وقفت أمامه وهي تنظر إلى الأرض وتقول برسمية: - طلبتني يا فندم.

ابتسم انس وهو ينظر إليها ثم نهض. كان لا يستطيع أن يسيطر على سعادته، وقف أمامها وقال: - ادم قالي انك وافقتي عليا، متعرفيش قد ايه فرحتيني، أنا من اول ما سمعت وانا مش قادر اخبي فرحتي، أنا، أنا...
توترت هي أكثر من كلماته وقالت بنبرة جعلتها صارمة: - الكلام هيكون مع اخويا ادم، بس حضرتك طلبتني ليه دلوقتي؟! عشان تقولي الكلام ده!

صمت أنس بتوتر ثم تنهد وقال: - انا اسف عارف اني مينفعش اتكلم معاكي خصوصا اني اتكلمت مع اخوكي ولازم احترمه بس بجد مش قادر امنع نفسي من الفرحة متعرفيش أنت فرحتيني ازاي بموافقتك عليا، بجد أنا مبسوط...
كانت عينيه تلمع كالنجوم، كانت السعادة التي في قلبه اكبر من ان يسعها العالم بأكمله...

حاربت مرام ظهور الابتسامة على شفتيها ولكن تلك الابتسامة هزمتها وهي تشرق على وجهها. بهت انس وهو يراها تبتسم ولأول مرة بتلك الطريقة، يري وجهها ينير بقوة كأن القمر بنفسه قد اتي إلى مكتبه، أن كان للجمال شكل محدد فستكون ابتسامتها هي...
تراجعت مرام وذهبت من امامه مسرعة وبسرعة اتجهت للحمام وهي تضع كفها على قلبها بينما ابتسامتها الرائعة تزداد اتساعا!

في المساء
- طلبتيني يا امي؟!
قالها ادم وهو يلج لغرفتها وعلى وجهه ابتسامة هادئة تخفي اضطرابات قلبه وروحه، ولكن والدته عرفت، فهي تحفظ ادم، ادم التي ربته بنفسها وزرعت فيه القيم الجيدة وهي تشكر ربها انه اصبح رجل صالح يتحمل المسؤولية ولكن شيئا ما كان يؤرقها، شيئا ما بأدم تريد أن تقتلعه من قلبه...
اعطته ابتسامة صافية وقالت: - تعالي اقعد جمبي يا ابني...

اقترب ادم منها وهو يبتسم بلطف وامسك كفها ثم قبله بلطف وقال: - اخبارك النهاردة يا ست الكل ليلي اديتلك ادويتك...
ابتسمت وهي تهز رأسها وقالت: - ايوة يا سيدي اتعشيت واخدت ادويتي وانا زي الفل اهو بطل تقلق عليا كده...
- وانا ليا مين اغلي منك عشان مقلقش عليكي يا امي...

تنهدت والدته وصمتت، تريد أن تصارحه بما تريد ولكنها خائفة من ردة فعله، تري هل سيقبل من اجلها ام سيثور ويغضب، هي تعرف ابنها جيدا، قد يتنازل من اجلها ولكن قلبه سيحترق، سيشعر ان ما تفعله خيانة.
كان ادم يراقب انفعالات والدته بحيرة، لا يفهم ماذا بها. ولم كل ذلك التردد الذي راه على وجهها، ولكن بدا أن الأمر مهم جدا...
شد ادم على كف والدته وقال: - امي تقدري تقولي فيه ايه من غير توتر. لا قلق، أنا ادم...

ابتسمت له وقد انبسطت ملامحها وقالت: - وده اللي مطمني شوية أنك ادم، ادم ابني اللي ربيته ومستحيل يزعلني ولا يكسر كلمتي، ادم العاقل اللي ربيته على الحب وتحمل المسؤولية وطلع زي ما اتمنيته تماما، وانا كل ما ابصله افتخر بنفسي اني طلعت انسان سوي زيه...
ابتسم ادم وهو. يقبل كفها ويقول: - ايه الكلام الحلو ده يا ست الكل أنا هتغر كده.
ضحكت حسناء وقالت: - يا بني ده اقل حاجة أقولها عنك، انت بس مش عارف قيمتك...

- لا ده انا كده اتكبر عليكم رسميا يا ست الكل وبعدين اديكم مواعيد عشان تشوفوني...
قالها ممازحا إياها لتضحك هي من قلبها ولكن التوتر ما زال مسيطرا عليها، هل يا تري سيتقبل ما ستقوله الان، تنهدت وقررت أن تتكلم الان: - ادم، يا بني.
قالتها بتلعثم ليقول وقد انبسطت ملامحه الوسيمة: - قولي يا ست الكل.
- مهرا.

نظر للجهة الأخري وهو يغمض عينيه، منذ مشاجرتهما في الصباح وهما لا يتكلمان، هو أخطأ بحقها يعترف بهذا داخله ولكنها أيضا لا تفهم، لا تفهم ما عاشه، تريده أن يغفر بسهولة. كيف يغفر لمن دمر حياته. كيف...

نظر مرة أخري إلى والدته وقال: - عارف اني غلط لما قولت الكلام ده بس هي كمان بتضغط عليا، هي عارفة الموضوع ده بيخليني اتجنن ازاي، فكرة اني اسامح جابر عزام بتخليني اتجنن، ازاي اسامح بسهولة كده، أنا خايف، خايف مهرا تيجي في يوم وتحطني قدام خيار اني اسامح جدها أو تسيبني، لما فكرت في الموقف ده بقيت زي المجنون، الاتنين بالنسبالي صعبين جدا، كأني برمي نفسي في النار...
ابتسمت والدته وقالت: - للدرجادي بتحبها.

ابتسم وقال: - ايوة بحبها وبحبها اووي كمان، ونفسي تفهمني، نفسي تفهم أن اللي جوا قلبي لجابر عزام مستحيل ينمحي يا امي...
- ده جدها يا بني...
قالتها حسناء بتوتر ليصمت هو لتستغل هي تلك النقطة وتكمل: - صعب على مهرا تبقي معاك وانت بتكره جدها بالشكل ده، متنساش أنه رباها و...
- عايزة تقولي ايه يا امي!

قالها ادم بوجه متجمد وعينين تبرقان بعنف لم تتراجع حسناء عن قرارها، قررت أن تكمل ما تريد قوله فقالت هي بشجاعة: - عايزة اقول ان جه الاوان تنسي وتسامح يا آدم ده. برضه جدك...
نهض ادم كالملسوع وتصاعدت الدموع لعينيه وهو ينظر إليها بصدمة.

- انا نسيت وسامحت خلاص يا آدم. مش هقضي كل حياتي اكره جابر بسبب الماضي، وانت مفروض تعمل كده كمان عشان خاطر مراتك على الاقل، مراتك اللي اتحملتك، واتحملت تعيش هنا بعد ما كانت عايشة في فيلا كبيرة وطلباتها كلها مجابة، عشان...
- بس يا امي!، قاطعها بحدة.
- ادم اسمعني بس...
- قولتلك بس يا امي!
صرخ بحدة وهو يضرب الحائط الذي بجواره بكفه...
- مش هتفضل طول حياتك بتكرهه يا آدم، لازم تسامحه في يوم...

وكأن والدته أشعلت النيران به بكلماته ليصرخ هو بتوحش وهو يضرب على الحائط: - قولت كفاية كفاية كفاية...
لم يتوقف حتى عندما وجد الدماء تندفع من كفه، كان قد فقد عقله تماما وكان والدته فتحت أبواب الجحيم، كان غضبه كبير، عظيم لا يمكن السيطرة عليه...
- ادم، كفاية...
قالتها والدته برعب وهي تمسك كفه ليبتعد عنها ويصرخ: - عايزاني اسامحه ازاي! اسامح الراجل اللي دمر حياتنا!

لم تنتبه حسناء منذ البداية لمهرا ومرام وليلي الذين أتوا ووقفوا أمام الباب وهو ينظرون إليهما برعب...
- ادم وطي صوتك! اتكلم بطريقة اهدي من كده!
- اهدي ازاي! قوليلي يا امي، بعد اللي قولتيله عايزاني اتكلم بهدوء ازاي، شوفي حضرتك بتقولي ايه الاول؟! عايزاني اسامح جابر، جابر اللي دمر حياتنا، السبب في موت ابويا! الراجل اللي ذلك، الراجل اللي اتخلي عننا وساب الدنيا تلطم فينا...

وضعت مرام كفها على فمها وبدأت تبكي وهي تري انهيار شقيقها. لقد عاصرت كل تلك الأحداث المؤسفة وتشعر بألم أدم...
اقترب ادم من والدته وقال بصوت مجروح: - انا اتخليت عن حلمي وسيبت التعليم واشتغلت معاكي عشان اقدر اعيش. و...
قاطعته والدته وقالت: - ايه يا آدم، انت هتذل امك كمان عشان اشتغلت وصرفت علينا، يالا كمان ذلنا عشان ميار سابتك بسببنا!، قول يالا...

هز رأسه وصرخ بإنفعال: - لا طبعا، أنا اللي عملته مش فضل عليكم. ده واجبي. واجبي اني اشتغل لاني أنا راجل البيت وحلفت اني عمري ما هخلي اخواتي أو انت تتذلوا لجابر تاني، مستعد اموت وانا بشتغل لكن عمري ما هسمح انكم تتذلوا للراجل ده تاني، أمي أنا مستعد اموت لو طلبتي مني كده لانك اغلي حد على قلبي، أنت روحي، لكن اني اسامح. جابر فده لا، جابر عزام هيفضل عدوي ليوم الدين وحتى يوم القيامة لو دخوله للجنة متوقف على مسامحتي ليه مش هسامحه برضه...

كانت حسناء مرتعبة وهي تنظر إلى كمية الكره التي يحتشدها ادم في قلبه نحو جابر عزام، يا الله ابنها لن يغفر بسهولة...
- انت كده بتأذي نفسك بالكره ده يا آدم، انت بتدمر حياتك...
- مش مهم، المهم اني مش هسامح!
قالها ادم ثم أكمل ؛
- مش هسامح عشان خاطر اي حد ولا حتى حضرتك يا امي...
احست حسناء بجرح غائر في قلبها وقالت: - اطلع من اوضتي دلوقتي يا آدم، وعيش مع كراهيتك دي لحد ما تخسر الكل، اطلع برا يالا...

بالفعل خرج ادم وهو منفعل من الغرفة وسط ذهول الجميع ثم خارج المنزل...
- هو. هو رايح فين دلوقتي؟!
قالتها مهرا برعب لترد ليلي وهي تبكي: - اكيد رايح الورشة بتاعته، روحي وراه يا مهرا. أنت الوحيدة اللي هتعرفي تهديه دلوقتي...
أسرعت مهرا إلى غرفتهما وارتدت ملابسها سريعا...

في ورشة ادم...
كان جالس على المقعد وجهه للاسفل بينما دموعه تتساقط بالتتابع، يشعر أن الوجع يتدفق من قلبه يريد أن يبكي ويصرخ ولكن لا يستطيع، هو يعجز حتى عن الانهيار!

ارتعش جسده عندما حطت كف رقيقة على كتفه، استدار ليجدها مهرا، تنظر إليه بحزن والدموع تنساب من عينيها العسليتين، توجع قلب مهرا وهي تراه في تلك الحالة، كادت أن تتحدث إلى أن ادم سحبها من خصرها وعانقها، لم يكن ليترك اي أحد يري لحظات ضعفه النادرة ولكن مهرا كانت شيئا اخر، وكأنها خلقت لتحتوي لحظات ضعفه النادرة جدا، هكذا فكر وهو يضمها بقوة كالتائه الذي وجد ضالته اخيرا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة