قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الرابع

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الرابع

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الرابع

في المقطم شارع رقم 9
خرج كريم الي شرفة منزله علي صوت صراخ زينة في الهاتف علي معتصم في شرفتها التي تلتصق بخاصته، خرج و نظر لها و هو يستند الي السور و يكاد يفتح عينيه بصعوبة، أنتظر حتي أنتهت من مكالمتها ثم وضعت الهاتف بجانبها علي الأرجوحة و زفرت بضيق و هي تنظر الي قدمها المجبرة، ثم تحدث:
- هو أنتي علشان قاعدة في البيت و مش عارفة تخرجي هتقرفينا ولا ايه؟! أنا عايز أتخمد عندي شغل كمان ساعتين.

أمسكت بالتفاحة بجوارها علي طبق الفواكه و ألقتها عليه ليلتقطها و قضم منها قطعة قائلا:
- عمل ايه تاني علي الصبح كده؟!
نظرت الي الخاتم في يدها ثم تحدثت:
- من لما طلع الدبل في عيد ميلادي و لبسناهم و هو عاوز نعمل خطوبة
رفع كتفيه بتعجب و أردف:
- ما هو حقه؟ أمال أنتي عايزة أيه جواز علطول؟!
صرخت به هو الأخر و تحدثت:.

- حقه ايه انت كمان؟ انت مش شايف منظري؟! رجلي لسه مكسورة و جسمي كله علي بعضه مكسر و الكدمات في كل حتة، خطوبة ايه دي اللي عروستها متشلفطة كده
- خلاص يا ستي معاكي حق بس حاولي تفهميه بهدوء مش بالعصبية و الصوت العالي ده راجل و ميقبلش علي نفسه واحدة ست ترفع صوتها عليه
تقوس فمها و هي تنظر الي التفاحة في يده الذي أوشكت علي الأنتهاء قائله:
- أنت خلصت التفاحة بتاعتي.

نظر لها بدهشة ثم أتجه نحو الداخل مردفاً:
- أنا داخل اكمل نوم مش عاوز أسمع صوت عندي شغل
زفرت زينة بضيق مرة أخري، تكره جلوسها هكذا عاجزة لا تستطيع علي الأقل الذهاب الي عملها و أداء ما تحب، عادت بذاكرتها عندما جاءها الضابط في اليوم التي أفاقت به بعد العملية، و سألها عن من فعلها فأجابته أنهم قطاع طرق لا غير ورفضت أن تأتي بأسم خالد.

يجب أن تحسب خطواتها القادمة جيداً حتي تتمكن من إلقاء القبض عليه بمساعدة الشرطة، أمسكت بحاسوبها المتنقل خلفها و بدأت في الكتابة علي صفحتها المزيفة علي فيسبوك.

دروس الحياة مثل الطاقة النظيفة تماما لا تفني ولا تستحدث من العدم، دائما هناك دروس في الحياة، بعضها دروس قوية للغاية تصبح مثل صاعقة برق تهبط على عقولنا فتكون بنفس تأثير الصدمة، و لكن في النهاية إن واجهتنا تلك الصاعقة من جديد نعلم جيداً كيف نتعامل معها، أين نختبئ؟! و كيف!

مع مرور كل درس، و كل فترة يضاف جزء من النضج علي عقولنا، و جزء آخر من صدق الاحساس علي قلوبنا، وقتها نتمكن من جعل الفريسة تظن أنها الصياد، ثم وقتها نصبح نحن الصيادون و نصطادهم
ثم كتبت أسمها المستعار متمردة في نهاية المقال ثم ضغطت علي زر النشر لينتهي الأمر فأغلقت حاسوبها و جلست متنهدة و شاردة في مستقبها المهني و الأجتماعي مع معتصم.

في مطار القاهرة الدولي
خرج من بابه شاب يرتدي قميص قطني من اللون الأبيض و سروال قصير من اللون الأخضر الغامق، يرتدي حقيبة ظهر و قبعة سوداء، و ذراعه تحيط بكتف تلك الجميلة جواره التي ترتدي بنطال من خامة الجينز باللون الأزرق و قميص من اللونين الأحمر و الأزرق، و كلاهما يمسك بحقيبة سفر في يده، فأشار الشاب الي أحدي سيارات الأجري لتقف، ثم صعد هو و شقيقته بداخلها و تحدث:.

- المقطم يسطا شارع رقم 9 و من هناك هقولك الطريق
- حاضر يا أستاذ
ألتفت جاسر نحو شقيقته الكبري ريهام مردفاً:
- هنروح علي البيت علطول مش كده؟!
أبتسمت ريهام براحة شديدة و حماس و هي تفرك يديها مردفة:
- أيوه، أنا قولتلهم أننا لسه هنيجي كمان أسبوع.

أغلق معتصم الخط مع زينة بمشادة معتادة من أجل الخطبة، يريد أن يعلم الجميع أنها أصبحت خطيبته و أن دبلته قد زينت أصبعها و لكنها تصمم علي التأجيل، فتجبير قدمها يغطيه فستان طويل و كدمات وجهها يغطيها المكياج لمَ التأخير!
دلف إليه عبدالله صديقه و زميله في العمل و هو يحك رأسه بتفكير مردفاً:
- فيه عملية جديدة، جاهز ولا أيه؟!
أشار له معتصم ليجلس بتنهيدة متعبة و أردف:.

- أقعد أهوه حاجة تخرجنا من خيبتنا مع خالد الدهشوري لحد ما نشوفله حل و نقفشه متلبس و هنعمل كده بإذن الله
جلس عبدالله أمامه و أعطاه الملف مردفاً:
- كل حاجة في وقتها حلوه أهدي أنت بس و أتقل و خالد ده هنجيبه تحت رجلينا
ثم صمت للحظات و أردف مخبراً معتصم عن طبيعة المهمة هذه المرة:.

- بص يا سيدي فيه 2 طن سلاح جايين من لبنان عن طريق واحد أسمه مسعود الجبالي و هيدخلوا عن طريق البحر المتوسط، الشحنة جاية بأسم جاد الله جابر ده واحد عنده أراضي و أطيان في الصعيد و خصوصاً في سوهاج
نظر له معتصم بتعجب و أردف:
- يعني هتدخل من البحر المتوسط و المفروض توصل سوهاج، مسافة طويلة أوي ما بين الأتنين هيعملوها أزاي؟!

- بص يا سيدي أبن جاد الله جابر هو اللي هيعدي الشحنة من البحر للنيل و من النيل هتوصل لسوهاج، و طبعا كام واحد تقال هيساعدوهم و هياخدوا مبالغ محترمة
ضحك معتصم بسخرية و هو ينظر في الملف مردفاً:
- صعبانين عليَّا أوي بعد كل التخطيط ده علشان منعرفش و أحنا عرفنا قبل العملية أصلا، المهم هتكون يوم كام و فين نقطة التسليم بالظبط؟!
- هتكون بعد شهر من دلوقتي يعني يوم 29 أغسطس في النقطة دي.

سحب منه عبدالله الملف و فتحه علي خريطة مكبرة لمنطقة الدلتا و أشار الي دائرة حمراء صغيرة تحدد منقطة معينة قائلا:
- التسليم هيكون في المكان ده، مش هينفع نستناهم لحد ما يوصلوا لسوهاج، لازم من البحر للنيل
- تمام أوي شكلها هتكون عملية سهلة.

في أستوديو تصوير برنامج دقائق من الحقيقة
كان يجلس عزيز علي مقعده في منتصف المكان و أمامه الكثيرين وراء الكاميرات و تحدث:.

- جه لينا خبر قبل بدء الحلقة علطول، عن الدكتور خالد الدهشوري و مستشفياته الخاصة اللي أكتر من ضحية خرجوا منها بدون بعض أعضائهم و لكن كانت كل الأوراق المستشفي سليمة تماماً و تؤكد أن المرضي دول مضوا علي عمليات لإزالة بعض الأعضاء بسبب وجود تلف فيها و فيه منهم أتبرع لأحد مرضي الكلي و الكبد، و في نفس الوقت فيديوهات للمرضي يصرخون بها مستغيثين بالمسئولين لجلب حقوقهم، فهل مستشفيات الدكتور خالد الدهشوري فاسدة و تتاجر بأعضاء المرضي أم أن كل ما يحدث هو من أجل إجلاب بعض الشوشرة علي سمعة الدكتور خالد من أعداؤه، و لو كان لأ، الناس دول هيلاقوا اللي يرجع ليهم حقوقهم ولا هنمشي تبع الجملة الشهيرة اللي كلنا عارفينها القانون لا يحمي المغفلين هيتم عرض الفيديوهات حالياً و هنطلع فاصل صغير و نرجع لحضراتكم تاني خليكم معانا.

ليصدر صوت محمود ليملأ الأستوديو قائلاً بعد ثواني:
- كاات
أقترب محمود من عزيز و أقتربت معه فتاة لتعطيه بعض الماء بالإضافة الي فتاة آخري تقوم بإضافة إضاءة الي وجهه عن طريق المكياج، ثم تحدث محمود بإبتسامة:
- كده ولعنا الدنيا خلينا نشوف خالد بيه الدهشوري هيسكت علي الكلام ده ولا لأ؟!

- مستحيل يسكت و هيحاول يبرأ نفسه بأكتر من طريقة و أنا كمان مستحيل أسكت و هثبت أنه راجل فاسد و خلينا نشوف هيبرأ نفسه أزاي بعد الفيديوهات و المستندات اللي لقيناها
سأله محمود بحيرة:
- طب أنت ليه مرضتش تتكلم عن المستندات دي دلوقتي.

- لأنه دلوقتي هيكون في مرحلة القلق و هيتصرف بغباء و لو كنا جبنا سيرة الورق ده هياخد أحتياطاته من ناحيته، فنستني غباؤه و اللحظة المناسبة اللي نطلع فيها الورق ده و الورق التاني اللي لسه هنوصله.

كان صراخه يهز أركان القصر و خرجت داليدا من غرفتها في قلق و هبطت الي الأسفل لتجلس بجواره و سألته في قلق:
- في ايه يا خالد مالك!؟
أمسك بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز ثم فتحه و بدأ في التنقل بين عدة قنوات حتي وصل الي مبتغاة، ليجد عزيز علي الشاشة أمامه، فأشار إليه و تحدث بغضب شديد:
- الحيوان ده هيودينا في ستين داهية، ده أنا هنهيه من علي وش الأرض هو و بنته.

نظرت له بعدم فهم ثم مررت يدها علي كتفه بهدوء و أردفت:
- أهدي كده بس، مين ده و عمل أيه عصبك كده و مالها بنته؟!
- ده أسمه عزيز مذيع الزفت البرنامج ده، فوزي قالي أنه جايب فيديوهات لمرضي بيقولوا أنهم أتسرق منهم أعضاء و عملوا شكاوي كتير و الموضوع قالب الدنيا، أما بنته فهي نفس البنت اللي عرفت معاد شحنة المخدرات و كانت مع البوليس
أمسكت داليدا بهاتفها و تحدثت الي أحمد مردفة:.

- أحمد البنت اللي أسمها زينة عزيز اللي بلغت عن شحنة المخدرات جبت إيه أخبار عنها؟!
- لسه يا داليدا الموضوع طلع صعب و مش صغير، أبوها و أمها مش عارف أوصل لأصل أي حد فيهم و ده لو كان ليه معني، فهو أنهم ضاربين بطايق مزورة و عايشين بيها
نظرت الي خالد بتعجب الذي تحير من نظراتها و تحدثت:.

- لا طبعا أكيد فيه حاجة غلط، لو كانو عايشين ببطاقات مزورة يبقي كان زمانهم أتقفشوا من زمان دي صحفية و باباها مذيع، دور تاني يا أحمد
- أنا مش ساكت يا داليدا و هجيب الموضوع من أوله متقلقيش
أغلقت داليدا الهاتف مع أحمد و تحدثت الي خالد و أخبرته بكل ما قاله أحمد فتحدث خالد بتعب:
- منهم لله، كنت عاملك بكره مفاجأة و أهم عكروا مزاجي
أقتربت منه بجشع شديد قائله:
- مفاجأة إيه يا خالد؟!

- كنت هكتبلك الفيلا اللي في الساحل و اللي في التجمع الأول و الرابع بأسمك و كمان عمارات دمنهور و الزقازيق
تحدثت بفرحة شديدة مردفة:
- بجد يا خالد
ضمها خالد الي صدره مردفاً بحب:
- بجد يا حبيبتي، أنتي الدنيا كلها مش خسارة فيكي، قومي بقا البسي نخرج نفرفش شوية بعد النكد ده
- ثواني و هكون جاهزة
أبتعدت عنه و أتجهت الدرج صعدته مسرعة و منه الي غرفتها، بينما ألتقط خالد هاتفه و أتصل بفوزي الذي أجابه سريعاً:.

- ايوه يا فندم
- عايزك تجهزلي أوراق بيع و شراء للمستشفيات مني لداليدا، و تكون بتاريخ قديم علي قد ما تقدر علشان أي مصيبة تكون تحت مسئوليتها هي تمام
- تمام يا خالد بيه، بكره الصبح هيكون الورق عندك.

قبل تسعة و عشرين عاما
في فندق سميرميس، أقتربت جنات من غرفة كامل و دقت الباب بهدوء ليفتح هو بإبتسامة و هو يحمل الصغيرة بيده قائلا:
- عايدة كانت مستنية مامتها من بدري، بقي ينفع تتأخري عليها في يوم زي ده
أبتسمت جنات و أقتربت لتحمل الطفلة بين يديها قائله:
- غصب عني و الله، الشغل كتير أوي النهاردة علشان حفلة عيد الأم.

أغلق كامل الباب، بينما أتجهت جنات الي الفراش و جلست عليه و هي تهز الطفلة بين يديها و هي تداعبها بإصبعها في شفتيها و خديها و رقبتها لتظهر ضحكة جميلة بين شفتي الصغيرة، فتحدث كامل:
- طب متتأخريش تاني عليها هي مش علطول هتسامحك
أتجه كامل الي طاولة بجوار الفراش و أمسك بهدية ملفوفة بورق ملون جميل و أعطاها إليها بحب قائلا:
- دي هدية عايدة لمامتها.

أرتسمت إبتسامة جميلة علي شفتي جنات، التي ألتقطت الهدية و وضعتها جوارها و هي تضع قبلة صغيرة علي خد الصغيرة قائله بنبرة طفولية:
- حبيبة قلب ماما من جوه
ألتقطت آخري علي الطاولة و أعطاها لها قائلا:
- ودي هدية بابا لماما و بيقول ليها كل سنة و انتي طيبة يا أحلي ماما في الدنيا
أبتسمت جنات بخجل و ألتقطت منه العلبة الصغيرة قائله:
- و انت طيب يا كامل
ألتقط منها الصغيرة و تحدث بحماس:
- أفتحي الهدايا يلا.

أمسكت بهدية الصغيرة التي أحضرها كامل و فتحها ليجد فستان بسيط و لكن يظهر أنه بمبلغ كبير و قد راق لها كثيراً و أعجبها، فتحدثت جنات:
- حلو أوي أوي يا كامل، بس شكله غالي أوي
تحدث كامل بحنان شديد مردفاً:
- ده لأن عايدة بتحب ماما أوي و شايفة أنها غالية جداً عليها قررت تجيب حاجة غالية رغم انها عارفة أن كنوز الدنيا كلها متكفيش ماما
أخفضت جنات عينيها بخجل شديد من كلماته و لم تتحدث، فأكمل كامل بحماس:.

- يلا أفتحي الهدية التانية
أمسكت بالعلبة الصغيرة و فتحتها لتجد خاتمان زفاف في غاية الروعة، بينما شعرت بكامل يقترب منها فوقف أمامها مباشرة و تحدثت:
- تتجوزيني يا جنات.

جلس جاسر علي الأريكة و بين قدميه طبق من العنب و ألتقط حباته بين شفتيه بسرعة و هو يتابع والده علي التلفاز، بينما تجلس زينة علي كرسيها المتحرك و هي تنصت الي والدها باهتمام، و بجانبهما تجلس حسناء و علي قدمها تضع ريهام رأسها و تلعب حسناء في خصلاتها و هما يتابعان حديث عزيز، ثم صفق جاسر بيديه قائلا:
- الله عليك يا بابا يا جاامد، إيديهم ياكش يولع هو اللي زيه
تحدثت حسناء بقلق شديد:.

- ايه اللي عملته ده بس يا عزيز ليه كده؟!
نظرت لها زينة بتعجب و سألتها:
- أنتي زعلانة يا ماما أن بابا بيحاول ياخد حق المظلومين و حقي من خالد
- يا بنتي و الله نفسي الدنيا تنضف من أشكالهم دي، بس كده أبوكي ودي نفسه في داهية، خالد مش هيسيبه.

قبل تسعة و عشرين عاما
ظهرت جنات بين الخادمات في الحفل مرتدية زي العمل، تقدم الطلبات في كل مكان و تعلو وجهها إبتسامة جميلة، و تخطف نظرات نحو كامل كل فترة، و تتذكر طلبه للزواج منها منذ ساعات، و موافقتها و لكن إصرارها علي التأجيل قليلاً حتي تتحدث مع والدتها و حتي يمهد هو الحديث لوالديه، رأته يشير لها بيده و هو يجلس مع أصدقائه و زوجاتهم و والديه، فجائتهم مسرعة، فتحدث كامل:.

- هاتيلي الصندوق اللي في أوضتي يا جنات بعد أذنك
أومأت برأسها بتفهم و تحدثت بإبتسامتها اللطيفة:
- حاضر يا أستاذ كامل
تركتهم و غادرت المكان، فتحدث مراد والد كامل بشك:
- غريبة أوي أنك قريب من البنت دي أوي و في كل حفلة تقريباً محدش بيقدم المشروبات لينا غيرها و بتجيب ليك أكتر من حاجة و تعرفوا أسامي بعض
نظر مراد الي والده و هو يعلم ما الذي يدور برأسه، فأجابه بنفس طريقته قائلا:.

- و هي مش زينب في البيت بردوا بتعمل لحضرتك كل حاجة ولا ايه؟!
- أنا فاهم قصدك ايه، بس انا راجل متجوز و كبير جدا في السن عنها، بس انت و جنات لأ، لازم توضح ليها أنها مش أكتر من مجرد حد أنت واثق فيه بيدخل أوضتك يجيب حاجة أو بيقدم مشروبات.

نظر كامل لمراد بعينان تملؤها الغموض و صمت في إنتظار وصول جنات التي وصلت بعد لحظات و بين يديها صندوق مغلف بورق ملون يخطف الأنظار، فألتقطها منها كامل و قدمها الي رقية والدته بحب قائلاً:
- كل سنة و انتي طيبة يا أحسن أم في الدنيا
أخذتها منه رقية بسعادة و حنان، فأمسك كامل بيدها و قبلها بإحترام ثم عانقها بلطف، فربتت رقية علي ظهره قائله:
- و انت طيب يا أحلي أبن في الدنيا.

في وسط تلك الأجواء أقترب مصطفي و دليدا من الطاولة متأخيرن كعادتهما، و جلسا و ألقوا السلام علي الجميع، فنظر مصطفي الي جنات من رأسها الي أخمد قدميها بإعجاب ثم تحدث:
- أزيك يا جنات، جنات بردوا مش كده؟!
نظر الجميع له بتعجب من تصرفه، ثم حاولوا تجاهلوا الموضوع فيما عدا ثلاثة جنات، كامل، داليدا ، و لكن حاولت أن تظهر طبيعية و أجابته بحدة شديدة ظهرت في نبرتها مردفة:
- الحمدلله يا أستاذ، شكراً لسؤالك.

وجهت أنظارها نحو كامل و سألته مكملة:
- محتاج حاجة تانية يا أستاذ كامل
نظر الي مصطفي الذي يركز في كل تفاصيلها ثم تحدث بصوت مرتفع قليلاً:
- لا يا جنات روحي أنتي شوفي شغلك
رحلت جنات علي الفور متجهة نحو المطبخ الملحق بالحديقة لتجهيز الطلبات، فتحدث مصطفي و هو يضع يده في معطفه و يتحسسه قائلا:
- أنا نسيت السيجار بتاعي في العربية، هروح أجيبه و أرجع علطول
أمسكت داليدا يده بحدة و أردفت:.

- أتصل بحامد السواق يجيبه ليك يا مصطفي مش لازم تروح أنت
نظر الجميع إليهما، فالكل علم لمَ فعلت داليدا هذا، فأحاط مصطفي كتفي داليدا في محاولة لتخفيف الموقف قائلا:
- حبيبتي، متقدرش تستغني عني أبداً
أمسك مصطفي بيدها و قبلها لتبتسم داليدا بمجاملة، في حين يقترب منهم خالد و جلس بجوارهم قائلا:
- أسف جداً علي التأخير، أنا جاي من المطار علي هنا علطول
ربت أحمد علي كتف خالد بمرح قائلا:.

- أه طبعاً من المطار علي هنا علطول مش كده يا محمود
تعالت ضحكات الجميع ليبعد خالد يد أحمد عنه قائلا:
- بطل رخامة يا سخيف
أمسك خالد بكأس من الكحول و أبتلعه بسرعة فتحدث كامل:
- أسكر يلا و أحنا نتدبس فيك في الأخر
- معلش بقا صاحبكم أستحملوني.

و بعد مرور بعض الدقائق و قد تمكن الثمل من السيطرة علي عقل خالد، نظر بجواره فكان يجلس بين أحمد و داليدا، مد يده أسفل الطاولة لتستقر علي قدم داليدا، التي أنتفضت و حاولت السيطرة علي نفسها و هي ترسم إبتسامة رائعة علي شفتيها، ثم أمسكت بيد خالد و أبعدتها عن قدمها ثم وقفت و نظرت الي مصطفي قائله:
- حبيبي هروح التواليت أعدل المكياج أوكي
هز رأسه بعدم أهتمام مردفاً:
- أوكي روحي.

أتجهت داليدا نحو الحمام بتوتر و هي تفرك وجهها بخوف، وصلت الي هناك لم تجد أحد فوقفت أمام المرآة في محاولة لتهدأة نفسها و تجميع فتات شجاعتها التي تبخرت بالكامل بعد ما فعله خالد، فتحت صنبور المياه و بدأت في وضع قطرات من الماء علي وجهها حتي لا يختلط تبرجها ببعضه، رفعت عينيها في المرآة لتجد خالد خلفها، فألتفتت سريعاً و تحدثت بقلق و هي تبتلع ريقها:
- خالد، أنت عايز أيه؟!

أقترب خالد منها و هو يترنح ثم أمسكها من كتفيها و أقترب من رقبتها مردفاً بهمس جعلها تشعر برجفة جسدها:
- كفاية يا داليدا، كفاية تنكري اللي حصل بينا، عدي 3 شهور و داخلين علي 4 و انتي مش رافضة تقابليني، رافضة تقولي أن اللي حصل بينا ده كان حب، رافضة تعترفي إن اللي في بطنك ده أبني أنا مش أبن مصطفي يا داليدا
هزت رأسها بالنفي و قد تساقطت الدموع من عينيها و نظرت في عينيه مردفة:.

- كنا سكرانين، و ده حصل غصب عننا، المفروض ننساه يا خالد، بس انت مش راضي تديني فرصة أنساه حتي، سبني في حالي أنا في الأول و الأخر مرات أخوك
حاولت دفعه بيدها بعيداً و لكنه أمسك بيدها بقوة و تحدث بعنف و غضب:
- أنتي بتحبيني يا داليدا، قولتيلي الحقيقة كلها في اليوم ده، و انا بحبك و مش هسمحلك تبعدي عني فاهمه، مش هتبعدي و ابني هيفضل أبني و أنا اللي هربيه.

في التجمع الخامس في منزل خالد الدهشوري
كان يمسك بهاتفه و يهدر غاضباً:
- علي الأقل راعي العشرة القديمة اللي بينا و العيش و الملح، ازاي تسمح أن مذيع في البرنامج عندك يقول كلام زي ده
جاءه رد محمود الصادم من الجهة الأخري مردفاً:.

- مفيش عشرة و مفيش عيش و ملح يا خالد، و لو فاكر أن لمجرد أننا كنا أصحاب زمان فأنا هسكت عليك و علي فسادك أنت و محمود و داليدا تبقي غلطان، و متنساش أن العشرة دي خلصت من يوم ما أنت خنت أخوك مع مراته، من يوم ما مصطفي أخوك مات، و من يوم ما بقيت شخص قذر حتي بتكسف أقول أني كنت أعرفه في يوم مش سنين من عمري
صمت محمود للحظات قبل أن يكمل:.

- عايز نصيحة مني يا خالد، سلم نفسك انت و اللي شغال معاهم كلهم، لأن في كل الحالات انا هكشف كل ألعابك القذرة بالقانون و هتتحاكم بالقانون يا خالد و لو بعد 100 سنة فاهمني، يا ريت تمسح الرقم ده من عندك و متتصلش هنا تاني
أغلق محمود الخط لينظر خالد الي الهاتف بغضب شديد و يلقيه علي الأرض ليتحطم الي أشلاء، فهبطت داليدا من غرفتها بقلق مسرعة و سألته:
- مالك يا خالد؟!

- مفيش حاجة يا حبيبتي بس التليفون وقع مني، روحي انتي كملي يلا علشان نلحق نخرج.

في أحدي الحدائق كان يقف معتصم أمام طاولة زجاجية جذابة تزينها الزهور من كل جانب، و عليها كأسان من عصير البرتقال و علبة باللون الأزرق مفتوحة تحتوي علي خاتم و عقد في غاية الجمال، و بجانبه تقف زينة متألقة في فستانها الأزرق الذي يصل الي ما بعد ركبتيها بكثير، بحمالتين عريضتين علي الكتف و ترفع شعرها في شكل دائرة جميلة و تهبط عدة خصلات علي وجهها الذي يزينه بعض مستحضرات التجميل في محاولة لإخفاء باقي آثار حادثها، و بجانبهم العديد من الطاولات التي تتزين بمفارش باللون الزهري و حول كل واحدة عدة مقاعد يجلس عليها أقرباء العروسان، و من بعيد قليلاً تظهر طاولة طويلة تحتوي علي جميع أنواع الطعام التي تشتهيها الأنفس.

تحدث معتصم بإبتسامة هامساً الي زينة:
- مش هتلبسي الشبكة ولا أيه؟
تجولت بعينيها في المكان و هي تمسحه بعينيها في محاولة لإيجاد جاسر أخيها و أجابته:
- لما جاسر ييجي، معرفش راح فين؟!
أقترب منهما عزيز الذي أردف بهدوء:
- أنتو مستنيين أيه؟!
- جاسر يا بابا مش لاقياه دور عليه لو سمحت لازم يكون موجود
أومأ عزيز برأسه بتفهم و أبتعد عنهما ليبحث عن جاسر فوقف كريم أمامه قائلا:
- في أيه يا عمي؟!

أجابه عزيز بقلة حيلة و هو ينظر في الأرجاء قائلا:
- مش لاقي جاسر، و ريهام و أم زينة مشغولين مع الضيوف
- طيب أنا هروح أدور عليه و هلاقيه بسرعة أن شاء الله و أجيبه ليك هنا، متتحركش من هنا علشان منتوهش من بعض المكان واسع.

أمسك كريم بهاتفه و أستمر بالإتصال بجاسر و لكن بلا جدوي، فقرر البحث عنه في مقاهي الحديقة و المطاعم فربما جلس هناك ليستريح قليلاً من صخب الحفلة، و بعد ما يقارب ربع ساعة وجده يجلس علي طاولة صغيرة في مقهي بعيد قليلاً عن موقع حفل الخطوبة، فأقترب منه و جلس أمامه، نظر له جاسر بتعجب، فتحدث كريم:
- انت كنت فين و مش بترد علي التليفون ليه؟!

نظر جاسر الي حركة شفتيه فعلم أن كريم بتحدث و سرعان ما أمسك بسماعته الخاصة التي تمكنه من السمع بوضوح و تحدث:
- قول كده تاني؟!
- بقولك مش بترد علي تليفونك ليه يا جاسر
- جالي صداع من دوشة الحفلة، فجيت أقعد هنا أريح شوية و قلعت السماعة فمسمعتهوش بيرن
وقف كريم و هو يغلق زر جاكيت بدلته قائلا:
- طب يلا عمي عزيز قالب عليك الدنيا.

حمل جاسر أمتعته، ثم وضع مبلغاً علي الطاولة و ذهب مع كريم الي الحفل من جديد، و سرعان ما رأته زينة أقتربت منه راكضة بقلق و سألته:
- كنت فين يا جاسر قلقتني عليك؟
ضمها جاسر الي صدره بحب و أجابها:
- موجود اهوه ما انا مستحيل أسيبك في وقت زي ده أبداً يا أجمل عروسة في الدنيا
أمسكت يد جاسر بسعادة و أقتربت من معتصم قائله:
- يلا نلبس الشبكة جاسر جه.

أبتسم معتصم من حبها لشقيقها الأكبر و أهميته في حياتها، تركهما جاسر ليقف بجوار كريم و عزيز و أمامهم تقف ريهام بجوار حسناء بالإضافة الي روفيدة صديقة زينة و منير زميلها في العمل و عادل أيضاً.
أمسك معتصم الخاتم و أمسك يدها اليمني ليضع الخاتم بداخل أصبعها ثم قبلها بحب، فأبتسمت زينة بخجل، ثم أمسك بالعقد و تحدث:
- يلا لفي حبل الأعدام اللي هيتلف علي رقبتك و مش هيفرقني عنك أبداً وصل.

أعطته ظهرها و هي تضحك بخفة مردفة:
- يخربيت تشبيهاتك، هو انت مينفعش تتعامل معايا علي أنك مش ظابط
نظر الي العقد بتعجب وهو يحاول إغلاقه قائلاً:
- أهدي علشان الظابط بقا شكله زي الزفت و هو مش عارف يقفل العقد
ألتفتت برأسها تنظر الي يده قائله:
- معندكش ضوافر مش هتعرف تقفله لو أتنططت
ضحك معتصم بخفة علي هذا الموقف الحرج الذي وضع به أمام الجميع ثم أشار بعينيه الي ريهام التي أقتربت منهم بإبتسامة قائله:.

- مش عارف تقفله مش كده
أومأ معتصم برأسه مردفاً بنبرة مضحكة:
- أيوه، أنجدينا
ضحكت ريهام و هي تقترب من معتصم و أخذت عنه العقد ثم أغلقت قفله في ثواني قائله:
- تمت المهمة بنجاح يا فندم، ألف مبروك
أطلقت ريهام زغروطة معبرة عن فرحتها الشديدة ليبدأ الناس بإطلاق الزغاريط و آخرين بالتصفيق، ثم ظهر صوت سيدة ملأ المكان و تحدثت:
- ألف مبروك يا زينة.

نظر الجميع الي تلك السيدة التي أخذت الميكروفون و تبارك لزينة و لا أحد يعلم من تكون سوي حسناء و عزيز، فأقترب منها كريم بتعجب و ظهر صوته في الميكروفون قائلا:
- ماما! انتي بتعملي أيه هنا؟! و تعرفي زينة منين؟!
وضعت حسناء يدها علي فمها بصدمة و هي تسارعت دقات قلبها، ليقترب منها عزيز سريعاً و تحدث الي جاسر بجوارها:
- خدها بسرعة من هنا يا جاسر بسرعة
نظر له جاسر بعدم فهم مردفاً:
- أنا مش فاهم حاجة يابابا.

- مامتك هتفهمك في الطريق يلا روحوا من هنا بسرعة
أمسك جاسر بيد والدته و في ثواني كانا قد أختفا من الحفل، فأقترب عزيز من داليدا مردفاً بجهل مصطنع:
- و مين حضرتك يا تري؟!
- داليدا هانم مرات خالد بيه الدهشوري
نظرت زينة بدهشة الي معتصم الذي صُدم هو الآخر و أقترب كلاهما من داليدا و عزيز و كريم، الذي تحدث بعدم فهم:
- يا ماما في أيه؟! ميصحش اللي بتعمليه ده محدش هنا يعرفك.

- لا يا كريم هما عارفيني كويس، و بعدين أنا بقالي كتير بدور عليك و لما لقيتك كنت في خطوبة يعني المفروض أبارك للعروسة و العريس
ألتقط عزيز الميكروفون من داليدا و أغلقه قائلا:
- أعتقد وجودك هنا غير مرحب بيه يا مدام داليدا، و لو كان فيه حاجة عاوزة تقوليها يبقي مش هنا و وسط الناس، فيه حاجة أسمها الذوق العام لو حضرتك تسمعي عنها يا هانم
تحدث كريم بحدة مردفاً:
- عمي عزيز لو سمحت من غير غلط.

- أنا مش بغلط يا كريم، خد والدتك لو سمحت و خرجها من هنا دي خطوبة بنتي مش أوضة أجتماعات
كانت الصحافة تحيط بالمكان من كل جانب نظراً لمنصب عزيز و قد تم تصوير كل ما حدث للتو، فسرعان ما أمسك كريم بيد داليدا و خرجا من المكان لينظر عزيز حوله و فتح الميكروفون و قربه من شفتيه مردفاً بإبتسامة:
- أسف جداً علي اللي حصل ده، فيه سوء تفاهم بس، يلا هنكمل الحفلة عادي.

وضع معتصم يده علي كتف زينة مردفاً:
- أهدي، يلا نكمل الحفلة زي ما باباكي قال، بلاش حد يحس بحاجة
شعرت زينة بغصة في حلقها و أنها تختنق و كادت دموعها أن تهبط و لكن تماسكت و أردفت بغيظ:
- عاوزة تبوظ عليا خطوبتي، ده أنا هبوظ حياتها كلها هي و جوزها بس تستني عليَّا
صمت معتصم قليلاً و هو يفكر و عاد الحفل كما كان و لكن مع بعض التوتر الذي جعله ممل بعض الشئ، و تحدث معتصم في منتصف الحفل فجأة قائلا:.

- بس أزاي كريم أبنها؟! و إزاي شاف حلقة باباكي و كلامه عن باباه و سكت؟! أنا حاسس أن فيه حاجة غلط
ردت عليه زينة بحيرة هي الأخري مردفة:
- مش عارفة، بس اللي متأكدة منه أن كريم مستحيل يكون وحش يا معتصم مستحيل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة