قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل السابع

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل السابع

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل السابع

في سيارة معتز
أمسك بهاتفه ما أن خرج من المقطم و تحدث:
- بابا، زينة عزيز الصحفية جيالك الأقصر هي و كريم، خد بالك منها
أغلق الهاتف و نظر في الطريق امامه و هو يفكر في حيلة للتخلص من زينة و عائلتها، فأمسك هاتفه من جديد و أرسل رسالة صوتية أخري الي رجله المخلص جاويش مردفاً:
- جاويش، كل المعلومات عن الصحفية زينة عزيز و أهلها تكون عندي خلال 48 ساعة فاهم.

مرت عدة ساعات في الأٌقصر
وصل كريم الي الموقع الذي أرسلته له داليدا، أبتعد عنه قليلاً و تحدث:
- هنعمل أيه؟!
نظرت زينة حولها و أردفت:
- لازم ألاقي فندق أو بيت قريب أقعد فيه لحد ما يمشوا
- طب ما تيجي تقعدي معانا كلنا في البيت أعتقد كده هتكوني أقرب
نظرت له بسخرية و أردفت:
- مامتك عارفة شكلي، و أكيد خالد كمان عارفني مش هينفع
- ما أنا مش هينفع أسيبك لوحدك بردوا.

- و أنا كمان أكيد مش هقعد معاك في مكان واحد يا كريم مينفعش، كفاية أن معتصم هيقطم رقبتي لما ارجع
رفع كريم يده في شكل قبضة و أردف:
- يا بت هو انا جبت خالص سيرة أننا نقعد في نفس المكان
- طب و بعدين!
- أستني أنا هتصرف
أمسك بهاتفه و أتصل علي داليدا، أجابته بعد ثواني فتحدث بأسف:
- ماما حبيبتي، أنا أسف جدا، بس جاتلي حالة طارئة في المستشفي و لسه خارج من أوضة العمليات، شكلي مش هعرف أجيلك النهاردة.

هزت داليدا رأسها لخالد الذي يجلس امامها و أردفت بحزن مصطنع:
- بجد يا حبيبي! طيب خلاص، شوف أنت شغلك و لما تقدر تيجي أبقي تعالي و لو رجعنا التجمع تاني هبقي أتصل أعرفك يا حبيبي
- ماشي يا ماما، سلام دلوقتي
أغلق كريم الخط و نظر الي زينة التي نظرت له بعدم فهم قائله:
- طب و بعدين! ليه عملت كده!

- دلوقتي لازم ندور علي فندق نقعد فيه يومين، هناخد أوضتين جنب بعض علشان لو حصل اي حاجة ماشي، قالتلي فيه فرح بنت واحد صاحب خالد، يعني لو أتنكرنا و دخلنا محدش هيعرفنا، و فيه حفلة تنكرية كمان، بس مش بالمعني، بندخل فيها بمسكات علي العيون بس، هندخل كمان ممكن يكون فيه سبب ورا الحفلة دي
صمتت زينة للحظات تفكر قبل أن تومأ برأسها موافقة، فأنطلق كريم بالسيارة الي أقرب فندق و سألها:
- هتعملي أيه مع معتصم؟

- هقوله أن الفون فصل أول ما قفل و مكنش معانا شاحن أو باور بانك
- مش مقنعة أوي و كمان مينفعش تكدبي عليه
- خلاص هبقي أقوله الحقيقة لما نرجع، بس دلوقتي لازم يبقي بعيد شوية.

في المقطم بمنزل عزيز
تعالت أصوات الدق علي باب المنزل، ليتجه عزيز نحوه بقلق و تحدث:
- مين اللي بره!
ظهر صوت معتصم ناطقاً بأسمه، ليفتح له عزيز بهدوء و أردف:
- ينفع الطريقة اللي بتخبط بيها علي الباب دي يا معتصم
- أنا اسف يا عمي، بس اللي زينة عملته و انتو وافقتوها فيه ده مينفعش
أبتعد عزيز عن الباب و أشار لمعتصم ليدخل قائلا:
- طب أدخل خلينا نتكلم.

دلف معتصم و أغلق عزيز الباب و دخل خلفه، جلسا الأثنان علي الأريكة فتحدث عزيز بلباقة:
- معتصم، مش معني أن انت اتجوزت زينة يبقي هتعترض علي شغلها، دي طبيعتها ممكن تغيب بره البيت و ممكن تعرض نفسها للخطر و تسافر و تروح و تيجي و انت تعرف بالصدفة، كل حاجة بتيجي مرة واحدة عندها مش بيكون عندها وقت أنها تقول لحد، مش أنت جاي علشان كده
حمحم معتصم و أردف:.

- أيوه يا عمي، بس أنا عرفت بالصدفة، كلمت جاسر أسأله عن حاجة، و سألت عن زينة بالصدفة لقيته بيقولي أن ريهام قالتله أنها سافرت الأقصر
- أتصلت بيا أنا كمان و هي في الطريق يا معتصم و قالتلي و انا أبوها اللي لسه مسئول عنها لحد ما تبقي في بيتك
صرخ معتصم بصوت عالً و بدون شعور:
- و ليه تسافر مع سي زفت كريم، خصوصاً بعد ما حكتلي كل حاجة لسه بتثق فيه
صمت معتصم قليلاً ثم تحدث بتلعثم:.

- أنا أسف يا عمي أني عليت صوتي عليك بس ده من قلقي عليها و الله، زينة سافرت مع كريم يومين من غير ما تقولي، و هي عارفة كويس أن أبوه هو سبب كل المصايب و أنه راجل شراني، تفتكر صدفة انه ييجي يسكن جنبكم أكيد لا يا عمي، و كمان قولتلها أبعتيلي اللوكيشن قالتلي أوك و مبعتتش حاجة و بعدين قفلت تليفونها
- يا معتصم، أنا فاهم قلقك، بس كريم بقاله فترة جنبنا و معانا و جوه بيتنا و مشوفناش منه حاجة وحشة.

- هتشوف يا عمي و الله هتشوف، أنا مش متطمن ليه من قبل ما أعرف أي حاجة، كريم فاكر أن مصطفي هو أبوه و قدام القانون مدام حسناء هي اللي قتلته، كريم جاي ينتقم، أتصل بكريم يا عمي و قوله يرجعها لو سمحت
- مش هترضي ترجع يا أبني
- حاول يا عمي لو سمحت، زينة لو جرالها حاجة أنا مش هقدر أعيش من غيرها و مش عارف أوصل ليها ساعدني أرجوك.

في الأقصر
خرجت من الحمام بعد أن حصلت علي حمام دافئ و أرتدت ملابسها المكونة من بنطال ضيق من القماش باللون الأسود، بالإضافة الي قميص قطني بحمالات باللون الزيتي و أعتلته بقميص أبيض فتحت أزراره و رفعت أكمامه، أتجهت نحو المرآة و أمسكت بفرشاتها و بدأت بتمشيط خصلاتها البرتقالية المموجة، ثم رفعت شعرها علي هيئة ذيل حصان..

أتجهت الي حقيبتها و أخرجت منها كاميراتها و منظار صغير و علقتهما في رقبتها، و غادرت غرفتها متجهة نحو منزل داليدا و خالد الذي أشار نحو كريم، ألتفتت حوله عدة مرات بعد أن وضعت قبعة شبابية فوق رأسها حتي تمكنت من إيجاد مكان مناسب لمراقبتهم، ثم اتجهت الي منزل صغير متهالك بجانبهم، دقت بابه و لكن لم يجيبها أحد، فجاءت إليها سيدة بإبتسامة ودودة قائله:
- خير يا بنتي عايزة مين؟!

- أهلا بحضرتك، أنا كنت مسافرة و عربيتي عطلت فودتها عند ميكانيكي قريب و قالي هتطول شوية و كنت بدور علي مكان أقعد فيه فلقيت البيت ده و علي الشارع علطول علشان لما الميكانيكي يعدي من الشارع أشوفه و أنزله، حضرتك تعرفي مين صحاب البيت دول؟!
أشارت السيدة الي صدرها بترحاب قائله:
- أنا يا بنتي، اتفضلي تعالي، بس معلش البيت مترب شوية لإني مش قاعدة فيه
- لا عادي ولا يهمك، شكراً جدا ليكي يا طنط.

فتحت السيدة باب المنزل و دلفت، أقتربت الي الشرفة التي تريد أن تقف بها زينة التي تسير خلفها حتي دخلتا الي الشرفة..
تقدمت زينة السيدة و هي تنظر من الشرفة فظهر أمامها منزل خالد جيداً ذو النوافذ المفتوحة، فألتفتت الي تلك السيدة اللطيفة و شكرتها:
- متشكرة جدا لحضرتك
ربتت السيدة علي كتفها بود و أردفت:
- أنا خالتك عفاف يا بنتي، و تاني مرة متكدبيش علي ست كبيرة علشان عارفين الحركات دي كويس أوي.

أتسعت عيني زينة ثم أخفضتهما بإحراج، فأكملت عفاف:
- شكلك يا تبع البوليس يا تبع الصحافة، و الكاميرا و المكبر دول أكيد عايزة تراقبي حد و ده أحسن مكان بالنسبالك
- أنا فعلا صحفية، بس علشان طبيعية شغلي مكنش ينفع أقول لحضرتك
- علي العموم يا بنتي البيت فاضي أهوه وقت ما تعوزي تعالي و ده مفتاحه خليه معاكي، و انا بيتي جنبك اهوه علطول، أبقي نادي عليَّا بس و أنا هنزل أخد منك المفتاح.

أمسكت زينة يدها بإمتنان مردفة:
- أنا بجد مش عارفة أشكرك أزاي
- هتشكريني لمَّا تعدي عليا بعد ساعتين نتعشي سوا
- خلاص تمام ساعتين و هكون عند حضرتك
ألتقطت زينة المفتاح من عفاف التي غادرت سريعاً، أمسكت زينة بمنظارها و بدأت في مراقبة المنزل، وجدت داليدا تجلس في الشرفة و هي تضع كمامة طبية علي وجهها، فابتسمت زينة بسخرية، ثم بدأت تتجول بمنظارها داخل المنزل حتي وجدت خالد يخرج من المنزل مع رجل مسن..

أمسكت كاميراتها علي الفور و بدأت في تصويره عدة صور مع الرجل، و أستمرت في المراقبة ساعة، حتي وجدت كريم يطلق صفارة أسفل الشرفة، فنظرت له فتحدث:
- بتستغفليني و بتخرجي من غير ما تعرفيني ليه يا زينة؟!
وضعت سبابتها علي شفتيها قائله:
- أسكت هتفضحني
ألقت المفتاح له ليلتقطه بسهولة ثم تحدثت:
- أطلع و أقفل الباب وراك
ثم عادت الي منظارها تراقب خالد من جديد الذي أبتعد عن النافذة و أقترب من غرفة النوم..

وجدت كريم يدق علي كتفها قائلا:
- هو أنا جاي معاكي طيشة يا زينة؟ انا قولتلك أيه؟!
- كريم لو سمحت أنا دلوقتي بشتغل أرجوك ده مش وقت كلام
أمسك بذراعها بقوة و جعل وجهها أمامه قائلا:
- يا بنتي عبريني، معتصم و أبوكي مغرقيني أتصالات و انا مش عارف أرد ولا لأ
عضت علي شفتيها بغيط و أردفت بحدة:
- أنت أتجنيت يا كريم، يعني أنا قفلت تليفوني و انت مقفلتوش.

- و لما أقفله اتواصل مع أهلي علشان تراقبيهم لحد ما يمشوا أزاي يا هانم
عادت و وضعت عينيها امام منظارها و أردفت:
- متردش عليهم
- هيقلقوا عليكي
ألتفتت له بوجهها قائله بحدة:
- كريم، انا قولتلك مش عاوزة شغلي يبوظ لو سمحت، خليني أركز، و متهتمش ممكن
نظر لها بخيبة أمل و تركها و دلف الي المنزل قائلا:
- أنتي حرة، انا جعان و هروح أجيب أكل، هتاكلي أيه؟!

أخرجت بعض المال من جيب بنطالها أتجهت نحو كريم و فتحت كفه و وضعت المال بداخله قائله:
- شوف بيشتروا أكل أيه و هات، بس متجيبش حاجات كتير علشان أنا هتعشي كمان ساعة مع صاحبة البيت
أمسك كريم بكفها ليضع به المال قائله بغضب:
- أتجنيتي ولا أيه يا زينة! خلي فلوسك معاكي
- هتاخد الفلوس و لا مش هتجيبلي أكل أختار
- زينة لو سمحتي أنا
أمسكت هي هذه المرة يده و ضمت قبضته بكفيها قائله:.

- كريم لو سمحت، انا عارفة أن انت الراجل و كرامتك و كل الكلام ده، بس أنا مسئولة عن نفسي، خد الفلوس و روح جيب أكل و عصير لإني فعلا حاسة بهبوط و محتاجة أكل و عصير
تركها و غادر و هو يردف بصوت مرتفع:
- محدش هيجيبلي المرض غيرك يا بنت عمي عزيز.

عادت زينة الي الشرفة، و بدأت في البحث عن خالد و داليدا و لكن لم تجد أياً منهما، المنزل بأكمله مكشوف أمامها و لكن لا يمكنها العثور عليهما، توجهت بأنظارها نحو الشارع لتبحث عنهم او عن سيارتهم إن ذهبوا و لكن لم تجد أي سيارة و كذلك هم غير موجودين في الشارع، عادت الي المنزل لتتأكد من عدم وجودهم فلم تجدهم..

خرجت من المنزل بسرعة شديدة و توجهت نحو منزلهم بدون أن يراها أحد، دلفت من أحدي النوافذ و بدأت تتجول داخل المنزل بحذر، وجدت سجادة مرفوعة و يظهر من أسفلها قرص حديد في ما يشبه الباب الخشبي، حاولت فتحه و لكن لم تفلح..

تأفأفت بضيق فلا بد أنه مغلق من الداخل، و لكن سرعان ما وجدتها فرصة مناسبة للبحث عن أي شئ في المنزل، بدأت في تفتيش الأدراج و الخزانات، رفعت مراتب الأسرة و أبعدت الصور المعلقة عن الحائط و أسفل إحداها وجدت أخيراً مرادها..

خزنة مشفرة بخمسة أرقام، بدأت في التفكير في عدة أحتمالات، و لكن باتت جميعها فاشلة، لا تعلم لماذا ولكن كتبت تاريخ وفاة مصطفي، اليوم التي بدأت حياة الجميع في التحول لتصبح كالجحيم علي الأرض.

ففُتحت الخزنة، أتسعت شفتيها في أبتسامة و هي تمسك بجميع الأوراق بدون أن تقرأها و بدأت في أخذ صورة لكل ورقة عن طريق كاميراتها، ثم صورت مسدس خالد الموجود في الخزانة، لفت نظرها عقد من اللؤلؤ في خزنته، هي متأكد أن وراءه سر، ألتقطت له عدة صور و سرعان ما أعادت كل شئ الي سابق عهده و أغلقت الخزنة و ألتقطت لها صورة من الخارج ثم وضعت الإطار الذي يحتوي علي صورة كبيرة في مكانه و ألتقطت له صورتان، فتحت حقيبة ظهرها و أخرجت منها ميكروفون صغير الحجم و وضعته خلف إطار صورة علي الحائط، و سرعان ما خرجت من المكان كما دلفت اليه..

أسفل منزل خالد الدهشوري في الأقصر
وقف هو و داليدا بجوار عدة رجال يحفرون في الأرض بقوة و عزم و بجانبهم دجال ذو لحية سوداء طويلة، و رئيس الرجال، نظر خالد الي الشيخ و أردف:
- انت متأكد أن فيه آثار تحت! لو مطلعش فيه حاجة في الآخر هدفنك مكان ما حفرنا
رد عليه الدجال بأسلوب هجومي:
- أسيادنا قالوا فيه هنا آثاار يبقي فيه، أوعاك تشكك فيهم تاني بدل ما يلطوك بسوء يا دهشوري
صرخ به خالد بحدة:.

- أتلم يا نصاب أنت بدل ما وربنا ما هتطلع من هنا خالص
صرخ أحد العمال قائلا بفرحة شديدة تغمره:
- ألحق يا باشا فيه باب
فصرخ رئيس العمال فواز بصوت مرتفع قائلا:
- أحفروا و أوعوا تفتحوه بدل ما نموت كلنا، المقبرة دي بقالها سنين مقفولة يعني أكيد الهوا اللي فيها ممكن يقضي علينا كلنا في لحظة، فيه متخصصين هجيبهم و هيجيبوا منها كل الآثار و هيطلعوها علي البيت التاني اللي في أخر النفق يا خالد بيه.

أومأ خالد برأسه مع أبتسامة مريضة قائلا:
- ماشي يا فواز، انا هطلع دلوقتي، و بالليل نتقابل في الفرح يا فواز و تقولي عملت أيه أنت و الرجالة
ثم نظر الي الدجال و تحدث:
- تعالي يا فواز عاوزك علي جنب
أقتربه منه فواز و أبتعد الأثنان عن الجميع، فتحدث خالد:
- الدجال ده ميخرجش من هنا عايش، هنفتح المقبرة هناخد دهب و نحط جثة فاهم يا فواز
- تحت أمرك يا خالد بيه
أعاد خالد نظره الي الدجال قائلا:.

- خليك معاهم هنا يا عم الشيخ علشان لو عايزين منك حاجة تانية، يلا يا داليدا خلينا نطلع محدش عارف الزفتة زينة دي بتعمل أيه دلوقتي.

في منزل السيدة عفاف
أمسك كريم ذراع زينة بعنف قائلا:
- أنتي كنتي فين؟ انتي عارفة كنت هموت من القلق إزاي! انتي مجنونة!
أبعدت ذراعها عنه بقوة و أردفت:
- في أيه بطل تمسكني كده، أنا لقيت داليدا و خالد أختفوا، روحت البيت أشوف راحو فين
صرخ بها بصدمة و غضب شديد أدي الي احمرار عينيه قائلا:
- أنتي جنانك ده هيوديكي في داهية، حد يروح للنار برجله.

- انا رجعت سليمة أهوه يا كريم و واقفة قصاد عينك و هما مكنوش هناك
سردت له كل ما حدث منذ دخولها الي المنزل الي أن غادرت ثم ضمت ذراعيها الي صدرها و أردفت:
- شوفت أن خالد ده زبالة و داليدا هانم ماشية وراه زي العامية
- أتكلمي كويس عن أمي يا زينة، أكيد فيه حاجة غلط احنا مش فاهمينها بس
رفعت يدها أمام وجهه لتنهي النقاش و أردفت:.

- ولا كلمة زيادة، ده شغلي و أنا اللي مهمتي أعرف في أيه و مفيش أيه، و لو هما مش بيعملوا حاجة وحشة اكيد هنعرف ولا أيه؟!
صمت كريم للحظات قبل أن يومأ برأسه و هو يعطيها طعامها قائلا:
- أتفضلي أكلك اهوه و هتلاقي عصير جوه، معرفش بتحبي أيه فجبت عصير برتقال
- بحبه، شكراً، ساندوتشات ايه دي؟!
- ملقتش غير فول و طعمية قريبين و مرضتش أبعد أكتر علشان متوهش.

أقتربت من الشرفة من جديد و هي تأخذ قضمة من ساندوتشها قائله:
- حلو، هنروح الفرح النهاردة بالليل بعد العشا مع خالتي عفاف صاحبة البيت، و هخليها تدبر لينا لبس
- ما نروح كده
- هنا صعايدة يا كريم، يعني فيه لبس معين للفرح، أول ما نروح بالبناطيل و القمصان دي هنتكشف علطول..
ألتقط منها المنظار و تحدث:
- خلاص ماشي، كلي و انا هشوف ايه اللي بيحصل هنا!
- أوكي ميرسي.

في الزمالك
أرتفع رنين هاتف جاسر، فاستيقظت أميرة بسرعة، نظرت الي هاتفه و وجدت معتصم يتصل به، فقامت بهزه عدة مرات، فأعتدل جاسر و نظر لها بتعجب، ثم أمسك بسماعته و أرتداها و فتحها، فتحدثت أميرة:
- جوز أختك بيتصل يا حبيبي
ألتقط جاسر الهاتف و اجاب معتصم قائلا:
- ألوو يا معتصم
- أنت فين يا جاسر
- مسافر مع أصحابي يومين، فيه حاجة؟!

- لا مفيش بس كنت عاوز نخرج نتمشي شوية، أنكل عزيز قال أنك مش في البيت، بس خلاص طالما مسافر يبقي نأجلها
مسح جاسر عينيه بأصابعه قائلا:
- معلش بقاا يا معتصم، أسبوع بالكتير و جاي ان شاء الله و نقعد نتكلم
- لا عادي يا معلم روح كمل نومك أنت
- ماشي يا باشا، سلام
أغلق جاسر الهاتف و نظر الي أميرة قائلا:
- أنا عايز أسألك عن حاجة
وضعت أميرة يدها علي صدره فنام علي الفراش و توسدت هي صدره قائله:.

- أسأل يا حبيبي
- هو انا أمتي هقول لأهلي أني متجوزك! أبننا خلاص شهر و هيتولد، مينفعش ييجي يلاقي أمه و أبوه متجوزين في السر
أنتفضت أميرة بقلق و خوف قائله:
- مش هنقولهم خالص يا جاسر مينفعش، أول ما يعرفوا أنا مين هيــ
قاطعها جاسر الذي جلس و أمسك بيدها بحب قائلا:
- هيــ أيه يا أميرة؟ هو أنتي يعني مش عارفة بابا و ماما و أخواتي.

- أهلي لو عرفوا مش هيسيبوني عايشة، و أهلك مش هيوافقوا بيا، انا جبت العار لأهلي
ضمها الي صدره بحنان قائلا:
- انتي معملتيش أي حاجة غلط
أبتعدت عنه و هبطت دموعها و هي تشعر أن قلبها يتقطع إرباً قائله:.

- لا عملت، هربت من بيت أهلي علشان هيجوزني غصب عني، هربت و أتحاميت في حبيبي، و جابلي بيت و كتبه بأسمي و اتجوزته و دلوقتي حامل منه، لو فيه حاجات كتير هتيجي في دماغهم، فصدقني أول أحتمال هو أننا غلطنا سوا و انا علشان كده مرضتش أتجوز غيرك، أرجوك مش لازم حد يعرف يا جاسر، أنا أبويا ومراته و اخويا ساكنين في البيت اللي فوقيكم
ضمها جاسر الي صدره من جديد فلفت يديها حول رقبته و بدأت في البكاء، فتحدث:.

- يمكن لو أنا كنت طبيعي و معنديش اعاقة كانو وافقوا عليَّا
أبتعدت أميرة عنه بسرعة و وضعت يدها علي شفتيه مردفة:.

- أياك تقول كده تاني يا جاسر، أنت عارف كويس أوي أن دي حاجة متعيبكش، أنت أرجل من ناس كتير أوي عرفتهم في حياتي، واحد غيرك كان أستغل ظروفي و خد مني اللي هو عايزة و رماني في الشارع أنت مش كده، هما مرفضوش علشان كده، ده لأن عبود أبن عمي كان متقدم ليَّا و بالجوازة دي كان عمي هيكتب لأبويا 10 فدادين، و هو كان مستحيل يستفيد نفس الإستفادة دي من جوازنا، حتي لو انت و أهلك أغنياء بس عارفين أنكم أذكياء و مش هيعرفوا يضحكوا عليكم.

- أميرة انا مش هفضل متجوزك كده في السر، أبني هييجي و الناس كلها عارفة أنك مراتي و أنه ابني، و أهلك انا هقف قصادهم و هحميكي منهم و قولتلك الكلام ده بدل المرة مليون قبل كده
أقتربت من أذنه و تحدثت:
- دلوقتي وقت النوم خلينا نعرف ننام و منشغلش بالنا بحاجات تانية و الصبح نتكلم، بحبك يا أحلي حاجة حصلتلي في حياتي.

أزالت السماعة من أذنه و وضعتها علي الطاولة بجانبها، و أعادت نظرها له فوجدته يبتسم لها بحب ثم نام علي الفراش و وضع رأسها علي ذراعه و ضمها بخفوت حتي لا يزعجها هي و طفله..

في الأقصر في منزل عفاف
أنتهت زينة من تناول طعامها فألتقطت المنظار من كريم الذي تحدث بملل:
- مفيش أي حاجة حصلت
- طيب انا هكمل، روح كل أنت
- تمام بس هدخل الحمام اغسل وشي علشان الجو حر أوي
أومأت برأسها بالموافقة، فتركها كريم و ذهب الي الحمام، و سرعان ما عاد و بدأ في تناول طعامه..

مرت 10 دقائق و أرتفع صوت الدق علي باب منزل عفاف، فنظر كريم الي زينة بقلق و أمسك بقبعته و وضعها علي رأسه منزلاً طرفها ليخبئ معظم وجهه، ثم توجه الي الخارج و فتح الباب ليجد عفاف أمام الباب و في جوارها صنية مغطاة بقماشة بيضاء، حملتها عن الأرض و تحدثت:
- زينة موجودة
- أيوه، حضرتك عفاف صاحبة البيت؟!
- أيوه أنا يا ابني
- طيب أتفضلي أتفضلي.

دلفت عفاف و في يدها الطعام فوجدت زينة تخرج من الشرفة قائله بإبتسامة:
- تعبتي نفسك انا كنت لسه جيالك دلوقتي
- مفيش تعب ولا حاجة يا بنتي، يلا علشان تاكلوا أكيد مكلتوش.

أقترب عفاف من الشرفة و دلفت إليها، وضعت الطعام علي طاولة بها و جلست علي أحد الكراسي الأربعة الموجودة، و أزالت القماشة البيضاء ليظهر الطعام، فأشارت الي زينة و كريم ليقتربا، فأقتربت زينة بإحراج فهي تشعر بإمتلاء معدتها بعد أن تناولت الساندوتشات و لكن جلست بجانبها، لن تاكل كثيراً..
فنظرت عفاف الي كريم قائله:
- قرب يا ابني يلا
- لا يا خالتي متشكر أنا مش جعان.

- و النبي ما يحصل، يلا يا أخويا قرب أنت هتكسفني ولا أيه، ما تتكلمي يا بنتي
نظرت لها زينة بإبتسامة قائله:
- أسمي زينة يا طنط
ثم وجهت نظرها الي كريم قائله:
- تعالي يا كريم يلا هتكسف طنط ولا ايه دي كفاية أنها سيبانا عندها
أبتسم كريم بمجاملة و جلس الثلاثة يأكلون، ثم لاحظت زينة أن عفاف لا تأكل، فنظرت لها بشك و وقفت زينة قائله:
- حاطة أيه في الأكل؟!

أبتسمت عفاف أبتسامة صفراء، فوقف كريم هو الأخر، و أسرعت زينة و أمسك بالسكين الموجود مع الطعام و وضعته علي رقبة عفاف قائله:
- بقولك حطيتي أيه؟ انطقي بدل ما أطير رقبتك
أبتلعت عفاف لعابها بصعوبة و هي تشعر أنها ستموت و كانت علي وشك ان تتحدث و لكن وجدت أن أثر المنوم الذي وضعته في الطعام قد بدأ يظهر، فكلاً من زينة و كريم بدأ في الترنح، و أسقطت زينة السكين و هي تضع يدها علي رأسها قائله:.

- لا لا مينفعش ده يحصل دلوقتي
نظرت الي عفاف و تحدثت بوعيد:
- هقتلك يا عفاف أياً كان حاطة أيه، لو منوم فمسيري أصحي و لو سم فهييجي اللي هياخد حقي منك، أصلي كنت شاكة فيكي في الأول و صورتك و بعت الصور لحد معرفة و قولتله لو مكلمتوش خلال يومين يخلص عليكي
وقف عفاف و دفعت زينة لتسقط علي الأرض و ثواني و فقدت وعيها، ثم لحق بها كريم و وقع علي الأرض بجانبها.

في المقطم في منزل عزيز
دقت ريهام باب غرفة عزيز و حسناء، و ثواني و فتح لها عزيز الباب و هو يفرك عينيه بخمول و في نفس الوقت يشعر بإضطراب قلبه، و تحدث:
- فيه حاجة يا حبيبتي؟!
- بصراحة مخنوقة يا بابا و عايزة أنزل أتمشي، بس الفجر خلاص كلها ساعة و يأذن مش هقدر أخرج لوحدي دلوقتي و جاسر مسافر
أبتسم عزيز و تحدث:
- خلاص يا حبيبتي روحي غيري هدومك و انا هغسل و ألبس و أجيلك نخرج نتمشي شوية.

ذهبت ريهام و أرتدت ملابسها سريعاً و أنتظرت عزيز في الصالون الذي حضر بعدها بثواني و غادرا الإثنان المنزل سوياً متجهين نحو الشارع الرئيسي سائرين بلا هدف..
و بعد مرور عدة دقائق من الصمت، وجهت ريهام نظرها الي عزيز و أردفت:
- فاكر يا بابا الإحساس اللي كان بيجيلي قبل ما أي حاجة وحشة تحصل؟!
وضع عزيز كفيه في جيوب بنطاله و ألتفت لها بإبتسامة مردفاً:.

- طبعا فاكر، جيتي مرة و انتي في أولي أعدادي قولتيلي أنا خايفة يا بابا و مخنوقة و حاسة بحاجة وحشة، بعدها علطول أتطردت من الشغل، و مرة تانية لما أمك عملت حادثة، أنتي مؤشر المصايب بتاعنا يا ريهام
حاولت رسم إبتسامة مزيفة علي شفتيها و لكنها فشلت، و ظهر الإرتباك و الخوف مرسوماً بدقة علي وجهها و هي تقول:.

- المؤشر بتاعي أشتغل تاني يا بابا، المشكلة أنه المرادي علي أعلي درجة ممكنة، حاسة برعب فظيع، عندي أحساس أننا عايشين في كابوس وحش أوي، لالا مش كابوس، احنا جوه لعبة ألغاز، و أحنا حتي لسه محلناش أول لغز منها
نظر عزيز حوله، ثم أقترب من الرصيف و جلس عليه مردفاً:
- انا مش فاهم حاجة يا حبيبتي، تعالي أقعدي و اهدي و قوليلي في أيه؟

أقتربت و جلست بجانبها وقتها شعر بتقلص ملامح وجهها و أضطراب أنفاسها و شعر ببرودة شديدة تخرج من جسدها، ثم أردفت:.

- أنا بقالي فترة حاسة بالموضوع ده، بس النهاردة حاسة اني هموت مخنوقة بسبب إحساسي، مش عارفة أتنفس كأني محبوسة جوه كابوس، بعيط من غير أي سبب، متخيل أنك محبوس ما بين أربع حيطان و كل شوية بتصغر المسافة ما بينهم و مفيش باب تخرج منه، انا حاسة بكده، حاسة أننا كلنا جوه الأوضة دي و مش هنعرف نخرج منها يا بابا غير و احنا ميتين.

أجهشت في البكاء بقوة فضمها عزيز بسرعة الي صدره و بدأ في تلاوة آيات من القرآن الكريم بقلق علي فتاته الكبري التي يعشقها، ثم أردف:
- أهدي يا حبيبتي، إن شاء الله كله هيكون بخير
تمسكت ريهام بقميصه بقوة و بكت أكثر مردفة:
- هنموت يا بابا، من لما أتفتح موضوع خالد الدهشوري تاني و أنا حاسة إنه هيموتنا، هو و أبنه، معتز في صف أبوه، و هو عارف أن زينة في الأقصر يعني أكيد قاله.

أبعدها عزيز عنه بسرعة و أنتفض قائلا:
- انتي بتقولي أيه؟ مين اللي قاله!
هزت رأسها و سردت عليه ما حدث في الصباح ليتحدث عزيز:
- و إزاي متقوليش ليَّا يا ريهام و انتي عارفة أن أختك في خطر، معتز ده تقريباً دراع خالد اليمين يعني أكيد عارف عن كل شغله القذر
خبأت وجهها بيدها و قد تعالت شهقاتها فأصبح عليها من الصعب أن تتحدث و لكن أردفت بتلعثم واضح:.

- أتصلت بيها كتير أقولها بس تليفونها مقفول، مكنتش عارفة أقولك إزاي؟ مكنتش عارفة انام قبل ما اقولك اللي أنا حساه ده و إن زينة بنسبة كبيرة في خطر حتي لو معاها كريم
أخرج عزيز هاتفه و أتصل علي معتصم و أردف:
- خسارة الوقت اللي ضيعتيه يا ريهام
- انا أسفه
شعر بوخذه قوية في قلبه تجاه تلك الصغيرة، فهي ليس لها ذنب في ما يحدث، جلس الي جوارها من جديد و ضمها الي صدره مجدداً مردفاً:.

- أوعدك يا حبيبتي كل حاجة هترجع كويسة تاني و زينة كمان هترجع كويسة، أهدي أنتي بس و أتطمني
أجابه معتصم بسرعة و قلق و هو يقول:
- خير يا عمي، وصلت لعنوانها
تنهد عزيز قبل أن يردف كلماته التي لن يسامحه عليها معتصم قائلا:
- فيه سلسلة في رقبة زينة فيها GPS مربوطة بالتليفون بتاعي، هشوف اللوكيشن و أبتعهولك حالا
صمت معتصم لثواني قبل أن ينطق بتلعثم:
- انا مش فاهم، مقولتليش ليه من الأول؟!

- مكنتش عايزك تتدخل في شغلها اللي بتحبه، و لإنها متعرفش إن السلسلة دي فيها جي بي اس
حاول معتصم السيطرة علي هدوئه قدر المستطاع قبل أن ينطق:
- شغلها صح! مراتي مع راجل غريب و شغلها، الراجل ده ممكن يموتها و شغلها، أبعت العنوان يا عمي علي ما ألبس.

أغلق معتصم الخط بدون أي كلمة وهو لا يعرف إن كان موقفه ضد عزيز صحيح أم لا، و لكن كل ما يعلمه أن زوجته في خطر حالي يجب أن ينتشلها منه، أرتدي ملابسه سريعاً، و ألتقط هاتفه و فتح موقع زينة، ثم أتصل بعبدالله الذي أجابه بعد محاولتين للإتصال قائلا بصوت يملؤه الخمول:
- في أيه يا جاسر بالليل كده؟!

- أنا عارف إني أول مرة هستغل أنك أبن رئيسنا في الشغل، بس أنا مسافر دلوقتي و مش هقدر أستني للصبح علشان أطلب أجازة، قول لسيادة المقدم و إن فعلا الموضوع مهم
أنتفض عبدالله عن فراشه مردفاً بقلق:
- مالك يا معتصم انت كويس؟
- أنا كويس متقلقش، بس أعمل كده
وقف عبدالله عن فراشه متوجهاً خارج غرفته قائلا:
- هقوله حالاً، خد بالك من نفسك بس
- حاضر، لا إله الا الله
- محمد رسول الله.

أغلق معتصم الخط، و هبط من منزله و أنطلق بسيارته نحو مدينة الأٌقصر..

فتحت عينيها ببطء و هي تشعر بالضباب يسيطر علي نظرها، و رأسها يؤلمها بقوة أثر المنوم، و بعد دقائق أتضحت أخيراً الرؤية أمامها، كانت تجلس علي الأرض و يديها مكبلتان خلفها في عمود خشبي اللون، و المكان من خلفها ملئ بالأخشاب أيضاً، نظرت الي كريم الذي يجلس بجوارها علي نفس وضعيتها مكبل في عمود خشبي و تحدث:
- يا صباح الخير بالليل
أعتدلت قليلاً في جلستها و هي تنظر له بإستنكار قائله:.

- أنت بتهزر و أحنا مخطوفين يا كريم
رفع كريم كتفيه بلامبالاة أدهشت زينة قائلا:
- أديكي قولتي مخطوفين، يعني مفيش حاجة نعرف نعملها غير إننا نغني و نرغي يا نسكت لحد ما حد ييجي يقعد علي الكرسي الخشب اللي قدامنا ده يقعد يهلفط بأي كلام و مش هنمشي غير بمزاجهم يا إما أنتي هتموتي
مدت قدميها و ضربته بقوة في قدمه قائله:
- طبعا ما أنت مش خسران حاجة و حاطت إيدك في الماية الباردة ما هو جوز أمك.

ضغط علي شفتيه بغيظ قائلا:
- متمديش رجلك تاني بدل ما أخليهم يقطعوهالك
ردت عليه و هي تنظر حولها في كل مكان في محاولة للخروج من هنا:
- طب أخرس بقاا خليني أشوف هنعرف نخرج إزاي
شعرت أن يديها مقيدة بشريط لاصق قوي، فتحسسته بيدها لتتأكد، ثم نظرت الي العمود الخشبي المربوطة به و تحدثت بسخرية:
- يا أخي خالد دهشوري عبقري في كل حاجة قذرة زيه، ما عدا الخطف، مين مجنون يربط بلزق في عمود خشب.

بدأت زينة في عمل إحتكاك قوي و سريع بين الشريط اللاصق و العمود الخشبي رأسياً، حتي شعرت أن الشريط قد قطع منه جزء، فتحدث كريم:
- طيب يا ذكية هانم، لو فكينا نفسنا هنخرج إزاي من هنا؟ مفيش مخرج غير الباب الحلو اللي هناك ده و أنا متأكد إننا لو فتحناه بس مش هنطلع من هنا فينا الروح لا أنا و لا أنتي، فبطلي مشاغبة بقاا علشان منموتش
نظرت له زينة بقوة و ما زالت تحاول قطع الشريط اللاصق قائله:.

- طالما خطفونا يبقي فيه مغذي تاني من الفرح و الحفلة اللي هنا دول مش عاوزينا نعرفه يا كريم، و انا لازم أعرف في ايه فاهم، و دلوقتي أنت معايا ولا لأ؟
فتح الباب الموجود في بداية المخزن و دلف منه عجوز قوي البنيان، يسيطر الشعر الأبيض علي رأسه و يعتلي شفتيه شارب كبير أبيض، و في يده عصا يستند عليها، أبتسم إبتسامة سمجة و تحدث بلهجة صعيدية:
- طولتوا عاد علي ما صحيتو، غفران، غفران.

نظرت زينة الي كريم و أردفت:
- غفران مين يا كريم!؟
- غالباً بيحضر عفريت يا زينة
دلف رجل طويل للغاية و عريض المنكبين يرتدي جلباب رمادي اللون و شاربه الأسود طويل و مخيف للغاية..
نظرت زينة الي كريم بخوف و أردفت:
- شكل كان معاك حق.

نظر الإثنان ليتابعا الحوار الصغير بين العجوز و الشاب و الذي أنتهي بكلمة واحدة من العجوز نفذ قبل أن يخرج و يتركهما وحيدان مع غفران، الذي فتح صندوق خشبي و أخرج من علبة بلاستيكية كبيرة حمراء اللون و بدأ في سكبها في جميع أنحاء المخزن..
صرخت زينة بهلع قائله:
- لالا مستحيل
بينما تحدث كريم ليهدأ من روعها بصوت خافت:
- أهدي يا زينة هنخرج من هنا بس أهدي، فكي نفسك يلا بسرعة.

بدأ كلاً منهما بحك قيودهم في الخشب بهدوء حتي لا يلاحظهم غفران الذي أنتهي و عاد ليقترب من الباب، و أخرج قداحة و فتحها ثم تركها و خرج سريعاً من المخزن الذي أندلعت بداخله النيران بسرعة شديدة..
صرخت زينة بقوة و هي تزيد من سرعتها لفك قيدها فتحدث كريم ليهدأ من روعها بصوت مرتفع:
- أهدي يا زينة أهدي، هنخرج من هنا و الله هنخرج بس أهدي.

- النار في كل مكان يا كريم، هنخرج ازاي، و الدخان هيخنقنا، هنموت يا كريم
أومأ برأسه نافياً بقوة قائلا:
- زينة هنخرج بس كل ما هتتوتري اكتر كل ما هتبقي فرصتنا في الخروج أقل، أهدي كده و شغلي دماغك مش دي شغلانتك.

بعد ثواني أنتهي كريم من فك قيده ثم أزال الشريط اللاصق تماماً عن يده و أقترب من زينة المرتجفة و قطع قيدها الذي لم يتبقي به الكثير بيده، فوقفت زينة سريعاً و هي تلقي نظرة سريعة في المكان، أعادت نظرها سريعاً الي كريم و تحدثت بفقدان أمل:
- مفيش حل للخروج غير المخاطرة
أشارت بيدها الي الباب قائله:
- الباب بيولع، يعني لو خرجنا منه هنتحرق ده شئ أكيد، و كمان لو خرجنا ممكن نلاقي رجالة مستنيانا بره.

بدأت زينة تسعل بقوة من أثر الدخان الذي أوشك علي ملئ المكان، ثم تحدثت:
- لازم نخرج من هنا، قولت أيه؟!
أمسك بيدها و ركض بها بين النيران و هو يحميها بين يديه من النيران قائلا:
- قولت يلا ما احنا كده كده ميتين
نظرت زينة الي عصا طويلة بجوارها، أمسكت بها بسرعة ثم دفعت بها الباب الذي قد أمسكت به النيران هو الآخر فوقع سريعاً علي الأرض، و أنهار السقف بجوار كريم الذي أمسكها من ذراعيها قائلا:.

- يلا يا زينة بسرعة مفيش وقت هنموت.

سحبت زينة نفساً عميقاً قبل أن تركض مسرعة خارج المخزن و قد أحاطتها النيران من جانبيها و أسفلها الباب ما زال مشتعلاً، و ما أن خرجت حتي بدأت في حك حذائها في رمال الأرض لتطفئ أي نيران قبل أن تندلع في حذائها، بينما كان لكريم الحظ الأسوء، فلقد أنهار عليه جانبي الباب و هو يخرج، فأندلعت النيران في ملابسه و صرخ بقوة و هو يشتعل امام زينة التي وضعت يديها علي فمها بصدمة شديدة، و لكن سرعان ما وقع كريم علي الأرض و غمر نفسه بالرمال صارخاً بوجع:.

- ساعديني
أقتربت منه زينة بسرعة و خلعت قميصها لتبقي فقط ببلوزة سوداء ذات حمالات، ثم ملأت قميصها بالرمال و بدأت في إلقائها علي جسد كريم ثم ملأته مرة أخري و وضعته علي النيران التي تبقت في ذراعه الأيمن و مررت القميص عليها بسرعة، فأحترق القميص و هبطت النيران و انطفأت أخر نيران في جسد كريم، ليسكن جسده علي الأرض أخيراً و أغمض عينيه بعد أن فقد وعيه..

نظرت زينة حولها بخوف شديد، كانت الرمال و الفراغ يحيطان بها، ولا ينير الظلام الذي يسيطر علي المكان سوي نيران مخزن الخشب، أمسكت بيدي كريم و بدأت في جره علي الرمال بعيداً عن المخزن، ثم أمسكت بذراعه و حاولت إيقافه و وضع ذراعه حول لرقبتها لتحمله و لكن كان هذا الأمر مستحيلاً بالنسبة إليها...

أنتظرت عدة ساعات حتي أنتهي الحريق في المخزن و هي تحاول إفاقة كريم بلا جدوي، ثم أقتربت من المخزن المحترق في خوف من أن تشتغل النيران بكثرة من جديد و بدأت في البحث عن قطع من الخشب كبير، و تمكن من إيجاد واحدة شبه كبيرة، و سحبتها الي الخارج و لكن صرخت فجأة بخفوت و هي تنظر الي أصبعها الذي ينزف دماً، نظرت الي سبب جرحها فوجدت مسماران علي جانبي لوح الخشب، أبتسمت بعد أن مر علي عقلها فكرة، فأسرعت الي الداخل من جديد و هي تتذكر وجود حبل طويل بجوار الصندوق الخشبي الذي احضر منه غفران البنزين، دعت ربها أن تجده و لقد أستجاب..

أمسكت بالحبل و عقدته في المسمارين من الجهتين ثم سحبت اللوح عن طريق الحبل نحو كريم، و بصعوبة شديدة تمكنت من وضع كريم علي اللوح و هي تلهث من التعب، ثم سحبت اللوح من جديد عن طريق الحبل، لم يكن الامر سهلاً و لكنها حاولت، الي أن وصلت الي غابة صغيرة مليئة بالأشجار، تمكنت من الاختباء بين أشجارها هي و كريم حتي يحل الصباح عليهما..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة