قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل السابع والعشرون

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل السابع والعشرون

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل السابع والعشرون

أرتفع صوت زقزقة العصافير و هي تحلق في السماء أمام شمس اليوم الجديد، أستيقظت زينة لتشعر بصدر النائم أسفلها يرتفع و يهبط و بدقات قلبه المنتظمة، أرتفعت بوجهها لتنظر في وجهه بإبتسامة جميلة على شفتيها المجروحة أثر ما حدث في اليوم السابق، فتح عينيه بإنزعاج من صوت المنبه بجواره، فوقعت عيناه على تلك التي تتأمل ملامحه، أبتسم و هو يعتدل ملتقطاً هاتفه ليغلق المنبه و هتف:
-صباح القمر، صاحية من أمتي؟

ألصق ظهره بالفراش من خلفه، ثم سحبها ليضع رأسها على صدره العاري بينما يمسد خصلاتها بهدوء لتجيبه:
-لسه صاحية أهوه على صوت المنبه
أبعدها عنه ليشير نحو المرحاض بكسل و أردف:
-طيب يلا قومي أنتي على الحمام، انا هعمل كام مكالمة بسرعة على ما تخرجي.

أومأت برأسها بعد أن منحته قبلة على خده ثم تحركت نحو المرحاض لتبدأ بالإستحمام، بينما فتح هو هاتفه و نقر عدة مرات ثم وضعه على أذنه لثواني منتظراً إجابة الطرف الآخر ثم قال:
-عملت أيه؟
أجابه منير الذي يظهر على صوته النعاس الشديد:
-لسه مفيش جديد، مش عارف ألاقي أي حاجة مفيدة أو مهمة، معملش أي حركة غريبة، رايح و جاي في البلد و الأماكن السياحية و خلاص و مش لاقي أي حاجة عنه الكام شهر اللي فاتو.

أبعد معتصم الهاتف عن أذنه لثواني و تنهد قبل ان يعيده ليردف:
-طيب روح أنت يا منير أرتاح شوية أما نشوف أخينا ده ناوي على أيه، و أنا هنزل مكانك
أغلق المكالمة و وقف متجهاً نحو المطبخ ليخرج بعض الوجبات الخفيفة من الثلاجة ليصنع بعض الساندوتشات، ثم أخذها و عاد الي الغرفة ليجدها تخرج من المرحاض بمنشفة تخفي جسدها و آخري تجفف بها خصلاتها، جلس على الفراش و في يده الطبق و أردف:
-تعالي كلي يلا.

أقترب رجل ذو جسد ضخم و حليق الرأس مرتدي بدلته السوداء و نظارته السوداء، وضع نظراته في الأرض أمام هذا الأسمر الهندي الذي يجلس امامه ليردف باللغة الهندية:
-وجدناهم سيدي، علمنا من يكونوا، و لكن لم نجد شقيقك السيد بيان بعد
أبتسم يوراج بشر ظهر في عيناه و قد شعر أن لحظة الأنتقام أقتربت، أقتربت و بشدة، نظر الي الذي يقف أمامه ليقول بحدة:
-أجلب لي كل المعلومات بشأنهم.

-حسناً سيدي، و لكن هناك شئ غريب علمناه عنهم
عقد يوراج حاجبيه بتعجب و قد ظهر الإهتمام على ملامحه و أشار للآخير بالكلام فأكمل:
-ثلاثة منهم ضباط في المخابرات المصرية، و واحد ضابط في الشرطة و الآخيرة صحفية في جريدة مشهورة تسمي منارة الحقيقة .

أومأ يوراج برأسه بعد تفكير دام لدقائق ثم أشار للرجل أن يذهب، بينما دخل هو الي غرفته الممتلئة بالسواد من كل جانب بالإضافة الي بعض الرموز العجيبة على الحائط، أقترب من خزانة بالية ليخرج كيس صغيرة مصمت، بالإضافة الي واحد آخر يبدو أنه محشو بالأحجار الصغيرة، فتح الكيس الأول ليبدأ بالرسم على الأرض البيضاء بالمسحوق الأسود بداخله، أنتهي ثم فتح الكيس الآخر ليضع بعض الأحجار في أماكن معينة بينما يتمتم في خفوت بلغة غريبة بكلمات أغرب..

عاد للخزانة من جديد ليخرج شموع طويلة بيضاء، وضعها داخل الدائرة التي رسمها ثم وزعها بعشوائية في أركان الغرفة كلها، توجه بخطواته نحو الخزانة للمرة الآخيرة ليسحب كيس أسود، فتحه فظهر مسحوق أبيض اللون، أقترب ليقف داخل دائرته ثم نظر للرمز الأول على الحائط المواجه له، و سحب بعضاً من المسحوق لينثره بحدة على الحائط بينما تمتم بكلمتين ليس لهما معني، فظهر دخان قوي امام الحائط بينما أبتسم يوراج بإنتصار ليردف بنبرة ماكرة:.

-لقد بدأ المرح للتو
.

مر يوم آخر قبل أن يقترب الليل من الحلول، و خرجت زينة من المرحاض بعد أن أخذت حمام ساخن ليدفئ جسدها، تجولت بنظرها في الغرفة تبحث عن شريك حياتها الذي يخطف أنفاسها دائماً بإبتسامة جميلة على شفتيها، فوجدته يجلس في الشرفة على أرجوحتهما الخاصة و شارد الذهن، أقتربت منه بخطوات هادئة لتقف أمامه، و سرعان ما عاد الي أرض الواقع ليبتسم في وجهها إبتسامة باهتة، نظرت له بتعجب و كادت أن تسأله عن ما حلّ به و لكن قاطعها بعد أن جذبها لتسقط بداخل الأرجوحة، ضمها الي صدره بقوة ليطبع قبلة على رأسها، فوضعت هي كفيها على صدره لتبعده بتعجب من تصرفاتها، و نطقت رافضة:.

-لا حركاتك دي مش هتمنعني أسألك مالك؟ سرحان في أيه؟
حاول صنع إبتسامة على وجهه و لكن قاطعته بحدة مباغتة في هجوم:
-و متضحكش و تحاول تتوه، بقول مالك يا معتصم
عقد حاجبيه بتعجب و رفع كتفيه مردفاً:
-مالك يا بنتي داخلة فيّا زي القطر كده ليه؟
-علشان وعدتني مش هتخبي عني حاجة
ربت على خصلاتها و قد أرتسمت إبتسامة حقيقية على شفتيه و هتف:.

-حبيبتي مش عايز أقلقك، ده شوية مشاكل في الشغل، التعامل معاكي أسهل من التعامل مع منير بكتير
أبتسمت بدون إرادة منها، و سرعان ما أخفت إبتسامتها لتقول و هي تضرب كتفه بعنف:
-أنت بتستعبط علشان متقولش فيه أيه صح؟
أمسك بكفها الذي ضربه و أداره ليصبح خلف ظهرها، فأقتربت هي أكثر منه بينما سيطر الخجل على ملامحها، أقترب أكثر منها هامساً بأنفاسه الساخنة التي تقتحم ملامحها بدون سابق إنذار:.

-و الله ما فيه حد بيستعبط غيرك، قولي عايزة أيه و عمالة تعملي في مقدمات كتير ملهاش علاقة
ضغطت على شفتيها بإحراج أنه كشف أمرها، حاولت تحرير ذراعها و لكن فشل الأمر، أمسك بوجهها ليرفع نظراتها إليه و أردف:
-يلا قولي يا زينة علطول مالك؟
حرر ذراعها من كفه، لتعقد هي ذراعيها على صدرها مردفة بنبرة متوترة:.

-فيه حاجتين، بابا كلمني النهاردة و قالي أن كمان أسبوع حفلة البرنامج، و أنا بصراحة نفسي أروح بس قولتله هشوف معتصم الأول، و مش عارفة ممكن نروح إزاي و عزة هنا، غير كده طبعاً مش عارفة أنت هتكون مشغول ولا لأ
أبتسم في وجهها حتى يزيل توترها قليلاً و داعب خصلاتها البرتقالية بأنامله قليلاً و أردف بحب:
-طب دي أول حاجة، أيه بقا تاني حاجة؟

أحرز هدفاً بحركاته تلك ليزيل عنها التوتر قليلاً قبل أن تبتسم بفخر و تردف:
-جاسر قال أن فيه حفلة بعد أسبوعين في الجونة علشان الفيلم بتاعه مرشح لجائزة أفضل فيلم السنادي، و قالي تعالي مع معتصم بس بردوا قولتله هشوفه الأول
هز معتصم رأسه بتفهم لحاجة شقيقها لها في هذا اليوم، فتنهد بحيرة وهو يفكر في حل للذهاب بدون عزة و لكن لم يجد، فأردف بإبتسامة:
-ربنا يسهل، هحاول أظبط الوقت علشان نحضر الحفلتين.

أحاطت وجهه بكفيها و السعادة تملأ قلبها:
-انت احلي زوج في الدنيا، ربنا يخليك ليّا يا معتصم
أمسك بكفها الأيمن من وجنته ليقربه من شفتيه طابعاً قبلة صغيرة عليه و هتف:
-و يخليكي ليّا يا حبيبة قلب معتصم
أبتعدت عنه لتقف خارج الأرجوحة مصفقة بكفيها:
-هروح أعمل عصير برتقال بسرعة و أجيب اللاب و أجي نظبط الرواية سوا، عندك مانع؟

هز رأسه بالنفي مع إبتسامة جميلة أظهرت وسامته بشدة، لتركض زينة للخارج لتحضر البرتقال، بينما عاد معتصم لشروده من جديد و هو يفكر في هذا الهندي الذي أقتحم حياته و حياة زوجته من جديد ليعيد إليهم أيام قاسية من الماضي، تنهد بحرقة عندما تذكر أن زينة أصبحت حامل بطفله أو طفلته، فأصبح قلقه عليها مضاعف الي مائة ضعف، دلك جبينه بتعب يحاول إخفائه حتى لا تلاحظه زينة، أنتظر لدقائق قبل أن تقترب زينة منه في كفيها كوبان من عصير البرتقال، ألتقط الكوبان بينما ركضت هي مرة أخري للداخل لتحضر حاسوبها، عادت بسرعة لتقبع داخل الأرجوحة و خلفها معتصم الذي أحاطها بذراعيه، فتحت حاسوبها و أنتظرت لثواني بينما تعالت ضحكاتها من غزل معتصم لها و مداعباته، أنتفضت فجأة ما أن فتح الحاسوب فوقع العصير على معتصم، لتقول بلاوعي:.

-أيه اللي حصل؟ فين الفولدرات اللي كانت هنا؟
قال معتصم ببعض العصبية:
-أيه يا زينة اللي عملتيه ده مش تحاسبي؟
لم تجيبه زينة بل لم تسمعه من الأساس بينما أناملها تنتقل بين الأيقونات أمامها تحاول فهم ما قد حدث، شعر معتصم بشئ خاطئ فوضع يده على كتفها و سألها بقلق:
-مالك يا زينة؟
ألتفتت له و قد أجهشت في البكاء فجأة لتحتضنه بقوة، للحظات ظل معتصم على وضعه و همس:
-زينة أنا مليان برتقال.

تمسكت بقميصه أكثر و دفنت رأسها في صدره و أرتفعت شهقاتها بينما تقول:
-معتصم، كل حاجة على اللاب أتمسحت، معرفش حصل كده إزاي؟
أبعدها عنه ليمسك بوجهها و يمسح دموعها بيده المبتلة من أثر البرتقال ليردف:
-أهدي بس كده، اللاب مش هيعمل كده من نفسه، أكيد فيه حاجة غلط حصلت
هزت رأسها بالنفي و تمسكت بقميصه أكثر لتقترب و تضع رأسها في عنقه بقوة هاتفه:.

-و الله ما عملت حاجة قفلته أخر مرة عادي، و دلوقتي يا دوب أتفتح و أنت شوفت أيه اللي حصل
أبتعدت عنه من جديد لتنظر في عيناه بعيناها التي تذرف دموعاً كثيرة و أكملت:
-عليه كل شغلي، كل حاجة خاصة بالجريدة أو الرواية، عليه حتى صور فرحنا و الخطوبة و كتب الكتاب و في شهر العسل، و كل ده ضاع في ثانية كده
عاد يحيط وجهها بكفيه من جديد ليقربها منه طابعاً قبلات عديدة على أجزاء كثيرة من وجهها مردفاً:.

-طيب متعيطيش، كفاية عياط أنا هتصرف أهدي بس
جفناها، جبهتها، وجنتيها، شفتيها، أنفها، خصلاتها، قبّل كل أنش في وجهها ليحاول إسكاتها و لكن كانت محاولاتاه فاشلة، وقف بسرعة و دخل الي الغرفة يبحث عن هاتفه، ثم عاد لها بسرعة ليقول و هو يعبث بهاتفه:
-أهدي و الله هتصرف، لو مبطلتيش عياط مش.

لم يكمل حديثه لأنها أوقفته و توقفت عن البكاء و حاولت كتم شهقاتها بكفها و أغمضت عيناها بقوة حتى لا تذرف دموعاً أكثر، و سرعان ما أتصل معتصم بسعد ليخبره بما حدث، قال سعد بعدم فهم:
-مفيش لاب بيمسح نفسه لوحده، أكيد فيه حاجة حصلت، بص انا دخلت المجال ده بس مش هفيدك أوي، هبعتلك لوكيشن لمحل قريب منك جداً، و صاحبه هو اللي بيدربني، وديله اللاب و خليه يشوف ماله و لو هيقدر يرجعه، و أنا هكلمه أقوله.

شكره معتصم كثيراً قبل أن يغلق ثم نظر الي تلك التي تجلس ببراءة شديدة تحاول كتم بكائها و أردف بإبتسامة:
-خلاص بقا كفاية عياط، هروح أخد شاور و هاخد اللاب و أنزل و إن شاء الله كل اللي عليه يرجع
فتحت عيناها بسرعة لتردف بشك يتخلله بعض الأمل:
-بجد يا معتصم؟
أومأ لها برأسه مع إبتسامة جانبية نمت على شفتيه، لتقترب منه و تعانقه بقوة فضمها هو إلي صدره بحنان و أردف:.

-بقيتي برتقالة بجد، ريحتك و طعمك بقي برتقال
ضحكت رغماً عنها عندما بدأ بإلتهام وجنتيها بخفة لتضحك، و لقد فعلت، تركها بسرعة ليحصل على حمام دافئ سريع قبل أن يذهب في محاولة لإصلاح مشكلتها..

دخل معتصم الي متجر ملئ بالأجهزة الإلكترونية ليقابله رجل يدير ظهره له، حمحم معتصم ليلتفت له الرجل بإبتسامة بينما حاول معتصم السيطرة على ملامحه المعجبة بوشوم هذا الرجل التي تملأ ذراعه، سأله الرجل:.

-أنت الرائد معتصم مظبوط؟

أومأ معتصم برأسه مع إبتسامة ثم مدّ يده ليصافحه، ففعل الآخر و بعد بعض التحية و التعارف جلس الرجل و الذي يدعي دانيال على طاولة بينما يقف معتصم خلفه، فتح دانيال الحاسوب و بعد دقائق من التفحص عقد حاجبيه بتعجب و وقف بسرعة ليأخذ بعض الأسطوانات من رف موضوع على الحائط، و بقي يعمل لنصف ساعة حتى أبتسم و نظر نحو معتصم الذي أبتسم ما أن لاحظ واجهة اللاب التي تضعها زينة قد عادت بالإضافة الي الكثير من ملفاتها التي تكمن على سطح المكتب، أشار دانيال لمعتصم أن يجلس بجواره ففعل بتعجب و سأله بفضول:.

-أيه اللي حصل بقا؟
تنهد دانيال و أمسك بعلبة سجائره ليخرج واحدة و حاول تقديم آخري لمعتصم و لكنه شكره، ثم أجابه أخيراً بعد إشعال سيجارته:.

-كان فيه فيروس قوي على الجهاز مسئول أنه يمسح كل حاجة على الجهاز و يرجعه لسه جديد، بس فيه مشكلة بقا، إن الفيروس ده مش هييجي من موقع و مش هينزل من على النت، من يومين فيه واحدة جت هنا و قالت أنها عايزة تمسح كل حاجة على اللاب بتاعها و ترجعه زي ما كان في الأول بالظبط، في الاول أستغربتها و بعدين لقيتها مصرة أنها عايزة فيروس للجهاز، بالمختصر يدمر اللاب تماماً، فأديتها فيروس زي اللي نزل على لاب المدام ده بالظبط، و هي ممشيتش و أخدته غير لما أتطمنت أنه مستحيل اللي على اللاب يرجع أبداً مهما حاولنا.

عقد معتصم حاجبيه بحيرة و عاد يسأل و قد تسلل القلق و الشك الي قلبه:
-مين دي اللي جت عايزة فيروس؟ و إزاي أنت رجعت كل اللي على اللاب مع إنك قولت مش هيرجع
سحب دانيال نفس طويل من سيجارته أخرجه على مراحل من بين شفتيه، ليجيب:.

-الفيروس ده بتاعي أنا اللي عملته، و طبيعي اي فيروس بعمل أنتديود، و بصراحة لما لقيتها عايزة فيروس زي ده خوفت تكون هتعمل مصيبة بيه ولا هتمسح بيه لاب شخصية مهمة في البلد و كل شغله عليه، علشان كده قولتله أنه مستحيل يرجع لأنها لو كانت راحت لأي حد تاني كان هيديلها فعلا فيروس مش بس هيمسح اللاب ده هيدمره و مش هيتفتح تاني و يحول كل اللي عليه للاب تاني خاص بالهاكر اللي عامل الفيروس بشكل تلقائي.

قاطعه معتصم بإبتسامة مردفاً:
-فأديتلها فيروس ليه أنتديود علشان أنت عارف أن صاحب اللاب لو راح لأي حد حكاله اللي حصل هيقوله عليك فهيجيلك و هترجعله اللاب عادي و لا كأن حاجة حصلت
أبتسم دانيال ليومأ برأسه في صمت، و بدأ حديث طويل بينهما من بين تعارف قوي لأسئلة و إجابات عن مجال دانيال حتى أرتفع رنين هاتف معتصم، نظر ليجدها زينة فأبتسم و أستأذن دانيال ثم رد فأردفت:.

-معتصم أنت أتأخرت كده ليه؟ قلقتني عليك؟! مش عايزة اللاب بس تعالي يلا
عقد حاجبيه و أرتفع صوت نبضات قلبه ليسألها:
-مالك يا زينة حصل حاجة؟ تعبانة؟
-تعالي خد عزة المستشفي
صرخ عليها بعدم وعي:
-مستشفي ليه؟ ما تنطقي يا زفتة هتنقطيني بالكلام
أجهشت زينة في البكاء و تعالت شهقاتها و أردفت:.

-بتزعقلي ليه؟ كنت براجع كاميرات المراقبة علشان حسيت أن اللي عمل كده في اللاب حد، و لقيتها هي اللي دخلت أوضتي من يومين و عملت كده يا معتصم و لما واجهتها قالتلي أنها فعلا عملت كده و إن اللاب مش هيرجع تاني ولا اللي كان عليه فمقدرتش امسك نفسي و ضربتها جامد لحد ما أغمي عليها
-طيب أقفلي، أقفلي أنا جاي.

أغلق معتصم الخط ليقف و يشكر دانيال و بعد مشادات رفض دانيال أخذ أي مال نظير خدمته لمعتصم و تبادلوا أرقام الهواتف، ثم سحب معتصم الحاسوب و ذهب في سيارته متجهاً نحو المنزل بسرعة، دخل ليصدم بجسد عزة يفترش الأرض و ظهر أن ذراعها و قدمها قد كُسرت، توجه لغرفته ليجد زوجته تجلس محتضنة دمية كبيرة و تبكي، تنهد بتعب قبل أن يردف بعتاب:
-ينفع كده يا زينة؟ كسرتي دراعها و رجليها.

أبعدت زينة رأسها عن الدمية لتصرخ في وجهه ببكاء:
-أنت مشوفتهاش كانت بتكلمني إزاي، قالتلي اني وحشة جدا و مش عارفة أنت أتجوزتني على أيه؟ قالتلي إني راجل و بلبس لبس رجالة، قالتلي إنك هتسيبني دلوقتي أو بعدين، و قالتلي إن شغلي اللي فرحانة بيه أهي بوظته حتى الرواية باظت، و قالتلي إني هجهض البيبي، لأن عصير البرتقال اللي في التلاجة كان فيه دوا يخليني أجهض، و أنا كنت شربت كوباية قبل ما تقولي.

أقترب منها معتصم بسرعة ليحتضنها بقوة و ينثر قبلاته على رأسها في قلق مردفاً:
- يعني متصلة بيا تقوليلي علشان الزفتة اللي بره و مقولتيش انك بتسقطي! تعالي يلا المستشفي قريبة من هنا، هيعملولك غسيل معدة و مش هتحصل حاجة وحشة
تمسكت بقميصه بقوة لتكمل بكائها على صدره و قالت:
-الوقت أتأخر، أنا بسقط يا معتصم.

أزالت الغطاء بيد مرتعشة و مازالت تبكي من الألم، بينما وقف معتصم بصدمة عندما وجد الفراش غارق في دماء زينة، توقف لثواني من الدهشة و شعر بوخزة قوية في قلبه، حملها بسرعة بين كفيه ليخرج بها من المنزل و يتجه نحو المستشفي بينما يمسك هاتفه ليتحدث الي منير كي يأتي لمنزله و يأخذ عزة لذات المستشفي، وصل بعد دقائق بسيطة ليحمل زينة بين ذراعيه بسرعة و يتجه للداخل، و أخذوها منه بسرعة بينما وقف الطبيب معه لثواني فسرد له معتصم ما حدث بسرعة و تركه ليدخل لزوجته يحاول إنقاذها، و إنقاذ طفله إن تمكن.

مرّت نصف ساعة قبل أن يشعر بمنير الذي جاء ليقف أمامه و يسأله عن ما حدث، فتجاهله معتصم محاولاً التماسك و سأله:
-جبت عزة لهنا؟!
هز منير رأسه بالإيجاب و صمت، و أنتظرا الأثنان نصف ساعة آخري حتى خرج الطبيب من غرفة زينة ليتوجه نحو معتصم بإبتسامة منهكة:.

-المدام زينة بخير الحمدلله إحنا سيطرنا على النزيف و عملنالها غسيل معدة، و الحمدلله قدرنا نلحق الجنين بس لسه حالته مش مستقرة أوي و هنساعده بالأدوية لحد ما كل الأمور ترجع طبيعية، تقدر تدخل ليها و حمدلله على سلامتها.

بكي، نعم لقد بكي بحق من شدة السعادة ليحمد الله كثيراً و شكر الطبيب آلاف المرات قبل أن يتوجه بسرعة لغرفة زينة، جلس على مقعد بجوارها و أمسك بكفها يقبله و تهبط عبراته عليه في إنتظارها تستيقظ، تركها ليتوجه نحو المرحاض ليتوضئ و يصلي شاكراً ربه على هذه الهدية..
.

فتحت عيناها ببطء و تجولت بها في تلك الغرفة الهادئة حولها في محاولة منها لإدراك الواقع، حتى علمت أنها في مستشفي، شعرت بكف قوي يحيط بخاصتها و يضع قبلة هادئة عليه، التفتت إلي الفاعل لتجده زوجها المقرب الي روحها أكثر من أي شخص آخر، أقترب من وجهها و همس في أذنها:
-حمدلله على سلامتك أنت و البيبي يا برتقالتي.

تذكرت، نعم تذكرت كل ما حدث قبل ساعات، طفلها يموت! وضعت كفيها على معدتها بسرعة تتحسسها و قد تجمعت العبرات في عيناها و لكن شعرت بالأخير الذي يبعد خصلاتها عن رقبتها ليدفن وجهه بها مردفاً براحة شديدة و قد بدأت أنفاسه الساخنة تخدر جسدها:
-البيبي كويس يا زينة، و انتي كمان كويسة الحمدلله.

هبطت دموعها و بكت بقوة و هي تحمد الله على أن طفلها على ما يرام، أستمرت في البكاء لفترة بينما هو يحتضنها بخفوت و يحاول تهدأتها بعبارات مطمئنة، و بعد دقائق رفعت رأسها لتقابل عيناها عيناه لتقول بوجع شديد:
-مش هقدر يا معتصم، انا قولتلك هفضل معاك و في وضهرك بس مش هقدر
سيطر القلق على قلبه من كلماتها تلك ليمسح دموعها و يردد بعدم فهم:
-مش هتقدري أيه فهميني؟

-مش هقدر أفضل قاعدة معاها في نفس البيت بعد ما كانت هتقتل أبني، مش هقدر أقاومها و هي بتحاول تغريك و بتقرب منك، مش هقدر أهدي نفسي و هي بتستفزني و مضربهاش، مش هقدر أشوفها قدامي بعد ما كانت هتضيع كل حاجة و أولهم أبني، خليها تمشي يا معتصم خليها تمشي علشان خاطري
أجهشت في البكاء من جديد بينما هو زفر براحة، فلقد كان يظن أنها تريد تركه و الطلاق، لعن تفكيره الأحمق الذي ألم قلبه، ثم قال بنبرة حنونة:.

-مش هتدخل البيت تاني خلاص و الله، و مش هسامحها على اللي عملته ده أبداً، سيبيني أنا هعاقبها بطريقتي، و بعدين مرتضي لسه متصل بيا من شوية و قال أنهم هيقعدوا السنادي كلها في سوهاج مع باباه، و أحتمال ينقل كل شغله لمصر و يرجع يستقر هنا، فمتقلقيش مفيش عزة تاني و مفيش زعل تاني
أمسكت بكفه الذي يتحسس به وجنتها بحنان لتقول بهلع و كأنها كانت تغرق و قد وجدت طوق النجاة:
-بجد يا معتصم، بجد هتمشي.

أومأ برأسه مع إبتسامة بينما وضعت هي رأسها على صدره بإرتياح و ضمته بيدها في قوة، فُتح الباب فجأة ليدخل كامل مع جنات بالإضافة الي جاسر و أميرة، و بعد قليل فُتح مرة أخري لتدخل منه فِكر برفقة سعد و منير و فاروق و عبدالله، كان الجميع هنا ليطمئن عليها، كانت سهرة لطيفة مع الجميع تمكنوا بها من تهدأة زينة و نشر السعادة في قلبها.

وقف معتصم فجأة ليشعر بكفها الذي لحق يده بسرعة ونظرات الأستفسار فيه عيناها، أبتسم لها و قال:
-هروح أتطمن عليكي من الدكتور و أشوف هينفع تخرجي أمتي، مش هتأخر يا حبيبتي
نظر الي جاسر و أردف بلهجة آمرة:
-خد بالك منها لحد ما أرجع متخليهاش تقوم من مكانها
وقف جاسر و أدي التحية العسكرية بمزاح قائلا:
-علم و ينفذ يا فندم.

تعالت الضحكات فيما بينهما، فتركهم معتصم و غادر الغرفة بإطمئنان، فنظرت جنات نحو عبدالله و أردفت بإبتسامة:
-عامل أيه يا حبيبي؟
رسم عبدالله إبتسامة واسعة على شفتيه و أجابها:
-الحمدلله أنا كويس
ضربه فاروق على كتفه قائلا بغيظ:
-واحد سافر كام شهر و لف العالم و يادوب راجع على الشغل هيكون عامل أيه يعني، أخبار سيرجي أيه صحيح؟
ضغط عبدالله على شفته السفلي بغيظ هو الآخر و ضرب فاروق في وجهه مجيباً:.

-و الله عينك دي هي اللي خلتني أخد طلقة في كتفي في عملية أمبارح
عاد كامل يسأله نفس سؤال فاروق بإهتمام:
-صحيح فين سيرجي؟ رجعت لوحدك ليه؟
-رجع إيطاليا علشان شغله و وعدني أنه هيحاول ينزل مصر قريب بس أنا لسه على أتصال بيه
قاطعهم رنين هاتف عبدالله، فأبتسم عندما وجد أسم سيرجي أمامه ليقول:
-أهوه جيبنا في سيرة القط
رد على مكالمته و هو يخرج من الحجرة مردفاً:.

-عن أذنكم يا جماعة، أهلاً بالندل يومين كاملين مش بتتصل ليه؟
قالت زينة و هي تذهب ببصرها وراء عبدالله الذي يغادر الغرفة:
-نفسي أعرف إزاي علاقته بسيرجي أتوطدت كده في كام شهر، بقوا أصحاب أوي، لأ أخوات
أبتسم كامل ببعض الحزن مجيباً:
-متنسيش إن سيرجي كان أقرب شخص لريهام لما كانت في إيطاليا، فعلشان كده هو قريب منه، حد من ريحتها و بيفكره بيها علطول
تمتمت جنات بحزن دفين:.

-يا ريتها كانت لسه موجودة، أكيد كان حاله أختلف كتير، ربنا يرحمك يا ريهام، و يعينك يا عبدالله و يرزقك ببنت الحلال
أمّن الجميع على دعائها بحزن، ثم وقفت فِكر و أستأذنتهم لتخرج ثم غادرت الغرفة بسرعة، بينما أستمر الجميع في تبادل الحديث فيما بينهم.
.

دخل معتصم الي غرفة عزة محاولاً السيطرة على أعصابه، وجدها تجلس على الفراش في برود عجيب بينما أمامها طعام تأكل منه بذراعها السليم، ما أن رأته حتى ابتسمت بقوة مردفة:
-عرفت تيجي أخيراً بعد ما مراتك خلصت عياطها
سحب معتصم كرسي في نهاية الغرفة ثم أقترب ليجلس عليه بجوار فراشها واضعاً قدماً فوق الآخري و أردف بإبتسامة:
-أنا سايب مراتي بتضحك و مبسوطة قبل ما أجيلك.

توقفت عزة عن مضغ الطعام الموجود في فمها بتعجب و هي تنظر الي ذلك الوسيم الذي أكمل:
-البيبي و كويس جداً، و اللاب رجعت كل اللي كان عليه و أنتي مسحتيه بما فيه روايتها، أهلها و أصحابها كلنا جنبها
فتحت فمها لتضحك بسخرية و أردفت:
-أنت بتهزر صح؟
تجاهل سؤالها ليكمل:.

-مرتضي أتصل بيّا من شوية، قالي انه هيقعد السنادي في مصر مع باباه و أحتمال ينقل كل شغله هنا، معني كده إنك هترجعي تاني على سوهاج و هتقعدي في بيتهم الفترة دي
رفع حاجبه الايسر مردفاً:
-قولت طبعاً مينفعش تمشي كده و أسيبك من غير عقاب على اللي عملتيه في مراتي و محاولتك قتل أبني، فضلت أفكر و أفكر لحد ما وصلت لحاجة من 2، الأول إني أبلغ عنك و الكاميرات هتثبت إنك حاولتي تقتلي إبني و تلبسي كام سنة في السجن.

نظر الي ملامحها المصدومة بإستمتاع ليكمل:
-بس لقيت إني كده هكون رحيم جداً معاكي، و انا اللي يأذي مراتي أكله بسناني، و علشان كده أتجهت للحل التاني
أتسعت إبتسامته بخبث و مكر و أقسمت عزة أنها رأته كالشيطان تماماً و هو يقول:
-كل اللي عملتيه من لما دخلتي بيتي هيروح لعمك، كله يا عزة، و خلينا نشوف بقا هو هيتصرف معاكي إزاي
نظر الي ساعة يده بإهتمام ليكمل:.

-أنا بلغته من كام ساعة و زمانه على وصول هنا، هو لسه مكلمني و قالي أنه داخل على المستشفي و معاه نيرة و مرتضي
أمال رأسه للجانب قليلاً و هو يدلك رقبته بتعب مصطنع:
-و بصراحة متشوق أوي أعرف هيعمل أيه بعد ما قولتله على كل اللي انتي عملتيه
صرخت عزة بفزع و حاولت أن تتحرك لتمسك بمعتصم و لكنها لم تتمكن فبكت و هي تقول:
-معتصم قول أنك بتهزر، أوعي تكون عملت كده بجد، عمي هيقتلني يا معتصم و الله هيقتلني.

أقترب منها ممسكاً بذقنها و أقترب بوجهه لها أكثر قائلا:
-عارف، و هشرف على كده بنفسي.

رفع كفه و هبط على وجنتها بقوة في صفعة قوية أحدثت صوتاً مرتفعاً، بينما أنتفضت عزة تبكي و تتوسل معتصم أن يساعدها و لكن لا حياة لمن تنادي، و جاءت الريح بما تشتهيه سفن معتصم و تمقته سفن عزة ليدخل والد مرتضي الي الغرفة و الغضب يتصاعد من عيناه بعد ما سرده له معتصم و أكّده ولده مرتضي، ليقترب من عزة بينما أقترب معتصم من نيرة ليحملها بسرعة و يخرج بها من الغرفة مع مرتضي و يغلق الباب خلفه و توجه بها نحو غرفة زينة حتى لا تسمع ما سيحدث بين والدتها و حماها.

دخل الي غرفة زينة حاملاً نيرة على ذراعه و مرتضي بجانبه، أبتسم ليعرف الجميع عليهما، بينما تركته نيرة و أسرعت نحو زينة لتجلس بجوارها قائله بإبتسامة:
-ألف سلامة عليكي يا زينة
نظر معتصم نحو شقيقته بحدة و أردف بنبرة هادئة:
-نيرة، قولت قبل كده اسمها طنط زينة
عقدت زينة حاجبيها بغضب و صرخت:
-أيه طنط دي؟ شايفني كبيرة للدرجادي علشان تقولي طنط، خلاص بقيت وحشة.

رفع معتصم ذراعيه بإستسلام لنوبات جنونها التي أعتاد عليها و نظر نحو نيرة ليقول:
-مفيش طنط، قولي زينة علطول هي خربانة خربانة
عادت الإبتسامة على وجه زينة و هي تحتضن نيرة بينما تعالت ضحكات الجميع عليهما، جلس مرتضي مع الجميع و وجد صعوبة بسيطة في التعرف عليهم جميعاً و لكنهم أعتادوا عليه بسرعة حتى أستمع الجميع لصوت صراخ و بكاء عزة، لتنتفض نيرة تنظر لمعتصم مردفة بخوف:.

-أبيه، ماما بتعيط ليه؟ أنا عايزة أروحلها
أقترب منها معتصم و أحتضنها بهدوء مقبلاً خصلاتها و أردف:
-ماما تعبانة يا حبيبتي و الدكتور بيكشف عليها فعلشان كده بتعيط، هتخلص و هنروح ليها
نظر نحو مرتضي الذي أقترب من نيرة ليجلس على ركبتيه أمامها مردفاً بإبتسامة:
-أيه رأيك نروح نجيب أكل؟ أنتي جعانة صح؟

هزت رأسها بالإيجاب، فمد مرتضي لها بيده لتمسكها و أبتعدت عن معتصم و ذهبت من الغرفة مع زوجها، بينما نظر الجميع نحو معتصم بإستفسار ليتنهد مردفاً:
-متشغلوش بالكم أنتم، موضوع و بيتحل

قبل دقائق.

نظر عبدالله الذي يتحدث الي سيرجي نحو فِكر التي خرجت من الغرفة تتسلل نحو ممر آخر بحذر، فأغلق الهاتف مع سيرجي و وعده بإعادة الإتصال عليه مرة أخري، ثم توجه خلف تلك المريبة التي لم يرتاح لوجودها منذ أن رآها، وقعت عيناه عليها و هي تخرج هاتفها و تنقر عليه عدة مرات قبل أن تضعه على أذنها لثواني ثم أردفت:
-صلاح باشا، زينة في المستشفي، كانت هتسقط و معتصم جابها على هنا.

صمتت لثواني بينما صُدم هو، هي جاسوسة لدي صلاح! عاد يتابعها و هي تجيب:
-أه يا باشا هي دي، ماشي أنا همشي أنا علشان محدش يشك فيا، هرجع القسم
أغلقت الهاتف و وضعته في بنطالها ثم دارت لتخرج لتصدم بعبدالله الذي يقف خلفها موجهاً مسدسه نحو وجهها، وضعت يدها على حزام سلاحها و لكن لم تجده، تباً لها كيف تنسي حمله معها الي هنا، نظرت الي عبدالله بترقب و هي تنتظر ماذا سيفعل، فأردف الآخر:.

-مكنتش مرتاح ليكي من لما شوفت وشك، قولت وراكي حاجة خصوصاً بعد ما أتنقلتي للقسم من المنوفية بتوصية
ثم أمرها بحدة:
-أديني ضهرك حالاً بدل ما أفرغ المسدس ده في راسك
-أنت مش هتعمل كده
هز رأسه بالنفي قائلا بسخرية:
-لأ هعمل، يلا زي الشاطرة أديني ضهرك
-متوديش نفسك في داهية يا عبدالله، انا مليش دعوة و معملتش حاجة غريبة، هو قالي أتجسس على معتصم و زينة بس، فأنا معملتش حاجة غلط ولا أذيتهم.

أنحنت بسرعة تلتقط سلاحها الأبيض من حزام قدمها و صوبته نحو صدر عبدالله ليخترق قلبه بدون رحمه بينما أعتلت شفتيها إبتسامة أشبه بالشياطين سرعان ما أختفت و هي تراه يضغط على زناد مسدسه لتخترق رصاصته رأسها و تسقط فاقدة روحها قبل أن تصرخ، و تبعها عبدالله الذي يشعر بروحه تسلب منه في هدوء و قد تلخطت الأرضية البيضاء بدمائه، إبتسم و هو يري ريهام أمامه تنظر له بإبتسامة جميلة، همس بإسمها بخفوت، و مازال يشعر بدمائه تخرج من صدره كالشلال و ألم شديد في منتصف صدره.


كان الجميع يضحك بقوة حتى أستمعوا الي صوت أطلاق النيران لتصرخ أميرة و جنات و زينة بينما وقف الآخرين و أخرجوا أسلحتهم من مكمنها بسرعة بما فيهم جاسر و كامل اللذان تلازمهما أسلحتهما المرخصة دائماً، اقترب معتصم من الباب مصوباً مسدسه إليه و مردفاً:
-فاروق تعالي معايا، و أنت يا سعد خليك هنا مع الباقيين.

خرج معتصم برفقة فاروق ينظرون الي جميع من يقفون أمام أبواب الغرف و الذعر بادي على وجوههم ليردف معتصم بنبرة مطمئنة:
-متقلقوش أحنا بوليس، ادخلوا الأوض لو سمحتم
و أطاعوه بدون مناقشة، و لمح فاروق الدماء في نهاية الممر تخرج من ممر آخر مظلم، ليشير له نحوه، فأقترب كلاهما واقفين بجوار الحائط بينما الدماء تسير من أسفلهم، و أنتظروا لثواني قبل أن يقول معتصم:
-مفيش أي صوت، مفيش حد.

و ألتفت بسرعة موجهاً سلاحه فلم يجد سوي جثتان أمامه، و الممر فارغ و مظلم بعض الشئ، أتسعت عيناه و هو يري عبدالله ينزف بقوة أسفله و ينتفض متألماً، أقترب منه بسرعة و الدموع هبطت بدون شعور ليقول:
-عبدالله في أيه؟ عبدالله رد عليّا مالك
بكي عبدالله هو الآخر من الألم و أجابه بحروف خرجت بصعوبة:
-فِكر جاسوسة عند صلاح، كنت هقبض عليها بس ضربتني بالسكينة، و مكنش قدامي حل تاني غير أني أقتلها، أنا آسف.

صرخ معتصم في فاروق الذي هبط هو الآخر ممسكاً بكف عبدالله:
-قوم هاتله دكتور بسرعة يا فاروق قوم
و نفذ فاروق، ماذا سيفعل صديقه يموت أمام عيناه؟ أمسك معتصم بكف عبدالله بقوة مردفاً:
-عبدالله خليك معايا، الدكتور هييجي و هياخدوك و هتبقي كويس.

-متعيطش يا معتصم، أنا رايح لريهام، ربنا أكيد عارف إني مش هقدر أبعد عنها كتير و أنها وحشتني فأخدني ليها، انا شوفتها، و مبسوط إني رايحلها، بس زعلان علشان هسيبك، خد بالك من نفسك يا معتصم و من زينة
أمسك معتصم كفه بقوة أكبر و أقترب منه سانداً جبهته الي خاصة عبدالله و أصبحت دموعه تهبط على عيني الآخر ليردف بشهقات:
-أنطق الشهادة يا عبدالله.

أنتظر لثواني قبل أن يتمكن من نطقها بخفوت ثم أبتسم مرة آخيرة في وجه معتصم قبل أن يغلق عيناه للأبد بينما أزداد بكاء معتصم و هو يري رفيق دربه و أخيه يفقد روحه بين يديه و من أجله، جاء فاروق بسرعة برفقة بعض الممرضين و طبيب، فنظر نحو معتصم الذي يبكي بينما عبدالله هادئ في مكانه، أستند الي الحائط هو الآخر بتعب و هبطت دموعه من جديد بينما يضع يده على شفتيه يكتم شهقاته و هو ينظر الي جثمان زميل فريقه و صديقه الذي حمله الممرضين على الفراش المتنقل، و أنتهي به الأمر يجلس على الأرض في فوضي و يبكي بقوة و يتابع معتصم الذي يسير مع الممرضين يبكي و مازال ممسكاً بكف عبدالله.

جاء صباح اليوم التالي، كان الجميع يقف أمام القبر المفتوح أمامهم بملابس سوداء و نظارات سوداء، أقترب مجاهد من جثمان صغيره المتوفي حديثاً و المكفن، و كذلك أقترب معتصم و سعد و فاروق و حملوه جميعاً متجهين للأسفل ليدفنوه، دقائق و عادوا ليغلقوا القبر، وقفوا لدقائق بين أدعية الإمام لعبدالله، و بدأ الحاضرين في الذهاب رويداً رويداً حتى أنتهي الأمر بمجاهد أمام القبر و خلفه معتصم و على جانبيه فاروق و سعد.

ألتفت مجاهد لينظر لهم، وجد الحزن يكتسي ملامحهم بالرغم من أن نظاراتهم السوداء لم تظهر عيونهم، فأردف بنبرة حادة:
-عبدالله خلاص الله يرحمه راح لمكان أحسن، المنظر اللي انتو التلاتة فيه ده مش عايز أشوفه كتير، أنا رايح على القسم و أنتو ورايا مفهوم
-مفهوم يا فندم.

أجابه الثلاثة بنبرة قوية بعد أنتصابهم أثناء الوقوف، تركهم مجاهد ليتجه نحو سيارته و لكن وجد زينة تنزل من سيارتها و تقترب منه بإبتسامة حزينة و في يدها باقة من الزهور الحمراء، أبتسم لها هو الآخر فلقد كانت مثل الزهور تماماً برأسها البرتقالي و ملابسها السوداء، سحبت زينة أحدي زهورها لتقدمها له مردفه:
-البقاء لله يا عمو
ألتقط منها مجاهد الزهرة بإبتسامة حاول إخفاء الحزن منها:.

-و نعم بالله يا زينة، روحي يا حبيبتي شوفي معتصم
أومأت له برأسها لتتركه و تتجه نحو حبيبها، وجدته يتوسط صديقاه، فأقتربت محتضنه ظهره بقوة، ألتفت لها كلاً من سعد و فاروق ثم تركاها مع معتصم ليغادر الأثنين، تركت ظهر معتصم ثم تحركت بخطواتها نحو قبر عبدالله وضعت أمامه الزهور بإبتسامة حزينة ثم همست:.

-معتصم قالي انك شوفت ريهام، وأنك مبسوط علشان رايح ليها، أبقي سلملي عليها و قولها أنها وحشتني أوي يا عبدالله
شعرت بحجابها يسقط عن رأسها ليسرع معتصم و يضعه من جديد فألتفتت له بأعين مليئة بالدموع و أردفت:
-مش متعودة أسفه
أكتفي بأن يومأ لها برأسه بتفهم لتلتفت زينة نحو القبر من جديد و ترفع يداها لتبدأ بقراءة الفاتحة و الدعاء لعبدالله بهمس، ألتفتت نحو معتصم من جديد لتقول بعد أن هبطت دموعها من مقلتيها:.

-ممكن نروح لريهام
شعر بالحزن يحتل فؤاده على حال صغيرته، أقترب ليضمها لصدره بقوة فأجهشت الآخيرة في البكاء بقوة و لم تتوقف حتى أخذها نحو قبور عائلتها حيث دُفنت ريهام، و أنهارت أكثر أمام قبر شقيقتها الكبري التي أشتاقت لها كما لم تفعل من قبل، ألتفتت نحو معتصم لتمسك بقميصه بقوة بينما هو يحاوط كتفيها بكفيه لتقول:
-أنت مش هتعمل زيهم صح؟ مش هتمشي يا معتصم
أومأ برأسه مقبلاً رأسها بخفوت:.

-مش همشي يا زينة، إن شاء الله مش همشي
أمسكت بنظارته السوداء لتبعدها عن عيناه التي أنتفخت من كثرة البكاء، أقتربت لتضع قبلات على عيناه، ثم وضعت جبينها على خاصته لتكمل بكائها ممسكة بوجهه بكفيها، أردف معتصم أخيراً:
-خلاص يا زينة، يلا نمشي يا حبيبتي كفاية عياط.

وقف معتصم ثم أنحني ليحملها بين ذراعيه فعانقت عنقه و دفنت رأسها به، أخذها لسيارته، وضعها على المقعد ثم جلس هو خلف عجلة القيادة لينطلق نحو منزلهم ثم أتصل بأحدهم ليحضر سيارتها من المقابر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة