قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثامن والعشرون والأخير

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثامن والعشرون والأخير

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثامن والعشرون والأخير

أستيقظ معتصم في الصباح الباكر ليدخل للمرحاض آخذاً حماماً دافئاً، ثم خرج مرتدياً حلّته العسكرية البيضاء، نظر على أنعكاس زينة في المرآة التي أنتفضت من نومها بفزع، و سرعان ما ركضت نحو المرحاض لتفرغ ما في جوفها بتعب، أسرع لها ليقف خلفها محيطاً جسدها الملقي على الأرض، رفع خصلاتها جميعها في قبضته، و أنتظر بجوارها حتى أنتهت، حملها بين ذراعيه ليتجه بها نحو المرحاض و غسل لها وجهها، خرج بها ليتجه نحو الفراش، وضعها عليه برفق ثم تأمل ملامحها الشاحبة بحزن ليسألها أخيراً:.

-حبيبتي، بقيتي كويسة؟
نظرت نحو عيناه بمقلتيها الدامعتين و ملامحها التي تشبه الجرو الصغير لتجهش في البكاء فجأة فأحتضنها معتصم بقوة محاولاً بثّ الطمأنينة في قلبها، فأردف بسرعة:
-زينة، زينة خلاص كفاية عياط علشان خاطري، حبيبتي كفاية متتعبيش قلبي بالله عليكي
رفعت وجهها من صدره لتبدأ شهقاتها بالتعالي و هي تحاول التحدث:.

-مش قادرة، كل يوم تعب و أكتر من اليوم اللي قبله، و الدكتورة بتقولي طبيعي، أنا حاسة إني بموت يا معتصم، مبقتش عارفة أنام حتى ولا أرتاح، حتى أنت مش سايباك في حالك و مرمطاك معايا، و شغلي اهملته جداً لدرجة أن مستر عادل قالي هيديني أجازة لحد ما أخلف
جلس معتصم في مقابلها محيطاً وجهها بكفيه و هو ينظر نحو مقلتيها الحزينتين ليردف:.

-زينة، عدي أسبوعين بس على موت عبدالله، و أنا غصب عني متغير معاكي و زعلان، حتى أنتي زعلانة علشان ريهام الله يرحمها، و ناسية أدويتك و مش بتاخديها بإنتظام، و تعب الحمل مأثر على تركيزك في الشغل و بعدين أنتي كان المفروض تاخدي أجازة من الشغل أو ما عرفتي بالحمل، حبيبتي أنتي مبقيتيش خفيفة و قادرة تتحركي و تتنططي زي ما بتعملي في العادي
وضع قبلة هادئة على رأسها ثم أقترب من أذنها ليهمس بنبرة مطمئنة:.

-هرجع من الشغل النهاردة بدري و هجيب الغدا من بره، و بعد كده هاخد بالي اكتر منك و من أدويتك أوعدك، بس في المقابل عايزك أنتي كمان تساعديني و تاخدي بالك من نفسك و من البيبي و أنا مش موجود، و كمان تبدأي تظبطي الرواية بتاعتك و تشوفي الأكونت بتاعك اللي بقالك فترة مش بتفتحيه ده و تكتبي حاجة جديدة ماشي؟
أبتعد عن أذنها ليعود ينظر نحو عيناها مردفاً بإبتسامة جميلة:.

-هستني النهاردة أفتح النت و أنا في الشغل و ألاقي مقال حلو من مقالاتك، يلا أوعديني
هزت رأسها بالإيجاب لتحيط جسده بذراعيها دافنة رأسها في صدره، فأحاطها هو الآخر بذراعيه هامساً بالكثير من الإعتذارات بسبب إهماله لها الفترة الماضية، أبتعد عنها ليترك الحجرة بينما دلفت هي الي المرحاض لتحصل على حمام دافئ..

توجه نحو المطبخ ليبدأ في إعداد سندوتشات سريعة لها مع بعض الخضراوات، أنتهي منهم ليتجه نحو الغرفة من جديد و يضعهم على المنضدة في منتصف الغرفة، نظر في ساعة الحائط ليجد ان مازال أمامه بعض الوقت، أسرع بترتيب الفراش و جمع ملابس زينة الملقاة في كل مكان من الغرفة فكانت في حالة فوضي كعادتها، توجه نحو الأريكة ليحمل طبق الذرة المحمصة المتبقي به القليل منه بالإضافة الي كوب العصير الفارغ، أقترب من المرحاض من جديد ليلقي بالملابس امامه مردفاً:.

-حطي هدومك دي في الغسالة، و بطلي ترجعي من بره ترمي هدومك على الأرض أنتي مش عايشة في زريبة
صرخت زينة عليه بغيظ من خلف الباب:
-الله يرحم لما كنت أنا اللي بلم وراك هدومك في اول الجواز، و بعدين أنا واحدة حامل و بتعب من أي حاجة
-سلميلي على الحجج و الأعذار.

تركها ليتجه نحو المطبخ و يضع الطبق و الكوب في الحوض ثم أتجه نحو الغرفة من جديد و خاصةً نحو ( الكومدينو ) ليفتح درجه الأول و يخرج علبة الأدوية الخاصة بزينة، أخرج بعض الأدوية منها و أعاد العلبة في مكانها مردفاً:
-زوزو، الفطار على السرير و معاه كوباية ماية و الدوا بعد الفطار كمان أهوه، و ظبطت ليكي الأوضة فيه بس طبق و كوباية جوه أغسليهم أنتي، أنا همشي يا حبيبي عايزة حاجة؟

-عايزة سمك تونة على الغدا يا معتصم
نظر الي باب المرحاض بسخرية و تحدث و كأنها أمامه تماماً:
-مش عايزة سلامتي يعني؟
-و سلامتك يا حبيبي علشان تعرف تجيبلي السمك
-ربنا على الظالم

خرج من منزله بإبتسامة ثم رفع المفتاح الإلكتروني لسيارته و قبل أن يضغط على الزر وجد من يقف امامه، أبتسم و هو يجد عزت امامه، فأردف:
-أزيك يا عزت
-الحمدلله يا معتصم، و أنت و زينة أخباركم أيه؟

عقد معتصم ذراعيه أمام صدره ليقول بنبرة عبثية:
-علي حد علمي أخباري بتوصل ليكم أول بأول و علشان كده أنت هنا دلوقتي، ولا جاي زيارة؟
أبتسم عزت من ذكاء معتصم ليضربه على كتفه مردفاً:
-لا جاي في شغل، حاجة ليها علاقة بمهمة واشنطن
-وسيادة اللوا عارف؟
هز عزت رأسه بالإيجاب لينظر معتصم في ساعة يده مردفاً بتفكير:
-طيب انا قدامي حوالي نص ساعة، تعالي نقعد في أي كافيه قريب و قولي في أيه؟
-طيب يلا.

و توجه كلاهما نحو مقهي راقي قريب، و بعد جلوسهم و طلبهم مشروبات بدأ معتصم الحديث:
-لو جاي علشان أخو العالم الهندي ده فأنا مراقبه و بحاول أعرف كل تحركاته و لو فيه أي حاجة غلط
قاطعه عزت و هو يومأ برأسه نافياً:.

-لا يا معتصم، انا جاي علشانه فعلاً بس مش علشان مراقبتك ليه، انا عارف أنك واخد مهمة مراقبته و أنك تفهم غرضه من وجوده في مصر، بس لأ أنا جاي في حاجة تانية، عندي معلومات مؤكدة بتقول أن يوراج الخمس شهور اللي فاتوا كان بيدور و بيحاول يعرف أنهي دولة اللي اخدت أخوه، و طبعاً ده بطرق غير قانونية أو زي ما احنا الأتنين عارفين عن طريق شغله في السحر الأسود بالعفاريت و الجن.

-و طبعاً وصل لإنهم هنا و علشان كده هو في مصر، وبردوا بطرقه دي يقدر يوصل هو فين
هز عزت رأسه بالنفي و أكمل:
-لا مش هيقدر، و السبب مش هقدر أقوله ومش عايزك تزعل منى بس
قاطعه معتصم و هو يومأ برأسه بتفهم:
-أنا فاهم يا عزت، المعلومة اللي مش معايا مستحيل حد يقدر ياخدها مني، و مش زعلان و ده اللي في مصلحة الكل
ضحك عزت بخفة و هو يعقد ذراعيه أمامه مردفاً:.

-أحنا لينا قعدة تانية بعد دي أعرف انت ليه مدخلتش حربية لما أنت فاهم كل حاجة كده و ما شاء الله ذكي، بس خلينا دلوقتي في المهم، يوراج بدأ ضربه من بعيد لبعيد، عرف أن أحنا الخمسة كنا مسئولين عن حبس العلماء كلهم، أمبارح بركات كان راجع بيه و ماشي في شارع لوحده حس ان فيه حد وراه بس ملقاش حد
-أوعي تقول أن موضوع العفاريت ده بجد!
أومأ عزت برأسه بأسف قائلا:.

-للأسف أه، بركات سمع صوت في دماغه بيسأله عن العالم الهندي و حسّ أنه بيتوهم لحد ما بدأ صداع جامد في دماغه و كأنها بتتعصر، و بعد كده وقع على الأرض و محسش بأي حاجة غير لما لقي أخته اللي متجوزة فوق راسه في نفس الشارع و عيونها بيضا تماماً و معاها سكينة و كانت نازلة بيها على قلبه، لولا انه قام بسرعة و حاول يوقفها بس فجأة أخته اللي كانت ضعيفة بقت بتضربه بغباء و عرف كده أن حد مسيطر عليها و أن غالباً ده جن، فبدأ يقرأ قرآن لحد ما لقاها بتضعف و وقعت في الأرض في الآخر مغمي عليها و صحيت مش فاكرة أي حاجة.

نظر له معتصم بعدم أستيعاب لما قاله عزت ليقول:
-يعني أنت عايز تفهمني أن حالياً كلنا ممكن نموت بسبب واحد مجنون بيلعب بالعفاريت و الجن و بيدور على اخوه!
جاء النادل حاملاً قهوتهم، ليضعها على الطاولة ثم رحل ليتحدث عزت:
-خد بالك من زينة و من نفسك، و أحنا أن شاء الله خلال الكام ساعة اللي جايين هنجيب يوراج و نحاول نوقف اللي هو بيعمله.

-طيب أنا عندي شغل مهم و فيه شحنة مخدرات هتتسلم النهاردة بالليل لازم أروح على أسكندرية، و زينة اليومين دول هتقعد في البيت و مش هتخرج
-خلاص تمام أنت مارس شغلك عادي و أنا هحط عليك و على زينة حراسة يتدخلوا في حال حصل أي حاجة بس خليك حذر
أمسك معتصم بفنجان قهوته ليرتشف منه القليل مجيباً بشرود:
-ربنا يسترها
.

أمسكت بكوبها الكبير الممتلئ بالشاي و الحليب لترتشف رشفة كبيرة منه ثم أعادت وضعه في مكانها و هي تكمل قراءة روايتها من البداية، لقد كانت على تلك الحالة لأربعة ساعات متواصلة تقرأها و تصحح أخطائها و تضيف بعض الجُمل، و اخيراً وصلت بعد ساعة آخري الي كلمة النهاية لتبتسم و تحفظ الملف و تريح ظهرها على الأريكة بتعب، وضعت كفها على بطنها المنتفخ قليلاً لتبتسم مردفة:.

-لما أنت لسه مجتش و تاعبني أمال لما تيجي هيحصل أيه؟
نظرت الي الساعة، لوت ثغرها و ألتقطت الدواء من جوارها و أخذته مع قليل من الماء، و انتفضت فجأة و هي تشعر بشئ يضرب بطنها من الداخل، تعالت دقات قلبها و هي تشعر بركلة أخري صغيرة، أحتوت بطنها بكفيها و تساقطت دموعها بسعادة و هي تستشعر ركلات صغيرها، أمسكت بهاتفها بسرعة لتهاتف معتصم و الذي ما أن أجابها حتى صرخت بسعادة:.

-معتصم، أبننا أتحرك، و الله اتحرك، ضربني في بطني أنا حسيت بيه، هو عمال يضربني، أنا، أنا مش عارفة أقول أيه بس مبسوطة أوي
أبتسم معتصم من سعادتها ليردف بسخرية:
-ايه ده بجد؟ سوري يا مامي بس بابا حس بضربات بنته من أمبارح مع أنها جواكي أنتي، بس كنتي نايمة زي الجموسة ليلة أمبارح و أنا كنت بتكلم مع بنتي شوية لحد ما لقيتها بترد عليّا
-أخس عليك يا معتصم يعني أتحرك من أمبارح و مقولتش ليّا.

قلب معتصم عيناه بنفاذ صبر مردفاً:
-علفكرة هتكون بنوتة بطلي تعامليها على أنها مذكر
-أحنا لسه منعرفش و أنت مش راضي تخلينا نعرف غير لما أولد، متأكد منين بقا؟
-أحساسي بيقولي كده، و أنا بصدق أحساسي في كل حاجة
أبتسم ليكمل بحب:
-مبروك يا قلبي
-الله يبارك فيك يا معتصم، بقولك أيه أوعي تنسي السمك و أنت جاي، تونة هااه!
-حاضر و الله حجزتلك و 3 ساعات و هبقي عندك مع الأكل، اي حاجة تاني يا كوين زينة!

-أه متتأخرش عليّا يا كينج
أغلقت المكالمة لتنظر في حاسوبها و تفتح حسابها المزيف لتجد مئات من الرسائل المرسلة تفحصتهم لتجد الكثيرين يتسائلون عن سبب غيابها، أبتسمت لتبدأ في كتابة منشور جديد:
مررت بأسابيع عصيبة تلك الفترة، ما أن تنتهي مشكلة حتى تظهر كارثة أخري لتلحق بها و في نهايتها كان ملاك الموت قد أصدر قراره بقبض روح أحد المقربين الي قلبي..

و اخيراً بعد مرور تلك الأسابيع المميتة من وجهة نظري حدث شئ جديد، رائع، عظيم، لا أعرف تماماً كيف يمكنني وصفه و لكنه أحساس الأمومة الذي أعيشه للمرة الأولي، شعرت بركلات طفلي الأولي في معدتي، و أقسم أنني كنت أتأوه من الألم بسبب الحمل، و لكن الآن أشعر أن هذا لا شئ في مقابلة أن يأتي طفلي للحياة على خير، بل أنا على أستعداد لخوض تلك التجربة و هذا الوجع آلاف المرات في مقابل أن أشعر بما شعرت به اليوم..

متمردة
قامت بنشر المنشور ما أن أنتهت حتى تبتسم براحة و هي تبعد الحاسوب عن قدميها، تذكرت فجأة أن ترسل روايتها الي أحد دور النشر، فأمسكته من جديد لتبدأ بالبحث عن تلك الدار التي تعشق كل ما تنشره من كتب، و بعد دقائق كانت تضغط على كلمة إرسال في موقع الدار لتبتسم أخيراً و هي تشعر أنها تخط بخطوتها الأولي في الحياة.

أرتفع رنين هاتفها ليخرجها من تلك السعادة التي كانت تشعر بها، وجدته رقم غريب، أجابت بتعجب:
-ألو، مين؟
-زينة، زينة أنا كريم، ألحقيني يا زينة
أنتفضت من مكانها بسرعة لتشعر بألم قوي في ظهرها و لكن حاولت أن تظهر طبيعية و هي تسأله:
-كريم بالراحة فهمني في أيه؟ أنت جبت التليفون ده منين و أتكلمت أمتي؟
-هحكيلك كل حاجة بس تعالي خديني من هنا
هزت رأسها بالإيجاب و هي تتجه نحو خزانتها مردفة:.

-طيب طيب انا جاية، أبعتلي اللوكيشن و أنا جاية علطول
أغلقت المكالمة لترتدي فستان واسع يتناسب مع حملها و بدت رائعة به، رفعت خصلاتها للأعلي في هيئة ذيل حصان أرتدت حذائها الرياضي و ألتقطت حقيبتها و هاتفها لتخرج من المنزل بسرعة متوجهة نحو هذا الموقع الذي أرسله إليها كريم بسيارتها.

خرج صلاح من الشركة الخاصة به و حراسه، صعد الي سيارته بينما أشار لحراسه مردفاً:
-محدش ييجي ورايا.

أغلق الباب و نظر الي السائق مردفاً:
-علي البيت يلا
أنطلق به السائق نحو المنزل بينما إبتسامة شر أرتسمت على وجهه مردفاً:
-كده يبقي كله كمل، فاضل التنفيذ بس و هتكوني في حضني قريب يا زينة و بمزاجك
أرتفع رنين هاتفه ليلتقطه و وجد مدير أعماله جابر ، أجابه بملل:
-خير يا جابر
صمت للحظات و هو يتسمع له قبل أن يقول بحدة:.

-أنا قولت تنفذ يبقي تنفذ و أنت ساكت يا جابر و دلوقتي حالاً يلا، و أقسم بالله لو ما نفذت لهخليك تعفن في السجن
عاد الي صمته من جديد بعد أن أغلق المكالمة و هو ينظر أمامه ببرود، و مرت ثواني قبل أن تصطدم سيارة كبيرة بسيارة صلاح التي أنقلبت عدة مرات حتى أستقرت بسقفها على الأرض بينما في الداخل صلاح ينزف الدماء من أماكن عديدة في جسده و فقد وعيه، أو ربما حياته!
.

أنتهي من سرد الخطة ثم وضع يده على رقبته بتعب و هو يدلكها، فأردف فاروق بعملية:
-تمام، كل حاجة هتكون جاهزة قبل معاد التسليم، و احنا هنكون هناك على الساعة 12، عن أذنك هخلص شوية إجراءات الأول
-ماشي يا فاروق روح.

غادر فاروق المكتب فأقترب معتصم من مكتبه بتعب و جلس على مقعده ممسكاً بهاتفه فوجد أن زينة أتصلت به ثلاثة مرات بدون رد، تنهد و اعاد فتح الصوت ليتصل بزينة، و لكن توقف و أبتسم ليفتح الفيس بوك و يدخل الي حسابها المزيف و يبدأ في قراءة منشورها الآخير بإبتسامة، أنتهي و كاد أن يتصل بها و لكن قاطعه أتصال عزت له، عقد حاجبيه بتعجب و قلق و أجابه.
.

ضغطت على المكابح بقوة لتتوقف سيارتها و سرعان ما غادرتها لتلتفت حول نفسها في محاولة لإيجاد كريم في هذا المكان الخالي من البشر، دارت فجأة لتصدم بكريم يقف خلفها تماماً و يحدق بها بعيناه العجيبة، حاولت كتم صرختها أثر إخافته لها لتردف بقلق:
-كريم أنت كويس صح؟ قولي أيه اللي حصل و أيه المكان الغريب ده؟
أرتدت فجأة الي الخلف و هي تراه يرفع سكينه الحاد و عيناه مصوبتان نحوها لتقول بخوف:.

-كريم أنت أكيد مش هتعمل كده صح؟ كريم ردّ عليّا مالك بس و انا عملتلك أيه؟
أبتسم كريم إبتسامة واسعة أفرجت عن أنيابه الحادة للظهور، و لوهلة شعرت زينة أنها تنظر نحو مصاص دماء، و أردف كريم:
-عملتي كتير، انتي سبب بعدي عن أهلي، و جه وقت تدفعي التمن أنتي و عيلتك كلها، بس قبل كل ده لازم أسألك سؤال، فين مكان العالم الهندي بيان؟
عقدت زينة حاجبيها بدهشة و هزت رأسها بعدم فهم مردفة:.

-عالم مين و هندي أيه؟ أنا معرفش انت بتتكلم على أيه؟
-هعيد السؤال للمرة الآخيرة يا زينة
قاطعته بصراخ و هي تكاد تموت خوف من أقترابه منها و سكينته الحادة في وجهها:
-معرفش مين ده و الله، معرفهوش يا كريم أعقل و خلينا نتفاهم
قبل أن ينطق كريم بكلمة واحدة كان يقف خلفه رجلين يصوب كلاً منهما سلاحه نحو ظهره، فأردف أحدهم بهدوء:
-سيب السكينة من إيدك.

تراجعت زينة في خوف بينما لم يعيرهم كريم إهتمام بل أقترب أكثر من زينة التي كادت أن تبكي من شدة الخوف على طفلها و زوجها، فعاد الشاب يقول بحدة:
-أقف مكانك و سيب السكينة بدل ما هخلص عليك
-مش قبل ما أخد حقي منها.

هجم كريم على زينة بسكينة فصرخت الآخيرة بينما أنطلقت طلقات نارية من مسدس الشاب لتستقر في قدم كريم ليسقط على الأرض في الحال و قد أنفجرت الدماء من قدمه، بدأ الشاب الآخر بتلاوة القرآن بينما يقترب من زينة ليأخذ بيدها بعيداً عن كريم الذي بدأ جسده في الإرتعاش و الإنتفاض صارخاً بلغة غير مفهومة، حتى هدأ تماماً بعد دقائق ليسقط فاقداً وعيه.

علي الجانب الآخر كانت زينة تحارب بكل طاقتها لتبعد هذا الذي يرتل القرآن بصوته العذب عنها و هي تصرخ و تبكي و قد تملك الخوف منها تماماً حتى لم تعد تعرف عدوها من صديقها، أقترب منهم شاب ثالث بطالة مهيبة رغم صغر سنّه ليشير للشاب الأول بحمل كريم بينما أقترب من زينة ليمسك بيدها مبعداً أياها عن الآخر و قال:
-مدام زينة، مدام زينة أنا النقيب أشرف فوقي أنتي كويسة.

تسلل صوته الهادئ و المألوف الي أذناها، لتفتح عيونها الممتلئة بالدموع و تمسحهم بسرعة ناظرة الي هذا الشخص أمامها، و هنا فقط أبتسمت و عادت تبكي من جديد في آن واحد مردفة:
-أنت أشرف صح، أنا أعرفك، كنا مع بعض في واشنطن
ربت على كتفها بهدوء مردفاً:
-بالظبط، ممكن تهدي بقا و تتفضلي معانا
-هنروح فين
أردفت بسؤالها ليحرك أشرف رأسه قائلا:
-مكان أمان ليكي، و معتصم هييجي على هناك يلا بينا
.

وقف أمام باب المكتب الذي تقطن خلفه زوجته يحاول تنظيم أنفاسه، دق الباب بخفوت و أنتظر أذن الدخول الذي جاءه سريعاً ليفتح الباب بسرعة و يدور بعنياه داخله باحثاً عن من سرقت كيانه بالكامل، و لم تمر لحظات من دخوله ليشعر بها تتعلق في عنقه و تجهش في البكاء، ضمها بقوة الي صدره دافناً وجهه في خصلاتها و أردف بنبرة مطمئنة:
-أهدي يا زينة، عدت على خير يا حبيبتي، الحمدلله عدت على خير.

أبتعدت عنه بينما مازال يحيط وجهها بكفيه، فأكملت بكائها و هي تردف من بين شهقاتها:
-كريم يا معتصم، هو كان ماسك سكينة و عاوز يقتلني، معرفش ليه عمل كده، معقولة كل ده كان بيمثل علشان ميتسجنش، طيب ليه عمل كده أنا أعتبرته أخويا الكبير، أنا رفعت عنه قضايا كتير كانت ممكن تخليه يعيش حياته كلها في السجن اول ما يخف، كنت بزوره كل أسبوع علشان ميكونش لوحده، ليه عمل كده يا معتصم، ليه كان هيقتلني.

رفعت كفيها لتحيط وجهه هي الآخري و أزداد بكائها لتكمل:
-انا خوفت يقتل أبننا يا معتصم، و بعدين يقتلك أنت و بابا و ماما، أنا خايفة يا معتصم خبيني أنا خايفة
كانت هذه آخر كلماتها قبل أن تنهار بالكامل لتفقد سيطرتها على جسدها و كادت أن تسقط على الأرض و لكن ذراعي معتصم منعاها و ضمها الي صدره بقوة لتكمل بكائها و هي ترتجف خوفاً، أرتفع صوت اللواء خيري مدير المخابرات :
-معتصم، أقعد و قعّد مراتك يلا.

-حاضر يا فندم
حملها معتصم بين ذراعيه ليضعها على الأريكة التي كانت تجلس عليها و جلس بجوارها بينما ذراعيه مازالا حولها، فتنهد خيري مردفاً:
-كريم حصل ليه نفس اللي حصل لأخت بركات، و دلوقتي هما خدوه و هيرجعوه المصحة، و هتضطروا تفضلوا معانا كام ساعة تحت عنينا لحد ما الموضوع ده يخلص
-ممكن أسأل على حاجة يا فندم؟
أومأ خيري برأسه متفهماً و أردف:.

-عارف يا معتصم هتسأل على أيه؟ أحنا هنقدر نسيطر على يوراج و هنحبسه و هنخلص كمان من عفاريته دي، متقلقش أنت و متشغلش بالك، خد بالك من زينة بس الكام الساعة الجايين دول علشان الحمل
ضغط خيري على زر أسفل مكتبه ليدخل بعد لحظات أحد الضباط الي المكتب فأردف خيري:
-خد معتصم و زينة على مكتب النقيب أشرف و ميخرجوش من هنا غير بأمر منى شخصياً.

أدي الضابط تحيته العسكرية مصحوبة بالعبارة التقليدية تمام يا فندم ، ثم ألتفت نحو معتصم و زينة و أشار لهما نحو الخارج، فوقف معتصم و حاول مساعدة زينة في الوقوف و لكن خانتها قدماها من جديد، فأنحني ليأخذها بين ذراعيه و خرج متقدماً الضابط الذي بدأ يرشده على مكتب أشرف، وصل الجميع بسرعة ليتركهم الضابط و يتحرك بعيداً، بينما دلف معتصم و زينة و رحّب بهما أشرف بإبتسامة.
و بعد عدة دقائق سأله معتصم بحيرة:.

-أنت كنت هناك إزاي يا أشرف؟
-أعتقد سيادة المقدم عزت قالك أنه هيعين حراسة على مدام زينة من بعيد و ده اللي حصل
-و موضوع يوراج ده هيتقفل النهاردة
أبتسم أشرف و أردف بثقة:
-طالما سيادة اللوا قالك هيخلص النهاردة يبقي النهاردة أتطمن
ثم إبتسم بلطف و سألهم:
-تحبو تتغدوا أيه بقا؟ أعتقد محدش فيكم أتغدي و مدام زينة محتاجة غذا علشان البيبي، ألف مبروك.

أبتسم معتصم و هو يري طريقة أشرف البسيطة لمحاولة إخراج زينة من إنهيارها، فأجابه:
-الله يبارك فيك، عقبالك، بالنسبة للغدا ييجي هنا عادي؟
-هنطلب أوردر من أي مطعم و نديله عنوان أقرب مكان من هنا و هروح أستلم الأوردر
هز معتصم رأسه بتفهم و نظر نحو تلك الصغيرة بين يديه ليضع قبلة حنونة على خصلاتها و سألها:
-حبيبتي تتغدي أيه؟
رفعت عيناها ببراءة شديدة و خاصة مع تلك الدموع التي تملأهما، لتقول كجرو صغير:.

-عايزة سمك تونة

أستيقظت من نومها و قد عقدت حاجبيها بإنزعاج من صوت الهاتف، نظرت الي ساعة الحائط أمامها بتعجب أنها منتصف الليل! أمسكت هاتفها لتري من المتصل و قد كان سيرجي تتذكر عندما كانت تحتفظ برقمه من أجل معالجة جاسر بعد وفاة ريهام، تنهدت بتعجب و قد أجابت مردفة:
-السلام عليكم.

-و عليكم السلام، انا أعتذر على الإتصال في هذا الوقت، و لكن أنا قلق بعض الشئ على عبدالله و لا يوجد معي سوي رقم هاتفك و هاتف والده مغلق ايضاً
صمت للحظات قبل أن يكمل بقلق:
-تحدثت إليه منذ أسبوعين و أخبرني أنه سيعيد الإتصال بي و لكنه لم يفعل، و حاولت الإتصال به مراراً و كان هاتفه مغلق، هل هو بخير؟ هل لديكِ أي أخبار عنه؟

أزاحت أميرة غطاء الفراش عنها بتعب و حزن، راقبت جاسر الذي ينام على الفراش، ثم توجهت نحو الشرفة و هي تقول بحزن:
-سيرجي، أنا مش عارفة اقولك أيه و الله بس
تحدث سيرجي بسرعة:
-هل أصابه مكروه؟ أّصُيب في مهمة!
-تقريباً، هو أتصاب فعلا و الإصابة كانت خطيرة، و للأسف عبدالله مات قبل ما الدكاترة يلحقوه
صمت سيرجي لثواني يحاول أستيعاب ما قد تفوهت به للتو، ليقول بحروف مبعثرة و متلعثمة:.

-مات! أنـا سأغلق الخط، و أسف على الإزعاج من جديد
-سيرجي دقيقة
و لكنه كان قد أغلق الخط بالفعل، فأبعدت الهاتف عن أذنها و هي تلتقط نفساً عميقاً شاعرة بما قد حدث لقلب سيرجي الآن، شعرت بكف يوضع على كتفها، ألتفتت لتجد جاسر الذي ينظر لها بتعجب و سألها:
-كنتي بتكلمي مين دلوقتي كده؟
نظرت إليه بحزن قبل أن تحتضنه بقوة دافنة رأسها في صدره، فأحاطها بذراعيه في هدوء في إنتظار إجابتها التي جاءته سريعاً:.

-سيرجي كان بيتصل لأنه مش معاه رقم حد غيري، كان بيسأل عن عبدالله
رفعت رأسها لتنظر إلي جاسر و أردفت بنبرة مرتعشة:
-و عرف أنه مات، قفل علطول
مرر جاسر أنامله في خصلاتها المتحررة ليقول بإبتسامة حزينة:
-محتاج وقت يستوعب بس، سيبيه يستوعب و هيرجع يتصل بيكي علشان يعرف مكان قبره لما ينزل مصر
هزت رأسها بتفهم لتبعد رأسها عن صدره مردفة:
-صحيت إزاي؟ انت نايم من غير السماعة؟

-حسيت بيكي و أنتي بتقومي من جنبي، فلبستها و جيت أشوف مالك، يلا تعالي ننام أرتاحي شوية قبل ما عماد يصحي و يصحيكي معاه الليل كله
.

أرتفع رنين الساعة لتعلن عن الساعة الخامسة فجراً، و كانت تلك الصهباء تجلس على فراشها بخوف و هي تنظر حولها في إنتظار زوجها الذي ذهب لإتمام إحدي مهماته و لم يأتي بعد، امسكت هاتفه و أتصلت به للمرة الثلاثين و لكن تأتيها تلك الرسالة المسجلة التي تكرهها الرجل الذي طلبته مغلق أو غير متاح الآن ، أغلقت الهاتف و ألقته الي جوارها بتعب، وضعت كفها على بطنها المنتفخ و قالت بتعب:.

-يا تري بابا فين؟ أتأخر أوي علينا مش كده!
نظرت الي جهاز تحكم التلفاز بجوارها و الكتاب الي جوارها، و سألت بحيرة:
-مسلسلات ولا الكتاب؟
أنقلبت شفتيها بضحكة ساخرة لتقول لنفسها:
-علي أساس أنك هتجاوب يعني و كده
صمتت للحظات و قد أتخذت قرارها مردفة:
-أحنا نسيب الكتاب لما بابا ييجي نقرأه سوا و نتفرج على التليفزيون.

أمسكت بجهاز التحكم لتقوم بتشغيل التلفاز و تغيير قنواته بملل حتى توقفت فجأة عند صورة صلح التي تحتل الشاشة و تبدأ بقراءة الخبر:
مصرع رجل الأعمال المشهور حمدي الصمدي و المعروف بأسم صلاح صاحب شركة deep في سيارته بالقرب من الدائري، و قد أكدت عناصر الشرطة أنه حادث و ليس بفعل فاعل .

قرأت زينة الخبر عدة مرات و مازالت غير مصدقة ما يحدث، لا تعلم حتى بماذا تشعر هل تفرح بموته لأنها أخيراً ستتخلص منه، أم تحزن فمازال شاباً في ريعان شبابه، قاطع حيرتها صوت غلق الباب الخارجي، أبتسمت و هي تري معتصم يدخل الي الغرفة بإجهاد يظهر على وجهه في زيّه العسكري، أبتسم عندما وجدها في إنتظاره فهي لا تنام إن كان في مهمة، أقترب واضعاً قبلة سطحية على شفتيها و هو يشرع في خلع ملابسه..

أمسك بجهاز التحكم لتغلق التلفاز بينما هو يخلع ملابسه لتسأله:
-أتأخرت كده ليه قلقتني عليك؟
-معلش يا حبيبتي الإجراءات و سنينها، هاخد شاور و أجيلك علطول
سحب ملابسه من الخزانة و توجه نحو المرحاض و لكن توقف عندما سألته:
-أعملك عشا خفيف؟
ألتفت بإبتسامة مردفاً:
-بصراحة جعان جداً، لو مش هتعبك حاجة في السريع، لو مش قادرة هخرج أنا أعمل سندوتشات و أرتاحي أنتي
أبتسمت و هي تقف عن الفراش مردفة:.

-لا كفاية الفطار، أنا هعمل عشا خفيف و نتعشي سوا، خد شاور بسرعة و أخرج
تركته لتغادر الغرفة متجهة الي المطبخ ببطنها المنتفخ أمامها لتقول بصوت مسموع:
-شوفتي أبوكي خايف عليكي قد أيه و مش بيخليني أتعب نفسي علشانك، نجهز عشا أيه بقا؟ عايزة تاكلي أيه يا
صمتت فجأة و أنقلب ثغرها بتفكير عندما تذكرت أنهم لم يختاروا الأسماء بعد، فأكملت:
-هنبقي نشوفلك أسم حلو مع بابا، دلوقتي هنعمل العشا الأول.

و بدأت في إعداد العشاء الخفيف مع كوبان من عصير البرتقال الذي لا ينتهي أبداً، حملت الطعام الي الفراش و جلست بجواره في إنتظار معتصم، ليخرج بعد دقائق و يقترب منها بإبتسامة مردفاً:
-أنتي بترديهالي علشان عملتلك فطار الصبح؟
أقتربت منه محيطة عنقه بذراعيها و قالت:
-لا، أنا بدلعك علشان أنت جاي تعبان و يادوب تاكل و تنام، بس بكره الدور عليك تدلعني
أنحني ليحملها بين ذراعيه و يضعها على الفراش قائلا:.

-أنتي تؤمري يا كوين زينة، قوليلي أخدتي دواكي؟
هزت رأسها مع إبتسامة، ليبتسم هو الآخر مردفاً:
-طيب يلا ناكل علشان أنا جعان جداً
بدأ كلاهما بتناول الطعام لتقول زينة بتذكر:
-صحيح، أحنا مخترناش أسم للبيبي
أبتلع معتصم ما في جوفه لينظر له بإبتسامة قائلا:
-أحنا نعمل أتفاق، لو ولد أنتي تسميه و لو بنت أنا هسميها روضة
أمسكت زينة بكأس البرتقال لتقول بتفكير:.

-و لو ولد هنسميه عاصم علشان يبقي واخد من أسمك، عاصم معتصم السيوفي
أبتسم معتصم لها و غمز مردفاً:
-لا المرة الجاية و عليكي خير، أنتي هتجيبي بنوتة و هتشوفي
-هنشوف يا سيادة الرائد
-قلب سيادة الرائد من جوه
أقترب مقبلاً وجنتها بحب، و عاد يكمل طعامه، و بعد دقائق عادت هي تقول:
-سمعت الأخبار؟
-أه، لو قصدك على صلاح فأه عرفت أنه مات
أبتسمت زينة رغماً عنها و قالت:.

-مش قصدي شماته و الله ربنا يرحمه، بس مش شايف أن كل حاجة وحشة بدأت تبعد عننا، و كأن الحظ أخيراً أبتسم لينا، صلاح مات، و عزة رجعت مع عمها البلد، و نيرة أختك و مرتضي هيستقروا في مصر، خلصنا من يوراج و أي حاجة تربطنا بمهمة واشنطن، جاسر عنده حفلة في الجونة كمان يومين أحتمال كبير يتكرم فيها عن الفيلم بتاعه، بابا و ماما ربنا يخليهم كويسين، و أحنا منتظرين نونو صغير، بجد الحمدلله كل حاجة بقت كويسة.

أنتهي معتصم من طعامه، لينظر نحو زينة و هو يحاول ان يتذكر:.

-كنتي كاتبة في روايتك الحياة كالميزان المتزن، أحدي الكفّتان السعادة و الآخري الحزن، لا يزداد أحدهما عن الآخر بمثقال ذرة ، و هرجع أقولهالك، الدنيا كانت مقفلة معانا بقالها كتير، و دلوقتي أهيه بتفتح في وشنا، محدش عارف ممكن بكره يكون مخبي لينا أيه، و علشان كده لازم نستغل كل لحظة نحمد ربنا و نشكره على السعادة دي، و ندعي أنها تستمر فترة أطول، حتى لو كانت الدنيا سودا قدامك أوعي تستسلمي يا زينة، و خليكي بتشكري ربنا و تسأليه السعادة قريب فاهماني؟

أبتسمت لتقترب و تحيط عنقه بذراعيها مردفة:
-لو الدنيا كلها مفهمتكش يا معتصم، أنا بفهمك مش بس بفهمك لأ، أنا بحسك، بحس بكل كلمة بتقولها و قصدك بيها، أحنا قدام بعض كتب مفتوحة و يمكن دي أحلي حاجة ممكن تحصل في أي علاقة
-طب بما أني كتاب مفتوح فأكيد حاسة أني تعبان جداً و هموت و أنام، يلا ولا أيه؟

تركها ليمسك بالطعام و يغادر الغرفة ثم عاد بسرعة و أغلق الأنوار ثم أتجه نحو المرحاض ليجدها تغسل أسنانها، أمسك بالفرشاة الخاصة به و أستند الي الحائط يراقبها، لتنظر له بتعجب و تسأله بحروف مضحكة:
-بتبصلي كده ليه؟
-بحبك بعيوني، مراتي و أنا حر فيها، أبصلك أحضنك أبوسك
رفعت كفها أمام وجهه لتقول بنفس النبرة المضحكة أثر وجود المعجون في فمها:
-الدبلة بقت ضيقة عايزة أوسعها
صرخ معتصم في وجهها مردفاً:.

-يا بنتي ليه كده، عايشين لحظة رومانسية دبلة أيه و زفت أيه، أقولك حاجة أنا رايح أغسل سناني في الحمام التاني، أشبعي بقا بالدبلة و المعجون
ثم تركها ليغادر المكان بينما هي أبتسمت و تعالت ضحكاتها و هي تهمس لنفسها:
-قلب أمه، صعبت عليّا يا صاصا
ثم عادت تضحك من جديد و هي تكمل غسيل أسنانها بإستمتاع متذكرة كلماته التي كانت لها أثر غريب على قلبها، تنهدت بقلة حيلة من عشقها لصاحب الزّي الميري..
.

ركض نحو غريب الذي يقف في إنتظاره و هبط دموعه بلا توقف و هو يضع نفسه بين ذراعيه ليبكي كـطفل في أحضان والده، أرتفع صوت شهقاته لتدل على ندمه على كل فعل قبيح قام به، نظر غريب للضابط ليومأ له بتفهم و يتركهما سوياً..
أبتعد غريب عن معتز بهدوء و أردف:
-أهدي شوية و أقعد خلينا نتكلم
جلس معتز على مقعده و الندم يتآكله، نظر نحو غريب بملامح مثيرة للشفقة خاصةً بعد قضائه فترة لا بأس بها في السجن، ليردف برجاء:.

-أرجوك يا غريب أنا محتاج مساعدتك، أنا عايز أخرج من هنا، مش قادر أستحمل أكتر من كده، غلطت و ندمت و الله العظيم ندمت على كل حاجة عملتها زمان، الناس اللي أتأذوا بسببي و اللي ماتو بسببي، حتى ريهام ندمت على اللي عملته فيها و الله، أنا مش عارف أنام
أجهش في البكاء من جديد و هو يتذكر كل ما يحدث له منذ أن أستيقظ ضميره معاتباً أياه على كل ما فعله ليكمل:.

-بشوف أرواح الناس اللي أتقتلوا بسببي في كل حتة حوليّا، حاسس أني أتجنيت، أنا بشوفهم بجد يا غريب، هما عايزين يقتلوني زي ما قتلتهم، و ريهام، ريهام بتجيلي كل يوم بالليل و بتقطع في لحمي
ربت غريب على كتفه بشفقة و أردف:
-معتز، دي مجرد هلاوس، مفيش حاجة من دي بتحصل، دماغك بتصورلك الحاجات دي.

صرخ معتز بعدم تحمل لكلمات غريب التي تحرقه ليقطع قميص السجن و يظهر صدره أمام غريب الذي وقف في ذهول و فزع من هول العلامات الدموية التي تحتل جسد الآخير..
نظر معتز الي غريب بكسرة ليقول:
-مش هلاوس يا غريب، أرجوك خرجني من هنا، انا بموت كل ليلة و أنا لوحدي و مش معايا حد غيرهم، و بقيت بروح المستشفي مرة كل أسبوع بسبب ريهام، حتى الناس اللي محبوسين هنا مش سايبني في حالي، خرجني من هنا مش هقدر أستحمل أكتر.

سقط على ركبتيه ليكمل بكائه بينما لازال غريب ينظر له بدون أن ينطق بكلمة واحدة، فقط مصدوم مما يمر به معتز، هو يعلم أنه يهلوس، ولكن لا يعلم سبب تلك العلامات في جسده، أخرجه من شروده صراخ معتز و هو ينظر نحوه و يقف بفزع مردفاً:
-غريب وراك، كلهم وراك يا غريب، عايزين يقتلوني، ألحقني منهم يا غريب، خرجني من هنا، أقتلهم، خليهم يبعدو عني.

بدأ معتز ينهار تدريجياً و هو ينظر في الفراغ خلف غريب و قد تحولت ملامحه الي الرعب، صرخ غريب هو الآخر ينادي الي الضابط، فدخل الآخير الي المكتب بسرعة و هو يشير الي حراسه نحو معتز ليأخذوه..
و لكن ربما كان للقدر رأي آخر حيث كانت أقدام معتز تتراجع الي الخلف و هو يصرخ و يقسم أنهم حوله يريدون قتله، وضع غريب يده على كتف الضابط ليصرخ:
-معتز هيقع من الشباك، حد يلحقه.

أقترب العساكر من معتز بسرعة ليمسكوا بكفيه و يحاولوا إبعاده و لكن بلا جدوي، تلوي بين أيديهم آلاف المرات قبل أن يفلت من بين كفوفهم و يتوجه نحو الشباك بدون وعي و يلقي بنفسه من الطابق الحادي عشر و يسقط صريعاً مسطراً نهايته المأسآوية..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة