قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الخامس عشر

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الخامس عشر

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الخامس عشر

في السابعة صباحاً في مستشفي المقطم التخصصي
فتح معتصم باب غرفة زينة، فوجد الجميع بجوارها عدا ريهام، لم يلتفت لهم، و لكنه أغلق الباب بإهمال قبل أن يقترب ليجلس على أريكة في زاوية الغرفة في صمت تام و هو يضع قدماً فوق الأخري مستنداً بذراعه على الأريكة و كفه على خده الأيمن و هو يراقب زينة بنظرات صامتة و جامدة كالجليد..

نظرت زينة الي كامل في توسّل، فتنهد كامل قبل أن يقترب كامل من معتصم و جلس بجوراه على الأريكة و نظر الي زينة كما يفعل معتصم، و تحدث بهدوء شديد:
- زينة غلطت بالكلام اللي قالته الصبح و غلطت لمّا مسمعتش كلامك، تقريباً أرتكبت امبارح أكتر من غلطة، بس ده ميمعنش أنك أنت كمان غلطت لمّا ضربتها بالقلم يا معتصم، أنا و انت عارفين كويس اوي أيه نظرة أي حد لأي راجل بيمد إيده على مراته!

نظر معتصم ببرود أعصاب تعجب منه الجميع و أردف:
- حضرتك خلصت كلامك! أستاذ كامل أنت عارف إني بعتبرك زي بابايا الله يرحمه بالظبط، و كلامك أحطه على راسي من فوق، بس صدقني ضربي لبنتك بالقلم ده أقل حاجة ممكن تتعمل و ده كان مراعاة لرقدتها دي في السرير
لم يلتفت له كامل و تحدث:
- انت بتخليني أندم إني وثقت فيك و سلمتهالك.

- أنا اللي ندمان اني وثقت فيها و دخلتها حياتي العملية يا أستاذ كامل، حط نفسك مكاني و شوف سبع بنات بيتدبحوا قدامك بدون أي سبب و السبب الوحيد لعجزي هو خوفي إن بنتك تموت و المجنونة ثرية مكنتش هتتردد لحظة إنها تقتلها حتى لو هي عارفة إن دي وسيلة دفاعها الأخيرة
أقترب جاسر منهما و هو يحمل مقعد و جلس أمام معتصم و كامل و تحدث:.

- معتصم، إحنا مقولناش إن زينة مغلطتش بالعكس هي نفسها معترفة بغلطتها دي و أعتذرت و معندهاش أي حل تاني بديل للإعتذار ممكن يرجع السبع بنات
تنهد جاسر بقوة قبل أن يلتفت الي أميرة و زينة الجالستان على الفراش، و أردف بعينان تخللت إليهما بعض الدموع التي رفضت الهبوط تماماً بينما أرتسمت إبتسامة على وجه جاسر و هو يقول:.

- أنا عارف كويس اوي معني أنك تعمل المستحيل علشان حبيبتك و مراتك، لإن كريم لمّا دبر الحادثة انا كنت حاسس بقمة العجز و انا شايف أميرة جنبي بتموت هي و أبني، و لمّا قدرت أكلم الإسعاف مقدرتش أفضل صاحي أكتر من كده، بس لما أخدت البنج قبل العملية قالولي إني فضلت أقولهم يلحقوا أميرة و أبني
أعاد نظره الي معتصم و أكمل:.

- كنت حاسس بالعجز زيك بالظبط و حبيبتي و حتة مني في بطنها بيموتوا، و كان السبب في كده ماما و بابا و اللي حصل زمان، و طبعا تهور زينة، كان ممكن أسيب أهلي و ميبقاش ليّا أي علاقة بيهم زي أي شاب دلوقتي و خصوصاً إنهم بيمثلوا خطر على حياتي و حياة عيلتي الجديدة
سأله معتصم بنبرة خالية من التعبير تماماً:
- أنت بتقولي الكلام ده ليه؟!

- عايز أفهمك إني حسيت بالعجز زيك لو مش علشان أنقذ سبع بنات فعلشان أنقذ أبني و مراتي، و مع ذلك فضلت جنب أهلي لحد اللحظة دي و أنا عارف أن كل خطوة بابا أو زينة بيخطوها في شغلهم ممكن تموتنا كلنا بس مع ذلك سوا، علشان احنا مش مجرد عيلة واحدة يا معتصم، أحنا روح واحدة و كيان واحد، أحنا لو واحد فينا وقع التاني بيسنده لحد ما يقف تاني، و لو واحد فيهم تعب كلنا بنحس بتعبه ده، مؤمنين بإن كل حاجة مقدرة و مكتوبة و إن ربنا جعلنا أسباب بس، و إن محدش بياخد أكتر من عمره، و بما إنك دخلت العيلة دي فالمفروض تكون زينا يا معتصم و ده اللي أنا كنت فاكر زينة قالتهولك، مش هتقدر تستحمل غلطات زينة و مش هتستحمل الخطر اللي هتتعرض ليه بسببنا و لو مش هتكون واحد مننا زي ما أحنا لبعض فأنا برجوك يا معتصم تخرج بره العيلة دي بهدوء، أنا مش عايز أهلي لأي سبب من الأسباب يتفرقوا أو يتأذوا، أحنا كفيلين ببعض جدا، مش هتقدر يبقي معندناش غير كلمة أسفين على اللي حصلك بسببنا.

صمت جاسر لبعض الوقت قبل أن ينطق:.

- أنت ظابط يا معتصم و عارف كويس إن الخطر دايماً حواليك و إنك معرض تبقي في أرض المعركة و صاحبك جنبك بيموت مثلا و انت لازم تكمل و بترمي نفسك في النار علشان بلدك و علشان تكشف كل فساد فيها و تخليها أحسن بلد في الدنيا، و دي كمان وظيفة زينة إنها تسحب الستارة علشان تنهي مسرحية كل واحد فاسد في مصر و تدب الرعب في قلوب كل اللي على شاكلته دي، سبع بنات مش رقم قليل يا معتصم و أنا عارف ده، بس بردوا مكنوش هيفضلوا عايشين لو أنت و زينة مروحتوش و هي دي الضريبة، ضريبة أنك تكشف فاسد، و دلوقتي انا عايز أعرف قرارك هتفضل معانا و لا هتخرج بره يا معتصم و تبعت ورقة طلاق زينة.

دق قلب زينة بعنف في إنتظار إجابته، في حين صمت معتصم لوقت كثير قبل أن يعتدل في جلسته و يستند بذراعيه على ركبتيه و يشبك أصابعه أمام جاسر و تحدث و هو ينظر في عينيه قائلا:
- هخرج يا جاسر بس للأسف مش دلوقتي، قبل ما أجي على هنا كلمت المقدم مجاهد و طلبت منه يخرج زينة بره القضية اللي لسه هنشتغل فيها سوا و هو رفض، فمضطر أفضل مع أختك لحد ما نخلص القضية دي و بعدين هترجع بيت أبوها.

نظر معتصم الي زينة هذه المرة و رأي الدموع تسيل من عينيها و أردف بتهكم و سخرية واضحة:
- أصلي مبعرفش أكون مع واحدة مفيش علاقة رسمية و شرعية بينا تخلينا نضطر نكون في نفس البيت سوا
أغمضت زينة عينيها بوجع و هي تعرف انه يلمح لمَ فعلته مع كريم عندما سافرت معه الأقصر، ثم هبّ معتصم واقفاً و تحدث بلهجة قاسية:
- عندك أعتراض على ده؟!

نظرت له زينة برجاء و قبل أن تتمتم بعبارات لتكتسب عطفه كان قد أعاد عليها سؤاله بحدة، فهزت رأسها نافية، و نظر معتصم الي كامل قائلا:
- أعتقد كده انا عملت اللي عليّا و زيادة و مش هرجع بنتك بعد أسبوعين من جوارها علشان الناس متتكلمش عليكم، و ياريت دلوقتي مدام جنات تساعدها تغير هدومها لأني مضيت على إذن الخروج و أنا ههتم بيها في البيت.

تركهم معتصم مغادراً الغرفة فأنفجرت زينة في البكاء على صدر جنات التي بدأت تربت على كتفها في حنان بينما أرتفع صوت كامل في الغرفة قائلا:
- جنات، ساعدي زينة تلبس
ألتفت كامل و خرج من الغرفة و ورائه جاسر الذي تحدث بضيق حزين:
- معتصم معاه حق في كل كلمة قالها حتى لو كانت طريقته وحشة في الكلام بس هو معاه حق
جلس كامل على مقعد في الممر و بجانبه جاسر ثم أردف:.

- عارف يا جاسر أنه معاه حق، و اللي معتصم شافه أمبارح جرح كرامته لو مش كظابط فكراجل، أضطر يستسلم علشان زينة متموتش في حين أن سبع بنات ماتوا قدامه، حد غيره كان عمل اكتر من مجرد قلم على وشها
نظر الي جاسر ليكمل:
- انا مش شايف معتصم غلطان في أي حاجة يا جاسر، بس بردوا مكنش ينفع مدافعش عن زينة قدامه دي بنتي
أمسك جاسر كف كامل و قبله بإحترام و حنان قائلا:.

- خلاص يا بابا متتعبش نفسك بالتفكير في اللي حصل ولا اللي هيحصل، خلينا نستني كل حاجة تيجي زي ما هي مترتبة.

ضمه جاسر بقوة فهو كان يعلم أن والده في حاجة الي عناق ليهدأ من روعه قليلاً، و من بعيد وقف معتصم ينظر لهم بعيون تملأها الدموع، فكم يتمني وجود والده بجواره الآن ليضمه إليه و ينفجر معتصم في البكاء غير مبالي بما حوله، مسح دموعه التي هبطت في سرعة و أقترب منهم و تخطاهم و هو يدق الباب فأتاه الرد و سرعان ما دخل ليجد زينة قد أنتهت من أرتداء فستان طويل واسع فجسدها لا يستحمل أي لمسات حتى من الملابس، أقترب منها معتصم و هو يمسك بكوب القهوة الخاص به في برود و يرتشف منه، ثم سحب الكرسي المتحرك في الغرفة و فتحه مقترباً به منها، ثم وضع كوب القهوة خاصته على طاولة الأدوية و أقترب أكثر من زينة و أمسك بذراعها و لفه حول عنقه فأستندت عليه لتقف لثواني قبل أن تجلس على الكرسي المتحرك الذي بدأ معتصم بدفعه الي الخارج و خلفه الجميع، و بعد ثواني كان الجميع في المصعد الذي هبط الي الطابق الأرضي و منه الي سيارة معتصم التي جلست بها زينة، في حين أستأذن معتصم من الجميع و أنطلق بسيارته نحو المنزل..

في الأسكندرية
خرج عبدالله من الشاليه الخاص به في الصباح الباكر متجهاً الي البحر و وقف أمامه و تنفس بعمق و كأنه ينعش رئتيه بالهواء البارد الذي يدخل إليهما، نظر بعفوية على جانبيه، فوجد ريهام تقف على بعد أمتار منه بين مياه البحر و هي تضم شالها الي كتفيها و شاردة تماماً، أقترب منها بهدوء و أبتسم قائلا:
- صباح الخير، صاحية بدري كده إزاي؟!
لم تلتفت له ريهام بل أجابته بإيجاز:
- منمتش من أمبارح.

أمسك عبدالله بكتفيها لينظر إليها في دقة و سرعان ما أنتبه الي شحوب بشرتها فتحدث بقلق:
- مالك يا ريهام؟
لم تتمكن ريهام دموعها من الإنطلاق فأنفجرت من عينيها بقوة و هي تنظر له بأسف قائله:
- مقدرتش، انا أسفه مقدرتش
صرخ بها عبدالله بقوة فأنتبه لهما كل من في الشاطئ:
- مقدرتيش أيه يا ريهام عملتي أيه؟
رفعت كفها المرتعش لتظهر علبة دواء سحبها منها بسرعة و نظر إليها و سرعان ما نظر لها بصدمة قائلا:.

- كل دي حبوب إجهاض أخدتيها، هتموتي و تموتي عيالك معاكي يا متخلفة
أنحني عبدالله مسرعاً بجذعه و هو يحملها بين يديه و أنطلق بها ركضاً و خرج من الشاطئ الي الطريق و أوقف إحدي سيارات الأجرة التي أنطلقت بهما نحو أقرب مستشفي فسألها عبدالله بقلق:
- اخديهم أمتي؟
لم تجيبه ريهام بل أكتفت بالصمت فعاد عبدالله يكرر عليها السؤال في حدة و صراخ و لكن لم يتلقي منها أي إجابة، فأمسكها بقسوة من وجهها قائلا:.

- اللي عملتيه ده حرام عارفة يعني أيه حرام! مبقاش فيه أي فرق ما بينك و بين الحيوان اللي أسمه معتز، هو كان بيقتل و انتي قتلتي ولادك و أقسم بالله لو طلعتي من المستشفي سليمة ما هتردد لحظة إني أكلم أستاذ كامل بنفسي و أقوله على كل اللي حصل.

ظهر الألم فجأة على ملامحها فلانت ملامح عبدالله بسرعة و هو يشاهدها تضع يدها على بطنها المنتفخ و سرعان ما بدأت في الصراخ بوجع، و لكن كانا قد وصلا الي المستشفي، فحملها عبدالله من جديد بعد ان اعطي السائق بعض المال، و سرعان ما أستقبله منها الممرضون و قص عليهم ما حدث و بعد دقائق كانت ريهام في غرفة العمليات لتجهض طفليها اللذان لا ذنب لهما في كل ما حدث!

في الزمالك
جلست مني على فراشها في المنزل و هي تنظر بدقة الي الأوراق الخاصة بشركة حمدي، و سرعان ما قضبت حاجبيها بشك و هي تقرأ أسم زينة و معتصم على الأوراق، و تمتمت في داخلها:
- مش دي نفس البنت اللي صلاح حكالي عنها أنها رفضته، أيوه هي زينة كامل السعيد، هي نفسها زينة عزيز بس بعد ما أكتشفوا الحكاية بتاعت أهلها و أساميهم رجعت أصلية
جزت على أسنانها في ضيق شديد و أردفت:.

- أكيد عرفت أن فيه حاجة، ما هي مش معقول مش هتعرف أبن حتتها اللي بقالهم سنين عايشين سوا، و أنه مش فاكر أنه صلاح
ألتقطت هاتفها لتتحدث الي أحد رجالها الذي سرعان ما أجابها قائلا:
- معاكي يا مني هانم
- أحمد، فيه واحدة أسمها زينة كامل السعيد عايزة أعرف كل حاجة عنها بكل المعلومات التافهه اللي ممكن تعرفها عنها قدامك يومين بس فاهم
- حاضر يا مني هانم
كادت ان تغلق و لكنها تذكرت عادل فأردفت:.

- عادل لسه نايم يا أحمد و متوصل بالأجهزة!
- أيوه يا هانم، و الدكاترة لسه متابعينه في معمل حضرتك و لو حسوا بأي حاجة غلط هيكلموني فوراً و أنا هقولك.

أغلقت مني الهاتف و هي تجذب قلم أحمر من جانبها و أحاطت أسم زينة و معتصم و الحارسان اللذان أرسلهما صلاح بدائرة كبيرة حتى لا تنسي امرهما مطلقاً، و أكملت بحثها في باقي الأوراق الي أن خرج حمدي من المرحاض و هو يرتدي ملابس مريحة، فأشارت له مني بيدها ليقترب منها، فجلس بجوارها و أمسكت هي بأحدي الورقات و أردفت:
- قولي أيه اللي حصل بالظبط مع زينة و معتصم دول.

أمسك حمدي الورقة و سرعان ما تذكر كل ما حدث و بدأ في سرده على مسامع مني التي أنفجرت حمرة وجهها من شدة الغضب ثم تحدثت بشرود:
- اللي هقولك عليه تنفذه بالحرف يا حمدي فاهم
أومأ حمدي برأسه بدون تردد فبدأت مني في سرد ما تريده على مسامع حمدي الذي أجابها:
- اعتبريه حصل يا حبيبتي
أبتسمت مني بحب و أحتضنته بقوة قائله:
- مش عارفة كنت هعمل أيه من غير وجودك جنبي.

أحاطها حمدي بذراعيه و ارتسم الجمود على وجهه و هو يتحدث:
- انا موجود علشان أنتي موجودة معايا يا مني
لو أن منى قد نظرت الي وجهه و هو يلقي على مسامعها تلك الجملة التي أثارت قلبها لكانت أقسمت انها لم تخرج من بين شفتيه، ملامح وجهه الجامدة كانت في غاية الغموض، و سرعان ما أبتعد عنها حمدي وعادت الأبتسامة ترتسم على شفتيه و أردف:
- قومي هاتي الأكل أنا جعان أوي.

تحدث مني بعد تردد طفيف و هي ترسم أبتسامتها على وجهها قائله:
- مع إن دي شغلانة الخدم، بس علشان خاطر عيونك أعمل أي حاجة
و سرعان ما تركته و توجهت الي الأسفل لتحضر له الطعام فأمسك حمدي بالورقة من جديد و أردف:
- زينة كامل السعيد، بكره تتكتبي على أسمي

جاء المساء سريعاً في منزل معتصم و زينة في المعادي.

كانت زينة تجلس على الفراش بدون حركة، بينما أنتهي معتصم من وضع الدواء على جروحها ثم وضع عليها غطاء خفيف، و تركها ليغسل يده ثم عاد و جلس على الأريكة بجوارها فتحدثت زينة بلهجة ضعيفة:
- معتصم هاتلي هدومي
جاءها رده البارد الذي يقتلها:
- مش هينفع تحطي حاجة تقيلة على جسمك على الأقل دلوقتي أستني لما المرهم ينشف
- بردانة مش قادرة أستحمل.

نظر لها معتصم و هو يري بوضوح أرتجاف جسدها، و تذكر أرتجافها المستمر و هي ترتدي ملابسها الثقيلة، فما حالتها الآن و هي بدون ملابس و فقط غطاء خفيف عليها، أمسك معتصم بجهاز تحكم صغير بجواره و ضغط على أزراره لتشتغل المدفأة، فتحدثت زينة:
- مش هتعرف تقعد كده الدفاية بتخنقك
وقف معتصم و أرتدي حذائه المنزلي و هو يتجه نحو الشرفة قائلا:
- هخرج أقعد بره
فتح باب الشرفة فجاؤه صوتها المتوسل و هي تردف:.

- خليك جنبي لو سمحت، مش هطلب كتير بس خليك جنبي
نظر لها و أجابها بقسوة متعمداً:
- و طالما دي رغبتك فده سبب قوي إني محققهاش، أتمني تكوني مبسوطة بنتيجة تصرفاتك المتهورة يا مدام زينة.

تركها و خرج الي الشرفة و أغلق الباب ورائه ثم توجه نحو الأرجوحة ليصعد في داخلها فوجد حاسوبها مغلق بجواره، نظر إليه بتردد قبل أن يترك الأوراق بجانبه و يسحبه و خلال ثواني كان قد فتحه، و قد قرر قراءة روايتها التي لم تكتمل بعد فلن يستمر معها حتى تنتهي منها، بدأ في البحث عن الملف حتى وجده و قد أطلقت زينة عليه أسم في منتصف الطريق ، ما أن رأي معتصم أسم روايتها حتى شعر بقبضة فولاذية تعتصر فؤاده و تحدث في هدوء:.

- شكلك كنتي حاسة بنتيجة تصرفاتك يا زينة
فتح الملف و بدأ في القراءة مستمتعاً بكل سطر يقرأه و أستمر على هذه الحالة قرابة الثلاثة ساعات بدون ملل، ثم نظر الي أخر سطر قد كتبته زينة.

للقدر دائماً آراء أخري، و لكنني لن أمنحه مبتغاه أبداً، سأحارب القدر بأسلحة من الإصرار على تفادي كل المشاكل مع نصف روحي، لن أفقده مهما حدث، فنحن لا نجد حبنا الحقيقي سوا مرة واحدة في هذه الدنيا و إن كنت لا أستطيع أن أحافظ عليه و التشبث به فأنا لا أستحقه .

تنهد معتصم بقوة و هو يحاول فهم تلك الكلمات، هل هي مكتوبة من داخل قلب زينة ام من داخل قلب الشخصية التي عانت الكثير مع نصفها الآخر، ترك الحاسوب بجواره، ثم خرج من الشرفة ليحصل على كوب من القهوة، و لكن صعق عندما لم يجدها على فراشها، صرخ بأسمها بقوة و قد ظهر على نبرته القلق الشديد و بدأ في البحث عنها في كل مكان، قبل أن يتجه الي المطبخ فيجدها تخرج منه ببطئ شديد أثر جروحها و هي تستند الي الحائط و لكنه تمكن من التوقف بسرعة قبل أن يصطدم بها، ثم تحدث بذهول:.

- انتي أيه اللي قومك من السرير؟! قومتي أزاي أصلا أنتي مجنونة! و كمان لبستي إزاي و ليه! انا قولتلك أيه يا زينة
- ناديت عليك كتير بس أنت مردتش فقومت أجيبلي كوباية ماية و لبست لوحدي لأن المرهم نشف
أمسك معتصم بيدها لتحيط عنقه قبل أن يرفعها بين يديه متوجهاً بها نحو غرفتهما و نظر الي الساعة و أردف بذهول آخر:
- عدي تلت ساعات!
وضعها على الفراش ببطئ قبل أن ينطق:.

- زمان جسمك كله مولع نار دلوقتي من حركتك دي
رفع أصبعه أمام وجهها بتحذير قائلا:
- أياكي تقومي من السرير تاني بدل ما و الله أكلبشك فيه بعد كده
أومأت برأسها في هدوء فألتقط معتصم الدواء من الطاولة الصغيرة جوار السرير و أردف:
- حتى لما قومتي تجيبي ماية مجبتيش علشان العلاج
أخرج أحد الأقراص و قربه الي فمها و لكنها أغلقته سريعاً فنظر لها بتعجب و أردف:
- أفتحي بؤك عدي نص ساعة على معاد الدوا يلا.

هزت رأسها بالنفي، فأبعد عنها القرص و جلس بكامل جسده على الفراش قائلا بهدوء شديد:
- مش عايزة تاخدي الدوا ليه!
- لأنك مش بتديني الأدوية كده
سرعان ما فهم معتصم ما تقصده فتنهد و تحدث:
- متتعبنيش من أولها و أفتحي بؤك، و لا أجيبلك مدام جنات تديهولك
أومأت برأسها نافية و أردفت بإبتسامة سخرية ضعيفة:.

- بالمناسبة مسمهاش مدام جنات أسمها ماما و مسموش أستاذ كامل أسمه بابا، لما تبقي تطلقني أبقي قول اللي نفسك فيه
أردفت بحدة بالغة و قد تحولت ملامحها تماماً:
- و أياك يا معتصم لأي سبب كان تكلم أهلي زي ما عملت في المستشفي كده فاهم
تركها معتصم بدون جواب و اتجه خارج الغرفة و سرعان ما عاد مع كوب من الماء و عاد ليجلس امامها و عاد ليمد يده لها بالقرص فهزت رأسها نافية، فتحدث معتصم بنفاذ صبر:.

- في الساحل كنتي بتاخدي قرص واحد بس لما يكون عندك صداع، أنما أحنا كده مش هنخلص النهاردة دول أربع أقراص
لم تجيبه بل أكتفت بالصمت و هي تنظر له في انتظار قراره فوضع الدواء الي جانبها مع الماء ثم تحدث ببرود مزيف:
- لمّا تلاقي نفسك مش قادرة تستحملي الألم و محتاجة المسكنات و الأدوية دي أنتي هتاخديهم لوحدك.

كان على وشك الذهاب الي الشرفة من جديد و لكن سمع طرقات على الباب فأقترب منه و فتحه و وجد امامه شاب مراهق صغير فسأله معتصم بإبتسامة جميلة:
- فيه حاجة؟!
- اه ماندو باعتلك التليفون ده معايا
سحب منه معتصم الهاتف و دس يده في جيب بنطاله و أخرج النقود و وضعها في كف الشاب قائلا:
- شكراً و أشكرلي ماندو
أمسك المراهق بيد معتصم بقوة و أردف بتعجب:
- أستني بس يا أستاذ، ماندو مقالش أنه ليه فلوس معاك؟

- دول مش علشان ماندو هو أخد حسابه دول ليك أنت علشان وصلت لحد هنا
هز المراهق رأسه بالنفي و عاد ليتحدث و لكن قاطعه معتصم:
- مفيش ولا كلمة، أسمع الكلام و خد الفلوس دي، لو مش محتاجهم عينهم لحد ما تحتاجهم، أسمك أيه بقاا؟!
أبتسم المراهق بأحراج و هو يتمسك بالمال قائلا:
- سليم و بيقولولي زغلول
- ماشي يا زغلول و متنساش تسلملي على ماندو
- الله يسلمك يا باشا.

ذهب سليم من أمامه في حين عاد معتصم مرة أخري الي الداخل و هو يفتح هاتفه و توجه نحو الشرفة بتجاهل لزينة التي أشتعلت النيران في قلبها بحزن من تلك المعاملة الجافة و القاسية التي يعاملها بها معتصم..
جلس في مكانه من جديد بين الأوراق و هو يمسك بأحدها و بدأ في قرائتها بهدوء و في يده قلم يخطط به أسفل بعض العبارات، و بعد ساعة أمسك بهاتفه بتعب و أتصل بسعد الذي أجابه سريعاً:
- حمدالله على سلامة التليفون.

- الله يسلمك يا ظريف، أسمع فيه واحد أسمه صلاح عبدالحميد صبري كان قاعد من كام شهر في المقطم و بعدين نقل من المطقم وراح لبيت أبو عروسته، عايز كل حاجة عن محل السكن الجديد و كل اللي حصل من وقتها لحد النهاردة و أي حاجة عن العروسة و أبوها تفيدني، تعرف ولا أيه؟!
أومأ سعد برأسه قبل أن يجيبه:
- طيب معاك أسم مراته دي ولا لأ؟!
- أه أسمها مني تيسيير ماذن الشافعي، محدش يشم خبر عن الموضوع ده يا سعد فاهمني.

- تماام متقلقش، يلا سلام
أغلق معتصم الأتصال، ثم تثائب بتعب و بدأ في العبث قليلاً بهاتفه فوجد رسالة زينة على الواتساب، أستمع إليه و كان محتواها:.

- انا اسفه يا معتصم، أنا غلطت لما كلمتك كده متزعلش مني أنا بحبك و مش عايزة أزعلك، أنا بس مش بحب التيم ورك أوي أو مش متعودة عليه كنت فاكرة هي مرة واحدة وقت خالد الدهشوري، بس وجودك جنبي مستحيل يكون حاجة وحشة حتى لو في الشغل، كفاية الأمان اللي بحس بيه و انت في ضهري، أنا فعلا روحت عند بيتها و بحاول أدخله، هبعتلك اللوكيشن، بحبك.

تنهد معتصم بحيرة في محاولة لإتخاذ قراره، أرسلت له بعنوانها قبل أن تدخل و أعتذرت، و لكن سقوط هاتفه منعه من رؤية الرسالة أو الذهاب إليها في وقت أبكر لإنقاذها من المأزق التي وضعت نفسها به هي و باقي الفتيات، وضع هاتفه في جيب بنطاله ثم أمسك بأوراقه و بدأ في جمعها و كذلك حمل حاسوبها المتنقل و دخل الي الغرفة و وضع كل شئ في مكانه، ثم أقترب من زينة و نظر الي الدواء جوارها فكان كما هو، تنهد بغضب من عنادها و أردف:.

- أنا هروح أجيب أكل علشان تتغدي و تاخدي الدوا، بطلي عند شوية بتعرفي ولا لأ.

خرج من الغرفة و سرعان ما عادت ملامح الألم تحتل وجهها فهي تشعر و كأنها تجلس على رمال صحراء حارقة و أشعة الشمس فوقها منذ ساعات تحرق جسدها بحرارتها، مرت نصف ساعة أخري و جاء معتصم حاملاً الطعام، جلس بقربها و بدأ في إطعامها و هي تستجيب له بهدوء، و سرعان ما ظهرت دموعها التي هربت من عيونها من فرط ألمها، فأمسكت زينة يد معتصم أمامها قائله:
- مش عايزة، انا هنام.

و سرعان ما تحرك لتنام و أنفلتت من بين شفتيها أهات خافتة تعبر عن تألم كل جزء من جسدها، و لكن سمعها معتصم الذي ساعدها على الجلوس على الفراش من جديد و هي تنظر له بتعجب، ثم أمسك بالدواء و وضعه بين أسنانه ليقترب منها في هدوء ثم نظر لها في أنتظارها لتأخذها، و لم تخيب ظنة فقد أقتربت و ألتقطتها بأسنانها من بين خاصته و بسرعة شديدة لفت ذراعيها حول عنقه و ضمته إليها بقوة تألم لها جسدها فرفع معتصم يدها على ظهرها بهدوء قائلا:.

- خدي الدوا الأول و انا قدامك أهوه مش هطير
أردفت ببكاء صامت ظهر في نبرتها و دموعها التي هبطت على رقبته:
- انا أسفه
أبعدها معتصم عنه في هدوء و أبتسم لها بحنان قائلا:
- طيب خدي الدوا الأول و بعدين نتكلم
هزت رأسها بالموافقة و ألتقطت منه كوب الماء و تجرعت باقي الأقراص على نفس المنوال، ثم سحب هو منها الكوب و نام على الفراش، ثم وضع رأسها على صدره و أحاطها بلطف حتى لا يؤلمها، و أردف:.

- أنا اسف علشان ضربتك، مكنش لازم أعمل كده، أوعدك هحاول مكررهاش تاني مهما أتغابيتي
ضحكت زينة بخفوت و رفعت نظرها له قائله:
- بحبك يا معتصم و الله بحبك، اوعي تبعد عني أنا روحي فيك
- أنا جنبك متخافيش
أرتفع رنين هاتف معتصم الذي زفر بضيق و هو يخرج هاتفه من جيب بنطاله فوجد رقم خاص، أعتدل بسرعة و أجابه:
- أيوه!
- أخرج من بيتك قبل الفجر انت و مراتك أو هتموتوا.

أُغلق الهاتف بسرعة فأنتفض معتصم واقفاً و سحب حقيبة سفر صغيرة وضع بها أحتياجاتهم الهامة بين أسئلة زينة القلقة، ثم أغلق الحقيبة و وضعها على الأرض و رفع يدها ليسحبها خلفه و أقترب من زينة قائلا بقلق:
- قومي بسرعة و هفهمك في الطريق مفاضلش كتير، كلها 10 دقايق على الفجر
نهضت زينة بألم حاولت تجاوزه و أستندت على معتصم الذي خرج مسرعاً من المنزل و قاد سيارته منطلقاً بلا هدف..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة