قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل الرابع والعشرون

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل الرابع والعشرون

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل الرابع والعشرون

كان يقف امام محل عمله يتابع سير العمل وهو يصرخ فى العمال بعصبية شديدة حتى يسرعوا فى تفريغ الحمولة فكلما اسرعوا بالانتهاء كلما قربت لحظة اجتماعه بها حتى يستطيع اخيرا ان يبثها كل مافى قلبه لها ولن يخفى عنها شيئ بعد الان ولكن ما باليد فليس امامه الان سوى الانتظار اما انتهاء العمال او حضور شقيقه حسن حتى يتابع هو مجريات العمل.

لتمر نصف الساعة اخرى على هذا الحال وكأنها مرور دهر عليه حتى تنفس الصعداء حين لمح شقيقه يهل عليه من ناحية المنزل بوجهه مكفهر وحاجبين منعقدين بشدة يلقى بجسده فوق المقعد ليظل يتابعه صالح بطرف عينيه قبل ان يسأله وعينيه لا تفارق سير العمل
: مالك يا حسن، حصل حاجة جديدة، مراتك مش عاوزة ترجع مع امك ولا ايه؟!

لوى حسن شفتيه بسخرية مريرة قائلا
: ياريت، بس لا ياخويا، اهى راجعة مع امك فى الطريق، كلمونى من شوية وكلها نص ساعة وتهل بنورها عليا، وابوك هجيب شيخ الجامع علشان ارد يمين الطلاق وارجعها.

استدار صالح اليه يسأل بشك وقد استغرب حالة اخيه ولم يستطع التصديق انه رافض بالفعل رجوعها اليه قد ظن ان تصميمه الشديد امامهم لم يكن سوى محاولة منه لحفظ ماء الوجه يخفى بها نيته عنهم
: حسن انت فعلا مش عاوز ترجعها، بجد كنت ناوى تكمل فى موضوع الطلاق ده.

حسن وقد انقلبت ملامحه للنفور ومع نظرة قاسية لم يراه صالح فى عينيه من قبل وهو يتحدث قائلا بغلظة
: عارف انك مش هتصدقنى، انا نفسى مش مصدق انى ممكن كنت فى يوم اقولها، بس انا فعلا مش طايقها ولا طايق حتى اسمع سيرتها ولاحتى اشوفها ادامى.

تنهد بعمق يحنى رأسه يكمل باستسلام
: بس هعمل ايه، علشان خاطر العيال واللى جاى فى سكة ده، هستحمل.

اقترب منه صالح يربت فوق كتفه بتعاطف قائلا
: عين العقل ياحسن، ولادك اهم حاجة واى حاجة تانية تهون علشانهم، ربنا يهدلك الحال يا خويا.

رفع حسن وجهه اليه وعلى شفتيه ابتسامة امتنان وهو يمسك بكف صالح الموضوع فوق كتفه ضاغطا فوقها بقوة قائلا
: ويخليك ليا صالح، ويهدلك الحال انت كمان.

ظلوا كما هما للحظات تلتقى الاعين بحديث صامت كان ابلغ من الكلمات حتى قطعه صوت احدى العمال ينادى صالح لينهض حسن من مكانه قائلا
: خليك انت انا هروح اتابع معاهم...

صالح كأنه كان ينتظر منه تلك الكلمات يتجه نحو باب المنزل قائلا بلهفة
: طيب مدام انت معاهم هطلع فوق اتغدى وساعة كده ونازل.

بالفعل كان قد اختفى داخل لمنزل دون ان يمهل شقيقه فرصة للرد لينظر حسن لساعته مبتسما بأستغراب قائلا
: غدى ايه اللى ساعة عشرة الصبح ده...

هز رأسه يكمل وقد التمعت عينيه بالمعرفة هامسا بمرح
: ماشى هعديها، ماهو ياما عدى ليا اوقات غدى زى دى كتير.

صعد الدرج كل اثنين معا حتى وصل اخيرا لشقته يفتح بابها بسرعة يدلف للداخل ثم يلقى بمفاتحيه باستعجال وعينيه تدور فى ارجاء المكان بحثا عنها وهو يناديها بصوت عالى ملهوف حتى هلت عليه اخيرا من داخل المطبخ تمسح يديها فى منشفة وقد وقفت امامه تخطف القلب والعين برؤيتها يتأملها ببطء شوق شديد للحظات حتى لم تعد تكفيه المشاهدة فقط يفتح ذراعيه لها على اتساعها فى اشارة فهمتها على الفور فتسرع بألقاء المنشفة ارضا وتجرى نحوه ترتمى عليه تحتضنه بقوة اليها بعد ان احاطها بذراعيه حتى كادت ان تختفى بينهم ثم رفعها اليه وقد تعلقت بعنقه ويدس وجهه فى عنقها يتنفس بعمق رائحتها والتى بات يعشقها هامسا بتحشرج.

: وحشتينى اوووى فى الشوية اللى بعدتهم عنك دول.

تراجعت للخلف برأسها تنظر اليه بتدلل قائلة بعتب.
: لا انا زعلانة منك، بقى هما دول الدقايق اللى قلت عليهم.

غمز لها قائلا بخبث مرح
: ازعلى ياعيونى زى مانت عوزة، وانا عليا انى اصالحك.

ثم انحنى يلثم خدها الايمن هامسا برقة
: كده زعلانة.

هزت رأسها له بالايجاب لينحنى على الخد الاخر يلثمه هو ايضا بشفتيه هامسا
: طب كده برضه زعلانة؟

هزت رأسها لها بالايجاب مرة اخرى تتصنع الحزن لتنفرج شفتيه عن ابتسامة صغيرة وعينيه تلتمع اكثر وهى تقع فوق هدفه التالى قائلا لها ببطء
: لااا ده كده الموضوع كبير، مفيش حل تانى ادامى غير كده علشان اصالحك.

وبدون ان يمهلها سوى فرصة لالتقاط نفس قصير من الهواء بشهقة منها عالية قد انقض على شفتيها بشفتيه يقبلها قبلة كانت مثل انفجار من السعادة بداخلها وهى تزيد من التعلق به تبادله اياها بعاطفة مجنونة وقد اختفى بينهم ولم يعد هناك مجال لاى حديث بعد ان جرفهم سيل المشاعر للحظات طوال اوقفه هو فجأة وهو يبعدها عنه بصعوبة قائلا بصوت اجش حازم
: لا، احنا لازم نتكلم الاول...

هزت له رأسها بالموافقة على مضض وتشعر بالاحباط لابتعاده عنها لكنها وجدت ان معه كل الحق لذا لم تقاوم او تعترض حين قام بأنزالها ارضا ثم يمسك بيدها متوجها ناحية غرفة الاستقبال يشير برأسه ناحيتها قائلا بجدية
: نتكلم هناك احسن واضمن، تعالى.

لوت فرح شفتيها هامسة بسخرية قائلة
: ده على اساس بيفرق معانا اووى المكان..

التفت نحوها بنظرة محذرة خطرة جعلتها تخفض رأسها بخجل تسير معه بطاعة كطفلة صغيرة حتى توقفت خطواته فجأة يترك يدها ثم يعود من حيث اتى لتزفر بأحباط وقد ظنت انه تذكر احدى اعماله والتى تظهر كالمعتاد كلما حانت بينهم لحظة المصارحة لكنه وتحت عيونها المذهولة لم يخرج من الباب كما توقعت بل رأته يقوم بفتح اللوحة الكهربائية المسئولة عن توزيع الكهرباء داخل الشقة يقف امامها ينظر لها بتفكير وحيرة عدة لحظات قبل ان يمد يده ويقوم بنزع شيئ من داخلها ثم يقوم بغلقها مبتسما بنصر عائد لها مرة اخرى لتسأله بفضول عما فعله فيجيبها وكأنه صنع انجاز.

: فصلت الجرس خالص، والاحسن يفضل مفصول كده على طول، دانا كرهته وكرهت انى فكرت اعمله والله.

تعالت صوت ضحكتها المرحة من اثر كلماته لتعالى معها صوت دقات قلبه وهى تتراقص على انغامها وتفعل به الاعاجيب ليهمس لها محذرا
: لا بقولك ايه مش وقت ضحك خالص، خلينا نقول الكلمتين قبل ما حسن هو كمان يرن عليا و...

توقف عن الحديث يرفع سبابته كأنه تذكر امر ما يخرج بعدها هاتفه من جيبه ويعبث به لثوانى ثم يغمز لها بخبث وغموض
: كده بقى اطمنا ان ساعة الغدا تبقى ساعتين تلاتة ولا حد يقدر يقاطعنا.

اقتربت منه تسأله بحيرة وهى تمر من جواره قائلة
: غدا ايه، انت جعان؟!طيب مقولتش ليه، ثوانى وهكون محضرة الاكل حالا.

جذبها من يدها نحوه يوقفها عن الحركة يدس اصابعه فى شعرها يثبت رأسها وعينيه تأسر عينيها تتعالى انفاسه بصخب قائلا بسرعة وبدون تفكير
: بحبك، لا مش بس بحبك، دانا بدوب من حبى ليكى، بعشقك وبعشق كل حاجة فيكى.

اتسعت عينيها بذهول تفغر فاها من صدمة اعترافه المباغت لها تشعر كأن ساقيها مصنوعان من الهلام لا تقوى على حملها يرتعش كل عصب بها من التوقع وهجومه الصاعق على حواسها وهو يكمل ملامحه قبل لسانه تنطق بالكلمات بدلا عنه.

: بعشق وبدوب فى حتة عيلة كانت ادامى بتكبر يوم ورايا يوم لحد ما لبست المريلة الزرقا وهى بتعدى عليا فى المحل تضحك ليا وتخطف قلبى معاها وتمشى، وسنة ورا سنة لحد ما قلبى خلاص مبقاش ليا بقى ليها وملكها هى وبس.

كانت تهز رأسها بعدم تصديق وهو يكمل الباقى من اعترافه بحزن واسف
: كان كل يوم بيعدى عليا وحبها بيزيد فى قلبى اكره نفسى قصاد الحب ده اضعاف مضاعفة.

لم تجد فى نفسها القدرة لسؤاله عن السبب كما كانت تخشى فرحتها الطاغية بأعترافه هذا خوفا من الا تكون هى المعنية به تسمعه كالمغيبة وعينيها تنطق بسؤالها بدلا عن شفتيها ليجبيها بخشونة واستهجان موجها لنفسه.

: كانت عيلة، حتة عيلة بتلعب مع اختى على سلم بيتنا، كنت بشلها على دراعى زى اللعبة، وفجأة كده بقت فى عينى حاجة تانية، بقت دنيتى واهلى وناسى كلهم، بقيت مش عاوز من الدنيا حاجة غيرها هى وبس، بس مكنش ينفع اقولها ولا حتى بينى وبين نفسى وقتها...

لم تعد تستطيع التحمل او الصبر على المزيد تسأله بصوت مرتعش ملهوف تريد منه اجابة واضحة تريحها
: مين هى يا صالح.؟، مين، دى انا صح؟ علشان خاطرى قول صح.

اخفض جبهته الى جبهتها يستند عليها يزيد من ضمها لجسده هامسا بصوت مبحوح مرتجف
: صح ياقلب وعيون وعشق وروح صالح، انتى يافرحة قلبى وحياتى، انتى ياحلم بعيد وعمرى ما اتمنيت فى حياتى غيره.

انفجرت فى بكاء تنهمر دموع الراحة على وجنتيها تخرج كبت وخوف تلك اللحظات ليصيبه الذعر وقد فيصبح وجهه شديد الشحوب والقلق وهو يراها وقد اخذت تحاول الحديث بصعوبة حتى تحدثت اخيرا قائلة
: ليه يا صالح، ليه تضيع كل ده منا، ليه.

مد انامله متنهدا بقوة ويده تزيح دموعها برقه وهو يهمس لها بحنان
: علشان كنت عبيط ياعيون صالح، كنت فاكر انى هقدر انسى واعيش مع غيرها وهى ايام من عمرى وبقضيها.

ضربته فى صدره تنهشها الغيرة من اخرى سبقتها اليه تهتف به باكية بعتب
: وكنت هتكمل معاها ياصالح مش كده، كنت هتقدر لولا عرفت انك...

ضغطت شفتيها معا بقوة تمنع نفسها من الاستمرار والوقوع فى منطقة المحظورة جارحة لكنه لم يبالى يهز رأسه لها بالايجاب قائلا
: ايوه يافرح مش هكدب عليكى واقولك لا، بس صدقينى انا كنت عايش زى الميت، اه عايش وبتنفس بس مش حى ولا حاسس لدنيا طعم، انا محستش انى حى غير لما اتجوزتك وحضنتك لقلبى، صدقينى يافرح.

انهى حديثه يتوسلها التصديق فلم تستطيع ان تبخل عليه بالطمأنية والراحة تحيط وجنتيها بكفيها وعينيها ثابتة على عينيه تنطق بكل حبها تهمس لها بتأكيد
: مصدقة ياقلب فرح من جوه، علشان انا كمان جربت كل اللى بتحكى عليه ده من يوم ما شوفتك بتتزف مع واحدة غيرى وانا عايشة زى الميته، ما رجعتش ليا الروح الا لما بقيت ليك وعلى اسمك.

اتى دوره لتتسع عينيه بصدمة وذهول يسألها بكلمات متقطعة غير مترابطة
فرح، بتتكلمى جد، تقصدى فعلا، اللى انا، فهمته ده.

فرح وهى تأكد على كل حرف يخرج من بين شفتيها
: بحبك ياعيون فرح، بحبك من يوم ما عرفت يعنى ايه هو الحب، بحبك من وانا عيلة بالمريلة الزرقا، وبحبك وانا عارفة انك لغيرى وعمرك ما هتكون ليا، حبيتك وهحبك وهفضل احبك ياعمرى كله.

صرخ صالح من الفرحة والسعادة يرفرف قلبه بين ضلوعه وهو يحملها ويدور بها قبل ان يسير بها بخطوات سريعة خارجا بها من الغرفة قائلا بلهاث ولهفة
: لا كده انا جعت اووى بعد كلامك اللى يخطف القلب ده، ولازم اكل حالا.

توجه بها ناحية غرفة النوم لترفع رأسها عن كتفه قائلة بأرتباك وعدم فهم
: رايح فين، طريق المطبخ من هنا.

غمزها بخبث قائلا بصوت مبحوح اجش وهو يستمر فى طريقه
: لا يا عيون صالح وقلبه، الاكل اللى فى دماغى ملهوش طريق غير ده.

ظلمها عشقاً ايمى نور.

ايام مرت على الجميع كلا فى حياته ومسارها حتى سماح فقد عادت الى عملها القديم تقف داخل المحل ومعها احدى زبائنه تعرض عليها احدى المعروضات تندمج معها فى الحديث غافلة عن دخول عادل الى المكان ووقوفه فى احدى اركانه بهدوء فى انتظار انتهائها ولكنها كانت تعلم بحضوره بعد لمحته بطرف عينيها تطيل الحديث مع السيدة على امل ان يصيبه الملل من الانتظار ويرحل ولكنه ظل مكانه حتى بعد ان نفذت منها كل الحيل لتأخير الزبونة عن الانصراف والتى خرجت من المحل بعد ان القت بسلام مرح اليه ومعه نظرة معرفة نقلتها بينهم لتلتفت سماح اليه بعد ذهابها بأبتسامة ترحاب مصطنعة قائلة.

: اهلا استاذ عادل، اتفضل المحل تحت امرك.

اقترب منها وعينيه تمر بلهفة فوق ملامحها بأشتياق لاحظته بقلب مرتجف لكنها تجاهلته كما تجاهلت مشاعر اخرى ورفضتها رفضا قاطعا تلقى بها خلف ظهرها فلا هى او هو يستطيعا تحمل عواقبها تعقد حاجبيها بشدة وبنظرة صارمة فى عينيها قابلت بهم حديثه الملهوف وصوته الاجش حين قال
: ازيك يا سماح، عاملة ايه، وحشتينى اوى.

سماح بصوت صارم جاف
: استاذ عادل لو سمحت ده محل شغل، مينفعش فيه الكلام ده.

اجابها عادل وهو يتقدم بخطواته منها
: طيب اعمل ايه، وانت مش عاوزة تردى على تليفوناتى، مكنش فيه حل ادامى غير انى اجيلك هنا.

تراجعت للخلف عنه قائلة وصوتها رغم الحزم والرفض به الا انه خرج ضعيف مرتعش اظهر ما تعانيه فى تلك اللحظة امامه
: استاذ عادل ارجوك، اظن انى وضحت ليك ردى على طلبك وقلت لك لا اكتر من مرة، وبرضه هكرره تانى
لا يا استاذ عادل طلبك مرفوض وكل شيئ قسمة ونصيب.

عادل بتصميم هاتفا بها
: انا مش جاى علشان اسمع ردك تانى، انا جاى علشان اعرف ليه، ليه بترفضينى. ليه مش عاوزة تدى لنفسك الفرصة تتعرفى عليا يمكن وقتها تغيرى رايك.

وقفت مكانها لاتدرى كيف لها ان توضح له انه ليس سبب رفضها وانها لا تحتاج الى تلك الفرصة بعد ما ادركته خلال فترة بعدها عنه وبأنها سقطت فى حبه رأسا على عقب ولم يكن الاعجاب هو كل ما تشعر به اتجاهه كما حاولت ان تقنع نفسها مرارا وتكرارا.

لكنها ليست على استعداد لعواقب اعترافها هذا ولن تكون بتلك الانانية والتفكير فى نفسها فقط لذا وضعت قناع من القسوة والنفور فوق ملامحها قائلة بفظاظة ونفاذ صبر
: استاذ عادل اظن كفاية لحد كده وياريت تشلنى من دماغك بقى، انا وانت منفعش لبعض، ومش هيحصل ابدا بفرصة ولا من غيرها.

اشارت بيدها نحو باب الخارجى قائلة بغضب
: وبعد اذنك ياريت تتفضل من هنا قبل صاحب المكان ما يوصل واظن انت مترضاش ليا بالاذية.

وقفت بعدها مهزوزة جدا والغصة فى حلقها حين رأته يقف امامها بعد القت فى وجهه بتلك الكلمات القاسية يحدق فيها وعيناه تثبتها فى مكانها وقد ضاقت بشكل خطير عليها فى لحظات صمت طويلة تشعرها بالذنب والالم ينهشاها لتفتح شفتيها هامسة بأسمه بنبرة معتذرة ضعيفة لكنه قاطعها برفع يده فى وجهها كأشارة لها بالتوقف قائلا بصوت حاد صارم.

: خلاص يا انسة سماح، مش محتاجة تتكلمى تانى، كل اللى عاوزة تقوليه وصلنى، وانا اسف جدا انى ضايقتك طول الفترة دى وصدقينى مش هرضى ابدا ان اكون سبب فى اى اذية ليكى.

حدقت خلفه بعيون لامعة من الدموع بعد ان خرج فورا من المكان وقد علمت انها الان خارج تفكيره بعد ما حدث ويعينها الله على تحمل ما ستعانيه من اثر قرارها هذا.

ظلمهاعشقاًايمى نور.

نهضت من مكانها تجرى بأتجاه الباب بعد ان تعال صوت الضربات فوقه بطريقة افزعتها ما ان فتحته حتى اقتحمت ياسمين المكان صارخة دون مقدمات بغل وجنون
: ايه حكاية اختك بالظبط مع عادل يابت انتى عاوزة ايه بالظبط منه، ايه خلاص الرجالة خلصت ومبقاش الا خطيبى اللى ترسموا عليه.

لم تجد فرح الفرصة لرد عليها بعد ان لحقت بها والدتها تنهرها بها بحدة حتى توقفها عن سيل الشتائم المنهمر من لسانها لكن ياسمين لم تبالى بل اخذت بتوجيه الشتائم الى فرح وسماح كأنها تلبستها حالة من الجنون تصرخ بعدها
: انا قلت انكم بنات وومحدش صدقنى، واحدة تضحك على اخويا وتخليه ماشى وراها ماسك فى دلها زى العيل الصغير، والتانية راسمة دور الطيبة وهى حية.

صاحت بها انصاف مرة اخرى تنهرها وتحاول ايقافها عن الحديث وهى تجذبها للخروج من المكان لكنها تشبثت بمكانها تكمل قائلة بحقد وغل لفرح
: ماتردى يا حرباية، اختك عاوزة ايه من خطيبى.

حاولت فرح التماسك وهى تجيب سؤالها بسؤال اخر بهدوء شديد مستفز
: خطيبك مين يا ياسمين؟! اللى اعرفه ان عادل فسخ الخطوبة، يبقى ممكن اعرف تقصدى مين بكلمة خطيبى دى.

جزت ياسمين فوق اسنانها بغيظ وعينيها تشتعل بالجنون تحاول جذب ذراعها من قبضة والدتها للهجوم عليها والفتك بها وهى توجه لها سيل اخر من الشتائم المقززة استقبلتها فرح بنفس الهدوء رغم ما يعتمر داخل صدرها من غضب لو اطلقت له العنان لمزقتها بيدها العارية اربا لكنها راعت وقوف والدة زوجها وتتركها شاهدة على افعال ابنتها لتمر اللحظات ومازالت ياسمين على حالتها تلك حتى حضرت على صوتها سمر تسأل بفضول عما حدث لكن لم يجيبها احد لتقف فى احدى الزوايا تتابع ما يحدث دون تدخل منها باعين شامتة وابتسامة صغيرة صفراء حتى حانت اللحظة والتى استطاعت فيها ياسمين الفكاك من تقيد والدتها لها لتهجم نحو فرح تمسكها من شعرها تجذبها وتوقعها ارضا وهى فوقها تصرخ بشراسة تفرغ عن شحنة الغضب المستعير بداخلها منذ ان وصلتها الاخبار عن ذهابه لمحل عمل تلك الحقيرة منذ قليل لتطير هذه الاخبار الباقى من تعقلها فتسرع فى مهاجمة فرح بتلك الطريقة.

: انا بقى هعرفك انه خطيبى غصب عنك والكل...

لم تجد فرح امامها حلا اخر سوى ان تبادلها الضربات والشد واللطم وقد انقلبت الامور بينهم الى معركة دامية فشلت انصاف فى فضها وابعادهم عن بعضهم غافلين عن سمر والتى وقفت فى احدى الاركان تتحدث فى هاتفها بجزع وخوف مصطنع
: الحقنا يا حسن، فرح مرات اخوك ماسكة فى ياسمين اختك وهتموتها فى اديها من الضرب.

وماهى سوى لحظات حتى كان صالح ومعه حسن هو الاخر يقتحمون المكان ولحظ حظ فرح الحسن دائما كانت هى من تجلس فوق جسد ياسمين توجه لها الضربات وتهاجمها ليسرع صالح نحوها يرفعها من خصرها بعيدا عنها ولكنها اخذت تقاومه تطوح بقدميها بأتجاهها وقد اخذتها حماسة المعركة هاتفة بشراسة
: سبونى عليها، محدش يحوشنى عنها الدى، والله ما ساكتة لها بعد كده، اوعوا سبونى.

ثم اخذت تحاول الفكاك من تلك الذراع الممسكة بها غافلة عن هويته فقد كل ما يشغل بالها هو تلقين تلك الحية درسا لن تنساه ولا تفكر فى ذكر شقيقتها مرة اخرى على لسانها السام هذا لكنها سرعان ما تجمدت حين وصلها فحيح صوته فى اذنيها تسرى قشعريرة الخوف فى جسدها حين قال
: وربى يافرح لو اتحركتى حركة واحدة تانية لكون ضربك قصاد الخلق دى كلها، واظن انتى جربتى قبل كده.

همدت حركتها تماما كأنه القى بكلمة السر عليها تلتفت نحوه برأسها هامسة بتردد وخوف
: والله هى يا صالح اللى بدأت بمد الايد الاول حتى اسال امك هى كانت واقفة.

عضت شفتيها السفلى تغمض احدى عينيها بخشية بعد علمها بأنها اسأت اختيار الكلمات من تشدد ذراعه حول خصرها بطريقة المتها ولكنه ايضا زاد من الصاقها به تشعر بفحيح انفاسه المتسارعة كأنه يقاوم عصرها بيديه قبل ان يلتفت الى والدته والتى كانت تقوم بمساعدة ياسمين المنهارة بالبكاء على النهوض قائلا بغضب مكبوت وصوت اجش
: خديها ياما وانزلوا تحت وانا شوية وهحصلكم.

هزت انصاف رأسها له بالموافقة تسير نحو الباب وتصحبها ياسمين الباكية لتسرع سمر بعد انصرافهم قائلة بخبث ودهاء لتثبت ان الامر خطأ فرح فقط
: بس المفروض كانوا يصفوا الامور ما بينهم علشان النفوس متشلش من بعضها، وفرح كمان لازم تتأسف ليا...

هتف حسن ينادى بأسمها محذرا بشدة وحزم يوقفها عن الحديث قائلا
: سمر، ملكيش دخل، انزلى يلا على شقتك ومتطلعيش منها سامعة ولا لا.

اسرعت تربت فوق صدره قائلة بتذلف وطاعة
: حاضر يا حبيبى، حاضر اللى تأمر بيه يتنفذ حالا، بس انت متزعلش نفسك ولا تتعصب.

بالفعل كانت فى طريقها للخارج تنزل الدرج سريعا يعقبها حسن بعد ان اخبر صالح بنزوله لمتابعة سير العمل ليسود الصمت المكان بعدها للحظات وقف فيها ينظر اليها بنظرات مبهمة لم تعلم ان كانت غضب او شيئ اخر قبل ان يتجه نحو الباب يغلقه ثم يستند بظهره عليه عاقدا ذراعيه بصمت فى وقفة انتظار منه لتسرع قائلة بأندفاع مدافعة عن نفسها.

: شوف قبل ما تعمل اى حاجة احب اعرفك ان اختك اللى غلطانة، وهى اللى طلعت تتهجم عليا وتغلط فيا انا وسماح، و كمان هى اللى ضربتنى الاول حتى روح وأسال امك وهى تقولك كل حاجة.

توتر ملامحها حين وجدته يعقد حاجبيه بشدة محذرا لتهتف سريعا مصححة بصوت خافت مسالم
: اقصد، اسال ماما انصاف اللى هى مامتك يعنى وهى هتقولك الحقيقة.

صالح بهدوء شديد تعلمه جيدا وتعلم عواقبه
: اسأل ايه دانا انا شايلك عنها بالعافية، ولولا كده كان زمانك موتيها فى اديكى من الضرب ولا عملت لها عاهة مستديمة.

فرح بحزن واسف وقد تغضن وجهها
: ااه يعنى انت شايف كده، وفرح هى اللى هتشيل الليلة كلها.

فجأة وبدون مقدمات انمحى عن وجهها اى تعبير مما سبق تلتمع عينيها بالتحدى
: طيب حيث كده بقى، انا مش هعتذر لحد زى الحرباية مرات اخوك دى ما قالت، وشوف كمان...

لكنها صرخت بهلع تجرى من امامه قبل ان تكمل تهديدها بعد ان رأته يتحرك من مكانه بغتة يندفع نحوها لتسرع بالفرار نحو غرفة النوم تغلقها بصعوبة وقبل ثانية واحدة من لحاقه بها تقف خلف الباب تستند بظهرها عليها كأنها بتلك الطريقة ستمنع اقتحامه للغرفة وهى تسمع صوت صياحه الغاضب يطالبها
: افتحى الباب يافرح، ولو جدعة كملى اللى كنتى بتقوليه.

هزت كتفيها له برفض كأنه يراها قائلة
: مش هفتح حاجة، بعدين مين قالك انى جدعة، انا عيلة ياسيدى هتعمل عقلك بعقل عيلة.

صرخت مرة اخرى هلعا حين وجدت الباب يندفع من خلفها وقد ظنت انه فى طريقه لتحطيمه لكنها كانت ضربة واحدة منه كأنه يفرغ بها عن غضبه وجعلتها تقف منتظرة بقلب متسارع الضربات وقدم مرتعشة لا تقوى على حملها فى انتظار ماهو اتى منه لكن ساد الصمت التام المكان للحظات طوال ارهفت فيها السمع لاى صوت او حركة منه لكنها فشلت فى ذلك ولكن ماهى دقيقة حتى وصل اليها صوت الباب الخارجى يغلق بدوى قوى وصلها بسهولة برغم الباب الغرفة المغلق لتعلم بأنه قد ذهب وغادر وهو غاضب منها فوفقت لعدة لحظات تنهر نفسها بغضب قائلة بحزن وقد اخذت شفتيها ترتجف رغبة فى البكاء.

: اهو مشى زعلان عجبك كده، هو انا امتى يبقى ليا حظ من اسمى دانا ملحقتش افرح بيه يومين، وهو رجعنا نتخانق تانى، بس لاا والله ما يحصل، مش هخلى الحربايتن دول يفرحوا فيا...

اتجهت بتصميم ناحية خزانة ملابسها تختطف من داخلها احدى العبائات وتضع طرحتها فوق رأسها ثم تسير نحو الباب تفتحه بتصميم تسرع فى بأتجاه الباب الخارجى لكن ما ان وضعت يدها فوق مقبضه حتى صدح صوته الحاد يوقفها مكانها فورا وهى تشهق مجفلة بصوت عالى تشد مقدمة ثوبها وتقوم بالتفل بداخله عدة مرات قبل ان تتحدث قائلة بارتجاف
: كده ياصالح، والله قلبى كان هيوقف، انت مش كنت نزلت.

نهض من على مقعد غرفة الطعام ولم تكن لاحظته فى هوجة استعجالها للحاق به يتقدم منها قائلا بهدوء
: طبعا علشان كده خرجتى من الاوضة، السؤال بقى، كنت رايحة فين.

اخذت تبحث داخل عقلها عن اجابة ترضيه وتمتص بها غضب اللحظات السابقة بينهم قائلة وهى تخفض عيونها بخجل واسف مصطنع وصوتها ممتلئ باعتذار كاذب
: كنت نازلة اعتذر لياسمين اختك، ماهو مكنش يصح اللى انا عملته معاها.

اسرعت تكمل حين اصبح على بعد خطوة منها هاتفة بأضطراب
: بس والله ياصالح هى اللى ضربتنى الاول وكمان غلطت فيا كتير، انا و...

صالح وقد قطع الخطوة الباقية بينهم يقاطعها وهو ينحنى عليها بغتة قائلا بحزم
: عارف، عارف كل ده، بس مكنش ينفع يا هانم انك تتكلمى مع جوزك كده وتهديده وتعلى صوتك عليه صح ولا لا.

تراجعت للخلف برأسها قائلة بتوتر واستياء
: ماهو انت كمان مش مصدقنى، وبتقولى هتعملى ليها عاهة مستديمة، ليا يعنى كنت الشحات مبروك.

رفع حاجبه يسألها بهدوء شديد
: يعنى مش شايفة انك غلطانة خالص؟

كادت ان تجيبه بتحدى ولكنها تراجعت فى اللحظة الاخيرة تخفض رأسها قائلة بخفوت اسف
: لا غلطانة، وحقك عليا واسفة، المهم مش عوزاك تزعل منى.

ارتفعت ابتسامة حنون صغيرة فوق شفتيه تلتمع عينيه بتقدير وحب لها مد يده لرفع ذقنها يرفع عينيها اليه هامسا لها هو الاخر معتذرا
: لا، حقك عليا انا، انا اللى غلطان انى مصدقتش من الاول كلامك، بس امى كلمتنى وعرفتنى اللى حصل كله، وصدقينى مش هتحصل تانى وياسمين حسابها معايا بعدين على اللى عملته معاكى.

ارتمت فوق صدره تحتضنه بقوة هامسة
: لا مش مهم خلاص، انا برضه كمان غلطت، علشان خاطرى يا صالح متعملش ليها حاجة.

ضمها اليه بقوة يهمس لها هو الاخر يسألها مقبلا مقدمة رأسها بتقدير لعدم استغلالها الفرصة
: فكرينى كده وهو انا قلتلك بحبك النهاردة ولا لا.

صدر من بين شفتيها صوت يدل على النفى ليبعدها عنه ببطء قائلا وعينيه تلتمع بشدة من عصف المشاعر به
: لاا يبقى لازم اصل غلطى، وفورا.

انحنى عليها يحتضن بشفتيه شفتيها يلثمها بقبلات صغيرة على كل زاوية بها ومعها همس اجش بكلمة (بحبك) مع كل لمسة منه لها يعيدها ويكررها عليها بطريقة لم ولن تمل من سماعها منه مهما طال بهم العمر تختطف قلبها ودقاته كأول مرة سمعتها منه.

ظلمها عشقاً ايمى نور.

فتح الباب لزوجته والتى هتفت به بقلق فور ان رأته امامها تسأله
: فى ايه يا مليجى، وشقة مين دى.

اشار لها بالدخول بوجه شاحب مرتبك ثم يغلق الباب بعد دخولها ثم يتقدمها للداخل وهى تتبعه تعيد سؤالها عليه مرة اخرى
: رد عليا يا مليجى، خلعت قلبى من ساعة ما كلمتنى فى التليفون، فى ايه رد عليا.

شهقت بمفاجأة بعد ان ادخلها الى مكان جلوس انور ظاظا وقد جلس فوق المقعد المواجه للباب مرحبا بها بصوت ساخر
: اهلا وسهلا، نورتى شقتى المتواضعة ياست كريمة.

التفتت كريمة نحو زوجها تهتف به بغضب وحدة
: جايبنى هنا ليه يا مليجى، ايه الحكاية بالظبط.

نهض انور عن مقعد يجيبها هو بعد ان نكس مليجى رأسه هربا منها قائلا بحزم
: انا هقولك يا ست كريمة بس عوزك كده تفتحى مخك معايا وتعرفى ان اللى هطلبه منك ده فيه مصلحتك ومصلحة جوزك قبل منى.

توترت ملامح كريمة ينهش الخوف صدرها لكنها تماسكت امامه تساله بحدة
: خير يا معلم عاوز منى ايه بالظبط.

انور وقد احتقن وجهه بالغضب يفح من بين انفاسه
: بعد ما المحروسة بنت اخت جوزك بوظت كل ترتيب عملته وخططته له ولسه قاعدة فى بيت سبع الرجالة جوزها وعلى ذمته، مبقاش ادامى خير حل واحد مكنتش احب اوصل له بس هعمل ايه مبقاش فيه ادامى غيره ده، ومحدش هيقدر يعمله غيرك.

كريمة بخوف وتوجس
: واللى هو ايه يا معلم؟

ابتسم انور ببطء قائلا وعينيه تنطق بالكره والشر يسرع فى الحديث عن المطلوب منها للقيام به وقد وقفت كريمة تحت انظار مليجى المصدومة هادئة تستمع بتركيز وقد ظن انها ستقيم الدنيا وتقعدها حين تعرف بمخطط انور حتى وصل للجزء الخاص بأجرها تتبدل فى الحال تنطق عينيها بالجشع قائلة بحزم
: لا يا معلم لو عاوز كله يمشى بالمظبوط وزى ما تحب يبقى اخد اد المبلغ ده مرتين.

انفرجت ملامح انور بالسعادة لنجاحه فيما يريد هاتفا
: لا يا كريمة ليكى عندى اده تلات مرات بس اللى عاوزه يحصل.

كريمة وهى تومأ برأسها موافقة
: موافقة يا معلم، شوف انت عاوز تنفذ امتى وانا تحت امرك.

وقف مليجى يتابع ما يحدث وعينيه فوق زوجته بذهول وصدمة كأنه يراها لاول مرة فقد تصور جميع الاحتمالات وانها ستقوم بقول لا ورفض طلبه فى حين لم يستطع هو النطق به فى وجه هذا الطاغية وتزيح عن كاهله هذا العبء ولم يتخيل ابدا انها ستقوم بالموافقة دون لحظة تردد منها، يتسأل بحزن ان كان هو المسئول عن هذا التبديل فى حال زوجته بسبب ما عانته معه طوال سنين زواجهم من مر الحاجة حتى اصبحت لا تهتم بشيئ سوى نفسها وراحتها فقط مهما كانت النتائج.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة