قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل الرابع

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل الرابع

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل الرابع

داخل شقة حسن الرفاعى الشقيق الاكبر لصالح جلست زوجته سمر تتحدث فى هاتفها وعلى وجهها يرتسم الملل وعدم الاهتمام وهى تستمع الى محدثها من الطرف الاخر لعدة لحظات قبل ان تنهى المكالمة زافرة بعدها بضيق وتأفف قائلة
: ياساتر دانتى عليكى رغى، لا وكمان عبيطة فكرانى هعملك حاجة، هو انا هبلة دانا ما صدقت خلصت منك.

نهضت واقفة تتحرك من مكانها فى اتجاه غرفة النوم تفتح بابها وهى تهتف بحدة فى زوجها المستلقى فوق الفراش نائما
: شوفت ياحسن الهانم عاوزة منى ايه؟

فز حسن فزعا من الفراش يهتف بتبرم وضيق
: فى ايه ياسمر فى حد يصحى حد كده، وهانم مين اللى بتصحينى كده علشانها.

تقدمت منه جالسة بجواره وهى تلوى شفتيها بسخرية هاتفة
: الهانم مرات اخوك، اقصد طليقته بتكلمنى عوزانى اساعدها واخليك تكلم صالح علشان يرجعها تانى.

استلقى حسن مرة اخرى فوق الفراش مضجعا على جانبه قائلا بصوت يغلبه النعاس
: طب ودى فيها ايه، انا فعلا كلمت ابويا علشان يكلمه يرجعها.

هبت سمر وافقة وعيونها جاحظة بذهول صارخة
: قلت له ايه؟! انت عاوز تشلنى يا حسن ولا عاوز تموتنى بدرى ولا ايه حكايتك بالظبط.

انحنت فوقه تنكزه بعنف حين وجدته يغمض عينيه متجاهلا لها تكمل غاضبة
: انت هتنام قوم هنا كلمنى، الا والله اخليها ليله سودا عليك.

نهض فورا جالسا فى الفراش بوجه شاحب وهو يتحدث بلتعثم واضطراب
: ليه بس كل ده ياسمر، ايه اللى حصل لكل ده.

انفجرت فيه صارخة وهى تقترب بجسدها منه
: بتسألنى ايه اللى حصل لكل ده، دانا هتشل منك ومن برودك.

جلست بجواره تنكزه قائلة بغيظ
: انا يا راجل انت مش مفهماك وقايلة ليك اياك تكلم صالح ولا ابوك بخصوص الموضوع ده.

هز حسن رأسه بالايجاب قائلا بخفوت
: حصل، بس انا صالح صعبان عليا يعيش كده وحدانى، ده اخويا برضه ياسمر.

زفرت سمر ببطء تحاول تهدئة انفعالاتها قبل ان تحدثه وكأنها تحدث طفلا تحاول اقناعه بعمل ما
: طبعا ياحبيبى اخوك وحبيبك كمان، بس انت كمان متنساش برضه عيالنا ومستقبلهم، وبعدين هو احنا كان لينا يد فى اللى حصل ولا كان لينا دخل فيه، ده كله قدر ونصيب ومش عيب اننا نستغله لمصلحتنا ولا ايه ياحبيبى.

شعرت برفضه لكلماتها وهى تراه يعقد حاحبيه معا يهمهم بأعتراض
: بس يا سمر انا مش عاوز...

اسرعت فورا تغير من سياستها معه تتبع فورا اخرى لم تخيب امالها ابدا فى اخضاعه لرغبتها وهى تهمس له بنعومة
: مش عاوز ايه ياحبيبى!، هو انا عمرى قلتلك حاجة مش فى مصلحتك، ولا فى حد بيخاف عليك ادى.

قالتها وهى تقترب منه ممررة اطراف اصابعها على صدره ببطء واغراء تنظر اليه تغويه بنظرات عينيها وبالفعل تتسارع انفاسه تزداد خشونة استجابة لها وهو يقترب منها هو الاخر يهز رأسه لها بالنفى كالمغيب قبل ان يجذبها بين احضانه بلهفة يستلقى بها فوق الفراش لتنطلق منها ضحكة انثى سعيدة منتصرة باحكامها السيطرة على زوجها كما تبغى وتريد.

دفعته بعيدا عنها بعنف ثم وقفت مكانها تتطلع اليه بذهول ممزوج بالغضب والشراسة لكنه لم يبالى لها بل وقف بثبات امامها تتسع ابتسامته الخبيثة اكثر مع ازدياد بريق الجشع فى عينيه فى انتظار ردها لتثيرها حالة الثقة هذه به فتنفض عنها ذهولها وهى ترفع حاجبها بتعجب تهتف به بحدة ساخرة
: عريس!عريس ايه يا عايق، هى من امتى الحدادية بتحدف كتاكيت، وبعدين مدام من طرفك يبقى يغور.

تحفز جسد مليجى فى وقفته وقد احتقن وجهه بشدة من ردها اللاذع عليه حتى صار شديد الاحمرار يهم بالانقضاض عليها لكنه اسرع بتمالك نفسه سريعا يدرك ان غضبه لن يكون له تأثيرا هذه المرة ويجب استخدام اللين والتروى ان اراد النجاح فيما يريد لذا اسرع يمحو عن وجهه امارات الغضب يتنفس بعمق عدة مرات قبل ان يلتفت الى سماح الواقفة بقربهم تتابع ما يحدث ذاهلة فى محاولة لاقناعها وكسبها الى طرفه.

: طب اسمعينى انت يابت ياسماح مدام بنت ال مش راضية تفهم ولا تسمعنى واسألينى مين العريس.

سماح وهى تربت فوق كتفه وبصوت مستعطف
: حاضر يا خالى، حاضر، مين هو العريس؟

: ظاظا، انور ظاظا، صاحب محل ال...

قالها مليجى بتلهف وفخر كما لو كان يعلن عن اسم احد الملوك لكن جاءت صرخة فرح وسماح المستنكرة لتقاطعه عن اكمال حديثه هاتفتين معا فى وقت واحد
: بتقول مين؟!، انور ظاظا مين؟

ابتسم مليجى لهما ابتسامة سمجة ثقيلة قائلا
: انور ظاظا ياعين امك منك ليها، ايه هو فى حد يتوه عنه.

ازدردت سماح لعابها بصعوبة ثم حدثته بصوت خافت متردد
: بس ده، متجوز اتنين يا خالى، ومفيش واحدة منهم هترضى بكده.

توتر مليجى وهو يتهرب بنظراته بعيدا عنها قائلا باضطراب وتردد
: لا ماهو، يعنى، مفيش واحدة منهم هتعرف بالجوازة من الاساس.

عقدت فرح حاجبيها بحيرة تسأله متوجسة
: وده اللى هو ازى بقى؟

ابتعد مليجى عنهما معطيا ظهره لهما وهو يلوح بيده قائلا سريعا ودون اكتراث
: من الاخر كده الجوازة هتبقى عرفى، والراجل مستعد يتقلها بالدهب وهيدفع فى الجوازة من جنيه ل...

جحظت عينى سماح وفرح ذهولا وصدمة فلم تتصور احداهما يوما ان يكون بكل هذه الدنائة برغم كل عيوبه والتى لا تخفى احد.

لذا هنا ولم تستطع فر ح الصمت تشتعل عينيها بالشراسة تسرع ناحيته صارخة بغضب اعمى
: ده على جثتى لو حصل، فاهم، مش كفاية معيشنا فى هم ولاهف شقانا، كمان عاوز تجوزنا غصب وتقبض تمنا.

التفت لها مليجى يندفع هو الاخر ناحيتها صارخا
: يعنى ايه كلامك ده يابنت ال انتى.

وقفت امامه تتطلع اليه وعينيها وملامحها تنطق بالتحدى والاصرار
: اللى سمعته، وده اخر كلام عندى.

هدأت ثورة غضبه بداخله حين رأى هذا المزيج من التحدى والاصرار له منها يعلم بانه سوف يخسر امامها المعركة ان ظلا كلا منهما على تحديه لاخر لذا اسرع ينتهج طريقة اخرى دعى بداخله ان تفلح معها يضع فوق وجهه قناع من الهدوء والمصابرة واخذ يحاول اقناعها باللين وبصوت متوسل.

: يابت اعقلى ومضيعيش الفرصة دى من ادينا، خلينا بقى نقب على وش الدنيا ونعيش، ولا عجبك نفضل طول عمرنا يتقال علينا شحاتين الحارة.

لم يجد منها استجابة وقد صمت اذنيها عن حديثه تقف كما هى امامه بعزمها واصرارها لا يهتز لها جفن ليحبط بداخله فلا يجد امامه سوى ان يلتف الى سماح مرة اخرى يحدثها هى لعلها تصغى اليه وتحاول اقناعها معه
: كلمى اختك ياسماح وعقليها، مش يمكن انت كمان المعلم انور يشوفلك جوازة حلوة مريحة زى دى وتشوفى حالك انتى كمان.

همت سماح بالرد عليه لكنه اسرع قاطعها قائلا بتلهف
: شوفوا انا هسيبكم تاخدوا وتدوا كده مع بعض، وهروح انا عند انور اكلمه واشرط عليه يكتبلها كمان شقة ملك، اه اومال ايه هو فى زى فرح ولا حلاوة فرح فى الحارة كلها.

وبالفعل اعقب حديثه بالتوجه ناحية الباب مغادرا على الفور دون ان يمهلم فرصة للرد لتقف فرح بعد خروجه تتطلع الى الفراغ بشرود وتفكير اخرجها منه صوت سماح القلق وهى تسألها
: هتعملى ايه فى المصيبة دى، خالك عامل زى اللى لقى عضمة واستحالة يسيبها من ايده.

لم تجيبها فرح بل تحركت سريعا باتجاه الاريكة تختطف من فوقها عبائتها السوداء والطرحة الخاصة بها ثم تسرع فى اتجاه الباب هى الاخرى لتهتف بها سماح باضطراب
: رايحة فين يابت كلمينى..

التفتت اليها فرح قائلة بحدة
: رايحة افرج الحارة على خالك والعضمة بتاعته ومبقاش فرح اما خليت اللى ما يشترى يتفرج عليهم.

ثم خرجت تغلق الباب خلفها بقوة تاركة سماح تلطم وجنتيها بكفيها هامسة رعب
: نهار اسود عليكى يافرح، هتودينا كلنا فى داهية بجنانك، ده قليل اما خالك عجنك ادام الحارة كلها
.

وقفت مكانها تنظر حولها بتيه وقلة حيلة حتى اتسعت عينيها فجأة بأدراك فتسرع هى الاخرى تخطتف عبائتها من داخل الغرفة ثم تسرع فى اتجاه الباب وهى تهتف بحزم
: هو مفيش غيره اللى يقدر يلم الليلة دى كلها، انا هروح له ويحصل اللى يحصل بعدها.

كان الحاج منصور يجلس مكانه منذ ان تركه ولده ناظرا امامه شاردا فى افكاره حتى انتبه على صوت زوجته الحنون وهى تجلس جواره تسأله بقلق
: مالك يا حاج خير، قاعد مسهم كده ليه يا خويا.

زفر ببطء قائلا بصوت مثقل بالهموم
: صالح يا حاجة مش عجبنى حاله، خايف يمر العمر بيه وحدانى لا انيس ولا جليس معاه.

زفرت انصاف هى الاخرى وقد علت فوق ملامحها الهموم هامسة بحزن
: طول عمره ياقلب امه حظه قليل، حتى لما ربنا رزقه ببنت الحلال وقلت خلاص ربنا هيهدى سره واشوفه متهنى حصل اللى حصل وملحقش يتهنى يا حبة عينى.

التفت اليها الحاج منصور سائلا اياها بصوت قلق قائلا
: طب والحل يا حاجة هنقعد كده ساكتين واحنا بنشوفه كده؟

هزت انصاف راسها هامسة بقلة حيلة
: واحنا فى ادينا ايه نعمله، ده حتى موضوع مراته مش مستحمل حد فينا يفتح معاه كلام فيه.

صمت منصور يهز رأسه موافقا على حديثها صامتا للحظات قبل ان يهتف وقد شع وجهه بالامل
: يبقى مفيش ادمنا غير عادل، هو الوحيد اللى بيسمع له واللى هيقدر يقنعه يرجعها.

تهلل وجه انصاف بالفرح تهم بالرد عليه لكن اتى صوت صالح الجاف مقاطعا لها قائلا
: ريحوا نفسكم منى، لا عادل ولا غيره هيقدروا يقنعنى بحاجة انا مش عاوزها.

هبت انصاف تهتف به بلوم وهى تلتفت اليه بفزع
: كده يا صالح تخضنى كده..

تقدم للجلوس بجوارها مقبلا جبهتها بحنان قائلا برقة
: حقك عليا ياحاجة، بس ياريت بلاش كلام فى موضوع ميت، لو بتحبونى فعلا وعاوزين مصلحتى بلاش منه الكلام فيه.

همت انصاف تجيبه برجاء لكن قاطعها منصور يهز رأسه بأستسلام قائلا بحزن وهو ينظر الى زوجته يرى بداخل عينيها حزن مماثلا
: خلاص يا حاجة، هو ادرى وعارف ايه اللى يريحه، احنا كل اللى يهمنا راحته.

ابتسمت انصاف بضعف مستسلمة تقبل وجنته صالح بحنان تتبعها بدعاء من القلب ابتسم هو بفرحة له يسود الصمت بعدها للحظة قبل ان ينهض صالح قائلا
: هنزل انا اشوف الشغل ماشى ازى، لحد ما حسن يصحى والضيوف يوصلوا.

القى عليهم السلام مغادرا تتبعه نظراتهم الحنون ودعواتهم له ولكن ما ان قام بفتح الباب حتى طالعه وجه سماح الجزع تهتف به برجاء وتوسل
: الحقنى يا سى صالح، ابوس ايدك تعال معايا نلحق البت فرح.

توترت كل خلجة من خلجات جسده فورا ان سمع اسمها يسأل سماح بجزع وخوف يشق صدره
: مالها فرح يا سماح، انطقى.

صرخ بكلمته الاخير حين وجد التردد يسيطر عليها لتهب سماح هاتفة فورا تقص عليه ماحدث بكلمات سريعة
: خالى عاوز يجوزها لانور ظاظا عرفى، وهى راحت ليهم المحل مصممة لتفرج عليهم الحارة هو وخالى..

لم يستمع للباقى من حديثها فقد توقفت تماما جميع حواسه تفور بداخله براكين بحممها تغذيها و تشعلها سماعه لكلمة زواجها بأخر وان هناك غيره ارادها له فتعمى غيرته عينيه بعصبة سوداء من العنف والغضب وهو يزيح سماح من طريقه يهرول فوق الدرج مختفيا عن انظارها فى لمح البصر.

: البت مش موافقة وبهدلت الدنيا يابرنس لما عرفت انها جوازة عرفى.

قالها مليجى لانور وهو يتظاهر بالاسف واقفا فى انتظار عاصفة انور الغاضبة مستعداً لها بكلمات اعدها طويلا للفوز باكبر قدر ممكن من المكاسب من تلك الزيجة، لكن ولصدمته وجده ينهض على قدميه بكل هدوء متقدماً منه وهو يبتسم بثقة وعينه تلتمع بالاعجاب قائلا بصوت متحشرج
: كنت عارف انها مش هتوافق، اللى زى فرح استحالة ترضى بجوازة فى السر ولو من مين، دى بت حرة ودمها حامى، قطة حلوة وبتخربش.

فغر مليجى فاه بذهول وانور يكمل بلهفة وأبتسامة سعيدة فرحة
: انا عاوزك تطمنها وتقولها انى هتجوزها واعمل لها اكبر فرح اتعمل فيكى ياحارة، وشقة تمليك بأسمها، والمؤخر اللى تقول عليه والشبكة اللى تشاور عليها تيجى فى الحال..

: وايه كمان يا ظاظا...
تقدمت فرح الى الداخل ببطء وعينيها تطلق سهام التحدى نحوه لتتراقص نبضات قلبه بسعادة ونشوة فور ان رأها تقف امامها يمرر نظراته الشرهة عليها ببطء جعلها تشعر بقشعريرة النفور والتقزز تمر من خلالها لكنها وقفت بثبات امام نظراته تلك تتظاهر بالبرود قبل ان يسرع هو قائلا بتلهف لاهث بعد عودة عينيه الى وجهها
: واللى تأمرى بيه يا ست البنات، مالى كله تحت اشارة منك، بس انتى تقولى ااه.

تقدمت منه بهدوء وابتسامة صغيرة ملتوية فوق شفتيها جعلته هو الاخر يبتسم بثقة وقد ظن بأنه قد ملكها حتى اصبحت فى مواجهته لتختفى عنه تلك الابتسامة يحل مكانها غضب عاصف شرس حين قالت له بتأكيد وببطء شديد كما لو كانت تحدث شخص اخرق بطيئ الفهم
: برضه مش موافقة يا ظاظا، ولو جبت ليا مال قارون كله ورميته تحت رجلى برضه مش موافقة.

تقدم مليجى منها صارخا بحنق وهو يجذبها من ذراعها بعنف وقسوة
: ليييه يا بنت ال ما الراجل هيكتب عليكى رسمى يبقى ليه بقى العند يا بنت ال.

تركهم انور غافلا عنهم شاخصا بعينيه للخارج نحو ذاك الاتى من بعيد مسرعا بوجه الغاضب وجسده المتحفز يقف يتابع تقدمه باهتمام عالما الى اين وجهته تحديداً وبدون شك لذا ضغط فوق شفتيه يفح من بينهم قائلا لميلجى
: انا بقى عارف ليه يا مليجى، بنت اختك بترسم على تقيل اووى.

التفت اليه مليجى وفرح ينظران اليه بعد فهم وهما يشاهدنه يخرج من محله بعدها هاتفا بسخرية وتحدى
: اهلا بصالح باشا، هى الاخبار لحقت توصلك وجاى تنقذ السنيورة منى ولا ايه؟!

تجاهل صالح سؤاله الساخر يسأله هو بهدوء متحفز وغضب مكبوت
: فرح فين يا انور؟

اشار انور بأبتسامه ساخرة ناحية باب محله وقد خرجت فرح منه ببطء يرتسم الخوف فوق ملامحها قائلا بتهكم
: موجودة يا كبير وسليمة كمان.

اشار صالح برأسه بحزم لفرح الواقفة تتطلع نحوه بذهول لتأتى اليه مسرعة ودون لحظة تردد واحدة تختفى خلف ظهره بحماية ليكمل انور تحركه غيرته حين رأى ماحدث بصوت متهكم مغلول
: متقلقش عليها اووى كده، هو احنا نقدر نمس حاجة بتاعتك وتخصك.

كان فى تلك الاثناء قد تجمهر عدد كبير من اهالى الحارة لمتابعة ما يحدث بفضول ومعهم سماح والحاج منصور والذى هدر بغضب وحدة به
: انور، اتكلم عدل، وبلاش كلامك الملاوع ده.

فتح انور يده بطريقة مسرحية يصرخ هو الاخر بحدة
: انا اللى ملاوع ياحاج، ولا ابنك اللى مستغفلنا كلنا وداير يلف ويدور على البت الغلبانة دى ويضحك على عقلها بكلمتين وياعالم حصل ايه تانى.

ما ان انهى حديثه حتى هجم عليه صالح مزمجرا يكلل له الشتائم والضربات القاسية حتى ارتطمت قبضته بوجهه سمع معها صوت تحطم انفه ليسقط ارضا ووجهه قد اختفت ملامحه من شدة دمائه النازفة يلحقه مليجى راكعا بجواره حتى يساعده على النهوض وهو يهمس بحيرة وفزع له مستغلا تجمهور الاهالى حول صالح فى محاولة لابعاده بصعوبة عن انور حتى لا يفتك به
: ايه اللى بتقوله ده يا برنس، انت ناوى تفضح البت فى الحارة ولا ايه.

انور هامسا له هو الاخر
: ملكش دعوة انت، امشى معايا على الخط بس.

لينهض بعدها بصعوبةو ببطء وهو يشير ناحية فرح الواقفة بعيون مرتعبة ووجهه شاحب يحاكى وجوه الموتى تتابع ما يحدث وسماح بجوارها تحتضنها بحماية بين ذراعيها قائلا بصوت جهورى غاضب تعمد ان يصل الى جميع الحضور
: الحلوة بطلبها للجواز على سنة الله ورسوله ترد تقولى ده بعيد عن شنبك، ده صالح لو عرف هيعلقك على باب الحارة، ادام خالها وبعين بجحة اد كده، حصل كلامى ده يا مليجى ولا لا.

ارتعش مليجى بتوتر وجهه يتفصد عرقا بغزارة و عينيه تتلاقى بعينى صالح المشتعلة بالغضب وهو يعافر لتحرر من الايدى الممسكة به مجيبا بخفوت وتلعثم
: هاا، اه حصل يا برنس حصل.

صرخت فرح تنفى حديثهم الكاذب تسرع فى اتجاه صالح وقد تجمد مكانه بعد كلمات مليجى المؤكدة تهتف به بتضرع وحرقة
: والله ما حصل يا صالح، دول كدابين، صدقنى والله ما حصل.

اقترب انور من صالح بخطوات واثقة يطمئنه الجمع المتجمهر حولهم وعلى اهبة الاستعداد للوقوف كحاجز امان له من غضب وثورة صالح قائلا بتلذذ وسخرية
: قولى بقى، لما عيلة تقول الكلام ده يا صالح باشا يبقى اكيد فى حد مالى دماغها بكلام فارغ وشاغل البت بيه.

احتقن وجه صالح تنفر عروقه المحتقنة بالدماء يهم بالهجوم عليه مرة اخرى وقد تعال صوته بالشتائم وهو يحاول التحرر حتى يستطيع الفتك به ليتراجع انور الى الخلف بجزع حتى كاد ان يسقط ارضا بظهره خوفا وارتعابا منه لكن اتى صوت
الحاج منصور الرفاعى ليعلو فوق جميع الاصوات يجمده مكانه وقد ساد الصمت ارجاء المكان وهو يقول بقوة ونبرات حازمة
: ومين قالك انه كلام فارغ ولا ضحك على العقول يا انور...

وقف بكل هيبته ووقاره يكمل وهو يتطلع بثبات وقوة فى كل العيون الفضولية المحدقة به حتى توقفت عند ولده بجسده المتجمد ونظراته المتسألة يطالبه بعيون مترجية ان يوافقه على ماهو ات قائلا بعدها بكل هدوء وجد
: صالح طلب منى اطلب له ايد فرح من كام يوم، وانا كنت هكلم مليجى النهاردة بعد ما اهل خطيب ياسمين يمشوا، بس مدام الحارة كلها واقفة وسامعة.

التفت الى مليجى الواقف مصدوم متسع العينين قائلا بصوت قوى جهورى قصد به ان يسمع كل الحضور بطلبه
: يا مليجى، انا يشرفنى اطلب ايد فرح بنت اختك لابنى صالح على سنة الله ورسوله، قلت ايه؟

حانت من مليجى التفاتة متوجسة ناحية انور الشاحب بشدة قبل ان يزدرد لعابه بصعوبة وبصوت خرج منه خافت متلعثم اجاب
: ده، يوم، المنى، ياحاج، هو احنا نطول.

علت التهانى من رجال الحارة ومعها ارتفعت زعروطة فرحة سعيدة من سماح وهى تحتضن فرح المنهارة باكية تبارك لها بكلمات تتراقص فرحا لكنها كانت كالاصم عنها وعينيها معلقة فوق صالح الواقف بجمود ووجهه كتمثال من حجر بلا مشاعر وهو يتلقى التهانى ممن حوله قبل ان تحن منه التفاتة نحوها تلتقى عينيه بعينها لترتعش رعباً حين رأت بهم عنف وشراسة اسد مأسور داخل محبسه شعرت بهذا كله موجها اليها، فقط هى دون غيرها.

: صالح فين يا حاجة
سأل الحاج منصور زوجته بلهفة فور ان دلف الى داخل شقتهم لتجيبه بقلق وتوتر
: طلع شقته اول ما وصل، هو ايه اللى حصل يا حاج مع ظاظا و صالح ماله حاله مقلوب ومتغير ليه؟

تنهد منصور بحرقة وهو يتجه ناحية الباب قائلا
: لما انزل ابقى احكيلك اللى حصل، بس انا هطلع له دلوقت اتكلم معاه كلمتين.

هزت رأسها بالموافقة وهى تتوجس خشية ان يكون قد اصاب ولدها شيئ يتأكلها القلق عليه وهى تتجه الى مطبخها بخطوات بطيئة هامدة لتقابلها كريمة تسألها بقلق
: طمنينى يا حاجة حصل ايه، طمنينى على البنات ينوبك ثواب فيا، حكم انا خايفة انزل او اروح المنيل يزعقلى ولا يضربنى
ربتت انصاف فوق كتفها بحنان قائلة
: متخفيش، محصلش حاجة، الموضوع شكله اتلم والحاج لما ينزل هيطمننا.

تنهدت كريمة براحة لم تستطيع انصاف مشاركتها اياها ففى داخلها وبقلبها كأم تدرك بحدوث خطب ما لولدها قلب من حاله وموازينه لتهتف فى داخلها مستعطفة وهى تناجى الله
: الطف بيه يارب، كفاية اللى هو فيه، هومش ناقص ولا حمل وجع تانى.

وقد صدق حدثها فقد كان يدور داخل شقته كأسد جريح تحطم يده كل ما تطاله بعنف وغضب اعمى تتصاعد وتيرة انفاسه بعنف ينهج بعنف وحدة يشعر بحرارة جسده كما لو كان داخل الجحيم لا يستطيع تصديق ماحدث حتى الان وهو يقف مغلول الايدى يرى نفسه ينقاد الى ما حاول طويلا الهرب منه، كيف حدث ماحدث، وكيف وقف هو صامتا موافقا عليه، كيف ستكون كيفية التصرف فيما هو ات، كيف، وكيف، وكيف.

اسئلة اخذت تنهش عقله بلا رحمة ولا هوادة لا يجد منها فرارا يدور فى ارجاء المكان يجذب خصلات شعره بعنف لعله يهدء تلك النيران المشتعلة برأسه حتى تعال صوت جرس الباب ليسرع بفتحه يعلم جيدا هوية الطارق يفتحه بعنف وهو يهتف بحرقة والم بوالده الواقف امامه واحساسه بالذنب يقتله
: ليه يابا كده، ليه؟!

لم ينتظر اجابة من والده لسؤاله بل اندفع الى الداخل بخطوات متعثرة ثقيلة كما لو كان فى حالة سكر يتبعه منصور بعد اغلق الباب خلفه بهدوء مقتربا منه ببطء يربت فوق كتفه بحنان قائلا بندم واسف
: كنت عاوزنى اعمل ايه يابنى وسمعة البت الغلبانة دى هتبقى غنوة وحدوتة على لسان الحارة كلها بعد ما خالها أمن على كلام الكلب ده ادامهم كلهم، مقلتش ادامى غير الحل ده اعمله.

اغمض صالح عينيه زافرا بقوة قائلا بصوت خافت متألم
: طب و انا يابا مفكرتش فيا، مفكرتش انى هعيد حكايتى مع امانى تانى لو الجوازة دى حصلت، انى هكشف وجعى لاخر واحدة كنت عاوزة تعرف واعرى حرجى لها وانكسر ادمها.

اتسعت عينى منصور بأدراك يهتف مذهولا
: صالح وهو انت بتحب فر...

قاطعه صارخا بحرقة يفرغ من داخله كل ما كان كاتما له داخل قلبه حتى انهكه احتفاظه به طوال هذه السنين كلها
: ايوه بحبها، من وهى بنت سبعتاشر وانا بحبها، اتجوزت غيرها علشان بحبها، طلقت واستحالة هرجع مراتى تانى لذمتى علشان لسه بحبها، بحبها، بعشقها، قلبى عمره ما دق غير ليها هى، بس مش هتجوزها وده برضه علشان بحبها، فاهم يابا ولا لا.

منصور بلهفة وعينيه تلتمع بالدموع حسرة على ولده وما يعانيه من كل هذه الالام
: طيب ليه يابنى مدام بتحبها، مش يمكن دى اللى تصونك وتقدرك وتبقى...

قاطعه صالح وارتعاشة الخوف تطال صوته رغم محاولته الظهور هادىء قوى
: وياترى بقى هنعرفها الحقيقة ولا هنسيبها على عماها.

توتر منصور عينيه تتهرب من تحدى نظراته له ليبتسم صالح ابتسامة ساخرة منكسرة قائلا بتهكم
: كنت عارف انه لا، لا انا ولا انت هنقدر نقول الحقيقة، علشان كده بقولك لا يا حاج الجوازة دى لا يمكن تحصل ابداً.

اغروقت عينيه بالدموع تتساقط رغما عنه لتغرق وجنتيه وهو يهمس بتحشرج وقلب يأن بألم
: استحالة اعرى روحى ليها، مش ممكن اعرفها انى، عقيم مش بخلف، وانى طلقت امانى بسبب كده.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة