قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل السابع عشر

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل السابع عشر

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل السابع عشر

انتزع نادر نفسه بالقوة مبعدا يديه عن سيرين التي حدقت إليه باستغراب مندهشة من ردة فعله الغريبة.
انكمشت على نفسها وكأنها قامت بشيء خاطئ بينما عيناها تنظران إليه باتساع...

تنفسه كان سريعا وهو يعيد شعره إلى الوراء بينما اشتعلت عيناه ببريق الرغبة. رغبة قوية متقدة هددت بإيصالهما إلى الجحيم. تأملته سيرين غير واثقة من ردة الفعل التي تنتابها بقربه، ذلك الشعور المريع الذي سيطر على مشاعرها منذ أن استيقظت في المستشفى فاقدة لذاكرتها مع رجل لا تعرف عنه أي شيء اختفى تماما وهي تبادله القبلات بنفس التوق الذي بادلها بها. لقد كان قويا مسيطرا وحنونا بشكل جعل دفاعاتها تتلاشى لتنفجر المشاعر التي دأبت على كبتها وتتبلور في ذلك العناق الذي تركهما مقطوعي الأنفاس.

عيناها كانتا غائمتين من المشاعر التي طوقتها وجعلت تفكيرها ضبابيا. رفعت يدها نحوه وكأنها دعوة صريحة تلقاها نادر سريعا. عيناه تشتعلان برغبة وحشية جعلت معدتها تتلوى من الخوف والإثارة...

أمسك يدها الممدودة وفي لمح البصر سحبها لتسقط بين ذراعيه، شعرت بعضلات صدره الصلبة على راحتيها وكانت كماس كهربائي اخترق جسدها وجعلها ترتجف. حاولت الابتعاد عنه. لكنه كان احتجاجا واهِياً، متأخرا لم يستمع له نادر وهو ينحني قليلا ليطوق خصرها بذراعيه ويحملها نحو غرفة نومهما، بينما فمه يجتاح شفتيها بقبلة نارية عاطفية تركتها مقطوعة الأنفاس...

أخيرا مددها على السرير دون أن يترك فمها بينما يداه تعبثان بكنزتها الصوفية السميكة. أصابعها الرقيقة تسللت إلى صدره محاولة فتح أزرار قميصه بتخبط جعلها تقتلع زرين.
- آسفة، تمتمت من بين شفتيها
نظر نحوها باستغراب كان صوتها ناعما عاطفيا ومثيرا جعل قلبه يضخ الدم بقوة في شرايينه، يشعر وكأن تلك العاطفة لو استمرت لوقت أطول سيحترق ذاتيا بين ذراعيها اللتان طوقتا رقبته وتخللتا شعره في دعوة صريحة للحب.

يا إلهي! هل هذه فعلا سيرين زوجته؟ هي نفسها التي تقاسمه هذه اللحظات الرائعة من المتعة؟ لا بد وأنه حلم جامح واللعنة عليه إذا حاول مقاومته. انزلقت يداها داخل قميصه المفتوح تداعب بشرة صدره البرونزي. ليجف حلقه من الإثارة التي بثتها لمساتها الرقيقة على جلده العاري. لم تكن أبدا نفس المرأة التي صرخت وبكت في أول لقاء جمعهما متحسرة بأسى على عذرية فقدتها بسببه وله. هذه المراة التي بين يديه كانت دافئة، راغبة وسعيدة بكل ما يقدمه لها.

تماسك يا نادر! أي جحيم تلقي بنفسك فيه؟ تماسك وابتعد عنها قبل أن تلعنك إلى أن تصل أعماق الجحيم! استيقظ فهذا ليس سوى حلم سوف تستيقظ منه على كابوس مرعب! نهر نفسه محاولا السيطرة على مشاعره التي تمردت بقوة. لكنها لم تسمح له ولمساتها تزداد جرأة وهي تغزو جسده وتحرك غرائزه الكامنة بسفور. بينما وقف عاجزا عن صد الإغراء الذي ألقى نفسه فيه منذ قرر الإقتراب منها...

سيرين التي بين يديه الآن كانت شخصا مختلفا تماما عن المراة الباردة التي تزوجها. شهوانية، عاطفية، جامحة، تطالب باهتمامه الكامل وتحرص على الحصول على كل ما تريده...

تمتم بلعنة بديئة بينما رفعت رأسها لتقابل شفتيه وهي تشعر أنه قد قرر الإنسحاب أخيرا وهو ما لن تسمح به على الإطلاق. لقد فات الأوان على التراجع هو رجلها زوجها ولها كل الحق في أن تكون بين ذراعيه تستمتع بتلك المشاعر التي انفجرت مع أول قبلة حقيقة تجمعهما. فكرت بشكل محموم وهي تقبل شفتيه بعمق...

سيطر نادر على نفسه للحظة مبعدا شفتيها عن فمه. نظر إلى البريق الساحر لعينيها وارتعش جسده غريزيا ليعود ويبادلها العناق بنفس القوة. نزل رأسه ببطء يقبل عنقها العاجي بينما تقوس جسدها سامحا له بحرية الوصول إليه.
- يا إلهي! أنت لا تعرفين ما الذي تطلبينه مني سيرين، تمتم في تجويف عنقها
- شش، لا أريدك أن تتكلم، قبلني فقط...

طالبته وهي تنسحب من بين ذراعيه إلى آخر السرير لتتخلص من القميص الرقيق. الحاجز الوحيد بينه وبين جلدها الناعم والذي جعل جسد نادر يتصلب من الإثارة. اختفت فكرة الإنحساب من عقله وهو ينظر إلى سيرين خاصته والذي أضفى عليها الحمل جمالا استثنائيا. تأمل جسدها باعجاب قبل أن تتوقف عيناه على البروز الظاهر في بطنها. شعرت سيرين أن جسدها كان كفيلا بكسر السحر الذي جمعهما للحظة. حاولت اخفاء بطنها البارز والذي لم يعد مخفيا.

- ماذا؟ تساءل بنعومة نبرته كانت مغرية مثيرة لا تخفي جسدك سيرين. أنت الكمال بحد ذاته. ذلك البروز التي تخفينه عني يجعلني أرغبك بجنون.

ابتلعت ريقها بصعوبة. عيناه تحدقان إليها برغبة وفضول وهو ينسلخ من كل معالم التمدن باسطا أمامها هويته الحقيقة. ليرفع نفسه على السرير بخفة لا تناسب ضخامة جسده العضلي. ليجعلها أسيرة ذراعيه ضمها إلى صدره بقوة. وكأنه يرغب بأن تمتزج به ليرفعها ويهمس في رقبتها كلماته التي خدرتها.
- هل ترغبين بأن أتوقف؟

قال مستمرا في ممارسة تعذيبه محرقا بشرتها بلمساته المتمهلة. ليخرج اعتراضها ضعيفا واهيا. استمر في تحريك أنامله على بشرتها المخملية إلى أن توسلت وقد امتلئت عيناها بالدموع...
- أرجوك...
رفع نادر رأسها لتقابل عينيه. ليهمس قرب شفتيها بصوت هادئ خدر حواسها...
- أطلبي مني امتلاكك سيرين. أطلبي وإلا توقفت...

كانت تستمع إليه وجسدها يرتعش بين ذراعيه. برودة خدرت أطرافها وفراشات ترفرف بداخل صدرها. حدقت في أعماق الرغبة المشتعلة بعينيه...
و أصمَّت أذنيها عن الصوت الذي بدأ يهمس لها بالابتعاد. حاربت الخوف الذي تملكها للحظة لتهمس له بخفوت:
- امتلكني نادر...

وكأن تلك الجملة كانت الرد السحري الذي جعل مشاعر نادر تتدفق وهو يمددها على السرير ليأخدها في رحلة بين سحاب جعلتها تضيع بين ذراعيه لتغلق عقلها عن كل الشكوك التي بدأت تحوم حولها. مستسلمة بالكامل لقوة مشاعره...
منذ عودتها للسكن تحت سقف منزلها وهي تحاول ابعاد كل الخرافات التي تفوه بها كل من الحاج الفيزازي وطبيبها النفسي. عادل كان شخصا متباعدا نرجسيا بدرجة لا تطاق لكنها لم تكن لتصدق بسهولة أنه دجَّال.

حين أتى لخطبة ابنتها رسميا اعتبرته زوجا مناسبا محترما. كيف لا وهو من عائلة بن جلون ووريث تلك الإمبراطورية الضخمة. كانت أشد سعادة حتى من ابنتها حين وافقت على الارتباط به. عكس ممانعة ابنها الكبيرة.

تنهدت وهي تعيد نفسها مرغمة من الذكريات التي تدفقت في عقلها فجأة. شعرت أنها أطالت الوقوف. أودعت المفتاح في قفل الباب الذي أصر الشيخ الفيزازي أن يظل مقفلا. فتحته بيد مضطربة ضاربة عرض الحائط بكل التحذيرات. مستحيل أن تصدق تلك الخرافات، ابنتها مريضة نفسية لا غير. وحالما يعود نادر من جنونه ستطلب منه اعادتها إلى المصحة أو إيداعها مصحة حقيقة لا تشغل دجالين بدل الأطباء...

للوهلة الأولى كان الظلام يخيم على جو الغرفة. تساءلت لما قد تقرر منار إطفاء الأضواء والبقاء في هذا الظلام الدامس. هل تحاول النوم؟ الوقت مازال مبكرا. فكرت وهي تضع يدها على القابس لتفتح الأنوار عيناها ركزتا على السرير. لكنه كان فارغا، أجالت بصرها سريعا تبحث عن ابنتها. لتتسمر في مكانها وقد شل الرعب صوتها ومنع حبالها الصوتية من العمل.

يا الهي! كانت منار واقفة في زاوية الغرفة تحفر بأظافرها الحائط. التفتت إلى والدتها تتأملها بعينين سوداوين اختفى منهما البريق وغابت زرقتها تماما لتتحولا إلى بركة سوداء مظلمة. لتصرخ صرخة قوية جعلت الحاجة صفية تنتفض برعب. قفزت على السرير مقتربة من حيث تسمرت الحاجة صفية وقد خذلتها قداماها فلم تستطع الحراك بينما منار تقترب منها بخطوات حثيثة وابتسامة صفراء مخيفة تعلو وجهها. شعرت بأن تيارا هوائيا يتحرك في جو الغرفة المشحون ليقفل الباب بقوة وتظل هي والكائن المرعب وجها لوجه والذي كانت ابتسامته تزاد اتساعا كلما اقترب منها...

ظلت الحاجة صفية مسمرة وكأنه قدماها التصقتا بالأرضية. فرائصها ترتعش رعبا بينما شل الخوف حركتها. دارت منار شبه دورة لتقبع ورائها وتهمس لها بنبرتها المخيفة:
- إذا الحاجة صفية لديها نقطة ضعف بشرية. تنفست بقوة قرب شعرها بانتشاء لتقول بصوت خرج كالفحيح. امم. أعشق رائحة الخوف خصوصا حين يكون مصدرها شخص يدعي القوة. عادت لتنظر إلى الحاجة صفية والتي أغمضت عينيها بتوتر شديد وهي تتلو المعوذتين...

- لا. لا. حاجة صفية. الرب لا يحمي الأشرار مطلقا، انطلقت ضحكة شيطانية بعثت الرعب في فرائصها قبل أن يكمل الكائن هذه المرة بصوته الحقيقي المرعب يتركهم تحت رحمتنا لنلهو بهم قليلا، إذا هل نبدأ اللهو الآن قال الكائن مطلقا ضحكة شيطانية تردد صداها جو الغرفة شعرت الحاجة صفية بنفسها تطفو وكأن أياد خفية ترفعها من مكانها. صرخت برعب وهي ترى جسدها يتقوس إلى الوراء بطريقة جعلتها تصرخ من الألم هذه المرة. وقبل أن تنبعث صرخاتها للمرة الأخيرة. أذناها التقطتا أصواتا من وراء الباب المقفل. تلاه صوت تكسر ليظهر الشيخ الفيزازي يتبعه معاذ ورنا التي شخُص بصرها دون تصديق وهي تنظر نحو الحاجة صفية المعلقة في الهواء بينما منار تبتسم لها بخبث. ركض الشيخ الفيزازي نحو منار ليضع يديه على رأسها ويبدأ بالتلاوة بينما سقطت الحاجة صفية على الأرض فاقدة للوعي قرب قدمي معاذ...

كان ينظر إلى أنوار الشارع التي تسللت من النافذة بينما التفت ذراعه حول خصرها يتلمس البروز حيث ينمو طفله والذي يجعلها أكثر أنوثة واثارة. اثارة جعلت جسده يتصلب. قبل بشرة كتفها الناعمة بحنان واستنشق بعمق رائحة شعرها المنعشة برائحة الورود البرية. وابتسم وهو يتذكر الساعات المحمومة التي تشاركاها قبل أن تسقط بين ذراعيه نائمة من التعب. حبيبته الصغيرة قد عادت أخيرا إليه وهذه المرة لن يتركها ترحل أبدا. للحظات نسي كل شيء، خيانتها، انتقامه، كرهه الشديد لعائلتها، ولم يتبقى سوى رغبته العميقة في حمايتها إلى الأبد. توقف للحظة وضربته الحقيقة ليضغط على فكه إلى أن شعر بالألم. لا بد وأنه انتحاري لا يملك أي شرف.

هذه المرأة التي تنام بين ذراعيه بسلام كانت دافئة جميلة ومحبة، لكنها لم تكن سيرين التي تزوجها تحت التهديد. تلك التي هربت يوم زفافها تاركة إياه وحيدا أمام حشد من المدعويين معظمهم كان يسخر منه بصمت. سيرين الباردة الأنانية التي ما أن تعود إليها ذاكرتها حتى تلعنه بكل اللعنات التي تعرفها متمنية أن يتعفن في أعماق الجحيم. هل ستتوقف كراهيتها عنده أم أنها ستطال طفلهما الذي تحمله في أحشائها أيضا؟ ماذا إن قررت التخلص منه؟

شعر بها تتحرك بين ذراعيه بانزعاج وانتبه أخيرا لضغطه القوي عليها. ليفلتها من بين ذراعيه وتبتعد عنه تنشد وضعية مريحة. بينما ظلت أصابعه تعبث بشعرها. والأفكار المظلمة تزحف إلى عقله ببطئ إلى أن سيطر عليه الغضب مجددا...
سحب نفسه من السرير ليدلف الحمام ويضع رأسه تحت دفق المياه الساخنة. وقد اتخد قراره النهائي. سيعلمها بالحقيقة كاملة حتى لو كان ذلك يعني فقدانها إلى الأبد...

زفر بقوة وعيناه مسمرتان على الحائط قبل أن ينتفض على صراخها المعذب...
أغلق المياه وخرج سريعا يلف فوطة حول خصره واندفع نحوها ليضمها إليه متجاهلا قطرات المياه التي بللت جسدها المرتجف. رفع وجهها إليه كانت شاحبة للغاية رموشها مبللة بالدموع بينما يعلو صدرها وينخفض بسرعة وكأنها رأت كابوسا.
- لا بأس حبيبتي، مجرد كابوس.

وكأن مجرد ذكره للكابوس قد أعادها إليه بالفعل. لتنتحب بقوة وقد شعرت فجأة بالبرد وهي تتذكر تلك الأحداث التي تجلت أمامها بقساوتها لتجعل قلبها يخفق بألم...

للحظة لم يستطع نادر سوى أن يحضنها بين ذراعيه ليهددها كطفلة ضائعة تنشد الأمان. لم يرغب في أن يعرف شيئا عن كابوسها ولا حتى أن يسألها علَّها تنسى ككل مرة. استغرق الصمت دقائق قضاها نادر ينتظر إلى أن رفعت رأسها أخيرا لتحدق في عينيه وكأنها تحاول معرفة وقع كلماتها عليه
- لقد تذكرت جنازة والدي، وأنت لم تكن هناك...

ذكرته بهدوء قبل أن تبتعد عنه لتقف و تشعر بالخجل من نفسها لقد كانت عارية أمامه مما أعادها تلقائيا إلى الساعات التي قضتها بين ذراعيه حيث كانت سعيدة وآمنة ولأول مرة منذ أن استيقظت لم تعد تشعر بالأمان. سحبت نفسها سريعا لتختفي في الحمام بينما ظلت نظراته المظلمة مركزة عليها حتى بعد أن اختفت وراء جدرانه...
في فيلا نادر،.

ظلت منار تصرخ بصوت مرعب وهي تتلوى محاولة إبعاد يدي الشيخ الفيزازي عنها والذي بدا مصرا على أن يقوم بما أجَّله لشهور. طرد هذا الكائن المظلم من جسدها وإلى الأبد...
انتفضت بقوة محاولة إبعاد يده بينما استمر هو بالتلاوة غير سامح لها بالفرار. بينما معاذ يحاول جاهدا ايقاظ الحاجة صفية والتي كانت ملقاة على الأرض فاقدة للوعي...
- يا إلهي! جسدها مليء بالكسور.

قال معاذ مستمرا في فحصها بينما يحرك رأسه غير مصدق. رفع الحاج الفيزازي رأسه لوهلة لينظر نحو معاذ، وكان ذلك كل ما احتاجته منار لتفلت من تحت يديه وتندفع بقوة نحو الباب المفتوح...
- لا تتركها تفر!

صرخ الحاج الفيزازي في معاذ الذي لحقها بسرعة محاولا إعادتها إلى الغرفة. استمرت في تسلق السلالم بينما معاذ في إثرها، أخيرا توقفت عند الباب المقفل لغرفة عادل للحظة قبل أن تدفع يدها الباب لتدخل الغرفة المظلمة ويقفل الباب ورائها بقوة...
الدار البيضاء،.

في طريق عودتها إلى المنزل، كانت سارة تفكر بعمق في الطريقة التي تحولت بها مجريات حياتها، منذ أن قررت التوغل في حياة أمين دون شروط. لقد كان واضحا معها منذ البداية، لا إلتزام من أي نوع وهي قبلت بذلك. فإذا كانت تحتاج إلى لوم أحد الآن فلن تلوم إلا نفسها فهي من سعت وراءه لسنوات حتى مع سجله الحافل بالغزوات النسائية ظلت في الظل متمسكة بأمل أن يلمحها في يوم ما وهو ما لم يحدث مطلقا. الآن وبعد أن فعل أصبحت مترددة بين القبول أو الرفض لهذا النوع من الالتزام.

توقفت سيارتها أخيرا أمام المبنى الذي يقطنه. رفعت رأسها نحو النوافذ وتنفست بعمق. الأنوار مضاءة في كامل الشقة كانت هي علامته الفارقة منذ أن انتقلت للسكن في شقته. أن يترك كل الأضواء منارة طوال الليل...
في فيلا نادر،
توقف معاذ للحظة أمام الباب وقد علت ملامحه الشحوب. كان على وشك أن يخطو خطوة أخرى قبل أن يأتيه صوت الشيخ الفيزازي محذرا:
- توقف معاذ لا تدخل الآن!

التفت معاذ إلى الشيخ الفيزازي الذي ضاقت عيناه وهو ينظر إلى الباب المقفل حيث دخلت منار منذ لحظات...
- كيف تطلب مني تركها! صرخ معاذ محتجا هي تحتاج إليَّ، منار تحتاج مساعدتي...
- بالفعل. قال الشيخ الفيزازي بنفس الهدوء هي تحتاج مساعدتك، لهذا أطلب منك بل أرجوك أن تبتعد عن هذا الباب...

حرك معاذ رأسه بالرفض. أخيرا أفلتت منه زفرة حارة قبل أن يضرب بكلام الشيخ الفيزازي عرض الحائط ويقترب من الباب محاولا فتحه، وقبل أن يضع يده على مقبض الباب اندفعت النيران قوية من العدم أمام وجهه ليعود إلى الخلف وعيناه شاخصتان من الرعب.
- مستحيل! من أي أتت النيران؟
اقترب الشيخ الفيزازي منه ليمسك بذراعه ويسحبه نحو السلالم.
- لكن ماذا عن النيران؟ سأل معاذ بذهول.

- ليس هنالك من نيران معاذ. تلك وسيلته الجديدة لابعادك عنها.
وكما توقع الشيخ الفيزازي تماما. ما أن ابتعدا عن الغرفة حتى اختفت النيران بنفس الغرابة التي اندلعت بها...
شعر بالمرض وهو ينظر نحو باب الغرفة المغلق حيث سجنت حبيبته. بينما يجد نفسه عاجزا عن مساعدتها، لم يعد هنالك مكان للعلم هنا. فما يحصل معها قد فاق طاقة علمه.

زفر بحرقة منساقا وراء أوامر الشيخ الفيزازي والذي سحبه إلى الأسفل حيث كانت الحاجة صفية فاقدة للوعي بينما رنا جالسة إلى جانبها تحرك رأسها دون تصديق...
- هل اتصلت بالإسعاف؟ سأل الحاج الفيزازي وهو يتحرك ليجثو قربها ويلمس نبضها بخفة
حركت رنا رأسها ايجابا. فاقدة القدرة على النطق من هول ما كانت شاهدة عليه منذ دقائق. حين تمكنت من الكلام أخيرا. التفتت إلى معاذ لتسأله بخوف:
- أين هي منار؟

لثوان ظل معاذ واجما وكأنه لم يستمع إليها. كان شاردا و بعيدا. نهضت رنا من مكانها لتصل إليه بسرعة وتهز كتفه.
- سألتك سؤالاً، أين هي منار؟
- دعيه! طالبها الشيخ الفيزازي وهو ينظر إلى حالة معاذ المزرية ليرد بصوت هادئ منار تحتاج إلى البقاء وحيدة لبعض الوقت. وإلى أن نتعامل مع مصاب الحاجة صفية ستظل منار بعيدة عن الجميع...

حركت رنا رأسها بتفهم. حين حاولت معرفة مكان احتجازها الجديد. جاء صوت مريم المضطرب ليقاطعها معلنة وصول الإسعاف.
حين عاد إلى الغرفة كانت سيرين تخرج ملابسها من الخزانة بهستيرية، فجأة توقفت. لتسقط على ركبتيها تنظر الى الخزانة بذهول...

تطلع نادر إليها وهي ملقاة على ركبتيها بينما بدأت الدموع تنساب على وجهها الذي اصبح شاحبا كالأموات. انتبهت أخيرا لانعكاسه في المرآة لتلتفت سريعا نحوه وتتحول نظرات البؤس إلى أخرى مليئة بالكره الشديد والغضب.

لا يحتاج الأمر الكثير من الذكاء ليعرف أن المرأة التي كانت منذ ساعات قليلة بين ذراعيه يبثها عاطفته وحبه قد اختفت وأن هذه الماثلة أمامه ليست سوى السيرين القديمة والتي في الغالب لا تكن له سوى شعور قوي من الكراهية والإزدراء...
أظلمت ملامحه وهو يقابل نظراتها الجليدية المشبعة بالكره، ليقول بهدوء لم يناسب الموقف:
- أنت تتذكرين...
- كل شيء! صرخت بمرارة كل شيء أيها الحقير!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة