رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الخامس والأربعون
كريس قبّل شارلوت أمام أوليفيا؟ حسنا وما مشكلتها تحديداً مع هذا! إنها زوجته في النهاية! إلى أي درجة تريد التدخل في علاقتهما!؟
كريس. لست بحاجة لتطلب مني الخروج من حياتك. لأنني لا أرى أي أثر لأهميتي عندك، ولكنني أريد فقط التحدث معك الآن وننهي كل شيء بشرط واحد.
لم أسمع منه رداً وشعرت برغبة عارمة في النظر إليه ولكنني أدرك جيداً انه سيلمحني ما أن أفعل، ولهذا ترقبت حتى سمعته يزفر: تحدثي.
أتى صوتها فوراً وقد كان مرتجفاً وفي نبرة باكية: كن صريحاً الآن معي وأخبرني ما إن كنت تحبها حقاً أو تستغل وجودها لتبعدني عنك.
تنهدت بصوت خافت مدركة أن سؤالها هذا لن تحصل على إجابته، فهو لن يعترف لها بأنه ي.
ولكن عيناي اتسعتا بذهول وتسمرت في مكاني وعلى وضعيتي عندما التقطت اذني جملته الهادئة: ماذا لو قلت بأنني أحببتها منذ زمن بعيد؟ وماذا لو أخبرتك أنني لا زلت أحبها وفعلت الكثير لأضمن بقاءها إلى جانبي؟
تعثرت قدمي بسبب سهوي إثر دهشتي فأسرعت أتوازن وأحافظ على هدوئي لئلا الفت النظر! كريس الذي لم يخبرني أنا يوماً أنه وبصريح العبارة يحب شارلوت. يقولها وببساطة لأوليفيا الآن؟ هل هذا حلم؟ بل أنني تعاونت معه وآثرته بالرغم من خططه السخيفة بشأن شارلوت ورفضه للإعتراف وكونه صريحا صادقاً ليخبرني أنه يفعل هذا لأنه وبكل بساطة يحبها!
أنا لن أبالغ لو قلت أنني شعرت بالسعادة إلى درجة رغبتي في الركض إلى شارلوت لأجلبها بنفسي وأجبرها على سماع ما يقوله الآن! هي حتى لا زالت تنتظر منه التنازل ولو قليلاً ليخبرها عن حقيقة مشاعره نحوها! أنا واثقة بأنها لم تسمعها منه شخصياً.
تحبها!
قالتها أوليفيا بنبرتها السابقة فسمعته يتنهد ثم سمعت خطاه ليتحرك ولا أدري أين وقف تحديداً ولكنه قال بشيء من التهكم: دعكِ مني الآن لأنني شاكر لعرضك السخي أن نتحدث على إنفراد فلدي ما أسألكِ عنه. ولكن صدقيني يا أوليفيا. إن كان ما أفكر به صحيحاً فستندمين على هذا عاجلاً أم آجلاً.
أضاف بحزم: عندما تفوهتِ بذلك الهراء أمام الجميع في غرفة الجلوس قبل يومان، أخبرتني شارلوت أن الكلمات التي تدعين أنني قلتها لكِ قد سمعتها هي مني.
عن أي كلمات يتحدث؟ قبل يومان.! آه. لقد كنت في شقتي مع إيثان نناقش موضوع زواجنا!
ما الذي تتحدث عنه؟
سألته أوليفيا بصوت أجش وأضافت: لماذا تغير الموضوع! أنا. لم أستوعب بعد إن كنت جاداً فيما قلته للتو، هل تتظاهر بحبها الآن لتقنعني أنه لم يعد لي مكاناً في حياتك؟! هل هذا ما تخطط له؟
لستِ من تختار دفة الحديث، لقد ذكرتُ للتو السخف الذي كنتِ تدعين أنني أخبرتك به! متى بحق خالق السماء أخبرك أنكِ من بين الجميع عليك أن تبقي إلى جانبي؟ متى قلت بأنه علينا أن نصنع لأنفسنا عالمنا الخاص؟! إن كنتُ قد قلت لشارلوت كلمات هذه فكيف قد أقولها لكِ أيضاً؟ ولكن احزري ماذا. لست بحاجة إلى سماع أكاذيبك وتسويغاتك، هل تعلمين لماذا؟ لأنني أظنني قد فهمت حيلتك المثيرة للشفقة. فأنا لن أتفوه بكلمات كهذه لكِ حتى وإن كنت فاقد لعقلي.
عقدت حاجباي وكدت اخرج رأسي لأنظر إليهما ولكنني تداركت الأمر وأسرعت أكبت رغبتي هذه، لأسمعها تقول بصوت مرتجف سيطر عليه الإنزعاج والبكاء: نعم قلت هذا! أخبرتني بكل هذا ولكنك لن تعترف أبداً.
سمعته يتأفف بضجر وقد علق بسخرية: أنتِ. لا أدري حقاً كيف أصفك يا أوليفيا، لا يكفي أنني احتملت تصرفاتك المخبولة منذ الصغر ولكنك أيضاً كاللعنة التي تطاردني وتأخذ هيئة أمي، حسناً سأكون واضحاً إذاً. في تلك الليلة كنتُ ثملاً بالفعل ولا أعي ما أقوله لشارلوت، ولكنني أدرك جيداً أنني كنت أتحدث معكِ على الهاتف عندما اتصلتِ بي ما أن وصلت إلى المنزل، كل ما أتذكره أنني كنت غاضب من اتصالك وشعرت بالإشمئزاز بل وظننت أنني أغلقت الهاتف في وجهك لأدسه في جيب سترتي آنذاك، ولكنني واثق الآن أنني لم أغلقه. لقد استمعتِ إلى كل كلمة تبادلتها أنا وشارلوت. واقتبست كلماتي تلك لتزيفي الأمر لصالحك أمام الجميع، وأنا الذي تساءلت كيف تقول شارلوت بأنني قلت لها كل ذلك أيضاً. أنتِ محتالة نبيهة بالفعل. ومع أنني متفاجئ من نفسي لقولي تلك الكلمات لها ولكنها في النهاية الكلمات التي لطالما تمنيت قولها. ولكن ها أنا ذا. قلتها بالفعل وقد ساعدتني يا أوليفيا عندما كنت غاضباً بسببك. الفضل يعود لكِ.
أعقب متنهداً: أتعلمين كيف تتصرفين حقاً؟ تجعلينني أبدو كالشخص الذي ألقى بكِ إلى الذئاب ولكنكِ عدتِ تقودين القطيع. تعشقين الظهور كالمظلومة التي تستمد قوتها من كل ما عانته، تتلذذين برؤيتي مجبراً على مجاراة جنونك، صدقيني أنا أجّن منكِ ولكن الأيام لم تسعفك لتري جنوني الحقيقي لذا دعيني أحافظ على هدوئي، توقفي عن حشر أنفك في حياتي واتركي شارلوت وشأنها. لستُ غافلاً عن نظراتك نحوها. أنا أراقبها أكثر من أي شيء آخر وأراقب ما يحيط بها لسبب واحد فقط.
سكت قليلاً في حين سمعت أوليفيا التي شهقت باكية بخفوت شديد ليردف: لأنني أخشى أن ألوثها بعالمي. هل تريدين المزيد؟ لا مانع لدي. حتى عندما كنت مجبراً على أن أعدك بذلك الوعد السخيف بشأن الزواج كنت أبدو كالمراهق المضحك الذي يعتقد بأنه لن يحصل على محبوبته التي تمناها منذ الصغر، إنها الحقيقة. لطالما أردت البحث عنها وأحشر أنفي في حياتها ولكنني خشيت عليها من نفسي.
أنت تكذب يا كريس، لم تكن مجبراً على قطع ذلك الوعد تماماً، لنقل أن هذا ما حدث في المرة الأولى ولكن. ماذا عن المرة الثانية! كنت في التاسعة عشر لا تخبرني أنك كنت مجبراً أيضاً!
استرسلت محاولة تمالك نفسها: أتيت بنفسك وقطعت ذلك الوعد، وعدتني بأن نتزوج خلال بضعة سنوات فقط ولكنك بعدها اختفيت تماماً ومنعت كل السبل التي كان بإمكاني من خلالها لقاءك أو رؤيتك! ظننتك تفعل هذا بسبب أمي ولكنك.
قاطعها ضاحكاً بإستخفاف: هل فقدتِ عقلك؟ هل ظننت يوماً أنني سأتمنى الزواج بكِ أنتِ؟ السبب الوحيد الذي أجبرني على قطع الوعد للمرة الثانية هو جنونك الذي قادك لمحاولة الإنتحار عندما رفضت قبلها أن أجلس معك في المكان ذاته أو حتى زيارتكِ لمنزلنا! برأيك لماذا اشتريت لي منزلاً بعيداً على الشاطئ؟ هل لمجرد أن أختلي بنفسي وأرتاح قليلاً؟ أنتِ مخطئة. كنت حينها مستعد لبناء المنزل ولو في منتصف البحر حتى! أردت الهرب منكِ ولكنني الآن أريد التخلص منكِ بكل جدية! لم أعد أحتمل وجودك، قربك يشعرني بصعوبة التنفس والإشمئزاز! اليست هذه أسباب كافية لكِ لتغربي من حياتي؟
استطرد بنبرة جادة تميل إلى الحدة: افيقي. أنتِ لا تحبينني ذلك الحب الوردي الذي تظنينه، كل ما تريدينه هو ضمان اكتمال النهج الذي كانت تتبعه أمي فقط، أولستِ الفتاة المحبة لتلك المرأة؟ ألستِ من كانت تقضي معها أغلب أوقاتها!
غير صحيح. لا شيء مما تقوله صحيح! ثم. ثم أنت تتظاهر مؤخراً بكونك الشخص الجيد الذي يحاول التغير! أنت تختبئ خلف رغباتك الحقيقية يا كريس، هل نسيت ما فعلته برين؟ هل نسيت أولئك اللذين كان يتم استدعاء والدك لتعويضهم بسبب أفعالك تجاههم؟ هل نسيت كل من قمت بإيذائهم الآن لمجرد هرائك بشأن تلك السافلة التي تزوجتها!
وما الخطأ في التظاهر؟ أنا أرغب في البقاء إلى جانبها إلى درجة اختياري وبكل قناعة ضرورة التغير. هل تعتقدين أنني سأكون راضٍ عن بقائي إلى جانبها بينما لا أزال ذلك اللعين الذي لا يجيد سوى إيذاء الآخرون؟ هي أنقى من وقوف ذلك الشيطان الذي تذكرينه معها، أنقى من ان يدخل مساحتها الخاصة. لهذا السبب تحديداً أنا أحاول التغير للأفضل، لأكون أباً جيداً جيمي الذي لا أريد أن يطول انتظاره أكثر، لأريه أنني أحبه ولكنني مجرد أحمق فاشل ومغفل يعجز عن معاملته بصورة صحيحة! لم أعد أطيق نفسي أيضاً، لا اريد لجيمي أو لشارلوت أن يواصلا التعامل مع الجزء السيء مني! يكفي أنها كانت الوحيدة المخدوعة بشأنكِ بالرغم من معاداة الجميع لكِ. هذا الجزء يجعلها أيضاً مجرد ساذجة أود لو أقوم بإجراء بعض التعديلات على دماغها. ولكنني أظل أحترم سذاجتها هذه، وصلت إلى مرحلة مقارنة نفسي بها والسؤال عن كوني أستحقها حقاً أو لا.
أطبقت شفتاي بقوة وقد اسندت ظهري على الجدار أنظر إلى الأرض بأسى، . شتان بين كريس الذي عرفته في البداية وبين كريس الذي يتحدث الآن، صحيح بأنه لم يكن بذلك السوء ولكنه كان صعب إلى درجة التعقيد!
كان مجرد الحديث معه يحتاج إلى عناء وجهد بالغ! الحصول منه على كلمة صريحة وواضحة كان أشبه بالإنجاز بالنسبة لي!
ولكنني أعلم أيضا أن كريس. يحتاج فقط إلى التوجيه الصحيح والصبور! وخير دليل هي شارلوت التي ما أن دخلت إلى منزله حتى رأيت تغيرات كثيرة بشأن تصرفاته وشخصيته! بل وأنها كانت قادرة على صد أفعاله وإيقافه عند حده أحيانا مما كان يغضبه كثيراً. بل أنها حطمت غروره وسحقته في مرات كثيرة كان يصف لي فيها سخطه، واكبر مثال على هذا هو إنتظاره لها طيلة الأسبوعان اللذان افترقا فيهما وظل ينتظرها بكل ثقة لتعود إليه، وفي النهاية كان من زحف إلى منزلها واستعمره الغضب والخيبة من تجاهلها له.
أعترف بهذا. وجود شارلوت أحدث تغيرات من الصعب وصفها! بالرغم من مشاعرها الواضحة تجاهه إلا انها كانت قادرة على السيطرة على نفسها وتركه يحترق بصمت!
أفقت من أفكاري على صوتها الذي أوضح لي توتر أعصابها: لقد كنت أحاول لفت نظرك إلى بينما عقلك يقيم معها أينما كانت! طيلة الأعوام السابقة كنت أحاول التقرب إليك يا كريس وفي المقابل لم أكن أمامك سوى ضيفة غير مرغوب بها! ولكنني لن أصدق شيئاً من هذه الطرائف التي تلقيها على الآن، رأيت في عيناك قسوة وجمود تجاه والدك والكثيرون فكيف أصدق أنك ستصبح يوماً الرجل المثالي الذي قد يكون قادراً على تأليف كتاب قيّم يحكي فيه عن إنجازاته لتغيير شخصيته إلى الأفضل!
أنا لست كما تظنين، ولن أكون كما ترغبين، أنا مكتفٍ من أفعالك منذ زمن طويل، منذ أن رأيتك تختبئين خلف ظل أمي بل منذ أن بدوتِ ترينها كبطلة لقصة يختلقها عقلك المريض! من لم يتجدد يتبدد، عليكِ أن تعي هذا. كما أكره إلقاء النصائح عليكِ ولكن ربما لا يزال لديكِ متسع من الوقت لتفيقي، لتري فيه كل ما فعلتيه وتتأني وتتفكري بعمق. انظري إلى نفسك. هل أنتِ حقا راضية عن هذا الوضع؟ لقد أصبحتِ مجرد مصدر إزعاج بالنسبة للجميع! أصبحتِ مجرد عقبة تعيق طريق الآخرون إلى البهجة والنظرات التي يلقونها عليكِ برهان كافٍ! هل يعجبك كونكِ مكروهة إلى هذا الحد!
عجباً. من يتحدث هكذا؟ كريستوبال!
تساءلت وبدت غير مصدقة وقد تغير صوتها إلى الإستنكار والسخرية لتعقب: هل هذه هي حججك الآن؟ أنا حقاً غير قادرة على إستيعاب طريقتك في الحديث، أنت لا تتفوه بالحِكم فقط بل تجعلني أبدو كمصدر الشر في هذا العالم أيضاً!
ساد الهدوء بينهما حتى قطعه وبدى وكأنه يريد اختصار الأمر: قد لا تكونين مصدر الشر في العالم ولكنكِ مصدره في هذه العائلة. أنتِ لم تكوني تزعجينني أنا فقط بل كنتِ تزيدين من سوء علاقة ماكس بأمي طوال الوقت، كنتِ تكرهين مجرد قضائي لوقت ممتع مع شقيقك! بل وكنتِ تستكثرين على الشعور بالسعادة والسكينة أحياناً فتسرعين في حياكة خطة سريعة وتضعين خارطة الخطوات أمامك وتنفذينها واحدة تلو الأخرى. عندما أفكر في الأمر بتمعن أجد أنكِ. تكرهينني ولستِ تحبينني! ربما لأنكِ تمنيت مكاني لتشعري بالقرب أكثر من أمي! ربما لأنني. كنت أحتل مركزاً كبيراً في عقل أمي. ويا ليته كان مركزاً مشرفاً. فلقد كنت مجرد عبء في عينيها، مجرد دخيل في حياتها لا تعرف هي السبب الحقيقي وراء وجودي في عالمها الداكن. لطالما تمنت الخلاص مني فأيِّ من كل هذا تمنيتِ تحديداً وما الذي كنتِ تغبطينني عليه؟
تلك المرأة التي تمقتها وتظاهرت أنك تحبها هي المرأة التي. رأيتها أم لي أنا! لقد كانت من تدعوني لقضاء الوقت معها، كانت الوحيدة التي تشاركني أسرارها وتراني كإبنة! أنا لم أشعر بذلك يوماً مع أمي. ولكن خالتي باتريشيا تركتني لتوجه لي صفعة قوية بموتها. وبسبب من! بسببك أنت.
تغيرت نبرتها إلى الحقد والغضب لتعقب وبدت وكأنها ترص على أسنانها: بسببك أنت يا كريس. لم تعد خالتي موجودة! بسببك تركتني مشتتة! فقدت بئر أسراري والمرأة التي استشعرت منها الحنان والحب. هي الوحيدة التي شعرت بأنها تعد الدقائق والساعات منتظرة مجيئي لنمضي وقتنا معاً! هي حتى تعرف أدق التفاصيل عني! الوجبات التي كنت أفضلها أو أكرهها، الأشياء التي أخافها والأمور التي أحب ممارستها. وفي النهاية ماذا؟ قدتها إلى الإنتحار بسبب أنانيتك! كنتَ تتمنى الخلاص منها في حين كنت أتمنى أن أستعيرها منك ولو مؤقتاً! كنت مجرد منافق يدعي تمسكه بها. أتظنني غبية؟!
أولستِ كذلك!؟ وجدت من أمي بديلاً عن والدتك؟ بديلاً عن خالتي فيكتوريا؟ أخبريني أنكِ تمزحين. هل ظننت أمي قد أحبتك يوماً حقاً؟
اخرس. لقد كانت ولطالما أحبتني! شعرت بذلك في كل تصرفاتها معي.
هذا ما تمنيته أنتِ.
زميت شفتاي للحظة ثم تنهدت بخفوت محتضنة نفسي، ليكمل بهدوء: تلك المرأة لا تجيد سوى الكراهية، الحب في حياتها يأخذ شكلاً آخر، يأخذ هيئة حب التملك فقط ولا أكثر من ذلك. ربما كنتِ مجرد دمية تقتل الملل بالنسبة لها. تصديق ذلك أو تكذيبه راجع لكِ. ولكن. خمني ماذا الآن؟ ماكس الذي كنتِ أنتِ وأمي تستمتعان برؤيتي أتعارك معه تارة وأتجاهل وجوده تارة أخرى سأحاول أن أجد طريقاً لأصحح ما فعلته معه. أنت وهي. السبب في خسارتي للكثيرين في حياتي، لم أعد أرغب في تكرار أخطائي السابقة، ربما أخطأ في الماضي. ربما كان من تسبب في سوء حالتها النفسية. ولكنني أدرك الآن فقط. أن ماكس لم تكن نيته يشوبها ولو نسبة ضئيلة من التعمد، لم يقصد ذلك وإنما تحكمت به مشاعره، لا أدري حقاً إن كان مجنوناً آنذاك ليقع في حبها! لنعترف أنها كانت امرأة فائقة الجمال والنعومة. ولكن كل ذلك مجرد تزييف للكيان المريب النائم في داخلها! لو كنت مكانه لكرهت الإرتباط بها! لكرهتها ولرأيت جمالها مجرد قبح خفي! اللعنة على الجمال الذي يختبئ خلف قناع مزيف يسقط بمرور الوقت ويظهر البشاعة الكامنة خلفه.
استرسل بإزدراء: لنصل إلى نهاية هذا الحوار الأجدب، يكفي حديثا عنها. كنت فقط أريد التأكد من حيلتك لتجعلي شارلوت تشك بي وتعتقد أنني تفوهت بتلك الكلمات لكلتيكما وكأنني مجرد زير! كما أشكرك على إيضاح أفكاركِ العقيمة، أنتِ لن تتغيري ولن تحاولي تصحيح أخطائك، ستبقين تحرقين نفسك من الداخل وتجددين أقنعتك لتظهري نفسك كالمظلومة المضطهدة مقابل أن أكون الرجل الوغد الذي لا يستحق الثقة. اليس كذلك؟ على العموم أنهيت ما لدي، أما ما لديك فاتركيه لكِ. لا أريد سماع المزيد.
سمعت خطاه تقترب فشهقت بخفة وأسرعت أبتعد بحذر لأسرع للعودة إلى الداخل، وفي كل خطوة كنت أشعر في رغبة في الوقوف أمامه وأخبره بأنني. فخورة لكل حرف خرج من فاهه!
ولكنني أعلم جيداً أنه سيغضب لإستراقي السمع، وصلت حيث المدخل وعندما دخلت أبطأت من خطاي وانا أمشي بهدوء لأعود إلى الطاولة، نظر إلى السيد ماكس بترقب فأسرعت أبادر قائلة: لقد كان يسأل بالفعل عن ما قرره كريس، انقطع الإتصال لذا سأتصل به بنفسي لاحقاً.
حسناً لقد أغلقت في وجهه وعلى أن أبحث عن عذر ملائم حتى لا يضعني في رأسه! سأخبره أن الشبكة كانت ضعيفة هنا.
أومأ بتفهم فابتسمت له وأنا أجلس بجانب إيثان لأسرع بإمساك أي شيء أمامي لأضعه في فمي، لا يجب أن يعلم كريس أنني كنت في الخارج لأنه سيشك بي.
نظرت شارلوت إلى الوراء وبدت وكأنها تبحث عنه بعينيها حتى رأيناه قادماً عبر الحائط الزجاجي بملامح لا تعبير واضح فيها، دخل إلى المطعم واتجه إلينا فتجاهلت كل ما سمعته حتى لا أبدو كالحمقاء التي تحاول جاهدة إخفاء أمر ما.
جلس في مكانه بجانب شارلوت ليأتي سؤال والده بحيرة: من كان المتصل؟
نظر كريس إليه بشيء من التردد بالرغم من أن نبرته كانت هادئة جداً وهو يجيب دون أن ينظر إليه: أحد المسؤولين، سألني بشأن ضرورة عقد إجتماع قريباً نناقش فيه بعض الأمور.
هكذا إذاً، هل قررت معه يوم محدد؟
ليس بعد.
رأيت شارلوت التي ظلت تنظر للوراء حتى تساءلت باستغراب: أين أوليفيا؟
رمقها كريس بلا اكتراث رافعا كتفيه، فعقد جوزيف حاجبية محتاراً ولكن ما هي إلا لحظات حتى دخلت تمشي ببطء مطأطأة الرأس. ها هي ذا، تحيط بها الهالة المزيفة من الهدوء وهي في الحقيقة ترغب في الإنفجار أمامنا. أراهن على أنها الآن تكن لشارلوت كم هائل من الحقد والعداوة.
وصلت إلى الطاولة وكادت تجلس لولا أنها استدارت مجدداً لتبتعد، سألها جوزيف: إلى أين يا أوليفيا؟
أجابته دون أن تلتفت نحوه ببرود: دورة المياه.
تبادلنا النظرات الصامتة جميعنا حتى لوى ستيف شفتيه بإمتعاض وبدى يحاول جاهداً أن يربط لسانه لئلا يلقي تعليقا أمام والدها. وكذلك كلوديا إلى عضت على شفتيها وهي تعيد خصلات شعرها خلف أذنها هامسة بشيء ومتذمرة.
نظرت شارلوت إلى طبق كريس وقالت تتظاهر بالبرود: لقد برد طعامك.
رمقها بشيء من السخرية فبادلته نظرة سريعة قبل أن تسرع بإبعاد وجهها عنه، ثم نظرت إلى يسارها نحو جيمي الذي بدى يتجادل مع شارلي وبريتني في أمر بصوت خافت.
شيئاً فشيئاً علا صوتهم ليقول جيمي بإنزعاج: ولكن السيدة أولين تخبرني دائماً أنه على شرب الأشياء الساخنة في الشتاء حتى لا أمرض، هذا لا يعنني أنني طفل لأنني لا أشرب العصائر الباردة!
أضاف بغيض ينظر إلى كريس وبدى منزعجاً حقاً: أبي. شارلي لا يتوقف عن السخرية مني في كل شيء!
ارتفع حاجبا كريس ليسرع شارلي يقول بإستخفاف: حتى عندما تعترض على أي شيء لا تكف عن مناداة أباك أو السيدة أولين والعائلة كلها. كذلك مع زملائنا لا تكف عن الإستعانة بالمعلمة.
نظر كريس إليه بنصف عين فلوى الأخر شفته والقى نظرة مستنجدة على شقيقته جينيفر التي أشارت بالشوكة نحو كريس بحزم: هيه أنت لا تنظر إلى أخي بهذه الطريقة.
وكيف أنظر إليه؟ هل أنتِ فخورة بتجنيده بهذه الطريقة! هو حتى بالكاد يتصرف بطريقة ملائمة لسنه. إنه أسبوع فقط حتى يحصل على ترقية والرتبة الأعلى متخطياً كهلاً في منتصف السبعون.
أيده جوش بسخرية: معك حق. جينيفر عليكِ أن تكوني حذرة لأن شارلي على مشارف أن يُطلق عليه لقب بروفيسور الحياة! لقد ختمها كلها وهو بالكاد يتجاوز الخامسة!
ضحكت ستيفاني نافية: دعكم من حديثه، نظراته فقط تشعرني أنني أتحدث مع رجل تقلص في الحجم.
اتسعت عينا شارلي وهو يرى الجميع يسخر منه بينما ظهر الإنتصار على وجه جيمي الذي قال مغايضاً: أرأيت؟ لا أحد يحب طريقتك في الكلام.
تبادلا النظرات الملتهبة حتى دفع شارلي يد جيمي خلسة والذي بدوره أكمل الحرب الباردة بعيداً عن الأنظار ولكن كريس لمحهما ليقول بحزم: أنتما الإثنان.!
نظرا إليه فوراً لتتنهد جينيفر بإستياء: أرجوك لا تقسو على أخي المسكين!
أضافت تسند يدها على كتف إيثان بإستهزاء: اسمع. لديك رصيد محدود إن تم ملأه أكثر من اللازم سأقاضيك بشأن أخي، شارلي هل هناك أي كلمة تود توجيهها إليه؟
نظر أخيها إلى كريس بتردد وبدى بأن لديه طن من الكلام ولكنه تمتم على مضض: لا.
ابعد إيثان يد جينيفر وقال متنهداً بعمق: لا أعتقد بأنه لديكِ حس من المسؤولية البتة! في الآونة الأخيرة يتصرف الصغار كالبالغون تماماً وأنتِ تزيدين الوضع سوءاً.
جادلته بحزن: أوه إيثان. أنا أقوم بتوعيته فقط!
أكملت تكتم ضحكتها: فليكن. أنا فخورة جداً بعبقرية ووعي أخي الصغير.
عندما انهت جملتها شهقت شارلوت وهي تبعد كرسيها عن الطاولة بسرعة لندرك أن طبق جيمي قد انسكب عليها عندما دفعه دون قصد بيده حين عاد لشجاره الصامت مع شارلي.
نظر كريس إليها ثم إليهما ليغمض عينيه للحظة هامساً: ها هو ذا وعي أخاكِ الذي تتحدثين عنه.
أسرعت شارلوت تقف ممسكة بمعطفها جيداً وتبتعد عن الطاولة: سأسرع لأنظف ملابسي. لن أتأخر.
اتجهت نحو دورة المياه في حين قال شارلي بحذر: هو من دفع الطبق بيده.
أومأت جينيفر: صحيح. جيمي السبب.
رفع الأخير عينيه العسليتان الواسعتان نحو كريس بتردد ولكن الأخير أشار له أن يكمل طعامه ويتجاهلهما.!
علق السيد مارك بملل: عندما تبلغ الثلاثون من عمرك يا شارلي ستستوعب أنك لم تعش طفولتك جيداً وستندم لتلوم شقيقتك.
أيده سام يسند كلا مرفقيه على الطاولة: بل وستمارس أنشطة لا يمارسها سوى الصغار وتثير سخرية من حولك محاولا تعويض نفسك. أنظر إلي، أنا في الرابعة والعشرون وأحلق فرحاً عندما أرافق أصدقائي إلى الملاهي أو الشاطئ وحتى متابعة قنوات الرسوم المتحركة.
زفر ستيف: أنا مستعد لسماع الحِكم من أي شخص عداك أنت، حتى لو كانت من ذلك الكئيب الذي يجلس وحده هناك.
قصد رين الذي رمقه بنظرة سريعة وقال ببرود: اهتم بشؤونك الخاصة.
هدأ الجميع للحظة ليكملوا تناول طعامهم، لفت انتباهي نظرة عميقة شاردة القاها كريس على رين الذي لم ينتبه له، ثم بدى يفكر بعيداً عنا وغير مسار عينيه نحو ماكس. ولكن الأخير انتبه له فأسرع يشيح بوجهه بعيداً!
طرفت بعدم فهم وتساءلت في نفسي عن سبب تصرف كريس بهذه الطريقة قبل مجيئنا إلى المطعم حتى.
أي أمر قد يدعوه ليشرد في وجه رين؟! وأي أمر قد يجعله ينتزع ناظره بعيداً عن ماكس فوراً؟ بل وفي حديثه مع أوليفيا. دافع عنه بشكل أدهشني! ما الذي فاتني تحديداً؟
شارلوت:
يا الهي لقد اتسخت ملابسي تماماً! ومع ان الطقس بارد ولكنني مضطرة لتنظيفها بالماء قليلاً.
أسرعت أدخل دورة المياه واتجهت نحو المغاسل الموجودة على اليمين والتي كانت تحيل بين الجهة الأخرى من الحمام وهذه الجهة، فتحت صنبور المياه وأحضرت مناديل لأبللها جيداً وامسح ملابسي ومعطفي.
أتساءل عما سنفعله بعد خروجنا من المطعم، هل يوجد وجهة معينة نذهب إليها أو أننا سنعود إلى الأكواخ؟
ذكر سام وستيف أمر المهرجان ورغبتهما في الذهاب إلى هناك، أعتقد بأنني أرغب في مرافقتهما، لأسباب كثيرة أولها محاولة التخلص من التوتر النفسي، فمنذ أن رأيت أوليفيا تخرج وتتبع كريس وأنا عاجزة عن التوقف عن التفكير. أي نوع من الحوار كانا يخوضانه؟ وكيف كان كريس يواجهها بأي نظرة وبأي نبرة؟
كما أنها عندما عادت أسرعت إلى دورة المياه ولم أكد حتى أنظر إلى تعابير وجهها!
استوعبت الأمر مفكرة باستغراب عن مكانها طالما أنني في دورة المياه أيضاً!
تركت المنديل قليلاً ألتفت من حولي بحيرة قبل أن اكمل تنظيف ملابسي متسائلة ما إن كانت في أحد الحمامات أو في الجهة الأخرى خلف المغاسل.
أنهيت تنظيف ملابسي التي بللتها وأنا أدرك أنني قد أتجمد بسببها، ولكن هذا أفضل من التصاق رائحة الطعام بي.
نظرت إلى نفسي بالمرآة وقد جعلت إضاءة الحمام الصفراء والممزوجة بالإضاءات البيضاء وجهي يبدو ملفتاً إلى درجة أنني تمنيت بتهور لو أن كريس يقف هنا لأستخدم سلاح آخر. فلقد أتى ملمع الشفاه بنتيجة عكسية فربما الإضاءة هنا ستقف إلى جانبي!
فلو فعل أي شيء سأصرخ وأطلب مساعدة الموظفون هنا وأنكر كونه زوجي، أريد رؤيته ذليلاً قليلاً وأجبره على الإعتراف لي مهما حصل.
ولكنني أشعر أنه سيُكتب على قبري اسمي وبعض معلوماتي وطريقة الوفاة إضافة إلى جملة مزخرفة تُوفيت قبل أن تسمع اعتراف زوجها. لندعو لروحها أن ترقد بسلام .
تنهدت بلا حيلة متذكرة ما سمعته من والده، أعتقد أن. حياتي مقارنة بالكثيرون تعتبر مجرد حياة هادئة مسالمة ووردية بمعنى الكلمة! لا مجال لمقارنتها بهمومهم وأحزانهم وكل ما خاضوه.
رجل مثل السيد ماكس كتم كل تلك الهموم لنفسه وعانى وحيداً ويشعر بالنبذ من ابنه وزوجته. كيف صبر على كل هذا؟
نظرت إلى انعكاسي وقد أظهر صورة متضايقة وبائسة لي فأسرعت امحي هذه الملامح وارتب شعري وغرتي وقد انخفضت عيناي لأرى انعكاس ثغري.
وجدت نفسي أبتسم بشرود أرفع أناملي نحو شفتاي، هذا الحقير كريس. جذاب ويجيد استغلالي بكل احترافية. ، عندما ابتسم لي بلطف وأنا غاضبة بدوت كمكعب ثلج أُذيب دون أي تدرج، في ابتسامته جرعة نبيذ نادر يذهب العقل ويمحي الحنق فوراً، بل وفي عينيه العسليتان الناعستان في طرفهما شعوذة وفي كل مرة اتمنى كالمخبولة أن أبقي تحت تأثيرهما وأتخلى عن وعيي. يجعلني أبدو كفتاة تقف بلا حيلة أمام ساحر وصل إلى أعلى مرحلة في تقديم فنونه أمام جمهوره العظيم، مخاطباً الملأً بصوت مؤثر عن كيفية أسر المسكينة التي تقف أمامه في زنزانة حبه وسحره بلا حول أو قوة.
أفقت على إثر صوت خافت قطع حبل أفكاري فالتفت من حولي باستنكار، ما هذا؟
وكأنني أسمع صوت بكاء خافت جداً!
تحركت أخطو أمام أبواب الحمامات التي كانت جميعها شاغرة، اتجهت إلى الجهة الأخرى خلف المغاسل وهناك رأيت أوليفيا تسند يديها على رخام المغسلة وتبكي بصمت محدقة إلى وجهها في المرآة وقد توردت أطراف عينيها ووجنتيها.
ماذا الآن!
لماذا تبكي؟!
لويت شفتي بشيء من التردد وأنا أعود بخطواتي للخلف متجاهلة أمرها، ولكنني. توقفت أنظر إلى الأرض بتشتت وقد وجدت نفسي أعود إليها لأنظر نحوها عن بعد وأقول على مضض: هل. من خطب ما؟
انتبهت لي وقد احالت بعينها عن المرآة بسرعة لتنظر إلى وقد سلك الإشمئزاز وجهها وظلت تحدق إلى بتأمل للحظات مما جعلني أتوجس قليلاً!
حينها عزمت أمري على عدم التدخل في أمورها فأنا في غنى عن الصداع الذي ستسببه لي بمعاداتها وغضبها أو إنفعالها.
استدرت لأغادر حتى سمعتها تهمس بصوت مرتجف: الفتاة اللطيفة النقية التي تغير الشيطان لأجلها. هاه؟
نظرت إليها بعدم فهم لتشق الإبتسامة اليائسة ثغرها مردفة: عنوان رواية لطيف اليس كذلك؟ تبدو رواية مشوقة حقاً. أنا حقاً أكرهك أكثر من كل شيء يا شارلوت. أمقتكِ كثيراً! أكثر من مخاوفي وأكثر من كل أمر قد أعاني بسببه. أكرهك!
عقدت حاجباي وفغرت فاهي قليلاً أستغرب ترديدها لهذه الكلمة بهذه النبرة وبهذه الطريقة!
ومع ذلك تجاوزت الأمر والتفت متمتمة: لا يوجد ما أفعله هنا.
تحركت خطوتين فقط وقد وقفت عندما قالت بحقد: كيف كان شعورك؟ هل كنت سعيدة عندما قبلك أمامي؟ لا بد وأنك كدتِ تحلقين فرحاً! تتصرفين كالفتاة اللطيفة بينما دوافعك في الحقيقة خبيثة، هذا مقرف. أكره الطريقة التي ينظر إليكِ فيها.
تنهدت بلا حيلة ورمقتها من فوق كتفي: صدقيني يا أوليفيا، الحقد والكراهية لن تجني منهما سوى الخسارة وتقليص عمرك، ربما قد تم خصم عشر سنوات من عمرك أنا جادة فيما أقوله! توقفي عن زرع كل هذه السلبيات في قلبك! لا تمدي يديك على أمر ليس لكِ، ولا تكرهي المرء لمجرد اختلافه معكِ في الرأي أو في التفكير، ولا تتدخلي في أمور الآخرين. التفتي إلى نفسك وارحمي عقلك قليلاً!
أنا لستُ بحاجة إلى نصائحك المزيفة، أنا فقط أحتاج إلى كريس الذي كان من المفترض أن يكون لي!
هو ليس سلعة يتم تمريرها هنا وهناك.
أعقبت بشيء من الغيض: له حرية الإختيار، ألا يكفي أنه كان مجبراً على إحتمال والدته ولم يكن له حيلة في اختيار الحياة التي يستحقها؟
عضت على شفتيها بقوة وهي تنظر إلى بعينيها الزرقاوان وقد تبللت أهدابها إثر الدموع وهمست: ما المميز بشأنك؟! ما الذي يلفته إليكِ؟ بأي نقطة تفوقينني تحديداً!
نفيت برأسي بهدوء: أنا لا أفوقك بأي شيء، أنت من تجعل من مستواها ينحدر بإستمرار.
وجدت نفسي اقترب نحوها لأحاول جعل نبرتي مهدئة مواسية لعلها تتخلى عن كراهيتها نحوي لنعقد هدنة مؤقتة: أوليفيا. أنا حقاً لم أحمل نحوك أي شكوك منذ البداية! بل أنني اعتقدت أننا ربما سنكون صديقتان يوماً ما، لقد كنتِ من غدرت بي وتمادت لتتجاوزي حدودك مع كريس. مع زوجي! لقد. لقد ظلمته عدة مرات واتهمته بالخائن ولكنني ندمت كثيراً لهذا! لم يتأخر الوقت. أنا جادة لم يتأخر الوقت لنصلح الوضع بيننا! أقسم لكِ أنني مستعدة لتجاهل ما حدث ولكنني لا أعدك بأنني سأسامحك بسرعة!
أنا لم أكن لأقل لها كلمات مشابهة إلا لسبب واحد، أنا الآن واثقة من مشاعر كريس نحوي ولا أعتقد بأنه يوجد ما أخسره إن أصلحت الوضع معها! أعترف بترددي وشعوري بعدم الإرتياح لكلماتي المتسرعة هذه ولكن. هذا ما ترجمه لساني دون تفكير، ظلت تحدق إلى بطريقتها تلك حتى رأيتها تمد يدها لتمسك بيدي!
ارتخت ملامحي قليلاً عندما ظلت تمسك بها وكادت ابتسامتي تشق طريقها نحو ثغري لو لا أنها تلاشت عندما سحبتني ودفعتني إلى الحمام الذي كان بابه مفتوحاً!
لم أكد أنظر إليها لأصرخ عليها بغضب حتى تأوهت بشدة أغمض عيناي بقوة عندما داست بقدمها على الجرح الموجود في ساقي!
جثيت على الأرض متألمة وقد رمقتها بحنق وسخط، هذه اللعينة لن تتغير حقاً!
سحقاً هذا مؤلم إلى حد الموت، هذا موجع حقاً.
تأوهت رغماً عني محاولة تمالك نفسي لئلا تدمع عيناي أمامها، ولكن هذا كان صعب جداً فلقد شعرت بقدمها تكاد تمزق ذلك الجرح من جديد! يا الهي لم يلتئم بعد. أخشى أنها ستزيد وضعه سوءاً!
همستْ تمسح دموعها بكره: إنه تهديدي الأخير. ابتعدي عنه، اخرجي من حياته.
مررت يدي على ساقي بألم وحاولت الوقوف عن الأرض ولكنني عجزت، وبالرغم من ألمي صحت بها بغضب وقد اهتزت أوصالي: لقد طفح الكيل، الرجل الذي تتحدثين عنه هو زوجي أيتها المختلة المريضة! اللعنة على وقاحتك لقد ضقت ذرعاً منكِ!
قلت أخرجي من حياته، أعيديه لي!
أغضبتني نبرتها الآمرة المتسلطة وقد فار دمي وجن جنوني لأصرخ بحدة: هذا يفوق طاقتي، أنتِ تتبعين أساليب لا تدل سوى على جبنك يا أوليفيا، أتُراك تظنينني سأتجاوز كل أفعالك؟ أفيقي. يوجد حدود لصبري أنا أيضاً! وقوعي في حب كريس جعل مني مجنونة قد تتصرف بلا وعي لذا إياكِ ودفعي للتهور لأنني. بدأت حقاً أرغب في خوض شجار عنيف معك!
عندما انهيت كلماتي تفاجأت بها تدوس بقدمها مجدداً على ساقي فرصيت على أسناني أتألم ولم أكد ألتقط أنفاسي من غضبي ووجعي حتى اتسعت عيناي بإرتياب وذعر عندما قامت بفتح أنبوب الماء الموجود بجانب المرحاض لتوجهه إلى وجهي!
حاولت إبعادها عني ولكنني صعقت بقوتها التي تضاعفت فجأة وهي تصر على عدم إبعاده عن وجهي فأغمضت عيناي وأنا أرغب في البكاء عندما داست بقدمها للمرة الثالثة على الجرح، أشعر بأنني سأختنق من هذا الماء.
رفعت يداي محاولة إبعادها بكل ما أوتيت من قوة ولكنها ظلت تتنفس بسرعة وبحنق وكأن الغضب أعماها وزاد من معدل قوتها!
اللعنة. سأختنق حتماً!
لا يمكنني التنفس.
شعرت برغبة في إستنشاق الهواء وقد انهار جسدي عندما ابتعدت عني فجأة وأغلقت الماء!
لم أكلف نفسي عناء النظر إليها لأن طاقتي قد نفدت! أشعر بالوهن الشديد.
أنا حقاً. بالكاد أتنفس الآن!
أخبرتكِ أنه تهديدي الأخير. سأتركك لتفكري بالأمر على رسلك، صدقيني أنا قادرة على فعل أكثر من هذا.
هذه الحقيرة المختلة، ألقت بكلماتها تلك وابتعدت لأراها تنظر إلى نفسها بالمرآة مرتبة شعرها قبل أن تخرج.
نظرت إلى ساقي بصعوبة وقد بدأت أبكي لأشعر بالشفقة على نفسي، كيف أكون بهذا الضعف الغريب مقابلها! كيف لم أدافع عن نفسي؟! ما الذي. بذر مني تحديداً! خوف؟ إستسلام؟!
أنا لست بهذا الضعف، لست جبانة، أنا قادرة على الدفاع عن نفسي بشراسة فكيف كنت كالتي استسلمت فجأة، كيف أكون بهذا التراخي بل لماذا كنت بلا حيلة وكأنني بالفعل غير قادرة على فعل أي شيء! اللعنة. أشعر بالغضب والوهن الشديد. بالكاد استوعب ما كانت تحاول فعله، وتسميه مجرد تهديد؟ إلى أي مدى صحتها العقلية مصابة؟ ما مدى خطورة ذلك التفكير الغريب الذي تلجأ إليه.
موقف واحد فقط. جعلني كالبكماء والمشلولة تماماً، غير قادرة على ردعها أو على خوض حرب لفظية معها.
بالتوغل بالأمر للحظة. لا يمكنني لوم كريس أو حتى عتابه على اي فعل يبذر منه مقابل ما واجهه وما وجده منها، إن كانت في الماضي قد حاولت إيذاؤه وتسببت في إيذاء جينيفر فمن يعلم ما خُفي أيضاً، ومن يعلم كم من الأمور التي قد يتحفظ عليها كريس لنفسه كما فعل دائماً.
حاولت التوقف عن البكاء وابعدت شعري المبتل عن وجهي، يا الهي. هذا حقاً كثير جداً، أشعر برغبة في تمزيقها حالاً ولكنني في الوقت آنه أعترف بخوف وتوجس قد سيطر علي. وعلى يداي اللتان بدأتا ترتجفان وأنا أحاول تمالك نفسي بصعوبة.
اعتدلت في جلستي على الأرض ببطء وبدأت أقف شيئاً فشيئاً وما أن ضغطت على قدمي حتى شعرت بالألم كالجحيم يحرق ساقي فأسرعت أجلس مجدداً أعض على شفتاي وأعود للبكاء كطفلة لا تعي كيفية التصرف.
ومع ذلك عاودت الكرة مرارا وتكرارا حتى وقفت وأسندت جسدي على باب الحمام ودفعت بنفسي لأستند على رخام المغسلة وانظر إلى وجهي المتورد إثر ألمي وبكائي، كيف سأخرج الآن.
كيف سأخرج وملابسي مبتلة وبالكاد أدوس على قدمي! سأفسد على الجميع الأجواء هناك. يكفي ما يمرون به ولا يجب أن أزيدهم، ولكن. يا الهي. هذه حقاً معضلة.
أبعدت شعري المبتل عن وجهي قليلاً ونظرت بعيني الدامعة إلى الأرض باحثة عن ربطة شعري. إنها في الحمام، لا أظنني قادرة على التراجع ولو خطوة واحدة للخلف. هل سأستطيع تجفيف شعري حتى! أي حجة مقنعة ومنطقية سأقولها أمام الجميع؟ أنا لن أفسد الأجواء عليهم في الخارج. لا يجب أن تقلق أمي بشأني فهي تبدو كالعداد الذي ينتظر لحظة وصول المؤشر إلى الحد الأقصى لتنفجر وتخرج من طور هدوئها.
رفعت عيناي أتأمل وجهي الواهن في المرآة، لم أعد أستطع الوقوف أو أضغط على قدمي فجلست ببطء وحذر على الأرض أنتظر أي خدمة قد يقدمها الوقت لي.
تيا:
لفت انتباهنا أوليفيا التي عادت من دورة المياه بوجه هادئ وقد جلست في مكانها، لمحت رين الذي نظر إليها بتمعن في حين سألها ماكس: ألا تزال شارلوت تنظف ملابسها؟
أومأت ترتشف من العصير ببرود: على الأغلب.
علقت كلوديا مفكرة: ماكس، ما الخطة التالية؟ هل يوجد مكان تخططون للذهاب إليه؟
أجابها مبتسماً بلطف: سنعود إلى المخيم وهناك سنتفق جميعنا على مكان مناسب لنقصده.
تأفف ستيف وقال برجاء: خالي لا داعي للتفكير، أرجوك لنذهب إلى المهرجان!
عقد سام حاجبيه بأسى: هل حقاً لن نذهب هناك؟ يوجد الكثير من الأنشطة والفعاليات!
أضاف يفكر بإهتمام: كما أنها ستكون فرصة ممتازة لي لألتقط بعض الصور.
ثم رفع كلتا يديه في الهواء يحركها بطريقة فنية: صورة لأحد الشبان وهو يتزلج ويقفز بإحترافية، أو صورة لفتاة ذات شعر حالك السواد مناقض تماماً لبياض الثلج.
شهقت جينيفر تفيء شعرها بغنج وخجل: أوه سام، أخجلتني حقاً!
اقتضب مشيحاً بوجهه في حين قالت بحزم فجأة: ما هذا التعبير على وجهك! شعري أسود ولدي مظهر أنيق فلماذا لست مناسبة؟
عقد كريس حاجبيه بإنزعاج في حين تنهد السيد مارك: حسنا حسنا يا جينيفر سيلتقط لكِ صورة، اليس كذلك يا سام؟
لوى الأخر شفتيه بينما هدده مارك بعينيه فقال على مضض: نعم.
لمحت جيمي الذي كان يمضغ الطعام ويبدو مفكراً بأمر ما حتى نظر إلى كريس وهمس بتردد: أبي. هل سنذهب إلى مهرجان التزلج بعد ان نخرج من هنا؟
لم يكن أحداً قد انتبه لسؤاله سواي وقد ابتسمت بهدوء وأنا أتناول الطعام في حين يتبادل الجميع أطراف الحديث مصدرين ضجة في المطعم، نظر كريس إليه وطرف بعينه ينظر للفراغ قبل أن يجيب: ماذا عن هذا؟ لنذهب أنا وأنت فقط إلى ذلك المهرجان.
عقدت حاجباي باستغراب في حين اتسعت عينا جيمي بعدم تصديق وقد انخفضت نبرته أكثر بشك: أنا وأنت. فقط؟ أبي. هل حقاً سنذهب نحن الإثنان فقط؟ ماذا عن جدي وأمي وستيف وخالي سام! وماذا عن.
لا أتذكر ذهابنا معاً إلى نزهة ما. لما لا نبدأ اليوم؟
قاطعه بتلك الجملة وقد شعرت بالغصة عاجزة عن ابتلاع اللقمة في فمي إثر دهشتي. في حين ظهر الحماس على وجه جيمي الذي بدى وكأنه سيصرخ بمرح وإنفعال فأسرع كريس يقول محذراً بهمس: لا تخبر ستيف أو خالك سام. لن يمهلانا فرصة الذهاب وحدنا.
يا الهي. هذا الشخص الجالس مقابلي. قد تمت قرصنة عقله بطريقة ما! هل هذا ما كان يعنيه برغبته في التقرب إلى جيمي؟ إنه بالفعل يحاول! يوجد تقدم واضح ومبهر. وأخيراً!
ابتلعت اللقمة التي سببت لي الغصة ونظرت إلى كوب الماء لأرتشف منه بسرعة، يمكنني ان أشعر بالطاقة الحيوية التي يبثها جسد جيمي الصغير، يمكنني أن أراه يحاول جاهداً إطباق فمه لئلا ينشر الخبر حالاً! رأيت كريس يرمقه بطرف عينه بهدوء ثم نظر للأمام وقد ابتسم بهدوء وارتخت ملامحه.
أرغب بأن أصفعه على وجنته من شدة الحماس وأخبره بصوت عالٍ انني فخورة به إلى درجة من الصعب تصورها! قمعت رغبتي هذه وتنفست الصعداء حتى مرت لحظات قد استدارت السيدة ستيفاني فيها لتنظر للخلف ولكن الأغصان الموجودة في منتصف المطعم تحيل بينها وبين ما تحاول النظر إليه تحديداً حيث دورة المياه، تساءلتْ باستغراب: ألم تتأخر شارلوت؟ هل كانت ملابسها متسخة كثيراً؟
أعتقد أنها بالفعل قد تأخرت، ملابسها لم تكن متسخة كثيراً لتطيل البقاء في دورة المياه!
عقدت حاجباي مفكرة عندما التقت عيناي بعينا كريس الذي أشار لي خلسة، يريدني أن أذهب لألقي نظرة! ولكن.
لم أفهم أسبابه ولكنني للحظة فكرت بجدية بأنه على أن أفعل ذلك وأذهب بنفسي، عندما وقفت ستيفاني أسرعت أبتسم أستوقفها: مهلا سيدة ستيفاني، سأذهب أنا أيضا إلى دورة المياه وسألقي نظرة على شارلوت.
دفعت كتفيها برفق لتجلس مجددا فنظرت إلى بحيرة وتردد فطمأنتها بابتسامة دافئة، لتقول كلوديا وهي تنظر إلى ساعة هاتفها: هيا يا تيا أسرعي أنتِ أيضاً، أخبري شارلوت ألا تتأخر لنعود إلى الكوخ ونقرر خطتنا التالية.
أومأت وأنا أتحرك ألوي شفتي بعدم فهم، لماذا أراد مني إلقاء نظرة قبل السيدة ستيفاني؟! لا تخبروني بسبب تواجد شارلوت وأوليفيا في المكان ذاته قبل لحظات. أتكون تلك المختلة قد بذر منها فعلاً مجنوناً مرة أخرى؟
شعرت بهاجس يجبرني على الإلتفات خلفي لأجد كريس يتبعني بوجه هادئ ويبدو مسترسلاً في أفكاره، عندما رآني سألته بحذر: والآن أنتَ أيضا تعذرت بالذهاب إلى دورة المياه، سنلفت النظر يا كريس.
تجاهل ما قلته متمتماً بجدية: القي نظرة عليها.
شعرت بجدية الأمر بسبب نبرته تلك، بل ولمعت عينيه العسليتان ببريق لحوح فتحركت بسرعة. دخلت دورة المياه أنظر إلى الجهة اليمنى منادية باستغراب: شارلوت؟
سمعت صوتا خافتا في الجهة الأخرى على شمالي خلف المغاسل تلاه صوت مألوف: تيا.؟
إنها هي.
تنفست الصعداء وتحركت بملل باحثة عنها: لماذا تأخرتِ هكذا؟ علينا أن نغادر ل.
ولكنني توقف في مكاني بذهول وارتياب لرؤيتها تجلس على الأرض وشعرها الطويل منسدل على ظهرها وحول وجهها، كان مبتلاً والأمر سيان بالنسبة لملابسها! بدت ملامحها متألمة وهي تمرر يدها على ساقها فاقتربت فوراً بقلق وجثيت أمامها وقد تسارعت خفقات قلبي بتوتر: ما الأمر؟ ما خطبك!
لم تنظر إلى وإنما ظلت تمرر يدها على ساقها وهمست بصوت واهن: من الجيد أنكِ هنا، ساعديني على الوقوف وتجفيف ملابسي، أكاد أموت برداً!
نظرت إلى ملابسها وشعرها ولم أعلم من أين على البدء! ارتجفت يداي قليلاً متسائلة: هل أنتِ على ما يرام؟! هل هي من فعلت هذا؟ كانت شكوك كريس صحيحة، ما الذي بذر منها تحديداً! هل تشاجرتما؟
ولكنها تجاهلت الأسئلة التي فجرتها لتبتسم بتعب: أنا بخير يا تيا، أحتاج فقط لتجفيف ملابسي وشعري، لا يجب أن أخرج هكذا.
نفيت وقد بدأ الإرتباك يسيطر علي، كيف على أن أتصرف الآن! حتى لو أرادت ذلك كيف سأجفف ملابسها!
تلك اللعينة. ما الذي كانت تفكر به؟!
عضيت على شفتي بقهر وحزمت أمري لأخرج وأنادي كريس، ولكنني ما أن وقفت حتى تفاجأت به قد دخل خلفي ولمحنا فوراً، هذا المجنون سيجلب لنا الحديث الذي لا ينتهي لو رآه الموظفون يدخل إلى دورة مياه النساء!
اتسعت عيناه وهو يحدق إليها في حين قالت شارلوت ولم تنتبه لدخوله: أنا فقط. لا يمكنني الوقوف وأظن الجرح في ساقي قد ازداد أمره سوءاً، عليكِ أن تساعديني على التحرك أو حتى على الخروج من المطعم، ستغضب أمي وأعلم جيداً أنها ستنفجر وسينفذ صبرها. يكفي ما يمر به الجميع.
بللت شفتاي أنظر إليها ثم إلى كريس الذي ظل ينظر إليها وقد ظهرت تقطيبة بين حاجبيه تنم عن الدهشة والإستنكار ليهمس: ما الذي فعلته لكِ بحق الجحيم؟
انتفضت شارلوت ترفع رأسها وتنظر بإتجاهه هامسة بعدم تصديق: ما الذي تفعله في حمام النساء!
أجفلتُ وكذلك قد ارتجفت هي لصوته الحازم: هل هي من فعلت ذلك؟
اقترب بغضب فابتعدت عن طريقه لأراه يتقدم ويجثي أمامها، تنهدت شارلوت بلا حيلة: كريس أنا بحاجة فقط إلى التصرف فلا أدري ما ستكون عليه ردة فعل أمي، أخشى أنها ستنفجر و.
وليكن!
قالها بحدة وغضب فاقتربت منهما وقلت بإنزعاج: شارلوت، أوليفيا قد تمادت أكثر من المعقول! أنظري إليكِ. من يدري ما الذي قد تفعله أيضاً!
نفيت برأسها بسرعة وقالت بجدية تنظر إلى كلانا: قال السيد ماكس أنه سيتحدث مع والدها لذا لا داعي لتهويل الموضوع، ثم إنه خطأي، كان على تجاهل أمرها والخروج من هنا ولكنني خضت حديثاً معها وحدث ما حدث.
ثم أخفضت رأسها بشيء من التعب وهمست: للحظة فكرت بأمرك يا كريس.
ابتسمتْ بأسى قبل أن تكمل: سألت نفسي كيف احتملتَ تصرفاتها طوال الوقت، في المقابل أنا لم أكن قادرة على الدفاع عن نفسي في موقف كهذا، وكأنني استسلمت وانصعت لها بلا حول أو قوة، كرهت نفسي كثيراً. لا أدري كيف تصرفت بضعف فجأة.
ظل ينظر إليها بشيء من الغضب حتى اخفض نظراته إلى ساقها ورفع بنطالها قليلاً وبحذر، عقدت حاجباي عندما رأيت الضمادة قد ابتلت وانزلقت لتظهر الجرح الذي أحيط بالإحمرار وخط رفيع من الدماء، سحقا هذا حقاً. كثير جداً!
همس بحنق: لقد طفح الكيل.
قالها وهو يقف بنفاذ صبر ولكن شارلوت أسرعت تمسك بطرف معطفه لتجبره على التوقف وقالت بحزم ورجاء: لحظة يا كريس إلى أين أنت ذاهب تحديداً! من فضلك تجاهلها الآن فقط. لا أريد أن أتسبب في قلب الموازين في الخارج وأفسد على الجميع الأجواء. يكفي ما حدث في الآونة الأخيرة دعنا نتجاوز الأمر الآن.
ظلت ممسكة بمعطفه بقوة وهو ينظر إليها بعين قد احتدت بغضب، حاول إبعاد يدها ولكنها رفعت يدها الأخرى كذلك متمسكة بمعطفه وقالت بصوت أجش: هذا يكفي! لننتظر قليلاً حتى ترحل اليوم. صدقني سيكون كل شيء على ما يرام وستهدأ الأوضاع ونكمل التخييم بسلام. ما الذي تنوي فعله أصلاً بربك!
أغمض عينيه متمالكاً نفسه وهو يهمس: ما الذي أنوي فعله؟ لا إجابة محددة لدي على هذا السؤال. ولا ادري ما الذي سأفعله عندما أرى وجهها. ولكنني أعلم جيداً أن الكيل قد طفح بي ومستعد لتلقينها درساً لن تنساه حتى الممات.
تدخلت مهدئة: على رسلك. دعك منها الآن فلا شيء جديد، لنرى كيف سنتصرف.
أضفت متسائلة بجدية: ماذا عن هذا؟ أتذكر أنك تضع معطفاً إحتياطياً في سيارتك دائماً، ألن يفي بالغرض ولو مؤقتاً؟
أيدتني شارلوت بسرعة: لا بأس، سيكون كافياً فنحن لن نطيل هنا على أي حال، سنرحل بعد قليل وسأغير ملابسي فوراً ما أن نعود.
أومأت بجدية وقلت أمد يدي نحوه: أعطني مفتاح سيارتك بسرعة.
ظل ينظر إليها بإنزعاج شديد وهو يخرج المفتاح من جيبه ويمده نحوي دون أن يبعد عينيه عنها، تناولته منه وأسرعت لأخرج مفكرة في العذر الذي سأحيكه بعناية في حال رآني أحدهم ليسألني عن المكان الذي سأقصده.
شارلوت:.
بللت شفتاي بشيء من التوتر ولم أعلم ما على قوله!
جثى أمامي وعاود ينظر لساقي ثم زفر بغضب وهو يرص على أسنانه، فمازحته وأنا أنزل طرف بنطالي لأخفي الجرح: ويحك يا كريس، سنرى ما سيحدث عندما تدخل أي امرأة وتراك هنا.
أردفت أتظاهر بالصراخ بفزع بصوت خافت: يا الهي. رجل. إنه رجل منحرف! أنقذوني. لا يمكن أنه هاجم تلك المسكينة، اتصلوا بالشرطة حالاً.
ضحكتُ بخفوت ولكنني سرعان ما تسمرت بدهشة عندما أحاطني بذراعيه فجأة يمرر يده على ظهري وكأنه يحاول تدفئتي!
طرفت بعيني ببطء ولم أستطع منع نفسي من إطلاق العنان لنفسي لأرفع يدي أبادله العناق هامسة دون شعور: تفاجأت من ضعفي كثيراً.
حذرتك مئة مرة من الحديث معها، أنذرتك من الإحتكاك بها ولكن لا فائدة، تلك اللعينة مجرد مختلة لا تفرق بين الصواب والخطأ، إلى متى على أن أنبهك بحق الإله!
زاد من قوة عناقه وهو يضيف بصوت خافت مغتاظ: سحقاً لبلادتك.
ابتسمت بأسى أتشبث به وقلت بتردد: كريس. ما الذي كنتما تتحدثان بشأنه؟
ساد السكون المكان بعد سؤالي ذلك! لم يجب وإنما أسند رأسه على رأسي بصمت. وجدت نفسي أعقب بشرود: بدت غاضبة جداً، تفوهت بكلمات غير مفهومة، كانت منفعلة وتصرفت كما لو كانت تكرهني أكثر من كل مرة. كريس، أي حديث خضتما تحديداً؟
لم أجد أي إجابة تُرجى، وإنما ابتعد وبحث بعينيه عن أمر ما، حتى وقف مبتعداً قليلاً متجها إلى الحائط ليسحب بعض المناديل وتفاجأت به يجفف شعري بها، ابتسمت بلا حيلة رغماً عني ولم أعلق.
سحب إحدى خصلات شعري محاولا تجفيفها فنظرت للأرض بصمت وقد ارتخت ملامحي بشيء من الوهن الذي يجوبه راحة مناقضة تماماً لحالة جسدي الذي يرغب في التدفئة والإسترخاء.
ما الحل.
تساءل بصوت خافت وقد توقفت يديه، عقدت حاجباي بعدم فهم محاولة فهم ما يرمي إليه: حل؟ بشأن أوليفيا!؟
هي لا تسأم، لن تتوقف. ما الذي قد تفعله لاحقاً! حتى وإن عادت إلى منزلها اليوم. هذا لا يعني النهاية!
شعرت ولأول مرة انني أراه متوتراً وبصريح العبارة! بل أنه أضاف بشيء من التلعثم: لطالما كنت مضطراً لمجاملتها ولكن ذلك لم يكن يساعد حقاً، حتى الكلام الصريح أتى بنتائج عكسية. ما الحل إذاً! هل أنا لستُ مخيراً حقاً؟
التقت عيناه بعيناي ليهمس بضياع ألجمني: ما الذي على فعله لأبعدها؟ ألا يحق لي البقاء إلى جانبك.؟!
شعرت بثقل مريب في لساني.
جحظت عيناي وجف حلقي محدقة إليه بإحراج ودهشة!
يا الهي.
ماذا أقول في لحظة كهذه؟
كيف أتصرف الآن! لا أريد أن أبالغ أو أخذ منعطفاً خاطئاً، لم أشعر يوماً بالسعادة هكذا! لست أشعر بخوفه على فقط وإنما بالكم الهائل من الإهتمام الذي يوجهه لي أنا فقط! أنا وحدي.
أخفضت عيناي بتوتر وقد اعتراني الخجل، ولا ادري كيف أتتني الجرأة ولكنني لم أستطع منع نفسي.
أمسكت بيده اليمنى بكلتا يداي بلطف أكبت رغبتي في معانقته بقوة، رفعتها نحو وجنتي وأغمضت عيناي بإسترخاء، ولكنني سرعان ما جعلت يده تستقر أسفل شفتاي لأقبلها ببطء ثم أعاود وضعها على وجنتي لأبتسم وأهمس بصوت مرتجف: من الصعب تخمين حرف واحد قبل أن يخرج من فاهك. أيها الأحمق. قلقك على يعني الكثير لي، لا فكرة لديك كم تبدو مختلفاً عما سبق. لا أدرى متى أصبحت واضحا وصريحاً، ولا أدري كيف تحولت إلى شخص لا يمانع إبداء خوالجه. أنت فقط تصر بشكل مريب على عدم الإعتراف لي. يا الهي. أنا حقاً سعيدة.
شعرت بإرتجاف طفيف بأنامله ففتحت عيناي أحدق إليه، قابلت عيناه الجذابتان اللتان تسمرتا على بطرفهما الناعس حتى نفي متنهداً: سأبقى سيء مهما حاولت أن أبدو واضحاً أو صريحاً. هذه حقيقة لا يمكنني الهروب منها، الأمور التي اقترفتها من الصعب محوها.
دعك من كل هذا الآن، أظنها ستكون مهمتي التالية، فلقد نجحتَ في محاولة التقرب إلى جيمي، وأراهن على أنك تفكر بشأن والدك الآن. لذا على أن أجعلك قريباً تتوقف عن التفكير بهذا السخف وتعترف أنك في أعماقك شخص جيد يا كريس، توقف عن تشويه صورتك الداخلية أكثر من هذا! أنت تقترف جرما في حق نفسك. كن إيجابياً ولو قليلاً! أعطني سبباً واحداً فقط يدعو لإستحقاقك نيل لقب الشخص السيء!
لم يعلق. وإنما انتزع يده ببطء مستمراً في النظر إلي، أبعد شعري المبتل عن وجهي وأعاد الخصلات المتمردة خلف أذني، ثم نظر للخلف وعلمت أنه في انتظار مجيء تيا، التي ما أن فكرت بشأنها حتى رأيتها تدخل دورة المياه ممسكتاً بمعطف أزرق داكن.
عاود كريس ينظر إلى بجدية: انزعي معطفك المبتل.
أومأت دون اعتراض لأنتزعه، أخذه مني فاقتربت تيا لتناولني المعطف الأخر، أخذته وكدت أرتديه لولا أن استوقفتني مفكرة: لحظة واحدة. قميصك لا يزال مبتلاً!
نفيت بسرعة: لن نطيل البقاء هنا.
ولكنه تدخل وقد رأيته ينزل سحاب معطفه الذي يرتديه: خذي قميصي مؤقتاً.
أوقفته بحزم: هل جننت! لديك حساسية مزمنة أيها الذكي لذا دع عنك هذه المواقف البطولية في الوقت الخاطئ.
علقت تيا بسخرية وهي تجلس بجانبي: موقف كهذا يعتبر شيء نادر منه لذا تمنيت أن تتركيني أتابعه يفعلها ولو لمرة واحدة.
لويت شفتي ولم أعلق بكلمة وإنما ارتديت المعطف الأزرق، حسنا حجمه كبير ومع ذلك لقد أدفأني بشكل غير متوقع! هو لن يشتري أي نوع من المعاطف وإنما النوع الذي سيضمن تدفئة جسده جيداً. أهنئه على هذا الإختيار.
ساعدتني تيا على تجفيف بنطالي قليلاً وهي تشد أطرافه وتعصره بكلتا يديها، كنتُ أمسح بعض الدماء الخفيفة التي تركت أثرا على الجرح بينما كريس يجفف شعري. بالمناديل.!
علقت تيا متنهدة: أنا حقاً. لا أعلم ما على قوله! إنه شعر يا كريس. شعر!
امتعض بشدة: اخرسي يا تيا وكيف على تجفيفه إذاً! أتينا إلى مطعم وليس شاطئ لأحضر برفقتي منشفة.
أيدته بسخرية: محق.
أشارت تيا إلى رأسي لتدفعني بخفة: لنرى متى ستنتهين إذاً. اسمعا، سأعود قبلكما وأقول بأنك بللت ملابسَكِ بسبب عطل في المغسلة واستغرقت وقتاً في تجفيف ملابسك، وبالنسبة للمعطف، أخبرهم يا كريس أنك تبعتني لتطمئن عليها وطلبت مني إحضار المعطف. هذا أفضل عذر يمكنني التفكير به الآن.
أومأت مؤيدة: فكرة جيدة. لن أتأخر سأخرج بعد لحظات فقط.
نظرت إلينا ثم تحركت وتمتمت بشيء من المكر والسخرية: توقفا عن إهدار الوقت أكثر من ذلك، من يعلم. ربما تأتِ السيدة ستيفاني بنفسها إلى هنا وترى أمراً مثيراً.
غمزت بعينها بملل فامتعضت بحدة: توقفي عن هذا يا تيا.
ليس وكأنني لم أراكِ تقبلين يده، أردت ألا أقاطع اللحظة فقط. هيا اسرعا.
اتسعت عيناي بينما تجاهل كريس الأمر وهو يكمل تجفيف شعري بالمناديل، لويت شفتي بإحراج أنظر إليه بنظرات متقطعة محاولة إخفاء توتري.
فليكن. إنه زوجي وما الخطأ في ذلك!
أقنعت نفسي بهذا وأخذت منديلاً أنا ايضا لأجفف شعري، في النهاية أخبرته أن نتجاهل الأمر ونؤيد فكرة تيا بشأن عطل قد أصاب إحدى المغاسل التي وجهت الماء نحوي وقد تبللت بسببها.
وقفت بمساعدته محاولة ألا أضغط على ساقي ونظرت إلى وجهي في المرآة لأرتب مظهري، حدق إلى وتحديداً حيث إنعكاس في المرآة أمامنا وقال: علينا أن نذهب إلى المشفى.
فكرت قليلاً قبل أن اجيبه: أعلم، ولكن ليس الآن، لننتظر قليلاً فقط. ألا يوجد مشفى قريب من هنا؟ أو عيادة صغيرة على الأقل؟
يوجد عيادة لطاقم صغير من المسعفين لذا أخبرك ألا تأجلي الأمر.
أنظروا من بات يهتم بأمري علناً!
قلتها بخبث أنظر إلى إنعكاسه ثم إليه بجانبي فتجاهل تعليقي وأمسك بذراعي يحثني على التحرك.