قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثالث

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثالث

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثالث

في قسم الشرطة في المقطم
كانت زينة تجلس علي مقعد أمام مكتب معتصم و في يدها عصير البرتقال ترتشف منه بهدوء و هي تتصفح هاتفها، و دقائق و فُتح الباب ليدخل معتصم و يغلق الباب خلفه، أقترب من مكتبه و بدأ في جمع أغراضه مردفاً:
- يلا أنا جبت الأذن
وقفت و وضعت العصير علي المكتب ثم أغلقت هاتفها و وضعته في حقيبتها و أخرجت الكاميرا الخاصة بها و تحدثت:
- تمام يلا بينا.

خرج الأثنان من القسم في سيارة معتصم الي مكان تسليم شحنة المخدرات الخاصة بخالد الدهشوري و خلفهم سيارات الشرطة، فتحدثت زينة:
- أنا سمعت كمان أنه فاتح المستشفي بتاعته اللي في التجمع و بيتاجر فيها في الاعضاء بيسرقهم من الأطفال و أحياناً من الشيوخ
أبتسم معتصم و نظر لها بإعجاب من جديتها في العمل و أردف:
- كده هياخدله كام سنة كمان سجن، يعني إعدام بس بطئ شوية.

تعالت ضحكات زينة في سخرية علي حال خالد الدهشوري في السجن، ثم تحدث و هي تقترب بوجهها من النافذة:.

- أنت مش متخيل أنا بقالي قد ايه نفسي أوقعه بجد، أنا سيبت الجريدة اللي كانت قبل منارة الحقيقة علشان رئيس التحرير يعرفه و رفض تماماً أني أشتغل في أي حاجة تخصه، فسبت الجريدة و جيت منارة الحقيقة و الحمدلله أستاذ عادل مساعدني جدا و موفرلي كل حاجة ممكن أحتاجها و بيشجعني جدا، و بعد سنة أخيراً أهوه هشارك في القبض علي الراجل اللي دمر أجيال بمخدراته و بيضيع تراث و آثار البلد علشان الفلوس، حتي الناس الغلابة مش بيسلموا منه و من أذيته.

تحدث معتصم و هو ينظر في المرآة أمامه يطمئن علي القوة خلفهما:
- للدرجادي مهتمة بالراجل ده و قضيته، خدي بالك الراجل ده مش سهل يعني ممكن يخرج من السجن و يلبسها لأي حد تاني ده عنده محاميين بعدد شعر راسه و يعرف قضاة و مستشارين الراجل ده مصيبة
أنتفضت زينة بفزع و تحدثت:
- مستحيل يخرج من السجن طول ما انا عايشة، مش هسمح أن حد يقدر يساعده و يقدر يخرجه أصلا لا بثغرات القانون و لا بالواسطة و المعرفة.

نظر لها بتعجب من هوسها بخالد الدهشوري و أردف:
- أنتي كويسة؟

أومأت برأسها بهدوء ثم عادت برأسها نحو النافذة لتسمح للهواء البارد بالدخول الي صدرها لعله يهدأ النار بداخله من حقدها و كرهها لهذا الفاسد، ظلت سنوات لا تفكر سوي بالانتقام من خالد الدهشوري حتي أصبح هوس بالنسبة إليها أن تنهي حياته، كيان كامل تعيش بداخله منذ سنوات، كيان فاسد و قذر يحيطها من كل جانب، كيان تكرهه و تكره كونها من الممكن أن تتنفس هواء هو يتنفسه، كيان يسمي خالد الدهشوري .

أرتفع صوت معتصم قائلا:
- هجوم
ليهجم الجميع من كل مكان محيطين بالسيارات و معهم زينة التي تمسك بكاميراتها تصور ما يحدث، أقترب معتصم من مساعد خالد الدهشوري الشخصي عدلي و هو يضع الأصفاد في يده خلف ظهره و سأله:
- الشحنة دي بأسم مين و فين ورقها؟
أجابه عدلي ببرود شديد و هو ينظر الي سيارته قائلا:
- الشحنة بأسم مستشفي الأستاذ خالد الدهشوري و ورقها في عربيتي السودة.

تعجب معتصم من بروده، و لكنه أتجه نحو سيارته و وجد كل الأوراق الرسمية التي تثبت أن هذه الشحنة ملك لخالد الدهشوري، و دقائق و أقترب منه رئيس القوة قائلا برسمية شديدة:
- ملقناش حاجة يا فندم
نظر له معتصم بصدمة و ردد خلفه:
- يعني ايه ملقتوش حاجة؟
- الشحنة دي أدوات طبية و أدوية يا فندم بس مفيش حاجة تانية و الكلاب كمان مش لاقية حاجة
نظر معتصم الي عدلي الذي ينظر له ببرود و قد أرتسمت شفتيه بإبتسامة سخرية.

كانت تمسك بكاميراتها و هي تسير خلف الضباط و اللذين يفتحون كل الكراتين و العلب آملين أن يجدوا ما يريدونه و لكن كانت كلها أدوات طبية و بعض الأدوية، نظرت بعدم تصديق، ثم أتجهت بكاميراتها نحو الكلاب التي تسير في يد بعض الضباط و لا تصدر أي صوت، العربات خالية تماماً من أي مواد مخدرة، و قد أخبروا رئيسهم بما حدث، لتغلق كاميراتها و تجلس بعيداً علي الأرض في يأس و صدمة مما حدث، كانت متأكدة تماماً مما وجدته في أوراقه و من معلوماتها، هذه الشحنة جاءت مع مواد مخدرة، ما الذي يحدث الآن؟!

نظرت أمامها لتجد معتصم يقترب منها و يجلس أمامها علي ركبتيه مردفاً:
- قاعدة كده ليه هدومك أتبهدلت، قومي أقفي؟
نظرت له بعينين يتخللهما الدموع و أردفت:
- ملقوش حاجة في العربيات
مد يده لها و وقف و أردف:
- عرفت، هاتي إيدك
نظرت الي يده ثم نظرت اليه من جديد و سألته و هي تمد يدها لتمسك بيده:
- الورق اللي معانا ميدينوش بأي حاجة
هز رأسه بالنفي و هو يسحبها لتقف و أجابها:
- للأسف لا و الا كنا قبضنا عليه بيه.

أبتعدت عنه و أزالت يدها من يده لتبتعد تماماً عن المكان، فتحدث معتصم الي الجميع:
- يلا بينا نمشي
أقترب أحد الضباط منه فتحدث معتصم بصوت هامس:
- خليك هنا مع 2 كمان لحد ما نشوف هيعملوا ايه
- تمام يا فندم.

مرت ساعتان و هي تسير الشوارع تبكي بحزن علي ما حدث معها، ضاعت كل أحلامها، مازال خالد حر يفسد في الأرض كما يشاء، لا بد أنه قد علم بالأمر، فغير خطته بالكامل، لحظة واحدة، لقد كشف أمرها! لابد أنه علم الآن من هي و سوف يتخلص منها، أخرجت هاتفها في سرعة و أتصلت علي رقم معتصم بسرعة فهو الوحيد القادر علي أن ينقذها في أي وقت، و لكن ما أن ضغطت علي رقمه حتي وجدت من يسحب الهاتف من يدها و يلقيه خلفه ليسقط علي الأرض و تبدلت لون شاشته الي عدة ألوان مشوشة.

نظرت زينة خلفها برعب فوجدت عدة رجال كلاً منهم يحمل عصا خشبية غليظة فتحدثت و القلق ينهش قلبها و هي تتمسك بقوة بحقيبتها:
- عايزين ايه؟!
ليتحدث كبيرهم و هو يضرب بعصاه علي باطن يده و بإبتسامة تشق شفتيه تُظهر نواياه الخبيثة:
- الباشا بيقولك بطلي تلعبي بديلك و تدوري وراه، و دي قرصة ودن.

هبطت عصاه الغليظة علي قدمها لتصرخ و تقع علي الأرض بوجع شديد ليقترب باقي الرجال منها و بدأوا في ضربها بإستخدام عصاياهم تارة و بإستخدام أقدامهم تارة أخري و تتعالي صراختها حتي شعرت بتخدر في جميع أنحاء جسدها و أن روحها تصعد من جسدها و قد بدأت تتقيئ دماء، ثم أشار أحدهم للباقيين فركضوا جميعاً هاربين من المكان تاركين تلك المسكينة في نصف وعيها و قد كُسِّرت عظامها و تكاد تخرج روحها من جسدها، حاولت أن تتحرك لتصل إلي هاتفها و لكن لم تتمكن من ذلك، بكت و هي تتمني أن تموت أو تفقد وعيها حتي تتخلص من هذا الوجع و لكن لم يحدث أياً من الأثنين و كأن قدرها قد كتب لها أن تتعذب نفسياً و جسدياً في هذا اليوم.

في قسم الشرطة
كان معتصم يجلس علي مكتبه فوجد هاتفه يظهر أسم زينة، فأجابها و لكن سمع صرخاتها فأنتفض عن كرسيه مردفاً بقلق:
- زينة، زينة في أيه؟! ألو
و لكن لم يحصل علي إجابة سوي صرخاتها، فأسرع لأحد زملائه و دلف الي مكتبه دون أذن مردفاً:
- سعد، بسرعة شوفلي فين مكان الرقم ده بسرعة
أعطاه الهاتف ليتحدث سعد بقلق:
- في ايه يا ابني قلقتني؟!
- من غير كلام يا سعد يلا.

كتب سعد الرقم علي حاسوبه و خلال دقائق كان قد ظهر العنوان علي شاشة الحاسوب، ليسحب معتصم هاتفه من يد سعد ثم غادر المكتب بسرعة و أنطلق بسيارته نحو العنوان.

اقترب معتصم من زينة الملقية علي الأرض و ما زالت واعية، رفع رأسها عن الأرض و تحدث و القلق ينهشه:
- زينة، زينة في أيه؟!
بكت زينة بين يديه ثم تحدثت بصعوبة بالغة:
- خالد عمل كده
مرر يده علي خصلاته قائلا بهدوء:
- أهدي و متتكلميش انا طلبت الأسعاف و زمانهم علي وصول
- متكلمش بابا ولا ماما
أومأ برأسه موافقاً و هو يضع يده علي خدها مردفاً:
- حاضر هعملك اللي انتي عايزاه بس أهدي.

صمتت زينة، و مرت دقيقة جاءت بها الأسعاف و أسرعوا في نقل زينة الي المستشفي و أنطلق معتصم ورائهم في سيارته.

قبل تسعة و عشرين عاما.

أنتهت جنات من عملها داخل الفندق لتذهب لحمام السيدات و غيرت ملابس عملها و أرتدت فستانها البسيط باللون الأصفر، ثم غادرت الفندق متجهة نحو منزلها و لكن في طريقها وجدت طفلة رضيعة علي قارعة الطريق، ركضت نحوها بسرعة و حملتها بين يديها، ثم خلعت الشال من علي كتفيها لتضعها بداخله و هي تحاول أن تهدأها فلقد كانت الصغيرة تبكي بهستيريا و بدون توقف، ضمتها الي صدرها و قد بدأت تشعر بالبرد ثم تحسست رأس الطفلة فوجدت درجة حرارتها عالية للغاية، شعرت بالقلق الشديد عليها و أتجهت بسرعة الي أقرب مستشفي سيراً علي قدميها، و لكن دقائق و وجدت من يقف بسيارته جوارها نظرت لتجده كامل الذي هبط من سيارته و أتجه إليها قائلا:.

- في ايه يا جنات؟!
نظرت الي الصغيرة بحزن شديد و أردفت:
- لقيتها علي أول الطريق و جالها سخونية رايحة بيها علي المستشفي
مد يده ليحمل الطفلة عنها مردفاً:
- طب هاتيها و أركبي هنروح علي مستشفي والدي أسرع بالعربية
نظرت ليده الممدودة بتردد فأكمل كامل مشجعاً:
- يلا يا جنات الوقت أتأخر مش هنلحقها و الجو برد علي البنت.

وضعت الصغيرة بين يديه ثم صعدت الي سيارته و صعد هو بجوارها و في يده الصغيرة ثم أشار للسائق مردفاً:
- أطلع علي المستشفي
أنطلق السائق بسرعة نحو المستشفي ثم نظر كامل الي معطفه علي الكرسي الأمامي و أردف:
- ألبسي ده يا جنات الجو برد عليكي
سحبت المعطف بتردد و لكن تغلب علي خجلها البرد و أرتدت المعطف و قد شعرت انها بداخل حضنه و أنه يحتويها و ليس معطفه فقط.

و خلال دقائق كانا قد وصلا الي المستشفي ليهبط كامل في البداية و جنات خلفه ثم سلما الطفلة الي الطبيبة و تحدث كامل:
- طمنينا عليها لو سمحتي
- حاضر يا استاذ كامل.

ثم تركتهم الطبيبة لتدخل الي غرفة الكشف برفقة الصغيرة و التي قد هدأت بعد أن حملها كامل، فأبتعدت جنات قليلاً عن كامل و أستندت بجسدها علي الحائط في إنتظار الطبيبة لتخرج و هي تضم ذراعيها الي صدرها، فنظر لها كامل و هو يتعجب فهي ليست علي ما يرام، فلقد مال لون بشرتها الي الأصفر و يشعر بإرتجافها، فأقترب منها و لكنها لم تشعر به فلقد كانت شاردة في عالم آخر، وضع كامل يده علي كتفها لتنتفض فأبتعد هو بسرعة مردفاً:.

- مالك يا جنات؟ أنتي تعبانة؟
حاولت أن تبتسم، فظهرت أبتسامة مزيفة علي شفتيها كان قد كشف بها كامل حقيقتها فأردفت:
- لا أنا كويسة
أقترب كامل منها مرة أخري و أمسك يدها بقوة بين يديه، فنظرت هي بتلقائية الي يديه التي تضم يديها بين يديه، ولكنه لم يأبه لنظراتها و سألها:
- متكدبيش أنتي في حاجة مضايقاكي.

أستسلمت جنات لضعفها بالكامل و شددت علي يديه التي تمسك بيدها مما أثار دهشته و لكن ما زاد دهشته هي دموعها التي هبطت من عنينيها بدون إنذار فأردفت:
- البنت اللي جوه دي صعبانة عليا، أهلها رموها في الشارع كانت بتعيط جامد أوي و كانت بردانة و دلوقتي لما تبقي كويسة لازم تخرج من هنا، و أنا مش هقدر أخدها معايا علشان ماما مش هتوافق و مش هقدر أحطها في دار أيتام و أسيبها هناك معرفش ممكن يحصل فيها ايه.

سحبها من يدها لتقترب أكثر منه ثم مسح دموعها بأنامله ناظراً في عينيها بحنان مردفاً:
- أهدي متعيطيش، أنا هاخدها معايا البيت و هاخد بالي منها و وقت ما تكوني عاوزة تشوفيها و تطمني عليها تعالي أكيد مش همنعك، ممكن تهدي بقا.

هزت رأسها بالموافقة لتحاول أن توقف دموعها و تهدأ من رجفة جسدها و هي تتمسك أكثر بيديه ليضمها الي صدره و يلف أحد ذراعيه حول كتفها و الأخري وضعها علي رأسها التي وصلت الي رأسه، فأمسكت هي الأخري بقميصه بقوة تحاول أن تستمع بدفء صدره حتي سكنت تماماً بين يديه.
و بعد دقائق تذكر كامل أمر خطبتها من رجل أخر فأبعدها عنه بهدوء و أردف:
- أسف نسيت أنك مخطوبة بس كنت عاوز أهديكي
رفعت يدها أمام عينيه و تحدثت:.

- مبقتش مخطوبة
ثم نظرت الي صدره و أكملت:
- ممكن أرجع هنا؟!
أبتسم كامل و قد شعر أن قلبه يكاد أن يقفز من صدره، ثم سحبها بقوة لتصطدم رأسها بصدره و ضمها بقوة من شدة فرحته و كذلك هي ضمته اليها بقوة، و مرت دقيقة فسألها كامل بحنان:
- طب و بعدين؟!
رفعت نظرها لتنظر في عينيه و أجابته:
- خلي بعدين لوقته، خلينا في دلوقتي.

وضع يده بجوار أذنها ليرفع خصلاتها ثم هبط برأسه نحو وجهها فأغمضت عينيها في أنتظار قبلته و لكن خرجت الطبيبة فأبتعد كامل عن جنات بإحراج، ثم حمحم مردفاً:
- خير يا دكتورة طمنيني؟!
- أنا أديت ليها دوا و هتكون كويسة إن شاء الله أتطمنوا، بكره الصبح هنعيد الكشف تاني نتطمن عليها و لو بقت كويسة هتقدروا تاخدوها، بس يا ريت تاخدوا بالكم منها كويس و لازم ترضع علشان تتغذي دي لسه مولودة.

نظرت جنات الي كامل بقلق فكيف سيتعاملا مع هذا الأمر و لكن تحدث كامل بإبتسامة الي الطبيبة:
- تمام، شكرا يا دكتورة
- العفو يا استاذ كامل ده شغلي و مبروك علي البيبي مكنتش أعرف أن مدام حضرتك ولدت
نظرت جنات بإحراج مرة أخري الي كامل الذي أبتسم مردفاً:
- الله يبارك فيكي شكراً
غادرت الطبيبة المكان، فتحدثت جنات:
- هنعمل أيه مع البنت!

- مش لازم تشرب لبن طبيعي يعني، أنا هجيب ليها دادة تراعيها و تاخد بالها منها و تشرب لبن عادي أو صناعي متقلقيش هاخد بالي منها كويس
أومأت برأسها بتفهم، فتحدث كامل:
- يلا ندخل نشوفها
أمسك بيدها و دلف بها الي الغرفة ناظرين الي تلك الجميلة التي تنام في سكينة علي الفراش.

الآن
في المقطم شارع رقم 9.

بداخل العمارة التي يسكن بها عزيز و زوجته حسناء، كانا يجلسان طوال الليل في المنزل ناظرين الي الساعة، لقد تأخرت زينة كثيراً و لا تجيب علي هاتفها، و سأل عنها في الجريدة و لكن أخبره عادل أنها لم تأتي منذ الليلة الفائتة و لكن لا بد أنها تعمل علي التحقيق، بينما في الناحية الأخري، أتصل عادل برئيس معتصم في العمل و أخبره بإختفاء زينة، و الذي بدوره أتصل علي معتصم ليعرف منه مكان زينة خاصةً بعد فشل عملية البارحة، فأجابه معتصم بإيجاز:.

- زينة يا فندم أتعرضت أمبارح لإعتداء بالضرب و جبتها علي مستشفي المقطم التخصصي و رفضت تماماً إني أقول لحد من أهلها، و مستنيها تفوق علشان أقولهم
- تمام يا معتصم
أغلق الرئيس معه الخط ثم أتصل بعادل و أبلغه ما عرفه و الذي بدوره توجه بسرعة الي المستشفي ليطمئن علي تلك المسكينة التي لم تكمل شهر في هذه الجريدة و قد تعرضت الي أعتداء، و ما أن وصل حتي وجد شاب يقف أمام غرفة الكشف الخاصة بها فسأله:.

- أنت معتصم؟!
نظر له معتصم بإستغراب و لكن أجابه:
- أيوه، مين حضرتك؟!
- أنا عادل رئيس تحرير جريدة منارة الحقيقة
مد معتصم يده و صافحه بإبتسامة مزيفة و أردف:
- أهلا و سهلا بحضرتك
- أهلا بيك، الدكتور قال ايه علي حالة زينة؟!
أعاد معتصم نظره الي الزجاج الشفاف الذي تظهر من خلفه زينة علي الفراش ممدة و الأجهزة حولها من كل مكان و قدمها مجبرة، و أجاله:.

- فضلت في العمليات لحد الساعة 7 الصبح يعني من ساعة تقريباً، الدكتور بيقول كانت جاية بتموت بس ربنا سترها، حصل ليها نزيف داخلي شديد بس قدروا يسيطروا عليه و يوقفوه، و زي ما انت شايف رجليها اتكسرت غير الكدمات اللي في إيديها و رجليها و جسمها كله، و راسها اتفتحت بس خيطوها بغرز تجميلية.

نظر عادل الي زينة بشفقة و شعر أن قلبه يتمزق فهو قد تعرف عليها منذ ما يقارب عشرة أيام و لكن أعتبرها أكثر من مجرد أبنة و وجد بها نفسه القديمة الشغوفة التي وصلت الي ما وصل اليه حالياً، أخرج عادل هاتفه ليتصل بعزيز فنظر له معتصم و سأله:
- حضرتك بتتصل بمين؟!
- أهلها لازم يعرفوا حتي لو هي مش موافقة، مش هينفع نقلقهم عليها اكتر من كده.

أومأ معتصم برأسه موافقاً ثم أعاد أنظاره نحو زينة في حين أتصل عادل بعزيز و أبلغه بما حدث لها.

في مستشفي المقطم الساعة 11: 00 ظهراً.

فتحت عينيها بتعب شديد و هي تشعر بتخدر في جميع مناطق جسدها، و لكن سرعان ما أغمضت عينيها بسبب قوة الضوء، و عادت تفتحهما و تغلقهما عدة مرات حتي أعتادت عينيها علي الضوء و لكن ما زالت الرؤية مشوشة و قد أحتلها بعض السواد ربما من أثر المخدر، وجدت شخص ما أمامها يرتدي زي باللون الأبيض، أمعنت النظر لتجد كريم يقف أمامها ممسكاً بالكشف الخاص بها، ثم أخرج إبرة و وضع بها بعض الدواء ثم وضعها في المحلول الذي يصل الي عروقها عن طريق إبرة أخري، نظر لها فوجدها قد فتحت عينيها فتحدث:.

- حمد الله علي السلامة يا أنسه
تحدثت بعد بعض الصمت بسبب إلتهاب أحبالها الصوتية أثر صراخها الليلة الماضية، فخرج صوتها متحشرج و بالكاد سمعه كريم:
- مكنتش عاوزة أروح جهنم
سمعت صوت ضحكات خافته علي جانبها الآخر لتجد الممرضة، فعادت نظرها الي كريم الذي هبط الي مستواها و نظر لها قائلا:
- حتي و انتي مكسرة و بتموتي لسانك ده عايز قطعه أديكي حقنة فيها سم علشان أخلص منك.

ضحكت بخفة و هي تشعر بألم أثر أتساع شفتيها بإبتسامة، و لكنها أردفت:
- مبموتش بسهولة أنا
أعتدل كريم و هو يشير الي الممرضة التي أمسكت بمنديل ورقي و بدأت في مسح وجه زينة و رقبتها من العرق في حين أردف كريم:
- أنتي هتقوليلي، ده انتي واكلة علقة مخدهاش حمار في مطلع و لسه فيكي حيل تهزأي الناس، بطلي كلام بقا علشان الكلام هيتعبك
تجاهلت كلماته، و عادت لتتحدث من جديد و هي تسأل:.

- مين اللي هنا؟! حد من أهلي عرف؟
هز كريم رأسه و هو ينظر لها بنفاذ صبر ثم أجابها:
- أه، أهلك بره من الساعة 8 الصبح و والدك خلاني أنا اتابع حالتك، و معاهم واحد كده طويل و عنده دقن و قمحاوي
قاطعته بإبتسامة مردفة:
- معتصم
أومأ برأسه و هو يضع السماعات في أذنه، ثم وضع نهايتها علي صدرها مردفاً:.

- تقريباً هو، بطلي كلام بقا و جاوبيني بإشارة بس علشان أنتي أحبالك الصوتية ملتهبة و محتاجة فترة علشان ترجعي تتكلمي تاني و كل ما بتتكلمي بتضريها أكتر، أسمعي الكلام، حاسة بوجع هنا.

في مدينة السادس من أكتوبر
بداخل غرفة كبيرة و متسعة تتوسطها منضدة طويلة جداً يجتمع حولها ثلاثة رجال و أمرأة وحولهم يقفون حراسهم الشخصيين، كانت الغرفة تتميز بالطابع الكلاسيكي الهادئ، بعض اللوحات في الصور علي الحوائط، و مدفئة منطفئة تعمل فقط في فصل الشتاء، بالإضافة الي حانة صغيرة بالجوار تمتلئ بزجاجات من المشروبات الكحولية بكل أنواعها يقف بها شاب يرتدي ملابس سوداء.

تحدث خالد الدهشوري و هو يقطع اللحم بسكينه الحاد في يده اليمني و شوكته في يده اليسري مردفاً:
- تأجيل الشحنة ده كان في مصلحتنا كلنا فمش عاوز حد يعترض
تحدث رجل أخر يرتشف من النبيذ الأبيض و يدعي أحمد:
- ده جه علينا بخسارة يا خالد فين المصلحة في خسارتنا وقت و فلوس
رفع خالد عينيه له ثم ترك السكين و الشوكة من يده و شبكهما ببعض مردفاً:.

- لأن فيه خدامة في البيت عندي أتواصلت مع صحفية و قدروا يوصلوا للورق بتاع الشحنة و عرفوا معادها و لولا الحظ اني مش حاطط الورق اللي يديني في الورق ده واني اكتشفت الخدامة و اللي حصل كان زمانا دلوقتي كلنا في السجن
تحدثت داليدا التي تجلس بجوار خالد بعد أن ابتلعت ملعقة من السلطة الخضراء قائله:
- و انت عملت فيهم أيه؟!
- صفيت الخدامة و أهلها، أما الصحفية فقرصت ودانها
نظر له علاء بتعجب و سأله:.

- و مقتلتهاش ليه هي كمان علشان نخلص؟
- قتلها ده هيخلي العين علينا لأنها هي اللي ودت كل المعلومات للبوليس، انما مجرد قرصة ودن مش هتقدر تدينا بكلمة و في نفس الوقت البوليس مش هيشك فينا
تحدثت داليدا بهدوء و هي تنظر الي علاء قائله:
- خلي حد من رجالتك يجيب كل المعلومات عن البنت دي و أهلها و الظابط اللي كان شغال معاها و أهله كمان في أسرع وقت.

في مستشفي المقطم التخصصي الساعة 12: 00 منتصف الليل.

أستيقظت زينة من نومها بقلق فتحت عينيها ببطء فوجدت الجميع بجوارها و النور يحتل المكان، و يقف والدها و في يده كعكة عيد الميلاد تزينها صورتها و شمعتان للرقم 27 و قد بدأ الجميع في إنشاد أغاني عيد الميلاد، و هي تتنقل بنظراتها بينهم، والدها يقف أمام سريرها مباشرة ممسكاً بالكعك و والدتها بجواره ممسكة بصندوق صغير مغلف بطريقة رائعة، ثم معتصم الذي يصفق بيديه ممسكاً بحقيبة رائعة باللون الفيروزي، ثم كريم الذي يمسك بباقة من الزهور باللون الأزرق، أبتسمت بتعب لهم جميعاً حتي أنتهوا من الغناء فأقترب منها عزيز بالكعكة قائلاً:.

- غمضي عينك و أتمني أمنية يا حبيبتي
أغمضت زينة عينيها و تمنت في داخلها أمنية، ثم فتحتهما و نفخت في الشمع لتنطفئ نيرانه، فأقترب عزيز من رأسها و وضع قبلة حانية عليها مردفاً:
- كل سنة و انتي طيبة يا أجمل نعمة ربنا انعم عليا بيها
رفعت يدها بتعب وضعتها علي يد والدها قائله بحب:
- و انت طيب يا بابا شكرا
نظر عزيز الي كريم و أردف:
- ممكن تساعدها تقعد ولا مينفعش.

وضع كريم الزهور علي المقعد جانبه ثم أقترب منها ليساعدها علي الأعتدال مردفاً:
- لا طبعا ينفع دي فيها حيل أكتر مني
ضحكت زينة بخفوت و هي تلف ذراعيها حول رقبة كريم الذي لف ذراعيه حول خصرها و أجلسها بهدوء علي الفراش و خلف ظهرها وسادة مريحة، فأردفت:
- أفضل جر شكلي كده لحد ما أبقي كويسة و أجيبك أنت مكاني.

أبتسمت حسناء و ضحك عزيز بصوت مسموع في حين كان معتصم يستشيط غضباً من قربهما الي هذا الحد و لكن حاول أن يكون طبيعياً، فأبتعد كريم و جلس عزيز بجوارها علي الفراش و أعطاها السكين قائلا:
- يلا قطعيها.

ألتقطت منه زينة السكين و بدأت في تقطيع الكعك و لكنها شعرت بشئ يعيق تقطيعها، فنظرت لعزيز بإبتسامة بلهاء و حيرة، ليرفع كتفيه بإستمتاع، ثم ألتقط طبق من حسناء و قدمه لها لتبعد تلك القطعة من الكعك و تضعها علي الطبق فوجدت علبة صغيرة بداخلها، سحبتها بهدوء حتي لا تفسد الكعك و فتحتها لتجد بداخلها مفتاح سيارة، نظرت لعزيز بعدم تصديق ثم أقتربت منه بعفوية و أحتضنته بقوة قائله:.

- ميرسي أوي يا بابا، أخيراً هتعلمني السواقة
ربت عزيز علي ظهرها في حنان مردفاً:
- كل سنة و انتي طيبة يا أميرتي
- و انت طيب يا حبيبي
أقتربت حسناء منها و قدمت لها الصندوق الصغير بيدها قائله بحب:
- كل سنة و انتي طيبة يا زينة
ألتقطت زينة الصندوق من حسناء و فتحته بفضول لتجد بداخله عقد يزينه الأحجار الكريمة فأردفت بدهشة:
- لالا مش معقول، مش ده عقد الأميرة علياء جدة جدتك يا ماما اللي كان عند حفيدها.

هزت حسناء رأسها بحب قائله:
- أيوه يا حبيبتي هو، مقدرتش أشوفك نفسك يكون عندك و مجبهوش، أنا عارفة أنك مش بتلبسي الأكسسوارات و انك عاوزاه تحتفظي بيه بس، فخدي بالك منه كويس لحد ما تجيبي بنوتة قمر زيك و تديهولها
هبطت دموع زينة و هي تتنقل بنظراتها بين حسناء و عزيز قائله:
- ربنا يخليكم ليا
أحتضنت الأثنان بحب شديد و قوة ليتحدث كريم بقلق:.

- بالراحة انتي متخيطة فأكتر من منطقة متقرطيش أوي لتدخلي العمليات تاني
أبتعدت حسناء سريعاً و أبعدت عزيز مردفة:
- لالا خلاص بعد الشر عليها
ألتقط كريم باقة الزهور و وضعها بين يديها قائلا:
- كل سنة و انتي طيبة يا أنسة زينة
ضحكت بخفوت قائله:
- و انت طيب ياللي معرفش انت أسمك أيه لحد دلوقتي بس بحب أتخانق معاك
ضحك كريم و عرفها عن نفسه:
- أنا كريم جاركم الجديد
نظرت له بصدمة و تحدثت:.

- أنت اللي جيت مكان الولية القرشانة اللي أسمها أسمهان؟! عرفت الأشكال دي منين؟!
- حظي بقاا معلش
قربت أنفها من الزهور و أغمضت عينيها براحة و هي تستنشقها قائله:
- ريحتها حلوه أوي، شكراً
فتحت عينيها لتجد علبة بيضاء بداخلها متوسطة الحجم، نظرت لكريم بتعجب، ثم سحبت العلبة لتفتحها و وجدت بداخلها هاتف جديد، نظرت له بدهشة فتحدث كريم بإبتسامة:.

- عرفت من الأستقبال أن موبايلك الله يرحمه و مش نافع تاني فجبتلك واحد تاني و نقلت خطوطك فيه
نظر له عزيز و أردف:
- بس ده كتير أوي
- ده ولا حاجة و الله، أعتبروها بداية حلوه أننا بقينا جيران
ربت عزيز علي كتف كريم بمحبة:
- انت بقيت واحد من العيلة مش جيران بس
أبتسم كريم بإحراج قائلا:
- ده شرف ليا يا أستاذ عزيز
أقترب معتصم من زينة التي عبست بوجهها قائله:
- جايبلي هدية حتي بعد ما المهمة باظت كلها.

ضحك معتصم بخفوت قائلا:
- أنتي خدتي حقك علي المهمة اللي باظت دي و أديكي في المستشفي مش هبقي أنا كمان عليكي، بس بصراحة دي مش مجرد هدية
نظر الجميع له بتعجب و عدم فهم لينظر معتصم الي عزيز قائلا:
- أستاذ عزيز، أنا ليا الشرف أني أناسبك و أطلب أيد بنتك زينة.

أحتلت الصدمة وجه الجميع في حين صعدت الدماء الي وجنتي زينة بخجل، فهذه المرة الأولي التي يتحدث بها شخص أمامها مع أبيها حتي يتزوجها، فلقد كانت ترفض الزواج قبل أن تري العريس أو أن تتعرف إليه أو تعرف علي الأقل أسمه، و لكن الآن ماذا ستقول؟ هي معجبة بمعتصم لا تستطيع نكران هذا، و يمكنها التعرف عليه أكثر أثناء فترة الخطوبة و تقرر وقتها أن كانت ستكمل معه أو لا.
أبتسم عزيز في وجه معتصم و أردف:.

- أنت شاب محترم يا معتصم و ألف مين تتمناك و انا معنديش مانع بس نعرف رأي زينة بردوا في الأول و الأخر القرار قرارها
نظر الجميع الي زينة، فتمنت أن تنشق الأرض و تبتلعها من شدة الخجل، فسألها عزيز:
- رأيك أيه يا زينة؟!
أمسكت بالوسادة البيضاء بجوارها و وضعتها علي وجهها و أردفت:
- محدش بيحط حد في موقف محرج كده خالص خالص
تحدثت حسناء بضحكة سعيدة:
- يبقي موافقة طالما مكسوفة و مقالتش لا مرة واحدة و خلاص.

تحدث كريم برغبة شديدة في إحراج زينة أكثر:
- لا نسمعها منها بقا مش كل يوم هنشوفها مكسوفة هي
أبعدت زينة الوسادة عن وجهها ثم ألقتها علي كريم الذي أمسكها بضحكة مسموعة و أردفت:
- ماشي يا رخم
تحدث معصتم بهدوء و هو يسألها عن رأيها:
- هاه يا زينة قولي موافقة؟!
هزت رأسها بخجل و أردفت:
- موافقة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة