قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل السابع

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل السابع

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل السابع

فتحت سيرين عينيها لتجد نفسها متكومة على الأريكة الصغيرة بجانب النافذة. لم تتمكن من اغماض عينيها سوى مع بزوغ اول شعاع فجر. حين انقشع الظلام عن الغرفة المخيفة أخيرا.
نظرت الى ساعة يدها قبل ان تفتح باب الحمام الذي اصدر صريرا مزعجا.

كان الحمام متسخا بشكل فظيع. كمية من الغبار الأسود والطوب الأحمر المسحوق والموضوع على جوانب الحمام. رفعت راسها نحو السقف محاولة معرفة سبب وجود اثار للطوب الاحمر دون جدوى. اخيرا اقتربت من المغسلة لتفتح صنبور المياه الذي اصدر ضجيجا قويا قبل ان تنبعث منه المياه بألوان داكنة. استمرت سيرين تنظر الى المياه بعقل زائغ قبل ان ترفع القليل منها نحو وجهها لتغسل عنه اثر النوم الذي لم يستمر سوى لبضع ساعات.

حين عادت الى الغرفة فاجئها وجود مريم الذي اقتربت منها بابتسامة. اسفة سيرين لم استطع ان افعل شيئا أمس لمساعدتك قالت الفتاة باعتذار
ابتسمت لها سيرين بحب وهي تقترب لتطبع قبله على وجنتها الصغيرة وهي تنظر الى الشراشف الملونة التي احضرتها من اجلها.
قبل ان تشمر مريم على ساعديها وهي تقول: لقد استيقظت مبكرا اليوم خصيصا لمساعدتك. لدينا ساعة لتنضيف الغرفة قبل ان تستيقظ الساحرة الشريرة من نومها.

الساحرة الشريرة سألت سيرين وعلامات استغراب بادية على وجهها
الحاجة صفية طبعا قالت مريم ضاحكة. بادلتها سرين الابتسام من كان يدري انها ليست الوحيدة التي تعاني من بطش والدة نادر.
اخيرا وكما وعدت مريم تماما. ساعة واحدة وكانت الغرفة تلمع نظافة. مسحت مريم اثر العرق على جبينها من المجهود قبل ان تقول:
اليوم بعد ان ينتهي دوامنا سأصطحبك لتشتري القليل من الأغراض التي ستحتاجينها وتحتاجها الغرفة.

نظرت سيرين اليها وهي تفرك اصابعها بتوتر. انا لا احمل أي مال مريم. لقد ضاعت حقيبتي. كما ان والدة نادر لن تسمح لي بالخروج مطلقا.
دعي الأمر لي قالت مريم بثقة. انا اعلم كيف أجعل الساحرة تلين.

نزلا السلم مباشرة الى المطبخ حيث كانت الدادا حليمة قد انتهت من تحضير الافطار. لحظات وكانوا مجتمعين على المائدة بصخب. حتى سيرين ابتسمت وهي تنظر الى حليمة بألفة جعلت الدموع تنساب على وجنتيها دون تحفظ. قبل ان تمسحهما بسرعة. غزاها في تلك اللحظات شوق كبير لوالديها لغرفتها. لحياتها قبل ان يدمر عادل كل شيء بأنانيته. يا الهي ماالذي افعله تمتمت وهي تتأمل الدادا حليمة وقد توقفت ملعقة الحساء في يدها وهي تنظر الى ملامح سيرين المتألمة.

ما بك صغيرتي سألت الدادا حليمة باشفاق.
لاشيء. لاشيء بالمرة ردت سيرين متفادية النظر اليها.
حين حاولت حليمة الاسترسال في ضغطها عل سيرين لتتحدت اخيرا فتنفس عن الألم القابع بداخل روحها.
قاطعها صوت الجرس القوي والذي كان اعلانا عن استيقاظ صاحبة المنزل ومطالبتها بالافطار.
وضعت مريم اخر لقمة في فمها قبل ان تعدو نحو العربة الصغيرة المذهبة والتي اعدتها دادا حليمة مسبقا وهي تقول:.

هل كل شيء جاهز تعرفين. الحيزبونة تكون في أسوء حالاتها صباحا.
نهرتها دادا حليمة بعينيها. بينما تنظر الى سيرين التي اتسعت عيناها بصدمة قبل ان تنفجر بضحك مفاجئ.
الحيزبونة همست سيرين بخفوت. انه فعل لقب يناسبها كثيرا.
اخيرا سحب مريم العربة واتجهت نحو غرفة الطعام حيث كانت سيدة المنزل الأولى تمسد كتفها بارهاق.
وضعت مريم الطعام على الطاولة قبل ان تقترب من السيدة صفية وتزيح يدها بحنان وهي تقول:.

دعيني افعل ذلك سيدة صفية.
اراحت صفية يدها على الطاولة، سامحة للفتاة الصغيرة كي تمسد عضلات كتفها المجهد. انت فتاة لطيفة قالت الحاجة صفية بصوتها البارد، كيف حال عمتك مريم.
تلعثمت مريم وهي تكمل عملها باتقان. انها بخير الكسر الذي اصاب قدمها سيشفى قريبا. بعد بضعة ايام ستعود للعمل.
وانت سألت الحاجة صفية بهدوء مريب. هل ستبقين ايضا.

توترت مريم وهي تبلع ريقها بصعوبة. تعلم ان نادر هو من يدفع تكاليف دراستها الجامعية. هل كانت الحاجة صفية تحاول اخبارها بان ذلك العهد قد انتهى وان عليها ان تدفع ديونها بالعمل هنا!
سيبدأ الموسم الدراسي الأسبوع القادم قالت بارتعاش ترجمته يداها على كتفي الحاجة صفية. التي شعرت بتصلبها.

يكفي قالت بصوت حازم. لترفع الاخيرة يديها المرتعشتين وقد تحول وجهها الى الشحوب الشديد. دراستها هي كل ما تملك في الحياة. كانت محظوظة للغاية حين عرض نادر على عمتها ان يتكفل بمصاريف الدراسة، تلك العمة القاسية هي كل ما تبقى لها في الوجود ولطالما اخبرتها انها تنتظر اليوم الذي ستكمل فيه دراستها لتبحث عن عمل يكفيهما خدمة الغرباء. على ما يبدو كان هذا مستحيلا خصوصا وهي ترى المكر في عيني والدة نادر في سؤالها الذي حمل معنى مزدوج لعين.

تنهدت الحاجة صفية قبل ان تقول: يمكنك العودة الى الدراسة بالطبع.
انها تنتظر لكن. اكيد هنالك من لكن ستأتي بعد هذا التأكيد مباشرة. فكرت مريم وهي تنظر الى السيدة بتوجس.
وكما خمنت تماما.
لكنك ستظلين معنا لتساعدي عمتك في اشغال البيت. انت تعلمين رقية لم تعد بالقوة التي كانت عليها. وكسر قدمها سيجعلها اسوء حتى. الا توافقينني الراي مريم سألت صفية ببرود.

ابتلعت مريم ريقها محاولة عدم النظر نحو العينين الزرقاوين بلونهما الجليدي. خائفة من التحول الى تمثال فقط من التعرض للشرر اللتان تطلقانه. مهلا هذه ليست الحيزبون فكرت مريم بنزق انها مدوسا. مدوسا الشريرة. برأسها المليء بالأفاعي والتي تحول كل من ينظر نحوها الى تمثال.

لكن وهي تنظرالى الحاجة صفية في ردائها المنزلي الأخضر وشعرها الفاتح والمعقود في تصفيفة متزمتة لم تبدو كالكائن المخيف مدوسا. بدت انسانة باردة قاسية ووحيدة.
حسنا يمكنك الانصراف الان.
حركت مريم راسها بخضوع وهمت بالابتعاد قبل ان تتوقف للحظة وتقول بصوت مرتعش.
سيدتي.
رفعت السيدة صفية راسها وحدقت اليها بجمودها المعتاد: ما الامر.

كنت فقط اريد ان تسمحي لسرين بالذهاب معي للتسوق. هي لاتملك أي ملابس سوى ملابس العمل. كنت أفكر انها ستحتاج الى القليل من الاغراض لذلك سيكون جيدا لو ذهبت معي اليوم.
اطرقت الحاجة صفية براسها قليلا. كان الصمت يتلاعب بعقل مريم وهي تعض على شفتيها بعصبية. لابد انها ستنفجر غاضبة بعض لحظات.
لدهشتها حين قالت الحاجة صفية بعدم اكثرات. يمكنها الذهاب للسوق. على ان يصطحبكما محمد بنفسه.

حركت مريم راسها باحترام. قبل ان تترك الغرفة تشيعها نظرات الحاجة صفية العميقتين.

في أرقى أحياء المقاطعة الباريسية: وقف نادر بجمود ينظر الى انوار الشوارع المتلألئة والتي انعكست على نهر السين بلونه الداكن لتزيده غموضا. مر أسبوع على رحيله عن المغرب تاركا كل شيء ورائه وكأن عودتها الى حياته قلبت كل الموازين وهدت كل الحصون التي دأب على تشيدها حوله لسنوات. كل ذلك التخطيط كل تلك الأفكار التي غذتها مشاعر الكره والاحتقار وتوقه للانتقام.

كل ذلك اختفى فجأة. يا الهي. هل يمكن لرغبة جسدية. لاشباع وقتي ان يطيح بكل العهود التي قطعها على نفسه. ان ينسى رابط الدم ان يشيح بنظره عن سنوات الدموع التي قضتها والدته تذرفها على عائلة تفككت بلمح البصر.

لازلت ذكريات الليلة التي قضاها الى جانبها تؤرق مضجعه وتسلب النوم من عينيه. شعور بالذنب يتأكله من الداخل. لقد خان منار حين استسلم لنزوة عابرة. منار طفلته الصغيرة الاقرب من ابنة الى شقيقة. منار التي رباها بيده. ليقطفها عادل دون رحمة وينتزعها منهم كأنها لم تكن...
هل كانت ليلة واحدة بجانب سيرين. لتنسيه كل الحقد الذي يحمله لعائلتها. لذكرى هروبها وتركه واقفا وحيدا أمام مئات المدعويين.

يا الهي. وضع يده على صدره ليفتح ازرار قميصه، قبل ان يضع رأسه على زجاج النافذة البارد محاولا التلطيف من الحرارة التي تعصف بجسده.
الى متى لكن الى متى. ستستمر سيرين في تعذيبه؟
هل هي سيرين مرة أخرى سألت رنا زوجها وهي تضع صينية القهوة امامه. نفخ مروان الهواء من صدره بنفور وهو يرى اعز اصدقائه غارقا في الألم مجددا.
لا ادري. لم يخبرني شيئا، لكني لم ارى نادر منهزما لهذه الدرجة منذ سنوات.

تقصد منذ أن تركته تلك المنحطة في يوم زفافه وفرت. يا الهي سيرين تلك انسانة فاسدة بكل ما للكلمة من معنى. انا لا اعلم لما اراد الاقتران بها حتى بعد مافعله عادل بشقيقته.
رنا قال مروان معاتبا.
حسنا ربما عليك ان تذهب اليه. فهو لم يخرج من غرفته منذ ليلة أمس. هذا ليس بشيء صحي.
دعيه قال مروان بنبرة من يعرف نادر جيدا. انه يحاول تصفية ذهنه ونحن لن نتدخل في حياته مفهوم.

ربما قالت وهي تحاول تغيير الموضوع بسلاسة. على ذكر تصفية الذهن متى سنعود. لقد وعدتني بزيارة للمغرب هذا الأسبوع. لكني لا ارى أي تحرك فأنت لم تحجز للرحلة حتى الان.
اخشى اننا لن نستطيع السفر وترك نادر وحده قال وهو يسحبها لتجلس على ركبتيه دافنا رأسه بين خصلات شعرها الكستنائي الطويل ليهمس لها بصوت أجش.
لكن اذا كنت فتاة مطيعة. فقد اخدك في نهاية الاسبوع الى سانتروبيز ما رأيك.

انت لا تلعب بنزاهة قالت رنا بشبه تكشيرة وهي تداعب عنقه باغراء متعمد.
معك انت فقط صغيرتي النزاهة تعتبر ضربا من الجنون. لم يسمح لها بالمتابعة وهو يقرب وجهها الضاحك ليغمره بالكثير من قبله.

في مستشفى الأمراض النفسية بالدار البيضاء: جلس معاذ بجمود ينظر الى شاشة حاسوبه. لم يكن ينظر فعليا فعقله كان بعيدا وهو يفكر في الأمور التي جدت. هل ما أخبره أمين حقيقي فهو لم يعد يستوعب وكأن عقله توقف عن التحليل فجأة. لا بد وأن تلك الهلاوس التي يعاني منها منذ أيام قد أثرت على حكمه على الأمور.

زفر بقوة وهو يعيد رأسه الى الوراء. ليريح جسده على الكرسي بانهزامية. منذ متى اصبح يعالج المرضى بعواطفه. لطالما كان طبيبا منطقيا ما الذي اصابه الان.
ومض عقله بتلك الفكرة التي جمدته. لانها ليست أي مريضة معاذ. انها منار.
في تلك اللحظة علا صوت هاتفه ليخرجه من الافكار المظلمة التي بدات تلتف حوله. نظر الى الشاشة بضيق وهو يتأمل الاسم المألوف. الشيخ الفيزازي.

رفع الهاتف الى اذنه ليجيب، وانقطع التيار الكهربائي في تلك اللحظة حارما اياه من النظر الى الظل الطويل الذي احتل احدى زوايا الغرفة.
في زنزانة منار: نظر أمين بتمعن الى الجرح البشع الذي احدثته منار برأسها قبل ان يلتفت الى الطبيب الذي ضمده متأملا هشاشتها. فتاة شابة وجميلة ما الذي يا ترى جعلها تصل الى مرحلة الجنون.

حرك أمين حمالة مفاتيحه بين اصابعه بضيق قبل ان يزفر ليقول: في مرات عديدة ليس هنالك سبب بالمرة. هم فقط يفقدون عقولهم في مرحلة ما.
العقل اداة غريبة قال الطبيب قبل ان يحاول قياس ضغطها. وهو ينظر الى استسلامها باشفاق.
أخد أمين قياس جهاز الضغط من يده: لا عليك أنا سأقوم شرح أمين والذي نظر الى الطبيب نظرة جعلته يفهم انه عمله قد انتهى.
ابتسم الطبيب باظطراب لنظرات أمين المسلطة قبل ان يأخد ادواته ويهم بالرحيل.

سأعود لمعالجة الجرح بعد يومين.
حرك أمين رأسه بفهم دون ان يلتفث الى الطبيب. نظراته مسلطة على منار التي كانت تنظر نحوه بعينين زائغتين لا روح فيهما.
سحب كرسيه ليصبح قريبا منها ليمرر الطوق حول ذراعها الهزيلة قبل ان يقيس النبض بصمت.

اتعبها الصمت المطبق الذي ساد الغرفة اكثر حتى من ازعاج الطبيب الذي عالج جرحها. وهاهو الطبيب المتعجرف يعذبها بصمته جاعلا اعصابها مستنفرة الى أقصى الحدود. تنفست بعمق محاولة التهدئة من نبضات قلبها السريعة:
من أنت وما الذي أفعله انا هنا. هل نحن في السجن
رفع أمين راسه ليتامل ملامحها الرقيقة والمتوترة للحظة قبل ان يسحب جهاز القياس من يدها ويعلق ببرود:
نبضك طبيعي.

حركت كتفيها علامة على عدم الاهتمام قبل ان تعود لنفس السؤال مرة اخرى، لكن في هذه المرة كان أمين مستعدا لاشباع فضولها:
هذا ليس سجنا. انها مستشفى.
مستشفى. اعادت الكلمة بدهول. لوهلة لم تتعرف على الكلمة. لوهلة كانت مشتتة وهي تحرك راسها دون وعي.
لماذا انا في المستشفى هل اصبت. هل كان هنالك هجوم. هل عادل بخير.
زفر معاذ بضيق وكأنها تعب من التمثيل الذي كان يشعر ان منار تمارسه ليقول بنفاذ صبر:.

منار. عادل توفي، لقد قتل
لا مستحيل، لا أحد قادر على قتل الوحش. لا أحد يمكنه التخلص منه ابدا.
بدات الكلمات تخرج من فمها سريعة. مبهمة وأشبه بالصراخ.
توقفي صرخ فيها بقسوة وهو يغرس اصابعه في ذراعيها دون شعور.
لايستطيع التفكير بمنطق امام منار وهو يرى الحالة التي يعيشها صديقه بسببها.
كتم غيظه بصعوبة قبل ان يعود الى مقعده. ويلبس قناع البرود.
نظرت نحوه منار باستغراب ممزوج برهبة لم يعرف لها سببا.

قبل ان تقول بصوت باهث: أنا لم اقتل عادل.
حرك أمين راسه بعدم تصديق وعيناه مسلطتان عليها. يحاول اختراق عقلها. عله يحظى بالجواب الشافي.
انت لا تصدقني اليس كذلك. لا تصدق انني لم اقتله.
الم تفعلي سأل أمين ببرود مستمرا في التحديق لوجهها الشاحب
لا قالت بجفاف، أنا لم اقتله لاأحد قادر على ذلك
من فعل اذا؟ الاشباح سأل بنبرة ملئها الاستهزاء.
لا أعلم ردت محركة رأسها بضياع.

باعترافك هذا انت تقرين بأن لديك صعوبة في التفريق بين الحقيقة والوهم. هل هذا احتمال قائم؟
نعم. كطبيب كما اعتقد. انا أفهم لما تظن ذلك، لكن هنالك فعلا شيئا حقيقي يحصل معي.
وما هو.
سأل دون اهتمام.
لن تفهمني ابدا ردت بصوت هامس. هذه الاشياء لا تحدث. انا ايضا في بعض الاحيان ماكنت اصدق بالفعل حتى وانا اراها امامي حقيقة ملموسة.

تفضل ان تراها هلاوسا من تأليف عقلك على ان تشعر بأن ذلك الكم من البشاعة حقيقي وموجود فعلا.
ضغط أمين على جانبي صدغه بعصبية. كانت هذه المحادثة تصبح اكثر جنونا مع كل دقيقة تمر. زفر بقوة ليقول:
ماذا عن الأن. هذه اللحظة التي تعيشينها.
ماذا عنها؟ سألت دون فهم.
هل هي مجرد هلاوس؟ هل انت فعلا موجودة في هذه الغرفة بالمستشفى ام انه عقلك مرة اخرى من يصور هذه الاحذاث.

هل هي كذلك. مجرد هلوسات لحياة تمنيت ان اعيشها بدل الحقيقة
قالت منار باظطراب واضح. ما الذي تظنه انت سألته وعيناها تتجولان على وجهه الهادئ والذي لم تتغير ملامحه حتى وهو يقول:
أنا اظن ان زيادة جرعاتك العلاجية قد يفيدك.
للحظة ظل الصمت سيد الموقف وهي تجيل بصرها بينه وبين كوابيسها التي عادت للظهور من جديد.

وأنا اظن انه وقت رحيلك من هنا قالت منار برعب قبل ان ترفع قدميها على السرير وتتكور في وضعية دفاعية غارسة وجهها بين ركبتيها.
وقبل ان يستطيع أمين فهم التغيير الذي طرأ عليها في وقت قياسي اطفئت الانوار فجاة وساد السواد الزنزانة المظلمة.
في مدريد عاصمة اسبانيا: ظلت نادية تتحرك بعصبية في ارجاء المطبخ الكبير للمطعم و الذي كانت تتشاركه هي وسيرين ليغلق ابوابه لشهور قبل ان تعيد فتحه بتمويل من نادر.

يا الهي مر اسبوع على ذهابها لرؤيته. ولا معلومات جديدة اكاد اجن افريكا ما الذي عليه فعله.
وضعت الفتاة العشرينية مجموعة من الخضر الورقية أمامها وبدات بتقطيعها بسرعة فائقة لترميها في المقلاة. حركت الخليط لبرهة قبل ان تقول بصوت غير مهتم:.

سيرين فتاة بالغة نادية. ليست طفلة تائهة كفي عن التفكير في سيرين واذهبي للقاعة تأكدي من ان كل شيء معد للافتتاح. انها فرصتنا الاخيرة قالت وهي ترش الملح بجانب كتفها طلبا للحظ. لتضيف دون مراعاة لخوف نادية.
سيرين. تلك الفتاة لطالما كانت قادرة على اجتذاب المشاكل. لكني اظنها هذه المرة قد فعلت الصواب حين عادت لزوجها.

هيا اذهبي امرتها وهي تدفعها نحو باب المطبخ. وتتم عملها دون اهتمام للقلق الذي كان يسري في جسد نادية وهي تفكر بما يمكن ان يمنع سيرين من الاتصال بها. هل هو الحب. هل مشاعرها الاستثنائية لنادر قد طغت على كل شيء. حتى على تفكيرها بأعز صديقاتها.
كانت غارقة في التفكير لدرجة لم تستطع تفادي الجسد القوي الذي وقف وسط القاعة يتأملها باهتمام.

يا الهي اسفة قالت ناديا وهي ترفع رأسها محاولة الاعتذار من الشخص الذي صدمته بشكل عرضي.
اعادت نظارتها ذات الاطار الاسود السميك. حول عينيها قبل ان تصدم بالواقف امامها وعلامات الغضب تغطي تقاسيم وجهه الوسيم.
زياد؟
اين هي. اين سيرين أخبريني.

وقفت سيرين لدقائق أمام احدى المحلات تنظر الى واجهة المحل بنظرات ملأها الشغف قبل ان تباغتها مريم بالسؤال وهي تمسك ذراعها. اجفلت سيرين لتلتفت بخوف الى المريم التي باغتتها فجاة.
اخيرا وجدتك قالت مريم وهي تلهث بصوت مسموع. لا تعرفين مقدار القلق الذي شعرت به حين التفت ولم اجدك بجواري.

هذا المحل كان يبيع احلى حلوى كراميل في المدينة قالت سيرين بصوت تشوبه المرارة. انظري اليه الان لقد تغير لمجرد محل اخر للملابس.
تأملت مريم المتجر ونافذة العرض باهتمام قبل ان تسحب سيرين الذاهلة من يدها.
لديهم فعلا اشياء جميلة بالداخل. هيا علينا ابتياع بعض الملابس لك. لقد طلبت من محمد ان يأخد الأغراض الى المنزل ونحن سنعود مشيا على الاقدام.
التفتت سيرين الى مريم غير مصدقة.

لكن كيف تمكنت من اقناعه بالذهاب. تتذكر انه منذ ان استقلوا السيارة نحو المدينة وهو يعاملهما بحمائية غريبة.
لنقل انه يعشقني بجنون ضحكت مريم بصوت عال وهي تغمز لسيرين التي ظلت ترمقها بعينين مفتوحتين من الصدمة.
لا داعي لكل هذا واغلقي فمك بحق السماء سيرين. لقد قلت انه يحبني لم اقل اننا واقعان في علاقة غير شرعية.

ضحكت سيرين رغم عنها من تصريحات مريم العفوية. ذكرتها كثيرا بنادية صديقة الغربة التي ضحت معها بكل شيء وقاسمتها الكثير من الذكريات.
مجرد التفكير بنادية طعنها بقسوة. يا الهي عليها ان تجد هاتفها. ان تحاول الاتصال بها وتخبرها بكل شيء لامت بلادتها بشدة كيف لا تحفظ رقم اعز صديقتها. رقم واحد فقط كان محفورا بعقلها. فهل كانت لتتجرأ الان على الاتصال به بعد كل ما حصل معها.

رنت كلمات نادر المزدرية في اذنها لتجعلها تغلي غضبا: هل اصبحت بضاعة بخسة سيرين.
للجحيم لا. عليها ان تجد جواز سفرها أولا بعدها ستغادر البلاد وتطلب الطلاق رسميا من نادر. حينها فقط قد تتصل بزياد لتخبره بكل ما حصل معها.

في المستشفى: خيم ظلام دامس على أروقة طابق الأمراض النفسية ليعطيه مظهرا بائسا اكثر بؤسا من الواقع حتى. علت الصراخات في الطابق. صرخات مجنونة يائسة دوت في الأورقة لتجعل الممرضين يهرولون بوجل بحثا عن مصادر انارة بديلة.

ظل معاذ يتكلم بهدوء الى الشيخ الفيزازي وهي ينظر الى البقعة المظلمة والتي احتلت حيزا مهما من الزاوية. ركز بصره نحو البقعة دون جدوى. كانت الكتلة السوداء تبدو في ظلام الغرفة كرجل طويل متشح بالسواد. حرك معاذ اصابعه المتيبسة ليضغط بها بقوة بين عينيه لابد وانه تعب وقلة النوم اللذان يزيدان من هلاوسه وتخيلاته.

لم يسعفه كلام الشيخ الفيزازي من التخفيف من الشعور بالضياع الذي ينتابه. وعده انه سيأتي غدا ليراها ومن ثم سيخبره ان كانت مصابة بمس شيطاني ام انها مجرد مريضة نفسية شديدة الذكاء لتجعل طبيبا نفسيا بارع مثل معاذ يسقط في الشرك.
اخيرا اقفل الهاتف. فكرة غريبة عبرت ذهنه وهو جالس في الظلام. ماذا لو كان ما يتخيله حقيقي. ربما هو نفس الكائن الذي ظهر في غرفته ليقض مضجعه. هل اتى الى هنا ليثير جنونه مجددا.

رفع يده بهدوء ليسلط ضوء الهاتف الخافت على البقعة السوداء. لاشيء كانت الزاوية فارغة الى من معطفه الأبيض المرمي باهمال على الأريكة.
دقائق وعادت الانوار لتضيء مكتبه. زفر بقوة قبل ان ينهض ليحمل معطفه الطبي ويرتديه بسرعة. عليه زيارتها قبل ان يأتي بالشيخ الفيزازي غدا.

في غرفة منار بالمستشفى: كانت الغرفة تسبح في الظلام فما عاد أمين يميز الكتلة الصغيرة التي انكمشت على نفسها في اخر جزء من السرير. كان شعرها الكستنائي الطويل منسدلا على وجهها فلم يعد يظهر أي من ملامح وجهها.

تنفس أمين بقوة محاولا ادخال المزيد من الهواء الى صدره. حرارة الغرفة اصبحت لا تطاق شعر اخيرا بالضيق يزحف ليطبق على صدره مانعا عنه التنفس بحرية. فتح زري قميصه العلوي محررا نفسه من ربطة العنق التي اثارت عصبيته.
لا تخافي منار قال أمين بصوت واثق. ستعود الكهرباء بعد دقائق قليلة.
رفعت منار رأسها بهدوء ولمعت عيناها بسواد غريب. جاءت نبرتها مختلفة تماما عن النبرة الخائفة التي كانت تتكلم بها منذ برهة.

أنا لست خائفة بالمرة. أمين الكوهن. أنا لا أعرف معنى الخوف ربما أنت من عليه الشعور به بعد كل هذه السنوات.
امتقع وجه أمين وهو يحاول تفرس معالم وجه منار في ظلام الغرفة دون جدوى. بلمح البصر كانت تقف بجواره لتهمس قرب اذنه بصوت بعث القشعريرة بكامل جسده.
هل تظن انك تخدع احدا بمنظرك الواثق المتعجرف. تحاول ان تظهر كم انت نزيه. ذكي ومتفان في عملك لكن.

هل يعرفون بما فعلته منذ سنوات همست وأنفاسها الحارقة كاللهيب تلفح رقبته. هل يعرفون بفعلتك الشنيعة بسمر.
ماذا؟ سأل والعرق يتصبب من جبينه بغزارة. مستحيل. من اخبرك. لا احد يعلم صرخ بحدة وهو يلتفت لتفاجئه عيناها المظلمتين. ابتسامة المعرفة سمرته وهو ينظر برعب الى الملامح الجديدة والتي بادلته النظرات وجعلت الخوف يتسلل عميقا لتتشربه حواسه قبل ان تهمس هذه المرة بفحيح مرعب.

بالتأكيد اعرف. فانا دائما اعرف كل شيء.
تحول صوتها الى صوت مألوف وكأنه ات من اعماق ذكرايته.
لا تتركني أمين اتوسل اليك. علينا الزواج فأنا أحمل طفلك.
يا الهي صرخ وعيناه مسمرتان على الوجه الشيطاني بضحكته المتسلية.
من أنت؟
أنا أسوء كوابيسك التي ظهرت الى العلن قال الصوت بهدوء قبل ان يعلو ليصبح صراخا صاخبا يملئ عقله وكلماته تتردد في انحاء الغرفة.
لن اتزوجك سمر فديانتنا مختلفة. فأنا يهودي. يهودي.

علا الصوت بقوة جعل أمين يضع يديه على رأسه محاولا ابعاد تلك الهمهمات المخيفة قبل ان يعود الضوء. وينظر أمامه.
كانت جالسة في مكانها بنفس الطريقة. مختفية في اقصى مكان من السرير يداها تحاوطان ركبتيها بينما انسدل شعرها الطويل مغطيا وجهها بالكامل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة