قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل التاسع

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل التاسع

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل التاسع

زأر قلبها داخل صدرها برعب وهي تري آدم ينظر إليها بغضب، عينيها العسلية تلبدت بدموع الخوف وهي تهز رأسها بالنفي، تريد ان تتكلم كي تنفي التهمة عن نفسها ولكن الكلمات محشورة في فمها، شعرت أنها غير قادرة على الكلام بتاتا بسبب نظرات ادم، يا الهي ماذا سيظن الان عنها؟! هل سيعرف أن مروان هو الشخص الحقير الذي سلب براءتها أم سيظن أنها مجرد فتاة لعوب، دون أن تعترف بهذا ولكن من داخلها كانت لا تريد أن تسوء صورتها لدي ادم أكثر من هذا، انسابت دموعها وهي لا تقوي على الحركة أو الكلام فقط تنظر إلى ادم وتتوسله بعينيها أن يصدقها، الا يظلمها ولكن نظرات ادم لم تتغير ابدا، ما زال ينظر إليها بتلك الطريقة المرعبة...

مروان لم تكن حالته احسن من حال مهرا، كان ينظر إلى ادم وليلي بصدمة، ليلي تلك الفتاة التي يطاردها منذ فترة، لو تكلمت الان قد يقتله هذا الشاب الذي نظراته لا تبشر بالخير ابدا، ابتلع مروان ريقه وهو ينظر إلى أدم، ادم الذي كان يغلي من الداخل وهو يراها مع هذا الشخص، اول من قطع هذا الصمت المريب هو ادم الذي اقترب من مهرا المتجمدة وامسكها ثم جذبها خلفه وتصدر هو لمروان، كانت عينيه الزرقاء تبرق بغضب اخافه.

تراجع مروان قليلا وقال: - انا ابقي...
- ميهمنيش تبقي مين، لولا وجود الستات هنا كنت علمتك ازاي تحط ايديك على حاجة تخصني، لازم تعرف انك محظوظ، بس مش هتكون محظوظ في كل مرة...
ثم بسرعة جذب مهرا وليلي وذهب...

وقف مروان وهو ينظر إليهم مبهوتا للغاية، ماذا يقصد بأنها تخصه، كيف مهرا تخصه؟! ماذا حدث؟! ولماذا ليلي معه، أخذ عقل مروان يعمل بسرعة وهو يربط الأحداث سويا حتى توصل لشئ، هذا الشاب هو ابن عم مهرا وبالتالي ليلي هي شقيقته، ولكن هل يمكن أن يكون هذا الشاب ليس ابن عمها فحسب بل من سترتبط به!
ذلك الاستنتاج ضايقه، شعر مروان بصدره يضيق بشكل غريب، معقول مهرا سوف تذهب لغيره!

هذا التفكير جعله يغلي من الغضب، جعله يحتار، هو لا يحب مهرا. إذن لماذا هو غاضب بذلك الشكل، لما يشعر بألم شديد في قلبه؟! وكأن شيئا ثمين سوف ينتزع منه، ما به، هو الآن معجب بليلي ويريدها إذن لماذا يفكر بمهرا، ذهب لسيارته واستقلها، لقد نسته مهرا بتلك السهولة، بتلك السهولة نست ذلك الحب الذي تتشدق به، حقيقة شعور مروان جهة مهرا لم يكن الحب بل التملك، مهرا كانت تشعره دوما بالغرور وما كان ينبغي لها أن تتجاوزه، كان ينبغي لها أن تتعذب، أن تتوسله لكي يتزوجها، ضرب مروان على مقود السيارة وهو يغلي، يختنق. لماذا رآها اليوم لماذا، ولماذا هو بذلك الغرور، لماذا لا يدعها وشأنها، ولكن لا هناك شيئا قوي يدفعه إلى إفساد حياة مهرا، مهرا لن تكون سعيدة ما دام هو ليس سعيدا، هذا بعيد عن منالها، سيفعل ما في وسعه كي يدمر زواجها من هذا الشاب ان صدق إستنتاجه. ولكن يجب أن يتأكد اولا من إحساسه وبعدها سوف يدبر خطة ما، هو لن يترك مهرا بتلك السهولة ولا ليلي أيضا، هو يريدهما هم الاثنين ولن يمنعه أحد عن خطته سواء هذا الشاب أم غيره. ابتسم برضا وهو يفكر كيف يمكنه أن يعيد مهرا لحياته، بالطبع هي ما زالت تحبه، فكر بغرور، فمستحيل أن يختفي الحب بتلك السهولة!

منذ تلك الصدفة السيئة التي جعلتها تري مروان وليلي وادم رآه معها وهو لم يوجه لها كلمة، لم ينظر إليها من الأساس بل كل كلماته كانت موجهه لشقيقته ليلي. وكأنها شفافة غير موجودة من الأساس، أغمضت مهرا عينيها بتعب وهي تري عالمها ينهار من حولها أكثر فأكثر كلما حاولت أن تنسي وتتجاوز ما حدث يعود الماضي ليذكرها بما حدث، هي لن ترتاح ابدا، سيظل ما حدث يلاحقها حتى تموت، ولكن الغريب أنها عندما رأت مروان اليوم لم يدق قلبها له عشقا أو شوقا، بل كرهت رؤيته، جل ما شعرت جهته هو الغضب، الغضب فحسب، أرادت قتله بسبب ما فعله، قتله بسبب الحالة التي وصلت إليها بسببه هو، الحقير الذي خدعها بإسم الحب، حتى ملامحه الوسيمة بدت لعينيها مشوهة، بدأ حقا قبيح، لقد رأت قبحه من الداخل، وتساءلت حقا ما الذي أحبته بذلك الرجل، كيف كانت بذلك الغباء ووقعت في الحب، حتى أنها تظن أن ما شعرت به جهة مروان لم يكن ذلك الحب القوي، الحب لا يزول بتلك السهولة، الحب يؤلمك، يسلب روحك وهو يخرج، فكيف طردت حب مروان بتلك السهولة، كيف اصبحت لا تطيق الرجل الذي لطالما أخبرت الجميع أنه تعشقه أكثر من أي من شخص على وجه الارض، شعرت بالحيرة من أفكارها وشعورها، كما شعرت بألم شديد يفتك برأسها...

- مهرا، مهرا...
قالتها ليلي لتنتبه اخيرا مهرا فتكمل ليلي: - ركزي يا اختي اللي يباركلك عشان تختاري الفستان بسرعة...
هزت مهرا رأسها، كان آدم طلب من ليلي أن تدخل مع مهرا لتختار فستان الزفاف وجلس هو بأحد مقاهي المول ينتظرهم...

كانت عيون مهرا تدور بين الفساتين المختلفة، اخيرا وقعت عينيها على فستان زفاف راق لها كثيرا، كان فستان دون حمالات يضيق من الاعلي ويتسع من الخصر بقصة تسلب العقل، ما أن رأتها ليلي تنظر إليه حتى ضحكت وقالت: - انسي يا مهرا أبيه مستحيل يخليكي تلبسي الفستان ده، شوفي غيره...
رفعت مهرا حاجبيها وقالت: - هو أبيه بتاعك ده هيتحكم فيا يعني...
- بالضبط...

ردت ليلي ببرود ثم أكملت: - ممكن لو مصممة ادخلك أبيه بنفسه يقنعك...
تراجعت مهرا عن موقفها، ادم لن يتفاهم معها بالطبع سوف يلغي الزفاف مباشرة، يكفي أنه رآها مع هذا الحقير مروان، وللأن لم يصدر أي رد فعل منه، ولكن تعرف أنه لن يمرر هذا الموقف مرور الكرام، لقد رأت هذا في عينيه الزرقاء، لمعة عينيه كانت مخيفة لها، وأصبحت تفكر الآن فيما يجهزه لها آدم...

تنهدت مهرا وقالت لليلي: - خلاص اختاري أنت فستان الفرح، ما دام هلبس على مزاجكم...
ثم اتجهت مهرا إلى المقعد الموضوع في ركن المتجر وجلست عليه بتعب...
نفخت ليلي بضيق وهي تفكر كم أن هذا الفتاة مزعجة...

- الله يكون في عونك يا أبيه، جبت وجع الدماغ بنفسه في حياتك، البنت دي اكيد هترفع ضغطك، يا حبيبي يا آدم. كان ماله لو اتجوزت صاحبتي ميار، هي صحيح هبلة بس بتحبك والله، انت اللي واخد موقف عدائي منها بسبب أن اسمها زي اسم اللي ما تتسمي حبيبتك القديمة!

صمتت ليلي قليلا وقالت: - وبصراحة السن ليه عامل برضه، بس اهي تكون ميار احسن من البنت المتدلعة دي اللي ناوي تتجوزها انا بجد مش طايقاها، ومش عارفة ازاي أبيه عدا نقطة أنه شاف واحد مسك ايديها!
دارت عيني ليلي في المكان حتى رأت فستان وقعت في حبه من اللحظة الاولي وقالت بسعادة: - هنشوف ده!

- اهو.
قالتها مهرا بفتور وهي تقف أمام ليلي وهي مرتدية فستان الزفاف الذي اختارته ليلي، اتسعت عيني ليلي بصدمة وهي تنظر إلى مهرا، فغرت فاها بذهول، عينيها لمعت بإعجاب مدهش وهي تري كيف يلائمها الفستان كأنه خلق من أجلها، كان الفستان بأكمام واسعة، تصميمه بسيط ولكن انيق، جزءه العلوي لامع بالكامل أما الجزء السفلي كان يتسع من الخصر وذيله يسبح على الأرض بحرية...

أطلقت ليلي صفيرا وقالت: - والله يا بنت يا ليلي ذوقك لا يعلي عليه.
. شايفة الأناقة مش الفساتين الهبلة اللي انت بتختاريها، بصي على المرايا وشوفي نفسك...
ذهبت مهرا بملل إلى المرأة، لم تتعب نفسها لتنظر إلى نفسها دقيقة في مرأة البروفة، وقفت أمام المرآة وتنهدت ونظرت إلى نفسها، لتعترف أنها كانت جميلة حقا، الفستان يلائم جسدها جدا، كأنه صنع خصيصا لأجلها بالفعل...
- تمام هناخده...
قالت مهرا جملتها بخفوت...

ثم اتجهت إلى البروفة لخلع الفستان...

بعد هذا دفع أدم حساب الفستان وأعطاه لمهرا وقال: - تحبوا تأكلوا قبل ما نكمل...
هزت ليلي رأسها وهي تقول: - يا ريت يا أبيه، اكلني ابوس ايديك، أنا خسيت النص في المشوار ده...
ضحك ادم وقال: - انت فعلا نصابة، حاضر يا ستي تحبي تأكلي ايه...
- كشري...
قالتها بحماس، هز هو رأسه وثم اختفت ابتسامته ونظر لمهرا ببرود وقال: - وانت تحبي تأكلي ايه؟!
نظرت للجانب الآخر وقالت ببرود: - لا شكرا من هاكل...

جذبها ادم من يديها وقال لليلي وهو يمسك كفها بيده الحرة: - يالا هنأكل كشري...
ثم جذب مهرا خلفه وهي تفتح فمها بذهول غير قادرة على الكلام حتي، ناهيك عن دقات قلبها التي زادت بطريقة أكثر من المعتاد...

بعد قليل...
في احد المطاعم الشعبية لتقديم الكشري...

كانت تجلس مهرا وهي تتطلع حولها بفضول، كانت المرة الأولي التي تدخل فيها إلى أحد تلك المطاعم، كان كل شىء غريب عنها، الاغاني الغريبة التي تصدر من المسجل الكبير بالمطعم، رائحة الطعام التي كانت جميلة جدا، اعترفت داخلها. فرائحة هذا الشئ الغريب الذي لم تأكله ابدا جعلها تشعر بالجوع، اخيرا اقترب منهم رجل يحمل صينية ضخمة عليها ثلاث اطباق من الكشري يتصاعد منهم الدخان، وضعهم بلطف على الطاولة وهو يعطيهم ابتسامة لطيفة ويقول: - بالهنا والشفا...

أمسكت ليلي المعلقة بسرعة ثم أمسكت عبوة الشطة التي بجوارها و ضعتها على طبقها ثم بدأت الاكل بسعادة، وآدم فعل مثلها أيضا، ابتلعت مهرا ريقها وامسكت المعلقة وأخرجت منديل ورقي من حقيبتها وأخذت تمسح المعلقة عدة مرات بطريقة ادهشت كل من ليلي وادم، اقتربت ليلي من ادم وقالت: - هي دي بتمسح ايه يا آدم، المعالق بلاستيك وجديدة اصلا، خليها تبطل اللي بتعمله هتفضحنا...
- ششش ملكيش دعوة كلي انت...

هزت ليلي كتفها وبدأت تأكل دون اهتمام بما تفعله مهرا...
انتهت مهرا من مسح الملعقة ثم أخذت عبوة الشطة ووضعتها على الكشري حتى اغرقته، في الحقيقة ظنت أنه كاتشب، ثم بدأت بأكل اول ملعقة، وما هي إلا لحظات وحتى صرخت بفزع وهي تدفع الطبق عنها، نهضت وهي تضع كفها على فمها وتقول: - هموؤت، هموت الحقوني، الحقوني...
كانت مهرا تصرخ وهي تقفز كحبوب الفشار على النار...
- الحق يا أبيه اتفضحنا...

قالتها ليلي بفزع، نهض ادم واعطاها كوب من الماء وهي يقول محاول تهدئتها: - مهرا، مهرا اهدي خلاص هتبقي كويسة...
شربت الماء الكأس كله ولكن رغم هذا ما زالت تشعر بنيران تندلع من فمها، كان تشعر بألم فظيع...
فجأة جذبها آدم وخرج من المطعم وذهب إلى المحل المقابل وهو يشتري لها ثلاث اكواب من عصير القصب. ساعد كثيرا على تهدئتها!

في طريق العودة...

كان كلا من ادم وليلي ومهرا يركبان سيارة أجرة، مهرا تنظر إلى نافذة السيارة وهي شاردة تماما، لا تعرف ولكنها تشعر بتغيير كبير سوف يصيب حياتها بسبب ذلك الزواج، لقد أدركت أن هناك اختلاف كبير بينها وبين ادم، تري هل ستنجح معه، لا تعرف لماذا تفكر في هذا الان، ولكن ما رأته اليوم جعلها تعرف أن ادم شخص مختلف تماما، مختلف عن أي شخص، هو كريم وراقي، عطوف ومهتم ولكن رغم ذلك تري في نظراته برود من ناحيتها. لابد أن مشمئز منها بسبب ما عرفه عنها، ولكن هل هو أيضا سيلومها ام سيتفهم أن تم خداعها، هل سيفهم أن ذنبها الوحيد أنها أحبت ووثقت ؛!

تنهدت بألم وهي تضع رأسها على النافذة وهي تهمس: - يا تري ايه اللي هيحصل تاني؟!
اخيرا وقفت السيارة أمام فيلا جدها، نزلت مهرا ونزل ادم خلفها وقبل أن تدخل امسك ذراعها وقال بصوت جليدي: - استني.
نظرت إليه دون فهم فقال هو: - اللي حصل النهاردة ده ميتكررش يا مهرا، ماضيكي قبل ارتباطك بيا تنسيه والا هتشوفي مني وش مختلف تماما...
- انت مش فاهم. هو...

قالت تبرر بتوتر ليقاطعها هو دون اهتمام ويقول: - انا مش مهتم اسمع تبريراتك يا مهرا، أنا قولت كلمتي، ما دام اسمك ارتبط بإسمي يبقي تحافظي عليه لحد ما تنتهي المهزلة دي والا فعلا هزعلك، ياريت يكون كلامي وصلك، مفهوم!
علي الرغم من شعورها بالضيق والغضب والحزن إلا أنها ردت بصوت مقتضب وقالت: - مفهوم! اي خدمة تانية؟!
- لا.
قالها ببرود لتستدير هي بسرعة وتدخل إلى المنزل...
تنهد آدم وهو يعود لسيارة الأجرة...

- جيتي يا حبيبتي.
قالتها مروة وهي تقترب من مهرا لتبتسم مهرا ببهوت وتقول: - ايوة يا ماما. وتعبانة شوية وداخلة ارتاح...
كادت أن تذهب من أمامها إلا أن مروة أمسكت كفها وقالت: - ايه ده يا مهرا مش هتوريني فستانك ولا ايه...
تنهدت مهرا وهي تسلمها حقيبة الزفاف وقالت: - اتفضلي يا ماما، ده الفستان كله شوفيه براحتك، لكن بجد تعبانة ومحتاجة ارتاح ممكن...
ثم تركتها وصعدت لغرفتها...

ولجت مهرا لغرفتها وتسطحت على فراشها وهي تغمض عينيها براحة بينما احداث اليوم تمر على عقلها، وتحذير ادم الاخير مثبت في ذاكرتها، لقد كان غاضب نعم، عرفت مهرا ان ادم لن يمرر ما حدث هكذا بسهولة وبالفعل أعطاها تحذير بسيط، ادم يظن أنها فتاة لعوب، متهورة، حسنا هي متهورة وكثيرا أيضا، وقد تكون ساذجة قليلا ولكنها ليست لعوب، هي لم تسمح لمروان أن يلمسها، وما أخذه مروان أخذه بالخداع دون رضاها وهي لن تسامحه عن هذا ابدا، السؤال الذي كان يمر ببالها، تري هل سوف ادم يغير نظرته بها، أو ستظل دوما بالنسبة له الفتاة اللعوب التي أهدرت شرف العائلة، تلك الفكرة كانت لا تتركها. والسؤال الذي كان يلح عليها أكثر، لماذا هي مهتمة برأي ادم بها، لماذا كل هذا الاهتمام به، برأيه والانصياع لأوامره، مهرا لم تكن يوما هكذا، كانت عنيدة، لا تسمع الكلام ولا تنفذه، تفعل ما يمليه عليها قلبها دون الاهتمام باي عواقب، ولكن ما حدث قد كسرها قليلا، صحيح ما زالت محتفظة بعنادها، صحيح ما زالت تلك الفتاة ولكن شعرت أنها هدأت قليلا ولكن الأغرب أنها مع ادم تختفي صفة العناد تماما، هو لديه طريقة لجعلها تفعل ما يريده دون أي اعتراض حتي. فكرت هي بسخط!

رنين هاتفها جعلها تنتفض، أمسكت الهاتف بتعب وردت دون أن تقرأ الاسم...
- وحشتيني يا ميمي!
صوت مروان الكريه جمدها وسلب الدفئ من قلبها، بدأت أعصابها تغلي واسنانها تصطك من الغضب، اغمضت عينيها وهي تضغط على الهاتف بقسوة وتقول بصوت غاضب: - عايز ايه؟!
رفع مروان حاجبيه وقال: - ايه الرد ده يا ميمي، أنا افتكرت أنك هتقولي وانت كمان وحشتني يا مارو، اخص عليكي، بجد كسرتي قلبي!

- يارب يا اخي يتكسر قلبك ورقبتك، يارب تموت وارتاح من شرك، عمري ما هسامحك يا مروان على اللي عملته فيا...
ابتسم مروان بإستخفاف وقال: - جرا ايه يا ميمي ايه الشر ده بس معقول موحشتكيش، بطلتي تفكري فيا، بطلتي تحبيني...
- الحاحة الوحيدة اللي حاساها ناحيتك هي الكره يا مروان، أنا بكرهك من كل قلبي، كل اللي بتمناه انك تموت وارتاح من شرك للابد...

ضحك مروان وهو يخفي غضبه ويقول: - انت مستحيل تبطلي تحبيني، انت محتاجاني يا ميمي عشان اغطي فضيحتك، أنا الوحيد اللي اقدر انقذك من العار اللي لحقك، من غيري يا مهرا أنت هتضيعي...

دمعت عيني مهرا وهي تسأل نفسها كيف اعتقدت يوما أنها تحبه وقالت: - انا مش محتاجاك يا مروان. اللي انت عملته معايا عرفني حقيقتك كويس، عرفت قد ايه انت حقير وندل، عرفت اني كنت مغفلة لما حبيت حد زيك، وانا عارفة دلوقتي انت عايز ايه، انت حاسس بالنقص لاني تجاوزتك، زعلان أن واحدة زيي نسيت مروان بيه العظيم تاني مفروض اركع تحت رجلك عشان تقبل تغطي على فضيحتي برأيك. مش صح...

ابتسم مروان بذهول وقال: - من امتي الذكاء ده يا مهرا، ما شاء الله عليكي، ابهرتيني بصراحة...
مسحت مهرا دموعها التي انسابت وقالت: - الحمدلله وعيت اخيرا وعرفت انت ايه، عرفت اني كنت غبية لما حبيتك، والحمدلله بسهولة حبك طلع برا قلبي، كل اللي حاساه دلوقتي من ناحيتك هو الكر ه، كل اللي بتمناه انك تموت...

- وفضيحتك يا مهرا مين هيداريها، ابن عمك! هي دي خطة جدك أن ابن عمك يتجوزك عشان يغطي فضيحتك، طيب يا تري ابن عمك هيكون ايه رد فعله لما يكتشف الحقيقة يوم دخلتكم، اكيد المسكين هيتصدم أن بنت عمه المحترمة بتكون...

لم يكمل كلامه وترك لها حرية الاستنتاج وقلبه يدق بحماس، يحب أن يشعر أن الجميع تحت سيطرته، كان مروان مصمم على إبراز أسوأ ما به دون أن يشعر بالذنب، كان يدفع الشعور بالذنب بعيدا تماما، هو سينال ما يريده...
- عايز ايه يا مروان؟!
قالتها مهرا بتعب...
ابتسم بإنتصار وقال بإختصار: - عايزك يا مهرا، عايزك أنت.

- انت اكيد مجنون صح، اكيد فاكر اني بكل غباء هستسلم ليك يا مروان، انسي، ده مستحيل يحصل تاني، اللي اخدته مني بالخداع مستحيل تاخده تاني، أن الموت بالنسبالي اهون من انك تلمسني، تعرف اني بقرف من نفسي لانك في يوم قربت مني ولمستني، بحس اني هرجع كل لما افتكر اني حبيت مخادع زيك...

كلماتها جلدته، جعلته يشعر بالغضب ولكن رغم هذا احتفظ بإبتسامته وقال: - والله يا ميمي أنا قولت اللي عندي، أنا عايزك. عايزك تعالي عندي الشقة، مروان السويسي هياخد كل اللي هو عايزه سواء برضاكي أو غصب عنك...
هزت راسها وهي تقول بإنهيار: - ده مستحيل يا مروان، انسي...

ثم كادت أن تغلق الخط لتتجمد وهو يقول: - قدامك اختيارين يا مهرا، أما تيجي عندي أو أقول للكل على اللي حصل بيننا، مش هكتفي اني اقول لخطيبك الغبي بس، لا هقول للكل حرفيا، سيرتك هتبقي على كل لسان وهتتفضحي!

بعد منتصف الليل.
- سلام قولا من رب رحيم!
صرخ بها ادم برعب وهو يضع كفه على قلبه الذي دق بعنف، كان ينظر بعينين متسعة إلى ليلي التي تقف على رأسه كالغراب، شعرها منسدل حول وجهها مما جعلها تشبه أحد بطلات الافلام الرعب، ابتلع أدم ريقه وقال: - حرام عليكي، أنت بجد ناوية تقطعي خلفي يا ليلي، ايه يا بنتي ده، منك لله، قلبي كان هيقف...
لم تبتسم ليلي بل قالت: - عايزة اتكلم معاك يا أبيه شوية...

- وهو يعني الكلام ميحلاش الا بعد نص الليل وانت بالشكل المرعب ده كأنك طالعة من فيلم رعب، حرام عليكي قطعتي خلفي وانا على وش جواز يا ليلي...
ابتسمت ليلي ابتسامة بسيطة وقالت: - معلش يا أبيه بجد الموضوع ضروري...
نهض جالسا وقال: - قوليلي ايه هو اللي ضروري يا ليلي وروحي نامي وراكي كلية وانا ورايا شغل، انجزي...

ابتلعت ليلي ريقها وهي تتذكر الصدفة الغريبة التي جمعتها بذلك الشاب، لقد رأته يمسك كف مهرا، ولكن الغريب أخاها لم يتخذ أي رد فعل وتناست هي الموضوع وحمدت ربها أن الموضوع مر بسلامة دون أن يتورط أخاها مع شجار مع ذلك الشاب، ولكن هناك أسئلة عديدة كانت تدور داخل رأسها وليس لها أي إجابة، وللاسف هي لم تستطع أن تنام الا عندما تجد أجوبة، وايضا يجب أن تخبر شقيقها بأن ذلك الشاب تعرض لها، يجب أن تصارح شقيقها بهذا ربما يحميها من شئ سئ ربما يحدث لها...

- يا لولا يا ماما انطقي فيه ايه؟!
قالها ادم بضيق وهو يصارع النوم، هو مرهق اليوم كثيرا، فاليوم الذي قرر أن يرتاح به من ضغط العمل ذهب مع مهرا لكي يشتري فستان الزفاف، رأسه يؤلمه للغاية ويبغي حقا الراحة ولكن ليلي لم تجد وقت مناسب كي تحدثه الا الان، الان وجسده قد ارتاح اخيرا...
تثاءب وهو يجد أخته صامتة وعلى وجهها امارات التردد...

كان يحارب عينيه كي لا تخضع لإغراء النوم، يحاول يصفي ذهنه كي يسمعها ولكن رغم ذلك أخته صامته تماما، حسنا لقد نفذ صبره وقال: - ليلي ايه رايك تطلعي دلوقتي من اوضتي وتروحي تنامي وبكرة نتكلم، يالا يا حبيبتي امشي من هنا أنا مش ناقص...
- يا أبيه بس اسمعني...
قالتها ليلي بإعتراض ليرد هو بنفاذ صبر: - يا بنتي ما أنا مستني تنطقي أنت مبتتكلميش، قولي يا ليلي فيه ايه عايز اتخمد ممكن!

بلعت ليلي ريقها وقالت: - الشاب اللي شوفناه مع...
قاطعها آدم سريعا كي يحافظ على صورة مهرا وقال: - الشاب ده يبقي خطيب مهرا القديم يا ليلي، هو شخص مش كويس ابدا، اذي مهرا كتير قبل كده ولسه عايز يأذيها، هي حكتلي عنه، عشان كده انا بعدتها عنه بسرعة من غير ما اعمل مشاكل عشان حالتها متتدهورش...

هزت ليلي رأسها بتفهم وقد وثقت بكلامه على الفور، لأن ادم كان مستحيل أن يكذب عليها، ثم قالت: - هو فعلا شاب مش كويس ابدا يا أبيه، حتى شكله مش مريح، أنا افتكرته قبل كده أنه متحرش لما كان بيمشي ورايا...
برقت عيني ادم بغضب لم تراه ليلي من قبل وقد نفرت عروقه، توترت ليلي وهي تنظر إليه ليقول هو: - كان بيمشي وراكي ازاي يعني، انطقي يا ليلي!

بلعت ليلي ريقها وقالت: - حصل أنه في مرة وقفني يا أبيه كان تصرفاته مريبة أنا افتكرته هيسأل على حاجة، بس فضل باصصلي ومتكلمش، بعدها ولمدة اسبوع لقيته بيراقب كليتي ووقفني قدام الكلية وقالي أنا معجب بيكي، بس انا مسكتش والله. لميت عليه أمة لا اله الا الله وخليه الناس تهجم عليه...
كان آدم يسمع حديثها ويغلي من الداخل، لقد تجاوز هذا الشاب حدوده!

في اليوم التالي...
في شركة أنس...

كان لا يدري ما به، حقا كان يشعر اليوم بشئ غريب داخله، قلبه ينبض بطريقة لم يختبرها من قبل، يشعر أنه منفصل عن الواقع، غير مسيطر على نفسه، على عينيه التي تسترق النظر إليها، انس كان محتارا من نفسه، لطالما كان لديه سيطرة مستفزة على تصرفاته، قلبه لم يعرف ابدا عشق الا عشق ملك فحسب، فكيف يدق بتلك الطريقة لسكرتيرته التي لا يعرفها جيدا بعد، كيف ينبض قلبه لسكرتيرته غريبة الأطوار، كان مصدوم من نفسه، يحاول دفع تلك الأفكار عنه، يحاول إنكارها، منذ ما تكلمت ملك عنها أمامه وهي ترسخت في عقله، ولكن المرة الأولي التي نبض قلبه بقوة لرؤيتها عندما سقطت في مكتبه وانسكبت عليها القهوة، تألم بشكل غريب وهو يري دموعها وعجزها، ووقع في اللحظة التي امسك لها يديها بدون قصد، يعلم الله أنه حاول أن يبعد تلك الأفكار الشيطانية التي تؤثر على عقله ولكنه لا يستطيع، وجد عينيه مرة أخرى تخونه وتنظر إليها، إلى ملامح وجهها الرائع، عينيها الواسعة، طريقتها في إتمام العمل، كانت تمسك ملفات وتراجعها أمامه، صوتها عذب للغاية، ينساب لروحه لا أذنه فحسب، كيف حدث هذا بسرعة، لقد قال دائما أنه لن يخضع لسحر اي امرأة وهو الآن يخضع، يخضع لها هي، كيف سيتخلص من هذا السحر الذي قيده بها كيف...

- بكده يا فندم نقدر نقدم العقود لشركة فيصل، وكلها تمام أنا راجعتها قدام حضرتك ولو فيه اي غلط ممكن تقوله عشان نصلحه سوا...
كانت مرام تتكلم بثقة لا مثيل لها، هي تتقن عملها بطريقة مبهرة، كانت دوما متميزة، دوما تثبت انها الافضل ليس من ذلك النوع الذي يتكاسل عن أداء العمل، فالعمل بالنسبة لها أيضا عبادة...

نظرت إلى أنس وذهلت وهي تراه شارد بها، على وجهه ابتسامة مريبة، احتل الجليد ملامحها وقالت بصوت قوي: - استاذ انس حضرتك معايا...
فاق أنس من شروده وقال بتوتر وهو يدلك رقبته: - ايوة يا انسة مرام معاكي، اسف شردت شوية، أنا آسف...
هزت راسها وهي تقول ؛
- مفيش مشكلة يا أستاذ، بس كنت بقول ان كل العقود جاهزة عشان نقدمها لشركة فيصل. لو حابب حضرتك تبص بصة اخيرة ونشوف لو كان فيه حاجة عايزة تتصلح...

هز أنس رأسه وأخذ منها العقود وهو يراجعها، لقد حاول أن يشتت عقله عنها، كان مصدوم من نفسه أن يكون لمرام ذلك التأثير عليه، هو يلعب بالنار حرفيا، مشاعره التي ظهرت فجأة سوف تسبب بتعاسته لذلك لا بد أن يتخلص منها، مهما حدث لن يدع مرام تسيطر عليه بتلك الطريقة، لو تورط أنس أكثر من هذا سيكون هو الخاسر الوحيد...

سلمها انس العقود لمرام وهو يستعيد سيطرته الكاملة ويقول: - تمام العقود تمام، الاجتماع هيكون امتي يا انسة...
نظرت مرام إلى المفكرة ةقالت6: - اديناهم ميعاد بكرة الساعة اتنين يا فندم...
هز أنس رأسه وقال: - تمام يا انسة مرام اتصلي بيهم واكدي الميعاد وبعد الغدا جيبيلي الملفات اللي طلبتهم منك...
- حاضر يا استاذ أنس...
قالتها مرام ثم خرجت من المكتب...

تنهد أنس وهو يضع كفه على قلبه الذي ينبض بسرعة، تأثيرها كبير عليه، يا الهي هو يغرق، يغرق حقا وان لم يفعل شيئا سوف يكون الخاسر الوحيد، وهذا لا يمكن، يجب أن يسيطر على نفسه، هو لا يمكن له أن يحب أو يتزوج، سوف يخسر ملك، وهو مستعد أن يخسر روحه ولا يخسر ملك، لذلك الحل الوحيد أن يبعد مرام عنه للابد!

في ورشة ادم...

كان يعمل بعقل شارد تماما، ما زال يدور بعقله حديث ليلي، ما أن أخبرته ليلي عن ذلك الشاب الذي يطاردها حتى غلت اعصابه، فنقطة الضعف الأكبر هي عائلته، هو يعشق عائلته بطريقة مجنونة، لا يقبل أن يمسهم أحد وان شعر أن أحد ما يهددهم هو مستعد لقتله، ذلك الشاب تجاوز حدوده تماما، وهو يجب أن يتأكد من أنه هو من خدع ابنة عمه مهرا كي يلقنه درسا قاسيا يعلمه ماذا سيحدث له ان تجرأ على الاقتراب من أي أحد يخص ادم ومنهم مهرا، فمهرا الان أصبحت تخصه، من عائلته وهو سوف يحميها ما دامت ستحمل اسمه، حتى بعد انفصالهم لن يتخلي عنها، صحيح يقسو عليها احيانا، يكره تصرفاتها المستفزة ولكنه يعرف ان تصرفاتها نتيجة دلالها الزائد فالحب سلاح ذو حدين، قلته تقتل وزيادته تقتل أيضا، مهرا ضحية الحب الزائد من عائلتها، هم لم يعلموها كيف تتحمل المسؤولية، رغم تخرجها من كلية ادارة اعمال لم تتعب نفسها وتعمل بل اعتمدت على ثروة جدها، هز رأسه وهو يحاول أن يركز في عمله فجأة شعر بأحد معه رفع رأسه ليتراجع قليلا وهو يري مهرا أمامه، تتساقط دموعها وتقول بحزن: - الحقني يا آدم...

في شقته الخاصة...

كان مروان يجلس على الأريكة، يشرب سيجارته باستمتاع تام وهو ينتظرها، لقد أخبرها بوضوح أنه يريدها وان لم تنفذ ما يريده سوف يشيع ما حدث بينهم والغبية وقعت في الفخ، كانت مهرا تعلم أن مجرد اعلان هذا سوف يدمرها تماما، يدمرها ويدمر جدها وعائلتها بأكملها لذلك خضعت له، لقد اتصلت به منذ قليل وأخبرته أنها سوف تأتي بكل تأكيد، وكم هذا جعله يشعر بالإنتصار، رغم أن جزء صغير جدا منه يشعر بتأنيب الضمير. جزء صغير يجلده ويخبره أنها لا تستحق هذا، ولكن مروان أراد أن يقتل ذلك الجزء الأبيض منه، أراد أن يشبع قلبه بالسواد، هو لم يحصل على الحب، إذن لماذا يجعل الجميع يحصل عليه، مهرا رغم كل شىء حصلت على حب ودعم عائلتها دون أن تطلب وهو عاش حياته كلها يتوسل الحب من والده! والده جاف المشاعر الذي يعامله كأنه حثالة، العديد من المرات شك أن هذا ليس والده الحقيقي، ربما قد تبناه من ملجأ أو وجده بالشارع، اغمض مروان عينيه وقد قرر الا يفكر أكثر من هذا، المهم أن مهرا سوف تأتي وسوف يتسلي بها قليلا، لن يطلق سراحها حتى يشبع منها!

دق جرس شقته ليهب بسرعة ويفتحه دون أن ينظر إلى الطارق...
- اه...
تأوه مروان بألم وهو يقع على الأرض جراء لكمة قوية، نظر مروان لتتسع عينيه وهو يري ابن عم مهرا، ابتسم ادم بشراسة واغلق الباب وقال: - اكيد كنت متوقع وش احلي من كده صح
- انت، انت بتعمل ايه هنا؟!
سأله مروان برعب ليرد هو. : - انا جاي اربيك يا مروان عشان تتعلم تهدد حد يخصني تاني!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة