قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل التاسع

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل التاسع

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل التاسع

أسبوعان على الحادث: تأملت رنا انعكاسها في المرآة الطويلة لغرفة النوم تتحسس بقايا الحرق الطفيف والذي لم يترك اثرا فعليا.
قبل ان تضع المزيد من مساحيق التجميل تغطي بها ندبة غير موجودة.
تنفست بعمق لتعود مرة اخرى لتبرجها المتقن مضيفة المزيد من أحمر الشفاه القاني. اليوم سيأتي مروان وهي لن تقبل مطلقا ان يراها بجسم مشوه.

بخت المزيد من العطر على معصميها قبل ان تغادر الغرفة نحو الحديقة حيث كانت الحاجة صفية تنتظرها.
اتجهت سيرين بقدمين مرتعشتين نحو نافذة الغرفة و التي اقفلت بإحكام.
ركعت قرب افريزها وادخلت اصابعها بقوة بين الألواح الخشبية محاولة ابعادها علها بذلك تسمح للقليل من اشعة الشمس بالدخول.
حين بائت محاولاتها الحثيثة بالفشل.
جلست على الأرض مسندة رأسها الى الحائط بينما غامت عيناها بدموع الألم والحزن كالعادة.

مر اليوم اسبوعان منذ قررت الحاجة صفية منعها تماما من مغادرة غرفتها واجبارها على البقاء حبيسة جدرانها المرعبة.
منعت كلا من الدادا حليمة ومريم من زيارتها، وحدها زهرة عمة مريم التي عادت الى المنزل بعد شفائها. من كانت تحضر لها صينية الطعام والتي في الغالب كانت تعود كما اتت دون ان تلمس.
كل ليلة كانت تقنع نفسها بالصمود.
بأنها لن تسمح لنفسها بالانهيار.
انها لن تدوي داخل هذه الجدران المشئومة.

فهي عاجلا كانت ستغادر هذا السجن وهذه المدينة دون رجعة.
عليها فقط الاحتفاظ بعقلها الى ان تحين الفرصة. حينها ستقتنصها بكل ما اوتيت من قوة وترحل عن هذا البيت اللعين دون أسف او نظرة الى الوراء.
وضعت يدها لا اراديا على الندبة التي خلفتها حماتها.
لمستها هذه المرة لم تكن خشنة كالسابق.

مفعول المرهم اليدوي الذي صنعته الدادا حليمة من اجلها تفاديا لأي ندوب بشعة في المستقبل قد اتى ثماره، على الأقل لن تحصل على ندبة أخرى تذكرها.
هل كانت الكلمات المسمومة التي رمتها بها رنا تستدعي ما فعلته.
هل كانت تحتاج المزيد من الندوب لتذكرها بانتمائها يوما الى هذه العائلة السادية.
تنفست بعمق محاولة ادخال المزيد من الهواء الى رئتيها.

جدران الغرفة بدأت تضيق على صدرها يوما بعد يوم لدرجة تمنعها من التنفس بحرية.
نظرت بشرود الى الباب المغلق لغرفة تبديل الملابس الصغيرة.
نهضت من البلاط الخشبي ببطء لتقترب بهدوء من الباب الذي اصدر فتحه صرير مزعجا.
رغبة غريبة في الاستلقاء داخل المكان الضيق الشبيه بملجئ غزت عقلها وكأنها تنشد الأمان بعيدا عن جو الغرفة المشحون بالذبذبات و التي ما فتأت تعود بقوة كل ليلة واقوى من الليلة التي سبقتها.

فكرة انه قد يكون الملاذ الذي تنشده جعلتها تذعن لتلك الرغبة المجنونة وكأن قوة خارجية تدفعها لذلك.
وضعت راسها على الألواح الخشبية القاتمة والمشبعة بروائح غريبة. استنشقت بقوة محاولة تمييز الرائحة.
رائحة قديمة لشموع ممزوجة بعطور لم تستطع تكهن ماهيتها
رفعت عينيها الى الأعلى واستغرقت في النظر الى السقف
الذي بدا لها كلوحة سريالية خطت منذ زمن طويل.

هل كانت هذه الرسومات موجودة في الواقع ام ان وجودها وحيدة لأيام طويلة جعلها ترى اشياء غير موجودة.
هل هي مفعول المسكنات ام تراها فقط كانت هنا منذ البداية
هي فقط من لم تنتبه لها يوما.
امعنت النظر مجددا في السقف. دائرة مرسومة بطريقة خرقاء بلون ابيض.
للوهلة الأولى لا يمكن للناظر تحديد ما الذي احتوته الدائرة الغريبة والموجودة في مكان اغرب. لكن
وبمجرد ان اعتادت عيناها على الرسم.

حتى ظهر مثلث ثم ثان متداخلان بشكل غريب.
دققت النظر اكثر محاولة فهم معنى وجود مثلث وسط الدائرة
واخيرا انقشعت الغمامة عن عينيها
و اتضحت الزوايا المخفية لتظهر نجمة مكتملة
نجمة داوود!
ظلت سيرين تتأمل الشكل الهندسي باستغراب
ما الذي كان يفعله عادل في هذه الغرفة بالظبط.
جعلها التفكير بعادل تشعر بقشعريرة و برغبة غريبة في النوم تعتريها
ليتخلل عضلاتها تخدير وبرودة سرت الى عظامها.
رغم انها قد استيقظت للتو.

أصبح جفناها ثقيلان اخيرا
سيطر عليها احساس قوي بالتعب
لتغمض عينيها سامحة للنوم بسحبها الى عالم الأحلام.
في مطار اورلي بباريس قبل الإقلاع بدقائق: وضع مروان الكتاب الذي كان يطالعه لينظر الى الى صديقه.
والذي كان وجهه لوحة من الاظطراب والقلق
يحرك الصفحات على هاتفه الذكي بعصبية بالغة
لدرجة لم يسمع التحذير الذي اطلقته المضيفة للمرة الثانية وهي تنظر نحوه بقلق.

انتبه مروان ان المضيفة الحسناء قد تركت مكانها مقتربة نحوهما بخطوات حثيثة. واخيرا توقفت ونظراتها تلتهم الرجل الوسيم الذي كست ملامحه الوجوم
والذي من الواضح انه لم يهتم للحظة بتحذيرها.
انحنت بدلال مفرط مقتربة من مقعده
لتقول بصوت صبت فيه كل انوثتها
محاولة اخراجه من الشرود البادي على ملامحه: - سيدي الطائرة ستقلع بعد لحظات عليك وضع حزام الأمان واقفال هاتفك على الفور.

رفع نادر رأسه بعد ان كان غارقا في التفكير
ليتأمل الفتاة التي بدت مستفزة باقترابها الشديد منه
مما جعله يعود تلقائيا الى الوراء
بينما ضجت ملامحه باحتقار شديد لطريقة الاغراء السوقية الفجة التي كانت تتعمدها في مخاطبته. زفر بقوة منفسا عن غيضه عيناه تتجولان على منحنياتها المرسومة بشكل لم يترك مجالا للخيال:
بينما اتسعت ابتسامتها وهي تنظر اليه بنظرة لم تخف اعجابها الشديد بوسامته.

فاجئها صوته البارد وجعل الابتسامة تختفي
وعيناها تتسعان على ملامحه الساخرة وهو يقول: لقد اقفلت الهاتف الآن يمكنك الرحيل.
ظلت لثوان تنظر نحوه ببلاهة عيناها ترمشان غير مصدقة للطريقة التي عاملها بها
قبل ان تحرك راسها باذعان معتذرة من كليهما وترحل بخطوات سريعة.
ابتسم مروان باستهزاء دون ان يشيح عينيه عن كتابه: - هل كان عليك ان تكون فظا لهذه الدرجة.

ليس من العدل ان تنفس غضبك وتصبه على اشخاص انت حتى لا تعرفهم.
زفر نادر بنفاذ صبر موجها نظراته نحو صديقه الجالس قربه باسترخاء تام
ليقول بصوت خرج مشبعا بالمرارة: - وما الذي تقترحه؟ على من تريدني ان اصب غضبي عليك مثلا؟
- ربما قال مروان بنفس اللهجة المستفزة قبل ان يحرك الصفحة بهدوء .

او ربما عليك ان تهدئ قليلا. اعلم ان رؤيتها تعيد اليك الكثير من الغضب الذي اختزنته نحو عائلتها لسنوات وانك تصب جام غضبك على الجميع لأنك تعلم جيدا ان هذا الغضب لن تستطيع توجيهه نحو الأشخاص المعنين به. لانهم بكل بساطة أموات. الا يكفيك مغادرتهم الحياة بتلك ا لطريقة المأساوية كعقاب على ما فعلوه.
- لا قال نادر بصوت قاطع .

لا يكفيني مروان لا يكفيني سوى الثأر لشقيقتي. لن يكفيني سوى ان أرد لها الصاع صاعين و أراها تعاني كما عانت شقيقتي لسنوات.
- اذا فأنت تحكم على نفسك بالعذاب. ليست سيرين الوحيدة التي قد ينالها انتقامك
انت تعلم انه لكي تصل الى ما تريده انت تنتقم من نفسك في المقام الأول.
لماذا لا تتوقف عن ازعاجي بترهاتك النفسية. -
انا قادر على احتواء انتقامي لا يجب عليك القلق لذلك.
وان كان هنالك من يحتاج للقلق فهو انت.

زوجتك الساحرة لن تتوان عن خنقك لقرارك المتهور.
- هي ستتفهم اسبابي قال مروان بسخرية.
على الاقل قد تسعد بالبقاء قليلا في الوطن.
اذا فأنت لا تعرف زوجتك جيدا. علق نادر باستخفاف.
قبل ان يضع سماعات اذنه محدقا في الشاشة امامه بشرود واضح قاطعا أي طريق امام مروان في معرفة ما يخطط له منذ قرر العودة معه.

في المصحة النفسية بالدار البيضاء: تقدم معاذ نحو زنزانة منار بثبات قبل ان يتوقف على بعد خطوات منها. أمسك بهاتفه محاولا الاتصال وقبل ان يتم رنينه الأول رفع رأسه ليفاجئ بالشيخ الفزازي في اخر الرواق يتحدت الى الممرض المسؤول عن الطابق.
ابتسم معاذ ليترك الهاتف ينزلق بهدوء في جيب معطفه الطبي مقتربا من حيث وقف الشيخ غير منتبه لوجوده.
- في وقتك تماما.

قال معاذ وهو يمد يده الى الشيخ الذي ابتسم بهدوء. مصافحا اليد الممدودة نحوه قبل ان يصحبه معاذ الى مكتبه ليشرح له الحالة بالتفصيل.
في مكتب معاذ بالمستشفى: شرح معاذ للشيخ حالة منار باقتضاب شديد محاول عدم الغوص في الحالة الى ان يلتقي بها. كان يرغب ان يترك له المجال لتحديد حالتها دون أي تأثير خارجي.
اخيرا نهض معاذ من وراء مكتبه ليصحب الشيخ نحو زنزانة منار.

اخيرا توقف الشيخ امام زنزانة منار قائلا: - ايا كان ما ستقوله لا تخاطبها مباشرة وان طلبت منك امساكها فمن الافضل ان تمسكها من الخلف لا تدع كلماتها تؤثر فيك. اه واخيرا اذا ظهرت أي علامات على تحولها لا تنظر الى عينيها ودع أمر مخاطبتها لي أنا مفهوم.
- مفهوم قال معاذ وهو يأمر الممرض بفتح الباب.

في زنزانة منار: فتح معاذ باب الغرفة، كانت منار كالعادة مستلقية على سريرها تنظر الى السقف وقد احاطت جسدها بذراعيها بطريقة حمائية. لا وجود لأي اشارة انها شاهدتهم او احست بوجودهم.
اقترب معاذ منها. انتفضت من مكانها وكأن وجوده افزعها قبل ان تنتفض واقفة وهي تقول:
- يا الهي معاذ هذا انت يجب ان تساعدني علي الخروج من هذا المكان. انه مرعب اشعر بأني سأختنق هنا من فضلك ساعدني.

كان الشيخ الفيزازي يتأمل الفتاة بنظرة خبيرة، منذ دخوله وهو يجيل النظر في انحاء الغرفة مركزا على كل تفصيل ولو صغير فأي علامة مهما كانت تافهة تخبره بشيء عن حالتها
فتح حقيبة يده اخيرا ليخرج منها قنينة ماء وكاميرا رقمية صغيرة يستعملها عادة في توثيق كل حالات الصرع التي يقوم بها.
تعوذ بالله من الشيطان الرجيم وجلس على المقعد غير بعيد عنهما قبل ان يبدأ بتلاوة آيات مختارة من القران.

في نفس اللحظة التي بدأ الشيخ بتلاوة الآيات بدأ تنفس منار يضطرب ويصبح اكثر خشونة.
عيناها رباه عيناها تحولتا بلمح البصر من زرقتهما المميزة لتتسع حدقاتهما وتصبح بسواد الليل.
افلتت ذراعيه بعنف لتسقط على ركبتيها على الأرض.
اصابعها تتشنج ناشبة اظافرها في الأرض وصوت انفاسها يعلو ويهبط لتصبح حشرجة قوية ثم كخوار ثور هائج.
اقترب الشيخ الفيزازي منها ليأمرها بهدوء ان ترفع رأسها نحوه.

للحظات ظلت صامتة ويداها تنغرسان اكثر في الأرض وقدماها تتشنجان بقوة.
اخيرا بدأت تصفر بصوت مخيف وشعرها يتمايل وكأنها تقوم بطقس وثني لترفع رأسها فجأة تحدق في الشيخ بنظراتها المرعبة وتبصق في وجهه بينما تعالت ضحكاتها بصوت زرع القشعريرة في جسد معاذ.
مسح الشيخ الفيزازي الأثر عن وجهه وابتسامته الهادئة لا تفارق محياه
وكأنه كان ينتظر منها ان تقوم بذلك.
ليفتح قنينة الماء التي كانت بحوزته ويصب القليل على وجهها.

صرخت منار وكأن الماء احرقها لتتلوى على الارض وكأنها تحترق فعلا.
اقترب معاذ راكعا قربها محاولا اسعافها رغم اعتراض الشيخ الفيزازي على ذلك.
لكنه لم يهتم في تلك اللحظة سوى بسلامتها وهو يراها تعاني.
فتحت عينيها ونظرت اليه بتوسل: - ارجوك معاذ توسلت منار وهي تضع يدها على كتفيه وكأنها توازن نفسها بهما. اطلب منه الرحيل لا تدعه يؤذيني.

للحظة لانت ملامح معاذ ويدا منار تسرحان بحرية على كتفيه لتصل الى رقبته محدثة رعشة فطرية جعلتها تضحك باستهتار قبل ان تطبق يداها على حلقه بقوة ساحبة منه انفاسه وهي تقرب وجهها بطريقة خطرة.

انفاسها الحارقة تلفح وجهه وهي تقول بصوت لم يشابه شيئا سمعه على الاطلاق: مازلت تحبها. تموت فيها حبا كالسابق. كائن ضعيف خاضع لا أدري ما الذي رآته فيك في المقام الأول هل فكرت فين أن تغتصبها يوما. امم احساس جميل ان تكون لك اليد العليا على كائن ضعيف.
حين صدح صوت الشيخ بالتلاوة مرة اخرى. انتفضت منار ملقية معاذ الذاهل الى الجدار يتنفس الهواء بصعوبة لتصرخ:.

- اصمت. ايها الشيخ اللعين اصمت وارحل من هنا قبل ان اجعلك تلعن اليوم الذي ولدت فيه.
- حقا!
قال الشيخ بابتسامة ليقترب منها ويضع يده على راسها مرغما اياها على الركوع بينما تتلوى غير قادرة على ازاحته.
لتسقط تحت قدميه. كتفاها تتقلصان بطريقة غريبة. محاولة خلعهما من مكانهما.
- امسك بها الان!
صرخ الشيخ في معاذ الذي ظل متيبسا في مكانه مشاعره متبلدة وكلماتها تطن في اذنيه.

اخيرا اقترب منها محاولا إمساك ذراعيها بينما الشيخ يصب عليها الماء من جديد.
- تبا لك. ايها القذر. ايها الحقير صرخت منار محاولة الابتعاد عن المياه التي تغرقها بينما تشبثت ذراعا معاذ القوتين بها غير سامح لها بالفرار.
اخيرا في حركة غريبة لوت منار ساقيها حول خصر معاذ مقربة جسدها منه بحميمة. لسانها يتحرك بشهوانية جعلت جسده يتصلب بينما عادت أصابعها لتعبث بصدره مقربة وجهه اليها لتهمس له بإغراء:.

أحبني معاذ. أليس هذا ما تريده؟! اجعلني ملكك والان.
انتفض معاذ مزيحا جسدها عنه ليبتعد الى اقصى نقطة من الغرفة. جسده يرتعش بينما قهقهت هي بصوت مخيف وكأنها تتسلى به
قبل ان تصرخ مجددا حين وضع الشيخ الفيزازي يده على جبينها يداها تتقلصان بعلامة الشيطان محاولة ابعاده
- اتركني ابعد يديك القذرتين عني.

لكنه لم يبتعد ظل يقرأ عليها الى ان عادت عيناها الى حالتهما الطبيعية. نظرت الى الشيخ بشرود قبل ان يسقط راسها على الأرض فاقدة الوعي.
حينها فقط توقف الشيخ الفيزازي عن تلاوته. مسح العرق الغزير الذي تصبب من جبينه. ليقترب من معاذ المنزوي في ركن بعيد وعلامات الحيرة والخوف تعلو محياه ليخاطبه بصوت واثق:
- أظن أنني قد تأكدت اليوم مما طلبتني لأجله.
ألقى معاذ نظرة نحو جسدها المسجى بهدوء على الارض.

وقد غطى شعرها ملامحها المتعبة...
يا الهي كيف لهذا الجمال الرقيق
أن يتحول الى تلك الروح الشيطانية
التي اغوته بسفور منذ قليل.
تنفس بقوة قبل أن ينهض متجها نحو الباب الذي كان مغلقا من الخارج يطرقه طالبا من الممرضين الدخول واللذان تكفلا بحمل منار الى سريرها وتوثيق يديها وقدميها باحكام.
في غرفة سيرين: دخلت زهرة تحمل صينية الفطور كالعادة
لتفاجئ بسرير سيرين فارغ منها.
تجولت بعينيها في الغرفة تمشطها سريعا.

باب الحمام كان مفتوحا لا يصدر عنه أي صوت.
أين تكون يا ترى؟! هل تحدت تعليمات الحاجة صفية بالخروج
كيف والغرفة مغلقة بإحكام همهمت باستغراب.
اخيرا نظرت نحو باب غرفة الملابس والذي دائما ما كان مغلقا لترتعش من الخوف وهي تنظر الى الجسد المسجى وسط الخزانة.
صرخة من الرعب شقت هدوء الغرفة وسقطت الصينية على الأرض مصدرة ضجيجا قويا جعل سيرين تصحو من غفوتها
لتنظر بذهول نحو زهرة التي اقتربت منها ركضا.

لتحركها بقوة وكأنها تتوقع الأسوء.
- يا الهي أي فتاة مجنونة انت. ما الذي دهاك؟ لماذا تنامين هنا بحق السماء.
رفعت سيرين عيناها تنظران الى زهرة التي انسحبت الدماء من وجهها قبل ان تعيد شعرها الى الوراء بضياع وهي تحاول تذكر كيف وصلت الى هنا.
- لا اعلم قالت سيرين وهي ترفع نفسها عن الأرض. متمسكة بكتف زهرة .
لا ادري. اظني فقدت وعيي وانا احاول تغيير ملابسي.
ظهرت نظرة عدم تصديق على وجهه المرأة العجوز.

كانت تتأمل سيرين وكأنها فقدت عقلها.
قبل ان ترفع الصينية التي تناثرت محتواياتها على الارض
لتقول بصوت امر: - لا تتحركي من مكانك ساعود لترتيب هذه الفوضى حالا.
حركت سيرين راسها بشرود.
قبل ان تتحرك بالفعل متفادية الشظايا التي تناثرت في كل ارجاء الغرفة
متجهة نحو الحمام.
ما الذي يجري لها بحق السماء كيف وصلت الى هناك دون حتى ان تعلم بذلك.
أشياء غريبة تحصل معها منذ أيام دون ان تصل الى تفسير.

تنفست بعمق قبل أن تفتح صنبور المياه.
غسلت وجهها وشعور غريب ينتابها.
قشعريرة عبرت جسدها فجأة حين ارتفع راسها عن المغسلة هذه المرة
كانت تحدق الى المرآة. لكنه يكن انعكاسها ابدا.
في غرفة الطعام: كانت رنا ترتشف قهوتها منهمكة بمطالعة احدى مجلات الأزياء المهمة.
بينما الحاجة صفية تتناول فطورها بهدوء.

دخلت زهرة الى الغرفة ووجه شاحب من الصدمة لتقول: - اعتذر على مقاطعة فطورك حاجة صفية. لكن هنالك ما أود اطلاعك عليه
رفعت الحاجة صفية راسها بهدوء لتقابل وجه زهرة المرتعب وتسألها ببرود: - ما الذي تريدينه الآن زهرة.
أظن أننا تحدثنا بالأمر. مريم لن تعود الى الدراسة مجددا وهذا امر قد انتهينا منه.
- لا. ليس الأمر كما تظنين قالت زهرة بارتجاف طفيف وهي تكبت غيظها بصعوبة:
السيدة سيرين.

رفعت رنا رأسها بعد ان كانت غير مهتمة بالموضوع لتسأل الخادمة بشراسة: - ما بها الحقيرة الأن،
لقد وجدتها ملقاة على الارض في غرفة تبديل الملابس
- واذا قالت رنا وقد عادت الى هدوئها.
- اظنها مريضة. هل أستدعي الطبيب سالت زهرة الحاجة صفية والتي كانت تنظر إليها وعيناها تلمعان بقسوة.
- لا قالت الحاجة صفية بصوت قاطع. لا داعي للاتصال بالطبيب
- لكن.

- لكن ماذا؟ رفعت الحاجة صفية حاجبها وقد أثارها مناقشة زهرة لأوامرها على غير العادة حفيظتها.
- سيعود السيد نادر اليوم. لا اظن ان رؤيتها بتلك الحالة ستسره.
اطرقت الحاجة صفية براسها بينما تابعتها عينا رنا باضطراب.
- اتصلي بالطبيب واخبريه بأن يحضر فورا.

في مكتب معاذ: جلس معاذ على مقعده بشرود يحرك قلما بين أنامله، بينما اكتفى الشيخ الفيزازي بالنظر الى ملف منار دون حاجة الى مساعدة فهو كان طبيبا قبل ان يقرر تغيير المهنة التي درسها لسنوات. مقررا أن هنالك أمراضا أصعب من المرض العضوي. تلك الأمراض التي تسقم النفس وتجعل الانسان قشرة مفرغة من كل إحساس. مجردة اياه من انسانيته تلك هي اعظم الامراض واشدها علة.

اخيرا رفع عينيه عن ملف منار الطبي ليحدق في معاذ مخرجا إياه من شروده.
- هل وجدت ما تبحث عنه معاذ. هل هذا هو التفسير الذي احتجت اليه بعد كل شيء.
حرك معاذ راسه بعد ان كان شارد الذهن لينظر الى الشيخ الفيزازي بعينين ملأتهما الحيرة والضياع:.

- لا اعلم. انا فقط لا اعلم ما الذي علي تصديقه. ربما نكون على خطئ. لربما احاول التغطية على فشلي بما افعله هنا. هي مريضة لقد قتلت زوجها. اجتزت اوردته بحق السماء ما الذي كنت انتظره منها.
نهض الشيخ الفيزازي واضعا ملف منار على المكتب قبل ان يقترب من معاذ ويقول: - حذار مما تفعله هنا ايها الطبيب.
- ما الذي تعنيه؟ سأل معاذ رافعا يده عن جبينه محدقا في مخاطبه.

- اعني ان اختيارك عدم الايمان بوجود الشيطان لن يحميك منه.
اخد الشيخ حقيبته واتجه نحو الباب وقبل ان يصل
قال بنفس الهدوء: دعها لتستريح قليلا. سأمر بعد بضعة ايام لأراها، لديك رقم هاتفي اذا احتجتني في أي وقت.
مع هذه الكلمات ترك الشيخ معاذ الذي غرق مرة اخرى في افكاره القاتمة.
في غرفة سيرين: علا صراخ سيرين الذي وصل صداه الى كل من في البيت. كانت تصرخ مرتدة عن الحمام وهي تزحف باكية.

فتح الباب في تلك اللحظة لتدخل زهرة تتبعها مريم التي لم تستطع منع نفسها من الصعود رغم تحذير الحاجة صفية وتهديداتها. لتجد سيرين على الأرض تزحف برعب الى ان تكومت اخيرا وانزوت في ركن بعيد من الغرفة. جسدها يرتعش بينما تعلو اساريرها اشد انواع الرعب والهلع.
- يا الهي!
صرخت مريم وهي تركض لتجثو قرب صديقتها وتحتضنها بقوة.
مابك سيرين ما الذي حصل؟

كان الصمت المطبق هو الجواب ظلت مريم تهدد سيرين الفاقدة لكل انواع التجاوب الى ان وصل الطبيب الذي امر بوضعها على السرير لمعاينتها.
في مطار الدار البيضاء: وصلت الطائرة أخيرا الى مطار الدار البيضاء.
كان مروان هو من اقترح زيارة قصيرة لمنار قبل ان يتجها الى طنجة.
فهو كان قد اخد اجازة طويلة من العمل وعاد للمغرب خصيصا من اجلها
كيف لا وهو يرى صديق طفولته يذوي حزنا بسبب مرضها
فكان أقل ما يمكنه القيام به.

اقتراح معالجتها الى جانب اصدقائه القدامى حتى لو تحايل على القانون لفعل ذلك.
زفر بقوة وهو ينظر الى ملامح صديقه والتي قست أكثر كلما اقتربا من وجهتهما. لم يستطع نادر رغم صلابته الظاهرة ان يتعامل مع مصاب منار شخصيا.
لم يستطع يوما زيارتها في زنزانتها الانفرادية ولا رؤية التحول الذي اصابها. صغيرته المفعمة بالحياة والتي فقدت روحها واصبحت جسدا ميتا فارغا.
اخيرا توقفت السيارة قرب المستشفى النفسي.

حرك مروان كتف صديقه الشارد لينتبه اخيرا
انهما وصلا الى وجهتهما.
زفر نادر بقوة قبل ان ينزل من السيارة
يرافقه مروان نحو المستشفى حيث احتجزت شقيقته منذ سنوات.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة