قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الأول

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الأول

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الأول

قبل تسعة و عشرين عاماً.

أقتربت جنات من الغرفة رقم 57 في فندق سميرميس في مدينة جاردن سيتي الذي تم إعادة بناؤه عام 1974 م، دقت علي الباب بهدوء و لحظات قليلة و فتح صاحب الغرفة الباب لها و كان قد ظهرت عليه علامات الغضب و هو يمسك بالهاتف الأرضي في يده و يضع السماعة علي أذنه، و لكن ما أن رآها حتي صمت و ظلت عينيه تتجول علي تلك الجميلة أمامه التي ترتدي ملابس العمل الرسمية و التي تناسبها بشدة، فستان قصير من اللونين الأبيض و الأزرق بالإضافة الي قطعة بيضاء تصل الي ركبتيها و بدايتها مرتبطة بخصرها.

خجلت جنات من نظراته إليها لتتحدث و عينيها مثبتة في الأرض:
- أنا جنات من خدمة الغرف، ممكن أدخل أنضف الأوضة؟
تحدث كامل عبر الهاتف و مازالت عينيه مثبتة عليها:
- هكلمك بعدين يا محمود
وضع السماعة في الهاتف، ثم فتح الباب علي مصرعيه و أبتعد عنه قائلا:
- أكيد أتفضلي
دلفت جنات الي الغرفة في خجل و بدأت في ترتيب الفراش و تغيير الأغطية ليتحدث كامل بهيام:
- أنتي شغالة هنا من أمتي يا جنات؟

لم تلتفت إليه حرجاً منه و لكنها أجابته بصوت يكاد يُسمع:
- ده أول يوم ليا
أقترب منها ليقف خلفها تماماً و مد إليها يده بإبتسامة جميلة معرفاً عن نفسه:
- أنا كامل السعيد شريك في الفندق هنا
شعرت به خلفها و أنفاسه قريبة للغاية منها، فألتفتت له ببطء، ثم نظرت الي يده التي أمامه، ثم حولت أنظارها الي عينيه ليتحدث بتشجيع ينتابه بعض الحرج:
- مش هتسلمي عليا ولا ايه؟

هزت رأسها بالنفي سريعاً و مدت يدها وضعتها في يده ليشعر بنعومتها بداخل يده، و تحدثت هي بنفس النبرة التي تشبه الهمس:
- أنا أسفه مش قصدي
هز رأسه مع أبتسامته الودودة قائلا:
- متتأسفيش مفيش حاجة
نظرت الي أيديهم بحرج ليفهم نظراتها و يترك يدها لتكمل هي عملها فتحدث هو:
- أنا هسيبك تنضفي الأوضة براحتك عن أذنك.

أمسكت بالغطاء و ضمته الي معدتها و هي تنظر له يسحب جاكيت بدلته و يرتديه ثم أغلق الزر، ثم أمسك بقبعته السوداء و وضعها علي رأسه، و أقترب من حقيبته الدبلوماسية السوداء و أخذها و خرج من الغرفة مغلقاً الباب خلفه، لتبتسم هي بحب، فلقد شعرت بتلك الفراشات في معدتها و بدقات قلبها التي كانت أعلي من صوتها، و لكن هيهات من هذا الشئ الذي كانت والدتها دوماً تحذرها من أن تقع في شباكه، تذكرت كلمات والدتها عن الحب، كانت عادةً لا تقتنع بحديثها و تتمني أن تقع في الحب، و لكن أصبح الأمر مستحيل فهي خادمة في فندق هو أحد شركاؤه، أصبح الحب مستحيل!

الآن
حي المقطم شارع رقم 9، اقتربت تلك الحسناء ذات الشعرالبرتقالي المائل الي البني من أحدي العمارات، ترتدي بنطال من الجينز و قميص أزرق تفتح أول زرين به، و يقع شعرها خلفها كشلال العسل، صعدت علي الدرج بسرعة و أقتربت من باب منزلها الخشبي و دقت الباب، و أنتظرت لحظات قبل أن تفتح جارتها أسمهان باب شقتتها قائله:
- أزيك يا زينة عاملة ايه يا حبيبتي؟
أبتسمت زينة أبتسامة صفراء و هي تنظر لها قائله:.

- الحمدلله يا طنط أسمهان
لوت أسمهان شفتيها بتهكم و هي تضرب كفوفها و وضعتهم علي معدتها قائله:
- مش عارفة يا اختي ايه طنط اللي مش بتبطلي تقوليها دي، قولتلك مش بحبها قوليلي يا خالتي اسمهان
دقت زينة باب منزلها مرة أخري و هي تتمني أن تخرج والدتها و تفتح لها الباب لترحمها من تلك العجوز التي لا يعجبها اي شئ، و ردت علي أسمهان:
- معلش بقا بس أصلي متعودة، المرة الجاية ان شاء الله هقولك يا خالتي براحتك.

- لا يا حبيبتي مفيش مرة تانية، أصل أحنا بيعنا الشقة و هنعزل بكره و هنروح نسكن في الزمالك، جنب خطيبة أبني حبيبي صلاح
نظرت إليها زينة بفرحة و هي ترفع يدها أعلي فمها و تطلق زغروطة ثم تحدثت:
- يا ألف ألف مبروك
فتحت والدة زينة الباب بتعجب بعد أن أستمعت لأبنتها قائله:
- في أيه يا زينة؟
تحدثت أسمهان بغرور و هي تضع يدها علي خصرها قائله:.

- معزلين بكره يا اختي، هنروح نسكن في الزمالك جنب خطيبة أبني حبيبتي، تعرفي يا بت يا زينة أنا كنت زعلانة أوي أنك رفضتي صلاح أبني
ثم رفعت صوتها بغضب:
- ما أنا أبني ميترفضش بردوا يا اختي، بس بعدين عرفت أنك مش من مقامه و أن مقامه أكبر من كده بكتير، و أهو أبو خطيبته جابلنا شقة و هنقعد جنبه و هنسيب المنطقة المعفنة دي
تحدثت حسناء والدة زينة بحدة قائله:.

- ما تلمي لسانك يا ولية بدل ما أجي أقطعهولك و تتكلمي عدل، خشي يا بت يا زينة جوه مش ناقصين خناقات أحنا
أبتسمت زينة بسخرية و هي تنظر الي أسمهان قائله:.

- حاضر يا ماما، بقولك ايه يا طنط متتقنعريش أوي كده، أبنك صلاح شكله كان مشروع بت بس فشل ولا حاجة، هو فيه راجل بردوا أبو عروسته بيصرف عليه و لمؤخذه، و أه حاجة تانية أبقي قوليلي ماشية أمتي بالظبط علشان أكسر وراكي قلة، يا فرج الله أخيراً الشارع هينضف من الأشكال دي
ضربت أسمهان كفيها ببعضهما و قد أرتفع صوتها للغاية قائله:
- لا يا بنت حسناء أقفي معووج و أتكلمي عدل بدل ما أمسح بيكي بلاط العمارة.

وقفت حسناء أمام زينة و هي تتحدث إلي أسمهان:
- لا يا اختي بقولك ايه أتكلمي عدل بدل ما ألحسك تراب الشارع
أرتفع صوت أسمهان للغاية فخرج الجيران من منازلهم و أصبح الجميع ينظر إليهم و هي تتحدث:
- بس يا ولية يا قرشانة أنتي بدل ما أمد إيدي عليكي و علي بنتك اللي بتحاميلها دي
أستندت حسناء الي الحائط و هي تخلع حذائها و تمسكه بيدها قائله:
- شكل وحشك شبشبي يا أم صلاح، أعتبريها حفلة الوداع يا حبيبتي.

ثم أقتربت منها و بدأت في ضربها بقوة بعد أن أمسكتها من شعرها و خلعت عن رأسها الحجاب لتبدأ أسمهان في الصراخ مستنجدة بالجيران الذي لا يستجري أحد منهم علي الأقتراب، فالجميع قد أعتاد علي مثل تلك المصادمات بينهما.

جلس الجميع علي طاولة الطعام، فتحدث عزيز والد زينة إليها قائلا:
- عملتي ايه النهاردة في الشغل يا زينة؟
أبتسمت له زينة و هو تمسك بكوب الماء بجانبها قائله:
- الحمدلله يا بابا، فيه موضوع كده بتابعه أدعيلي كده أخلصه علي خير و هاخد مكافأة كبيرة أوي من رئيس التحرير
أبتسم عزيز و هو يمرر يده علي خصلاتها قائلا بحنان:
- ربنا معاكي يا حبيبتي، بس من أولها كده مكافآت أنتي مبقالكيش شهر في الجريدة دي.

أرتشفت زينة بعض الماء، ثم تحدثت بإبتسامة مشاكسة:
- ما انت عارف بنتك يا أبو زينة، بحب المصايب زي عنيا، متنساش الصحافة دي مهنة البحث عن المتاعب، و انا مش محتاجة أدور المصايب بتيجي لحد عندي
تعالت ضحكات الجميع و أرتفع رنين جرس المنزل ليتحدث عزيز:
- طيب خدي بالك من نفسك بردوا مترميش نفسك في النار، و قومي يلا أفتحي الباب.

أمسكت بقطعة من اللحم أمامها و وقفت متجهة نحو الباب و هي تلتهم اللحم ففتحت الباب لتجد أمامها صلاح الذي ارتفع صوته قائلا:
- أنتي فاكرة هعديلك اللي انتي و امك عملتوه ده بالساهل يا زينة، أنا امي متضربش
نظرت له بغيظ و هي تقترب منه قليلاً قائله:
- ما أنت أمك علطول بتتضرب أيه الجديد يلا غور من هنا بدل ما أكلك زي اللحمة دي كده كفاية أنك مقومني من علي الأكل.

ثم أقتربت بأسنانها من قطعة اللحم و ألتهمتها بشراسة ثم أغلقت الباب بقوة في وجهه و عادت الي الطاولة بجوار عائلتها لتكمل طعامها، فسألتها حسناء:
- مين كان علي الباب يا بت؟
- ده صلاح كان جاي عايز حق أمه
نظر عزيز إليهما و ألقي بالملعقة في الطبق و نظر لهما مبتسماً أبتسامة صفراء:
- أنتو مديتوا إيديكم علي الولية اللي اسمها أسمهان دي تاني
نظرت له حسناء و وضعت يدها علي كفه بهدوء لتكتسب تعاطفه قائله:.

- كان لازم تتربي يا اخويا دي كانت بتزعق فينا في وسط العمارة كلها و قلت أدبها عليا يعني أسيبها تاكل وشنا قدام الناس كلها
أبعد يدها عن يده و وضع كلتا يديه علي رأسه قائلا بفقدان أمل:
- لا طبعاً أزاي مرمطوها في وسط العمارة عادي مش كده يا حسناء
ربتت حسناء علي كتف زوجها قائله:
- و النبي ما تزعل نفسك يا عزيز، و الله المرادي أخر نوبة مش همد إيدي عليها تاني
تحدثت زينة و هي تملأ فمها بالطعام قائله:.

- كده كده هيعزلوا بكره مش هنشوفهم تاني فك يا زيزو
نظر عزيز الي زينة بسخرية:
- زيزو! أنتي ناوية تحترميني أمتي يا زينة؟
ردت عليه زينة بإبتسامة مضحكة و هي تنظر الي الطبق الخاص به قائله:
- ده أنت فوق راسي يا بابا، عاوز صدر الفرخة ده؟
ضحكت حسناء بصوت عالٍ و هي تقسم دجاجة أمامها الي نصفين و تعطي الصدر الي زينة قائله:.

- ملكيش دعوة بأكل أبوكي، خدي يا أختي كلي، و أعملي حسابك تشربي البتاع اللي أنا جيباهولك من عند العطار ده علشان تتخني و تربربي كده بدل ما انتي شبه عود القصب و مخلصة أكل البيت كله و مش باين عليكي
أخذت زينة الطعام من حسناء قائله:
- طب قولي ما شاء الله يا ماما هو حد طايل.

خرجت زينة الي شرفة منزلها في الثامنة صباحاً قبل خروجها الي منزلها، فنظر لها عزيز قائلا:
- أدخلي جوه يا زينة مش عايزين مشاكل
نظرت له زينة ببراءة مصطنعة مردفة:
- أنا يا بابا بعمل مشاكل، و الله هي الولية القرشانة اللي تحت دي، هقف ساكتة مش هعمل حاجة بس هشوفها و هي خارجة، و بعدين الناس كلها تحت بتودعها و انا فوق أهوه مرضتش أنزل علشان خاطرك
نظر لها عزيز بنصف عين قائلا:
- مش مرتاحلك.

- كمل فطارك يا بابا كمله يا حبيبي علشان متتأخرش علي شغلك
نظرت الي الخارج مرة أخري، لتري جارتها العزيزة أسمهان تخرج هي و ولدها صلاح من العمارة و يقفون أمام سيارة، فأقترب الجيران من أسمهان يودعونها و لكنها أبتعدت عنهم جميعاً قائله بصوت مرتفع:
- أبعدي عني يا ولية أنتي و هي، أنا رايحة أسكن في الزمالك مع أبني حبيبي يعني بقيت أتقرف أسلم عليكم أصلا
ثم نظرت أسمهان الي الشرفة التي تقف بها زينة قائله:.

- سلام يا عالم فقر
أمسكت زينة بالزجاجة الفخارية في الشرفة و نظرت الي احدي جاراتها قائله:
- وسعي كده شوية يا أم سعيد
أبتعدت السيدة عن المكان التي كانت تقف به، لتلقي زينة الزجاجة الفخارية فتنكسر مائة قطعة بجوار أسمهان، ثم أطلقت زغروطة قائله بصوت مرتفع:
- أفرحوا يا ناس، العمارة و الشارع هينضفوا خلاص زغرطوا يا نسوان
لتبدأ جميع السيدات في إطلاق الزغاريط، فأستشاطت أسمهان غضباً فتحدثت زينة:.

- مش عايزين نشوف الخلقة النتنة دي هنا تاني، خد أمك و أمشي يا صلاح
سمعت زينة عزيز ينادي عليها، فدلفت الي المنزل فأمسكها عزيز من ذراعها بقوة قائلا بغضب شديد:
- أنا قولت ايه يا زينة؟ أنتي ليه مصرة علي المصايب طالعة لمين كده، لا أنا و لا أمك كنا بنحب المشاكل انتي طالعة مشكلجية لمين يا بت؟ عايزاني أمد إيدي عليكي يعني و انتي شحطة كده
تحدثت زينة بدفاع عن نفسها:.

- بصت ليا و قالت عالم فقر هسكتلها و هي بتقل بأدبها عليا يعني يا بابا
- يا بنتي الناس هتزعل منك أنتي طريقتك مش حلوه
- لا يا بابا أنا كويسة جدا مع اللي يستاهل بس و انت أكتر واحد عارف ان الولية دي متستاهلش كلمة حلوه حتي و اهي غارت خلاص مش هعمل مشاكل تانية
نظرت خلفه و تحولت عينيها من الدفاع الي القلق قائله:
- يالهوي ماما.

تركها عزيز بسرعة و ألتفت خلفه، فأمسكت زينة بحقيبتها سريعاً و فتحت باب المنزل قائله:
- باي يا بابا يا قمر
ثم أغلقت الباب خلفها، فتنهد عزيز بتعب من طريقة صغيرته و جلس يكمل طعامه قائلا بصوت مرتفع:
- أقعدي مع بنتك لما تيجي يا حسناء و قوليلها أن اللي بتعمله ده غلط خليها تتلم بقا شوية
ردت عليه حسناء من الداخل:
- حاضر يا عزيز، كمل أنت بس أكلك.

كان كريم يقف أمام المرآة يمشط خصلاته البنية، وضع الفرشاة علي الطاولة أمامه ثم مرر يده علي ذقنه القصيرة، و نظر من خلال المرآة علي حقيبة السفر التي تقطن علي فراشه، ألتقط العطر ليضع منه علي ملابسه و رقبته، نظر الي المرآة بعد أن أستعد بالكامل، ثم أقترب من فراشه و أمسك بحقيبة ظهره و أرتداها، ثم حمل حقيبة السفر و خرج من غرفته بهدوء شديد و هو ينظر في أنحاء المكان المظلم، هبط عن الدرج، ليصل أخيراً الي باب المنزل فتحه بهدوء و أخرج حقيبته ثم خرج هو الآخر و أغلق الباب خلفه ليصدر صوت مسموع، أغمض عينيه بقلق، ثم أمسك بحقيبته و ركض الي سيارته خارج المنزل وضع الحقيبة بداخلها و صعد بداخلها و أنطلق بها بسرعة بعيداً عن منزله، و هو يتنهد بقوة و كأنه قد خرج من مراثون الركض للتو قائلا بصوت مسموع:.

- الحمدلله متقفشتش، لما ماما تصحي بقا تبقي تعرف بعدين.

دلفت زينة الي قسم الشرطة، و هي تنظر الي المكاتب حولها حتي توقفت أمام أحد المكاتب و العسكري أمامه و بجانبه لافتة صغيرة مكتوب عليها رئيس المباحث ، فأبتسمت قائله:
- سلامو عليكم
رد عليها العسكري بجدية تامة:
- و عليكم السلام، خير يا أنسه
فتحت حقيبتها التي ترتديها علي كتفها فتصل الي خصرها، و أخرجت الكارت الشخصي الخاص بها أعطته للعسكري قائلا:.

- أنا زينة عزيز صحفية في جريدة منارة الحقيقة عندي معاد مع رئيس المباحث
أومأ العسكري رأسه قائلا:
- طب أستني هدي خبر للباشا
هزت رأسها بالموافقة، فدلف العسكري الي رئيس المباحث معتصم قائلا:
- الأستاذة زينة عزيز بره يا فندم و بتقول عندها معاد مع حضرتك
وضع العسكري الكارت علي المكتب أمامه، فأمسكه معتصم و نظره به متذكراً، ثم تحدث:
- أه دي الصحفية اللي هتكون معايا في كمين خالد الدهشوري، دخلها.

- أوامرك يا باشا
خرج العسكري من المكتب قائلا:
- أتفضلي يا انسه الباشا مستنيكي جوه
دلفت زينة ببنطالها الجينز و قميصها الأبيض القطني و فوقه قميصها الذي يمزج بين اللون الاحمر و الأسود و هي تفتح كل أزراره و ترفع أكمامه الي نصف ذراعها و ترتدي حقيبتها علي كتفها الأيمن فتنتهي عند يسار خصرها، أقتربت منه و مدت يدها له بأبتسامة، فوضع يده بداخل يدها و أبتسم هو الأخر قائلا:.

- أهلا بيكي يا أنسه زينة، اتفضلي أقعدي
جلست زينة علي المقعد أمام مكتبه و جلس هو الأخر و سألها:
- تحبي تشربي ايه؟
أجابته و هي تخرج قلم رصاص من حقيبتها قائله:
- يا ريت عصير برتقال لو موجود
نظر معتصم الي العسكري قائلا:
- عصير برتقال و القهوة بتاعتي بسرعة يا عبدربه
- تحت أمرك يا باشا
خرج العسكري من المكتب، فوجه معتصم نظره الي زينة التي قامت بتثبيت خصلاتها بواسطة القلم علي شكل دائرة مبعثرة، فتحدث:.

- أستاذ عادل قالي أنك مش هتيجي غير و انتي معاكي أخبار مهمة
هزت زينة رأسها و هي تخرج ملف يحتوي علي الكثير من الأوراق من حقيبتها قائله:
- أيوه فعلا، معايا ملف فيه كل المعلومات اللي ممكن تكون محتاجها علشان تقبض علي خالد الدهشوري
أعطته الملف مكملة:
- معاد الشحنة و هتخرج أزاي اليوم و الوقت بالظبط و الورق اللي خالد موقعه علشاان يستلم الشحنة و شريكه كمان.

نظر معتصم في الملف بتركيز و أندهاش، ثم نظر الي زينة قائلا:
- جبتيه ازاي ده
- دخلت الفيلا بتاعته و هو مش موجود كانت فاضية روحت علي المكتب و كان فيه واحدة من الخدامين اديتلها فلوس و عملتلي نسخة من مفتاح مكتبه فتحت و أخدت الملف و صورت كل الورق بالموبايل و روحت علي الجريدة و طلعت كل الورق و طبعته زي ما انت شايف كده، ده شغلي يا معتصم باشا
أبتسم معتصم بإعجاب قائلا:.

- لا و شكلك شاطرة في شغلك يا انسه زينة
- طول ما أنا بحب شغلي لازم هعمل كل اللي اقدر عليه علشان أنجح فيه، المهم معاد تسليم الشحنة بعد يومين و المكان عند حضرتك في الملف، أشوفك بعد يومين الساعة 9 بالظبط علشان نبقي جاهزين ليهم لما ييجوا، رقمي مع حضرتك في الكارت لو فيه أي حاجة تقدر تكلمني، عن أذنك
وقفت و سحبت القلم من خصلاتها ليهبط علي ظهرها فظهرت من جديد كالملائكة، فوقف معتصم هو الاخر قائلا:.

- طب استني اشربي عصير البرتقال
أبتسمت له زينة و مدت يدها قائله:
- هنشربه بعد ما نقبض عليه ان شاء الله، أتشرفت بيك يا معتصم باشا
مد يده ليسلم عليها قائلا:
- و انا كمان جدا.

تركته و ذهبت من المكتب، فجلس هو علي مقعده و قد سرح في جمالها الخلاب، فهو لم يري إمرأة أجمل منها علي الإطلاق، بالإضافة لكونها مجتهدة للغاية في عملها، ربما جاء الوقت ليكمل النصف الثاني من دينه و يتزوج، و لكن هل هي مرتبطة؟ لا يعلم، و لكن سينظر المرة القادمة الي يدها و يتمني أن لا يجد أي خاتم بهما.

في حي المقطم شارع رقم 9.

أستيقظ كريم من نومه في منتصف النهار، دلف الي الحمام و أخذ حماماً دافئاً ثم خرج و أرتدي قميص أصفر هادئ علي بنطال جينز فاتح، ثم مشط خصلاته و وضع عطره و أصبح جاهزاً تماماً للذهاب الي مستشفي المقطم التخصصي في يومه الأول، حمل حقيبته و أتجه نحو باب منزله و خرج، لينظر الي هاتفه، فوجد العديد من المكالمات الفائتة من والدته داليدا ، فأبتسم و أتصل بها ثم وضع سماعات البلوتوث في أذنه، و هبط عن الدرج في العمارة، أجابته داليدا قائله بنبرة مليئة بالقلق:.

- أنت فين يا حبيبي؟ انا صحيت بدري انت مكنتش في البيت
أبتسم كريم بسعادة قائلا:
- صباح الخير عليكي يا حبيبتي، أنا لسه صاحي و نازل علي الشغل أهوه
نطقت داليدا بتعجب و حذر و سألته:
- صاحي فين يا كريم؟ أنت كنت بايت فين؟

- في شقتي الجديدة يا ماما، بصي قبل أي كلام أو خناق، قولتلك أنا مش زي معتز ماشي ورا أبوه و خلاص و بيتفاخر بالفلوس اللي آبوه عملها، انا غيره، أنا عايز يبقي ليا شغلي المستقل اللي بعيد عن عمي و نفوذه، مش عاوز أشتغل في مستشفياته و اكون مديرها، عايز أبدأ من الاول و يبقي ليا حياتي الشخصية
صرخت به داليدا بغضب شديد:.

- أنت بتستعبط يا كريم! باباك يبقي عنده أكبر مستشفيات في مصر و هو من أكبر الجراحين في البلد و انت رايح تشتغل في مستشفي تانية و تقولي حياتك الشخصية و تبدأ من الصفر، أرجع البيت حالا يا كريم
تحدث كريم بهدوء شديد:.

- ماما، انا عندي 31 سنة، تفتكري ليه كل الوقت ده و انا مع عمي و ساكت، علشانك نفذتلك اللي انتي عايزاه و اشتغلت في المستشفي معاه، جه وقت أنفذ اللي انا عايزة، و جه وقت أحقق أحلامي أنا، جه وقت أحس فيه أني راجل فعلا مسئول عن نفسي مش مسئول من حد، أنا أسف يا ماما بس جه وقتي أنا بقي و مش هقبل حد يقف في طريقي
صرخت به داليدا بقوة و تحدثت:
- انت بتقول ايه، أنت امك هانم و جدك كان باشا، و ابوك كمان باشا.

صرخ بها كريم هو الآخر هذه المرة قائلا:.

- أبويا كمان كان باشا، بس اللي موجود دلوقتي مش بابايا ده جوزك أنتي و اللي يبقي عمي أخو بابا، معتز يمشي وراه ماشي علشان هو باباه أنما انا لا يا ماما، خلاص أنا متخرج من 6 سنين يا و سمعت كلامك و اشتغلت معاه في المستشفي، خلاص بقي متطلبيش مني فوق طاقتي، انا من حقي يبقي ليا حياتي اللي انا ببنيها مش عايز حد يبني معايا، و لازم كمان أدور علي قاتل أبويا اللي هرب ماشي، و دلوقتي سلام خليكي مع جوزك و أبنك.

- هخلي خالد يوصي كل المستشفيات تطردك و هترجعلي تاني يا كريم
- مش هرجع حتي لو وصل بيا الأمر أني مبقاش عندي شغل أو مبقاش دكتور، و انتي حرة سلام بقا علشان انا في العربية و مش هينفع أتكلم و انا سايق.

أغلق الهاتف و ألقاه علي المقعد المجاور له في السيارة و أستند برأسه علي عجلة القيادة و تنهد، فلقد ملَّ من تحقيق رغباتها و هدم أحلامه، ملَّ من أن يصبح مجرد تابع لزوج والدته، يريد أن يشعر بوجوده و قيمته في هذه الحياة.
أنطلق بالسيارة نحو المستشفي التي لا تبتعد كثيراً عن المنزل ليبدأ في تحقيق أول أحلامه صاعداً أولي سلالم النجاح بعد صراع عنيف دام لستة سنوات.

قبل تسعة و عشرين عاماً
أٌقتربت جنات من الغرفة التي أصبحت تتردد عليها كثيراً في الفندق، دقت علي الباب ففُتح علي الفور، و وقف كامل أمامها بإبتسامته الجميلة قائلا:
- أتأخرتي شوية، كنت مستنيكي
تحدثت بخجل و ما زالت إبتسامتها قائمة علي وجهها و عينيها تنظر الي الأرض قائله:
- كان عندي أوضتين قبل حضرتك
أبتعد عن الباب ليفسح لها المجال للدخول قائلا:
- طب أتفضلي أدخلي.

أمسكت ببعض الأغطية من العربة التي تقوم بنقلها عبر الغرف و دلفت الي الغرفة و أغلق كامل الباب خلفهما، فأقتربت هي و بدأت في تغيير الأغطية و تحدث كامل:
- مكنتيش موجودة بقالك أسبوعين، عرفت من مدير الفندق أنك أخدتي أجازة
أومأت جنات برأسها و هي تبدل أغطية الوسائد قائله:
- أيوه نزلت أنا و ماما البلد علشان تلبيس الدبل
نظر لها كامل بعدم فهم و سألها:
- تلبيس دبل أيه انا مش فاهم حاجة يا جنات.

ألتفتت له و نظرت الي عينيه التي تشع منهما القلق فتحدثت بإرتباك و هي تظهر خاتمها قائله:
- فيه واحد من البلد عاوز يتجوزني و أمي وافقت عليه فأتخطبنا
أنتفض كامل من مجلسه و أقترب منها ممسكاً بيدها و هو ينظر الي المحبس، ثم صرخ بها قائلا:
- يعني أيه أتخطبتي؟ مقولتليش ليه يا جنات قبل ما تمشي هااه
عادت الي الخلف خطوة في خوف من نبرته الغاضبة و سحبت يدها من بين يديه قائله بإرتجاف:.

- معرفش أني المفروض أقول لحضرتك
أقترب منها أكثر و هو يضغط علي أسنانه بغيظ قائلا:
- أنا المفروض أعرف عنك كل حاجة يا جنات كل حاجة
هزت رأسها بالنفي و هي تنظر له بعدم فهم قائله:
- ليه يعني؟ سارة لسه متجوزة من شهر و مقالتش لحضرتك حاجة ولا لأي واحد من أصحاب الفندق
أمسكها من كتفيها بقوة و أقترب منها قائلا:
- ما انتي لو مفهمتيش انك غير أي حد تبقي عبيطة يا جنات يا إما بتستعبطي.

شعرت بالخوف من أقترابه منها الي هذا الحد و أمساكه إياها بهذه الطريقة، فتحدثت بتلعثم:
- أنا مش فاهمه حاجة
صرخ بها من جديد و صرح عن مشاعره للمرة الأولي قائلا:
- أنا بحبك يا جنات، فهمتي في ايه، بحبك، الدبلة دي ترجع لصاحبها و الخطوبة تتفسخ، انا مستحيل أوافق انك تبقي لحد غيري.

أحتلت الصدمة جسدها و عقلها، فتسمرت في مكانها و أرتفع صوت أنفاسها من قربهم بهذا الشكل و من حديثه، و لكن ثواني و كانت تدفعه بقوة بعيداً عنها قائله:
- مفيش حب، حب ايه؟ انت مش شايف انت فين و انا فين؟ مستحيل حد هيوافق علي العلاقة دي؟ و انا مش هقدر أطلع لمستواك ولا أنت ينفع تنزل ليا
نظر لها بدهشة و عدم تصديق قائلا:
- انتي أزاي بتفكري بالطريقة دي يا جنات؟ مستوي ايه! أنا بقولك بحبك، فكري بقلبك مش بعقلك.

- مفيش قلب بيفكر لأنه مفيهوش مخ علشان أفكر، مش هينفع أخد قرارات بقلبي لأنه هيلبسني في حيطة بس و هيخسرني شغلي اللي انا و امي عايشين عليه و هيخسرني عريسي، و انت كمان هتخسر مكانتك ما بين الناس يا كامل بيه
صمتت قليلاً و هي تنظر الي ملامحه المصدومة ثم أكملت:.

- لو سمحت أنا محتاجة الشغل ده، و مش عايزة أسيبه ولا أخسره بسببك أو بسبب اي حد تاني، لو سمحت سيبني في حالي، و زي ما وصيتهم أنا أجي كل يوم انضف الأوضة خليهم يبعدوني عنك خالص، مش عاوزة أشوفك تاني ده الأحسن.

نظرت الي الأرض و هي تفرك يديها بتوتر، و كامل ينظر إليها بصمت تام، إلي أن تحرك نحو باب الغرفة و خرج منها صافعاً الباب خلفه بقوة فزعت جنات التي ما أن خرج حتي جلست علي الفراش و سمحت لدموعها بالهبوط أخيراً علي حبها الأول الذي أبعدته عنها و هي تتذكر كلمات والدتها جيداً التي حذرتها كثيراً و كثيراً من الحب و أفعاله الحمقاء، ثم نظرت الي الخاتم في يدها و مسحت دموعها، فهي الآن ستكون ملك لشخص أخر، يجب أن تكون مخلصة له تماماً و أن تنسي كامل و تبتعد عنه بقدر الإمكان.

.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة