قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن

رشفت الحاجة صفية جرعة من فنجان القهوة مستمرة في النظر الى سيرين التي كانت تعض شفتها بتوتر بالغ قبل ان تأمرها بالانصراف.
لقد مر اسبوع اخر منذ أن رحل نادرا ليتركها في عهدتها وهي لم تدخر جهدا في سبيل اشعارها بمكانتها الحقيقة في هذا البيت. انهاكها بالعمل اليدوي وسحق روحها دون ترك مجال للشك بأنها ليست سوى خادمة حقيرة.

رن جرس الباب طويلا قبل ان يخرج الحاجة صفية من شرودها لتصرخ بصوتها الحازم: - الا يوجد في هذا البيت الكبير من يفتح الباب؟
تأففت بصوت مسموع حين لم تجد ردا.
وضعت ادوات الحياكة من يدها قبل ان تتجه نحو الباب الكبير بخطوات رشيقة لا تتناسب مع عمرها الذي ناهز السادسة والخمسين. لتفتحه وتسمرها المفاجئة للحظة.

- رنا! مستحيل قالت غير مصدقة لتفتح ذراعيها نحو ابنة شقيقتها مانحة اياها عناقا حارا. تلقته رنا بلهفة مماثلة وهي تعانق خالتها والدموع تتدفق من عينيها.
- لقد اشتقت اليك. اشتقت لك كثير خالتي.
- لكن لما لم تخبريني بعودتك؟ سألت وهي تصحبها الى الداخل واين هو مروان واين هي حقائبك. لا تخبريني انها زيارة عابرة فقط.
امسكت رنا بذراع خالتها مستمرة في تأمل المكان باهتمام.

- اولا اتيت لوحدي فمروان عالق في باريس ولن يستطيع القدوم. وثانيا انا هنا لمدة شهر كامل حتى تملي مني وعن سؤالك عن حقائبي. أكملت بعصبية : ببساطة لقد ضاعت في المطار وسيحضرونها الى المنزل حالما تعود من الرحلة التي شحنوا معها بالخطأ.

- اوه. حسنا قالت الحاجة صفية محاولة اخفاء ارتباكها. جلسا جنب الى جنب في الصالة الكبيرة بوسائدها المغربية المريحة، قبل ان تأخد رنا زمام الحديث وكأنها شعرت بتوق خالتها الكبير للسؤال عن نادر: .
هو بخير خالتي قالت رنا دون مقدمات.
توترت قسمات الحاجة صفية للحظة مسقطة القناع الذي لازمها لسنوات. قبل ان تستدرك خطأها فتعود الى برودها المعتاد.
- لم يكلف نفسه حتى عناء الاتصال بي.

تنفست رنا بغيظ وهي تلعب بقبضة حقيبتها. هي السبب وراء كل ما يحدث ابنة بن جلون الحقيرة. هي من تجعله عاجزا عن تخطي الماضي.
سحابة من الحقد خيمت على عيني الحاجة صفية للحظات. كانت تلعن شعور الرأفة الذي بدا يتسلل لقلبها على سرين. كلمات رنا جعلت نار الحقد تأجج من جديد مغذية غضبها.
على ذكر الشيطان قالت رنا دون اكتراث اين هي كنتك المصون. مختبئة كالفأرة في غرفتها.

ابتسمت الحاجة صفية وهي تنظر الى ابنة شقيقتها. كانت نسخة عنها وعن ابنتها الغالية منار. شعور برغبة في التشفي امتلكها لتنهض بهدوء نحو الهاتف الداخلي وتضغط رقما قبل ان تقول بهدوء.
- ترغبين ببعض القهوة رنا؟
اوه بالطبع قالت رنا وهي تعيد ظهرها الى الوراء مستلقية على الوسادة بتعب. انا بالفعل احتاج الى بعض القهوة الحقيقية تعويضا عن ذلك السائل المقرف عديم الطعم الذي يسمونه قهوة في المطار.

ضغطت الحاجة صفية الزر طالبة ابريقا من القهوة وبعض الحلويات.
في المطبخ: - الحيزبونة تطلبك بالاسم
قالت مريم منهمكة في وضع ا لماء داخل الة القهوة الكبيرة. قبل ان تفتح احدى الخزائن لتجلب طقم القهوة الخزفي وتصف انواع كثيرة من الماكرون بألوانه المشرقة على صينية من الكريستال متعددة الأطباق.

حسنا قالت سيرين بتنهد وهي تمسد رأسها. تعب شديد وكوابيس لا تنتهي منذ ان سكنت غرفة عادل الغريبة. هي ليست غبية فلطالما كان عادل شخصا مختلفا خصوصا منذ اصبح مراهقا منطويا. تلك الغرفة كانت مصدر كوابيسها حتى قبل ان ترحل الى الدار البيضاء للدراسة. لسخرية القدر بعد سنوات اصبحت غرفته المظلمة ملجئها الوحيد.

لا تنكر ان الكوابيس قلت بشكل تدريجي منذ ان عادت للصلاة بانتظام وخصوصا وكتاب القران الذي منحتها اياه الدادا حليمة لا يفارق رأسها.
نفضت عنها احلام اليقظة حين صفت مريم الحلوى و ابريق القهوة ووضعتهما في العربة
- انهضي وتألقي ايتها الأميرة هتفت مريم بمرح. فالساحرة الشريرة قد لا تبدو لطيفة حين تنفد جرعتها اليومية من الكافيين.

ابتسمت سيرين مستمتعة بالطاقة التي تشع من مريم. تلك الفتاة كانت مستمتعة بالحياة حتى وهي لا تملك أي شيء قد يدفعها لذلك، فعلا كانت القناعة كنزا. عليها امتلاكه اذا ما قررت الرحيل عن هذا البيت، خصوصا وأن احتمالات هربها اصبحت تتضاءل يوما بعد يوم في بحثها اللانهائي عن جواز سفرها المفقود.
تنفست بقوة وهي تدفع العربة وتبتسم نحو الدادا حليمة ومريم اللتان عادتا لعملهما بنشاط وكأن حياتهما تعتمد على ذلك.

تحركت سيرين بهدوء بينما عيناها تركزان على حركات قدمها المتمهلة محاولة تفادي عيني حماتها اللتان تقطران حقدا وتشفيا كلما صادفتها، تعالت الأصوات الصاخبة من الصالة معلنة عن وجود زائر. صوت الحاجة صفية مندمجة في حوار وهي تضحك اصابها بالدهشة الشديدة فهي كانت شبه متأكدة ان الحاجة صفية لا تعرف معنى الابتسام. اخيرا وقفت قرب المدخل وتلوت معدتها بألم غريب هل سيكون هنالك غريب شاهد على اذلالها بملابس الخدم. لاحت لها مريم بقناعتها وايمانها العميقين في أن العمل مهما كان نوعه ليس عيبا. فتحلت بقوة زائفة وهي ترفع راسها لتقول بصوت منخفض:.

القهوة سيدتي. -
للحظة توقفت الكلمات وارتجفت شفتاها باحساس غريب من المهانة وهي تتأمل رنا في فستانها الصيفي الأصفر والذي اظهر بوضوح جمال عينيها بلونهما الازرق الزجاجي. تلك العينان نظرتا نحوها بتشفي واحتقار...
اقتربي قالت الحاجة صفية بصوت قاس منع أي فكرة في الهرب من التبلور في عقل سيرين الذاهل من الصدمة.

اقتربت سيرين تدفع عربة القهوة بيدين مرتعشتين. توقفت حيث امرتها الحاجة صفية. للحظات ظل الصمت مسيطرا على الاجواء قبل ان يقطعه صوت رنا المتعجرف بتسلية مريضة:
- حين يسقط العظيم. سيرين بن جلون في ملابس الخدم الوردية. من كان يعلم انه فعل المكان الذي تنتمين اليه في الاخير...
عصرت سيرين على مقبض العربة بقوة محاولة السيطرة على الغضب الذي بدا يعلو بطيئا بداخلها.

لم تعلق الحاجة صفية بشيء وهي تجيل النظر بين ابنة شقيقتها وسيرين. اخيرا حركت رنا يدها نحو الطاولة وهي تقول بصوت قاس: .
- هل سننتظر طويلا ايتها الخادمة
رمشت عينا سيرين بقوة وهي تنظر الى رنا دون تصديق. هل نعتتها للتو بالخادمة. لكن ما الذي كانت تتوقعه وهي واقفة بزيها الوردي تجر عربة للقهوة في منزل مشتريها.

موجة من الغضب اعترتها وجعلتها تتصرف دون وعي للمخاطر. في سرعة وبطريقة خرقاء صبت سيرين السائل الأسود في الفنجان لتمسكه بين يديها بارتعاش بينما صدرها يعلو وينخفض بقوة: .
- تفضلينها مرة اليس كذلك رنا.
وبدون انتظار قذفت سيرين السائل الساخن على صدر رنا و التي تلوت بألم وعلا صراخها وهي تمسك صدرها الذي احترق بفعل القهوة الساخنة: .

في باريس عاصمة فرنسا: خطا مروان الى الغرفة التي احتلها نادر منذ وصله. لم يخرج منها سوى مرات قليلة تجول فيها وحيدا بين الطرقات الملتوية لشوارع باريس راغبا في ان يضيع بينها فلا يعرف طريقا للعودة. للاسف كان هذا مستحيلا وهو يعرف تلك الأزقة كما يعرف خطوط يده، اخيرا استسلم لمشاعر الاحباط وانزوى في شقة صديقه محاولا الهروب من واقع فرضه على نفسه.

حركة مروان الخفيفة، اجفلته ليرفع راسه اخيرا عن النافذة التي كان غارقا في تامل الشارع منها. لينظر نحو صديقه بنظرات خالية من أي تعبير: .
- هل سنتحدث الان ام انك تفضل البقاء مزعجا لوقت اطول سأل مروان وهو يجلس الى احد الارائك التي توسطت غرفة الضيوف.
زفر مروان بضيق حين لم يجبه وهو يتأمل حالة صديقه المزرية والتي لم يبدو عليها منذ سنوات.
- تبدو كمتشرد اضاف حين لم يواجه تعليقه سوى الصمت.

اخيرا خطا نادر نحوه ليجلس بدوره على الأريكة بضياع. للحظات ظل شارد الذهن قبل ان يرفع راسه نحو مروان ليقول بصوت متعب:
وفر ألاعيبك النفسية لمرضاك المنمقين وقل ما الذي تريده -
لنقل أريدك ان تتوقف عن تدمير نفسك اولا. ثم ان تكف عن ملاحقة سيرين وكأنها المسؤولة عن أي مما يحدث مع منار، لا تحاول ان تترك لكراهيتك الفرصة في معاقبتها على ذنب لم تقترفه.

كلمات مروان الصريحة والتي أتت دون مقدمات جعلت ملامح نادر تتصلب محاولا اخفاء عصبيته المكبوتة.
احقا هدر نادر بسخرية واظلمت عيناه: انت تطلب الكثير يا صديقي. لكن بما أنك تطلب الكثير هنا. هل تصدق فعلا اعاقب سيرين على اخطاء لم ترتكبها.

- اصدق انها لم تكن مسؤولة عن ما فعله عادل بشقيقتك. واعلم جيدا انك لم تكن خصما نبيلا معها في الماضي. لقد دمرت كل ما تملكه عائلتها ومن ثم كرست سنوات من حياتك لتجعلها تعود راكعة على ركبتيها تطلب مساعدتك.
ابتسم نادر دون مرح وهو يرمق مروان الذي كان جالسا بهدوء وكأنه في خضم جلسة نفسية. لطالما كان بارعا في الوصول الى دواخله. واكتشاف ما يخبئه واليوم لن يكون استثنائيا على كل حال.
زفر بقوة ليقول: .

لقد تركتني في يوم الزفاف. اهناك اكثر من هذه اهانة؟ -
- اوه توقف عن تشويه الحقائق. انت لا تصدق ان الحب كان سببا لارتباطك بها. كانت رغبة فقط في اخضاعها، في جعلها تعاني كما عانت منار مع عادل طوال سنوات زواجهما.

شعر مروان بجسد صديقه يتصلب مجددا وقد ظهرت نظرة غريبة في عينيه. هل كان يقسو عليه كثيرا وهو على شفى الانهيار. هل لمس وثرا حساسا واقتحم منطقة منيعة في حياة صديقه. لكن لا، هو اكثر معرفة بنادر كان عليه ان يستفزه اكثر حتى يعود من الهوة التي يحفرها لنفسه.
اسطرد: - انت الملام على زواج منار المتسرع. انت من دفعت بها الى ذراعي عادل حين قررت ان معاذ لا يليق بها.

فتح نادر عينيه بصدمة وهو ينظر الى مروان بغير تصديق: - ماذا؟
- هل تظن انني كنت لاغفل عن تهديدك لمعاذ بعدم الاقتراب منها. الكل كان يعرف بعشقه لها. بحق السماء كنت في اخر سنوات التخصص وقتها ولم اكن غافلا عن نظرات الاعجاب المتبادلة والصريحة بينهما، لكنها شعرت بانزعاجك.
منار كانت تحبك كثيرا لقد ظنت ان ارتباطها برجل يشبهك قد يرضيك.

- كانت مخطئة قال نادر بجفاف. شقيقتي ما كانت تحتاج للقيام بأي شيء لجعلي راضيا. انا كنت اشعر بالفخر فقط لكونها شقيقتي
- لكنها لم تعلم بذلك قال مروان ببرود، لقد ارتبطت بعادل وهذا صب كثيرا في مصلحة العائلتين وجعل قرارها والدك سعيدا على الاقل.
انا لم اكن موافقا على هذا الزواج قال نادر بنزق.
انت لم تكن لتوافق على أي زوج قد تختاره منار. انت من رميتها بين ذراعي عادل المفتوحتين فلا تلم سيرين على ذلك.

زفر نادر بضيق لينهض مبتعدا نحو النافذة بخطوات غاضبة.
- انت لا تفهم. زواجها لم يكن السبب الوحيد لرحيلي عن المغرب. لم استطع وقتها البقاء وعائلتانا اصبحتا متحدتين لم اكن لاستطيع الاستمرار وسيرين متواجدة في حياتي بمثل هذا القرب. اللعنة لقد عشقت طفلة لم تصل بعد مرحلة النضوج. انا لم اغفر لنفسي يوما مروان.

بسبب حبي لسيرين تمكن عادل من الاستفراد بشقيقتي بتعذيبها. باصابتها بالجنون. وكل هذا لما؟ لاني لم استطع كبح مشاعري نحو ابنة عمه المراهقة. ، اللعنة علي شتم بغيظ وهو يضرب الحائط بقبضته. لو كنت هناك فقط لو كنت موجودا لاوقفت ايا ما كان يفعله بها ذلك الحقير.

في منزل الحاجة صفية: علا صراخ رنا مدويا وهي تمسك بصدرها الذي احترق من جراء القهوة الساخنة. اتسعت عينا الحاجة صفية وهي تنهض نحو ابنة شقيقتها التي كانت تتلوى من الألم قبل ان يهرع سكان المنزل مندفعين وراء الصراخ الذي اجفلهم ليفاجئوا بالمنظر الغريب لرنا التي تصرخ من الألم بينما توقفت سيرين متبلدة المشاعر تحمل اداه جريمتها بيد مرتعشة.

- ما الذي فعلته ايتها الحقيرة. صرخت الحاجة صفية وهي تلتفت نحو سيرين بوعيد. بينما تهرع نحو الهاتف للاتصال بالطبيب.
ركضت الدادا حليمة نحوها محاولة ابعاد الفستان عنها بينما سحبت مريم سيرين المرتعشة نحو غرفتها.
- تعالي قالت مريم وهي تسحبها نحو الدرج عليك الانزواء بعيدا عن الساحرة والا صبت جام غضبها عليك.

منصاعة بشكل غريب تركت سيرين مريم تقودها نحو غرفتها عقلها متوقف لا تتصور انها قد اقدمت على فعل بمثل هذه البشاعة فقط من اجل نعتها بالخادمة. هي لم تخطئ أليس هو من قرر جعل خادمة في بيته. اليست من جلبت هذا لنفسها يوم قررت العودة لتستجديه. الافكار عصفت برأسها وضجت الى ان شعرت اخيرا بالصداع يفتك براسها. كانت قد وصلت أمام باب غرفتها فتحته مريم ودلفت هي الى الغرفة لتستقر على المقعد قرب النافذة والصدمة تغلف حواسها. بينما كلمات رنا تصم اذنيها. خادمة. خادمة.

في غرفة الحاجة صفية: وضع محمد رنا التي لا زالت تصرخ على السرير. قبل ان يدخل الطبيب الذي مزق ما بقي من الثوب في محاولة لابعاد القماش عن بشرتها. خبأت يداها صدرها بعناد رغم محاولته الحثيتة في ابعادهما. الى ان صرخ بغضب ترجمته يداه على اصابعها:
- توقفي ودعيني اساعدك والا انا اضمن انك ستحصلين على جسد مشوه في النهاية.
تلك الكلمة جعلت رنا تتوقف عن المقاومة تاركة الطبيب يعاين حروقها التي بدت حمراء وملتهبة.

دقائق و خرج الطبيب من غرفة رنا ليجد كلا من الحاجة صفية، مريم والدادا حليمة مجتمعين.
- هل هي بخير دكتور سألت الحاجة صفية وعيناها تشعان بقلق: - لا داعي لخوفك قال الطبيب بهدوء، مجرد حرق سطحي. لقد اعطيتها مهدئا وبعض المراهم لتهدئة الالتهاب. وانصح بعدم تعرضها للشمس في وقت قريب. سأعود لزيارتها غذا لأغير الضمادات.

ودعت الحاجة صفية الطبيب بامتنان. جسدها يغلي من الغضب على الفعلة الشنيعة التي قامت بها كنتها. لم تستطع السيطرة على اعصابها المنفلتة اكثر. فانطلقت تصعد الدرجات ركضا نحو غرفتها تتبعها مريم المرتعشة. اخيرا فتحت الباب بقوة جعلت سيرين تقفز من مقعدها
عيناها تتجولان بين حماتها والذي كان الغضب يشع في وجهها بشراسة ونظرات مريم الخائفة. ذلك الرعب في عيني مريم اخبرها ان الحاجة صفية لم تكن في حالة طبيعية.

خصوصا حين أسرعت نحوها لتمسكها من ذراعها مسددة صفعة قوية الى وجهها جعلتها تسقط على الارض. تعال الصراخ في تلك اللحظة. لم تكن صرختها على الاقل فهول ما فعلته حماتها جعلها فاقدة للنطق.
شاهدت مريم تعدو من الباب المفتوح فعلمت انها لن تستطيع الصمود طويلا امام قسوة حماتها خصوصا مع الدوار الذي كان يمنعها من الرؤية بوضوح.

شعرت بألم رهيب ينتابها حين نزلت الحاجة صفية على ركبتيها لتمسك شعرها بيد قاسية وترفعها لتقربها نافثة كلماتها السامة في وجهها.
- اتظنين ان ما فعلته سيمر دون عقاب ايتها الحقيرة. اقسم انني سأجعلك تتمنين الموت قبل ان انتهي منك. اقسم.
حين ظلت سيرين واجمة بين يديها دون ادنى مقاومة. نفضتها عنها بقرف ليرتطم راسها بقوة على الارضية قبل ان تندفع من الباب وهي تصرخ وتتوعد.

لم تعلم كم مر من الوقت وهي مستلقية دون حركة فاقدة للوعي. قبل أن يصل مسامعها صوت دادا حليمة وهي تتوسل ببكاء:
- ارجوك سيدتي. لا تفعلي اعدك انها لن تعود الى مثل هذه الحماقة مرة اخرى.
تلاه خطوات تدخل الغرفة. تبعتها خطوات ثقيلة. رفعت راسها محاولة تفرس ملامح زوارها دون جدوى كانت الرؤيا لا تزال ضبابية...

اخيرا شعرت بيدين قويتين تحملانها من على الارض ليعلو احتجاجها وصراخها. لتسقطها تلك اليدان على السرير بقسوة. لم تستطع فهم ما يحذث لها حتى وهي تشعر بقديمها تكبلان بحزم.
لحظات وأمسكت يدان رقيقتان بمعصمها من الخلف. رفعت راسها محاولة تفرس معالم مريم التي كانت تجهش بالبكاء بينما تعصر معصميها بقهر.

سطل من الماء البارد اغرقها بعد ذلك لتشهق بقوة. اخيرا عادت تماما الى الوعي. حماتها واقفة في الزواية بطولها المميز عيناها تشعان ببريق غريب. تلوت دون جدوى محاولة التحرر من القيود ليعلو بكاء مريم فيصبح مسموعا. نظرت نحوها بذهول لكن ما الذي يفعلونه لماذا يقيدونها. صدمة الأدراك المتأخر جعلت معدتها تتقلص بخوف غريب. هل ما تظنه حقيقي. يا الهي مستحيل. لا مستحيل هل تتجرأ حماتها على جلدها كالبهائم...

- اطلبي السماح قالت مريم بهمس ممزوج بالخوف. ارجوك اطلبي السماح منها لا تجعليها تعذبك.
لم تستوعب سيرين لوهلة ما الذي كانت تفعله مريم ممسكة بمعصميها. حاولت تحريك رأسها لتشعر بالقيد الذي احكم حولها يخنقها بقوة.

في خضم تخبطها الغريب تركت الحاجة صفية النافذة لتقترب منها، نظراتها جعلت سيرين تتلوى برعب. اخيرا همست والخوف يدب في اوصالها من تحديق حماتها بتلك النظرات المتوعدة. حاجة صفية انا اسفة. انا فعلا اسفة.
ابتسمت الحاجة صفية باستهزاء وكأن اعتذارها لم يساو حتى الحروف التي نطقتها لتقول بصوت اثار الرعشة في جسدها:.

- أتعلمين. الشيء المزعج ليس خيانة الثقة التي حصلت عليها في الاسابيع المنصرمة وانا اتركك تتجولين بحرية. الأكثر ازعاجا في هذا الحادث القبيح برمته أكملت وهي تنظر الى الرعب البادي على وجه سيرين باشمئزاز.
هو عدم الامتنان! ألا تدركين الفرصة الذهبية التي منحتك في اكثر من مناسبة لترحلي عن منزلي دون عودة.
- اجل قالت سيرين وهي تحرك راسها دون وعي. موجة من الغثيان عصفت بها وهي تستشعر الخطر القادم.

- أنت مجرد عاهرة حقيرة عديمة الفائدة. من سوء حظ ابني انه ارتبط بك، لكنني رغم ذلك عاملتك بطيبة وتركت لك حرية الرحيل حتى بعد ان اعادك
لكن كيف عبرت عن امتنانك. بتشويه ابنة شقيقتي والتي هي في مرتبة ابنتي وضغطت على الكلمة بقسوة.
علا نشيج مريم في تلك اللحظة. ركلت الحاجة صفية ساقها بقوة جعلتها تصرخ.
اغلقي فمك الحقير صرخت مهددة -
بينما انحنت لتهمس في اذن سيرين التي شعرت بدنو اجلها.

- انا اسفة. اسفة كررت سيرين وجسدها يرتعش بقوة من الخوف بينما عيناها تتجولان حولها بترقب.
اعلم قالت الحاجة صفية وهي تربث على شعرها المنسدل بحنان غريب، اعادت خصلة نافرة وراء اذنها لتقول:
انا اعلم بانك اسفة سيرين وانا اسامحك على غبائك...
لكن! دائما لكن اللعينة. دائما. فكرت مريم وهي تنظر الى السيدة صفية برعب هستيري يداها تضغطان على معصمي سيرين دون شعور.
لكن الأفعال دائما ما يكون لها عواقب. -.

بقوة مزقت الحاجة صفية قميص سيرين لتظهر بشرتها البيضاء الرقيقة من خلاله. استلت السيخ المحمي من يد محمد بهدوء تام، وقبل ان تستوعب سيرين ما يحدث شعرت بحرارة قوية تلفحها تلتها رائحة مؤلوفة. جلد يحترق بشرتها هي. الادراك تحول سريعا الى الم لا يطاق، شقت صراختها جوالغرفة الهادئ لتفقد الوعي امام عيني حماتها والتي لم يظهر عليها أي تأثر.

الان يمكنك فك وثاقها قالت الحاجة صفية بهدوء قبل ان تترك مريم متشبة بمعصمي سيرين الفاقدة للوعي وهي ترتعش من الألم والخوف.
في المستشفى النفسي بالدار البيضاء: دخل معاذ غرفة منار ليفاجئ بأمين المنزو في احد اركان الغرفة. ملقى على الأرض يعلو وجهه اشد انواع الضياع والخوف. كان يتمتم بكلمات غير مفهومة وهو ينظر نحو الحائط وكأن العالم توقف من حوله.

اقترب معاذ منه يهزه بقوة دون جدى. رفعه عن الارض ليقف على قدميه. ظل يترنح بشكل غير طبيعي، اخيرا نظر نحو معاذ الذي ظهر القلق جليا على ملامحه نظراته تتفحص وجه امين المرعب. قبل ان يصفعه تعليقه. انه هو لقد كلمني. يا الهي لقد فقدت عقلي.
صرخ معاذ طلبا للمساعدة وهو يمسك بجسد صديقه الذي تهاوى فاقدا للوعي من الرعب.
هل سيكون بخير سألت الممرضة الشابة وهي تنظر الى امين المستلق باستسلام على احد اسرة المستشفى.

عبس معاذ وهو ينظر الى صديقه. هو لم ير أمين بمثل هذا الضياع من قبل. ايعقل ان منار هي السبب. هل هنالك علاقة بين الظل الذي رآه وبين انهيار صديقه الغير متوقع.
زفر بتعب قبل ان يوجه كلامه للممرضة الشابة.
- لقد حقنته بمهدئ قوي. لن يصحو منه قبل الغد
يمكنك الانصراف الان
سأبقى الى جانبه قالت الممرضة الشابة بتوتر...
حرك معاذ كتفيه دون اهتمام ليغادر الغرفة متجها نحو زنزانتها.

ايا ما حصل لأمين فسببه موجود هناك في تلك الغرفة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة