قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل الخامس

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل الخامس

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل الخامس

مر يومين عليه وهو يعيش داخل صومعة اختلقها له عقله حتى يعيد عليه فيها كل ما مر به يذكره بأوجاعه كطرف سكين حاد ينغزه بقسوة كلما وجد فى قلبه لين او شوق لتنفيذ رغبة والديه منه بأن يترك لنفسه الفرصة مرة اخرى للسعادة والتجربة لعله خير له هذه المرة لكن يقف عقله له بالمرصاد فى كل لحظة ضعف منه..

مثلما يفعل به الان وهو جالس فوق مقعده فى محل عمله غافلا عن كل المحيط به وبيده سيجارة تنساها بين انامله وهو يعانى مرة اخرى داخل ذكرى من عدة ذكريات لايام قاسية عاناها مع زوجته اخذت تهاجمه الان دون هوادة رغم محاولاته نفضها بعيد لكن اخذت تهاجمه بشراسة حتى استلم لها اخيرا.

يتذكر حين نهض من فراشه ثم يسير بأتجاه الباب بخطوات بطيئة متثاقلة يعلم ما بأنتظاره ككل يوم تقريبا وقد صدق حدسه حين وجدها تجلس فى مكانها المعتاد كانها اصبحت تجد متعتها حين يراها بحالتها تلك تستلذ بتعذبيه وجلده بحقيقة اصبح لا يجد مفرا منها والفضل لها فى هذا.

ليزفر بقوة يمرر كفه فوق وجهه بقوه قبل ان يقترب منها ببطء يراقب وجهها شديد الاحمرار وعينيها المنتفخة من اثر بكائها يراهن نفسه بأنها لم تتحرك من مكانها تجلس على حالها هذا منذ استيقاظها حتى تضمن رؤيته لها وقت استيقاظه ليقف مكانه زافر انفاسه ولكن هذه المرة ببطء وهدوء هو فى امس الحاجة له قبل ان يتحدث اليها قائلا بهدوء لكن اتى صوته مرتجفاً رغما عنه.

: تانى يا امانى، اخرته ايه بس اللى بتعمليه فيا وفيكى ده يا بنت الناس.

لم تجيبه بل تعالت شهقات بكائها اكثر كأنها كانت فى انتظار حديثه هذا لها حتى تبدء فى نوبتها المعتادة فاقترب منها جالسا فى المقعد المقابل لها قائلا بصوت حزين متوسلا
: كفاية ابوس ايدك بقى وارحمينى، انتى على الحال ده من يوم ما عرفنا، انتى كده بتموتنى بالبطيئ.

رفعت عينيها المتورمة تسمح انفها الاحمر بمنديلها قائلة بحدة وقسوة لا تتناسب مع مظهرها ولا بدموعها المنهمرة تلك
: انا اللى بموتك بالبطيىء، ليه خير، اومال لو انا اللى فيه عيب ومش انت كنت هتعمل...

صرخ بها يوقفها عن باقى حديثها المهين له قائلا بغضب وقسوة
: اخرسى خالص متكمليش، ايه فاكرة ايه، هفضل متحمل منك كده لحد امتى.

تجعدت ملامح وجهها حزنا وهى تنكمش على نفسها خوفا هامسة بانكسار اجادت صنعه تلعب به على وتر شعوره بالذنب ككل مرة
: بقى كده يا صالح بتزعلقى، مش متحمل منى كلمتين افضفض بيهم عن نفسى.

لكنه هذه المرة قد فاض به الكيل ولم يعد يحتمل المزيد منها يتحشرج صوته وتتوحش نظرات عينيه يضغط فوق اسنانه بغضب هامسا
: علشان كلامك بقى سم وعشتنا مع بعض بقت نار بتحرقنى وبتحرقك، ومبقاش ليها غير حل واحد بس..

شحب وجهها تتوسع عينيها خشية وقد علمت بما هو اتى من حديثه لذا اسرعت تحتضنه بقوة صارخة برجاء حتى توقف كلماته تلك
: لاا، يا صالح علشان خاطرى، انا اسفة مش هتكلم تانى كده بس بلاش تقولها وحياة اغلى حاجة عندك.

زفر بقوة يغمض عينيه محاولا تهدئة غضبه ونفوره منها والذى اصبح يزداد يوما عن يوما بتصرفاتها وكلماتها الجارحة التى كانت تطفىء بها كل يوم شيئ من صبره عليها واحتماله وهى تقتل به احساسه كرجل دون كلل منها او تردد يمنع نفسه عن تلك الخطوة المصيرية معها ظناً منه بأنها ستراعى بعد ذلك فى تعاملها معه لكن هيهات ظنه هذا وهو يراها تعود لممارسة هوايتها المفضلة وخلق جو من الدراما المأسوية بينهم يوما بعد اخر اصابه بالبرود والنفور من التواجد معها فى مكان واحد يغيب فى عمله قدرا الامكان هرباً منها ومن حياتهم معا.

حتى سمعها تتحدث الى شقيقتها فى احدى الايام قد فسرت بروده هذا معها على انه استسلام منه لها ثم اخذت تتباهى زهواً فى حديثها بما تفعله معه وكيف انها اصبحت قاب قوسين او ادنى من تملكه وجعله خاتما بأصبعها كما ارادت منذ البداية لينهى فى لحظة كل شيئ بينهم دون تردد ناطقا بتلك الكلمة التى كانت له كالتحرر من جحيم ظل به لاشهر يتحمل فيها افعالها وتقلباتها كلها لاحساسه بالذنب نحوها وانه كان سببا فى حرمانها من نعمة تتمناها كل امرأة.

لذا لا يمكن ان يعيد الماضى مرة اخرى، لا يمكنه ان يعانى تلك الاوجاع مرة اخرى، ليس عندما تكون هى المعنية هذه المرة بالامر، لن يحتمل ان يرى فى عينيها مارأه فى عينى غيرها عندما علمت بالامر، لذا..

نهض بحزم يجمع اشيائه من فوق المكتب سريعا يغادر وعلى وجهه الاصرار والتصميم فقد حسم امره وحان الوقت لانقاذ نفسه من السقوط فى تلك الدوامة وانهاء اوجاعه وانين قلبه والى الابد ولا سبيل لهذا سوى القيام بامر واحد لامفر منه.

جلست حول المائدة تتلاعب بطعامها بشرود ووجه شاحب وعيون مسهدة لتربت زوجة خالها بحنو فوق كفها قائلة
: كلى يا فرح، وسبيها لله، كله هيتم بأمره واذنه.

صدحت ضحكة غليظة قاسية من مليجى وهو يخرج من غرفته لايرتدى سوى ملابسه الداخلية يهتف بعدها بسخرية وتهكم
: اتعلفى ياختى يمكن تعجبى عريس الغفلة، اللى ماحد شاف وشه لا هو ولا ابوه من يومها.

نهضت فرح وافقة تهتف به بعنف وحدة وهى تتجه ناحية غرفتها
: البركة فيك وفى فضايحك، وهو فى عاقل يفكر يجى يحط ايده فى ايدك و يناسبك.

ثم توجهت الى غرفتها فلا طاقة لها لمجادلة اخرى معه يكفيها ماحدث بينهم من قبل وتلك المشاجرة والتى وانتهت ككل مرة بتطاوله بالضرب عليها لذا تركته واغلقت الباب خلفها بعنف ارتجت له اركان الشقة ليصرخ بها غاضبا
: ارزعى ياختى الباب، ماهو ده اللى باخده منكم، جتك القرف انت واختك فى ساعة واحدة.

ثم التفت الى زوجته ينهرها بحدة
: جرى ايه ياعين امك، انتوا قاعدين تتسمموا ومش عاملين حسابى ولا ايه، فين الاكل يا ولية.

نهضت كريمة سريعا قائلة بتخبط
: لا يا خويا ازى، الاكل جاهز ومتحضر، ثوانى ويكون ادامك.

ثم اسرعت ناحية المطبخ تختفى داخله تتعال بعدها صوت طرقات فوق الباب الخارجى ليهتف مليجى فى ولده الصغير بخشونة
: قوم ياض افتح الباب، تلاقيها المعدولة التانية رجعت.

ثم رفع كوب من المياه الى شفتيه يرتشفه لكنه عاود بصقه فورا بقوة حين هتف طفله بلهفة
: ده عم صالح اللى جه يابا.

نهض فورا يعدل من وضع ملابسه يسرع فى اتجاه الباب هاتفا بترحاب وتذلف
: اهلا يا صالح باشا، اهلا بكبرنا وابن كبرنا، اتفضل.

دلف صالح الى الى الداخل يمد يده نحوه ملقيا بالسلام قائلا بعدها بهدوء
: كنت عاوزك يا مليجى فى كلمتين، بس قبلها لو امكن انى اقعد مع فرح دقيقتين، يبقى كتر خيرك.

فغر مليجى فاه مذهولا فلاول مرة فى حياته يتم احترامه والاستأذان منه فى امر ما لذا اسرع بنفض ذهوله هاتفا بغبطة واعتزاز
: طبعا، دانت تأمر يا صالح باشا، البيت بيتك ياحبيبى.

ثم صاح مناديا لفرح بغلظة وبصوته الاجش عدة مرات حتى ارتفع صوتها بقوة تصيح من الداخل
: ارحمنى بقى عاوز ايه تانى، دى كانت ساعة سودا يوم ما طلبونى منك للجواز..

فتحت الباب تظهر من خلاله وهى تكمل بحدة وعنف
: ريح نفسك بقى انا مش عوزاها اصلا الجوااازة دى.

مطت حروف اخر كلماتها تتسع عينيها بصدمة حين رأته واقفا امامها بكل هيبته يتطلع اليها وأبتسامة ملتوية صغيرة فوق شفتيه جعلتها تخفض عينيها عنه ارضا بأرتباك وهى تهمم من بين انفاسها حانقة تلعن نفسها وخالها كعهدها فى كل مرة تراه فيها قبل ان يصيح مليجى ملتفت الى صالح قائلا.

: شوفت يا صالح باشا اهى على الحال ده من ساعة الحوار اياه، مش طايقة حد منا يكلمها كلمة ومفيش على بلسانها اللى عاوز قطعه غير الكلمتين دول.

ثم اشار ناحية غرفة جانبية قائلا بترحاب
: اتفضل انت يا خويا فى اوضة الجلوس، نورتنا والله، البيت نور.

دلف صالح الى داخل الغرفة لكن ليس قبل ان يرمقها بنظرة ارتجفت لها اوصالها لاحظها مليجى هو الاخر ليبتسم لها بشماتة مشيرا لها وهو يهمس
: ادخلى يا ختى العريس عاوزك فى كلمتين وابقى ورينى بقى هتقولى له ايه فى اللى سمعه منك ده؟!

شعرت بدموع الخيبة تحرق عينيها ترتفع الغصة بحلقها تكاد تخنقها وهى تتطلع فى عينيه الشامتة تهمس له هى الاخرى بحرقة
: ينتقم منك ربنا ياشيخ، على كل اللى بتعمله فينا ده، انت ايه شيطان.

ثم دلفت سريعا الى داخل الغرفة دون ان تمهله الفرصة للرد تقف جامدة مكانها حين رأت صالح يقف وقد اعطى ظهره لها ووجهه ناحية النافذة يضع يديه فى جيبى بنطاله للحظات ساد فيها صمت كان قاتلا بالنسبة لها وهى تقف خلفه تفرك كفيها معا باضطراب حتى انتهت قدرتها على التحمل لتهمس تناديه بصوت خرج منها مرتعش فيأتى حديثه دون مقدمات او يلتفت نحوها قائلا بهدوء شديد بعث فى داخلها الاضطراب اكثر.

: انا كنت جاى النهاردة علشان عايز اكلم معاكى كلمتين..

صمت زافرا بقوة وهو يخفض رأسه ينظر ارضاً ترى عضلات ظهره مشدودة بتوتر كأنه يعانى صعوبة فى ايجاد تلك الكلمات حتى يلقيها عليها، كلمات ادركتها من توتر جسده دون ان ينطق بها، فليس من السهولة على من هو فى مثل اخلاقه وشهامته ان يقوم بجرح الاخرين او يصيب كرامتهم بمقتل لذا اوجدت له العذر تشعر بالشفقة عليه اكثر من حالها هى وهو يلتفت اليها ببطء يضع انامله بين خصلات شعره قائلا بأضطراب.

: شوفى يافرح، انا لولا الظروف وان، انا كنت عاوز اقولك يعنى انى..
التفت مرة اخرى مواليا ظهره لها زافرا مرة اخرى لترتعش شفتيها وهى تضمها بشدة حتى تمنع نفسها من تجهش باكية قلبها يهفو له ويرق لحاله المضطرب لذا قررت ان تريحه من معاناته تلك هامسة بصوت مرتجف متحشرج
: الموضوع مش مستاهل كل ده، انا خلاص فهمت انت عاوز تقول ايه..

زفر صالح ببطء يلتفت اليها مواجها ترتفع على شفتيه تلك الابتسامة الصغيرة ثانياً ولكن ما جعل قلبها يرتجف بتخبط بين جنباتها هى تلك النظرة بعينيه وقد رأت للحظة الانكسار والالم بهما لكن سرعان مااختفت فوراً قبل حتى ان تتمكن من التحقق مما رأته فقد حل مكانهم سريعا نظرة عنيفة مشتعلة قائلا ببطء
: مافتكرش يا فرح انك فهمتى حاجة ولا هتفهمى انه مش سهل عليا اللى بعمله هنا دلوقت، انا، انا.

اغمض عينيه زافرا بقوة تخرج الحروف من فمه كانها نار تكويه لا يجدها بالسهولة كما كان يتخيل قبل حضوره اليها لذا فتح عينيه سريعا قائلا بحزم وهو يتحرك من مكانه ينوى المغادرة المكان فورا
: انسى انى جيت هنا من الاساس، انسى اى حاجة اتقالت انا همشى.

مر من جوارها سريعاً لكن اوقفه عند الباب متجمداً صوتها حين صرخت به بحرقة غاضبة وقد قررت ان تلقى هى فى وجهه الكلمات بعد ان رفض ان ينطقها كما لو كانت لا تستحق منه تعبه او اهتمامه فى حين كانت هى تقف مكانها بقلبها الاحمق تختلق له الاعذار ترفق بحاله
: طبعا يا صالح باشا هنساها متقلقش، وهو زيها زى الكلمتين اللى اتقالوا من كام يوم، احنا اساسا اعتبرناهم كده من ساعتها، كلمتين فى الهوا وتقالوا..

قست نبراتها تكمل قائلة بسخرية وتهكم
: ماهو مش معقولة صالح باشا هيرضى بالبت فرح بنت لبيبة ولا يناسب خالها مليجى العايق، بس عاوزة اقولك ان رفضته انت فى غيرك شاريه وراضى به كمان.

شعرت بحاجتها لكلماتها الاخيرة تلك كرد اعتبار لها، اردته ان تعلم ويدرك جيدا ان هناك من يريدها وراضيا بها برغم كل ما قالته سابقاً.

شهقت بفزع حين عاد الى مكانها فى لمح البصر كأعصار غاضب شرس يمسك بذراعها بعنف بقبضته ضاغطا بشدة فوقها وهو يفح من بين انفاسه بنبرة باردة قاسية
: وده بقى مين يا ست فرح ان شاء الله اللى يبقى شارى، تقصدى انور ظاظا مش كده، انطقى.

صرخ بها لترتجف وهى تتلعثم بأرتباك تحاول اظهار نفسها ثابتة لا تخاف منه ولا من غضبه المنبعث من عينيه يكاد يحرقها بلهيبه
: اقصد اللى اقصد، اظن ده ميهمكش، ولا مش مصدق، ان ان ممكن حد...

قطعت حديثها ترتجف خوفاً كأرنب محاصر حين اقترب بوجهه منها على حين غرة منها انفاسه تلف وجهها كالنيران المحرقة يهمس ضاغطا فوق اسنانه بغيظ وهو يقربها منه رغم مقاومتها الواهنة
: بت انتى، مطلعيش جنانى عليكى، واتكلمى معايا عدل.

هرب اللون من وجهها يتركه شاحبا من الرعب لكنها اجابته بشجاعة زائفة ترفع عينيها فى وجهه قائلة بصوت مرتعش
: انا مش بت، ولو سمحت سيب ايدى، ومن هنا ورايح انت اللى تتكلم معايا عدل، فرح العيلة بتاعت زمان اللى كنت بتخوفها وتتريق عليها كل ما تشوف خلقتها خلاص كبرت وبقيت انسة، انت بقى مش عاوز تشوف ده انت حر.

ترك ذراعها ببطء يتراجع الى الوراء وهو يمرر عينيه فوقها بتمهل جعلها فتشعر بهم كخط من النار يلامس بشرتها ترتسم ابتسامة باردة فوق شفتيه قائلا بسخرية
: كان نفسى اشوف فرح اللى بتتكلمى عنها دى ادامى دلوقت يمكن كانت امور كتير اتغيرت، اه ممكن تكونى كبرتى من بره زى ما بتقولى.

ثم اشار بسبابته ناحية رأسه يكمل ببطء وأسف
: بس هنا اظن لااا، لسه بدرى اوى علشان ده كمان يكبر، سلااام يافرح يا كبيرة.

انهى حديثه يغادر المكان سريعا بعد القى بتحيته المتهكمة تلك لتقف مكانها بعد ان تركها ترتفع حرارة وجهها حتى اصبح مشتعلا كالجمر من اثر اهانته لها وككل مرة تتواجه فيها معه يملأها شعور بالهزيمة وكسرة القلب كأحساس اصبح ملازم لها منذ ان وقعت كالمغفلة فى عشقه وهواه.

: واخرتها ايه معاكى ياسمر هتفضلى قاعدة القاعدة دى كأن مات ليكى ميت.

خبطت سمر فوق فخديها بعنف تهتف بحدة وعصبية فى زوجها حسن ليتراجع الى الخلف خوفا منها قائلة
: ابعد عن وشى الساعة دى ياحسن انا فيا اللى مكفينى.

اقترب منها ببطء وخشية قائلة
: يا حبيبتى اهدى، مانا قلتلك استحالة صالح همشى الجوازة دى، وهو عرف ابويا بده.

لم تعيره اهتماما تهمهم بذهول واستنكار
: بقى انا اخلص من الست امانى تطلعلى فرح. هو انا ناقصة يا ربى بلاوى، دانا مصدقت الجوزازة الاولنية اتفشكلت بعد ما طلعت روحى، اقوم اخبط فى جوازة تانية.

جلس حسن بجوارها فوق الاريكة يسألها بتوتر وخشية من انفجار نوبات عضبها فيه كعادتها
: وانتى السبب فى فشكلة جوازة صالح الاولنية ازى، مش اللى حصل ده بسبب ان امانى مرضيتش تكمل مع صالح لما عرفت انه مش بيخلف.

التفتت اليه سريعا تحدق به كما لو كان مجنون صارخة
: انت عبيط يا حسن، امانى بتعشق التراب اللى بيمشى عليه صالح، وكانت مستعدة تعيش العمر كله معه ولا تفرق معاها حكاية الخلفة دى خالص.

تجعد جبين حسن بعدم بفهم يهمس بارتباك متسائلا
: طيب ليه بقى اطلقت لما هى بتحبه.

تراجعت سمر الى الخلف تشير بسبابتها ناحية صدرها قائلة بفخر
: بسببى انا، ماهو انا مكنش ينفع اعدى الفرصة دى من غير ما استفيد.

حسن وبقلق وريبة منها
: عملتى ايه بالظبط ياسمر؟

ابتسمت ابتسامة صفراء تلتفت اليه قائلة ببراءة مصطنعة وقد اختفى غضبها تماما وهى تتلاعب بازرار قميصه قائلة بزهو
: ابدا، امانى من يوم ما دخلت البيت هنا وهى تموت من الغيرة بسبب حبك ومعاملتك ليا، انا بقى نصحتها شوية نصايح بعد ما التحاليل ماظهرت وعرفنا ان العيب من اخوك بخصوص موضوع الخلفة.

سألها حسن ببطء وفضول
: النصايح دى ايه بقى، ماهى اكيد مكانتش نصايح لما تبقى نهايتها انهم اطلقوا.

اطلقت ضحكة غنج ودلال وهى تقترب من شفتيه تهمس فوقهم
: ابدا يا قلب سمر، النصايح دى يمكن تنفع مع حد زيك انت، انما مع واحد زى صالح بتيجى بالعكس زى ماشوفت كده بالظبط.

عقد حاجبيه مرة اخرى بعدم فهم يهمس بصعوبة
: مش فاهم برضه، يعنى انت قلت لها تعمل ايه بالظبط؟

تراجعت عنه بعنف تنظر امامها بشرود وعينيها تلتمع بالغل والحقد قائلة باستمتاع
: تكسره، تذله، تحسسه كل يوم بنقصه، مرة ورا مرة هيبقى زى الخاتم فى صباعها الصغير تبيع وتشترى فيه.

نهض حسن واقفا يهتف بغضب وعصبية
: يعنى انتى تقصدى ان ده اللى بتعمليه معايا ياسمر؟!

نفضت عنها شرودها تنهض واقفة هى الاخرى تسرع فى اصلاح خطأها وقد نسيت للحظة الى من كانت تتحدث تسرع بالاقتراب منه تلتصق به وهى تتلمس صدره قائلة برقة ونعومة
: لاا طبعا ياحبيبى، ده اللى انا فهمته ليها علشان تصدقنى وتعمل اللى اقولها عليه، دانت روحى وقلبى ياحسن، وبعدين هو انا يعنى عملت كده علشان مين، مش علشانك انت ياقلب سمر من جوه.

ارتفعت داخل عينيه نظرة عدم تصديق يرتجف صوته يسألها بخوف وعدم ثقة
: بجد يا سمر بتحبينى؟

احتضنته بقوة تهتف بتأكيد وحزم لكن كانت عينيها باردة برودة الثلج
: طبعا يا قلب وروح سمر، دانت ابن خالتى وابو عيالى، وحياتى ودنيتى كمان.

استرخى حسن بين ذراعيها متنهداً براحة ترتفع ابتسامة فرحة فوق شفتيه وهو يزيد من احتضانه لها متشبثاً بها كالطفل الصغير لتزيد مع كل ضمة منه لها البرودة بعينيها تكسو وجهها ابتسامة صفراء سعيدة.

كانت تسير مع شقيقتها فى طريق عملها صباحا بوجه زاد شحوبه وعيون مرهقة بعد ان قضت طوال ليلة امس فى البكاء المرير تواسيها سماح بكلمات اصبحت على سمعها كأسطوانة تالفة وهى تعيد عليها تكرار أقوالها المعتادة، بأنه لم يكن من نصيبها، ان ماحدث كان خطأ منذ البداية، وما فعله صالح كان لمصلحتهما معا ومع كل كلمة منها يزداد بكائها معها حتى اتى الصباح اخيرا لتنفض معه كل امل لها فى عشق هذا الرجل يكفيها ماحدث لقلبها منه لذا لن تجلس فى انتظار وجع جديد يقضى على ماتبقى منها تنهض تستعد ليوم عمل جديد بعد تغيبها ليومين عنه جلست فيهما بداخل المنزل على امل زيارة منه، نعم قد حدثت فى النهاية لكن لسبب اخر غير ماتمنته تتحمل بعدها همزات ولمزات خالها الساخرة منها طوال الليل.

لذا هاهى تسير هربا الى عملها وملجأها فى الوقت الحاضر شاردة عن ثرثرة شقيقتها حتى انتبهت من شرودها على صوت احدى جارتهم توجه الحديث الى جارة اخرى تهتف بصوت عالى ساخر
: شوفى ياختى البت وقدرتها ماشية ولا على بالها شر، صحيح عشنا وشوفنا بنات اخر زمن.

حينها توقفت شقيقتها تلتفت نحوها هاتفة بحدة وعنف فيها
: تقصدى مين بكلامك ده يام ابراهيم؟!

لوت ام ابراهيم شفتيها بسخرية هاتفة هى الاخرى
: مقصدش حد ياحبة عينى، بس لو على راسكم بطحة يبقى مبروك عليكم.

تقدمت سماح منها تسألها بخشونة وحدة
: جرى ايه ولية انتى بطحة ايه اللى على دماغنا، ما تتكلمى عدل على الصبح.

جذبتها فرح من ذراعها هاتفة بها بحزم تمسك بذراعها حتى توقفها
: خلاص يا سماح، انتى هتعملى عقلك بعقلها.

تقدمت منهم ام ابراهيم هى الاخرى تصفق بكفيها معا ثم تشيح بهما هاتفة بشراسة
: ومتعملش عقلها بعقلى ليه ياختى، مش من مقامك ياسنيورة ولا مش من مقامك، اايه خلااص حطيتهم فى العالى وبقاش فى حد مالى عنيكم يا بنات لبيبة.

جذبتها السيدة الاخرى تتراجع بها للخلف وهى تهتف ساخرة بلؤم
: هدى نفسك يام ابراهيم، دول خلاص ضهرهم بقى محمى، ماهى بنات قادرة بصحيح وبتعرف تقع واقفة، عينى على بناتنا وحسرة عليهم عبط وعاملين زى القطط المغمضة.

انحنت سماح بغضب تخلع حذائها ثم ترفعه عاليا فى وجوه من تجمهر من الاهالى على اصواتهم رغم محاولات فرح لتهدئتها ومنعها لكنها وقفت وسطهم هاتفة بغلظة وشراسة
: شوفوا يا حارة اللى هيجيب سيرتى ولا سيرة اختى على لسان حد فيكم، هو ده بقى ردى عليكم.

وهمت بالهجوم عليهم لكن اتى هتاف صالح المنادى لها بحزم ليوقفها مكانها متقدما منهم بهدوء تحت الانظار المتوترة للواقفين جميعا لحظة ظهوره يسأل سماح بصوت هادئ عما حدث لكن عينيه كانت معلقة فوق فرح بأهتمام ولكنها تهربت من نظراته تنظر فى جميع الاتجاهات الا اتجاهه هو وبعد ان قصت عليه سماح ماحدث التفت بحدة وتجهم الى ام ابراهيم المضطربة والتى اسرعت تنكر ما حدث سريعا هاتفة بمسكنة وحزن.

: والله ياصالح يابنى ماحصل دول سمعونا بنتكلم على حتة فى المسلسل بتاع بليل واخدوا الكلام على نفسهم، احنا برضه ولاد حتة واحدة، ودول زى بناتى مش كده يام خالد ياختى.

اسرعت تستنجدة بجارتها الاخرى والتى اسرعت مؤيدة لحديثها بحزم وهى تربت فوق صدرها قائلة
: طبعا اومال ايه دول زى بناتنا وامهم كانت حبيبة، حقك علينا يا سماح ياحبيبتى لو كنتى خدتى على خاطرك منا.

ثم التفت الى صالح تبتسم برجاء وارتباك
: ده شيطان يا سى صالح ودخل بينا وراح لحاله خلاص، واحنا خلاص هنمشى ياخويا وحقكم علينا مرة تانية.

ثم جذبت صديقتها بقوة تهرولان معا هربا من المكان فينفض الجمع فورا هو الاخر بعد ان هتف بهم صالح بحزم ليفرقهم
: يلا يا اخونا كله يروح لحاله، ملهاش لازمة الوقفة دى
ثم التفت الى فرح وسماح مشيرا لهم بالسير امامه قائلا بهدوء
: يلا تعالوا اوصلكم، بدل بهدلة المواصلات و..

هتفت فرح تقاطعه بحدة قائلة وعينيها ثابتة فوقه بشجاعة
: لاا شكرا مش عاوزين، وبعدين احنا واخدين على بهدلة المواصلات مش جديدة علينا يعنى، اتفضل انت روح مشوارك مش عاوزين نعطلك.

اقترب صالح منها هاتفا بحدة ونفاذ صبر
: ولو قلت لا مين هيجبرنى، انتى مثلا.

وقفا يتطلعان الى بعضهم بتحدى وشراسة كما لو كان فى وسط الحارة اثنين من المصارعين يتنافسان على الفوز لكنها لم تكن مصارعة جسدية بل كانت صراع بين ارادتين اخذا وقد اخذ كلا منهما يحاول فرض ارادته على الاخر تلقى اعينهم بسهام التحدى كلاً نحو الاخر حتى اتت نحنحة سماح هامسة بعصبية متلعثمة تحاول فض هذا الاشتباك المربك لها.

: انا بقول ايه، يعنى، انت تروح تشوف مصالحك ياخويا، وانا اخدها ونطلع على اول الحارة، ونركب اى حاجة تودينا الشغل، مش كده يافرح، اه كده يلا بينا بقى.

جذبت شقيقتها بصعوبة من مكانها المتسمرة به كالوتد تسير معها مغادرة فورا بينما وقف هو خلفهم تطلق عينيه نحوها نظرات حادة باردة شعرت بها كسهام تخترق ظهرها من الخلف وهى تسير ببطء بعيدا عنه وقد شعرت بمعدتها تتلوى بعصبية رغبةً فى التقيؤ من شدة توترها بعدها ان غادرتها شجاعتها الزائفة امامه تتركها ضعيفة مرتعشة تسير بخطى متعثرة وقد بدأت ساقيها بالارتجاف فتهمس لشقيقتها بصوت مستعطف ضغيف.

: سماح، انا عاوزة اقعد حاسة انى مش قادرة امشى.

شدت سماح على يدها قائلة بصوت خافت مؤكد
: اجمدى بس الخطوتين دول، نعدى محل ظاظا بعدها هقعدك.

هزت لها رأسها موافقة لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن حين خرج انور من محله كما لو كان بانتظارهم مقتربا منهم بسرعة ليوقفهم بوجهه اللزج قائلا
: يا صباح الخير على ست البنات، انا واقف هنا من الصبح مستنى الجميل يهل عليا.

لم تجد فرح القدرة فى نفسها على نهره او ايقافه تترك امره لشقيقتها والتى صاحت به بحدة
: بقولك ايه يا معلم انور احنا متأخرين على الشغل، فحياة ابوك تسبنا نعدى من غير عطلة.

ابتسم انور بخبث وهو يفرك كفيه قائلا
: انا بس قلت ارمى الصباح، واكرر كلامى من تانى..

رفعت فرح نظراتها المتسألة له فيكمل بشوق وتلهف عينيه معلقة بعينيها بتية ولوعة
: انا شارى يافرح، شارى ومش بايع زى غيرى، ومستعد ابيع روحى علشانك، بس انت قولى اه..

همست من بين انفاسها قائلة بقرف
: هو لحق خالى يبلغك؟!

انور بأنفاس متهدجة وعينيه تلتمع بشهوة اصابتها بالنفور والتفزز
: خالك بلغنى علشان عارف ان انا الوحيد اللى هعرف اقدرك واقدر جمالك.

همت بالرد عليه بحدة لتفرغ كل احباطها وحزنها عليه لكن وجدته يرفع انظاره الى ماخلفها هامسا بتوتر وهو يتحرك متجه الى محله بخطوات متعثرة قائلا بتخبط ونبراته مرتعبة
: نبقى نكمل بعدين، اصل ورايا حاجة كده هخلصها و..

اختفى داخل محله ومعه الباقى من حديثه لتلتفت الى سماح تسألها بأبتسامة تعجب ساخرة
: ماله ده، حاله اتقلب كده ليه؟!

اشارت سماح برأسها خلفها وعينيها تتسع رعبا قائلة
: بصى وراكى وانتى هتعرفى ماله، هو نهار مش فايت انا عارفة.

التفتت فرح سريعا لتتسع عينيها هى الاخرى بذهول ممزوج بالخوف وهى تراه يمر من جوارهم وملامحه تنطق بالشر والاجرام متجاهلاً لهم تماماً يدلف الى داخل محل انور يغيب داخله ماهى الا عدة لحظات حتى تعالت اصوات تحطيم وصيحات عالية اعقبها صرخة انور المتألمة بشدة ثم يسود الصمت التام بعدها لتهمس فرح بخوف وقلق سائلة سماح المرتعبة بجوارها
: بت هو قتله ولا ايه؟!

وقبل ان تجيبها سماح خرج صالح بهدوء من المحل يرجع خصلات شعره الى الوراء ثم يعدل من وضع ملابسه قبل ان يرفع وجه متحتقن بالغضب منقبض الملامح وعيون تطلق الشرر نحوها صارخا بها
: اخفى انجرى على البيت، وماشوفش وشك الا بليل وانا جاى وجايب الماذون.

فغرت فاها بصدمة وعينيها تكاد تخرج من محجريهما ليصرخ بها مرة اخرى بحدة وهو يتقدم منها عدة خطوات مهددة
: هتتحركى ولا اجيلك انا و...

اسرعت سماح تجيبه وهى تجذبها بسرعة قائلة بتلعثم وخوف
: هتتحرك ياخويا هتتحرك، بس انت وحياة الغالى عندك ماتعصب نفسك.

همست سماح لفرح وقد وقفت مكانها ذاهلة قائلة لها بأرتعاب
: اتحركى ياختى، خلينا نمشى من ادامه، واوعى تبصى ناحيته، الراجل باينه اتجنن ونفسه يصورله قتيل هنا وبلاش يكون انتى..

كانت فرح تسير معها كالمغيبة قلبها يتراقص فرحا يتغنى الباقى من جسدها طرباً بكلمات ظنت انها من وحى خيالها لتسأل سماح بهيام وذهول
: بت هو اللى سمعته منه ده حقيقى ولا ده قلبى الاهبل وبيضحك عليا.

اخذ قلبها يصرخ لها بالاجابة فرحا سعيدا تتراقص خطواتها على انغام دقاته تلقى بهمسات عقلها الخائفة عرض الحائط وقد اخذ يتوسلها حتى لا تنقاد خلف هذ الاحمق المسمى بقلبها لكنها تجاهلته فيكفيها الان لحظة سعادتها تلك ولتلقى بأى شيئ اخر عرض الحائط.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة