قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل التاسع عشر

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل التاسع عشر

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل التاسع عشر

في المقابر.

وقف الجميع بعد دفن ريهام لا يرتدون سوي الأسود و لكن تغيب جاسر عن الحاضرين، في حين تستند جنات الي أميرة التي تقف بجوارها و حجابها يزين وجهها و هي تحاول التماسك من أجل حماتها و والدتها الثانية التي أكتفت بالصمت و قد شحب وجهها و أصبحت أكبر بعشر سنوات على الأقل، خيم الحزن على قلبها بعد موت أبنتها الكبري، بينما يقف كامل أمامهم قليلاً بزيهم الأسود و هو يرتدي نظاراته الشمسية التي تمنع الجميع من رؤية عيناه الحمراء من شدة البكاء و الهالات التي أحاطت جفونه، و الي جواره وقف مجاهد يضع يديه أمامه في هدوء في ملابسه السوداء و هو يراقب فلذة كبدة و قلبه يعتصر ألماً لحزن ولده الوحيد و الذي تركته له حبيبته بعد موتها.

في حين كان يجلس عبدالله على ركبتيه أمام القبر الذي تم دفن ريهام فيه، و ثيابه السوداء ظهرت بها بقع واضحة أثر الغبار الذي تراكم عليها، بالإضافة الي وجهه الذي تحول الي وجه عجوز في الخمسين من عمره و علامات الحزن و البكاء ظاهرة بوضوح على وجهه و أخذ يتمتم في خفوت:.

-خذلتيني ليه و ضحكتي عليّا، سيبتيني ليه بتخبط من بعدك يا ريهام، بقاا معقول ده حصل بجد ولا ده حلم وحش، وحش اوي، مش مصدق أني دفنتك بإيدي، مش مصدق أنك لبستي الأبيض بس مش الفستان، لما شيلتك مكنش علشان أطلعك على بيتنا بعد الفرح، ولا علشان أنتي ولدتي و تعبانة عاوزة مساعدتي، شيلتك لأخر مرة و شوفتك لأخر مرة، ملحقتش أودعك، محضنتكيش و بادلتيني، معيطناش سوا و ضحكنا سوا، ملعبناش و جبنا أولاد، مسافرناش في كل مكان زي ما كنا عاوزين، مبقيتيش المخرجة المشهورة اللي كان نفسك تكونيها، سيبتي الدنيا كلها ليه.

بكي عبدالله بقوة و أكمل و هو يحاول السيطرة على شهقاته قائلا:
-طيب لو كنت زعلتك كنتي قوليلي و انا هعاقب نفسي، لو حد تاني زعلك كنتي قوليلي و انا هضربهولك، ليه تسيبيني لوحدي كده، أنا كنت محتاجك في حياتي، أنا عشقتك يا ريهام ليه كده! أرجعيلي، أبوس أيدك أرجعيلي أو خوديني معاكي، انا مش هقدر أفضل في الدنيا دي لوحدي
ضرب عبدالله بقبضتيه بقوة على الرمال أمامه و وضع رأسه عليها قائلا ببكاء و أنهيار تام:.

-خوديني معاكي يا ريهام انا محتاجك، انا بحبك أوي، بحبك أوي و الله العظيم
أقتربت سيارة من المقابر و توقفت خلف الجميع مسببة عاصفة ترابية بسيطة، و خرج شاب أشقر الشعر و عيناه زرقاء و بشرته خمرية جميلة، و نظر في وجوه الجميع، ثم نظر الي هذا المنهار أمام القبر و أقترب منه في هدوء و تحسس كتفه بيد مرتعشة، فنظر له عبدالله بعيناه الباكيتان، و ما أن رآه حتى أزداد بكائه قائلا:
-سيرجي، ريهام ماتت، ريهام سابتني.

أحتضنه سيرجي بقوة و أردف بلغة عربية فصحي بسيطة:
-أهدأ يا رجل، لا تنهار هكذا
نظر له عبدالله و لم يتوقف لحظة واحدة عن البكاء قائلا:
-أنت قولتلي أنها بقت كويسة و أنك قدرت تخرجها من الحالة اللي كانت فيها، طيب ليه ماتت دلوقتي، لما روحنا المستشفي الدكتور قالت أنها ماتت بسبب سكتة قلبية
رفع كتفيه بحيرة و بكاء حار يفطر القلب و أكمل:
-طب ليه يا سيرجي، ليه؟!

-هذه نهايتها و نهاية مشوارها في هذه الدنيا، الله لم يكتب لها أن تحيا أكثر مما حيت، لا تصعب الأمر يا عبدالله، بكائك لن يفيدها كثيراً بقدر ما سيفيدها دعائك لها، لا تكن ضعيف أبداً، بل كن قوياً من أجلها و أكمل حياتك التي بدأتها معها في أحلامكما، حقق كل ما تمنيتماه سوياً و أذكرها دوماً و تخيلها الي جوارك تشاركك السعادة في تحقيق هذه الأحلام، و أنا سأظل الي جوارك حتى تصبح بخير.

تركه سيرجي للحظات قبل أن يأتي و في يده صندوق خشبي متوسط الطول مزخرف بشكل جميل و جلس أمامه قائلا:
-أعتقد أن هذا سوف يساعد كلاكما يا عبدالله
فتح سيرجي الصندوق، و نظر عبدالله الي داخله فوجد مصحف يزينه كلمة القرآن الكريم مزخرفة بطريقة رائعة، مد عبدالله كفه المرتعش ليمسك بالمصحف و هو يحاول أن يتوقف عن البكاء، فأردف سيرجي:.

-سأجعل الجميع يغادرون الآن و لتبقي أنت هنا تقرأ القرآن و تدعوا لها، و عندما تنتهي ستجدني في سيارتي لن أغادر من دونك
علي الأرجح لم يستمع عبدالله الي حديثه، بل فتح المصحف و بدأ في القراءة بصوت خافت مرتجف و هو ينتفض في جلسته فوق قبرها، بينما أتجه سيرجي نحو الجميع و تحدث:
-هل لي أن أتعرف بكم؟
نظر مجاهد له و نطق بخفوت معرفاً الجميع الي سيرجي، الذي تحدث في هدوء معرفاً عنه نفسه:.

-انا أدعي سيرجي و أنا الطبيب النفسي الخاص بريهام رحمها الله، أتمني ان أتحدث معكم لوقت أطول، و لكن الجميع هنا يحتاج الي الراحة، وجودكم هنا واقفين تحت أشعة الشمس لن يفيدكم، عودوا الي المنزل أرجوكم
لم يتحرك الجميع أنش واحد فتحدث مجاهد:
-سيرجي معاه حق، يلا نروح ملهاش لازمة وقفتنا، يلا يا كامل مراتك تعبانة و هتقع من طولها
نظر كامل الي جنات و أقترب منها و لكنها تراجعت في ذعر مردفة:.

-أوعي تقرب منى يا كامل
هبطت دموعها من جديد و هي تشير له بإصبعها محذرة أياه من الأقتراب، فتحدثت أميرة و هي تربت على كتفها قائله:
-يلا يا ماما، يلا يا حبيبتي نمشي.

أتجهت جنات مع أميرة نحو سيارة جاسر و جلست أميرة خلف عجلة القيادة و جنات الي جوارها و أنطلقت السيارة، ثم تبعهم كامل مع مجاهد في سيارة كامل بعد أن أخذ سيرجي منه رقمه، و أتجه سيرجي الي سيارته و فتح بابها و جلس على المقعد الأمامي خلف عجلة القيادة و أخرج قدميه من السيارة و جلس يراقب عبدالله و يتمتم في داخله بأدعية كثيرة من أجل ريهام، حتى حل الظلام فأغلق عبدالله المصحف بعد أن عجز عن القراءة في الظلام و أقترب منه سيرجي و جلس أمامه قائلا:.

-هيا يا عبدالله، دعنا نعود الي المنزل، لقد حلّ الظلام، و لقد أنشغلت عن كل صلوات اليوم
وقف سيرجي و مد يده الي عبدالله الذي أمسك بيده و توقف و أتجه الأثنان نحو السيارة التي أنطلقت في سرعة و أخرج سيرجي هاتفه و أتصل بمجاهد الذي أرسل له العنوان على تطبيق الواتساب، فأسرع سيرجي الي هناك.

أقتربت أميرة من جاسر الجالس على فراش ريهام يحتضن وسادتها بقوة، و جلست امامه قائله بحب:.

-جاسر، حبيبي أتكلم مينفعش كده، قول أنك زعلان و مخنوق و عيط و صرخ، أعمل كل اللي نفسك فيه متفضلش ساكت
حاولت سحب الوسادة من جاسر و لكنه قابلها بصفعة قوية ألقت بها أرضاً و عاد يحتضن الوسادة بقوة من جديد و هو يردد بصراخ:
-مش عايز أسمع حاجة و مش عايز أتكلم، مش عايز حاجة خالص سيبوني في حالي محدش يقرب مني، كفاية خلاص، الوحيدة اللي كانت بتفهمني راحت خلاص سيبوني.

خلع جاسر سماعته بعنف و ألقي بها على الأرض و عاد ليضم الوسادة الي صدره بقوة بصمت شديد، بينما كانت تجلس أميرة على الأرض و قد سيطر عليها الحزن و بكت بقوة، زوجها لا يستمع إليها مطلقاً، و شقيقته توفاها الله، و والديه في حالة يثري لها، و طفلها يبكي كل ساعة على الأقل، كيف ستقوم بكل تلك الأمور في الوقت ذاته..

عادت لتقف عن الأرض، و أتجهت الي الخارج نحو كامل الذي يجلس على المصلاة في الأرض و يمسك بالقرآن الكريم و يقرأ منه، فجلست أمامه بهدوء، فصدّق كامل و نظر لها، فتحدثت أميرة بحنان:
-عمي، أنت مكلتش حاجة من أمبارح، لازم تاكل علشان تقدر تكمل، هجيبلك أكل ماشي؟

نظر كامل الي خدها الذي ظهر عليه آثار أصابع جاسر الحمراء، فتحولت نظراته الي الشفقة و هو يومأ برأسه بالإيجاب، فهذه الصغيرة ستتحمل مسئولية المنزل بسكانه حتى تنتهي هذه الأزمة على خير، خاصةً مع أختفاء زينة و زوجها تماماً، فتوجهت أميرة الي المطبخ لتحضر بعض الطعام، في حين تعالي صوت هاتف كامل الذي أمسكه و أجابه في سرعة مردفاً:
-لقيت زينة؟!
جاءه الرد من الطرف الآخر يعتصر قلبه و تحدث بأسف قائلا:.

-للأسف لا يا كامل باشا، ملهومش أي أثر و معرفش إزاي ده حصل، أنا أسف
تنهد كامل بحزن شديد قائلا:
-طيب دور عليهم تاني يا ابني و لو وصلت لحاجة قولي.

أغلق كامل الهاتف و نظر الي الباب أمامه و التي تجلس جنات على الجانب الآخر منه، و تذكر أتهامها له بقتل أبنتها الكبري، و هو لم يتمكن من الأعتراض فهي على حق، ضميره يقتله في كل لحظة عندما يتذكر كلمات الطبيب الذي أقرّ أن السكتة القلبية جاءت نتيجة الحزن الشديد، كان عبدالله محق فخوفه على أطفاله، قتل أحدهم و الآخر أصبح في حالة يثري لها و الأخيرة لا يعلم عن مكانها شيئاً..

نظر كامل الي أميرة التي تقترب منه و تضع الطعام على الطاولة الصغيرة أمامه و تحدثت بحنان:
-يلا يا عمي كل
أومأ كامل برأسه و هتف و هو ينظر الي الباب قائلا:
-هاكل، بس شوفي جنات، مكلتش حاجة من أمبارح هي كمان و مخدتش أدويتها
ربتت أميرة على كفه قائلا:
-متقلقش يا عمي، هأكلها و هتاخد الدوا، أنت كمان خلص أكل علشان الدوا.

في واشنطن
فتح الحارس الباب بقوة و ألقي بجسد زينة على الأرض، فأقترب منها معتصم بسرعة و هو يحملها عن الأرض بين يديه ليضعها على قدميه و أغلق الحارس الباب، فتحدث معتصم بحزن قائلا:
-عملوا فيكي أيه يا زينة؟!
أنتفض جسد زينة بين يديه و قربت ذراعيها من عنقه لتحتضنه بقوة ثم بكت قائله:
-الحيوان أداني حقنة كوكايين يا معتصم، و ضربني كتير أوي.

أغمض معتصم عينيه في غضب و هو يشعر بالعجز، فلقد فعل الوغد ألفريد مع زينة تماماً ما فعله معه، فهو يدخل هذا السم الي عروقهم حتى يتألموا بالبطئ حد الموت عندما يحتاجا إليه، بالإضافة الي وسائل تعذيبه الحقيرة التي تؤدي الي أخماد أجسادهم تماماً متعاونة مع مفعول الكوكايين..
وضع معتصم يده على شعرها بحب و أردف:
-أهدي يا حبيبتي، هيعدي، كل ده هيعدي يا زينة بس اهدي
أبتعدت زينة عنه و أردفت ببكاء و حدة قوية:.

-لازم في مصر يعرفوا ان الموضوع مش واقف على منى و تيسيير بس و أن لسه ألفريد و اللي معاه بيكملوا في اللي بدأوه منى و تيسيير، أحنا لازم نخرج من هنا و نقولهم يا معتصم حتى لو هنموت بعد كده.

أومأ معتصم برأسه و أعاد رأسها الي عنقها لتكمل بكائها، في حين كان هو يتأمل هذا المكان المحبوسان به، كان المكان بأكمله مغلق لا يوجد سوي نافذة صغيرة للغاية على بعد خمسة أمتار عن سطح الأرض، و باب خشبي أمامهم مغلق بأحكام و خلفه يقف عشرات الحراس، بالإضافة الي بعض الصناديق الحديدية بجوارهم و زجاجات من الخمر، فتحدث معتصم:.

-أهدي يا زينة، أحنا لازم نلاقي طريقة نخرج بيها من هنا، لو فضلنا نعيط كده مش هنعرف نفكر، و الجرعة التانية هتخلي مقاومتنا ضعيفة جداً قصادهم وعقلنا مش هيشتغل
أبتعد زينة عنه و جففت دموعها بكفها قائله:.

-هنخرج من هنا إزاي؟! مفيش غير شباك بعيد حوالي خمسة متر عن الأرض و لو عرفنا نطلع للشباك مش هنعرف نعدي، فيه حديد و صغير جداً لو فيه غراب كبير شوية مش هيعرف يعدي منه، غير كده باب وراه ولا عشرين تور أمريكي هنعملها إزاي
تمتم معتصم بخفوت:
-هنلاقي حل، لو فكرنا.

أمسك معتصم بزجاجة من زجاجات الخمر و فتحها و خلع قميصه و وضع عليه بعض الخمر و بدأ في تضميد جروح زينة التي تألمت في صمت و هي تمسك في ذراعه و عندما أنتهي نظر لها بتفكير و ضم حاجبيه، و ما أن لبس أن أردف:
-فيه فكرة ممكن تخرجنا و لو خرجنا ممكن منعرفش نهرب و وقتها هنموت، قولتي أيه؟!
أردفت زينة بلا تردد:
-معاك في أي حاجة.

نظر معتصم الي كل الصناديق الحديدية و الخشبية التي تحتوي على الخمر، ثم شرح الأمر كله على زينة التي أردفت بقلق:
-بس دي كلها مجرد أفتراضات، و بعدين احنا منعرفش أحنا فين!
ربت معتصم على كتفها بهدوء قائلا:
-بس احنا عارفين طريق الخروج و كل عقباته يا زينة، هنحاول.

وصل الي أذنيهما صرير الباب و هو يفتح ثم دخل ثلاثة حراس مع رجل كبير في العمر و وضعوه بجوار معتصم و زينة ثم خرجوا، فأقترب معتصم في قلق من الرجل قائلا بلهجة أنجليزية قوية:
-ما هي جنسيتك!
أجابه الرجل باللغة العربية و قد ظهر عليه التعب و المرض:
-أنا مصري يا معتصم، و عارفك أنت و مراتك!

نظرت زينة إليه بحيرة و جلست أمامه و كذلك معتصم الذي أحضر قميصه و زجاجة الخمر و بدأ في تطهير جراح العجوز أيضاً و تحدث في هدوء:
-أنت مش في حالتك الطبعيية، يا واخد مخدر قوي يا الحيوان اللي جابك هنا حط السم ده في دمك
هز العجوز رأسه بالنفي قائلا بتعب من رأسه الذي يحاول السيطرة عليه بكل طاقته:
-سم أيه! أنا واخد مخدر
نظر له معتصم بإهتمام و سأله:
-مين حضرتك! و جيت هنا إزاي و ليه!

نظر له العجوز و بدون تردد أجابه:
-أنا اللوا خيري مصطفي بشري مدير المخابرات الحربية في مصر
أتسعت عيني زينة و معتصم في ذهول فسألته زينة:
-و حضرتك بتعمل أيه هنا! و إزاي قدروا يخطفوك!
أعتدل خيري في جلسته و أجابهما:.

-أستغلوا اليوم اللي بخرج فيه مع احفادي و خطفوني، أما جيت هنا إزاي، فحسب معلوماتي و اللي قاله ألفريد هو أني روحت في سفينة متجهة لفرنسا و أول ما خرجت بره المياه الإقليمية لمصر، كان فيه هليكوبتر مستنياني فوق البحر المتوسط و خدتني من على السفينة لواشنطن
نظر معتصم الي زينة و ردد:.

-واشنطن! لو خرجنا من هنا لازم نروح على السفارة المصرية علطول، محدش هيقدر يقرب مننا وقتها، بس مش هينفع نمشي من هنا قبل ما نخلص على ألفريد و اللي معاه و نمنع الجنان اللي في دماغهم ده
ربت خيري على كتف معتصم و أردف بإبتسامة:
-غريبة أن ظابط قوي زيك موجود في الشرطة و مش موجود في الصاعقة أو المخابرات
أردف معتصم بإحراج:
-دي شهادة أعتز بيها يا فندم.

نظرت زينة الي معتصم بتعب شديد ظهر على ملامحها فلقد شحب وجهها فجأة و أنتفضت، فأمسك بها معتصم بقوة في قلق و سألها:
-زينة مالك!
أمسكت زينة بقميص معتصم بيدها المرتعشة و صرخت في قوة:
-مش قادرة يا معتصم بموت
أنهارت زينة في البكاء و أكملت:
-حاسة إن روحي بتطلع منى و وجع فظيع في جسمي.

أغمض معتصم عينيه و هو يتذكر كيف كان الأمر بعد مرور بعد الوقت من سريان هذا السم في عروقه و الآلام الشديدة التي تعرض لها و جاهد لإخفائها، فوضع معتصم أصبعيه على رقبة زينة و تحدث بهدوء:
-أسترخي يا حبيبتي
سقطت زينة فاقدة وعيها بعد ثواني فظل معتصم يربت على ظهرها و سأله خيري بقلق:
-مالها يا معتصم!
تحدث معتصم في غضب شديد ظهر بريقه في مقلتيه و اجابه:.

-ألفريد حقنّا بكوكايين، و غالباً معاه مواد تانية لأن وجعه مش طبيعي، و ده معناه أننا لازم نخرج من هنا قبل الحقنة التانية لأن وقتها مش هيكون فينا طاقة ابداً نعمل أي حاجة و هنموت هنا، و على ما المخابرات تحقق في إختفاء حضرتك و يوصلوا لحاجة هيكون عدي يومين على الأقل، و هنكون خلاص اخدنا الحقنة التانية
نظر خيري حوله في محاولة لإكتشاف المكان، و أردف:.

-هندرس المكان و هنلاقي حل و نخرج من هنا قبل بكره كمان بس لازم نهدي و نفكر بالعقل
نظر له معتصم و تنهد قبل أن يخبره بمخططه فأردف خيري بإعجاب:
-الوضع اللي أحنا فيه محتاج مجازفة زي دي، ولازم نعملها، و هنستني لحد ما ييجي الوقت المناسب.

مرت ساعتان و أستيقظت زينة التي ظلت بين يدي معتصم و ينتفض جسدها بإستمرار، حتى دخل الي الغرفة ثلاثة من الحراس و أغلقوا الباب خلفهم، ثم وضعوا طعام أمام الثلاثة و تحدث أكثرهم ضخامة في قوة قائلا بالإنجليزية:
-أشرعوا في تناول طعامكم الآن أمامكم خمسة دقائق فقط ثم سنأخذه و نخرج من هنا.

أومأ الجميع و بدأوا في تناول طعامهم الموضوع في أطباق بلاستيكية بمعالق بلاستيكية، فوقفت زينة في سرعة و رفع أحدهم مدفعه الرشاش أمامها، فرفعت يديها في أستسلام قائله في تعب بادي على وجهها باللغة الإنجليزية:
-انا حامل، و أشعر بالغثيان سأتقيأ.

نظر الحارس الأول الي الثالث و أمره بأخذ زينة في نهاية القبو، فذهبت زينة بتعب و الحارس خلفها، بينما نظر معتصم و خيري الي الحارسين الآخرين، و كانو يتابعون الحارس الثالث، فأسرع معتصم و ضرب بقدمه المدفعان في أيديهما ليسقطا أرضاً، و قبل أن يشعروا بالذهول، شعر الأول بقبضة قوية تحطم فكه، و الثاني بيد فولاذية تضربه في معدته و قبل أن يطلق صرخة ألم كان معتصم قد تبعها بقبضة قوية في وجهه تهشمت عظام أنفه على أثرها، ثم جمع معتصم قبضتيه في قبضة واحدة ليسقط بها على رأسه بقوة، ثم هوي بكفه على عنق الثاني فأطلق خوار الثيران قبل أن يسقط على الأرض فاقد الوعي، بجوار صديقه الذي تمكن خيري من إسقاطه، و تأكد الإثنان من عدم إصدار أي صوت يجذب الحراس ثم أقترب معتصم بسرعة من الحارس الثالث الذي يقف خلف زينة و لكن وجدها توجه إليها ضربة قوية من قدمها الي وجهه ثم لكمة سريعة في معدته، و أخيراً وجه إليه معتصم ضربة قوية على عنقه أفقدته وعيه مثل زملائه.

أسرع كلاً منهما يرتدي ثياب الحراس و ألتقطوا مدافعهم فتحدث معتصم بصوت هامس:
-يلا بسرعة مفيش وقت هيدخلوا في أي لحظة لو أتأخرنا عن الخروج خلال دقيقتين.

توجه معتصم نحو صندوق الخمر الذي وضعه اسفل النافذة و فتح غطائه ليكشف عن زجاجات الخمر التي تحتوي في فوهتها قطع من قميص معتصم الذي قطّعه، و سرعان ما أمسك معتصم بقطعتين من الحديد و بدأ في حكهم بسرعة حتى أشتعلت النيران في قطعة كبيرة في يده و أقتربت زينة و في يدها زجاجتين آخريتان في فوهتهما القماش و أشعلت النار بهما من القطعة الصغيرة و ألقت بهم سريعاً نحو الباب الخشبي، في نفس الوقت الذي ألقي معتصم القطعة الكبيرة نحو الصندوق، فأحترقت جميع القطع الصغيرة به و أبتعد الجميع الي الجانب الأخر من الغرفة و ثواني و دوي أنفجار هائل في الحائط أسفل النافذة و سقط الحائط.

أندفع باقي الحراس منذ أن سمعوا كسر أول زجاجتين، و شعروا بالحرارة تلفح ظهورهم، و ما أن تمكنوا من الدخول حتى سيطر عليهم الغضب من عدم وجود الأسري و أندفعوا الي الخارج نحو الحائط المفتوح، و في نفس اللحظة خرج معتصم و خيري و زينة من خلف ثلاثة صناديق ضخمة و ركضوا الي الخارج، و نظر معتصم الي الحراس القادمين و صرخ بالإنجليزية محاولاً أخفاء وجهه:
-تعالو بسرعة، لقد هرب الأسري من المعتقل.

لم ينتبه الجميع أن من يقفون أمامهم هم نفسهم الأسري بل أندفعوا الي داخل القبو، في حين أنطلق الثلاثة الي الأمام و صعدوا الدرج، فوجدوا ثلاثة حراس أمامهم كانو يعلمون أماكنهم جيداً فأطلقوا الرصاص عليهم، ثم ركضوا بسرعة نحو الباب الرئيسي و هم يطلقون النيران على كل من يعترض طريقهم حتى وصلوا الي الباب الرئيسي فتحدث خيري بقلق:
-أنا مش فاكر الباسورد
ضغط معتصم على بعض الأرقام قائلا:.

-المغرور ألفريد لو كان عمل اللي عمله في المبني ده كان زمانا معرفناش نوصل للباب ده ولا نعرف الباسورد، بس إصراره على إن التعذيب و الحقن تكون في المبني الصغير اللي جنب ده هما اللي ساعدونا
فتح الباب خلال ثانية من أنتهاء معتصم من كتابة الأرقام في حين كان كلاً من زينة و خيري يؤمنان ظهره، ثم أنطلق الثلاثة نحو البوابة لينظر لهم الحارس بشك و رفع سلاحه قائلا:
-ماذا بكم تركضون هكذا!

صرخ به معتصم بقوة قائلا:
-اللعنة عليك، افتح الباب لقد هرب الأسري و يجب أن نلحق بهم في السيارة و باقي الحراس يبحثون عنهم في الجانب الشرقي
ثم أردف في قوة واضحة و ثقة:
-لو لم نتمكن من إعادة هؤلاء الأسري سأخبر السيد ألفريد بأنك المسئول عن كل ما حدث، و لكن يتردد لحظة واحدة في تزيين رأسك بثقب تخرج منه الدماء.

قبض الحارس حاجبيه في ذعر فهو يعلم جيداً أن هذا سيكون مصيره إذا ما تمكنوا من الهرب و سرعان ما فتح البوابة الرئيسية و صعد الثلاثة على متن السيارة الموجودة أمامها و أنطلق معتصم في سرعة نحو أقرب الطرق، فتحدثت زينة في فرح:
-أنا مش مصدقة أننا قدرنا نهرب
هز معتصم رأسه بالنفي قائلا:
-أحنا لسه مهربناش، و لحد ما نوصل السفارة المصرية وقتها نقدر نقول أننا نجحنا
خلعت زينة الخوذة عن رأسها قائله بتعب:.

-أنا أتخنقت من البتاعة دي على الرغم من أنها السبب أن محدش يكشف وشنا
تحدث خيري بسرعة في لهجة أمر:
-ألبسيها دي أمان ليكي
أرتدها زينة مرة أخري في ضجر بينما رفع معتصم زجاج النوافذ في سرعة و تحدث:
-البوابة اتفتحت تاني و واضح أنهم أكتشفوا أننا ضحكنا عليهم
نظرت زينة الي الخلف و رأت سيارتان تنطلقان بسرعة خلفهما فتحدث خيري:
-العربية مصفحة و هتحمينا فترة مش قليلة من الرصاص، بس أمسكي سلاحك للأحتياط.

ضغط معتصم على دواسة الوقود بقوة فأزدادت سرعة السيارة بشدة و بدأ في أتخاذ مسارات منحنية ليتفادي سيل الرصاصات الذي ينهمر على السيارة، في حين سمع أحد الحراس عبر جهاز في السيارة يقول في سخرية:
-انه يتجه نحو عمق الصحراء و لن يتمكن من تجاوزها الا بعد أن ينفذ وقوده و نحاصره، كان عليه أن يتخذ المسار الغربي لسيارته حتى يتمكن من الخروج الي الطريق.

نظر معتصم الي جهاز اللاسلكي في سيارته و فتحه قائلا بنبرة سخرية:
-شكراً لك أيها الوغد على تلك المعلومة المهمة
و سرعان ما ألتف معتصم بسيارته ربع دورة و أنطلق بسرعة نحو الغرب فتحدثت زينة بصوت مرتفع عن صوت الرصاص:
-هو مفيش أحتمال انه يكون بيقول كده علشان يحاصرنا
نظر معتصم الي جهاز الملاحة في السيارة و فتحه بسرعة قائلا:
-لا، هو معاه حق
ضغط خيري على بعض الأشياء في جهاز الملاحة ثم كتب جملة و تحدث:.

-ده طريق السفارة المصرية هنا، أمشي فيه
نظر معتصم الي جهاز الملاحة ثم زاد من سرعة السيارة فتحدثت زينة بعد دقيقة:
-لقيت شنطة فيها قنابل
أمسك بها خيري في سرعة و فحصها قائلا:
-دي من النوع اللي بتتأثر بالثقل
نظر خيري الي سقف السيارة و تحدث:
-أفتح السقف يا معتصم
أجابه معتصم بقلق:
-بس ده خطر عليك يا فندم
-نفذ الأمر يا سيادة الرائد.

فتح معتصم السقف في سرعة، فأخرج خيري القنبلة الأولي و نزع فتيلها، ثم خرج من السقف في مفاجأة أدهشت السيارتين خلفهما، و ألقي القنبلة الأولي فأصابت هدفها بدقة و أصطدمت بقوة في السيارة الأولي التي أنفجرت و أنحرفت قليلاً لتصطدم بالسيارة الثانية، فأستغل خيري حالة الإرتباك و ألقي بالثانية على السيارة الباقية، ثم هبط مسرعاً و أغلق معتصم السيارة تماماً و أنطلق بسرعة، و مرت ربع ساعة في امان، و لكن أرتفع صوت اللاسلكي في السيارة ليظهر صوت ألفريد الذي تحدث بغضب:.

-لمَ لا تجيبون على أجهزة اللاسلكي أيها الأوغاد، و كيف لم تخبروني أنهم نجحوا في الفرار؟
أمسك معتصم باللاسلكي و أردف بالأنجليزية:
-لقد فقدنا اجهزتنا أثناء تبادل النيران يا سيد ألفريد، و لكننا الآن نطاردهم و هم يقتربون من قلب الصحراء و أنا على ثقة أن وقود سيارتهم سينفذ و وقتها سنحاصرهم و نحضرهم إليك
صرخ ألفريد في قوة:.

-أحضروهم أحياء أو أموات لا فارق لدي، و ستعاقبون على عدم إخباري بما حدث إذا لم تتمكنوا من إحضارهم، أقسم أن أقطع أطرافكم واحدة تلو الأخري إن لم تعثروا عليهم
حاول معتصم أن يظهر الرهبة و الأرتباك في صوته قائلا:
-لا تقلق يا سيدي، سنعود بهم جثثاً هامدة
-سأرسل إليكم طائرتين نحو الصحراء سيصلون أسرع و سآمرهم بإطلاق صواريخهم نحو سيارتهم اللعينة ما أن يجدوهم
-كما تريد يا سيدي و نحن لن نتوقف عن مطاردتهم.

أغلق معتصم اللاسلكي و أنطلق بسرعة أكبر نحو السفارة المصرية، و شعرت زينة أن السيارة ستطير في الهواء من السرعة التي ينطلق بها معتصم، و بعد عشرة دقائق تحدث ألفريد عبر اللاسيلكي:
-أين أنتم؟ سائق الهليكوبتر لم يعثر عليكم بتاتاً
أتاه صوت معتصم الساخر قائلا:
-و كيف سيعثرون على رجالك وعلينا يا ألفريد؟ إن كانوا رجالك قد قضوا نحبهم منذ نصف ساعة في سياراتهم
صرخ ألفريد في قوة:.

-أيها الوغد المخادع، أقسم أنني سأقتلك شر قتل، سأجعل أطرافك تتجمد حتى الموت أيها الحقير
-لقد سمعت الكثير منك و لكن في الحقيقة لم أجد مثلك يبرع في إلقاء التهديدات، و الآن الي لقاء ليس ببعيد أيها الوغد
أغلق معتصم جهاز اللاسيلكي تماماً، فصرخ ألفريد في مارسيل الواقف أمامه قائلا:
-لقد خدعنا، مر الرجال بالبحث عنهم في جميع أنحاء واشنطن، أريدهم موتي قبل فجر غد هل تفهم؟

أجابه مارسيل في أرتباك ثم خرج من المكتب و ذهب لإلقاء الأوامر على ما يقرب الخمسون حارس لينطلقوا بسرعة باحثين عن الهاربين.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة