قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثاني

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثاني

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثاني

هبط كريم من منزله سريعاً و هو يرتب ملابسه فهو علي وشك التأخر و هذا ثاني أيامه في العمل يجب أن يثبت إستحقاقه للعمل، أرتفع رنين هاتفه، فأخرجه من حقيبته و أجاب و هو يهبط عن الدرج قائلا:
-ألوو يا ماما
نظر الي ساعته في إستعجال ثم ركض علي الدرج و هو يستمع الي داليدا التي تحدثت:
-عملت ايه في الشغل؟
تحدث بصوت مرتفع نسبياً ناتج عن ركضه:
-لسه فاكرة، ده أنا مستني المكالمة دي من الصـ.

قاطعه أصطدامه بزينة التي كانت تصعد الدرج مسرعة هي الأخري، فنظرت له بغضب و تحدثت:
-مش تفتح يا جدع أنت؟
سمع كلاً من زينة و كريم صوت داليدا علي الهاتف التي سألت بقلق:
-في ايه يا كريم؟
تحدث كريم الي داليدا في هدوء:
-مفيش حاجة يا ماما خبطت في واحدة بس
ثم نظر الي زينة و أعتذر بلباقة مردفاً:
-انا اسف جدا يا أنسه مكنتش شايف قدامي لأني مستعجل.

نظرت له بتعجب من رأسه الي قدميه، فمن الواضح أن حالته المادية جيدة هذا ما أنعكس علي ملابسه، كم أن طريقته لبقة و جيدة عكس جميع من في هذه المنطقة، سألته بتعجب:
-أنت مين و بتعمل ايه هنا؟
أجابها سريعاً و هو يهبط الدرج و ما زالت والدته تستمع عبر الهاتف:
-لو انتي ساكنة هنا يبقي أكيد هنتقابل تاني و وقتها هتعرفي أنا مين بس دلوقتي مستعجل معلش.

تركها و هبط مسرعاً و هو يتحدث مع والدته عن عمله، في حين رفعت هي كتفيها بتعجب، ثم أكملت صعودها الي منزلها و دقت الباب بعنف، ففتحت حسناء الباب بخوف و قلق قائله:
-في ايه يا بت؟ بتهبدي الباب بإيدك كده ليه وقعتي قلبي
تركتها زينة و دلفت الي غرفتها سريعاً و هي تجيبها بصوت مرتفع:
-نسيت الكارنيه و الكاميرا يا ماما
ثواني و خرجت زينة من غرفتها متجهة نحو باب المنزل لتتحدث حسناء بحدة:.

-الزفت المفتاح معاكي لو فضلتي تخبطي بعد كده من هنا للصبح و الله ما انا فتحالك
-طب سلام يا ماما و لما أرجع نبقي نرغي.

في التجمع الخامس تحديداً في منزل خالد الدهشوري
أٌقتربت دليدا من خالد الذي يجلس علي حاسوبه في غرفة المعيشة بعد أن أغلقت المكالمة مع كريم، و تحدثت بقسوة:
-شغال في مستشفي المقطم التخصصي، خليهم يطردوه حالاً
نظر لها خالد بدهشة و هو يغلق حاسوبه ويضعه جانبه قائلا:
-انا أفتكرتك رضيتي عنه و هتسيبيه براحته
ثم أكمل بسخرية و أستهزاء:
-أتاريكي بتعرفي أخباره علشان تدمري أحلامه.

صرخت به دليدا بقوة و هي ترفع سبابتها في وجهه قائله:
-ده أبني و انا عايزاه جنبي و معتمد عليا انا، نفذ اللي بقولك عليه يا إما هقول لمعتز أبنك علي كل شغلك القذر اللي زيك، و انت عارف أبنك اه في ضلك بس لما يلاقيك فاسد هيكون أول واحد يبلغ عنك
أمسكها خالد من ذراعها بقوة و قربها إليه قائلا:
-لا أتعدلي كده ده أنا خالد يا دليدا هانم، مش أنا اللي تهدديني خلينا قافلين بالمفتاح أحسن علي أسرارنا سوا.

-أنا معنديش أسرار أخاف منها و أنت هتنفذ كل اللي انا هقولك عليه يا إما
قاطعها خالد و هو يجذبها من خصلاتها بقوة قائلا:
-لا بقولك ايه، الشويتين دول مش عليا، ده أحنا دفنينه سوا يا دليدا ولا ايه؟
صمتت دليدا و هي تحاول تخليص نفسها من بين يديه ليدفعها هو بقوة قائلا:.

-أبنك يعمل اللي هو عايزه اياكي تتدخلي في حياته تاني، و متفتحيش في دفاترنا سوا علشان انتي اللي هتروحي في 60 داهيه لو ناسية اللي عملتيه زمان فأنا مش ناسي و معايا الدليل اللي يدينك، و لسه فاضلك كام شهر علي إن حكم الإعدام يسقط عنك فاهمه.

نظرت له بإضطراب و صمتت و أتجهت الي غرفتها، غلطة صغيرة قد تكلفها ما تبقي من حياتها كلها، يجب أن تهدأ حتي تفكر في حل مناسب مع خالد لينفذ كل ما تريد بدون تهديدات، ربما سيكون إحياء حبهم القديم عامل جيد في التأثير عليه.

كلٌ منَّا يفكر فيما يحب، بعضنا يجد أن خلاصه من متاعب الحياة في الحب، و الآخر في الإستقرار أو المال، و آخرين في العمل، ربما إن كان العمل شخصاً لكنت قد تزوجت منه، أنا فتاة طموحة لا أريد سوي أن أصبح ناجحة في مجالي، أعشق المخاطر و التحديات، أعشق الألم حتي إن لم أتعرف عليه لفترة طويلة، أعشق الحياة العلمية، و لكنني أكره الحب، رغم كلام والديَّ الشيق عنه إلا أني اكرهه.

فأنا لا أري الحب الا مجرد مرض خبيث يسيطر علي الجسم فيقضي عليه تماماً، أو ربما هو يشبه الخريف، يتعلق في الشجرة المثمرة حتي يفسد كل ثمارها و كل أوراقها لا يتبقي منها شئ سوي جذورها و أغصانها و شكلها الخلاب لا يعود مرة أخري في نفس الفصل، كذلك هو الحب يأتي ليأخذ كل ما أحبه الإنسان و كل ما أراده و حلم بتحقيقه، يأخذ كل الأمل و السعادة، يأخذ أروحنا لنصبح مجرد جثث علي قيد الحياة، ما زلنا نعيش و لكن ليس كما في السابق، و لن نعود الي سابق عهدنا، فما أنكسر لا يعود الي طبيعته مرة أخري. .

ضغطت زينة علي زر النشر علي الفيس بوك بعد أن أنهت هذا المقال علي صفحتها المزيفة متمردة ، أغلقت حاسوبها و جلست تتنهد علي مقعد مكتبها بملل، فلا يوجد لديها عمل الآن، أبتسمت بعد أن خطرت برأسها فكرة، ثم سحبت أغراضها متجهه الي مكتب رئيس التحرير عادل فهو الوحيد القادر علي إخراجها من هذا الملل ببحث جديد وراء المخاطر.

في مستشفي التخصصي العام
أقترب أحد الشباب من الأستقبال و هو في حالة يثري لها، قميصه مملوء بالدماء و خصلاته مبعثرة و تحدث بنبرة قلقة و متعبة:
-لو سمحتي، معايا صاحبي بره في العربية مضروب في كل مكان في جسمه و بينزف، ساعديني ارجوكي
تحدثت موظفة الاستقبال في محاولة لتهدئته و هي تشير الي أحد الممرضين:
-اهدي يا فندم ان شاء الله خير، روحوا مع الأستاذ حالاً يلا.

ركض الشاب بصحبة الممرضين و الفراش المتنقل الي الخارج لإحضار صديقه، بينما نظرت موظفة الأستقبال الي قائمة أطباء الطوارئ في جهازها، ثم أمسكت بهاتف المستشفي و ضغطت علي عدة أرقام و تحدثت عندما آتاها الرد قائله:
-دكتور كريم، فيه حالاً طوارئ عند الباب الرئيسي للمستشفي في أوضة العمليات اللي جنب السلم بسرعة من فضلك.

في جريدة منارة الحقيقة في المعادي
جلست زينة أمام رئيس التحرير في صمت في أنتظاره ليقرر ماذا سيفعل معها، طال الصمت لدقائق، فأخذت تتأمل بعينيها في المكتب حتي وقعت عينيها علي شهادات كثيرة معلقة علي الحائط، وقفت عن مقعدها و أقتربت منهم و هي تتمعن النظر بهم، فلاحظ عادل شرودها بهم، فأقترب منها و وقف الي جوارها قائلا:
-أكيد نفسك يبقي عندك منهم في مكتبك الخاص مش اللي مشتركة فيه مع 2 زملاء.

نظرت له بإبتسامة و أومأت برأسها، ثم سألته:
-حضرتك أخدت كل الشهادات دي أمتي، و عملت ماجستير و دكتوراه، و شهادات تقدير كتير جدا من نقابة الصحافيين و غيره و غيره، كل ده لحق حصل أمتي؟
أجابها عادل و هو يتأمل شهاداته و هو يتذكر كل مشهد أخذ به أحدي تلك الشهادات قائلا:.

-أنا بقالي في المجال ده يا زينة 30 سنة، و كلها كام سنة و هطلع علي المعاش، بدأتها بصحفي صغير لحد ما وصلت لرئيس تحرير جريدة، أخدت كل الشهادات دي و عملت كل ده لأني بحب الشغل ده جداً، كان لازم أبدع في حاجة بحبها
نظر لها بإبتسامة و أكمل:
-شغلنا علي قد ما هو صعب و ممكن تقعي في مصيبة بس حدوتة حلوه
نظرت له بتعجب و سألته بتأكيد:
-حدوتة حلوه؟ أزاي يعني؟!

أقترب من مقعده و جلس عليه و هو يستند بيديه علي المكتب ناظراً إليها ثم أجابها:
-الصحفي ده تقريباً أكتر حد حياته ممتعة، كل تحقيق بقصة جديدة و كل قصة بمغامرة جديدة و كل مغامرة بدرس جديد و هكذا لحد ما توصلي للمكانة اللي انتي عايزاها
أقتربت هي الأخري و جلست في المقعد مقابله و تحدثت:.

-بس ده مش معناه أن الصحفي ده حياته مش في خطر و خصوصاً لو زيي مثلا، بطلع من قضية قتل لمخدرات لآثار و أحياناً أعضاء، و أنا وسط كل ده ممكن في لحظة أموت، معقولة الحدوتة و الصحفي عايش حلوه بس نهايتها تكون وحشة لو مات؟
خلع عادل نظارته الطبية و تحدث:.

-الحدوتة الحلوه مش لازم نهايتها تكون سعيدة، الحدوتة اللي بيكون نهايتها سعيدة بتكون لسه مخلصتش و لسه فيها كلام كتير بس أحنا بنخلصها بنهاية سعيدة علشان ندي لنفسنا طاقة إيجابية
صمت لثواني و هو يلاحظ أثر كلماته عليها، ثم أكمل:.

-أنا حبيت و كنت سعيد جدا، اتجوزت اللي بحبها كنت في قمة سعادتي، بس ماتت و هي لسه في عز شبابها، كنت في سابع سما و بقيت تحت سابع أرض، دخلت الكلية اللي بحبها اتخرجت منها و لقيت شغل بسرعة، فرحان جدا بس مع أول تحقيق أخدت رصاصة في صدري كنت هموت، في كل مرحلة هتلاقي نفسك فرحانة أوي و بعدين هتزعلي، لا الفرحة بتكمل ولا الحزن بيدوم، ده ميزان الحياة اللي لازم يتوزن كويس الدنيا مش كلها أبيض و مش كلها أسود كمان، هي شوية كده و شوية كده، بس الدنيا نهايتها أسود لأنها بتنتهي بالنسبة للشخص لما يموت، فعلشان كده عمر الحدوتة اللي بنهاية سعيدة كانت كاملة يا زينة فهماني.

هزت رأسها بالإيجاب قائله:
-فهماك أكيد
-حطي هدفك و حلمك قدامك يا زينة و أسعي وراه زي ما انا سعيت علشان توصلي للمكتب ده، و ييجي اليوم اللي تنصحي فيه صحفي صغير شغوف زيك نفسه يبقي حاجة في يوم
أومأت برأسها موافقة، فأبتسم هو قائلا:.

-أحنا سيبنا موضوع التحقيق بتاعك و دخلنا في منطقة تانية خالص، بصي مش هينفع أديلك تحقيق تاني قبل ما تكملي اللي معاكي حتي لو قاعدة فاضية، انت بعد بكره الصبح هتكوني خلصتي التحقيق و أديتهولي و أنا هسلمك واحد غيره، و لحد الوقت ده أنا هديلك كتاب تقرأيه و كمان روحي شوفي منير علشان هو في المستشفي من أمبارح مضروب علقة سخنة بس بقي كويس
تعالت ضحكاتها و هي تقول:
-بدأنها بالضرب، ربنا يسترها عليَّا.

-أنتي أد الشغل و ان شاء الله مش هيحصل ليكي أي حاجة.

قبل تسعة و عشرين عاماً
كان كامل يجلس علي إحدي الطاولات في حديقة واسعة يقام بها إحتفالية رأس السنة الميلادية، و كان بجواره شريكه محمود سويلم و زوجته سعاد، و شريكه الآخر أحمد السلاموني و زوجته عفاف، بالإضافة الي والد كامل الأستاذ مراد السعيد و والدته رقية شاكر.

كان الحفل في غاية الروعة العديد من الطاولات منتشرة في كل مكان في الحديقة، الأنوار الملونة من جوارهم في كل مكان و فرق موسيقية تعزف ألحاناً رائعة مناسبة لعيد رأس السنة، بالإضافة الي بوابة جميلة يدخل منها المدعوين للحفل في أزياء خلابة، و الخادمات يقدمن الطعام و الشراب، و الجميع في حالة سعادة و أندماج مع أجواء الحفل.
تحدث مراد السعيد والد كامل بسخرية قائلا:
-عقبالك يا كامل
نظر له كامل بتعجب مردفاً:.

-عقبالي في ايه؟
تحدثت رقية هي الأخري و هي تنظر الي أصدقاء كامل مع زوجاتهم قائله:
-لما الحفلة الجاية أن شاء الله تكون قاعد جنب مراتك زي محمود و أحمد
تحدثت سعاد زوجة محمود بلباقة شديدة:
-و الله يا رقية هانم أنا حاولت كتير أوي معاه أنا و عفاف و عرفناه علي بنات زي القمر من كل مكان و أصحاب بابا و ماما، بس هو عنيد و مش موافق علي فكرة الجواز أصلا
ضحك كامل بسخرية و خفوت ثم نظر إليهم قائلا:.

-أنا لسه صغير علي الجواز و قدامي حياة طويلة أعيشها مش لازم أربط نفسي بالجواز دلوقتي
لف أحمد ذراعه حول كتف عفاف حبيبته و زوجته و قربها منها مقبلاً كتفها بحب قائلا:
-مش هتلاقي أحسن من الجواز في الدنيا، حد يهتم بيك و يدلعك و تعيش علشانه و يعيش ليك و تكونوا متفاهمين، دي من أعظم حاجة في الكون.

-عارف كل ده يا أحمد، بس علشان أعيش قمة السعادة اللي انت عايشها مع عفاف لازم أختار واحدة بحبها و بتحبني علشان نقدر نعيش سوا و نفهم بعض و نسعد بعض، أنت و محمود لقيتوا حب حياتكم و أتجوزتم، سيبوني أنا بقي ألاقي حب حياتي براحتي
نظرت عفاف لرقية و تحدثت و هي تلوح بيدها قائله:
-مفيش فايدة يا رقية هانم، هيغلبنا بالكلام و مش هناخد منه اللي أحنا عايزينه
تحدث محمود بإبتسامة و هو ينظر الي كامل قائلا:.

-سيبوه، بكره يقع علي وشه و يجيلكم و يقولكم، أنا حبيت ملاك وقعلي من السما، أنا واقع في عرضكم جوزوهالي أرجوكم
تعالت ضحكات الجميع علي طريقة محمود في الحديث، ثم نظر حوله قائلا:
-صحيح أمال فين مصطفي و مراته؟ مظهروش لحد دلوقتي ليه؟
رد عليه كامل بإيجاز:
-زمانهم علي وصول
أقتربت جنات من مراد بإبتسامتها و هي تقدم لهم المشروب، ثم تحدثت قائله:
-أقدم لحضراتكم حاجة تانية؟
أجابتها رقية بإبتسامة جميلة:.

-لا تقدري تتفضلي
ألتفت جنات و كانت علي وشك الذهاب و لكن أوقفها صوت كامل القوي الهادئ قائلا:
-أستني
أغمض عينيها و أخذت نفس عميق ثم ألتفت له بإبتسامة قائله:
-أتفضل
-هاتيلي ويسكي و تلج
أومأت برأسها فتركتهم و ذهبت و نظر له محمود قائلا:
-من أمتي بتشرب ويسكي قدام الكل كده
-كلكم بتشربوا، هشرب أنا كمان بدل ما أرجع البيت و أشرب لوحدي خلينا نستمتع كلنا سوا.

مرت دقائق و أقتربت جنات من كامل بزجاجة الويسكي و الكأس و الثلج و بدأت في وضع الثلج ثم سكبت الويسكي بداخله و قربت منه الكأس فتحدث كامل:
-شكراً
أومأت برأسها ثم أنصرفت، فنظر كامل الي مكانها و لكن وجد مصطفي و زوجته يقتربان فأبتسم و رحب الجميع بهما و جلسا معهما، و بدأ الجميع في تبادل أطراف الحديث.

بعد ما يقارب ساعة، وقف كامل و هو يشعر أن رأسه ثقيل للغاية فلقد ثمل بشدة، فلقد طلب زجاجتين أخريتان من الويسكي في هذه الساعة و أنتهي منهم، كاد أن يقع و لكن أمسكه مصطفي الذي يجلس جواره بسرعة قائلا:
-حد يشرب بالكمية دي كده؟
أبتعد كامل عنه و أبتسم بثمالة قائلا:
-أنا كويس كويس، هروح أغسل وشي و هخليهم يعملولي قهوة في المطبخ علشان أفوق و جاي
تحدث أحمد بقلق:
-طب أجي معاك؟ أنت مش قادر تقف.

-لالا أنا تمام خليكم أنتوا 10 دقايق مش هتأخر
أبتعد كامل عن الجميع و هو يسير بصعوبة فرأسه ثقيل للغاية و عينيه رؤيتهما مشوشة يشعر أن العالم يدور به، و لكن أستطاع أن يصل الي المطبخ الموجود في هذا الحفل، و كانت جنات أول من تراه فأقتربت منه بسرعة و قلق قائله:
-حضرتك كويس؟
أومأ برأسه بالإيجاب ثم نظر لها برجاء:
-أعمليلي قهوة و هاتيهالي علي الأستراحة بره الحفلة
-حاضر.

بدأت في تحضير القهوة له و هي شاردة في حالته تلك حتي فاقت علي يد سارة زميلتها تضربها في كتفها بخفة قائله:
-فوقي يا جنات مالك؟ القهوة كانت هتفور يا اختي
نظرت جنات الي القهوة و بدأت في سكبها في الفنجان مجيبة:
-تعبانة و عايزة أنام فمش مركزة بس مش أكتر، أنا هروح أودي القهوة.

غادرت المطبخ بين حيرة سارة من حالتها، و خرجت من الحفل و الحديقة، نظرت حولها تبحث عن كامل، حتي وجدته يجلس علي أحدي الأستراحات في الشارع، أقتربت منه و قدمت له القهوة قائله:
-حضرتك كويس؟
أمسك بفنجان القهوة و قربه من شفتيه قائلا:
-أه كويس
ثم نظر لها بتردد و لكن تحدث:
-ممكن تقعدي معايا شوية
ألتفتت بنصف جسدها تنظر الي الحفل بتردد، فأمسك كامل يدها قائلا:
-متخافيش أنا صاحب الحفلة و مش هطردك.

أبتسمت بخفة ثم جلست بجانبه و يدها ما زالت في يده، فنظرت علي أيديهم بحرج، فنظر هو الي الخاتم في يدها و مرر أبهامه عليه و سألها:
-ليه؟
-نصيب
هز رأسه بالإيجاب ثم ترك يدها و نظر لها من جديد قائلا:
-كلميني عن نفسك يا جنات، عايز أعرف عنك كل حاجة.

أبتسمت و بدأت في سرد الكثير عن حياتها و عن وفاة والدها و انها تعتني بوالدتها و تحدثت كثيراً عن شقيقتيها اللتان تزوجتا منذ فترة طويلة و أخيراُ عن خطبتها لهذا الرجل زيدان الذي لا تحبه و لكن في النهاية هذا هو قدرها، مرت ساعة أخري، فوقفت جنات قائله:
-أنا لازم أروح الحفلة، أكيد عايزني و بيدورا عليا
أومأ برأسه موافقاً بإبتسامة:
-فعلا أتأخرنا أوي، أنا مبسوط أوي يا جنات أني أتكلمت معاكي.

ألتقطت فنجان القهوة من جانبه قائله بصدق:
-و انا كمان أوي، عن أذنك
ألتفتت و سارت عدة خطوات و لكن توقفت علي صوته قائلا:
-أه نسيت أقولك، ده أحسن فنجان قهوة أنا شربته في حياتي
أبتسمت بخجل و ألتفتت له قائله:
-شكراً
تركته و أنصرفت الي داخل الحفل في حين تنهد هو بتعب، فلقد شعر أنه أحبها أكثر من حبه لها ألف مرة بعد تلك الساعة التي جلسا بها سوياً.

في مستشفي المقطم التخصصي
خرج كريم من غرفة العمليات و هو يخلع القفازات الطبية الخاصة به ثم أزال الكمامة من علي وجهه، فوجد شاب يقترب منه في قلق و سأله:
-طمني يا دكتور علي عمر؟ هو كويس؟
أبتسم كريم ليبث الطمأنينة بداخل نفس الشاب و أجابه:
-الحمدلله هو بخير، كان فيه ضلعين عنده مكسورين
تحدث الشاب بصدمة:
-أيه؟ ضلعين
ربت كريم بهدوء علي كتفيه قائلا:.

-أهدي مفيش حاجة قولتلك هو كويس، هو هيفضل في العناية المركزة 24 ساعة بس نتطمن عليه و بعدين هيتنقل علي أوضة عادية و هتقدر تشوفه و كام يوم و يقدر يخرج، بس أنا لازم أبلغ البوليس لأن ده أعتداء بالضرب
أومأ الشاب برأسه قائلا:
-تمام يا دكتور بلغ البوليس
-عن أذنك
أبتعد كريم عن الشاب و غادر متجهاً نحو مكتب الأستقبال قائلا للموظفة:
-أطلبي البوليس للحالة اللي جت في الطوارئ، و لو فيه أي حاجة بلغيني علطول.

-تمام يا دكتور
تركها كريم و أتجه نحو مكتبه بتعب، دلف الي الحمام و بدأ في تعقيم يديه و خلع زي العمليات و ألقاه في القمامة و عاد ليرتدي البالطو الأبيض جالساً علي مقعده قائلا بصوت مسموع:
-ما شاء الله من أول يوم عمليات، ده ايه الحظ ده؟
أمسك بملف باللون الأخضر يعتلي طاولة مكتبه و بدأ في التجول بين صفحاته فهذا الملف خاص بالمرضي المسئول هو عنهم، بدأ ينظر في حالة كل مريض منهم.

في أستوديو تصوير برنامج دقائق من الحقيقة
كان عزيز يجلس علي مقعد في منتصف الأستوديو يرتدي بدلة أنيقة باللون الأزرق الغامق و خصلاته البيضاء أعطته منظراً مثيراُ، تحدث و هو ينظر الي الكاميرا التي يجلس خلفها عدد كبير من الأشخاص قائلا بإبتسامة ودودة:
-و بكده تكون كل أخبار النهاردة خلصت و أشوفكم بكره في يوم جديد مع برنامج دقائق من الحياة، تصبحوا علي خير
تحدث المخرج محمود الذي يجلس خلف شاشته قائلا:.

-كاات
ألقي عزيز بالأوراق التي بيده علي الطاولة ثم وقف، ليقترب منه محمود و معه شاب بدأ في أزالة الميكرفون من ملابسه، بينما أبتسم محمود قائلا:
-هايل جدا، مش هتكلم عن تأخير النهاردة بس أرجوك يا عزيز بلاش تأخير تاني، أنت طالع النهاردة علي الهوا من غير ما تقرأ غير كام حاجة بسيطة و مع أول فاصل بدل ما ترتاح و تراجع انت كنت لسه بتعرف انت هتقول ايه بعد الفاصل.

تعالت ضحكات عزيز الذي قام بإغلاق زر جاكيت بدلته قائلا:
-و الله غصب عني، انت عارف انا ساكن بعيد عن هنا، و بنتي مطلعة عيني
-ربنا يخليهالك يا رب، انا فاكر أنك قولتلي انها صحفية، يعني المفروض من النجمة تكون في الجريدة أو بتدور ورا تحقيق مهم
أبتسم عزيز مردفاً:
-بتعمل كده بس ده ميمنعش شوية شقاوة قبل ما تمشي
أبتسم محمود هو الآخر و ظل ينظر في وجه عزيز بصمت تام، فتحدث عزيز بحدة:.

-محمود، يا ريت نقفل الموضوع القديم ده لأنه طول جدا، و سبق و قولت لحضرتك أنا مش نفس الشخص، أنا عزيز و نظراتك ليا و انك شايف فيا أخوك أو صاحبك أو أياً كان مين الشخص ده بتضايقني جدا
فرك محمود خصلاته بيده في إحراج قائلا:
-أسف مكنش قصدي
-و انا مش قصدي أسببلك أي احراج، بس
قاطعه محمود سريعاً قائلا:.

-لالا أنت معاك حق، المهم قبل ما أنسي، فيه النهاردة عشا مهم علي الساعة 11 تقريباً مع صاحب القناة هبعتلك اللوكيشن و لازم تيجي هو قال أنه عاوز يشوفك و فيه أخبار مهمة معاه
-خلاص تمام، عن أذنك بقي أغير هدومي.

في مستشفي المقطم التخصصي بداخل غرفة رقم 7.

جلست زينة أمام فراش زميلها في العمل و المكتب منير و الذي قد جبرت يديه اليمني و قد ظهرت الألوان علي وجهه في تناسق رائع فكانت الكدمات، بالإضافة الي هذا الشاش الذي يلتف حول رأسه و يزينه مثل التاج، ظلت تحدق به من رأسه الي قدميه، هل سيأتي اليوم الذي تصبح به في مكانه أثر إحدي تحقيقاتها أو يمكننا القول أحدي مغامراتها، و لكن سرعان ما أبعدت هذا عن تفكيرها و ربتت علي قدمه بقوة قائله بنبرة مرحة:.

-قال و انا كنت فكراك مندمج في التحقيق بتاعك فمجتش المكتب أتاريك يا عيني راقد في المستشفي بعد ما أكلت علقة هتندمك علي الشغلانة دي كلها
تحدث منير بإنفعال و هو ينتفض من مكانه:
-مش هيحصل يا زينة
صرخ بوجع فوقفت هي سريعاً و تعالت ضحكاتها و هي تعيده الي الفراش ليرتاح قائله:
-طب ريح بس انت
-و الله ما هسيبهم غير لما أكشفهم و أكشف القرف اللي بيعملوه ده، منهم لله ملوا البلد مبقاش فيه حد سالك خالص.

عادت لتجلس علي مقعدها و أومأت برأسها مردفة:
-اخرج بس من هنا و أنا هخلص التحقيق اللي معايا و أقول لأستاذ عادل و هساعدك في التحقيق بتاعك طالما الموضوع كبير
أومأ برأسه بإمتنان مردفاً:
-يا ريت و الله يا زينة علشان مش هعرف أروح و أجي و أنا مكسر كده
صمت للحظات، فنظرت له زينة بشك و أردفت:
-طلع اللي جواك في ايه؟
تحدث بحذر و أبتسامة زينت شفتيه و هو ينظر لها قائلا:.

-متخيلة نفسك مكاني مكسورة كده و مش عارفة تتحركي
تعالت ضحكاتها و هي تبعد خصلاتها التي هبطت علي وجهها مردفة بغرور:
-أنت بتحلم، يا ابني مستحيل ده انا زينة يحصل فيا اللي حصل فيك ده
أومأ منير برأسه مع أبتسامة صفراء مليئة بالسخرية تحتل شفتيه مردفاً:
-طبعا طبعا، بس خدي بالك لمناخيرك تخبط في السما بس
ضربته زينة بقوة علي ذراعه المكسور فصرخ هو بوجع قائلا:
-يا مفترية دراعي.

وقفت زينة مرتدية حقيبتها قائله بغيظ شديد:
-أنا غلطانة اني جيت أعبرك أصلاً، يلاsee you soon هجيلك بكره و تكلمني عن القضية اللي بتجري وراها
-أوكي خدي بالك من نفسك
أرتدت نظارتها الشمسية ثم أنزلتها قليلاً عن عينيها و هي تنظر له علي حالته و هي تقول:
-طب قول لنفسك بدل ما تنصحني
أقتربت من الباب لتغادر الغرفة، و لكنها أصطدمت برأس ذلك الذي كان يدخل الغرفة ليطمئن علي مريضه، فتعالت ضحكات منير مردفاً:.

-ربنا خدلي حقي منك في نفس الثانية
رفعت زينة عينيها و هي تضع يدها علي رأسها بألم و تحدثت للطبيب أمامها:
-حضرتك داخل الأوضة و واخد في وشك كده ليه أنا جالي صداع من الخبطة
رفع كريم أنظاره ليرد عليها و لكن قابل نفس العيون التي أصطدم بها هذا الصباح، أنتظر كلاهما لحظات يحاولان بها أستيعاب معرفتهما ببعض، فتحدث الأثنان في صوت واحد كان يحتله الدهشة و التعجب:
-أنت!
-أنتي؟!

نظر لهما منير بعدم فهم، ثم أردف بعد مدة من صمتهما و سألهما:
-انتو تعرفوا بعض؟
-أه / لا
نطق كلاهما بإجابات مختلفة عن الأخر ثم نظرا الي بعضهما من جديد فتحدثت زينة:
-معرفوش بس شوفته الصبح
ثم وجهت حديثه الي كريم قائله:
-و انت تخصص حوادث ولا ايه؟
-و الله انتي اللي خارجة بسرعة، في التأني السلامة يا أنسه
تجاهلت حديثه و نظرت له بعينان تملأهما الشك مردفة:
-أنت بتجري ورايا ولا ايه؟ بتعمل ايه هنا؟

أتسعت عينيه بصدمة من سؤالها فأردف هو:
-أفندم! أنتي مش شايفة البالطو الأبيض ولا أنا مش باين أني دكتور! هجري وراكي ليه هو أنا اعرفك أصلاً
رفعت سبابتها أمام وجهه و أردفت بعنف و غيظ شديدين:
-أمال أني أشوفك و أخبط فيك مرتين في نفس اليوم ده أسمه أيه؟
-حظ مهبب وقعني في واحدة هبلة، بعد أذنك يا أنسه ورايا شغل.

تركها تقف علي الباب مصدومة من وقاحته معها في الحديث، حسناً ربما هي من بدأت و لكن لا يحق له أن يسبها أياً كان السبب، ألتفت لتجده يقف أمام فراش منير بإبتسامة واسعة و في يده ورقة مثبتة علي دفتر و يقرأ ما بها ثم تحدث:.

-كل التحاليل تمام الحمدلله و النزيف الداخلي الدكاترة سيطروا عليه أما بالنسبة للكسر فدكتور سيد هيجي لحضرتك كمان شوية يتطمن و معاه الأشعة التانية علشان يتطمن علي إيدك، و الكدمات كام يوم و هتروح أن شاء الله أنا كتبت ليك علي مرهم هتحط منه عليها كل يوم مرة و هتروح بسرعة أن شاء الله
وضع الورقة و الدفتر علي مؤخرة السرير و أكمل:
-حمدلله علي سلامتك
-الله يسلمك يا دكتور، طب هقدر أخرج أمتي؟

-بكره الصبح أن شاء الله بعد ما نتطمن عليك بشكل كامل و مؤكد هكتبلك تصريح الخروج، عن أذنك
نظر نحو الباب ليجد تلك الجميلة ذات الشعر البرتقالي قد ذهبت، فغادر الغرفة متوجهاً الي غرفة مريض أخر ليطمئن عليه و يكمل عمله.

في التجمع الخامس في منزل خالد الدهشوري و زوجته داليدا
كان خالد يجلس علي مقعد مكتبه ينظر في الأوراق أمامه بتركيز إلي أن أرتفع صوت الدق علي باب مكتبه ليردف بصوت قوي:
-أدخل
فُتح الباب لتدخل منه الخادمة ميار و هي تحمل له القهوة، أقتربت من مكتبه لتضعها أمامه ثم أردفت:
-تؤمر بحاجة تانية يا بيه!
أرتفع خالد بعينيه ليتفحص ميار التي وترتها نظراته لها، فتحدث بلهجة آمرة غير قابله للنقاش:.

-قربي تعالي أقفي هنا جنبي
أشار الي يمينه، فأقتربت هي بخطوات بطيئة و هي تحاول أن تتوقع ما سيحدث معها، هل من الممكن أنه كشف خيانتها له، وقفت بجانبه كمان أمرها، ليضغط علي أحد الأزرار في لوحة مفاتيح حاسوبه المتنقل لتظهر هي علي الشاشة و هي تدخل الي مكتبه و بدأت في التفتيش عن مفاتيح أدراجه حتي وجدته فتركت به أثراً علي صابونة ثم أعادته الي مكانه و خرجت من المكتب.

ظهرت في لقطة أخري تعطي مفتاح الي فتاة في حديقة القصر و تأخذ منها رزمة من المال، و في النهاية ظهرت هذه الفتاح ترتدي قناع علي وجهها فدلفت و فتحت درج مكتبه و أخرجت إحدي ملفاته و بدأت بتصويره ثم خرجت من المكتب.
نظر خالد الي ميار التي نظرت له بخوف شديد فوقف ممسكاً بها من خصلاتها مردفاً بهدوء شديد و نبرة مرعبة:.

-حظك الأسود إن الكاميرات مش جايبة وش البت، هتنطقي و تقولي هي مين و لا تشيلي الليلة كلها لوحدك
أنفجرت ميار في البكاء و هي تحاول تخليص نفسها من بين يديه و تحدثت و هي تومأ برأسها:
-هقول يا بيه و الله هقول، دي واحدة صحفية كانت عايزة نسخة من مفتاح عندك، و قالتلي هتديلي فلوس كتير و ان الموضوع لا هيضرك ولا هيضرني يا بيه و الله يا بيه ما هكررها تاني، أسمها زينة عزيز و رقمها معايا في التليفون.

صمتت و هي تستقبل يد خالد التي هبطت علي وجنتها بقوة صادر منها صوت قوي رج أرجاء الغرفة، ثم تحدث بصوت مرتفع للغاية و نادي علي أحد رجاله و هو ينظر الي عينيها بشر مخيف:
-فوزي
ثواني و دلف فوزي الي الغرفة فألقي بها خالد علي الأرض مردفاً:
-خلصوا عليها و خلي حد يجيبلي تليفونها من أوضتها
أمسكت ميار قدمه بقوة مردفة ببكاء و صراخ:
-و النبي لا يا بيه و النبي، و الله العظيم ما هعمل كده تاني.

أمسكها فوزي بقوة و حملها عن الأرض لتصرخ من جديد:
-و النبي يا بيه أنا بصرف علي أمي و أخويا الصغير معندهمش غيري مش هعمل كده تاني و النبي
أبتسم خالد بقسوة مردفاً:
-متزعليش هخليهم يحصلوكي
ظلت تصرخ بقوة و هي تخرج من المكتب محمولة بين يدي فوزي، فجلس خالد علي المكتب بهدوء و أخرج سيجارة و أشعلها، أخذ نفس عميق منه ثم أخرجه بهدوء من بين شفتيه و خرج معه أسم تلك المسكينة التي تسطر نهايتها بيدها:
-زينة عزيز.

داخل أحد متاجر بيع و شراء الساعات
كان يجلس كريم علي مقعد أمام مكتب مدير المتجر ثم قرب منه علبة سوداء مفتوحة تظهر منها ساعة في غاية الأناقة نوع رولكس ، دقق مدير المتجر بها ثم تحدث:
-دي تمنها 80 ألف جنيه يا أستاذ كريم
هز كريم رأسه بتوتر و هو ينظر الي ساعته التي يعشقها و لكن الظروف لم تكن في صفه فلقد قرر تحمل مسئولية نفسه و يجب عليه تنفيذ قراره، فتحدث بإيجاز:
-المبلغ كويس.

لاحظ المدير نظرات كريم التي لا تبتعد عن الساعة و تردده في البداية أثناء دخوله المتجر فأغلق العلبة مردفاً:
-أستاذ كريم أنا ملاحظ أن حضرتك متوتر، فيه حاجة بخصوص الساعة؟
أومأ كريم برأسه نافياً، ثم أردف:
-لا أبداً بس هي غالية عليا شوية.

هز المدير رأسه بتفهم فوقف و ألتفتت الي خزنته، فتحها و وضع بداخلها الساعة و أخذ مبلغاً من المال ثم أغلقها و عاد ليجلس علي مقعده و هو يتلقط ظرف باللون الأبيض و قد بدأ في وضع المال بداخله مردفاً:
-طيب أنا هسيبها في الخزنة لحد ما حضرتك تقدر تيجي و تاخدها تاني
مد المدير يده بالظرف، ليقف كريم و ألتقطه منه قائلاً بإبتسامة إمتنان:
-متشكر جدا لحضرتك.

-مفيش حاجة، أستاذ خالد و مدام داليدا هما السبب في وجودي هنا قدامك دلوقتي و دي أقل حاجة أقدر أقدمهالك.

في المقطم شارع رقم 9
دلف عزيز الي منزله بتعب شديد، خلع حذاؤه ثم جلس علي أقرب مقعد بعد أن فتح زر البدلة و أزرار قميصه ثم نادي بخفوت علي حسناء عدة مرات، و بعد دقائق خرجت من المطبخ و هي تستمع لصوت همس يناديها و تحمل السكين في يدها و تسير بحذر، و لكن وجدت عزيز يجلس أمامها و قد أصفر وجهه بتعب شديد فألقت بالسكين علي الأرض و ركضت إليه في سرعة مردفة بنبرة تملؤها القلق و الحب:
-مالك يا عزيز أنت كويس.

أمسك عزيز بيدها بسرعة مردفاً بصعوبة:
-أطلبيلي دكتور بسرعة
أمسكت بيده بقوة بين يديها و هي تتحسسها بصدمة قائله:
-أبو زينة أنت متلج كده ليه؟ قوم معايا علي الأوضة يلا قوم
وضعت ذراعه علي كتفها لتسنده ليدلفا الي الغرفة و لكن كان ثقيلاً للغاية و أستنزفت كل طاقته فوقع علي الأرض مغشياً عليه، فأطلقت حسناء صرخة قوية سمعتها العمارة بأكملها ثم جلست علي ركبتيها أمامه و بدأت في تحريكه بسرعة و فزع منادية:.

-أبو زينة، قوم يا عزيز قوم
أنفجرت في البكاء و هي تحركه من صدره بسرعة و تصرخ بقوة فدق أحدهم علي باب المنزل بقوة، فتحركت حسناء بسرعة لعلها زينة قد تركت أحد أغراضها و جاءت لتأخذها، فتحت الباب بسرعة فوجدت أمامها شاب غريب الأطوار تراه للمرة الأولي و لكنها تشعر أنها تعرفه جيداً، فتحدث بإرتباك و قلق في ذات الوقت:
-أنا أسف جدا بس سمعت صوت صريخ، حضرتك كويسة.

هزت رأسها بالنفي و أمسكت بيده و دلفت الي المنزل و هو ورائها فتحدثت:
-أبو زينة وقع في الأرض ساعدني أنقله علي السرير و أطلبله دكتور
أقترب كريم بسرعة من عزيز و حمله علي ظهره بصعوبة فأشارت له حسناء الي الغرفة، توجه لها كريم ثم وضع جسد عزيز علي الفراش فساعدته حسناء علي النوم بإعتدال و تحدث كريم بسرعة:
-أنا دكتور، حصله ايه؟
-معرفش، جه من بره تعبان أوي و متلج و قالي أطلبله دكتور و بعدين وقع كده.

أمسك كريم بيد عزيز و تحسس نبضه و هو ينظر الي ساعته ثم أردف:
-نبضه ضعيف شوية، و جسمه ساقع، ممكن ضغطه واطي، دقيقة هجيب جهاز الضغط من البيت عندي و هاجي أقيسه ليه
تحدثت حسناء بسرعة و هي تتجه نحو خزانة الملابس مردفة:
-فيه واحد هنا أهوه، خد يا ابني
ألتقطه كريم منها و بدأ في قياس الضغط لعزيز، ثم تحدث لحسناء:
-ضغطه فعلا واطي، معلش ممكن كوباية ماية او ازازة برفان.

أتجهت نحو التسريحة لتحضر زجاجة عطر ذات رائحة قوية و أقتربت من كريم الذي وضع العطر علي يده و قربها من عزيز الذي بدأ يستعيد وعيه بعد ثواني، فتح عينيه ليجد كريم أمامه فتحث بتعجب:
-مصطفي!
وضعت حسناء يدها علي فمها بدهشة و صدمة و هي تتذكر أين رأت هذا الشاب، في حين أعتدل عزيز في جلسته و هو ينظر الي كريم محاولاً إخفاء أرتباكه ثم تحدث:
-أنت مين؟!

-أنا كريم جاركم في الشقة اللي جنبك علطول، و سمعت المدام كانت بتصرخ قولت أجي أشوف في ايه؟
تحدثت حسناء بصعوبة في محاولة لإيجاد كلمات و أن تكون طبيعية:
-هو اللي لحقك يا ابو زينة
أومأ عزيز برأسه ثم نظر الي كريم بإمتنان قائلا:
-متشكر يا ابني تعبناك معانا
-لالا مفيش اي حاجة أنا مبسوط أني أتعرفت عليكم
ثم تحدثت بإحراج قليل و هو ينظر الي عزيز مردفاً:.

-بصراحة مكنتش متخيل أني ساكن جنب أستاذ عزيز، أنا بحب حضرتك جدا و متابع البرنامج بتاع حضرتك
هز عزيز رأسه مردفاً بإبتسامة رائعة تزين شفتيه في حين أن قلبه يعزف ألحاناً تثير القلق في أنحائه:
-أنا كمان مبسوط جدا أني أتعرفت عليك يا دكتور
تحدث كريم بسرعة معرفاً عن نفسه:
-كريم أسمي كريم يا أستاذ عزيز
ربت عزيز علي يد كريم قائلا:.

-استاذ عزيز دي في الاستوديو، أنما هنا أنا عمك عزيز أو أبو زينة زي ما كله بيقول
أومأ كريم برأسه ثم وقف ناظراً الي حسناء و أردف:
-حضرتك هتأكليه حوادق شوية و سوائل كتير و لو بيشرب كحول يبعد عنه تماماً و طبعاً يهتم شوية بصحته و الأكل و شوية رياضة الصبح هيفيدوك جدا
أبتسمت حسناء بهدوء مردفة:
-شكرا يا ابني
-مفيش شكر ولا حاجة ده واجبي، ولو فيه أي حاجة أنا موجود عن أذنكم
تحدث عزيز بمجاملة قائلاً:.

-طب أستني حتي أشرب حاجة
-وقت تاني أن شاء الله
أتجه نحو الخارج و حسناء وراءه الي أن خرج من المنزل فأغلقت الباب و أتجهت راكضة نحو غرفة زوجها و هي تتنفس بصعوبة و تنظر له بخوف فتحدث عزيز و هو يمد لها يده:
-أهدي متخافيش، هعرفلك كل حاجة عنه و لو فيه أي خطر هنمشي من هنا، قربي هنا
أقتربت منه و أمسكت بيده و جلست علي الفراش، فضمها عزيز الي صدره بحنان مردفاً:
-مش هتضيعي مني أبداً يا حسناء أوعدك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة