قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الرابع والأربعون

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الرابع والأربعون

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الرابع والأربعون

كنت أسبقه بمسافة صغيرة عندما عدنا أدراجنا وفي كل مرة كنت التفت فيها نحوه أجده يلقي على نظرة متوعدة فأسرع في خطاي أكثر.
وصلت أخيراً حيث الأكواخ فشعرت بالراحة، جيد. لن يتمكن من فعل أي شيء الآن.
هذا ما كان يشغل تفكيري عندما لمحت بطرف عيني أوليفيا التي تجلس على أحد الكراسي الموجودة أمام كوخ عائلتها، لم تكن برفقة أي شخص وبدت شاردة الذهن لم تنتبه لوجودي.

عندما اقتربت خُطى كريس بدت وكأنها أفاقت من أفكارها ونظرت نحونا، بصراحة قررت تجاهل أمرها فلا طاقة لي لأحتمل ما ستقوله أو ما تخطط لفعله الآن لتستفزني، التفتُ قليلاً و القيتُ نظرة على كريس و الذي كان قد انتبه لها ثم عاود ينظر إلي.
سمعتها تنادي بإسمه وفي صوتها شيء من التردد، وقفت مبتعدة عن الكرسي خطوة واحدة. في الوقت الذي أدارني كريس نحوه وقبلني على غفلة مني يقربني إليه بقوة!

ارتجفت يداي بشدة مفكرة بدهشة عن فعلة هذا المجنون فجأة أمامها، وعن تجاهله لرغبتي تلك!
ما الذي.
كيف يكون عنيداً هكذا! ثم. ثم أوليفيا تحدق إلينا!
ما الذي يفكر به؟ هل أبعده عني؟ ولكن. قد تشعر هي بالسعادة لرؤيتي أدفعه بعيداً عني ومن يعلم ربما تستغل الأمر لصالحها! يا الهي. ماذا أفعل؟ كيف يجرؤ على إيقاعي بهذه الطريقة؟ كيف يضعني تحت هذا الضغط! لماذا هو بارع في استغلال كل شيء لصالحه دائماً؟

ظننت بأنني سأحافظ على خطتي حتى أجبره على الإستسلام ليعترف! ولكنه أفسد كل شيء. إنه يصنع مني فتاة كل ما تجيده هو البَرقلة هنا وهناك، فتاة تهدد وتتحدث ثم وكأن شيئاً لم يكن!

كنت مشتتة وفي الوقت آنه واثقة بطريقة ما بأن أوليفيا ستقترب نحونا لتحيل بيننا ولكن ما حدث هو ابتعاده عني ببطء لينظر إلى عن كثب، بادلته النظرات بتوعد محاولة الحفاظ على رباطة جأشي وقد ارتفعت يدي اسندها على ذراعه، هذا ما كان يحدث أمام أوليفيا ولكن ما أفعله في الخفاء هو الضغط على ذراعه بأظافري بقوة مفرغة نسبة ضئيلة من شعوري بالغضب، في حين كان هادئاً جدا حتى رسم ابتسامة صغيرة.

بل أنني رأيت أمارات من اللطف الذي جعل غضبي ينطفئ بكل سهولة، إنه يبتسم لي ابتسامة. جعلت ملامحي ترتخي بسرعة فيوجد وبوضوح إنعكاس مفاجئ من اللطف على محياه بل وتشجيع صريح وهو يقول بصوت خافت: هذا يكفي. دعينا نكون واضحان أمامها، لنبعدها عن مساحتنا الخاصة لأنني لن أطيق تدخلها أكثر.
اتسعت عيناي اللتان تسمرتا عليه بعدم استيعاب للحظة قبل أن أخفض ناظري قليلاً هامسة: ولكنك. تجاهلت رغبتي في.

قاطعني متأففا بتذمر: دعي هذا الأمر جانباً مؤقتاً.
أضاف وقد بدأت ابتسامته تحمل شيئاً من الضجر: الأمر لا شأن له بمحاولتي الإنتصار عليكِ وما شابه، ولكن لنعترف لبعضنا على الأقل أن لا أحد منا يريد للآخر أن يبتعد عنه أو يتجنبه. حسناً؟ على الأقل كلانا يشعر بشيء لا يوصف عندما نقبل بعضنا يا شارلوت. لماذا إذاً تحاولين تعقيد الأمر! ثم انظري إلى الأمر من جانب آخر. ملمع الشفاه خاصتك لم يذهب سُدى.

ها هو ذا الآن. يتعمد إحراجي ليخمد اللهب الذي يوشك على حرقه، أعترف بأن لكريس قدرة خارقة في الإستحواذ على خوالجي في ثوانِ معدودة وهذا ما يغضبني ويدفعني للرغبة في بناء سد عالي يحيل بيني وبينه وأهدمه وقتما أشاء.

وضع يده على وجنتي وعندما شعرت ببرودتها أيقنت أن الخجل دفع بكل الدماء نحو وجهي ليحرقها الخجل ويصبغها بحمرة الإرتباك وقد همست على مضض مبعدة يده: أكره هذا كثيراً. هذه اللعبة غير عادلة لأنك تستغلني في كل مرة.

أنا الآن متأزمة! فلقد تصرف أخيراً بوضوح أمام أوليفيا وفي المقابل أمسك برغبتي كما لو كانت مجرد ورقة قديمة يكورها ثم يركلها بقدمه إلى حاوية قمامة بعيدة. اللعنة أنا مجبرة على العودة إلى طبيعتي الآن وتجاهل إنزعاجي حتى لا أفسد الوضع أمامها.

أخفضت عيناي أنظر إلى الأرض وكأنني أغوص في بياض الثلج الذي تكاد رغباتي الداخلية تحرقه وتذيبه لتري هذا المخلوق الواقف أمامي قليلاً مما أشعر به وأجعله يدرك أنني لم أكن لأتخطى فعلته هذه أو أجاريه لو لم تكن هي هنا.
تنفست بعمق وبدى الشهيق وكأنه جرعة من قنينة تحمل أرقى وأنقى هواء في العالم كنت في حاجة ماسة إليه وقد زفرته ببطء ثم أومأت له بصمت دون أن أنظر إليه.

حينها أمسك بيدي يشبك أنامله بين أناملي يحثني على التحرك إلى جانبه لنتجه إلى كوخ السيد ماكس، نظرت من فوق كتفي إلى أوليفيا التي كانت لا تزال تقف وتلاحقنا بعينيها. وكما تفاجأت بالبريق المتضايق والمستاء بدلاً من الإنفعال أو الغضب!

غريب. ردة فعلها المتوقعة كانت تنحصر على صراخها على أو محاولة الإحالة بيننا بأي طريقة ولكنها بدلاً من ذلك ظلت تقف في مكانها! ما الذي يجول في خاطرها تحديداً؟ ليس وكأنني سأشعر بالإطمئنان لهدوئها وصمتها هذا.
لن أطمئن لردة فعلها المسالمة، بل أنها تبدو مثل ملكٍ وقع هُدنة مؤقتة يدرس فيها بجد وتركيز أفضل طريقة ليثأر فيها لنفسه!

رأيت بنفسي كيف تتصرف بجنون وبلا وعي فلماذا تقف الآن هكذا وكأنها عاجزة ومكتوفة الأيدي!
عندما غلفني الدفء من كل جهة استوعبت دخولنا إلى الكوخ وقد أغلق الباب خلفنا، بصراحة تجاهلت أمر كريس لأنني وأخيراً استطيع اظهار القليل من إنزعاجي منه.
انتزعت يدي من يده مزمجرة بإمتعاض شديد دون أن أنظر إليه: ابتعد عني وإياك وأن تلمسني لأنك إن فعلت هذا فسأنفجر في وجهك ولن يخمد غضبي شيئاً.

شعرت به يقف خلفي مباشرة وقال بتبرم: هل يستدعي الأمر كل هذا الإنزعاج؟

لم أجبه واكتفيت بوقوفي أنظر للكوخ أستمع إلى الهدوء والصمت المطبق في المكان عدى من صوت ما تبقى من الحطب الموجود في المدفأة، أجفلت قليلاً عندما أسند ذقنه على كتفي وطوقني بيديه يقربني ليلتصق ظهري بصدره! وبالرغم من تسارع خفقات قلبي بجنون ابعدت نفسي عنه في اللحظة إلى كادت وجنتي تلامس وجنته وقد تظاهرت بالبرود ولم أكلف نفسي عناء الإلتفات نحوه.

أنا بحاجة إلى ضبط الذات الآن، أولا هو يدرك جيداً نقطة ضعفي. ثانياً أنا مستاءة لغدره بي وتجاهل رغبتي في وضع مسافة بيني وبينه حتى يعترف لي، هو يعلم جيداً كم أشعر بالإحراج لتصرفاته اللطيفة فجأة بل ولديه حاسة شم قوية تمكنه من التقاط أي رائحة للتوتر والإضطراب. سحقاً لكريس لا يدري كم أرغب في لكمه بقوة! على أن أفهم الآن أن التعامل معه أشبه في خوض حرب نفسية صامتة بين مجرم ومحقق يحاول رفع الستار ليكشف الوضع و الحالة النفسية لهذا المجرم. نعم. وصلت إلى هذه المرحلة بالفعل!

سمعته يصدر صوتاً كابتسامة ساخرة يجوبها نفاذ صبر وبدى وكأنه سيقول شيئاً كما كنت مستعدة لأخلع ثوب الوقار والهدوء الذي أدّعيه الآن منتظرة أي فرصة ولكن الباب على يميننا قد فُتح لتخرج منه كلوديا وهي تمرر يدها في شعرها وفي يدها الأخرى تمسك هاتفها وقد ارتكزت عينيها على الشاشة حتى انتبهت لوجودنا، ارتفع حاجبيها ونظرت إلينا باستغراب حتى عاودت تتحرك متقدمة نحونا و تساءلت: أنتما هنا. لماذا استيقظتما مبكراً؟

رفعت كتفاي: كنت عاجزة عن العودة إلى النوم فخرجت لأتمشى قليلاً.
أومأت بتفهم ثم وضعت يدها على ثغرها وأغمضت عينيها تتثاءب بكسل: من الجيد انك مستيقظ يا كريس، لأن إيقاظك سيتطلب دخول الجميع تقريبا إلى غرفتك.
رمقها بنصف عين: توقفي عن المبالغة، بالمناسبة يا عمتي عليكِ تذكير ماكس بالتحدث مع جوزيف ليأخذ ابنته إلى منزلها لأنني لن أفوت أي فعل قد يبذر منها اليوم.

وضعت يدها على خصرها متذمرة: ولما لا تذكره أنت بنفسك؟ ثم انه قال بالأمس بأنه ينتظر فرصة مناسبة ليفتح الموضوع معه، سنتناول طعامنا في المطعم وبعدها سيتحدث ماكس معه فهو ليس مثل شخص ما لا يمانع التفوه بكلمات جارحة فجأة.
رفع يده مشيرا بلا اكتراث: لا تنكري أنكِ لا تمانعين فعل هذا معهم أيضاً.
نظرت إلى السقف مفكرة قبل ان تقول مستسلمة بصوت أجش: حسناً إنهم حالة استثنائية.

ثم اقتربت منا أكثر لتقف أمامنا مباشرة وقالت بجدية: ولكنني بدأت أشعر الآن بالراحة النفسية كلما تذكرت أنها قد تعود إلى منزلها اليوم، هذا امر يستحق عناء الصبر.
عندما أنهت جملتها وتلاقيت عينيها بعيناي ثم بعينا كريس ظلت تحدق إلى كلانا بصمت فجأة ولم تقل شيئاً حتى ظهرت تقطيبة صغيرة جداً بين حاجبيها وقالت هامسة وهي تستدير بسرعة: سأذهب لأستحم.

عقدت حاجباي باستغراب أراقبها وهي تبتعد وتدخل الغرفة وكذلك شعرت به يبدو مستنكراً للأمر قليلاً.!
مرت لحظات ونحن نقف دون أن يتحدث أحدنا حتى تحرك بدوره أخيراً وبادر ليتجه إلى الدرج فتبعته ولكننا سرعان ما توقفنا لصوت جوش: صباح الخير.
التفتنا في الوقت آنه وقد تراجعت بخطى قليلة مبتعدة عن الدرج مبتسمة بهدوء: صباح الخير سيد جوش.

بادلني الإبتسامة والنعاس يتربع على وجهه مقترباً بخطى متثاقلة: يفاجئني أنكما أول من استيقظ!
ثم نظر إلى كريس وقال بلا حيلة قد حصدتها من عينيه اللتان طرف بهما ببطء وصوته الذي انخفضت نبرته قليلاً: أعلم أن هذا سيزعجك يا كريس ولكن وردني اتصال قبل قليل فقط، يوجد أمر عليك إنهاؤه اليوم بشأن النظر إلى أحد البنود في أحد أقسام الشركة بشأن تطوير الخطة الجديدة، ذلك أن فابيان بحاجة إلى مراجعة الكثير من الأمور.

علقت باستغراب: هل تعملون حتى في إجازتكم سيد جوش؟
اقترب مبتسماً وهو يشير بيده مستسلماً: وماذا عسانا نفعل؟ ماكس ووالده السيد إفليك نجحوا في منح الموظفين إمتيازات كثيرة وعلى رأسها حرية إتخاذ القرارات السليمة والمدروسة ولكن لا يزال عليهم العودة إلينا للحصول على الموافقة. وهذه الموافقة تحتاج إلى التأني والتمهل. توقعي أن يعمل أحدنا في أي وقت ومكان.

سمعت كريس يتنهد: لا أتذكر أين وضعت الحاسوب المحمول. سأذهب للبحث عنه.
ثم أضاف: إنها السادسة والنصف. أظنني قادر على الإنتهاء قبل السابعة، نصف ساعة ستكون كافية.
أومأ جوش وقد وقف أمامنا مبتسماً ومشجعاً فقلت: حسناً إذاً، سأصعد لإيقاظ جيمي.
أشار جوش برأسه: أيقظي ستيف في طريقك إذاً، سيتعكر مزاجه كثيراً لو قامت السيدة أولين بإيقاظه فهي سريعة الغضب.

عندما انهى جملته بدى وكأنه يواجه صعوبة في أن يحيل بنظره بعيداً عن كريس! نظر إليه ثم إلي. ثم عاود ينظر إليه مجدداً وقال متراجعاً بهدوء: على أن. أستحم.
ابتعد متجهاً للغرفة فتمتم كريس على مضض: سيذهب هو أيضاً ليستحم. ما خطبهما!
تعمدت ألا أنظر إليه متجاهلة إياه وقد صعدت الدرج، حتى عندما استوقفني منادياً إياي لم أعره أدنى إهتمام وقد أكملت طريقي.

استشعرت شرارة إنزعاج صدرت من عينيه وأيقنت أنه يلاحقني بنظراته، شعرت بشيء صغير من نخوة الإنتصار بالرغم من أنها لم تشفى غليلي بعد.
نظرت إلى الباب على يميني والباب الآخر متسائلة ما إن كان هذا أو ذاك هو باب غرفة جيمي، في النهاية دخلت الغرفة الأولى وفتحت الباب ببطء.

نعم. يوجد بها سريران إنها لجيمي وكريس، دخلت مبتسمة أنظر إلى جسده الصغير المستقر على السرير متكوراً تحت الغطاء، اقتربت لأفتح الستائر وأضيّف أشعة الشمس سامحة لها بالدخول.
جلست بجانبه على السرير وبدأت أخوض أصعب مرحلة على الإطلاق.
إيقاظ جيمي أو حتى كريس أشبه بمحاولة إيقاظ شخص قد تم تخديره للتو فقط!

أعتقد أن خمسة دقائق قد مرت وأنا أحاول جاهدة حتى بدأت أزعجه وأدغدغه ليبدأ بالتحرك وهو يشد الغطاء عليه وقد تناثر شعره العسلي على وجهه الصغير، شردت عيناي في ملامحه اللطيفة قبل ان ابتسم بلا شعور وامرر يدي على رأسه ووجنته: هيا استيقظ وإلا ذهب الجميع إلى المطعم وتركوك وحيداً. هيا يا جيمي!
قطب حاجبيه وهو لا يزال يغمض عينيه فعاودت أدغدغه فابتسم ابتسامة منزعجة وقد بدأ يفتح عينيه فتنفست الصعداء: وأخيراً!

بعدها استعاد نشاطه وقد ساعدته على الذهاب إلى الحمام ليغسل وجهه ويفرش أسنانه، كما أخرجت من خزانته ملابساً ملائمة، كنت أجلس على السرير بينما يقف أمامي وأنا أساعده على إرتداء ملابسه، كنزة صوفية بنية اللون وفوقها معطف أبيض طويل بعض الشيء، ابتسمت بمكر: أنظر إليك. أنت الآن تبدو كرجل قزم و وسيم هاه؟
نظر إلى مظهره مقيماً ثم ابتسم متسائلاً: أمي. هل ستعجب ملابسي بريتني؟

أومأت بثقة: بلا شك! ولكن عليك أن تحذر من نزع قفازاتك وقبعتك. هذا سيجعل إطلالتك أفضل!
بدى سعيداً بذلك فشعرت بالراحة أخيراً! لن أكون مضطرة لألبسه القفازات التي يخلعها في كل حين. جيد.
حيلة لئيمة ولكنها لمصلحته.
هل سنخرج لتناول الفطور؟
علي الأغلب الجميع قد استيقظ الآن لذا نعم أظننا سنخرج بعد قليل ونتناول فطورنا معاً.

أمسكت بيده لنخرج من الغرفة في اللحظة التي فُتح فيها الباب المجاور، لم يكن سوى ستيف الذي فتحه بنصف عين وشعره مبعثر والمصيبة أنه يرتدي ملابسه ويبدو متأهباً!
اتسعت عيناي بإرتياب متسائلة بحذر: هل تتحرك أثناء نومك؟
بدى وكأنه بالكاد قد نظر إلى ليجيب ببطء: لقد ارتديت ملابسي قبل أن أنام في الأمس حتى أكون جاهزاً في حالة دخول السيدة أولين إلى الغرفة.
بربك!

ثم ضحكت رغماً عني بعدم تصديق: لا يمكنني تصديقك يا ستيف! ثم كيف تكون متأهباً هكذا؟ ألم تنظر إلى شعرك أو وجهك الذي يبدو وكأنه قد تمت سرقته من شخص يغط في غيبوبة منذ عشر سنوات!
مرر يده على وجهه قبل أن يستدير ليدخل الغرفة مجدداً تاركاً الباب مفتوح، فأيقنت أنه سيرتب شعره على الأقل.
يا الهي. من الصعب إستيعاب تفكيره حقاً! نفيت برأسي بلا حيلة مبتسمة وقد انتابتني ضحكة مجدداً.

نزلت مع جيمي أمسك بيده، عندما وصلنا إلى نهاية الدرج رأيت السيد ماكس الذي يقف ممسكاً بكوب من الشراب الساخن خمنت أنه شاي وما شابه، كان يشربه وكأنه على عجلة وعندما انتبه لنا أسرع يقول مبتسماً: صباح الخير.
اقترب منه جيمي فوراً بحماس: صباح الخير جدي، أنا مستعد، هل سنذهب الآن؟
ترك كوب الشاي على الطاولة التي تنتصف الأرائك وقد انحنى مداعبا شعر جيمي يحدثه بحماس مماثل: هل أنت أيضاً مفعم بالحيوية؟

أومأ فوراً فأضاف: سنخرج بعد قليل ريثما ينتهي والدك من مهمة ما فقط، وبعدها سنتناول فطورنا في المطعم، الست تشعر بالجوع؟
نعم!
إن كان قد ذهب لينجز مهمة سريعة بشأن العمل فأين هو على أي حال؟!
اقتربت لأقف أمامهما وقد قلت بمكر: ها أنت ذا سيد ماكس. أتصدقني لو قلت أنك تبدو اليوم شاباً يافعاً في بداية العشرون من عمره؟
ارتفع حاجبيه وهو يقف مستقيماً ثم سرعان ما ضحك بخفوت ونفي بلطف: من الصعب تصديق إطراء كهذا.

هيا لا داعي للخجل! أراهن على أنك لم تستيقظ للتو حتى. وجهك يبدو أسيراً لحماسك أنت أيضاً!

تنهد مغمضاً عينيه قبل أن ينظر إلى بعين داكنة تلمع بالراحة: هو ليس حماس بقدر شعوري بالراحة والسرور، إنها الحقيقة. ربما مجرد أمر بسيط قد بذر من كريس قد غير مزاجي تماماً، أتعلمين يا شارلوت. أظنني الآن قادر على أن أعترف بأنني أصبحت شخص قنوع يكره أن يمد يده على أمور من الصعب أن تكون في متناوله. ينتابني شعور الآن بأنني سأُمنح فرصة أن أكون أباً أخيراً. ربما كل ما على فعله هو التأني والصبر فقط.

أمر قد بذر من كريس وجعله يبدو سعيداً هكذا!
ما الذي فعله؟!
ثم كيف يكون للسيد ماكس بريق مميز في عينيه هكذا يجعلني أقف وأحدق إليه لأشعر بالراحة دون سبب محدد! ربما الراحة التي تنتابه قد سببت لي العدوى أيضاً! جدياً. قد تكون هذه مرتي الأولى التي أعي فيها ما يعنيه أن تبتسم الأعين قبل أن تشق طريقها نحو الثغر!
ارتخت ملامحي كثيراً متسائلة: ما الذي فعله كريس سيد ماكس؟

نظر إلى السقف يبتسم بهدوء قبل أن يعاود النظر إلى مجيباً: سأبدو سخيفاً في نظرك ومثيراً للشفقة ولكن حتى هذا يمكنني تقبله الآن لأنني. بالفعل مثير للشفقة لمجرد شعوري بالسرور لإلقائه على تحية الصباح. شارلوت أنا لا أتذكر أخر مرة قام بتحيتي فيها صباحاً أو مساءاً. ولكنني واثق أن تحيته اليوم تغنيني عن كل الأعوام الفائتة وإن لم يكن يبتسم لي. ولكنه بادر من تلقاء نفسي ما أن رآني أقف هنا. أنا حتى لم أنتبه لوجوده حتى سمعت صوته يلقي التحية وخرج فوراً. من الصعب وصف هذا ولكن. وكأنني رجل قد نسي يوم ميلاده ليأتي من يحتفل فيه فجأة ويذكره بكونه لا يزال على قيد الحياة!

زميت شفتاي بقوة محاولة منعها من الإرتجاف، بل وأبعدت ناظري عنه فوراً عندما شعرت بأن جيوش سريعة تتجه نحو مسلك عيناي! أكاد أبكي. كيف لا وهو يبدو بشكل مفاجئ طفل سعيد رأى الشهب تسقط محققة أبسط أمانيه؟!

ابتسمت وأنا لا أزال أنظر بعيداً حتى تحدثت بصوت مرتجف محاولة أن أبدو مرحة أمامه: أنا من تبدو الآن مثيرة للسخرية اليس كذلك؟ سيد ماكس. كريس حقاً يصبح أفضل فأفضل كل يوم. إنه عنيد ومتحجر الرأس ولكنه في الحقيقة مجرد.

ضحكت بخفوت عندما ذرفت الدموع وأنا أكمل مستهزئة: إنه يتصرف ببغاضة ليخفي الجانب الخجل منه وحسب، ألتمس هذا مؤخراً وأشعر بأنه يحاول جاهداً بطريقته السخيفة. الأمر لا يقتصر على إستعادته لوعيه بشأن علاقته بابنه ولكنه أدرك أخيراً أنه تمادى معك أيضاً.

أومأ وهو يستنشق الهواء بعمق شديد ثم نظر لجيمي الذي يحدق إلينا بإستغراب حتى عاود يوجه إهتمامه إلى هامساً: وعدته في الأمس أنني سأتحدث في موضوع ما، أريد أن أجيب على السؤال الذي لطالما راوده. ولكنني بحاجة إلى أن تكوني متواجدة أيضاً، يوجد ما أريد قوله.
في النهاية طلب مني أن أسبقه لأجلس مع كريس وسيوافينا بعد قليل، كان قد رافق جيمي للحظات وخمنت أنه سيأخذه بنفسه حيث السيدة أولين أو آنا.

أخبرني أنني سأجد كريس في الكوخ الأخير، كنت أقف أمام الباب بتردد متسائلة في نفسي عن الطريقة الأنسب للتعامل معه الآن! هل أتصرف على سجيتي واريه حقيقة أنني لا زلت منزعجة منه؟ أو أتجاهل الأمر!
نظرت من حولي وتحديداً حيث كانت تجلس أوليفيا أمام كوخ عائلتها قبل لحظات، يا ترى هل تقبلت الأمر؟ هل رفعت راية الإستسلام؟

هي لم تتدخل ولم تتصرف بشراسة، لقد كسرت كل توقعاتي وهذا ما جعلني مشتتة أواجه صعوبة في استيعاب هدوئها.
نفيت برأسي متجاهلة زحام هذه الأفكار في رأسي، فتحت خزانة أقنعتي وانتقيت قناع البرود لأرتديه وأدخل الكوخ بعد ان طرقت الباب، مشيت بثقة وقد رأيته يجلس على الأريكة واضعاً الحاسوب على الطاولة أمامه ويبدو منهمكاً بما يقوم به، القى على نظرة سريعة ثم نظر للحاسوب.

تحركت أرفع رأسي بلا اكتراث وتقدمت نحوه لأجلس على الأريكة المجاورة له تماماً دون أن أقول كلمة، القى على نظرة مستنكرة وتمعن التحديق إلى قبل أن ينفي برأسه بسخرية ولم يعلق.
لويت شفي بقوة منزعجة من حركته تلك ومع ذلك حافظت على قناعي بجهد بالغ، وضعت قدما على الأخرى منتظرة مجيء السيد ماكس الذي سيتحدث في أمر مهم قبل أن نذهب إلى المطعم.
ماذا هناك؟

سألني وهو يبدو غير قادر على أن يحيل بعينيه عن الشاشة فتجاهلته ولم أجبه.
عندما طال انتظاره زفر بشيء من الإستخفاف ورمقني بطرف عينه متمتماً: تلعبين دور المنزعجة والغامضة هاه؟
تكتفت متعمدة ألا أنظر نحوه أو أخاطبه فعاد يوجه إهتمامه إلى الحاسوب لأسمع صوت ضرب أنامله على لوح الكتابة وما هي إلا لحظات حتى بدى وكأنه أنهى ما يفعله وترك الحاسوب بل ووقف بتبرم متجهاً إلي!

وقف أمامي مباشرة فرفعت رأسي أرمقه ببرود ظاهري ولم أكد أفعل حتى تفاجأت به ينحني نحوي يسند يديه بجانبي على الأريكة فتراجعت للوراء مجفلة وغصت في الأريكة بل وأكدت أخترقها!
زمجرت بشراسة بالرغم من تلعثمي: ماذا تريد؟!
قلتها أعقد حاجباي بإقتضاب دون أن أنظر إليه مباشرة فرفع يده اليمنى يدير وجهي نحوه ليجبرني على النظر إليه.
هاه. ما هذا؟!

طرفت بعيني ببلاهة أحدق إليه بتمعن في حين قال بملل: لا تتصرفي كقطة مدللة غضبت من صاحبها الذي غاب عنها وتركها دون طعام!
تجاهلت قوله هامسة بتوتر شديد: اللعنة لا تخبرني أن هذا هو سبب ارتباك عمتك وزوجها!
عقد حاجبيه بعدم فهم فأغمضت عيناي بقوة وقد تمكن مني الإحراج الشديد والذي جعلني اعتدل في جلستي فوراً ليبتعد هو بدوره ببطء: ما الأمر؟
نفيت برأسي بلا حيلة وصحت به بإنزعاج: سحقاً لجسارتك أنت تحرجني يا كريس!

ماذا الآن؟!
يا الهي. لا عجب أنهما كانا يتصرفان بتلك الطريقة، احكمت قبضتي بإنزعاج محاولة السيطرة على الإرتباك الذي يسيطر على وقد رفعت يدي بسرعة أمسح الأثر الموجود على جانب شفته من لامع الشفاه الزهري خاصتي.!

بدى وكأنه فهم الأمر وقد ابتسم فأبعدت يدي بسرعة ودفعته لأبعده عن طريقي وتحركت لأقف بجانب المدفأة بعيداً عنه واضعة يداي في جيب معطي وأهز قدمي أتنفس بسرعة. كيف لا أتوتر أو أخجل وقد كان اثر الملمع واضحاً! تصرفت بجفاء نحوه وهذا ما دفعني لتجاوز النظر إليه ولو لم أفعل هذا لما أوقعت نفسي في هذا الموقف المحرج الآن! هل أنتِ راضية عن نفسك يا شارلوت؟

لمحت ابتسامته التي اتسعت قليلاً حتى ضحك بخفوت فصحت به بغضب: ما المضحك! عليك أن تخجل من نفسك، أنت تتصرف بوقاحة وأنا من تدفع الثمن اليس كذلك؟
رفع كتفيه بلا اكتراث ثم رفع يده يمسح ما تبقى من أثر وأجاب: على رسلك لا داعي لكل هذا الغضب، ثم هذا ما تنالينه يا شارلوت عندما تبالغين في ردود أفعالك! كل ما أحاول فعله هو أن أشجعك على أن نتصرف كأي زوجين في العالم ولكنك ت.

قاطعته أهز رأسي بتهكم: آه نعم. أنت محق، أنا ابالغ في ردة فعلي كما قلت، صحيح. لا يوجد زوجة قد تغضب أو تنزعج من اعتراض زوجها على ان يعترف لها بكلمة صغيرة وبسيطة ليعطيها الأمان، من تلك السخيفة الخَطلة التي ستغضب من أمر مماثل؟! بالطبع لا أحد فهذا أمر طبيعي! أنا فقط أبالغ وليس من حقي أن أطلب أمراً مماثلاً. اعذرني على صغر عقلي وعلى كوني مِهذارة، ربما سأذهب إلى إحدى الندوات التي ستساعدني على كيفية التصرف كزوجة رائعة. وبالطبع أحد أهم مميزات الزوجة المثالية هو أن لا تغضب وتكون تافهة عندما لا يعترف لها زوجها بأنه يبادلها مشاعرها!

أردفت بحزم: والآن توقف عن الحديث معي. لا تخاطبني ولا تنظر إلى ولا تفكر في الإقتراب مني حتى، لأنك لو فعلت هذا فمستودع القنابل الذي أحاول السيطرة عليه سينفجر في وجهك ولن يخمد ناره أي شيء.
قلّب عينيه بنفاذ صبر: أنا أعلم أن هذا الحوار لن ينتهي. الجدال معكِ يتضمن نسبة كبيرة من الخيال الواسع وبعض من العاطفة المبالغ بها إضافة إلى البَرقلة المعتادة.

أعتذر على إزعاجك ولكن يمكنك أن تعتبر حوارنا منهياً منذ هذه اللحظة. لن أطلب منك أي شيء بعد الآن، لا أريد منك أي شيء يا كريس. ولكن توقف عن مجادلتي الآن لأنني سأتحول إلى ثور لا يرى سوى اللون الأحمر بعد دقيقة واحدة فقط!

بعدها أغمضت عيناي بحزم لأنهي كلماتي هذه ولم أسمع منه تعليقاً، عاودت أفتحهما ببطء لأراه ينظر إلى بهدوء ثم تحرك ليجلس على الأريكة مجدداً دون أن يقول شيئاً، بالطبع لن يفعل فأنا لست أمازحه!
أنا على وشك أن أشعل فتيل لقنبلة موقوتة لأن لا امرأة غيري ستحتمل هذا الوضع أكثر. أنا أغض النظر عن كل تصرفاته ولكنني أتألم لرؤيته يستغل مشاعري وضعفي تجاه كلماته. صوته وتحركاته! كيف لا أشعر بالإنزعاج والأسى لهذا!

كنت لا أزال واقفة في مكاني بجانب المدفأة حتى طُرق الباب أخيراً ليدخل السيد ماكس، القى علينا نظرة وهو يغلق الباب وقد تقدم بخطى سريعة بعض الشيء وهو يوحوح بيده ثم ابتسم بهدوء: هل انتظرتماني طويلاً؟
نفيت بسرعة بينما قال كريس: من قال بأنني كنت أنتظرك؟

تأففت بنفاذ صبر وأنا أرسل إليه شرارات التحذير لئلا يتمادى مع والده، ثم اقتربت نحو السيد ماكس الذي ينظر إلى كريس ليقول بإستيعاب: صحيح لم أخبرك أن تنتظرني، ولكنني أخبرتك في الأمس بأنه لدينا ما نتحدث بشأنه. هل أنهيت ما كنت تقوم به؟
طرف كريس بعينه ينظر للأرض قليلاً قبل أن يومئ برأسه بصمت.

جلس السيد ماكس على الأريكة المواجهة للتي يجلس عليها الآخر، وقد أشار لي أن أجلس بجانب كريس فقلت أشيح بوجهي ممتعضة: لا أريد.
ارتفع حاجبا ماكس وهو ينظر إلى باستغراب ثم إلى كريس الذي تمتم وهو ينظر للشاشة: الأمر لا يستدعي على هذا الغضب. ضعي ملمع شفاه شفاف في المرة القادمة وستتفادين أي إحراج.

فغرت فاهي بذهول بينما اتسعت عينا ماكس للحظة وقد بدى بأنه استوعب بسرعة مغزى كلمات هذا الوغد فعضيت على شفتي بقوة وقلت بغضب: من قال بأن هذا ما يغضبني أصلاً!
هدأني ماكس بسرعة وهو يقف مشيرا بيديه: حسنا يا شارلوت تجاوزي ما يرمي إليه واجلسي إلى جانبي أنا. هيا أسرعي!

نظرت إليه والغضب لا يزال يغلفني من كل جهة وتحركت نحوه وقد شعرت حينها أنني تنين هائج سيحرق كل ما حوله! يمكنني سماع صوت خطواتي التي بدت لمخلوق تحرر من لعنته التي أسرته لآلاف السنين ولا سيما عندما رفع عينيه العسليتان بمكر عن الشاشة وراقبني حتى جلست بجانب ماكس. كنت قد جلست على الأريكة بقوة مفرغة طاقتي واحتضنت الوسادة أشدها إلى قائلة بإنزعاج: تذكر بأنني قلت لك ألا تتحدث معي. لا تخاطبني لا أريد سماع أي كلمة موجهة لي أنا.

أشار بيده بلا اكتراث فأسرع ماكس يبتسم بتوتر: لن ينتهي هذا الجدال على ما يبدو، ما رأيكِ بتأجيله يا شارلوت؟ هيا لنتحدث في موضوعنا حتى لا نؤخر الجميع عن تناول الفطور...
أومأت وقد بدأت أتجاهل كتلة الإستفزاز الحية الجالسة مقابلي، كان قد أخفض شاشة الحاسوب قليلاً وأراح ظهره على الأريكة وقد ثنى قدمه اليمنى تحته وتنهد مترقباً، نظر ماكس نحوي بهدوء وكذلك بادلته النظرات حتى نظر إلى كريس.

عم الصمت المكان ولم يكن يحييه سوى النظرات المتبادلة بيننا جميعنا حتى ارتفع حاجباي وقلت بشيء من التوجس: سيد ماكس؟
أسرع يومئ برأسه مبتسماً: كنت فقط أرتب أفكاري.
اقتربت منه قليلا وقلت مشجعة: نحن نصغي إليك.

أعلم. ولهذا لا أنكر أنني بدأت أتردد قليلاً، ولكن. لا يجب أن أسمح لهذا التردد أن يغلبني لأنه حان الوقت لأكون صريحاً، أتذكر يا كريس عندما اخبرتك في المشفى أنني سأبوح لك بسبب إصراري على البقاء مع والدتك؟ ألم تكن تفكر دائماً أن عذابك سينتهي لو ابعدتك عنها؟ أنا أعلم جيداً أنك لطالما تساءلت لماذا لم أتصرف إن كان الحل بيدي.

أبعد عينيه العسليتان ينظر إلى المدفأة متمتما ببرود: وإن تساءلت؟ هل حان الوقت لتجيبني؟ ألا تعتقد أنك تأخرت كثيراً يا ماكس؟
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبا والده فخفق قلبي بقوة وتسارع، ولا سيما عندما أخفض ناظريه قليلاً وتنهد بعمق شديد: قبل أن نكمل هذا الحديث. هل ستستمر بمناداتي بإسمي؟
أضاف ممازحاً بنبرة منخفضة مرتجفة: ناديتني بأبي قبل بضعة أيام ألا يمكنك تكرارها مجاملة؟

تكتف كريس ورمقني بنظرة سريعة وكم أدهشتني الرسالة الواضحة والصريحة في عيناه! رسالته قد وصلتني وبدى وكأنه يقول لي. تصرفي!
أ. أتصرف؟! ولكن. كيف!
أنا أعلم بأنه لو استمر على هذا الحال سيلقي على والده كلمات جارحة لأنه مجرد أحمق متهور لا يعرف أي كلمة عليه انتقائها، كيف ينبغي على مساعدته!

حينها وجدت نفسي أقول واضعة يدي على كتف ماكس هامسة له بلطف وبنبرة لا يسمعها سوانا: سيد ماكس. الكلام الذي يُقال دون شعور منا يترجم رغباتنا الحقيقية اليس كذلك؟ انصت إلى أنا وصدقني. هو يحاول جاهداً أنا واثقة من ذلك ولكنه فقط يحتاج إلى أن تصبر قليلاً بعد. لقد ناداك ب أبي دون قصد ولكنني أراهن على أن هذا ما يجعله مستعداً لقولها يوماً ما. قريباً جداً.

زم شفتيه وأغمض عينيه قليلاً ثم بدى وكأنه تجاهل رغبة مكبوتة في داخله وطمسها بقوة حتى فتح عينيه وقال برزانة: أتذكر عندما قلت بأنه علينا وضع النقاط على الحروف؟ كنت ولا زلت أخشى ألا تعذرني يا بني. أخشى أن تكون أسبابي بنظرك مجرد هراء وسخف لا يمكنك تقبله. حينها. ربما لن يكون هناك أمل لي أتمسك به بعد الآن لنصبح كأي أب وابنه نتصرف بطريقة طبيعية. أنا حقاً لا أطلب منك أي شيء. عدى أن تشعرني ولو لمرة أنني الرجل الذي يتمنى وبكل سرور أن الشاب البالغ من العمر سبعة وعشرون عاماً هو ابنه الذي سيمنحه رغبة التوغل في العلاقة الأبوية. كريس. ألا تعتقد أنني انتظرتك طويلاً!

ازدردت ريقي معتدلة في جلستي بينما نظر الأخر إليه بهدوء: انتظرتني أعوام معدودة يا ماكس. سبعة وعشرون قد تساوي نصف عمرك تقريباً. الأعوام التي قضيتها قبلها كانت حياة وردية لا تنتظر فيها شيئاً. ماذا عني أنا؟ أنا من قضيتها كلها في جحيم أمي الذي عانيته بسببك!

ابتسم ماكس بحزن جعلني أرغب في التهوين عليه قليلاً، بل وبابتسامته هذه رأيت لمعة للخيبة في عينيه البندقيتان وهو يتأمله بشرود حتى أومأ: نعم. لن يختلف أي إثنان على أنني السبب في هذا. ولكنني.

بدى متردداً قليلاً وقد رطب شفتيه بلسانه نافياً: أريدك الآن أن تمحي جزءاً من ذاكرتك وإن كان هذا مستحيلاً مؤقتا فقط لتتخيل نفسك مكاني. بعدها أخبرني وبكل صراحة ما إن كان عذري مقنعا. وإن لم يكن كذلك فأنا أعترف بأنني سأفقد آخر أمل لي لتصحيح مسار هذه العلاقة.

عندما تغيرت نبرته في كلماته الأخيرة أسرعت أضع يدي على يده، بل وأمسكت بيده اليسرى بكلتا يداي مواسية فشعرت به يشد على يدي بقوة وكأنه يرجو أن يستمد طاقة تعينه على التحدث، ظل كريس ينظر إليه بهدوء ثم أبعد ناظريه قليلاً ليقول: سواء كان عذرك مقنعا أو لا. النقطة الأهم في حياتي سأقولها وبكل وقاحة. أنا ممتن لإنتحار أمي ولست متألما حقاً لهذه النقطة. لا يوجد أمر أهم قد اتمنى التخلص منه أو التصرف بشأنه عدى علاقتي بجيمي حالياً. أنا حقاً أرغب في التقرب إليه ومشغول فكري بأمره، لذا لا تجعل الأمر يبدو وكأنني سأعاديك أو أخوض معك حرباً لأنني لم تعد لي طاقة تكفيني، مررت بالكثير ولا أريد أن أعقد المنعطفات التي قد أسلكها أكثر.

هذا الطفل الغير ناضج. هل كان عليه اللجوء لكل هذه الكلمات ليحوّر ما يحاول قوله حقاً! أي فشل ذريع هذا في التعبير عن المشاعر تحديداً؟
نظر ماكس إلى كلتا يداي اللتان تمسكان بيده وابتسم براحة وهو يطرف ببطء: أنا أيضاً لا يوجد ما أقلق بشأنه كما كنت أفعل دائماً. زواجك من شارلوت واستيعابك لسوء علاقتك بابنك أمران كافيان تماماً و لن أطمع للمزيد.

أضاف ينظر إلى كريس: عذري سيشمل نقطتان فقط. عليك أن تفهم جيداً أنني لطالما حاولت حمايتك يا بني، لطالما كنت قلقاً بشأنك وبدوت كالمغيب عن الوعي والغير مرتاح البال الذي ينحصر كل تفكيره على راحة ابنه الوحيد. منذ اللحظة الأولى. ومنذ أن كنت لا تزال طفل رضيع ظن أنه وبخروجه من رحم والدته سيحصل منها على الحنان الذي يستحقه قد كنتُ لا أزال أبني خططاً تقتصر على حمايتك بكل ما بوسعي.

أعقب يخفض نظراته للأرض: صحيح بأن الحماية التي حاولت توفيرها لك لم تكن كافية ولكن. كل شيء كان ضدي! إياك وان تعتقد يا كريس أنني فضلت أن أعيش الحب الذي كنت أكنه لوالدتك عليك أنت! إياك أن تفكر بأنني تخليت عن راحتك مقابل أن أحافظ على علاقتي بها! منذ أن كنت رضيعاً وأنا أحاول إبعادها عنك. حاولت وكل شيء أحال عني رغبتي هذه. بدءاً من عائلتها وانتهاءً بك أنت.

عقد كريس حاجبيه بإستنكار ووجه إهتمامه له جيداً ليستطرد السيد ماكس وقد رفع رأسه نحوه: عندما رأيت جنون والدتك بعد أن أنجبتك وأفكارها الغريبة بشأنك وعن كونك لست ابنها وسوء حالتها حسمت امري وقررت أن أنفصل عنها لسبب واحد فقط. لأخذك بعيداً عن متناول يديها. أردت أن أحمي طفلي الذي لا ذنب له، أردت أن أحتوي طفلي وأشعره بالأمان والقوة ولكن. اشترطت عائلتها على أن تقبل انفصالنا مقابل أن يبقوك معهم! أرادو انتزاعك مني يا كريس ولم أكن لأتخيل أن تبقى بعيداً عن عيناي لتأخذ معك عقلي وقلبي وتصيبني بالجنون! أوضحت لهم تصرفاتها ولكنني كنت ولا زلت مكروهاً في أعينهم بعد ما حدث في حفل الزفاف. لست بحاجة لأوضح لك الكم الهائل من الحقد نحوي بسبب ما ارتكبته في ذلك الحفل. كما أعلم أنني سأظل مكروها منهم! صدقني يا كريس. خضت معهم حرباً بينما لا تزال أنت رضيعا تتساءل عن حقيقة العالم الذي خرجتَ له! حتى أنني طلبت من ستيفاني ومارك العناية بك مع أبنائهم عندما كبرتَ قليلاً لأكون مرتاح البال ولكنك تعلم جيداً أن والدتك حاولت الإنتحار لهذا الشأن تحديداً!

أخذ نفساً وهو يكمل بنبرة اتضح فيها شيء من الإنزعاج أو القهر: لقد كنتُ الملام في سوء حالة باتريشيا النفسية مما جعلني مذنبا في أعينهم وكذلك في الطريق المعاكس للقانون. القانون لن يسمح لي بالعناية بك عندما توضح لهم عائلتها انني السبب في كل هذا. ما الحل إذاً؟ تركك والتخلي عنك لتذهب معهم أو. أجبرك على أن تحتمل ما مررت به مقابل أن تبقى إلى جانبي وأراقبك عن كثب! نعم. اخترت الخيار الثاني وأنا أعلم أنني أرتكب خطاً آخر ولكنني كنت مخيراً بين أمران كل منهما أمّر من الآخر. وياللمصيبة. عندما رأيت ما تفعله بك بعد أن كبرت قليلاً وسمعت ما تخوضه من أولين أدركت أنني خسرت فرصة أخرى أخرجك فيها من سجنك. لماذا؟ لأنني حاولت مجدداً إقناع عائلتها بضرورة إنفصالنا وتجاهل أمر ذلك الزفاف الذي يكنون لي الحقد بسببه لأن الوضع أصبح جدياً وخطراً أكثر. ، احزر ماذا؟ حدث أمران ألجماني وأدخلاني في دوامة سوداء عجزت عن الخروج منها. أولاً هو سحب الكثير من المساهمين في شركة جدك إفليك، فأنت تعلم جيداً أن عائلة والدتك ولقدم علاقتهم بنا كان لهم فضل كبير في رفع أسهم شركتنا وتحقيق نجاح ساحق، كان التصرف الذي لا تحذير قبله هو سحب مساهميهم من شركتنا مما أدخلني أنا وجدك والكثيرون في أزمة بالكاد تخطيناها، وعندما رأيت تدهور حالة جدك بسبب هذا الموضوع تراجعت قليلاً عن قراري الذي كان مهزوزاً. ماذا الآن يا ماكس؟ صحة أباك أو راحة ابنك؟! كنت للمرة الثانية مخيراً بين حفرتين من الجحيم. ولكنني اخترتك أنت.

اتسعت عيناي بذهول وكذلك كريس الذي عقد حاجبيه واعتدل في جلسته ليفرد قدمه اليمنى ويتساءل بحذر: ما الذي تقصده؟

أغمض السيد ماكس عينيه بقوة وأخفض رأسه، ابعدت كلتا يداي عندما شعرت به بحاجة إلى يده التي أحاط بها رأسه هامساً بأسى: إنها الحقيقة. تخليت عن أبي الذي كانت صحته متأزمة بسبب ما مرت به الشركة من معضلات ما أن تم سحب المساهمين. ومع أنه كان تهديداً صريحاً من عائلتها إلا أنني قررت أن حمايتك هي مسؤوليتي الأولى. لقد كنت أهم أولوياتي.

نفي كريس برأسه بعدم استيعاب واحتدت عيناه مزمجراً بصوت مرتجف: ما الذي تهذي به يا ماكس! هل وفاة جدي كانت بسبب ما تقوله إذاً!؟
ظل السيد ماكس على وضعه وكلتا يديه على رأسه رافضا أن يفتح عيناه، أما أنا. فذرفت الدموع رغماً عني!
أي تضحية مفجعة هذه؟ اختار كريس مقابل التنازل عن والده. يا الهي. أشعر بالألم يعتصر قلبي! لو تم تخييري بين أحد أبواي وابني فسأفضل الموت على هذا.

أن يحاول حمايته مقابل أن يتنازل عن والده ونجاح أعمالهم. هذا. من الصعب وصفه حقاً!
نظر كريس من حوله بنفاذ صبر وبدت أعصابه ثائرة: تحدث يا ماكس.
رفع الاخير رأسه مبتسماً بلا حيلة وضعف: هذا فضيع. اليس كذلك؟ أشعر أنني مجرم يعترف بجريمته النكراء التي مضى عليها زمن طويل.

نفيت برأسي بسرعة وأنا أمسح دموعي بقوة: ولكن. لقد حركتك غريزة الأبوة آنذاك! ألم تفعل هذا لسوء حالة كريس وتجاوز باتريشيا لحدودها معه! ألم يكن يعاني هو؟ أنت في النهاية أب سيد ماكس ولن تقف مكتوف الأيدي. كنت تحاول مداواة جراح ابنك وكِلتا يديك مجروحتان!

ظل يبتسم وقد ظهر في عينيه بريق قضى على هذه المرة! بريق جعل أوصالي تهتز تماماً وهو يقول بصوت بدى لرجل قد اكتفى من كل شيء: شارلوت. أنا لن ألوم الريح التي حركتني. أنا من كنت مهزوزاً وضعيفاً أمام كل الخيارات. عندما أحاول أخذ ابني بالقوة فسأكون مذنبا قانونيا طالما أنني السبب في أضرار باتريشيا النفسية، وعندما أحاول حمايته سأكون مضطراً للضرب بصحة والدي بعرض الحائط. ولكن. هذا ما حدث وذهبت حياة أبي ضريبة لقراري بعد أن تأزمت أوضاع الشركة.

زمجر كريس وقد وقف محاولاً المحافظ على إنفعال قد سيطر عليه: ولكن جدي لم يكن يبدو مريضاً آنذاك. كيف بحق خالق السماء أ.
قاطعه ماكس: هذا ما كنت تعتقده أنت والجميع.
هل السيدة أولين على دراية بالأمر.؟!
وكيف لا تعلم. هذه المرأة هي بئر أسرار العائلة فكيف ستغفل عن أمر كهذا!
ما هذا. ما الذي تقوله الآن. أنا حقاً لا أفهم كيف ت.

بدى يحاول ترتيب أفكاره في حين قال ماكس بشرود: وعندما تنازلت لأحميك وجدت خيبة أخرى. وجدتك لا تزال تقف ضدي. وجدتك لا تحاول تقبلي يا كريس، كنت تكره مجرد الجلوس معي في المكان ذاته! لن تملك أدنى فكرة عن شعوري بالخسارة حينها. خسارة جعلت مني منبوذا من ابني وزوجتي بل وضحيت بحياة والدي وفي النهاية لم أخرج بأي شيء مفيد سوى أن ابقى منبوذاً محاولاً كالمثير للشفقة التقرب إليك دون جدوى. أنا أعلم جيداً أنك لطالما تظاهرت بحبها لتحمي نفسك يا بني. ولكنك بنيت بيني وبينك سداً من الصعب هدمه، لم أكن قادراً على إختلاس ولو نظرة سريعة إليك من خلاله! وكم كنت سعيداً عندما بدأت بالعمل معي في الشركة. الشركة التي عادت لنجاحها عندما عملت بجد أنا وفابيان الذي لست غافلاً عن طمعه ومع ذلك ممتن له. ظننت بأنك ستكون أقرب لي بحكم عملنا ولكن. للمرة المئة كنت قد شعرت بإحباط وخيبة بل وحسرة تنهشني وتمزقني ببطء.! كنت تنظر إلى وكأنني مجرد رجل تتعلم منه وتكتسب خبرة العمل لتطور مهاراتك فقط! كل حديثنا أو حتى أي كلمة نتبادلها كانت بشأن العمل فقط! ظننت أن وفاة والدتك قد تقربنا إلى بعضنا ولكن لا شيء تغير على الإطلاق، أنت حتى منذ طفولتك كنت تتصرف كالصبي الذي يرفض ابعاده عن والدته. أتذكر كم مرة أضربت فيها عن الطعام عندما حاولت أخذها بعيداً عنك؟ أتذكر كم مرة عاديتني بسببها!

أسرعت التقط منديلاً من على الطاولة أمسح أنفي ودموعي التي لا تتوقف وقد تألمت للغصة التي منعت دخول الهواء إلى عنقي، اللعنة ما الذي كان يكبته في نفسه طوال الوقت. كيف احتمل كل هذا طيلة تلك المدة وحتى الآن؟! أي قوة صبر هذه!

ظل كريس واقفا في مكانه عاجزا عن إحالة عينيه عن ماكس، استمر في التحديق إليه وقد رأيت ملامحه ترتخي وعيناه العسليتان تحتدان وتلمعان بالضيق العميق الذي جعلني أجلس مكتوفة الأيدي أنظر إليه بلا حيلة.

اعتدل ماكس في جلسته وبدى يفكر قليلاً وقد أخذت ملامح الإستياء والتعب مكانها على وجهه، عاودت انظر إلى كريس الذي بدى وكأنه مجرد صبي اكتشف أمر ألجمه وجعله عاجز عن التحدث! لماذا صبي؟ لأن عينيه هاتان لا تبدو لكريس الذي أعرفه الآن. لا تبدو لذلك الذي يعشق الظهور كالقوي أو اللئيم الواثق من نفسه ومن قدراته!

شعرت برغبة في الوقوف والإتجاه إليه لأعانقه مخففة عنه قليلاً ولكنه جلس مجدداً على الأريكة يسند مرفقيه ويشبك كلتا يديه أسفل ذقنه وبدى يتمالك نفسه بصعوبة وفي صوته شيء غريب: لماذا تخبرني بهذا الآن فقط؟ أين كنت قبل ذلك! لماذا لم أسمع منك كل هذا سوى الآن.

ارتفع حاجبا السيد ماكس وهو ينفي بحزن وعدم تصديق: أين كنت؟ كنت أحاول لفت انتباهك تجاهي يا كريس! كنت أحاول أن أتقرب إليك وكم كنت أبدو سعيداً عندما نتبادل ولو حوار من عشرة كلمات فقط! لماذا أخبرك بكل هذا الآن؟ لأنك تبدو لي في الآونة الأخيرة قادر على تقبل الحقائق التي كنت ترفضها. لقد استمعت إلى مارك وستيفاني فما الذي سيمنعك من الإنصات إلى الآن؟ اليست أسبابي ودوافعي مثيرة للشفقة قليلاً؟ ألا يكفيني يا بني أنك تشبه والدتك إلى درجة تجديد العذاب الذي أشعر به في داخلي! تشبهها إلى درجة أنني أرى شبحها يطاردني في كل مكان. وبالعودة إلى جملتك الأولى في بداية حورانا قبل قليل. أنا أيضاً اعترف أنه وبوفاة والدتك كنت قادر على استنشاق الهواء بعمق أخيراً! أي نعم أنني وقعت في حبها مسبقاً. صحيح بأنني تعثرت في جمالها وابتسامتها وبراءتها التي رأيتها فيها منذ طفولتي ولكن تلك الطفلة لم تعد باتريشيا التي وقعت في حبها. أنا حتى لم أحتمل تخيلها مع مارك ولهذا اقترحت لك الفكرة المشؤومة عليه وعلى ستيفاني.

أضاف وقد ضعُفت نبرته أكثر وترقرقت الدموع في عينيه والتي أسرع يغمض عينيه على إثرها ليرتجف كلا جفنيه: قد يكون من الصعب قول هذا. كما أعتذر على خوض هذه التفاصيل الآن ولكنني قادر على ذكرها أمامكما، فأنتما راشدان ويمكنكما استيعاب ما سأقوله.
استرسل يبتسم بشيء من المرارة المصحوبة بالتهكم وقد وقف ببطء: اللحظات الحميمة والمعدودة بيني وبين باتريشيا سمعتها فيها تهمس في أذني بإسم مارك.

رفعت يدي بذهول لأضعها على ثغري! بينما لمحت كريس يزدرد ريقه وعيناه لا تستقران على موقع واحد وبدى بالكاد يطرف بهما، حتى أن عينيه تألمتا لذلك الجفاف الذي أصابها وأسرع يطرف بسرعة وابعد كلتا يديه من أسفل ذقنه وأحكم قبضته بقوة.
قلت بعدم استيعاب محاولة تكذيب أذناي: تهمس بإسمه.

تحرك السيد ماكس مبتعدا قليلاً ووقف أمام المدفأة ينظر إليها لنواجه ظهره، مجرد التحديق إلى ظهره يمكنني استشعار كمية العمق الذي يسقط فيها بل وقد سقط فيه ويحاول جاهداً انتزاع نفسه منه والخروج بشتى الطرق! بل يبدو ظهره لمجرد رجل وحيد يبحث من حوله عمن ينصت إليه وقد خذلته الحياة من كل صَوب.

من قد يستوعب ما شعرت به في ذلك الوقت! باتريشيا لم تكن تنظر إلى أبداً. لقد كانت تتخيل مارك وتراه بي أنا! لا أحد سيفهم كيف يكون هذا الأمر جارحاً إلى حد النزيف المميت. كنت مجرد بديل طوال الوقت في عينيها. لم أكن ماكس الذي أحبها منذ صغره وإنما مارك الذي تمنت إنتزاعه من ستيفاني بشتى الطرق.
عقدت حاجباي بحزن هامسة بضيق: هذا كثير جداً.

التفت نحونا ليحدق إلينا، ابتسم لي بلطف ثم نظر إلى كريس الذي بدى شارد الذهن حتى تدارك الأمر ورمقه بترقب وكأنه قد طمس شعور يراوده ويرغب في تفجيره بلا قيود.
اقترب السيد ماكس ليقف في منتصف المكان ونزع ذلك الحزن الذي كان يسيطر عليه وقال بهدوء: قد تكون أعذاري بالنسبة لك غير مجدية، ولكن هذا ما حدث.

كيف تكون هذه الأعذار سخيفة! كيف تكون غير مجدية؟! لقد قدم تضحيات كثيرة، لم يكن قادر حتى على لقاء أمي وأبي بسبب باتريشيا، الأمر لم يقتصر على تخليه عن أصدقائه بل أنه تنازل عن صحة والده مقابل حماية كريس. أو هذا ما ظنه حقاً ولكن جهوده وللأسف الشديد. لم تأتي بنتيجة عادلة، هذا حقاً ظلم.
أنا بحاجة للبقاء وحدي قليلاً.

قالها كريس مشيحا بوجهه وكم كان الضيق واضحاً هذه المرة. اللعنة لا يمكنني تمالك نفسي أكثر! حتى السيد ماكس وقف ينظر إليه بصمت. وكم فاجأتني كلماته ذات النبرة الراجية: كريس. أنا لم أخبرك بكل هذا لأحسن من صورتي وما شابه، أنت لم تعد صغيراً والقرار يرجع إليك، لك حرية الإختيار. لك الحق في أن تراني كالرجل المسؤول عما عانيته طوال حياتك، ولك الحق أيضاً في استيعاب أنني والدك مهما حدث.

أضاف متنهداً بعمق: أعلم بأنك بحاجة للإختلاء بنفسك قليلاً قبل أن نذهب جميعنا إلى المطعم، لدي أمر فقط لأخبرك به، عليك أن تتدارك خلافك مع رين، أنت نفسك تفهم جيداً أنك المسؤول عن هذا الخلاف. لا يجب أن يدوم هذا أكثر. أرجوك، أعد المياه إلى مجاريها معه، لم يكن من المفترض أن تسوء علاقتكما إلى هذا الحد. ليس مع رين.

أومأت مؤيدة في حين زفر كريس وقال بإنزعاج: من فضلك. اتركني قليلاً فقط لا أريد سماع أي شيء آخر، هذا حقاً يكفي.
لويت شفتي بتردد هامسة بإسم كريس فأشاح بوجهه بحزم.
تبادلت النظرات مع السيد ماكس الذي وضع يده على كتفي يحثني على ان نخرج ونتركه قليلاً فنظرت إلى الآخر مترددة كثيراً قبل أن أقول بهدوء ولطف: سننتظرك في الخارج.
تيا:.

أغمضت عيناي أزفر بضجر متمالكة نفسي حتى لا أصرخ على شارلي الذي يغني بصوت عالي يجلس في الخلف وجينيفر التي تقود السيارة وتشاركه الغناء بصوت مزعج.
وضعت كلتا يداي على أذناي وقلت راجية: حسنا هذا يكفي. نعم لديكما أصوات مبهرة ولكن هذا يكفي.

ولكنها واصلت استفزازي وكذلك اقترب شارلي أكثر ليقف في المنتصف بيني وبينها مستندا على مقعدينا، يا الهي متى سنصل حيث الجميع. لو كنت أعلم أن هذا ما سأجنيه في الصباح الباكر لما ذهبت للنوم في كوخ عائلتهما!
كنت مستمتعة كثيراً مع إيثان طوال الوقت وتمنيت أن يطول الزمن أكثر ولكننا ما أن عدنا حتى بدت السيدة ستيفاني غير راضية عن ذلك، على أن أشعرها بالأمان فهي قلقة من تكرار أخطاء الماضي.

افقت من أفكاري على الفرامل القوية التي جعلت جسدي يرتد للأمام ولحسن الحظ أن حزام الأمان قد وازن جسدي لأعود لمقعدي وقد تمالكت نفسي ألا أصرخ بغضب، ذلك أنها تعمدت فعل ذلك عندما وصلنا إلى الأكواخ حيث الجميع يستعدون ويدخلون السيارات.
أسرعت أفتح الحزام لأنزل من السيارة وكأنني هاربة من زنزانة تم تعذيبي فيها.

تنفست الصعداء وأنا أقترب نحو شارلوت التي رأيتها تقف بجانب سام وستيف وإيثان، ابتسمت لإيثان فوراً فنظر إلى ليبادلني الإبتسامة وقبل ان يخطو نحوي خطوة واحدة تفاجأت بسام الذي يحيل بيننا بوقوفه في المنتصف ويقول ببرود: عذرا ولكن لا أحد منا يرغب في تلويث أذنيه أو عينيه أو أي حاسة أخرى، يرجى احترام المشاعر كما يرجى عدم تجاوز الحدود، زواجكما سيتم بعد بضعة أشهر لذا لا تتصرفا وكأنكما تصوران فيلماً درامياَ رومانسياً لبطل هرب من العصابة ويتوق لمحبوبته قبل أن يموت.

تأففت بضجر: ها أنت ذا.
تجاهله إيثان وهو يبعده عن طريقه وينظر إلى مبتسماً بلطف: صباح الخير.
تناسيت وجود الجميع أحدق إليه بتمعن، تحديداً إلى عينيه الخضراوين اللتان تلمعان بالحيوية، لم أكد أحييه حتى استرسل بإهتمام قد استشعرته من نبرته: هل نمتِ جيداً؟
نظرت شارلوت إلينا بهدوء قبل أن ترسم ابتسامة مضمرة، ثم لمحتها تحدق إلى الكوخ الأخير وبدت شاردة قليلاً وكأن لا أحد يقف معها هنا!
ما هذه النظرة تحديداً؟

تركت أفكاري قليلاً لأجيب إيثان واقفه أمامه مباشرة: نعم ولكنني بالكاد حافظت على مزاجي في هذا الصباح الباكر، لجينيفر وشقيقها أصوات من الصعب احتمالها.
وعلى ذكرها الآن فقط وجدتها تقف خلفي فأجفلت لأدير جسدي وأواجهها، وقفتُ بجانب إيثان في حين قال ستيف براحة: شكرا جزيلاً لوجودك الغير مرغوب فيه يا جينيفر، هذا أفضل من سماع الحوار العاطفي الذي كانا على وشك البدء به.

أردف بإستخفاف: ليت خاصية حجب المشاهد موجودة على أرض الواقع.
أيده سام يسند يده على كتف ستيف وهو ينظر إلينا بعين ضيقة: أنتما الإثنان. هل حقاً قضيتما وقتيكما في الأمس في الحديث فقط؟

اقترب جينيفر تسند يدها على كتف سام وقالت بنبرة شك مماثلة: هذا ما لا يمكنني تصديقه، أريد مقابلة أي شخص على هذه الكرة الأرضية قد يمضي أكثر من خمس ساعات في الحديث فقط. لن نجد بالطبع لأن اللسان البشري لن يكون قادراً على احتمال هذا! ما الذي كنتما تفعلانه تحديداً؟ لا تقلقا لا أحد هنا سوانا، لن يعلم مارك أو ستيفاني او الآخرون بهذا.

أضافت تضع يدها الأخرى على صدرها بثقة وقد كورت قبضتها: إنها كلمة شرف وأنا عندها.
تنهد إيثان بعمق: أي سخف هذا!

حسنا صحيح بأننا لم نمضيه في الحديث فقط. فلقد تنزهنا في أماكن نحن لم نكن واثقون حتى أننا سنعرف طريق عودتها ولكننا غامرنا لنستمتع وحسب، بل أننا تزلجنا في إحدى الساحات ومكثنا هناك طويلاً ولم نشعر بأنفسنا! لقد كان إيثان يبدو مرتاحاً وهذا ما جعلني أشعر بالطمأنينة في المقابل بل أنني لم أكن أرغب بالعودة.
أفقت من أفكاري على الجدال الذي لا أدري كيف أصبح بين ستيف وجينيفر فجأة!

ابتسمت بلا حيلة ولكنني سرعان ما استنكرت صمت شارلوت وإن كانت تبتسم ولكن المجاملة واضحة جداً! فكرها يبدو مشغول جداً وبطريقة ما لم أعد أشعر بالراحة جيداً.
لحظة. أين هو كريس تحديداً؟
نظرت من حولي لأجد كلوديا وستيفاني وأولين معاً، جوش ومارك وكذلك ماكس وجوزيف يقفون بجانب سيارة السيد جوش، أما رين فلقد رأيته يجلس خلف المقود في سيارته ويبدو ضجراً.
الأهم من كل هذا أين تلك الشقراء المزعجة؟ لا أراها!

ابتعدت عنهم وكل ما أفكر به هو كريس، سأذهب للبحث عنه فمن الغريب أنه ليس في محط الأنظار هنا، اقتربت من السيد ماكس مبتسمة بهدوء: صباح الخير جميعاً.
انتبه لي وكذلك الآخرون لنتبادل تحية الصباح، بادرت أسأله بصوت منخفض وبنبرة محتارة: أين كريس!

لمحت أولين التي نظرت إلى وإلى ماكس قبل أن تعاود توجه اهتمامها إلى كلوديا وستيفاني. أخفضت ناظري قليلاً حتى سمعت إجابة السيد ماكس وهو يربت على كتفي: سيخرج الآن من الكوخ، كان يجلس هناك لينهي بعض الأعمال!
ارتفع حاجباي باستغراب: عمل. الآن!
لماذا قد يعمل الآن؟!
هذا ما كنت أفكر به وقد استأذنت مبتعدة: أرجو المعذرة.

ولكنه أسرع ينادي بإسمي فالتفت نحوه بترقب فرأيت التردد على وجهه، قطبت جبيني أنتظر ما يريده ولكنه نفي برأسه بلا شيء مبتسماً بهدوء.
هاه!
طرفت بعيني بتعجب ولكنني لم أعلق وإنما أكملت طريقي نحو الكوخ، غريب. لماذا بدى السيد ماكس متردداً للحظة، هل أراد قول شيء لي ولكنه غير رأيه نظراً لوجود الجميع من حوله؟

وقفت أمام الكوخ وطرقت الباب قبل أن أدخل، وجدته يجلس على إحدى الأرائك الموجودة في المنتصف مقابل المدفأة فأغلقت الباب واقتربت مبتسمة بسخرية: سمعت بأنك تعمل ولكنني لا أرى أي مجهود يتم بذله هنا، هل أردت الإختلاء بنفسك وتفكر في أمرٍ ما متعذرا بالعمل؟
ولكن لم يجبني أو لم ينتبه لدخولي أصلاً! نعم فهو لم يلتفت لي حتى الآن أو تبذر منه ردة فعل تدل على إدراكه لوجودي.

يبدو شارد الذهن بل وحبيس لأفكاره، تقدمت وقد تملكني هاجس غريب ولا سيما عندما وقفت أمامه ولم يكلف نفسه عناء النظر إلي. ومع ذلك طرف بعينه ببطء وظل صامتاً.
ما خطبه!
انتابني القلق لأجلس بجانبه فوراً متسائلة بإهتمام: كريس. ما الأمر؟

كان يحدق إلى الأرض ولا أدري إن كان قد تجاهل سؤالي أو أن أصوات العالم الخارجي غير قادرة على إختراق مساحته هذه! حسنا بدأت أقلق بالفعل. لا يبدو أن كل شيء على ما يرام، ولكنه لم يكن هكذا في الأمس فما الذي حدث.
بالتفكير بالأمر شارلوت بدى ذهنها غير صافٍ أيضاً، السيد ماكس بدى غريباً. هل يخفيان شيئاً؟
لويت شفتي مفكرة قبل أن أرفع يدي وأمسك بيده اليمنى واقترب منه هامسة: هل سمعتَ أمراً أزعجك؟

شقت ابتسامة هازئة ثغره ولكن عيناه لم تكونا تبتسمان إطلاقاً، انقبض قلبي ولم يعد الأمان أو الطمأنينة يحيطان بي فقلت بتوجس: أنا أنصت! حسنا أعلم أنك لا تتحدث بشأن أمورك الخاصة ولكن. أخبرني على الأقل هل كل شيء بخير؟ شارلوت ووالدك في الخارج كانا يبدوان غريبان بالنسبة لي. لم أشعر بهما يتصرفان على سجيتهما.
القدر لا يسخر مني وحسب. بل بارع في مفاجأتي بإستمرار.

شد على يدي بقوة حتى أنني تألمت وحاولت التزام الصمت في حين أكمل متنهداً: هذا حقا كثير جداً. فوق حدود طاقتي! لستُ أفهم لماذا يحدث كل هذا ومتى بدأ حقاً. يعتقد أنني سأكون سعيداً لسماع ما يقوله. ولكنه لا يدرك أنه يجعلني أمقت نفسي بل وأشعر بالإشمئزاز الشديد من كل ما فعلته لحماية نفسي منها. اختلط الأمر بأنانيتي وبجُبنِه، اختلط بين رغبته في حل المشكلة وبين رغبتي في الهرب. لقد كان كلٌ منا يفكر عكس الآخر تقريباً. ولكن. هو ليس بجبان اليس كذلك؟ انا من كنت أهرب الا يعني هذا أنني من كنت جباناً؟ لقد حاول حل المشكلة بينما كنت أطمسها.

ما الذي يهذي به لم أفهم شيئاً!
نفيت برأسي: أنا. لم أعي ما تحاول قوله.
خفف من شدته على يدي وأخذ شهيقاً عميقاً وشردت عيناه في الفراغ ليهمس: ما الخطوة التالية؟ كيف من المفترض أن أتصرف بعد ما سمعته. كيف أواجهه تحديداً؟
يا الهي لست أفهم شيئاً إطلاقاً. أعلم بأنه قد يشير إلى السيد ماكس ولكن كلماته مبهمة إلى حد كبير!

فتحت فاهي راغبة في سؤاله والإستفسار أكثر ولكنه وقف فجأة وترك يدي هامساً: لنخرج. لا يوجد ما نفعله هنا.
لحظة. أنت لا تبدو على ما يرام!
نظر إلى بهدوء: أنا بخير.
لا لست كذلك!

علي أن أكون بخير. لأنني بحاجة للتفكير بعمق في أمور كثيرة، على أن أكون متأنٍ ولا أفسد ما وصلت إليه حتى الآن. حاولت التغير يا تيا وأنتِ تفقهين هذا جيداً. لذا لا أريد التراجع للوراء لسبب أو لآخر، أنا فقط. ربما أشعر بالإشمئزاز من أشياء قد ارتكبتها، وبحاجة إلى تصفية حسابي مع نفسي عندما تسنح لي أقرب فرصة.
أضاف يبتسم بهدوء: لذا. أنا بخير الآن. حسناً؟

ارتخت ملامحي بأسى وأطبقت فمي بلا حيلة، للأسف لست أفهم ما يسيّره لقول كل هذا في وقت كهذا، ما الذي حدث له؟ هل على سؤال شارلوت أو والده؟!
أومأت مبتسمة بتشجيع: حسناً إذاً. فلتلقي بكل شيء خلف ظهرك في هذه اللحظة ولنخرج.

بعد أكثر من عشرون دقيقة استقر بالجميع الحال في أحد المطاعم الموجودة في أعلى الجبل، مطعم بتصميم دافئ بألوان داكنة مناسبة للثلوج الموجودة من حولنا في كل مكان، الحائط في هذا المطعم زجاجي شفاف بالكامل، مما يجعل إطلالته على الثلوج والغيوم القريبة من المرتفعات منظراً يحبس الأنفاس ويدفع في المرء الرغبة في التأمل والهرب من أي أفكار دخيلة، كما أن مساحته واسعة وأضواؤه الداخلية الصفراء الصغيرة والأرضية الخشبية تركا أثر الدفء في المكان وإن كان في الواقع بارداً.

ليس هذا وحسب، يوجد في المطعم أغصان لأشجار حقيقية في زوايا المكان وبعضها في المنتصف وقد وضعت بتصميم عفوي لتترك طابع الغابة الثلجية وتشعر المرء بحقيقة أجواء الطبيعة الممزوجة بالتحضر.
وبالرغم من هذا فلا يوجد هنا سوانا نحن وعائلة أخرى صغيرة مكونة من والدين وابنيهما المراهقان فقط، ذلك أن تكاليف المطعم باهظة الثمن لذا الجميع يقبل على المطاعم الموجودة في الأسفل والتي تناسب أسعارها كل الفئات.

لقد دمجنا أكثر من طاولة مع الأخرى لتتسع لنا جميعنا ونجلس حولها، كنت بجانب إيثان بينما شارلوت بجانب جيمي وكريس الذي عاد ليتصرف بطبيعته على عكس تصرفاته الغامضة في الكوخ.
كل شيء جيد، وكل شيء على ما يرام، عدى شعوري بالإرتياب لهدوء أوليفيا المبالغ به!
إنها تجلس بجانب والدها وترتشف من عصير التوت الطازج ومع ذلك لمحتها في مرات معدودة تختلس النظرات إلى شارلوت!

أما الأخيرة فكانت مهتمة بالتأكد من تناول جيمي للطعام جيداً ولم تبدو وكأنها تلقي إهتماماً أصلاً لوجود أوليفيا!
انتفضت بفزع عندما أخافتني جينيفر الجالسة على يساري فنظرت إليها بدهشة لتضحك بدورها مستمتعة: ألم أخبركم أنها عقلها ليس معها!
ابتسم إيثان الجالس على يميني والقى على نظرة هادئة واستقبلت سؤاله الصامت من عينيه عما يشغل تفكيري فبادلته الإبتسامة فوراً ليطمئن وأنا أنفي له خلسة.

نظرت إلى جينيفر بلا حيلة: لماذا لا تجلسين بعيداً عني؟!
اسندت مرفقها على الطاولة بإستياء وهي تأكل ببطء: لماذا يعاملني الجميع هكذا!
ابتسم سام بسعادة وكذلك ستيف! استنكرت ذلك ولكنني سرعان ما فهمت شعورهما المشابه لجينيفر تماما فضحكت بخفوت: ليتكما تنظران إلى وجهيكما حالاً.
استوعب الإثنان أنهما ابتسما في الوقت آنه وكأنهما سعيدان بوجود شخص آخر يعاني من التجاهل!

أعتقد أن هؤلاء الثلاثة قادرون على تشكيل أفضل فريق! علق جوش متنهداً: يبتسمان لأنهما أدركا أنه لا يزال هناك من يحتاج إلى الإهتمام من حولهم، هل هذا يدعو للسعادة إلى هذه الدرجة؟
أيده مارك بإستنكار: هذا ليس مضحكا بل مريباً!
علقت شارلوت وهي تمد يدها لتغرف القليل من السلطة الموجودة أمامها: بل أمر يدعو للسعادة، يمكنني تفهم وضعكم حقاً.

امتعضت جينيفر بشدة: أنتم حقاً لا تعلمون من أنا! أخبرهم يا ماكس عن الأشخاص الذي يحاولون حشر أنوفهم في حياتي لمجرد التقرب إلى فقط.
ضحك ماكس نافياً: للأسف لا أعرف أحد منهم.
اتسعت عينيها بينما ابتسم سام بخبث: رائحة كذب وتزييف هاه؟
نفيت معترضة: بالطبع لست أكذب!

تعالى رنين هاتف لم يكن سوى لكريس الذي أسرع يخرجه من جيب معطفه لينظر إليه، عقد حاجبيه للحظة ثم نظر إلى السيد ماكس وبدى وكأنه سيخبره بهوية المتصل ولكنه ولسبب ما تراجع فوراً!
ما هذا التردد فجأة!
نظرت إليه شارلوت بهدوء ثم إلى والده الذي راقبه بعيناه وهو يقف ليجيب على الهاتف وهو يبتعد عن الطاولة.
اندمج في المحادثة وبدأ شيئاً فشيئاً ينهمك أكثر حتى خرج من المطعم واستطعنا رؤيته من خلال الحائط الزجاجي.

لوت جينيفر شفتيها بعدم رضى وهي تنظر إلينا مقيمة: الوضع لا يريحني اليوم إطلاقاً، الجميع يبدون أكثر هدوءً ما خطبكم يا رفاق!
ثم ضربت ظهري بقوة مشجعة: تيا الا تشعرين بجفاء الوضع هنا!
سعلت من قوة تلك الضربة وشعرت برغبة عارمة في تلقينها درساً! أسرع إيثان يمرر يده على ظهري برفق وتساءل بسرعة: هل أنتِ بخير!
أضاف بإقتضاب: سحقاً، أي نوع من النساء تكونين؟ بالفعل تحديد شخصيتك هو الأمر الأصعب على الإطلاق!

ارتفع حاجبا جينيفر باستغراب: ولكنني لم أستخدم كل قوتي!
اتسعت عيناي بدهشة وإرتياب وطلبت من إيثان تبديل مكانه معي فوراً.
شارلوت:
نفيت برأسي بسخرية: سنرى الآن ما ستفعلينه يا جينيفر، المزاح مع الرجال سيجعلك تتلقين ضربة توقعك أرضاً صدقيني.
ومع أنني كنت أمازح جينيفر إلا أنني لم أشعر برغبة في ذلك حقاً، حتى عندما أنخرط كل من سام وستيف والجميع في مزاحنا كنت أرغب في الالتفات خلفي لأنظر إلى كريس.

لا شيء هنا يدعو إلى الراحة على الإطلاق، فأنا أعلم جيداً أن كريس يحاول جاهداً السيطرة على الكثير من الخوالج التي تكاد تطغي على رغبته في السيطرة على الأمر، والسيد ماكس الذي ظن أن كريس سيعلمه بهوية المتصل وقد استشعرت أنه مجرد اتصال بشأن العمل ومع ذلك تراجع فوراً وكأنه.
وكأنه لا يعلم كيف يواجهه!
وكأن كريس لا يدري ما الذي من المفترض أن يفعله!

بل وهدوء أوليفيا الذي يخيفني، صمتها بالنسبة لي أسوأ من إنفعالها ككل مرة.
رين كعادته يجلس في نهاية الطاولة منزويا قليلا على نفسه وغير مكترث بأي حرف نقوله هنا ويتناول طعامه بينما يحدق إلى شاشة هاتفه.
كيف آلت الأمور إلى هذا التذبذب النفسي فجأة! لا شيء مستقر.
وما يزيد كل هذا ريبة وتوجساً هو صمت السيدة أولين!

افقت من أفكاري إثر صوت جيمي الذي يضحك مع شارلي وبريتني فأسرعت اتمسك بالعالم الواقعي ملقية نظرة سريعة خلفي على كريس. لا يزال يتحدث واضعا إحدى يديه في جيب معطفه ليدفئ نفسه قليلاً.
اعتدلت في جلستي أنظر للإمام مجدداً في اللحظة التي وقفت فيها أوليفيا دون أي كلمة.
راقبتها بعيناي لأجدها تتجه نحو مخرج المطعم!
هاه؟

واصلت متابعتها حتى رأيتها تقف على بعد أمتار قليلة من كريس الذي انتبه لها وادار لها ظهره ليكمل حديثه!
ما الذي تريده منه؟!
شعرت بجميع النظرات مصوبة نحوهما وكنت محقة، فالجميع بدأ يسترق نظرات سريعة للخارج ثم. إلي!

شعرت بالضغط الشديد وقد تمالكت نفسي متذكرة وجود السيد جوزيف الذي قد ينزعج لأي كلمة بخصوصها فابتسمت بهدوء رافعة كلا كتفاي لأكمل تناول طعامي بالرغم من فجوة في داخلي دخلت عبرها آلاف التساؤلات التي تنهشني.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة