قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الختامي

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الختامي

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الختامي

وقف أمام الشرفة المطلة على البحر أمامه، كان السواد يحتل المكان، و صوت الأغاني يرتفع من هاتف عشقه الأول و الآخير، و لفحات الهواء الدافئة تلفح وجهه و صدره العاري، تأمل السماء الكاحلة المغطاة بسحب رمادية تلتقطها مقلتيه، تنهد مخرجاً كل الهواء الساخن بداخله، يشعر ببراكين عظيمة على وشك أن تنفجر حممها داخله، لا يعلم السبب تحديداً، ربما هو سبب إقتراب موعد وصول صغيرته الي هذه الحياة؟!

شعر بذراعيها يلتفان حول ظهره لتتمسك به بقوة بينما تستند بوجنتها على ظهره، أمسك كفها من فوق معدته ليقربه من ثغره واضعاً قبلة صغيرة عليه قبل أن يردف بإبتسامة:
-خرجتي أمتي محستش بيكي؟
ألتفت لينظر إليها مفتتناً بمظهرها الخلاب، فستانها الوردي الطويل و خصلاتها الطويلة المتأرجحة على كتفيها كشلال من عسل، و مكياجها البسيط ليزيل شقاء حملها، كانت حقاً كحورية هبطت من الجنة..

رفعت كفيها من جديد لتحيط عنقه هذه المرة لتقترب منه مردفة:
-ده أنا خرجت و لبست و حطيت ميك أب و البيه سرحان
أحاط خصرها بكفيه و هو يدنو منها أكثر لتكمل هي:
-أيه اللي شاغل بالك عني؟
أنتهت الأغنية الآخيرة لتبدأ آخري لـ ( محمد حماقي ) تحت عنوان و آدي حالي معاك ، ليبتسم معتصم و يجيبها ضاغطاً على خصرها أكثر ليقترب من منتصف الغرفة و يبدأ بالرقص معها:
-حماقي بيرد عليكي
و أدي حالي معاك
بموت علشان أنساك.

حاولت ياما أقول لقلبي كفاية يستناك
و أدي حالي معاك
شايفك هنا و هناك
في كل حتة سايبلي ذكري عيشتها وياك
أقتربت منه أكثر لتخطف أنفاسها و هي تهمس أمام شفتيه:
-الأغنية عن واحد حبيبته سابته يا معتصم و هو زعلان في بعدها
-بس ده حالي طول ما أنتي غايبة عن عيني يا زينة.

أمسك بكفها لتدور حول نفسها عدة مرات قبل أن تعود لتلتصق به من جديد لتبدأ رابطة غربية بين أعينهما، ليكمل معتصم و كأنه مسحور لا يعي حرف مما ينطقه:.

-في الشغل مش شايف غير صورتك و بتمني أنساكي و أقدر أركز في شغلي، بس حتى ده مش بإيدي، كل مكان فيه ذكري لينا، أول مقابلة لينا، لما جيتي عايزة تفسخي الخطوبة علشان منير ضحك عليكي و قالك أني متجوز و عندي عيال بعد ما عملك عني تحريات، و لما رفعتي المسدس على فِكر، و لما قولتلي عن البيبي
أقترب أكثر ملصقاً جبينه بخاصتها و هو حرارة أنفاسه تصل الي قلبها ليكمل:.

-أنتي معايا في كل مكان يا زينة، لو مكنش بالذكريات فأنتي في قلبي و مش بتغيبي عنه
أرتفع صوت حماقي مرة أخري ليأخذهم الي عالم آخر تماماً و قد غزت زينة مشاعر العشق أثر كلمات معتصم.
مش ذنبي أن قلبي راح معاك و مجاش
أنا شكلي كلمة أنسي كلمة معرفهاش
مش ذنبي أن قلبي راح معاك و مجاش
أنا شكلي كلمة أنسي كلمة معرفهاش
تسلل كفها ليرتفع من عنقه الي وجنتيه ببطء مردفة بهيام:
-أنت حبتني امتي الحب ده كله يا معتصم؟

-أنا حبيتك من لما دخلتي عليّا مكتبي أول مرة يا زينة، فاكر كل اللي حصل بالظبط كأنه لسه حاصل من دقيقة، طلبتي برتقال، مسكتي قلم و رفعتي بيه شعرك، ثقتك في نفسك و حماسك علشان توقعي خالد، حبك لشغلك، أول ما خرجتي من هنا ندمت أني مبصتش في إيدك أشوف فيه خاتم ولا لأ؟ بس لما قابلتك تاني و عرفت أنك مش مخطوبة مفكرتش مرتين أني أتجوزك
أيام بتفوت بعدك ببطء بموت
علطول واحشني و ليه سايبني و مش سامعلك صوت.

في جراح و عذاب حتى الأمل كداب
كل ما بقفل باب الذكري تفتح باب
امتلأت مقلتي زينة بالدموع من هول المشاعر التي تجتاح قلبها الآن و لقد زاد الأمر هرمونات حملها، ليحتوي معتصم كفها الملتصق بوجنته بكفه الأكبر مكملاً:.

-و لما بروح مهمة لأيام ببقي حاسس أن الأكسجين خلص، مخنوق و متضايق بدون سبب، الضحكة مش بتترسم على شفايفي ولا بتوصل لقلبي غير لما ألاقي تليفوني بيرن و ألاقيكي بتتصلي فيديو كول، مبقدرش أكل غير لما أتصل أتطمن عليكي أنك أكلتي، مبعرفش أنام غير لما أتصل بيكي و نفضل نتكلم لحد ما تروحي في النوم
تنهد بحرارة مغمضاً عيناه و ما زال يتمايل معاها أثناء الرقص مردفاً:.

-الموضوع بقا أكبر من الحب يا زينة، بقا أكبر بكتير أوي لدرجة أني مش قادر أوصفه أو يمكن انا مش فاهمه، بس انا مبسوط يا زينة، أنا عايش طول ما أنتي جنبي يا برتقالتي
فتح عيناه لينظر الي خاصتها و قد سقطت منهما العبرات، أقترب بكفه ليزيح دموعها بإبتسامة جميلة تزين شفتيه، ليسألها أخيراً:
-يا تري حبي ده كافي ليكي يا زينة؟
هبطت دموعها من جديد بدون إرادة منها و هي تبتسم مظهرة أسنانها لتنطق بسعادة:.

-و أكتر من كافي يا معتصم، أنا غرقانة في حبك
أحاطت عنقه بقوة ليدنو منها و أحتضنته بقوة و هي تهمس بحبك بلا توقف، رفعها من خصرها لتتشبث به أكثر، و دعاء صامت بداخلهما أن تستمر حياتهم بهذا الحب الكبير بينهما.
مرت ثواني صامتة على كلاهما غارقين في عناقهم الحار، ليردف معتصم أخيراً:
-حبيبتي، هنتأخر على الحفلة
أنزلها لتلمس قدماها الأرض، فأبتعدت عنه و هي تمسح دموعها التي هبطت من جديد مردفة:.

-معاك حق، لازم نكون جنب جاسر النهاردة، و أول ما الحفلة تخلص قدامنا الليل كله هتفسحني بره بما أنه آخر يوم في الجونة ماشي؟
-أنتي تؤمري، يلا ظبطي الميك أب و أنا هكمل لبس.

سُلط الضوء على جاسر الذي يجلس بجوار غريب، ليرتفع الهتاف و التصفيق الحار بعد أن تم الإعلان بفوز فيلمه الأول بجائزة مهرجان الجونة السينمائي ، صعد صُنّاع العمل متتاليين على المسرح، و تم تسليم الجوائز في وسط جو من السعادة الخالصة، ليطلب مقدم الحفل من جاسر بإلقاء كلمة بإعتباره فيلمه الأول، فأقترب جاسر من الميكروفون الموضوع فوق منصّة خشبية، إبتسم بتوتر قليل مردفاً:.

-أعذروني لو كلامي كان مغلبط شوية، في الأول عايز أشكر كل الموجودين هنا، و بشكل خاص أستاذ غريب منتج الفيلم، في الحقيقة هو كان معانا خطوة بخطوة و بيقدم لينا كل الدعم، و عايز أشكر حد مهم جداً كنت أتمني يكون معانا النهاردة بس للأسف
صمت لثواني ليهدأ رباطة جأشه قبل أن يكمل بعيون ممتلئة بالدموع:.

-حابب أشكر أختي الكبيرة و مخرجة الفيلم ريهام كامل السعيد، اللي آمنت بيّا و بموهبتي و أدتني فرصة و وقفت جنبي لحد ما بقيت جاسر السعيد اللي كلكم عارفينه دلوقتي، لولاها هي أنا مكنش هبقي واقف هنا، أنا تقريباً من أكتر الناس اللي بتعاني في المجتمع رغم أن الدولة بتبذل كل جهدها أنها توفر للي زيي كل سُبل الراحة
لاحظ التعجب على وجه جميع الحضور ليبتسم مكملاً:.

-أنا حياتي كانت صعبة شوية، أتولدت عندي مشاكل في السمع و بقيت من ذوي الأحتياجات الخاصة، و دي مش حاجة أنا أتكسف منها بالعكس، عانيت شوية و أنا طفل، و بقيت من المنبوذين في الكلية و لما دخلت معهد تمثيل محدش صدّق أني ممكن أكون هنا في يوم، الوحيدين اللي كانو جنبي هما أهلي، و أكتر حد وقف جنبي هي ريهام، كانت بترفض الأفلام المعروضة عليها لمجرد أنها كانت عاوزاني بطل أول فيلم ليها، لحد ما قابلنا أستاذ غريب اللي شاف بردوا أني موهوب، و أصّر أني أخذ البطولة في الفيلم، أشتغلنا جامد و عملنا كل اللي نقدر عليه و كل التيم بيحلموا باللحظة دي.

هبطت دموعه و لكن ما زال محتفظاً بإبتسامته:
-و أكتر واحدة حلمت باللحظة دي كانت ريهام، متأكد أنها كانت هتكون طايرة من الفرحة بنجاح الفيلم، و لو كانت وقفت هنا مكاني و بدأت تتكلم، هتتلغبط و مش هتعرف تظبط جملة كاملة، هتضحك كل شوية و تعتذر على كلامها اللي مش مفهوم
صمت من جديد ليردف من جديد و للمرة الآخيرة:
-و بصراحة أنا مش شايف سبب لنجاح الفيلم بعد توفيق ربنا غير أن ريهام كانت مشاركة فيه، شكراً.

تعالي التصفيق من جديد بين الحشود المجتمعة في الأسفل و التي وصلت كلمات جاسر الي قلوبهم، ليقترب منظم الحفل من جاسر مردفاً بإبتسامة:
-و أحنا مقدرناش ننسي مجهود الأستاذة ريهام في الفيلم ده، و علشان كده أنا بسلم جايزة المخرجة الشابة ريهام كامل السعيد للأستاذ جاسر السعيد.

أقترب المنظم أكثر من جاسر و هو يعطيه الدِّرع الخاص بريهام، ليلتقطه جاسر بإبتسامة و يشكره قبل أن يلتفت ليجد صور لريهام في مواقع التصوير متتالية على الشاشة خلفه، أبتسم و هو ينظر الي تلك الصور مستعيداً ذكريات كل صورة لها، و أختتم بدعاء صامت داخله لها و لزوجها عبدالله بالرحمة و المغفرة..
.

أشرقت شمس صباح يوم جديد، أستيقظ و هو يشعر ببرودة الفراش جواره، فتح عينيه بصعوبة ليواجه ضوء الغرفة المشتعل، بسط ذراعه باحثاً عنها و قد فتح عيناه أخيراً، ألتقطها تجلس في أرجوحتها بالشرفة، نظر نحو كؤوس البرتقال الفارغة على الطاولة الزجاجية أمامها، تنهد بتعب من زوجته المهملة التي لم تذق طعم النوم منذ الأمس..
وقف أمامها بصدره العاري و خصلاته المبعثرة عاقداً ذراعيه فوق صدره ليردف بعتاب:.

-بقا ينفع كده يا زينة؟
رفعت أنظارها لتلقط مظهره اللطيف فأتسعت إبتسامتها و صمتت تتأمله بمقلتيها، تكاد تقسم أنه قد خرج من أحدي الروايات التي تقرأها، أستفاقت من شرودها الصغير على صوته من جديد يسألها بتعجب:
-سرحانة في أيه يا هبلة؟
ضحكت و هي تبسط ذراعها لتلقط كفه في خاصتها قائله بإبتسامتها الهادئة:
-سرحانة فيك، و خايفة أحسد نفسي عليك
أقترب يجلس بجوارها و هو يرفع حاجبيه بذهول من جملتها ليردد بحذر:.

-خير اللهم أجعله خير، أيه الشعر اللي على الصبح ده؟ لو علشان مزعقش على السهر فمش هزعق
هزت رأسها بالنفي لتقترب منه أكثر و على قدميها ملف ورقي متوسط الحجم، فتحت الصفحة الأولي منه لتسرد:.

-أمبارح بعد ما أنت نمت جاتلي فكرة غريبة شوية، فطبعت كل الكلام اللي كنت كتباه على الفيس من أول ما بدأت كتابة لحد أخر بوست، في كل صفحة مقال واحد و تحته تاريخه، عارف عدّي قد أيه يا معتصم! سنة و كام شهر بس، و بدأت أقرأهم تاني من الأول
صمتت لحظات و أنخفضت رأسها تنظر في ورقتها الأولي و عيناها تطالع مقالها الأول، دني منها معتصم ليسحب ذقنها للأعلي مواجهه لعينيه و أردف:.

-سكتي ليه كملي؟ أيه اللي حصل بعد كده؟
-أستغربت، و حسيت أني مش انا اللي كتبت الكلام ده، أو على الأقل أغلبه، لحد ما بدأت الذكريات تهاجمني و أفتكر كل مقال أنا كتبته ليه و أيه مناسبته، و أكتشفت حاجة غريبة أوي، أحنا بنتغير يا معتصم، بنتغير بسرعة جداً و من غير ما ناخد بالنا، أول مقال كتبته عن الحب بسبب قصة حب بابا و ماما القديمة، كنت كارهه الحب و شايفاه بيستنزف طاقة الإنسان على الفاضي.

أغلقت الملف لتفتحه من الجهة المعاكسة حيث الورقة الآخيرة لتردف بإبتسامة:
-في حين أن آخر مقال كنت مبسوطة فيه بإحساس جديد لما البيبي أتحرك جوايا، تخيل سنة واحدة بس أو أقل خلتني أغير مفهومي عن الحب، أحنا بنتعلم يا معتصم، كل يوم بنعيشه حرفياً بيكون درس جديد، بنتغير و ننضج كل ما مرّ الوقت
ضحكت بخفة لتكمل و هي تعيد النظر في الورقة الأولي:.

-دلوقتي بقيت ببص في وجهات نظري القديمة و أضحك على غبائي، لما فكرت في حاجات كتير معاكسة لكل اللي بعيشه دلوقتي
رفعت نظرها من جديد لتنظر داخل عيونه المتابعة لها بإهتمام لتكمل:
-حاسة بإحساس غريب، غريب أوي يا معتصم مش قادرة أفسره، إني كبرت فجأة، إني بقيت فاهمة أكتر، إحساس غريب أوي جوايا بيكبر كل ما برجع أقرأ كل اللي كتبته من الأول لحد آخر حاجة
تنهدت في النهاية بقلة حيلة لتسأله:.

-كلامي ملوش معني، انت فاهمني؟
رفع كفه ليضعه بين خصلاتها البرتقالية و هتف بحب:
-فاهمك كويس أوي، بالعكس أنا حاسس إنك نقلتيلي إحساسك
كاد أن يكمل ولكنها صفقت بيدها لتقول:
-لا بالله عليك مش عايزة رومانسية، كفاية و الله مش هعرف أرد
قبض على خصلاتها بقوة ليدنو منها أكثر و قد ظهرت علامات الغضب على وجهه و أردف:.

-أتقي الله فيّا، بتخليني عايز أرميكي من البلكونة بعد ما أكون طاير في السما، لسانك ده أيه بينقط سم
أمسكت بكفه المحيط بخصلاتها و أردفت بدلال لتكسب تعاطفه:
-أخص عليك يا معتصم، هتضرب أم بنتك روضة حبيبة قلبك
أبتسم بسخرية ناظراً إليها و هو يتأمل دلالها الزائف مردفاً:
-للأسف الدلع مش لايق عليكي
-طب أستني أنت وش البيبي بييجي معاك.

قوست شفتيها سريعاً و قد أنقلبت ملامحها تماماً الي البراءة الشديدة و تمسكت في عنقه بكفيها، لتقول:
-لسه بردو هتضربني؟
تركها ليغادر الشرفة بفقدان أمل من تحلّيها بالعقل ولو لدقائق و أتجه نحو المرحاض و هو يسمع ضحكاتها و هي تتجه داخل الغرفة من جديد، سيطر عليه الغيظ ليصفع الباب خلفه بشدة و لكن لم ينتج عن هذا سوي أن أزدادت ضحكاتها..
.

سواء آمنت بالحب أم لا، سيأتي اليوم لتصبح فيه علاء الدين و تجد ياسمينتك الخاصة التي ستغير كل مبادئك و أفكارك..
أقترب من تلك التي تجلس أمام التلفاز ليجلس الي جوارها و تنهد بتعب لتسأله:
-كلمت أستاذ غريب؟
-أه لسه قافل معاه
أبتسمت و دارت بجسدها تنظر له بفرحة و تسأله:
-وافقت على الفيلم الجديد؟
أبتسم هو الآخر من سعادتها الظاهرة ليومأ لها برأسه، ألقت بجسدها بين ذراعيه و ضمته بشدة و أردفت:.

-مبروك يا جاسر، كنت متأكدة أنك هتكمل
رفع ذراعيه ليحيطها بهما و لكنها أنتفضت بسرعة لتقف أمامه فنظر لها بتعجب و سألها:
-قومتي من حضني ليه يا بنتي؟
حكّت كفيها ببعضهما بتوتر، و عضّت على شفتها السفلي أستعداداً لتتحدث، فهتفت:
-فيه خبر صغنن عايزة أقولك عليه
رفعت كفيها و حركتهما في الهواء أمامه بعشوائية لتقول ببعض الإرتباك:
-لا بص بصراحة مش صغنن أوي.

أستند بذراعه على الأريكة و قبضته أسفل ذقنه و تأملها بإستمتاع و قد أشعل حركاتها المرتبكة فتيل الحب للمرة المليون منذ أن رآها للمرة الأولي، عاد يستمع إليها و هي تقول:
-لا فيه خبر و طلب، أنت بتبصلي كده ليه؟
-بحبك بعنيّا و مستنيكي تبطلي توتر و تقوليلي في أيه مثلا!

أحتلّ اللون الأحمر وجنتيها بخجل من غزله بها، لتسكت فجأة و تعود لتفرك أصابعها من جديد، فأمسك هو بكفيها ليقف أمامها تماماً و نظر لها بحب قائلا:
-أهدي و قوليلي مالك، جيبيها علطول
أومأت برأسها موافقة على أقتراحه لتصمت ثواني تجمع الكلمات بداخل رأسها قبل أن تقول بسرعة بعد أن أغلقت جفنيها:.

- روحت امبارح للدكتورة علشان المتابعة و قالتلي إني حامل في تؤام و هولد بعد 3 شهور، و عايزة أروح أشوف ماما و عايزة حل أتصالح بيه مع بابا
لهثت بتوتر و ساد الصمت بينهما و أستمع كلاهما الي دقات قلب الآخر التي أرتفعت بقوة، شعرت أميرة بكفيه يحيطان وجهها ليسألها بإبتسامة جميلة:
-أنتي قولتي أيه في الأول؟
فتحت عيناها بخفوت فوقعت عيناها على إبتسامته لتجيبه بتلعثم:.

- الحمل تؤام، عارفة أن عماد لسه صغير و فكرة إن ييجي بدل البيبي 2 دلوقتي دي غريبة بس.

-أميرة أنتي مجنونة صح؟! فاكراني مش هنبسط لما اعرف إنك حامل في تؤام؟ أنا عايز منك دستة عيال، عايزك كل سنة تجيبلي بيبي، عايز نجيب أولاد و بنات كتير نربيهم سوا و يكونوا سند لبعض و لينا لمّا نكبر، عايز كل ما أبص لوش واحد منهم أفتكر أنه حتة منك و مني، عايز أعيش من تاني أحساس إني أب بس المرادي و الكل عارف أنك مراتي و حبيبتي
دني منها ليطبع قبلة صغيرة على جبينها متنهداً بحرارة وأردف:.

-ألف مبروك يا حبيبتي، و بالنسبة لماما فتقدري تروحيلها أكيد قوليلي أمتي و هوصلك عندها، أما عمي أشرف فسيبيه ليّا و أنا هحاول معاه
وضعت رأسها على صدره لتضمه إليها بقوة قائله بعشق نقي:
-ربنا يخليك ليّا يا جاسر و ميحرمنيش منك أبداً
قاطع لحظتهم تلك أرتفاع رنين هاتفها، أبتعدت عنه لتلقط الهاتف فظهر لكلاهما أسم سيرجي على الشاشة، نظرت أميرة الي جاسر بحيرة و سألته:
-تفتكر بيتصل تاني ليه؟

-هنعرف لو رديتي، ردي
أجابت على المكالمة و بعد دقائق صغيرة أغلقتها لتبتسم بحزن قائله:
-سيرجي في طيارة جاية على مصر، عايز يعرف مكان قبر عبدالله، و قالي أنه عايز مساعدتك انك تلاقيله بيت هنا، شكله ناوي يستقر هنا
-قالك هيوصل مصر على الساعة كام؟
-الساعة 10 بالليل
أومأ برأسه و ألتقط هاتفه هو الآخر و أردف:
-هكلم السمسار يشوفله شقة مفروشة و هحاول أستعجله و بعدين هعدي على المطار أجيبه.

وضع كفه على خدها ليردف بحنان:
-لمّا أرجع هنكمل كلامنا ماشي؟
-أكيد، مستنياك

مرّت أيام قليلة بينها الأحداث بخفة، ليستقر الوضع على زينة التي تجلس في السيارة بجوار معتصم مستندة برأسها على زجاج السيارة المغلق و هي تراقب حركة الطريق بجوارها، و في الحقيقة كانت شاردة في أفكارها الخاصة..
صرخت بقوة و هي تهز معتصم النائم على الفراش و أنتفض بقوة و فزع ينظر لها بعدم فهم و قلق و سألها:.

-مالك يا زينة؟ بتولدي ولا أيه يخربيتك انتي لسه في السادس!
هزت رأسها بالنفي و صرخت بفرح:
-دار النشر أتواصلت معايا، وافقوا على الرواية يا معتصم، و هروح كمان أسبوع أمضي معاهم العقد، و خلال شهر هتنزل في المكتبات و هيتعمل حفلة توقيع كبيرة تبع الدار للكتاب.

ضغطت على شاشة هاتفها المفتوح ليرتفع صوت موسيقي سريعة من كل مكان، وضع معتصم كفيه على أذنه بإنزعاج من الصوت العالي، و لكنها سحبت كفه غير مبالية ليقف و بدأت تتراقص بسرعة ممسكة بكفيه كطفلة صغيرة حصلت للتو على هدية عيد مولدها، و في ظل حماسها و سعادتها لم يمنع معتصم نفسه من الإبتسام و الرقص معها و قد أندمج بسرعة معها لتتعالي ضحكاتهما على أنفسهم و لم يمنعهم هذا من أكمال رقصتهم المختلة، و قد حرص معتصم كثيراً أن يمسك بجسدها و يمنعها من القفز كالقردة من أجل الطفل، حتى صرخت فجأة بوجع و قد تمسكت بظهرها و أحمرّ وجهها بشدة و بدأت تلهث من التعب.

أمسك بكفها بسرعة و قلق و أقترب من الفراش لتجلس هي عليه، ألتقط هاتفها و أغلق الأغاني ليجلس امامها على ركبتيه أرضاً و سألها بقلق:
-أنتي كويسة؟ أيه اللي واجعك؟
عادت تضحك من جديد غير مبالية بألم ظهرها الذي بدأ يختفي تدريجياً و أجابته:
-كويسة كويسة متخافش
أمسكت بكفه فوقف و ألقي بجسده على الفراش أفقيّاً، و تبعته هي متوسدة صدره و ممسكة بقميصه القطني بقوة، فأرتفعت أصابعه تعبث بخصلاتها قائلا بحب:.

-مبروك يا زوزه
بسطت ذراعها لتتمسك به أكثر و قالت بعشق:
-أنا بحبك أوي يا معتصم
أبتسمت بحزن و قد تذكرت فجأة وصول سيرجي الي مصر و ذهابهم جميعاً الي المقابر لقراءة الفاتحة و الدعاء من أجل عبدالله و ريهام، كان حقاً يوم في غاية الصعوبة و الحزن على الجميع..

نظرت الي الطريق أمامها و أبتسمت و هي تتذكر هذا المول التجاري الذي أصرّت منذ ثلاثة أسابيع على التسوق منه أثناء ذهابها مع معتصم لإمضاء عقد كتابها الأول، شعرت بكفه يحيط خاصتها و نطق:
-تعبانة؟
-لا أبداً، بس أفتكرت كام حاجة كده
ألتفتت له لتبتسم و طلبت منه بحب:
-أنا فاكرة أن عزة قالت أنك كنت بتغني زمان، ممكن تغنيلي دلوقتي؟
-طيب و فاكرة أني قولت بقالي سنين مغنتش؟
-فاكرة و بردو هتغنيلي يلا لو سمحت.

صمت معتصم لثواني و هو ينظر أمامه الي الطريق في صمت، فقوست زينة شفتيها بحزن من تجاهله لها، فأبعدت كفه الملتصق بخاصتها بقوة و عقدت ساعديها أعلي صدرها بطفولة حزينة..
بينما أبتسم الآخير لفعلتها قبل أن يفرق بين شفتيه ليبدأ في الغناء للمرة الأولي منذ سنوات من أجلها..
لا خلاص مش منظر
مستنظر يا زوزّه
قلبي صدا و جنزر
ياهو
في المحيط تتحدفي
و هتتخطفي يا حلوه
و أرسمك على كتفي تاتو .

أبتسمت و عادت تنظر له بإبتسامة و أستمتاع بصوته و خاصةً الأغنية التي أختارها من أجلها، فأقتربت منه طابعة قبلة على وجنته اليمني و بدأت هذا المقطع بإسمه ليضحك مكملاً الغناء معها
صاصا السيوفي
قاد ولا نار
نفسي مرة في مسد منك و ألوو
ضحكت بقوة وهي تبدأ المقطع الآخير مشيرة إليه للتنبيه و التحذير من تركها
حمار و تور
و معندوش شعور
اللي يفكر و يسيب زوزّته
أه يا بلوته يا زوزّه .

أنتهوا أخيراً من الغناء و لتردف زينة:
-طب ما أنت صوتك حلو أهوه، أوعي تبطل تغنيلي
ضحك معتصم بخفة من حماسها الطفولي هذا و هرمونات حملها التي تغير مزاجها بسرعة، بالإضافة الي صوتها المضحك في الغناء، ثم نظر لها و أومأ برأسه قائلا:
-حاضر يا ستي، بصي بقا شوفينا ماشيين صح ولا تايهين و هتحضري أول حفل توقيع متأخرة زي الهبلة
نظرت الي الجهاز أمامها ليظهر الطريق فأردفت:
-لا متقلقش على الطريق مظبوط.

مرّت ساعة آخري قبل أن يتوقف معتصم بالسيارة في الخارج، لتبدأ زينة في التنفس بوتيرة سريعة و قد سيطر القلق عليها، تمسك بكفها ليبتسم ناشراً الطمأنينة في كل أنش بداخلها هاتفاً:
-أهدي كده، تجربة جديدة و هتعدي في كل الحالات، في إيدك تخليها حلوه، الرواية بتاعتك تجنن سواء سرد أو حوار او حبكة كله يجنن يا زوزه، و إن شاء الله هتعجب الفانز بتوعك، يلا بقاا أدخلي و أنا هروح أعمل حاجة و جاي علطول.

نظرت له بصدمة لتفتح مقلتيها بوسع مردفة:
-نعم! هنزل لوحدي! مش هيحصل رجلي على رجلك
-و الله أنك عيلة، يا بنتي يلا أنزلي هركن العربية مينفعش كده، يلا و الله هجيلك علطول، و بعدين لازم تاخدي الخطوة دي لوحدك، خلي عندك ثقة في نفسك يلا أتنيلي أنزلي بدل ما أروحك
رفعت كفيها أمامه قائله بسرعة:
-لالا خلاص هنزل، متتأخرش أوعي، هقتلك لو أتأخرت، بص
قاطعها ضاحكاً بقوة و أردف:.

-أنتي أوفر كده ليه يا زوزه، يا مدام زينة السيوفي يلا أتنيلي أنزلي في ليلتك دي الناس مستنياكي
أمسكت بكفه بقوة و أنقلبت ملامحها خوفاً و ذعراً من جديد مردفة:
-أنا خايفة
ربت على كفها الممسك بخاصته و أردف بملامح مذعورة:
-ليه يا خالتي نوسة، أجيبلك زمايكا
ثم عاد يضحك من جديد و يسخر منها لترفع كفيها و تبدأ بضربه بقوة على كتفيه و صدره قائله:
-رخم و الله رخم، علفكرة هدخل لوحدي و مش عايزاك غور.

فتحت الباب و هبطت من السيارة صافعة الباب خلفها بقوة و سارت خطوتان و معتصم يتابعها بعيناه قبل أن تعود له من جديد و ملامح الغضب مازالت تحتل وجهها، فتحت باب السيارة من جديد و أردفت:
-مش دي عربيتك اللي بتحبها، طب أهوه
و عادت تصفع الباب بقوة أكبر و تتركه مغادرة بينما تعالت ضحكات معتصم من جديد قبل أن ينطلق بالسيارة الي وجهته..

مرّت ساعة آخري.

دلف الي المكان بطالته التي تخطف الأنظاره نحوه، وقف مع أحد العاملين ليسأله بإبتسامة:
-حفل توقيع مدام زينة السعيد فين لو سمحت؟
وقف العامل بإحترام و هو يشير نحو قاعة أمامهما و أجابه:
-في القاعة دي يا فندم.

شكرته معتصم ثم تركه و خطي بخطوات واسعة نحو القاعة المنشودة و باقة الزهور البرتقالية في يده، وقف على الباب ينظر في المكان بدهشة، المكان مكتظ بالبشر محيطين بها فلم تعد في مجال رؤيته، بدأ بدراسة المكان بعيناه حتى يجد حلّ للوصول لها، حتى بدأ في الإقتراب أخيراً محاولاً تفادي التصادم بالجميع، حتى أصبحت في مرمي بصره و سمعه..

أنتهت زينة من توقيع الكتاب الموجود في يدها بإبتسامة ثم رفعته لتعطيه لتلك الجميلة التي تقف أمامها، فأردفت الفتاة:
-ممكن أتصور مع حضرتك
-أكيد تعالي
وقفت الفتاة بجوارها لترفع هاتفها و بدأت في إلتقاط صورة لهما معاً ثم شكرت زينة و أبتعدت لتقترب آخري بكتابها لتقوم زينة بتوقيعه، حسناً لم يكن المكان بهذا النظام فلقد كان فوضوي حاولت زينة أكثر من مرة تنظيمه..

أبتسم و هو يراها تنظر بين الحشود بقلق و تبحث عنه، نظر في ساعته و هو يري أنه تأخر عليها ساعة كاملة، أتخذ طريقه من جديد بين الجميع حتى وصل لها، و سرعان ما رفعت هي عيناها بعد أن جاءها نسيم عطره، أبتسمت و هي تراه ينظر لها بباقة الزهور، أقترب منها أكثر ليقول:
-ألف مبروك يا أحلي حاجة في الدنيا
ضحكت بخفة و هي تلتقط باقة الزهور، و سألته:
-دخلت من وسطهم كده إزاي؟

-أتعاملت أنها مهمة، درست المكان و شوفت فين نقطة الضعف و دخلت منها، أول مرة أعرف أني علشان اوصلك هخطط
عادت تضحك من جديد، فأمسك بكفها و طبع قبلة رقيقة عليه مردفاً:
-تسمحيلي بقا أتصور معاكي زيهم؟
-لو جايب أكل هسمحلك لأني هموت من الجوع
أخرج هاتفه و ضحك مجيباً:
-هغديكي بره بس أنتي خلصي، و هجيبلك حاجة تاكليها في السريع
رفع هاتفه أمامهما، فأقتربت هي تحتضنه بقوة و ألتقط هو الصورة، أبتسم و أردف:.

-يلا أرجعي للناس و أنا مستنيكي هنا
-أوعي تمشي
-يا ريتني أعرف، أنا متعلق بيكي
أبتسمت من جديد و عادت الي مقعدها لتوقع الكتب من جديد الي أن سألتها إحدي الفتيات:
-هو ده جوز حضرتك؟
أبتسمت زينة و نظرت نحو الفتاة مجيبة:
-أه جوزي، و صدقيني أنا عارفة أنه أمور و زي العسل و دمه خفيف و رومانسي و كل الكلام ده فبلاش تقوليه أنتي علشان أنا غيورة جداً و هرمونات الحمل مبوظة الموضوع أكتر.

تعالت ضحكات جميع من أستمعوا الي إجابة زينة، لترد الفتاة بإبتسامة:
-ربنا يخليكم لبعض و يجيب البيبي بالسلامة
-يا رب، ميرسي ليكي

أنتهي أخيراً يومها الطويل في حفل التوقيع الأول و من بعدها غدائها بالخارج مع معتصم، كان اليوم ملئ بالسعادة و الفرحة التي أحتلت كل جزء من كيانها، و قد عاد إليها شعور الفخر و النجاح التي كانت تشعر به عندما كانت تعمل إلي جوار معتصم في قضاياهم الخطيرة..

أنقلبت ملامحها حزناً عندما تذكرت أجازتها الطويلة التي أضطرت أخذها من أجل الحمل، فلقد أصبح عملها كصحفية متعب للغاية حتى و إن كان ليس خطراً، عادت تبتسم من جديد و قد تذكرت أن معتصم يعوضها عن كل الإثارة التي تضيعها، فيسرد لها مهماته مع منير بأدق التفاصيل، ولا ينسي طبعاً أستشارتها في كثير من الأمور المعقدة فتأتيه بحلولها المجنونة..

لحظة..! لا تعلم لماذا حقاً و لكن جاء سؤال الي عقلها الآن، و يجب أن تسأل والدها و إلا لن يغمض لها جفن لأيام، نظرت الي الساعة لتجدها قد تجاوزت منتصف الليل، تري هل سيجيب والدها على هاتفه الآن!
لم تدع الحيرة تتملك منها كثيراً فألتقطت هاتفها و غادرت الغرفة بهدوء حتى لا توقظ معتصم، جلست على الأريكة في الصالة لتتصل بوالدها، أنتظرت لثواني قبل أن يجيبها بقلق و صوت يملؤه النعاس:
-زينة! فيه حاجة يا حبيبتي؟

-لا يا حبيبي أنا الحمدلله كويسة و معتصم كمان كويس، بس كنت عاوزة أتكلم معاك شوية
أبتسم كامل بتعب و غادر غرفته هو الآخر حتى لا تستيقظ جنات متمتماً:
-قولت أتجوزتي و هتبطلي تخبطي على أوضتي في نص الليل تسألي عن حاجات غريبة، خير يا بنت السعيد عايزة أيه؟

-بابا هو أنتو ليه قاعدين في المقطم لحد دلوقتي؟ ليه قاعدين في حارة صغيرة؟ طب زمان و كنت بتخبي ماما عن العيون و رافض أي مخلوق تقريباً يعرف مكان سكنك، إنما دلوقتي بعد ما الحقيقة ظهرت ليه لسه قاعد هناك؟
تنهد كامل طويلاً و بدا له أنه يتذكر أشياء كثيرة عن الماضي، فصمتت أحتراماً لصمته في أنتظار لحظة إجابته و لم يطيل الإنتظار عليها فسمعته يجيب:.

-علشان الذكريات يا زينة، علشان الناس، بقالنا 30 سنة عايشين هنا و تقريباً مش بنخرج من المنطقة دي، هنا أتربيتي أنتي و جاسر و ريهام الله يرحمها، هنا أول مرة وقعتي و أتجبستي، هنا أول مرة ضربتي واحد رخم ضايقك في الشارع، هنا لما جيتي بنتيجة الثانوية العامة و ضحكتي و زغرطتي من فرحتك أنك هتدخلي الكلية اللي بتحلمي بيها، و بردوا هنا جينا أنا و أمك و أحنا خايفين
صمت لثواني قبل أن يكمل:.

-جينا و احنا عارفين أننا ممكن منكملش مع بعض و أننا نتكشف، عيشنا حبنا و خوفنا في البيت ده و وسط الناس دي، و اللي ساعدونا كتير أول ما جينا المنطقة، أقولك على حاجة، أنا بعتبر البيت ده عشيقتي التانية بعد أمك، تفتكري أنا هقدر أبعد عن أمك؟
-ولا أنت هتقدر ولا هي هتسمح.

-بالظبط، أحنا و البيت ده بنشد في بعض عايزين بعض و مش قادرين نستغني عن بعض، أه أحنا نقدر ننقل لبيت أكبر منه مليون مرة بس مش هنلاقي فيه ذكرياتنا الحلوه، مش هنلاقي فيه زينة الشقية ولا ريهام الخجولة ولا جاسر الخايف، البيت ده بإختصار هو اللي مصبرنا على فراقك أنتي و جاسر بعد ما أتجوزتوا و فراق ريهام الله يرحمها، حاجة كده يا زينة أكبر من أنها تتوصف، البيت ده و ذكرياته يتحسوا بس
ثم صمت ليكمل بإبتسامة:.

-الإجابة دخلت دماغك ولا أيه؟
-دخلت قلبي يا أبو زينة
ضحك كامل بقوة ليقول بقلة حيلة:
-مش هتتغيري يا زينة، جوزك فين و سايبك صاحية كده؟
-حكيتله حدوتة قبل النوم و سيبته ياكل رز مع الملايكة
عاد كامل يضحك من جديد ليقول:
-طيب يلا أنتي كمان على النوم أرتاحي شوية و ريحي اللي في بطنك اليوم كان طويل عندك النهاردة مش كده ولا أيه؟
-فعلا كان طويل، هروح أنام، تصبح على خير
-و انتي من أهل الجنة يا حبيبتي.

أغلق كامل الهاتف ليبتسم على صغيرته و عاداتها التي لا تغيرها مطلقاً، فأينما ذهبت و مهما أصبحت صاحبة مسئوليات و أكثر أنشغالاً لابد أن تخرج تلك الطفلة التي تكمن بداخلها يوماً ما لتخرق تفاصيل حياتهم بأكملها..

جلس غريب أمام الضابط الذي قام بإستدعائه، و شبّك يداه منتظراً أن يبارده في الحديث، و لم يطيل إنتظاره فلقد أردف الضابط:.

- أستاذ غريب، معتز الدهشوري كان سايب هنا جواب لحضرتك، و وصّي إن كل حاجته تتسلم ليك في حال حصل ليه أي حاجة
أشار الضابط نحو صندوق كرتوني مغلق ليكمل الضابط:
- و دي كل حاجته اللي جه بيها، و ده الجواب
أخرج ظرف أصفر من أحد أدراج مكتبه، فأستلمه غريب بتعب و هو يشعر بالحزن على حال معتز الذي أستيقظ ضميره متأخراً جداً، و أنتهي به الحال كمن فقد عقله، ضغط على الظرف في كفه ليسأل الضابط:.

- معتز قبل ما يموت قلع التيشيرت، و كان فيه علامات كتير على جسمه
هز الضابط رأسه بتفهم ليفسر:.

- معتز كان هيتحول لمستشفي الأمراض النفسية بعد يومين من موته، اول ما جه هنا كان ساكت تماماً، تصرفاته غريبة بس ساكت، و في الفترة الآخيرة بدأت تصرفاته تزداد غرابة، بقي يصرخ بالليل و يقسم أن فيه ناس معاه بيحاولوا يقتلوه بيعيط و بيعتذر ليهم و هكذا، لحد ما في يوم فيه سجين زميله قال أنه كان معاه سكينة و فضل يشرح في جسمه و يقولهم ان فيه ناس بتحاول تقتله، عرضناه على دكتور نفسي و عمل تقرير بوجوب تحويله للمستشفي بس الإجراءات أخدت شوية وقت و للأسف ملحقناهوش.

هز غريب رأسه بتفهم في صمت و فتح الظرف ليبدأ القراءة، أعتذر له معتز آلاف المرات، و أخبره أن يعتذر للجميع، و يحاول إصلاح ما أفسده هو، و أخبره في الرسالة عن تلك الأشباح التي يراها و كيف تقتله كل ليلة، أخبره عن ريهام التي لا تنفك تعود كل ليلة لتبدأ بوصلة تعذيبها النفسي و الجسدي له، أخبره بالكثير و كأنه كان يعلم أن نهايته قريبة..
.

أغلقت الهاتف هي الآخري و تمسكت به بقوة بين كفيها بإبتسامة تعلو شفتيها و قد شعرت بإرتياح عقلها بعد أن حصلت على إجابتها و بدأت تستعيد ذكريات مشاجراتها مع جاسر في المنزل القديم و ريهام التي تفصل فيما بينهم فتتعرض للضرب بدون قصد منهما، و جنات التي تخرج لتصرخ بهم بنفاذ صبر تهددهم أنها ستترك المنزل كحال كل الأمهات المصريات..

ربما جاء في فكرها أيضاً مشاجراتها مع صلاح و والدته، مشاجراتها مع كل بنات الحي على أتفه الأسباب مما سبب عدم مصادقتها لأي فتاة، و قد أخبرتها أحداهنّ يوماً بغضب و صراحة تامة أنها لا تنفع في مصادقة الفتيات، و قد صدقت، فلم تجد صديقاً يفهمها سوا منير، كان دائماً في ظهرها عندما كانا في الجامعة، حتى بعد سنوات من التفرقة بينهما بعد الجامعة و عودتهم من جديد عادة علاقتهم القوية من جديد، كان لها أخ و سند حقيقي تعتمد عليه في عملها..

تهجمت ملامحها عندما جاءت أمام عيناها صورت عزة و سرعان ما أبتسمت و هي تتذكر أن عمها قد زوجها الي عجوز في الخمسين من عمره بدون رضا منها و كان هذا البديل الوحيد لقتلتها من أجل نيرة طفلتها الوحيدة، و نيرة تلك التي تعيش في سعادة مع مرتضي المتفهم لكونها طفلة و يعاملها كأبنته أكثر من زوجته، يساعدها في المذاكرة، يداعبها، يسرد لها حكايات كثيرة، يبكي على صدرها عندما تضيق به الحياة، دَعت لها في داخلها أن تصبح على ما يرام دوماً..

أبتسمت بخبث ما أن جاء معتصم على فكرها، و بسرعة مرّ شريط للكثير من المواقف التي تجمعها سوياً الرومانسية منها و شديدة الخطورة في إحدي مغامراتهما، شعرت بمذاق الفراولة في فمها، رطبت شفتيها بلسانها و قد بدأت رائحة الفراولة تتسرب الي أنفها الصغير، تريد فراولة و الآن..

حسمت أمرها لتركض لغرفتهما بسرعة و تشعل الأضواء ثم ركضت نحو معتصم لتهزه بقوة، فأنتفض الآخير من نومه و نظر لها بملامح يملئها القلق و النعاس و ردد:
-زينة، مالك يا حبيبتي؟ أنتي كويسة؟ تعبانة!
رسمت إبتسامة جميلة و جذابة و ربما بها بعض براءة الجراء الصغار، و عيناها تفيضان بالعشق لتفاصيل هذا القمر الذي أستيقظ من ثباته للتو، و أجابته بضحكتها البريئة و الشريرة في الوقت ذاته:
-عايزة أكل فراولة..!

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة